1 حين يكون القضاء “بخير”!
د. عبد الحسين شعبان راي اليوم بريطانيا
لعلّ المسألة الأولى التي واجهت العراق منذ الاحتلال العام 2003 هي ” احتياجات العدالة” والسبيل للوصول إلى رضا الناس، أفراداً وهيئات، حيث يفترض أن تكون الإجراءات شفّافة وتصل إلى أفراد المجتمع الذين بإمكانهم التعرّف على مساراتها، سواء بالمعلومات أو بالمشورة القانونية، لحلّ المنازعات الجارية والوصول إلى نتائج عادلة ومنصفة.
وقد واجه العراق طائفة حادة قديمة وجديدة من النزاعات، سواء ارتفاع منسوب النزاعات العائلية وتأثير ذلك على مشاكل السكن والدخل والوضع المعاشي والاقتصادي وعلى الأطفال وتعليمهم وتربيتهم، إضافة إلى نزاعات الملكية وما صاحبها من عمليات تزوير واحتيال، وكذلك مشاكل العمل والخدمة والفصل السياسي والسجناء والمعتقلين وغير ذلك، وقد راجت في سنوات ما بعد الاحتلال منازعات لم يعرفها العراق من قبل، خصوصاً تلك التي تتعلّق بالتطهير الديني أو الطائفي أو الإثني، في العديد من المناطق المختلطة، سواء في العاصمة بغداد أم البصرة أم الموصل أم كركوك أم الحلة أم غيرها.
وإذا كان المحور الأساسي لأي نظام للعدالة هو الإنسان، فإن القضاء هو الأكثر تأهيلاً لحل النزاعات، ويفضّل الناس بشكل عام اللجوء إليه للفصل في نزاعاتهم، لكن بروز مرجعيات جديدة تقدّمت على مرجعية الدولة أضعف من دور القضاء، وخصوصاً في ظل استشراء ظواهر العنف والإرهاب، حتى بدت الدولة معوّمة أو عاجزة أو حتى متواطئة مع القوى المتنفّذة.
وقد شهد القضاء العراقي تصدّعات وتحديات عديدة ما بعد الاحتلال فثمة عيوب ومثالب عانى منها بسبب حالة الفوضى السائدة وعدم استقرار الأوضاع والظروف الاستثنائية وطول الإجراءات وتعقيدات البيروقراطية والتدخّلات السياسية والحزبية والعشائرية، مع التأكيد على وجود قضاة نزيهين وشجعان، بل إن بعضهم دفع حياته ثمناً لموقفه وجرأته ، علماً بأن مجزرة القضاء التي قام بها بول بريمر، شملت نحو 250 قاضياً، تركت صدمة كبيرة على الجسم القضائي والقانوني، خصوصاً حين احتوت قائمة الذين تم عزلهم قضاة معروفين بكفاءتهم ونزاهتهم، وقد تم إعادة بعضهم إلى الخدمة لاحقاً.
وقد واجهت احتياجات العدالة مشكلات متعدّدة ومتنوّعة، في السنوات الأربعة الماضية، شملت معالجة مشاكل النازحين واللاجئين بسبب احتلال داعش للموصل وتمدّده في محافظات صلاح الدين والأنبار وجزء من ديالى وكركوك، الأمر الذي جعل أكثر من مليوني إنسان بحاجة إلى إجراءات استثنائية تقتضي إعطاء الأولوية لعودة النازحين وإعادة الإعمار والإصلاح والتنمية وإيلاء اهتمام خاص بالمحافظات المنكوبة، وخصوصاً الموصل والبصرة، و للناس الأشد ضعفاً، لاسيّما الفقراء والمهمّشين والنساء والأطفال والشيوخ وذوي الاحتياجات الخاصة، فهؤلاء يحتاجون إلى مسارات عدالة سهلة وسريعة ومعقولة لحماية حقوقهم ومصالحهم .
وإذا كان الإنسان (الفرد) هو محور العدالة، فلا بدّ من أخذ ذلك ضمن قاعدة شمولية كلية عامة تطبق على الجميع، فكلّ ظلم يتم منعه أو حلّه بإنصاف، يُسهم في تمكين الناس قانونياً، وخصوصاً إذا تم ربطه بالتنمية.
ومن التحدّيات التي تواجه احتياجات العدالة الثقة المنخفضة من جانب الناس بالمؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية، بما فيها أحياناً بالمنظمات غير الحكومية، ممّا قد يكون له تأثير قوي على الوصول إلى العدالة، الأمر الذي يحتاج إلى تعزيز التمكين القانوني للأفراد والجماعات.
ويعاني قطاع الشباب بشكل خاص من مشكلات قانونية، سواءً في الحياة أو العمل، علماً بأن قدرته على التحمّل كبيرة، قياساً للأكبر منه سناً، وكذلك لاستخدامه شبكات التواصل الاجتماعي ومنجزات الثورة العلمية – التقنية بما فيها تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصالات والاستفادة من مصادر المعلومات والمشورة القانونية.
وقد أشارت إحصائية صدرت في لبنان (2017) عن “معهد لاهاي للابتكار القانوني” (هولندا) HiiL وبالتعاون مع “المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة” (بيروت)، إن 73 % من الشباب يعتمد على هذه المصادر، في حين أن نسبة غير الشباب تقل عن 50%، وتظهر الدراسة أن معدل انتشار المشاكل بين الشباب، ولاسيّما الجرائم المنظمة وقضايا العنف والإرهاب، هي الأكثر شيوعاً على المستوى العالمي، بحكم اندفاع الشباب وروح المغامرة والتحدّي التي يمتلكها، ناهيك عن عدم تقدير العواقب القانونية لما يقدم عليه أحياناً.
أما احتياجات العدالة بالنسبة للمرأة فهي في الغالب تتعلّق بالتمييز وعدم اعتماد مبادئ المساواة ، إضافة إلى القوانين المجحفة ، وبعض التقاليد والعادات البالية بالضد من “اتفاقية سيداو” الدولية بشأن “منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (1979). وتتدنّى ثقة النساء بالسلطات الرسمية لجهة تأمين مستلزمات احتياجات العدالة بسبب النظام الاجتماعي الذكوري والمنحاز، والتفسيرات الخاطئة والتأويلات المغرضة للنصوص الدينية.
لم يسأل ونستون تشرشل الزعيم البريطاني عن الدمار الذي أصاب المدن البريطانية بسبب القنابل الألمانية، بل كان أول سؤال وجهه لمن حوله: هل القضاء بخير؟ وحين كان الجواب مطمئناً، قال إن بريطانيا بخير، وهو الجواب الذي اطمأن إليه شارل ديغول حين دخل فرنسا محرّراً وسط دمار عام، لكنه حين عرف أن القضاء فعّال وأن الجامعات كانت تشتغل بطاقة وحيوية حتى في الملاجئ قال: إذاً فرنسا ستنهض.
2 حتى لا تشرق شمس فنزويلا من الغرب .. د. نادية الحكيم راي اليوم بريطانيا
و جاء الدور الان على فنزويلا لتبدأ حرب الاستنزاف بالتوازي مع سياسات التهديد فالتجويع..فالتركيع..و انتهاءا بالاستحواذ..
كل الأسباب و الذرائع مهيئة لهكذا تدخل في فنزويلا و التي شكلت على مدى سنوات طويلة صداعا مزمنا للولايات المتحدة خاصة في عهد تشافيز، ففنزويلا هي نصل الخنجر اللاتيني الحاد المغروس في خاصرة الغرب و الولايات المتحدة .و فنزويلا هي صوت الحق الصادح للشعوب المضطهدة و للقضايا الانسانية العادلة كالقضية الفلسطينية ،و للشعب العراقي ايان حصاره والذي كان تشافيز يوما أول من خرق الحصار الجوي المفروض عليه،عدا عن الدعم اللامحدود للجارة الكوبية ،و لشعوب القارة الافريقية،و الأهم من كل ذلك أن فنزويلا هي برميل نفط القارة الأمريكية و حيث يسيل النفط يسيل لعاب الولايات المتحدة و يدفعها باتجاه التدخل سواءا عاجلا أم أجلا.
و لربما هناك سؤال يطرح نفسه عن طول انتظار الادارات الأمريكية و صبرها الواسع على الجموح الفنزويلي الى حد الان.لعل اول الأسباب اقليمي بحت اي بعلاقة مع الوضع الحيوسياسي لدول امريكا الحنوبية في ظل حكومات كانت الى أمد غير بعيد ذات توجهات سياسية يسارية متناغمة فيما بينها و مناهضة للهيمنة الأمريكية على القارة ،مما شكل حزام أمان لكل دولة في المنطقة من محاولات التدخل الخارجي بما فيها فنزويلا بحيث أن الاعتداء على احدى تلك الدول سيدفع الى مواجهة مع قارة بأكملها تقريبا.الى أن اجتاح اليمين الموالي للغرب سدة الحكم خاصة في أكبر دولتين في أمريكا الجنويية ونقصد البرازيل و الأرجنتين.انقسام الصف و حتى ظهور الخلافات البينية فتح الباب على مصراعيه لتطبيق القاعدة الاستعمارية التقليدية (فرق تسد )و هذا ما كان.و بالعودة الى الوضع الفنزويلي فان ثلاثة عوامل ستكون مهمة و حاسمة في الصراع الحالي الدائر هناك .أوﻻهما التحالفات الاستراتيجية لفنزويلا ( ان وجدت ) و التي ستشكل دعما سياسيا ،ديبلوماسيا،و حتى عسكريا لها كما حصل في سوريا. و ثانيهما موقف الجيش الفنزويلي و التفافه العقائدي حول قيادته.و ثالثهما و هو الأهم وعي الشعب الفنزويلي العميق لما يحاك لبلاده من وراء الكواليس، و رفضه تبني المعارضة الحالية كمعارضة وطنية في ظل رفعها لشعارات تمس من استقلالية البلد و القرار الوطني و اعتمادها الاستقواء بالقوى الخارجية لفرض أجنداتها المشبوهة.
الولايات المتحدة تعرف تماما من أين تؤكل الكتف.النفط الفنزويلي ذو مزايا عديدة تتعلق بجودته الفائقة و باحتياطاته الهائلة.ففنزويلا واحدة من ست دول تؤمن نصف احتياجات العالم من البترول، عدا عن أنها على مرمى حجر من الولايات الأمريكية( 5أيام تحتاجها الناقلات من موانىء فنزويلا الى الموانىء الأمريكية مقارنة ب5 أسابيع من الشرق) دون الحديث عن احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي تشكل 30بالمائة من احتياطات النصف الغربي للكرة الأرضية.و رغما عن كل ما ذكر يعيش الشعب الفنزويلي ظروفا معيشية حرجة نتيجة لحصار خانق يستهدف قوته و احتياجاته اليومية بهدف دفعه للقبول بالاملاءات الخارجية.هي لحظة تاريخية حاسمة لمصير فنزويلا تحتم على شعبها أولا أن يستوعب دروس الاخرين المريرة بأن ييمم وجهه صوب الشرق حيث بلاد العرب الذين سلموا مفاتيح خزائنهم و ثرواتهم و نفطهم و مصيرهم للغرباء و رغم ذلك لم يسلموا من الحروب و الدمار و النزاعات و الدسائس .و ثانيا ألا يدير وجهه للغرب أملا في شروق للشمس من هناك فمن الغرب لن يتلقى الا صفعة قاسية لا تقل قساوتها عن صفعاتنا العربية …
3 إنحسار الأزمة السورية وترتيب أوراق العراق ومخاوف “تفعيل” الجغرافيا الاردنية بالتزامن مع ضغوطات سياسية ودبلوماسية ضد إيران بعد إنتهاء “العقوبات” عامر سبايله راي اليوم بريطانيا
قد يكون مؤتمر وارسو الذي تنظمه الولايات المتحدة على يومي الثلاثاء والاربعاء العنوان الابرز المرتبط بالسياسة الشرق اوسطية في هذه المرحلة.
المؤتمر أشبه باعلان الانتقال الى الواقع التطبيقي لرؤية الادارة الامريكية في بعض ملفات الشرق الاوسط.
ايران، ودون أدنى شك، هي الحاضر الابرز على اجندة المؤتمر مما يعني ان طهران قد تكون على موعد مع بداية المرحلة الثانية من الضغوطات ذات الطابع السياسي والدبلوماسي بعد أن اتمت واشنطن مرحلة تطبيق العقوبات الاقتصادية.
الاستراتيجية الامريكية تضع المنطقة امام مرحلة جديدة من التصعيد الاقليمي خصوصاً ان التحرك الامريكي بدأ برمزية الاشارة ان واشنطن ترغب بالتحرك في المنطقة عبر تركيبة سياسية من الدول الحليفة وهو الامر الذي ظهر جلياً في رمزية الجولة المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الامريكي في شهر يناير الماضي مروجاً للرؤية الامريكية وداعيا دول المحور الامريكي للانخراط المباشر في تطبيق استراتيجية واشنطن.
يتزامن التحرك الامريكي المباشر ضد إيران مع اعادة ترتيب اوراق المنطقة، من بدء انحسار الازمة السورية الى الاعتقاد بضرورة طرح حل عملي للقضية الفلسطينية مع اقتراب دخول السنة الاخيرة للادارة الامريكية.
على المستوى السياسي، ظهرت بوادر التحرك التكتيكي تجاه احتواء النفوذ الايراني في سوريا والعراق بصورة براغماتية تشير منطقياً الى ضرورة كسر حالة العزلة التي تم فرضها في السنوات الماضية على البلدين والتي ادت الى حصول ايران على مواقع متقدمة وتعزيز نفوذها السياسي.
اذاً ان استراتيجية احتواء النفوذ الايراني في سوريا والعراق تتطلب خلق واقع سياسي موازي يحد من حصرية النفوذ الايراني ويعمل على تفتيت هذا النفوذ عبر خلق تركيبات جديدة وفتح قنوات مباشرة لدول أخرى قادرة على المساهمة في الجوانب الاقتصادية واعادة الاعمار، وقد بدأت معالم هذا التوجه بالظهور تجاه العراق وبصورة اقل تجاه سوريا.
عند الحديث عن سوريا والعراق فمن الطبيعي ان تضع الجغرافيا بلداً كالاردن على خارطة الاهتمام في وقت تقف فيه عمان امام تحديات مواجهة الواقع الصعب الذي يتشكل ظاهرياً على صورة أزمة اقتصادية مركبة.
لكن النظرة الاعمق للتركيبة الاردنية تُظهر بوضوح ان الازمة في جوهرها هي نتاج طبيعي لازمة سياسية معمقة، تحتاج لوقفة جادة ومراجعة بنيوية شاملة لشكل الدولة وطبيعة عملها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
مثل هذا التحرك يحتاج الى جرأة غير تقليدية قد تكون غائبة تماماً في الحقبة الاخيرة، خصوصاً ان معظم من يتسيد مفاصل القرار يُصر على تسطيح المسائل وعبر تبني وتسويق روايات نظرية المؤامرة وصياغتها بصورة تُظهرها على انها السبب الرئيس في المشاكل الاقتصادية.
ضمن مشهد التحولات الاقليمية تقدم الظروف فرصة مهمة للاردن لابد من استغلالها والسعي لخلق واقع جديد بعيداً عن سياسات الاعتماد الكامل على المساعدات والمنح والقروض، وضرورة الاهتمام بملف التنمية والانتاج كأساس للانتقال الى الاعتماد على الذات بعد سنوات طويلة من التهشيم والتخبط عاشتها السياسة الاردنية وظهرت نتائجها بوضوح على الوضع الداخلي.
يعتقد البعض ان بوابة التغيير هذه تكون عبر اعادة تفعيل العلاقات الاقليمية خصوصاً العلاقة مع سوريا والعراق، وقد تكون هذه نظرة صائبة تأتي في سياق تطبيق استراتيجية “تفعيل الجغرافيا” لكن لابد من التذكير انه من الصعب التعويل على فعالية هذه الاستراتيجية دون النجاح في بناء علاقات سياسية متوازنة مع جميع الاطراف يكون اساسها المنفعة المشتركة.
التحرك الاردني نحو العراق والسعي الخجول نحو سوريا يمثل عاملاً ايحابياً في اطار السعي نحو تثبيت المصالح الاردنية لكنه يقتضي بناء استراتيجية طويلة الامد للامن القومي، حيث لا تقتصر فقط على العلاقة مع سوريا والعراق بل ايضاًعلى ملفات أخرى مهمة مرتبطة بالشراكات الحدودية وانعكاسها على الامن القومي الاردني، مثل العلاقة مع السعودية، والملف الشائك الذي يظهر بقوة مؤخراً وهو العلاقة مع اسرائيل، حيث تظهر فيها معالم الندية والعداء بالرغم من وجود اتفاقية سلام واتفاقية للتنسيق الامني بين الطرفين.
الاردن بحاجة الى قراءة متأنية لطبيعة التحولات القادمة واستراتيجية امنية سياسية تواجه خطر تشكل تحالفات تُسقط المصالح الاردنية وتتجاوز جغرافيته، خصوصاً ان هواجس الحل الفلسطيني ستُبقى على الاردن في دائرة الاستهداف المباشر كخاصرة رخوة للحل، على الاقل في صيغته العملية المرتبطة بالديمغرافيا.
4 الخميني والثورة… والإيراني والمرآة
غسان شربل الايام البحرينية
في الأربعين يجدر بالمرء أن يقف أمام المرآة. لا يمكن التشاطر على استحقاقات العمر، لا من الأفراد ولا من الثورات. حافة الأربعين تعني الابتعاد أكثر عن أيام المراهقة وصخب الشباب. تعطي فرصة لإعادة القراءة والتقويم. تشجع على مغادرة مركب الأوهام، وتساعد على إدخال الأحلام في امتحان الأرقام. إنها فرصة للتصالح مع الوقائع وتخطي زمن الصدام والجدران إلى زمن التعايش والجسور. تصالح مع الحقائق الإقليمية والدولية ومع المواثيق التي تحكم سلوك الدولة الطبيعية.
تحتفل إيران اليوم بالذكرى الأربعين لانتصار الثورة من دون أن تبعث إلى الدول القريبة والبعيدة برسالة تفيد أنها عازمة على استخلاص العبر من استحقاق الأربعين. يمكن القول إن مضمون رسالتها يسير في الاتجاه المعاكس، أي تجديد النفخ في جمر الثورة.
لا يجادل أحد في حق إيران في العيش في ظل أي نظام يختاره شعبها. المشكلة أصلاً ليست مع خيارات إيران داخل خريطتها. المشكلة هي أن إيران تطالب أهل المنطقة والعالم بالتعايش مع هجوم واسع تشنه في المنطقة ويسعى إلى تكريس دورها معبرًا إلزاميًا في حياة ويوميات مجموعة من الدول. ولا يجادل أحد في حق إيران أن تتمسك بما اعتنقته قبل أربعين عامًا. لكن هل يحق لإيران أن ترج توازنات المنطقة، وتجعل العيش في بعض دولها شبيهًا بالعيش المضطرب على خط الزلازل؟
لنترك الاحتفالات الرسمية جانبًا. يتمنى العربي أن يعرف شعور الإيراني في الذكرى الأربعين للثورة، ذلك لأننا محكومون بالعيش معًا في هذا الفخ التاريخي والجغرافي الذي يسمى الشرق الأوسط. وهل يعتقد الإيراني العادي أن خير طريقة للتعايش هي أن يعلن جنرال إيراني أن بلاده صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في أربع عواصم عربية؟ وهل ما تحتاجه إيران فعليًا هو الوجود العسكري والاستخباراتي والآيديولوجي وراء حدودها الدولية؟ وما هي تكلفة النزاعات التي انخرطت فيها إيران؟ وهل تعلمت الدرس من انهيار الاتحاد السوفياتي تحت أعباء تقديم النجاح في الخارج على النجاح في الداخل؟
بماذا يشعر الإيراني العادي إذا وقف مع الثورة أمام المرآة اليوم؟ هل يشعر بالكرامة الوطنية لأن الصواريخ الإيرانية ترابط في أكثر من موقع في الإقليم؟ وهل يشعر بأن شعار «الموت لأمريكا» يعفي الحكومة من تقصيرها في مكافحة البطالة والفقر ومن العواقب الموجعة للعقوبات الأمريكية الحالية على اقتصاد البلاد؟ هل يعتبر البرنامج النووي وسادة لا بدَّ منها و«بوليصة تأمين» للثورة ونظامها، أم يعتبره حلمًا باهظًا ومجازفة أوقعت البلد في عزلة؟
بماذا يشعر اليوم الذين ولدوا بعد الثورة ونسبتهم تصل إلى سبعين في المائة من السكان؟ وهل بينهم من يسأل لماذا يعيش نحو ثلاثين مليون إيراني تحت خط الفقر؟ ولماذا لم تتمكن الثورة بعد أربعة عقود من تحسين حياة الناس وتنفيذ ما وعدتهم به؟ وهل إنتاج أجيال جديدة من الصواريخ أهم من كبح البطالة والاستثمار في التعليم وتأمين الرفاه؟ وهل بينهم من يسأل لماذا كان حجم الاقتصاد الإيراني عشية الثورة ضعف حجم اقتصاد كوريا الجنوبية الذي بات بعد أربعة عقود أكبر بسبع مرات من الاقتصاد الإيراني؟ وهل هناك من يسأل لماذا نجحت الصين في العقود الأربعة نفسها في إخراج سبعمائة مليون مواطن من الفقر، واحتلال موقع الاقتصاد الثاني في العالم، في حين أمضت إيران العقود الأربعة مشتبكة مع دول الإقليم ومثيرة قلق دول قريبة وبعيدة؟
هل يعتقد الإيراني الذي ولد بعد الثورة أن الحضور الإيراني القوي في قرار بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وإخراج مجموعات من نسيجها الوطني وإلحاقها بقاموس الثورة الإيرانية يحجز لبلاده مقعدًا دائمًا في زعامة الإقليم، أو يجعل منها الشريك الأكبر لـ«الشيطان الأكبر»؟ وهل تستطيع إيران التمسك إلى الأبد بالقاموس نفسه الذي صاغه الخميني، رغم الزلزال الكبير الذي ضرب عالم المعسكرين الذي ولدت في ظله؟ وهل مصلحة إيران تكمن في اجتذاب عواصم جديدة إلى فلكها أم اللحاق بالثورات العلمية والتكنولوجية التي شهدها العالم بين انتصار الثورة واحتفالها بالذكرى الأربعين للانتصار؟ وهل الإشعاع عن طريق الجيوش الموازية والجوّالة أفضل من الانتماء إلى الثورة الصناعية الرابعة؟ وهل الانشغال بتطوير الصواريخ أهم من الانشغال بدخول عالم الروبوتات والاستثمار والازدهار؟
يمكن كتابة الكثير عن أربعة عقود من عمر الثورة الإيرانية. أسعفتها هدايا لم تكن تتوقعها. أولها الغزو العراقي للكويت الذي جعل الأنظار تتركز على بغداد، لا على طهران. الثانية هجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي جعلت أنظار العالم تتركز على ما سمي «التشدد السني»، الذي كان في جزء منه ردًا على قيام الثورة الإيرانية بإشعال خط التماس الشيعي-السني. والثالثة قيام الجيش الأمريكي بإطاحة نظام صدام حسين الذي كان رغم محاصرته يشكل عائقًا أمام تدفق النفوذ الإيراني في عواصم «الهلال». والرابعة موقف باراك أوباما في سوريا، ونجاح إيران في نشر ميليشياتها هناك. في المقابل تصرفت الثورة بواقعية مفرطة حين تعلق الأمر بسلامتها، وقصة «إيران-كونترا» كانت لافتة. ثم إن إيران قصفت المدن العراقية بصواريخ حصلت عليها من ليبيا، على رغم دور الأخيرة في إخفاء الإمام موسى الصدر.
ماذا لو وقف شاب إيراني ولد بعد الثورة أمام ضريح ماوتسي تونغ في بكين؟ هل يشعر أن الثورة الإيرانية لم تعثر على رجل من قماشة دينغ هسياو بينغ الذي أنقذ النظام من مصير قاتم فيما لو استمر ماو يحكم البلد من ضريحه؟ ألا ينتابه الشعور نفسه لو وقف أمام ضريح لينين في موسكو؟ وهل يطرح على نفسه سؤالاً صعبًا، مفاده إلى متى يستمر الخميني في حكم إيران من ضريحه؟ ومتى تعثر الثورة الإيرانية على دينغ ينقذها بدفعها إلى التقاعد تحت عباءة الدولة؟
5 لماذا تحولون البغدادي لأسطورة؟!!
فاطمة عبدالله خليل الوطن البحرينية
تتداول الأخبار الواردة من حوض الفرات شرق سوريا أن أبوبكر البغدادي زعيم داعش نجا من محاولة انقلابية في العاشر من يناير الماضي، في قرية قرب بلدة هجين شرق سوريا. وتشير الأخبار أن الحركة المدبرة ضد البغدادي أدت لاشتباك بين مقاتلين أجانب وحراسه الذين تمكنوا من تهريبه إلى الصحراء القريبة. أما قائد المحاولة فهو مقاتل أجنبي «ليس سورياً أو عراقياً» يسمى أبومعاذ الجزائري، وقد تكشفت القضية بعد إعلان تنظيم داعش عن مكافأة لمن يقتل رأس المحاولة. الأمر الذي يعني أن الجزائري حر طليق ولم يقتل في المحاولة، وإن كان هناك اشتباك قُتل فيه شخصان، كما نفهم من سياق الخبر أن الجزائري سيقود معارضة ضد البغدادي. ويقودنا التحليل للخبر أن البغدادي ليس في موقف الأقوى بل الأضعف بدليل ما أوردته الأخبار أنه بعد الاشتباك مع فريق الاغتيال وحراسه، تمكن حراس البغدادي من تهريبه إلى الصحراء القريبة. والسبب كما يُعتقد وجود مقاتلين أجانب يُقدر عددهم بنحو 500 مسلح مازالوا في المنطقة، وهم بلا شك سيكونون مع فريق الجزائري.
من الظروف المشيرة أيضاً إلى ضعف موقف البغدادي حالته الصحية؛ فهو مصاب بالسكري وارتفاع ضغط الدم مع إصابة دائمة نتيجة ضربة جوية. ويضاف لجوانب ضعفه مقارنة بالجزائري أنه مطارد ومعروف لدى جيوش دول التحالف وكذلك لدى العراقيين والسوريين والأردنيين والأتراك والإيرانيين والروس وآلاف من الناس الذين يسعون للحصول على جائزة إلقاء القبض عليه والبالغة 25 مليون دولار. وقد عرف عن البغدادي الدهاء، وأنه لا يوجد بين مساعديه من يستطيع الحفاظ على تماسك داعش بعد رحيله، حتى ولو الجزائري، فالبغدادي ولد لأسرة عُرفت بتدينها، تدعي أنها من نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وسواء عاش البغدادي أو قُتل، فقد لفت نظر العالم تصريح الرئيس الأمريكي ترامب بشأن اقتراب نهاية داعش وأنها لن تزيد عن أسابيع، ليأتي الانشقاق عن البغدادي من قبل الجزائري، بما جعل العالم ينتظر من جديد. لكن ما يهبط الأمنيات بنهاية هذا المجرم وزمرته أن وزارة الدفاع الروسية قالت قبل عام أنها ربما قتلت البغدادي، فيما استمرت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» في زيادة الحيرة بالقول بأن ليس لديها معلومات تؤيد مقتل البغدادي، ما أدخل العراق في سباق التمنيات حينما قالت قناة «السومرية» إن التنظيم أصدر بياناً مقتضباً يشير فيه إلى مقتل الخليفة الداعشي ثم ثبت بطلان كل الأمنيات السابقة.
* اختلاج النبض:
نهايات الإرهابي البغدادي تتجدد كل عدة أشهر، فبعد استنفاد قصص قتل الدول الكبرى له، يجري الترويج الآن أن رفاقه قتلوه، ربما لأن داعش لم تعد قوية وتتمدد.. أصبحت أسطورة زعيمها تتجدد..!!
6 نكتة الموسم: نهاية ««داعش»»
فارس بن حزام الحياة السعودية
يصدمني التفاؤل الدولي غير المسبوق بالقضاء على «داعش» نهائياً. وليس في أعوام قريبة، بل في أسابيع. تلك نكتة غير مقبولة، ولا يجب أن يأخذ بها عاقل.
تنظيم «داعش» ليس لعبة كرتون تفكك وترمى في سلة القمامة. «داعش» فكرة، بل أكثر من ذلك؛ تطوير عبقري لنواة جهنمية اسمها «القاعدة». وعمره ليس خمسة أعوام، هي مشروع عمره 31 عاماً. ولا يمكن القضاء سريعاً على مشروع استغرق هذا الوقت الطويل.
فعندما يؤسس لأعمال شريرة طويلاً، تحتاج سنوات من العمل لإنهاء خطره.
ولعلنا نتأمل التجربة القطرية؛ توسعت صلاحيات ولي العهد حينها، الشيخ حمد بن خليفة، فزرع بذور شرها في العام ذاته 1988، ودشن حراكه تحرشاً بالحدود السعودية عام 1992، ومن ثم نقل العمل السري إلى داخل المملكة ودول أخرى منذ عام 1996، وصنع شبكاته الإعلامية وخلاياه شرقاً وغرباً، واستعد للانقضاض الواسع، لكي يلتهم المنطقة كلها عقب 2011. وقبل نحو عامين صارت المواجهة الواسعة مع قطر، ومع ذلك لم يتأثر نفوذها العربي كثيراً، لأن ذلك يستلزم أعواماً من المواجهة.
وعودة إلى «داعش»، فما فعله ليس أكثر من سرقته خريطة عمل «القاعدة»، واستعجل في تطبيقها، واعتقد سريعاً أنه نجح في إقامة دولته، ليجد أن العالم كله يُحشد لمحاربته بما لم تواجهه «القاعدة» في 2001. ولذا على الغرب أن يتذكر هذه الحقيقة: «داعش» هو النسخة المفعلة من برنامج «القاعدة». فما سيجري الفترة المقبلة، أن يسعد الغرب بنهاية آخر جيب من جيوب «داعش» في سورية والعراق، ويرفع رايات النصر فوق رماد الإرهاب، وينسى أن الدواعش قد عادوا إلى برنامجهم الأصلي، وهو القاعدة، وبدأوا في إعادة ترتيب صفوفهم وفق صيغة العمل السري والخلايا النائمة، وانتقلوا إلى العمل الفتاك تفجيراً واغتيالاً.
ما يجري في الغرب من تقييم لمشهد العنف في المنطقة، وما يترتب عليه من سعي للتعامل معه وفق ذلك، هو خطأ يضاف إلى رصيد الأخطاء الغربية، عندما تبنى وفق صيغة «1+1=2»، ويعتمد على مقياس واحد لفهم الإرهاب في منطقتنا. فدراسة الإرهاب لا تكفيه المعلومة المجردة من دون الإلمام الواسع بالثقافة الإسلامية وطبيعة كل مجتمع، فالدول العربية ليست واحدة، والمجتمع العربي مجتمعات، وتشكل وصعود الإرهاب في كل دولة يختلف عن جارتها، وفي حالات عدة مثل العراق وسورية، للعامل السياسي دور بارز.
ولذا، لن ينتهي «داعش» طالما بقيت أسبابه، والصغير قبل الكبير، في العراق وسورية وغيرهما من أنظمة حكم دينية أو دول فاشلة، يعرف أن المعضلة هناك سياسية أكثر من كونها دينية، وإذا تم علاجها لن يجد مرضى العالم من الإرهابيين فرصة للالتحاق بالتنظيم في أي من البلدين.
7 ترامب ومأزق تعامله مع السياسة الخارجية) جهاد الخازن الحياة السعودية
دونالد ترامب يتعثر في سياسته الخارجية، خصوصاً في الشرق الأوسط. هو أمر بإخراج ألفي جندي اميركي من سورية، زاعماً أن داعش هزمت، ثم قال إن هناك قاعدة حربية اميركية في غرب العراق يمكن استخدامها.
الرئيس العراقي برهم صالح، وهو رجل أعرفه معرفة مباشرة وأحترمه، قال بتهذيب إن العراق يقدّر ما فعلت الولايات المتحدة لمساعدته، إلا أن النجاح في العراق لا يزال مهزوزاً ولا يجوز أن يحمل أعباء جديدة.
القادة العسكريون في المنطقة قالوا بوضوح إن «داعش» يمكن أن يعيد تنظيم صفوفه بسرعة، وأن يعود الى المناطق التي انسحب منها أو هزم فيها. الرئيس ترامب قال إن انسحاب الجنود الاميركيين من سورية سيتم في نيسان (ابريل) المقبل، إلا أن الأكراد الذين يقاتلون في شمال سورية، ولا حليف لهم غير الوجود العسكري الاميركي، قالوا إن القوات الاميركية لم تبدأ الإنسحاب من سورية، وإن نشاط «داعش» مستمر.
كان لإدارة اوباما عدوان رئيسيان حول العالم هما كوريا الشمالية وايران، وهناك الآن مفاوضات لعقد قمة ثانية بين ترامب وكيم جونغ-اون في كوريا الجنوبية. الخلاف مع ايران مستمر ومتصاعد، والرئيس ترامب يهدد وينذر إلا أنه لا يفعل شيئاً.
الرئيس ترامب زار القاعدة العسكرية الاميركية في غرب العراق في 26 كانون الأول (ديسمبر) الماضي وقال للجنود الاميركيين: لم نعد المغفلين بل إننا نربح الحرب. هو لم يربح أي حرب بعد، وانسحابه من سورية وربما العراق بعدها هزيمة لإدارته، فلا يمكن أن توصف بالنجاح.
أكمل بأفغانستان فهناك مَنْ يطالب بانسحاب عسكري اميركي منها بعد 18 سنة من الفشل. في أيلول (سبتمبر) 2001 أصدر الكونغرس الاميركي قانوناً يفوّض الرئيس الاميركي باستعمال القوة العسكرية ضد الإرهابيين. الرئيس في حينه جورج بوش الإبن أرسل قوات اميركية لمحاربة طالبان، وكان الصوت الوحيد المعارض هو لعضو مجلس النواب عن كاليفورنيا بربارة لي فقد قالت في حينه إن على الولايات المتحدة أن تلزم الحذر فلا تخوض حرباً لا نهاية لها، ولا خطة انسحاب مرافقة لها.
الواقع ان الولايات المتحدة تخوض حرباً ضد الإرهاب في 80 دولة، وليس في أفغانستان والعراق وسورية فقط. الإنفاق على قدامى المحاربين سيبلغ مع نهاية هذه السنة حوالى 5.9 ترليون دولار. المال هذا اقترضته الدولة وهو مع الفوائد يسجل رقماً قياسياً لا تستطيع ادارة ترامب تغييره. الحروب منذ 2001 أدت الى مقتل حوالي ألفي جندي اميركي وجرح سبعة آلاف، وربما لا يصدر هذا المقال إلا وتكون أرقام القتلى والجرحى زادت.
حروب الإدارات الاميركية المتعاقبة أدت أيضاً الى 53.700 مقاتل اميركي بأمراض نفسية وأكثرهم تلقى العلاج.
كل ما سبق لا يلهي دونالد ترامب عن متابعة أمور أخرى، فهو رشح ديفيد مالباس لرئاسة البنك الدولي، مع أن هذا الرجل بنى سمعته على انتقاد عمل البنك. الولايات المتحدة تملك عشرة في المئة من مال البنك الدولي، وربما استطاع ترامب أن يعيّن مرشحه رئيساً للبنك. قرأت أن البنك ليس لطرف واحد بل لكل المساهمين فيه، وأن واجب رئيس البنك أن يقرّب بين آراء المساهمين لا أن يثير حرباً بينهم.
قرأت أن المحافظين الجدد عادوا الى النشاط، وهم يحرّضون الرئيس ترامب على مهاجمة فنزويلا. الرئيس الاميركي كان قال لصحافيين وقادة دول أجنبية إنه مستعد لمهاجمة فنزويلا والإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو وتنصيب منافسه في انتخابات الرئاسة الأخيرة خوان غويدو رئيساً مكانه.
غويدو يقول إنه الرئيس المقبل، مصراً على فوزه في الانتخابات، إلا أن هذا يؤيده ترامب وبعض دول اوروبا واميركا الجنوبية. مادورو أعلن أنه مستعد لتنظيم انتخابات نيابية، ولكن ليس انتخابات رئاسية جديدة. الوضع في فنزويلا خطر ومن نوع ما نرى في أفغانستان والعراق وسورية وغيرها. ربما خاض دونالد ترامب حرباً مع مادورو إلا أن النتيجة لا يمكن أن تكون مضمونة لصالح التدخل الاميركي والمعارضة في فنزويلا.
8 ترامب ومؤسسة الأمن القومي الأميركية محمد سيد رصاص الحياة السعودية
في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وفي اجتماع لمناقشة اقتراح الرئيس دونالد ترامب بسحب جزئي أو كلي للقوات الأميركية من أفغانستان، قال ترامب العبارة التالية: «السبب وراء وجود روسيا في أفغانستان عام 1979 كان لأن الارهابيين هناك أرادوا استهداف الداخل الروسي، وقد كان للروس الحق في الوجود هناك». أثارت تلك العبارة غضب «مؤسسة الأمن القومي الأميركية»، بجناحيها: 1- البنتاغون (وزارة الدفاع)، 2- مجمع الاستخبارات الوطني (تم تأسيسه عام 1981. ويضم 16 وكالة استخبارات بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA، مادام أن هذا أول خروج «عن النص» عند مسؤول أميركي تجاه حدث مفصلي في الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو حيث كان الغزو السوفياتي لأفغانستان (27 ديسمبر 1979) قد وصفه مستشار الأمن القومي الأميركي زبيغنيو بريجنسكي بعد يومين من حصوله بالتالي: «الحلم القديم لموسكو في تحصيل ممر مباشر إلى المحيط الهندي»، في تلميح منه لما يهدد باكستان من ذلك الغزو، وقد استنفرت الإدارة الأميركية عند كارتر وريغان كل جهودها لهزيمة السوفيات هناك من حلف مع باكستان واستخدام للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» من أجل جلب عشرات الآلاف من «الأفغان العرب» ودعم المعارضة الأفغانية المسلحة التي كانت تسيطر على نصف البلاد في زمن حكم الشيوعيين الأفغان البادىء منذ 27 نيسان (إبريل) 1978.
من أجل وضع ترامب في الزاوية الضيقة تم رفع الستار عن جزء من الأرشيف السري الاستخباراتي، وتسريبه للصحافة: البرقية السرية من القائم بالأعمال الأميركي في أفغانستان أرشر بلود، بعد اجتماعه السري في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 1979 مع الرئيس الأفغاني حفيظ الله أمين، وتعبير الأخير، وهو الذي يرأس نظاماً شيوعياً موالياً لموسكو، عن استعداده لفتح صفحة جديدة مع واشنطن والابتعاد عن موسكو. من أجل ذلك أيضاً تم الكشف لأول مرة أميركياً عن معلومات سرية تملكها واشنطن عن أن انكشاف ذلك الاجتماع من قبل الكرملين، ومخاطر أن يتحول أمين إلى محاكاة تجربة أنور السادات الذي أفقد السوفيات نفوذهم في مصر، قد دفع المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي لاتخاذ قرار في 12 ديسمبر بالتخلص من أمين واستبداله بشيوعيين أفغان موالين لموسكو، وأنه من أجل ذلك جرت محاولتين لتسميم أمين عبر الشراب (13 ديسمبر)، وعبر الطعام (20 ديسمبر)، وعندما لم تنجحا جرى الغزو السوفياتي العسكري لأفغانستان (75 ألف جندي) في 27 ديسمبر وقتل أمين واستبداله ببابراك كارمال.
تكرر هذا من ترامب في 29 كانون الثاني (يناير) عندما وصف التقرير الذي قدمه دان كوتس، مدير مجمع الاستخبارات الوطني، عن «التهديدات الماثلة أمام الأمن القومي الأميركي» بـ«الساذج»: عبر الحادثتين المذكورتين تم تظهير مدى الهوة العميقة القائمة الآن بين المؤسستين الرئيسيتين في الإدارة الأميركية، أي البيت الأبيض و«مؤسسة الأمن القومي الأميركية». لا يوجد سابقة في التاريخ الأميركي، لماهو موجود الآن في واشنطن، سوى الذي حصل عام 1951 عندما أقال الرئيس هاري ترومان الجنرال ماك أرثر من منصبه قائداً للقوات الأميركية في كوريا في ذروة الحرب الكورية (1950-1953)، لما خالف الجنرال في تصريحات علنية سياسة ترومان في عدم تصعيد المرقف عسكرياً وتجنب الصدام العسكري مع القوات الصينية التي تدخلت لصالح الكوريين الشماليين، وقد كانت حسابات ترومان منطلقة من واقع وجود معاهدة عسكرية صينية – سوفياتية، للتعاون المتبادل في حال هجوم على أحد الطرفين، عقدها ماوتسي تونغ مع ستالين عند زيارته موسكو في شباط (فبراير) 1950. لم يكن صدام ترومان مع ماك أرثر صداماً مع كامل المؤسسة العسكرية، وإن كان الجنرال يتمتع بشعبية كبيرة عند الأميركان وهو الذي قاد الحرب مع اليابان واستلم صكوك استسلام الأخيرة 1945، حيث وقف وزير الدفاع الجنرال جورج مارشال ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال عمر نلسون برادلي مع ترومان. في عهد أيزنهاور لم يحصل التباعد حيث كان عسكري سابق في البيت الأبيض، ولكن في عهد كينيدي (1961-1963) لم تكن وكالة الاستخبارات المركزية راضية عن اتفاقات كينيدي – خروتشوف، التي أعقبت أزمة الصواريخ السوفياتية في تشرين الأول 1962، التي كان سحب الصواريخ من كوبا في تلك الاتفاقات مقابل تعهد كينيدي عدم السعي لاسقاط حكم كاسترو على غرار ما جرى في نيسان (إبريل) 1961 عندما نظمت وكالة الاستخبارات الأميركية عملية «غزو خليج الخنازير» عند الساحل الكوبي عبر تعاونها مع المنفيين الكوبيين، والتي أدى فشلها لاستقالة مدير الوكالة ألان دالاس ولو بعد أشهر عدة. في الحرب الفييتنامية (1964-1975) كان البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية في انسجام كامل مع البيت الأبيض. ظهرت توترات واحتكاكات في زمن كارتر ولكن لم تكن صدامية، ثم ساد الانسجام في عهود ريغان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وباراك أوباما.
في عهد ترامب هناك سجل صدامي مع «مؤسسة الأمن القومي». بعد انتخابه وقبل دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2017، قال عنه جون برينان مدير وكالة الاستخبارات المركزية (تقاعد من منصبه قبل ثلاثة أسابيع من تولي ترامب منصبه)، التالي: «لا أظن أنه يملك الإدراك الكافي للقدرات الروسية وللممارسات الروسية التي تجري في أماكن عدة من العالم». ظل برينان في وضع انتقادي هجومي على ترامب لدرجة اضطر الرئيس الأميركي كي يسحب منه التصريح الأمني في آب (أغسطس) 2018، وقد كان ملفتاً أن يتضامن مع برينان ضباط كبار، منهم الأدميرال المتقاعد ويليام ماكرافين القائد السابق للعمليات الخاصة المشتركة.في نيسان 2018، واثناء تحضير ترامب قراره بسحب التوقيع الأميركي على الاتفاق النووي مع إيران، تصادم مع مستشاره لشؤون الأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر، الذي استقال لخلافه مع الرئيس في شأن ايران وتقارباته المزمعة من كوريا الشمالية. كان مكماستر من الجنرالات الذين خدموا في العراق وقد أعرب عن انتقاده لسياسة صدامية مع طهران يمكن أن تكون «باهظة التكاليف». كان الصدام الأكبر لترامب مع البنتاغون بسبب قرار 19 ديسمبر 2018 الذي أصدره الرئيس الأميركي بسحب القوات العسكرية الأميركية من سورية. في اليوم التالي استقال احتجاجاً وزير الدفاع جيمس ماتيس. في ذلك الاجتماع حول أفغانستان الذي جرى قبل قليل من قرار ترامب حول سورية كان هناك تنازع بين ترامب والبنتاغون حول نية ترامب سحب القوات الأميركية من أفغانستان.
يمكن لتقرير دان كوتس أن يلخص الموقف. في ذلك التقرير هناك تحديد لخمس تهديدات ماثلة أمام أميركا وفق الترتيب التالي: الصين، روسيا، إيران، كوريا الشمالية، داعش. اختلف ترامب علناً مع التقرير بخصوص الموضوع الإيراني. هو، كما وضح من ميوله خلال السنتين الماضيتين أثناء وجوده في البيت الأبيض، لا يرى في روسيا عدواً، كما السائد في البنتاغون، بل شريكاً ممكناً لتطويق الصين، وهو متباين مع عسكريي البنتاغون في رؤيته لضرورة احتواء ومراضاة كوريا الشمالية، من أجل التفرغ لمجابهة طهران. لم يهاجم ترامب تقرير كوتس في الموضوع الروسي، بل اختار الموضوع الإيراني كـ«كعب أخيل» التقرير ليصفه بـ«الساذج»، داعياً أفراد الاستخبارات لـ«العودة للمدرسة»، عندما لم يروا ما يراه ترامب من حجم الخطر الإيراني. رؤية ترامب للخطر الإيراني تجعله يميل للوجود العسكري الأميركي في العراق حيث النفوذ الإيراني الأكثر أهمية لطهران، وهو يرى الوجود العسكري الأميركي في سورية وأفغانستان أقل أهمية من الوجود في بلاد الرافدين.
9 العراق وفلسطين… ما بعد صدام حسين
عريب الرنتاوي
صحيفة الدستور الاردنية
حدثني أخوة وأصدقاء من المجلس الوطني الفلسطيني زاروا العراق مؤخراً، والتقوا الرئاسات الثلاث وقادة الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية، عن «الروح الجديدة» التي أخذت تخيّم فوق الطبقة السياسية الجديدة في عراق ما بعد صدام حسين … سأكتفي في هذه المقالة بما أوجزوه من مواقف عراقية من فلسطين، شعباً وقضية وحركة وطنية.
يختلف العراقيون عموما، حول كل شيء، هكذا قيل لنا، ولكنهم يتحدون حين تُذكر فلسطين … الرئيس برهم صالح، ومن موقعه السابق والحالي، يحتفظ بعلاقات وطيدة مع قادة العمل الفلسطيني وله مواقف مؤيدة للمنظمة وحقوق الفلسطينيين.
رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، مناضل سابق في صفوف اليسار الفلسطيني، قبل أن يلتحق بحركة فتح، ويخدم في قواعدها في لبنان، ولديه «مطالبات مالية قائمة» في ذمّة الأخ محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، عن سيارة مستعملة للدكتور عبد المهدي، أتلفها الأول في بدايات الاجتياح الإسرائيلي للبنان، دون أن يدفع تعويضاً للثاني، هكذا تحدث مازحاً أمام الوفد.
رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي عبّر عن مواقف متضامنة وداعمة … القائد الأبرز في الحشد الشعبي ورئيس كتلة الفتح في البرلمان العراقي مهدي العامري، الذي كان مناضلاً في فتح كذلك، قال للوفد أنه أطلق اسم «الفتح» على كتلته الانتخابية تيمناً بالحركة الفلسطينية التي قادت شعبها منذ العام 1965 … الأمر ذاته ينطبق على عمّار الحكيم ومقتدى الصدر ونوري المالكي وإياد العلاوي والكتل الكردية، وتحديداً تيار الاتحاد الوطني الذي ربطته بالمقاومة الفلسطينية علاقات تاريخية.
الإجماع على دعم الموقف الفلسطيني ومنظمة التحرير والقيادة الفلسطينية، هو ما سمعه الوفد من كل من التقاه من الأخوة العراقيين … وأمس قرأت في الأخبار، أن العراق يجد صعوبة في إيصال مبلغ عشرة ملايين دولار دعماً للسلطة، بسبب العقوبات الأمريكية عليها، وما ترتب عليها من تفاقم خشية البنوك الوسيطة من أن تدرج على لائحة العقوبات الأمريكية.
العراقيون يجتازون «عقدة صدام حسين»، والنظرة العامة للفلسطينيين بوصفهم من أتباعه ومريديه تتلاشى، وهم يؤسسون لعلاقة نامية مع الجانب الفلسطيني، مع أن لديهم من الأزمات والتحديات ما تنوء بحمله الجبال …لكن صفحة الماضية طويت، والجانبان يفتتحان صفحة جديدة، ستتوجها زيارة مرتقبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العراق، ليست الأولى من نوعها بالطبع.
في ملف الفلسطينيين المقيمين في العراق، وعددهم هبط في سنوات الحرب الأهلية من (32 –36) ألف فلسطيني إلى ثمانية آلاف فلسطيني فقط، كما تقول التقديرات … معلوماتي السابقة، كانت تتحدث عن أعداد أقل من ذلك بكثير، لكن هذا ما نقله الوفد بناء على معلومات السفير الفلسطيني النشط في بغداد أحمد عقل، الذي لا أعرفه شخصياً، وإن كانت مسموعاتي عنه، قد سبقت معرفتي الشخصية به.
العراقيون التزموا أمام الوفد، برفع كل القيود والمتاعب التي تواجه هؤلاء، من الحصة التموينية إلى الدراسة والطبابة ووثائق السفر وغيرها من حقوق مدنية، بعضهم بدا خجلاً والوفد يعرض لمشكلات هذه الفئة من اللاجئين (ستة آلاف في المحافظات العربية وألفان في المحافظات الكردية)، سيما وأن الذاكرة الحيّة، تحفل بقصص مروّعة عن معاناة الفلسطينيين في العراق بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل، وما واجهوه من قسوة وعمليات تهجير، انتهت بهجرة غالبيتهم قسرياً إلى دول المنافي البعيدة في أمريكا اللاتينية، بعد سنوات من الإقامة في مخيمات اللجوء الصحراوية في الرويشد وجوارها.
صفحة جديدة في العلاقات الفلسطينية – العراقية، تتزامن مع عودة الروح «للوطنية العراقية» بعد سنوات عجاف من التطيّف والتمذهب… صفحة جديدة من العلاقات، تتزامن مع عودة العراق، لاستئناف دوره الفاعل في إقليمه، وفي عمقه العربي الاستراتيجي.