11 مقالا عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 «سيلفي» مثقفين عراقيين مع رئيس الجمهورية
هيفاء زنكنة
القدس العربي

كيف يمكن ألا نفتخر ونتباهى برئيس جمهورية يزور معرضا للكتاب ببغداد صحبة «السيدة الأولى» وهو يقف بين كُتاب وناشري وموزعي اهم أداة لنشر الثقافة والمعرفة، في بلد متعطش للنشر والكتابة والقراءة، بعد تحقيق «الانتصار» على الإرهاب؟ لماذا لا ننضم الى جموع المصفقين والمرحبين وملتقطي الصور و«السيلفي»، مع رئيس جمهورية أنيق، بوجه حليق، ولباس غربي (خلافا لمرتدي العمامة والدشداشة والشروال)، يتحدث اللغة العربية بطلاقة (وهو الكردي)، ويحضر صحبة زوجته (بينما يخفي بقية الساسة زوجاتهم أما في البيت أو خارج العراق)؟ كيف لا نؤيده، وهو يخاطب الوسط الثقافي العراقي والعربي والعالمي، بكلمات نبيلة هي جوهر ما يصبو اليه أي مثقف كان، خاصة، في بلداننا، مؤكدا: «ان حريةُ التفكيرِ والتعبير عن الرأي مكفولةُ دستورياً في العراقِ الديمقراطي تعززها حريةُ حركةِ الكتاب وتجاوزُ أيِّ رقابةٍ على الفكرِ»؟
كيف لا نهز رؤوسنا اعجابا بجرأته، وهو يقف مستنكرا بأسف شديد جريمة اغتيال الكاتب علاء مشذوب، في الأسبوع الماضي، الجريمة التي رأى انها تفرض عليه والمسؤولين والمجتمع « العملَ بجهد استثنائي لكشف الجناة والقبض عليهم وإحالتهم للعدالة، والعمل أيضا بجهد فاعل، أمنياً واستخبارياً وسياسياً واجتماعياً، لأن تكون هذه الجريمة دافعاً آخر لاجتثاث العنف والإرهاب وأي تهديد لحياة وأمن وكرامة المواطن»؟
أليس الأجدر بنا كمثقفين، اذن، الاحتفاء ببرهم صالح كرئيس جمهورية لا مثيل له، ونسارع لالتقاط الصور معه، لنمسك بلحظة تاريخية نادرة، استنادا الى هذه التصريحات الجامعة لمواقف سياسية مسؤولة وفكرية وثقافية، يؤكد فيها على «حريةُ التفكيرِ والتعبير عن الرأي… وحرية حركة الكتاب وتجاوزُ أيِّ رقابةٍ على الفكرِ»؟
ما الذي يمنعنا من ذلك؟ هل هو موقفنا منه كسياسي ساهم بشكل فاعل، على مدى عقود، في تسويق غزو واحتلال «بلده»، متعاونا مع محتل مسؤول، بالدرجة الأولى، عن الخراب البشري والعمراني، عن مأسسة التمييز الطائفي العنصري، وما تلاه من إرهاب لا يكاد يخلو خطاب له من ذكره؟ أما حان الوقت لأن نتخلص من اوهامنا، حول المفاهيم الديناصورية التي نحملها، كالوطن والوطنية والخيانة والعمالة، وأن نرضى بالأمر الواقع، كما يفعل آخرون، وان نؤمن، بما تم تصنيعه من هويات مستحدثة، وان الاحتلال لا يزيد عن كونه مجرد اختلاف في وجهات النظر؟
ما الذي يقف حائلا بيننا وبين القبول بـ«الأمر الواقع»، كما يجسده شخص رئيس الجمهورية، وتصريحاته التي تغطي كافة الأصعدة، من حرية التعبير والرأي الى توفير الحماية والأمن لمن يمارسها؟
ان قائمة ترهيب وقتل الصحافيين والكُتاب والناشطين طويلة، وأحدثها (ولن تكون الأخيرة) جريمة قتل الروائي والباحث علاء مشذوب التي سبقها اختطاف واختفاء الناشط المدني الشاب جلال الشحماني، وقتل الشاعر بكر علي، وسوران مامه حمه، وسردشت عثمان، ولسنا بحاجة الى ذكرها بالتفصيل للدلالة على قمع حرية الرأي والتعبير
الحائل الأول والأخير الذي لا يمكننا التعامي عنه حتى لو رضينا، كما يراد منا جميعا، بالأمر الواقع، هو ما يدحضه الواقع نفسه، المتبدي بالفجوة الصارخة بين الرطانة والتطبيق. بين الادعاء والممارسة، وبين الحقيقة والتظاهر بالحقيقة تبعا لمنطلقات نفعية انتهازية. والقاء نظرة سريعة على واقع «حرية التعبير»، في العراق، منذ شهر واحد فقط (ولن أقول منذ عام 2003)، وموقف المسؤولين السابقين واللاحقين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، يُكذّب بما لا يقبل الشك، تصريحات برهم صالح في معرض الكتاب، لتتكشف، كما هي عارية، مبتذلة، بابتسامة واسعة تحسده عليها جوليا روبرتس، مستهينا، بالكتب ومؤلفيها وناشريها، وحرية الفكر والتعبير.
فخلال الشهر الماضي فقط، سجل المركز العراقي لدعم حرية التعبير (حقوق)، مقتل صحافي، بالإضافة الى 15 انتهاكاً بحق الصحافيين، والمتظاهرين. أبرزها اعتقالات متكررة لصحافيين يعملون في قناة NRT، بإقليم كردستان، بناء على شكوى مقدمة من المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، وفصل طلبة جامعيين بسبب التعبير عن آرائهم في الفيسبوك، بالإضافة الى ممارسة تحرشات من قبل قوات امنية، وتهديدات مبطنة على خلفية اعداد تقارير صحافية او تصوير مواد مرئية، واعتقال ستة متظاهرين في البصرة من قبل مفرزة تابعة لشرطة النفط، لمجرد طلبهم الموافقة على إقامة تظاهرة. وقدم مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحافيين، تقريره السنوي يوم 17 كانون الثاني/يناير، في مدينة أربيل، موثقا 349 انتهاكاً ضد الحريات الإعلامية في الإقليم فقط، بضمنها ضرب الصحافيين والهجوم المسلح من قبل قوات أمنية على بيوتهم وحرق مقار إعلامية، وإيقاف بث قنوات محلية.
وقام النظام في تموز/يوليو من العام الماضي، بقطع الانترنت، تبعها تقييد مقصود للوصول إلى منصات وسائل التواصل والإعلام الاجتماعية، في ارجاء العراق، عدة أيام، ردا على الاحتجاجات المطالبة بالخدمات الأساسية، ومنها الماء الصالح للشرب، في البصرة. وكان الهدف من هذه الخطوة هو كبح الاحتجاجات ووقف انتقادات الحكومة عبر الإنترنت.
ان قائمة ترهيب وقتل الصحافيين والكُتاب والناشطين طويلة، وأحدثها (ولن تكون الأخيرة) جريمة قتل الروائي والباحث علاء مشذوب التي سبقها اختطاف واختفاء الناشط المدني الشاب جلال الشحماني، وقتل الشاعر بكر علي، وسوران مامه حمه، وسردشت عثمان، ولسنا بحاجة الى ذكرها بالتفصيل للدلالة على قمع حرية الرأي والتعبير، فجريمة اختطاف او قتل واحدة في البلدان التي تتمتع بالحرية كافية لاستقالة مسؤولين وملاحقة المجرمين. أما في العراق، فأقصى ما يقوم به المسؤولون هو تحويل الجريمة الى خطاب «أسف واستنكار» تخديرا لمشاعر الناس الى ان يتم نسيان الجريمة في زحمة المآسي اليومية. فما هي مسؤولية المثقف المتميز بوعيه النقدي في هذه الحالة؟ هل هو ابداء الأسف والاستنكار كما يفعل الساسة، فيكون المثقف تابعا للسياسي، أو في أحسن الأحوال، واقفا بجانبه ليلتقط «سيلفي» كما حدث في معرض الكتاب، لنترك القيم الأخلاقية جانبا، لنترك «الوطن للجحيم والموت والعصابات والمخابرات»، كما يُذكرنا الروائي حمزة الحسن في نصه «من قتل علاء مشذوب؟»
2 تطويق أيديولوجية وليد صبري الوطن البحرينية

خلال الساعات الماضية، تقاطعت تصريحات مسؤولين غربيين رفيعي المستوى حول قرب هزيمة تنظيم الدولة «داعش»، في إشارة واضحة إلى أن «التنظيم المتطرف بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة». وقد كان لافتاً تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، والتي أكد فيها أن «الولايات المتحدة سوف تسيطر قريباً على نسبة 100% من أراضي تنظيم «داعش» في سوريا»، فيما ختم ترامب تغريداته بتساؤل قائلاً، «هل تصدقون ذلك؟»، في إشارة إلى وسائل إعلام أمريكية تعارض سياسات الرئيس الأمريكي وتشكك في قدرة واشنطن على تنفيذ انسحابها من سوريا. وقبل أيام، أكد ترامب أن «الإعلان الرسمي عن تحرير كامل الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، ربما يكون الأسبوع المقبل». وجاءت تصريحات قائد القيادة العسكرية المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل التي أعلن فيها أنه من المحتمل أن تبدأ الولايات المتحدة خلال أسابيع سحب قواتها البرية من سوريا طبقاً لما أمر به ترامب، لتؤكد نفس التصريحات السابقة للأخير، وتصب في ذات الاتجاه، لا سيما وأنه أكد أمام أعضاء التحالف الدولي ضد «داعش» في واشنطن أن «الجنود الأمريكيين وشركاءنا في التحالف وقوات «سوريا الديمقراطية» حرروا على الأرجح كامل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق». وقبل أيام، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، قولهم إن «الجيش الأمريكي يستعد لسحب قواته من سوريا بنهاية أبريل، وإن جزءاً كبيراً منها سيكون قد انسحب بحلول منتصف مارس»، بينما أكد مسؤول أمريكي، في حديث لـ«رويترز»، سحب القوات الأمريكية في أبريل، مشيراً إلى أن «الانسحاب سيشمل قاعدة التنف، قرب ملتقى الحدود بين سوريا والعراق والأردن». بدوره، أكد قائد القوة المدفعية الفرنسية التي تدعم الجيش العراقي وقوات «سوريا الديمقراطية» في حربهما على «داعش»، الكولونيل فرنسوا ريجيس ليغرييه، من منطقة القائم العراقية على الحدود مع سوريا تسارع وتيرة القضاء على التنظيم المتطرف قبل أن تدعو وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، جنودها المتمركزين إلى «إنهاء هذه المعركة»، لا سيما وأن «الإرهابيين باتوا بلا قائد ولا اتصالات وفي فوضى واندحار»، على حد وصفها. وتخوض قوات «سوريا الديمقراطية» معارك ضارية مع التنظيم المتطرف في الجيب الأخير له شرق سوريا، قرب الحدود العراقية، لكن لايزال الأخير يقاوم بشراسة، ما يشير إلى أن المعركة ربما تمتد لنهاية الشهر الجاري. لكن يبقى السؤال الجوهري حول القضاء على التنظيم عسكرياً، لكن ماذا عن هزيمته فكرياً ومحاصرة وتطويق الأيديولوجيا؟
وهذا ما ذهبت إليه صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية، من أنه لا يمكن ببساطة في حال إعلان القوى الدولية هزيمة التنظيم المتطرف، أنها بذلك أنهت القصة، لأنه «فكرة خبيثة ومتعصبة، وهو قوة قتال شريرة». وإذا كان «داعش» قد خسر شيئاً فشيئاً الأراضي التي احتلها في سوريا والعراق منذ عام 2014، والتي كانت تعادل حجم بريطانيا بأكملها، حيث تضاءلت بشكل كبير ولم يبقَ سوى قرية أو قريتين محاصرتين جنوب شرق سوريا، إلا أن خطر التنظيم لم ينتهِ، بدليل أن التنظيم المتطرف يقف وراء أكثر من 140 هجوماً إرهابياً في 29 دولة غير العراق وسوريا، منذ عام 2014، ما أدى إلى مقتل نحو ألفي شخص خلال تلك الفترة، على الرغم من أن التنظيم المتطرف خسر أكبر معقلين له في الرقة السورية والموصل العراقية في 2017، بعد أن أعاد رسم خارطة الشرق الأوسط في 2014 بإعلانه «دولة الخلافة» على الأراضي التي قام باحتلالها.
وقبل أيام، كشفت مصادر مخابرات غربية، نجاة زعيم التنظيم المتطرف أبوبكر البغدادي من محاولة اغتيال في محافظة دير الزور السورية عبر مقاتلين أجانب بزعامة أبومعاذ الجزائري، فيما اضطر الأول إلى الهروب إلى منطقة صحراوية على حدود العراق.
* وقفة:
من السهولة بمكان الحديث عن هزيمة «داعش» عسكرياً إقليمياً ودولياً لكن تبقى مسألة تطويق الأيديولوجيا هي الحرب الأكبر لا سيما وأن جيوب التنظيم وخلاياه النائمة مستقرة في الشرق الأوسط!!
3 في توصيف الظاهرة
محمد حياوي العرب بريطانيا

في توصيف الظاهرة الثقافية وملامحها وأسباب تبلورها، يعتقد كثيرون بأنّ الأمر مقتصر على مجموعة رؤى وتفاعلات وآراء متضادة قد تحدث صدى يحفز على المناقشة والجدال، لكنّني هنا أتجاوز هذا التوصيف إلى الحالة الفرد، وكيف يمكن أن يشكّل ظاهرة من نوع ما، مثل الكتابة عن لطفية الدليمي. ليس الكاتبة والمترجمة والناشطة المدنية، بل الظاهرة الثقافية المتواصلة والمتجددة، لجهة إصرارها على الحضور الفاعل، سواء في الصحافة الثقافية أو التأليف الإبداعي والترجمة والإعداد والمتابعة أو حتّى في الحياة الثقافية.
تعود معرفتي بالكاتبة إلى أيّام البدايات الوجلة، عندما كنا نحمل نصوصنا المرتبكة إلى مجلة الطليعة الأدبية التي كانت تُعنى بأدب الشباب آنذاك، فكانت تستقبلنا بابتسامتها المشرقة وقَصة شعرها القصيرة دومًا وأناقتها اللافتة. كان الأمر أكثر من كونه مجرد امرأة جميلة طافحة بالإشراق، تجلس في مكتبها وتقرأ قصصنا. وبالنسبة إلى شاب حيي قادم من الجنوب الفقير يتعثّر بتطلعاته البكر، كان الأمر أشبه باجتياز عتبة التردد ودخول عالم النّور المعطّر. وكان النشر في المجلة، التي نطالعها في مدننا البعيدة، بمثابة تذكرة مرور لعالم الإبداع ممهورة بالحضور العطر لتلك السيِّدة.
حتى عندما قرأت أولى رواياتها “عالم النساء الوحيدات” التي وقعت بين يدي صدفة، لم يتزعزع إيماني بحضورها واختلافها وعمقها، بل ازدادت تلك الصورة التي احتفظ بها وضوحًا وترسّخًا. وعلى الرغم من أنّني لم ألتقِ بها كثيرًا في بغداد، إلاّ أن عالمها الروائي المشيّد بين “عالم النساء الوحيدات” و”سيِّدات زحل”، طالما شكل لدي مخاضة إبداعية شاسعة قلما نجد لها مثيلا. على الأقل عندنا في العراق، حيث بقي أدب المرأة متواريًا نسبيًا وحييًا.
في الواقع لا أستطيع أن أسبغ أيّا من تلك الصفات على أدب لطفية الدليمي المختلف والعميق والخارج عن إطاره الزمني ومناخه الاجتماعي، ذلك الأدب الذي خدمته شخصية الكاتبة وحضورها القوي في أن يتفرّد بهذه الطريقة المخالفة لما كان سائدًا في العراق. لقد لعبت عوامل عدّة في تحول الكاتبة إلى ظاهرة ثقافية ومعرفية ما زالت تترسّخ ملامحها عاما بعد عام، منها أن أدبها لم يقتصر على نمط معين من الكتابة الإبداعية، فهو متنوع وساع إلى التجريب واستغلال الممكنات بعيدًا عن التنميط والتجنيس، ومنها أن ثقافتها الواسعة وإجادتها للغات أخرى مهمّة مهّدت لها الدخول إلى عالم الترجمة الواسع والمهم والحيوي، كما أن تجربتها الشخصية في السفر والغربة والتغرّب، وما عانته ككاتبة امرأة في سِفر المدن الغريبة قد منحها رؤية واسعة وذاكرة متخمة بالصور والمواقف والتناقضات، لتتحول بعد كل ذلك إلى كاتبة ومترجمة وباحثة يشكل حضورها المتصاعد في المشهد الثقافي العراقي والعربي ظاهرة معرفية من نوع ما.
فأن تكتب رواية تصبح روائيا وأن تكتب قصة تصبح قاصا، لكن أن تكتب رواية وتترجم وتبحث في مناهل المعارف وتواصل حضورك في وسطك وتؤثر فيه وتبتكر الرؤى والأفكار، فأنت ظاهرة ثقافية تتجاوز كيان الكاتب بذاته إلى المحيط الثقافي الأوسع.
فقد استطاع البعض من المثقفين العراقيين القفز على واقع التشتّت وتفتّت المشهد الثقافي العراقي، ليشيّد محيطا ثقافيا فاعلا في البلد الذي يعيش فيه، متناغما مع المحيطات الشبيهة المتناثرة هنا وهناك مثل بقع ضوئية وامضة لتحكي قصة الارتقاء والإصرار على الفعل الثقافي الذي تحول إلى ما يشبه التحدي والمراهنة على عدم موت الثقافة والإبداع العراقي بإزاء ما ينكشف من تفصيلات مهولة لمخطط النيل من كل ما هو وطني وأصيل في العراق اليوم.

4 الدعاية الإيرانية قبل مؤتمر وارسو
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

من يتطلع في كواليس المشروع الإيراني، أو بالأحرى سلطة الدولة العميقة في العراق، يكتشف حجم الاستعدادات ومدى التأهب لمواجهة الولايات المتحدة وما يمكن أن تأتي به الأيام المقبلة من مؤشرات حاضرة فعليا في التحشيد الإعلامي والميليشياوي والسياسي والبرلماني استباقا لأنشطة أميركية، إن في الحراك السياسي لعقد مؤتمر وارسو، أو في سحب القوات الأميركية من سوريا وتعزيز تواجدها في العراق تحديدا في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار أو في القواعد داخل إقليم كردستان.
نشاط محموم على مختلف الأصعدة تتقدمه الكتل النيابية الطائفية في برلمان العراق بلمّ شتات مواقفها من التشكيلة الوزارية لحقائب الداخلية والدفاع استشعارا منها بخطر التواجد العسكري الأميركي في هذه المرحلة، وتخوفا من ضياع مكاسبها كلما ابتعدت عن القرار الإيراني الذي يرسم خطوطه شبه المعلنة مستشار دولة العراق للشؤون الأمنية الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري.
لقاءات خارج الحدود تحت أوهام السرية سرعان ما خرجت إلى الأضواء في حلقتها الأخيرة لتؤكد أن الخلافات على الوطن تذوب في الولاء إلى المشروع الإيراني أو إلى مرجعية الولي الفقيه، مرجعية المرشد علي خامنئي، ليظل شعار “مرجعية وطن” الدعائي في القنوات الفضائية الطائفية، وهي بالعشرات، والذي يقصد منه مرجعية النجف المذهبية، شعارا للتمويه لإنفاذ الولاء إلى المرجعية السياسية العقائدية لإيران، وكذلك لتغييب أي إرادة وطنية عراقية أو إدماجها قسرا برؤية مذهبية صارت حكرا للسلطة في العراق.
إيران تسابق الزمن لتقريب صادراتها من مشروع ضمان سلطتها تدعيما لرأي المرجعية المذهبية في العراق بمبادئ عامة كحصر السلاح بيد الدولة أو ضرورة تشريع قانون لإخراج كافة القوات الأجنبية، وطبعا المراد منه إخراج القوات الأميركية خدمة لولاية الفقيه في مستجدات أزمتها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد الانسحاب من الاتفاق النووي ومسلسل العقوبات.
النظام في إيران يُسخّر دبلوماسيته في زيارات محددة الأهداف لوزير الخارجية محمد جواد ظريف لتمديد توصيلات سياسية واقتصادية وعسكرية للمشروع الإيراني كضمانات بديلة لدور الميليشيات ومداخلاتها الفجة في سياسة دول المنطقة، ترقبا لاحتواء التصعيد الأميركي أو ردود الفعل غير المتجانسة مع الرؤية الإيرانية، كما في موقف بعض الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق وبالذات بعد أحداث كركوك عقب الاستفتاء على الاستقلال.
خمسة أيام قضاها ظريف في العراق يبدو أنها أسفرت عن تهدئة صريحة في احتقانات سابقة لها صلة بحصة الإقليم من الموازنة وبعودة ترتيب أوضاع قوات البيشمركة في المناطق المتنازع عليها، وأيضا في دورها ضمن قيادة العمليات المشتركة، وبعموم علاقة الإقليم بحكومة المركز وتمريرها تحت ذريعة علاقات الصداقة الحميمة بين مسعود البارزاني ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، رغم أن التسوية تمضي نحو خلق توازنات في الإقليم بعد التقارب الأميركي الكردي وزوال آثار الاستفتاء السلبية بين الطرفين وبشواهد إعمار القواعد العسكرية وتدعيمها بإنشاءات إستراتيجية لها طابع الثبات في إطلاق المهمات والواجبات كبناء مدارج المطارات الجوية أو توسيعها.
على مقربة من مؤتمر وارسو تسعى روسيا لعقد قمة بمنتجع سوتشي مع إيران وتركيا في مهمة تقول عنها إنها معنية بالشأن السوري، في محاولة نقد موجهة ضد جدول أعمال القمة البولندية الذي تصفه بالمشتت الفاقد للتركيز، لأنه سيناقش عدة أزمات في الشرق الأوسط منها الاتفاق النووي وتطوير الصواريخ الباليستية والأزمة في سوريا وفي اليمن ولبنان ومستقبل السلام الفلسطيني الإسرائيلي.
وجهة النظر الروسية تقفز على حقيقة أن تمدد الإرهاب الإيراني في المنطقة تحول إلى قضية مركزية في معظم الأزمات التي تجتاح البلدان المذكورة، بل إنها محور الكارثة في العراق الذي يتجاهل كلا المحورين الأميركي والروسي ذكره ضمن استعراض دول الأزمات، رغم أنه منصة للإرهاب الإيراني وقاعدة صراع للنفوذ بين المحاور الإقليمية والدولية.
ما إن أطلق علي خامنئي مقولته إن شعار “الموت لأميركا” يعني الموت لترامب وجون بولتون ومايك بومبيو، وإن إيران ليست لها أي مشكلات مع الشعب الأميركي، والإعلام الطائفي في العراق استنفر كل برامجه للترويج لحملة إعلامية ضد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عرض للخلافات الداخلية الأميركية بالتفاصيل بميول صريحة لكسب بعض الأصوات في الكونغرس أو أصوات الحزب الديمقراطي في مجلس النواب.
عنصر الدعاية تعدى توقيت انعقاد مؤتمر وارسو إلى الإعلان عن قدرة إيران على صنع السلاح النووي خلال فترة قصيرة، وهذا ما يردده قادة الحرس الثوري، لكن إيران لا تسعى لامتلاكه التزاما منها بما ورد في الاتفاق النووي الموقع معها، بل إن الأمر يختلف في التسويق لمخاطر المواجهة مع إيران وذلك بسرد تفصيلي للقواعد الأميركية مع إحصاء لأنواع الصواريخ الباليستية الإيرانية ومدياتها التي تصل كل دول المحيط وأوروبا وقادرة كما يرد في الإيضاحات على الوصول إلى الولايات المتحدة.
5 العراق.. حزب الدعوة وألاعيب التضليل د. باهرة الشيخلي
العرب بريطانيا

طلع القيادي في حزب الدعوة الإسلامي في العراق علي الأديب في لقاء تلفزيوني وهو ينتقد الدستور الذي كان حزبه مشاركا رئيسيا في تمريره وأكثر الأطراف حماسة له، والذي وضع بنوده نوح فيلدمان تحت إشراف الحاكم المدني الأميركي بول بريمر. اتهم الأديب هذا الدستور بأنه قسّم الشعب العراقي إلی مكونات وإلی محافظات وجعل هذه المحافظات تتناحر في ما بينها من خلال مجالس المحافظات، مدخلا أعداء المشروع السياسي في المشروع السياسي نفسه باسم الديمقراطية المزيفة، التي رأيناها في الصناديق المزيفة، حسب وصفه.
وعندما سأله مقدم اللقاء: إلی أين نحن ذاهبون؟ تدفق الأديب بالإجابة بنحو سريع “إلی المجهول، إلى الأتعس فنحن تبع إلى هذه الجهة وإلى تلك وعراق من دون وطنية لا يستقر، والدستور فيه خلل من يوم أقام العراق على مكونات ثلاثة وأعطی حق الفيتو لثلاث محافظات أن تستقل علی حساب المواطنة والوطن والآن كل المكونات تدعي التهميش”.
غالب الظن أن الأديب كرّس هذا اللقاء لإطلاق رسائل عديدة، فالمعروف عنه أنه حاد الطبع ويعتمد منهجا أحاديا مغلقا ولا يطيق رأيا آخر غير رأي حزب الدعوة، وهو هنا يحاول أن يلعب دور الثعلب الماكر، إذ أن من يسمعه يحسبه صوتا ليبراليا يدعو إلى التغيير والإصلاح، وأنه اكتشف بعد 16 عاما أن هناك خللا في الدستور الذي سيمضي بالعراق إلى مستقبل مجهول.
إنها ورقة لتخفيف الضغط الداخلي، ورسالة إلى الولايات المتحدة بأن حزب الدعوة استجاب إلى الإصلاح وأنه مستعد للتخلي عن المحاصصة وهو من كرسها خلال أربع حكومات تزعمها. والظن أن إيران هي التي أملت على حزب الدعوة هذا الخطاب كوسيلة تكتيكية لاجتياز المرحلة حتى يتمكن من القفز إلى المرحلة الآتية.
لكن حزب الدعوة فضح نفسه عندما انتدب الأديب لبث رسائله السياسية. فالعراقيون يعرفون أنه أوضح نموذج للولاء الإيراني، وغلوه الطائفي لا يحتاج إلى دليل، وفشله الذريع في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أصبح حديث القاصي والداني ومادة لتندر العراقيين، إذ كان الأديب، كما يتناقل الناس، نموذجا في التخريب والتدمير، وقد شاع الفساد في عهده في الوزارة ووصل إلى الركب، فهو من حوّل التعليم العالي إلى “خردة”، وتحت قيادته بيعت الشهادات العليا، وقد قاد بنفسه حملات تطهير طائفية في الوزارة فأبعد خيرة الكفاءات العلمية وأحل محلهم أناسا لا يشفع لهم في احتلال مناصبهم سوى الانتماء إلى طائفته.
ورقة لتخفيف الضغط الداخلي، ورسالة إلى الولايات المتحدة بأن حزب الدعوة استجاب إلى الإصلاح وأنه مستعد للتخلي عن المحاصصة مع أنه هو من كرسها خلال أربع حكومات تزعمها
إن شخصا يعرف العراقيون عنه هذه المعلومات كلها ليس مناسبا أن يتولى نقل رسائل سياسية لأنه غير موثوق به ممن يوجه الحزب رسائله إليهم.
وحزب الدعوة نفسه أثبت للعراقيين من خلال الوقائع المتواترة أنه أعد خططا لإفراغ العراق من كفاءاته في إطار مخططه التخلص من منافسين مفترضين، مثلما حاول تصفية المستقلين وحارب كل صوت وطني، واغتال من يختلف معه طائفيا، من أي طائفة كان ومن أي دين، وضمنهم الليبراليون، وسعى إلى التخريب المنظم لمؤسسات الدولة من التعليم إلى الصحة، ومن الخدمات إلى التجارة والزراعة والنفط، مقابل الإثراء الشخصي الذي بلغ ذروة فساده في عرض العراق للبيع (النفط مثالا)، وبلغ الاستهتار الحزبي إلى سن قوانين الأحوال الشخصية وما يسمى مجاهدو رفحاء وغيرهما، وهو ما دفع قياديين في الحزب بعد الانتخابات الأخيرة، التي أفقدت حزب الدعوة منصب رئاسة الحكومة، إلى المُطالبة بفتح تحقيق موسع حول تراجع شعبية “الدعوة” والثراء الفاحش لعدد من المسؤولين والقيادات في الحزب وأقرباء لهم، أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، وهو ما جعل مراقبين يعربون عن اعتقادهم أن إجراء مراجعة أو محاسبة سيزيد من ضعف الحزب داخليا وسيفجر خلافات حادة.
هذا الحزب كأنه يعيش في جزيرة منعزلة عن الواقع العراقي لأنه يدرك أن عموم العراقيين كشفوا أكاذيبه وحولوها إلى أهازيج يرددونها في تظاهراتهم، فهو مع مزاعمه بتحقيق الإنجازات الكبرى للعراق، يعرف أن لا وجود لهذه الإنجازات إلا على الورق، ومبالغها المليارية تحولت إلى جيوب قادته وأرصدتهم المصرفية، وإلا فليعلن إنجازا واحدا حققه غير حشره الملايين من المواطنين في معسكرات النزوح وتشريده ملايين أخرى داخل العراق وخارجه، فضلا عن أنه أول حزب يستخدم المفخخات والتفجيرات ضد المواطنين فهو يوصف بأنه حزب إرهابي طبقا لنظامه الداخلي الذي أقر الأسلوب العسكري في العمل الحزبي.
ومن هنا فإن الحزب، الذي بث رسائله على لسان علي الأديب لن يجني من رسائله شيئا.

6 بغداد تنشد زمنا يليق ببلاد الرافدين
علي الأمين
العرب بريطانيا

تفقد إيران شيئا فشيئا من رصيدها “إنجازاتها” التي حققتها في السنوات الأخيرة، بفضل التخبّط الأميركي، في المنطقة. بعد أن تغيّرت ملامح خارطة المنطقة الإقليمية وخارطة موازين القوى الدولية، تقف إيران على حافة هذه الخارطة وهي على وشك أن تخرج منها خالية الوفاض. فأينما ولّت وجهها تقابلها دعوات الرفض والرغبة في أخذ مسافة منها. وواجهها ذلك حتى في حصنها العراقي، حيث بات من الواضح أن أغلب القوى السياسية القريبة من إيران تحاول التخفف من العلاقة معها.
لم تزل بغداد تلك العاصمة التي تتطلع نخبها الثقافية والفكرية إلى استعادة ألقها كمركز حضاري عربي وإسلامي. مثّل عهدا هارون الرشيد والمأمون قمة النهضة الحضارية في العصر العباسي.
تميّزت بغداد بكونها مركز استقطاب للعلماء والمترجمين من كافة القوميات والشعوب الحية في ذلك التاريخ، وشكّل هذا التلاقي رحما لتلاقح الأفكار والعلوم ومركز إشعاع، لم تزل آثاره ممتدة إلى اليوم.
ليس ما تقدّم إلا محاولة لفهم هذه المدينة التي تختصر في مكوّناتها الاجتماعية والسياسية، العراق الجريح منذ عقود، فالعراق المُثخن منذ أربعة عقود ولا يزال، لم يزل أهله ينشدون زمنا يليق ببلاد الرافدين وأرض السواد والنخيل.
قبل أيام احتضنت هذه المدينة ملتقى الرافدين-بغداد 2019، تضمّن سلسلة لقاءات تمحورت حول العراق، في التجربة السياسية والحكم، والسياسة الخارجية، وفي القضاء، وفي التنمية والاستثمار، إلى غير ذلك من شؤون هي في جوهرها قضايا أعمّ من العراق، تمسّ المنطقة العربية اليوم، ومحيطها الإقليمي إلى حدّ كبير.
‏في الملتقى هذا، الذي نظمه مركز الرافدين للحوار، وهو إحدى مؤسسات المجتمع المدني العراقي ومركزه في مدينة النجف الأشرف، حضره أكثر من 500 مشارك، بينهم 50 مدعوّا من خارج العراق. المدعوون يمثّل معظمهم حكومات دولهم أو مؤسسات مجتمع مدني ومراكز دراسات قريبة من مراكز القرار.
تحدث ‏الرئيس العراقي برهم صالح، الذي افتتح المؤتمر بوضوح عن إستراتيجية الانفتاح على المحيط العراقي ولاسيما الدول العربية، معتبرا أن “التكامل الإقليمي هو السبيل لخروج العراق من أزمته”.
بغداد تجمع المتناقضات
على الرغم من الصورة غير المُشرقة لأوضاع العراق السياسية والاقتصادية والتنموية، إلاّ أن ما يمكن التنويه به من خلال أعمال المؤتمر التي استمرّت لثلاثة أيام (4 إلى 6 يناير 2019) أن بغداد هي المدينة العربية الوحيدة القادرة على جمع هذا الكمّ من الاتجاهات العربية والإقليمية المتنوعة والمتعارضة.
في بغداد وفي قاعة واحدة كان مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون ومسؤولون إيرانيون، وممثلون عن السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والكويت وتركيا وروسيا والمغرب والجزائر والأردن وبريطانيا وألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية بالإضافة إلى الاتحاد الأوربي.
‏المشهد قد يبدو مُلفتا ومُثيرا للتساؤل، بل يفتح آفاقا للكثير من الآراء والملاحظات، الجميع مهتمون لأن يكون في العراق فاعلا ومؤثرا، وهذا ليس مفاجئا، بل يمكن ملاحظة كيف أنّ القوى السياسية في العراق ولاسيما المشاركة في السلطة، تبدو توّاقة لفتح أبواب تقول إنها لا تزال مُوصدة، الاهتمام بالحضور السعودي والإماراتي كان جليّا من قبل القوى السياسية العراقية التي تُتهم بالتبعية لإيران.
اللقاءات في الغُرف الجانبية هي الأهم، المشهد كان مفتوحا على كل اللقاءات، ما خلص إليه مدير أحد المراكز الخليجية القريب من السلطة، هو الدهشة من الترحيب العراقي بالوفود الخليجية.
وقال “عقدنا لقاءات مع العديد من القيادات العراقية الرسمية والحزبية، ومع شخصيات مستقلّة، الجميع متعطّش لعلاقات متينة وتعاون واسع بين العراق ودول الخليج”.
وأكد المصدر الخليجي، أن العراق اليوم أكثر قدرة، استنادا إلى ما لمسه من توجهات رسمية وشعبية، “لإعادة الدولة بقوة إلى الخارطة العربية والإقليمية والدولية”.
لا يمكن لزائر العراق إلا أن يلحظ سعي معظم القوى السياسية القريبة من إيران إلى محاولة التخفف من العلاقة معها، وأن التبعية لإيران في العراق باتت لصاحبها عنصر ضعف أحد المسؤولين العراقيين المعروف بصلته بالقيادات الإيرانية، قالها بصراحة إن الحشد الشعبي تحوّل إلى معبر لتمويل النفوذ الإيراني في سوريا واليمن ولبنان، فتمويل الحشد الشعبي من الخزينة العراقية، وبحسب تعبير المسؤول، “أموال الحشد تؤخذ بالأكياس من الخزينة، ولا وجود لرقابة جدية لعملية صرف هذه الموازنة”.

إزاء هذا الاتهام للإيرانيين، برز في العراق ولا يزال مطلب حصرية السلاح في يد السلطة العراقية، والتخلّص من علة عدم مركزية قرار السلاح، وهذا ما يدعو إليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتيار الحكمة الذي يرأسه عمار الحكيم.
هؤلاء يتحدثون بصراحة عن ضرورة عدم وجود سلطة سلاح خارج القوات المسلحة الرسمية، وهم يقولون ذلك لا يخفون قلقهم من أن يتكرّر مشهد تداعي الدولة وضعفها، من خلال استعراض النماذج التي سعت إيران إلى اعتمادها في لبنان وغيره.
‏ما قاله المرجع الشيعي السيد علي السيستاني كرأس المرجعية في النجف خلال استقباله ممثلة الأمم المتحدة في العراق قبل أيام، كان واضحا على هذا الصعيد.
وعلى طريقة المرجعية في التوجيه العام من دون التورط في الانزلاق إلى زواريب السياسة، أكد على ضرورة أن يكون السلاح حصرا في يد الدولة. وهذا ربما ما يطرح تساؤلا يمكن توجيهه لبعض اللبنانيين غير المؤمنين بحصرية السلاح بيد الدولة، هل يمكن الاهتداء بمثل هذا المطلب لأعلى مرجعية شيعية دينية في العالم؟
‏سليماني المنفر.. والخزعلي المرحب

النفوذ الإيراني ليس بسيطا في العراقالنفوذ الإيراني ليس بسيطا في العراق
‏لا تحتاج إلى تفحّص المعاني ما بين الكلمات، لتدرك أن العراقيين على وجه العموم لا يستسيغون الدور الإيراني في العراق، لا بل تبدو شخصية قائد فيلق القدس قاسم سليماني الشخصية الأولى المنفرة لمعظم العراقيين، ويُنظر إليه باعتباره النموذج السيء لإيران في العراق.
نصحت بعض القوى السياسية العراقية، ولاسيما التي تتمتع بعلاقة علنية جيدة مع القيادة الإيرانية، القيادة الإيرانية باعتماد نموذج مختلف عن سليماني كشخصية عسكرية لإدارة العلاقة مع العراق، رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي الذي يبدي استياءه من بعض تدخلات سليماني في شأن السلطة في العراق، أكد أنه يريد أفضل العلاقات بين العراق وإيران، لكن نريدها بالطرق الرسمية والدبلوماسية وعلاقة ندّية وعبر ممثلين دبلوماسيين كوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على سبيل المثال لا الحصر.
‏من الثابت أن العراقيين ولاسيما الكتل البرلمانية على وجه العموم، ليسوا في وارد أي مطالبة جدية بخروج القوات الأميركية من العراق، هذا ما قاله معظم المسؤولين العراقيين الرسميين ولاسيما الرؤساء الثلاثة، بل وفي مفارقة ملفتة، أن قائد عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وهو التنظيم الذي صدرت عنه مواقف عدة تدعو إلى خروج القوات الأميركية من العراق في الآونة الأخيرة، قال، خلال حوار في ملتقى الرافدين وبحضور قائد القوات الأميركية السابق في العراق، “لا نريد خروج القوات الأميركية”.
وأكد أن العراق يحتاج إلى الوجود الأميركي على صعيد تدريب الجيش وتزويد العراق بالتقنيات والخبرات العسكرية في مواجهة الإرهاب، ما دفع المسؤول الأميركي بعد الجلسة إلى سؤال مدير الجلسة هل المترجم كان دقيقا في نقل ما قاله الخزعلي؟
‏النفوذ الإيراني في العراق ليس نفوذا بسيطا، بل جرى ترسيخه خلال السنوات السابقة، في مفاصل عديدة في الدولة، ولا يمكن في مقاربة الوضع العراقي اليوم القول إن من المرجّح وفي المدى القريب، أن يشهد العراق تحرّرا من هذا النفوذ غير الشرعي. لكن لا يمكن لزائر العراق، إلا أن يلحظ سعي معظم القوى السياسية القريبة من إيران إلى محاولة التخفف من العلاقة معها، ما يمكن الجزم به، أن التبعية لإيران في العراق باتت لصاحبها عنصر ضعف داخل المجتمع العراقي، إذ ليس في العراق من يطمح لأن يكون قوّة سياسية فاعلة
ويضع خلف مكتبه صورة وليّ الفقيه علي خامنئي أو الخميني، هذه الصور كفيلة بإنهاء فرص الاستقطاب والتأييد له في المجتمع العراقي.
7 الروائي وآية الله.. 13 سنةً 13 رصاصةً
رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية

يوم وصل آية الله الخميني العِراق، وأخذ يتنقل بين النَّجف وكربلاء، لم يكن الروائي علاء مشذوب قد ولد بعد. عرف في طفولته وصباه «عكد» أو درب السَّادة، ولعله خلال لعبه مع أترابه كان يرى تحرك آية الله بلا موكب ولا خواص، إلا النَّفر الذي قَدم معه مِن إيران فتركيا فبغداد. لذا كانت الفكرة ضبابية عنده عن تلك الشَّخصية التي ملأت إعلام العالم في ما بعد. فعندما ترك آية الله العراق كان عمر الروائي أحد عشر عاماً، لم يطرأ على باله أن يكون اسم هذا الرَّجل سبباً بقتله، ولم يتنبأ لنفسه أن يصير روائياً يُشار إليه بالبنان بين جيله داخل العراق، وفي زمن التناحر القاتل بين الأقوام والمذاهب.
لم تبق صورة آية الله لدى طالب المدرسة، خلال الحرب العراقية الإيرانية، ضبابية، بل وضحت تماماً مِن قِبل إعلام عراقي رسمي يسميه «الدَّجال»، وإعلام إيراني رسمي ومقاومة إسلامية يسميه «الإمام»، وبين اللَّقبين يقترب إلى ما بين صورة «المسيح الدَّجال» و«المهدي المنتظر»، وحشو دماغ الطالب بمصطلحات وتسميات خرجت مِن قمقم الماضي مِن مثل «المجوس» و«الكفار».
عاش الروائي الكربلائي علاء مشذوب شاباً سنوات الحرب والحصار، وكان ينتظر مع غيره مِن أبناء جيله لحظة انعطافة جديدة في تاريخ بلاده، إلا أن تلك اللحظة قلبت لديه الموازين والمقاييس، فصورة آية الله (العدو) حلت على أعمدة مدن بلاده ولياً، والجنود الشهداء في الحرب تحولوا إلى مجرد أزلام النظام (المقبور)، يتوسل أهاليهم لتسلم معاشاتهم مقابل الدماء التي سفكت في الحرب مع جيش «آية الله». فماذا سيكتب الرُّوائي، وفي ذاكرته ليس غير الحروب والحصارات والغزوات، حتى أردته ثلاث عشرة رصاصة. وعلى ما يبدو أنه كان قد تنبأ بالعدد، وهو يعد لآية الله سنوات وجوده وتنقله بين كربلاء والنَّجف، أي بين ضريحي عليٍّ وولده الحُسين، والأخير يُوصف أنه خرج ضد الظلم، وليس أظلم مِن ثلاث عشرة رصاصة غُرست في جسد الرّوائي، وهو خارج مِن اتحاد أدباء لا وكر رذيلة، كي يدعو بتطهيرها.
كتب «مشذوب» على صفحته في «فيسبوك»، ما كشف عن هوية راكب الدَّراجة الذي عدَّ رصاصته ثلاث عشرة، عن كلِّ سنةَّ مكثها آية الله بين كربلاء والنِّجف: «كانت عندي فكرة ضبابية عن هذا الزُّقاق الذي سكنه الخميني، وهو فرع من الزقاق الرئيس والطويل والذي يطلق عليه عكد(درب) السادة)، هذا الرجل سكن العراق ما بين النجف وكربلاء لما يقارب ثلاثة عشر عاماً، ثم رحّل إلى الكويت التي لم تستقبله، فقرر المغادرة إلى باريس ليستقر فيها، ومن بعد ذلك صدّر ثورته إلى إيران عبر كاسيت المسجلات، والتي حملت اسم (ثورة الكاسيت). ليتسنم الحكم فيها، ولتشتعل بعد ذلك الحرب بين بلده، والبلد المضيف له سابقاً» 17/1/2019(الساعة الخامسة وست دقائق).
يصعب اعتبار عدد السنين والرصاصات في جسد الرّوائي المغدور مجرد مصادفة، ويُستبعد أن هذا التَّقدير كان مِن إلهام المنفذ، فالأخير لا نظنه قد قرأ كلمة الروائي وفسرها بهذه الدقة، إنها الفكرة كانت فكرة جهاز محترف بأساليب الثّأر وطرق التنفيذ، فليس هناك قتل بلا رسالة موجهة لبقية الكُتاب، وهي الكلمة تعادل رصاصة.
كان الرّوائي حالماً بالحرية والدّيمقراطية، ولم يدرِ أن الاحتكار الوحيد الذي صار مشاعاً، للجماعات المسلحة بالسلاح والدِّين، هو احتكار القتل. يذكر الجاحظ(255هـ) عن هذا الاحتكار، أن ملك «الزابج» سمع صراخ امرأة، فقيل له: أكل التّمساح ولدها، فاستفز الملك مِن هذه الشَّراكة قائلاً: «وفي مكان أنا فيه شيء يُشاركني في قتل النَّاس»! فخاض في الخليج، وخاض بعده النَّاس يلاحقون التَّماسيح «حتى أخذوا كلّ تمساحٍ فيه أخذ يدٍ»(رسائل الجاحظ). هكذا كان احتكار القتل أرحم مِن إشاعته، فالجهة الواحدة يمكنك مداراتها أو مراوغتها، وربَّما اكتفت بأقل مِن القتل مقابل الحياد اتجاهها. يفتش العراقيون المسجلون على قوائم الاغتيالات عن محتكر للقتل، قادر على قمع التَّماسيح؟!
إن ما يجمع بين الروائي وآية الله المكان «درب السَّادة»، وكانا يجهلان بعضهما بعضاً، كان الروائي يلهو بأتربة الدَّرب وآية الله يمر بلا حاشية وحمايات، ليدور الزَّمان دورته فيصبح لمز آية الله الإيراني، حيث وجود جنوده المجندة وفي زمن الدِّيمقراطية العراقي، يكفي لغرز ثلاث عشرة رصاصة مقابل كلمة.
فلا قيمة عندهم لروائي وقاص وفنان وكاتب وناقد وسينمائي، بذل أكثر من نصف عمره ليجمع بين هذه الفنون، عُرف داخل العراق وخارجه، لديه قدرة وحماسة على الإنتاج الثقافي. مِن رواياته: «مدن الهلاك – الشاهدان»، «فوضى الوطن»، «جريمة في الفيسبوك»، «آدم سامى – مور»، «جمهورية باب الخان».
أقول: كم قليل الجهد المصروف لصناعة القاتل، وكم الجهد الكبير والزَّمن الطويل المبذول في صنع مثقف كعلاء مشذوب؟! هذا، وبين القاتل، المحمي بعباءة آية الله، والمثقف ما نُسب إلى ابن المقفع(قتل142هـ) في قاتله: «إذا ما مات مثلي مات شخصٌ/يموت بموته خلقٌ كثير/وأنت تموت وحدك ليس يدري/بموتك لا الصَّغير ولا الكبير» (الصَّفدي، الوافي).

8 ديوان أبي نواس
نجم عبدالكريم الجريدة الكويتية

تقدَّم عددٌ من المحافظين المتزمتين في بغداد بطلبٍ لتغيير اسم أشهر شوارعها (شارع أبو نواس)، واستبداله باسم أحد العلماء أو الأتقياء أو الفلاسفة، نظراً لما كُتب عن تاريخ هذا الشاعر، وعن فسقه ومجونه، لكن هذا الطلب استثار حفيظة الذين يسهرون في شارعهم الأشهر من العراقيين، واحتدم السجال بين المحافظين المتزمتين والذين يعارضون تغيير اسم الشارع.
• خبرٌ كهذا دفعني إلى أن أعود لقراءة ديوان أبي نواس، الذي صار اسمه يرمز إلى المجون والفسق، في حين يراه الكثير من المفكرين المعاصرين واحداً من كبار المجددين في القصيدة العربية، ومنهم المفكر أدونيس وغيره. ولما بدأت رحلتي مع الديوان النواسي تأكد لي مما قرأت عن هذا الشاعر أنه ملَك ناصية اللغة والأدب، ونهل من العلوم الإسلامية المختلفة، من فقه وحديث ومعرفة بأحكام القرآن الكريم، وألمَّ بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، بل إن ابن المعتز، في كتابه “طبقات الشعراء”، يَعُدُّ أبا نواس فقيهاً عارفاً بالأحكام، بصيراً بالاختلاف، وصاحب حفظ ونظر، ومعرفة بطرق الحديث.
***
• دفعت أبا نواس طموحاتُه إلى ترك مدينته (البصرة)، ليتجه إلى بغداد عاصمة الخلافة، ومحط آمال الشعراء، وهناك امتدح الرشيد، كما أسرف في شعره بالخمريات، مما جعله أكثر شهرة فيها، وقد نال من الرشيد مكانة مرموقة، لكنه لم يتوقف عن الزج به في السجن بين الحين والآخر، عقاباً له على ما يحويه شعره من مباذل. ولما مات الرشيد صار أبو نواس نديماً للخليفة الأمين، الذي قام بحبسه هو الآخر عدة مرات، بسبب إسرافه في الأشعار الخارجة عن الحدود الاجتماعية.
***
• ولستُ هنا بصدد الوقوف على تاريخ الشاعر أبي نواس، وهو تاريخ حافل بالأحداث، لكنني أريد أن أقف معكم قليلاً على بعض أشعاره، من خلال ديوانه، ليتبيَّن لنا أنه ليس صحيحاً أن معظم شعر الرجل كان مقتصراً فيما قاله من قصائد على الفسق والمجون فقط، بل كانت قصائده تعبِّر عن الكثير مما كان يسود في عصره، ويشارك المجتمع أفراحاً وأتراحاً وزهداً وتعبداً، فهو يخاطب ربه بالقول:
إلهنا ما أعدلكْ… مليكَ كل مَن ملك
لبيك قد لبيتُ لك… لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
ما خاب عبدٌ أمّلك… أنت له حيث سلك
لولاك يا رب هلك… لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
والليل لمّا أنْ حلَك… والسابحات في الفلك
على مجاري المنسلك… لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك
ومع أن القصائد التي يستغفر فيها أبو نواس ربه كثيرة، إلا أن المزاج العام في عصره كان أكثر ترديداً، في الأمسيات والمجالس، لأشعاره ذات الطابع الأكثر خروجاً عن المألوف، بينما هو يخاطب ربه بالقول:
إلهيَ لستُ للفردوس أهلاً
ولا أقوى على النّار الجحيم
فهبْ لي توبةً واغفر ذنوبي
فإنك غافرُ الذنب العظيم

وهو يفخر بنفسه في إحدى قصائده، حيث يقول:

وقد زادني تيهاً على الناس أنني

أرانيَ أغناهم وإن كنت ذا فقر

فوالله لا يبدي لسانيَ حاجةً

إلى أحدٍ حتى أُغيَّب في قبري

فلو لم أرث فخراً لكانت صيانتي

فمي عن سؤال الناس حسبيَ مِن فخر

وقد عُرف عن أبي نواس إسرافه في الهجاء، فتكلم عن إحداهن بقوله:

أيها السائل عنها

اسمع اللفظ المحلِّي

شخصها شخص قبيح

ولها وجه مولِّي

رِدفها طستٌ ولكن

بطنها زكرة خلِّ
***
• مطالبة المتزمتين بتغيير اسم شارع أبو نواس في بغداد يذكِّرنا بأولئك الذين طالبوا بتنقيح كتاب “ألف ليلة وليلة”… قاتل الله التزمت!
9 «اغتيال المشذوب».. حاكموا المحرّضين
أحمد الحناكي صحيفة الحياة السعودية

لن تكون جريمة اغتيال الكاتب العراقي علاء مشذوب بسبب مواقفه من التطرف الديني هي الأولى من نوعها في البلاد العربية ولن تكون الأخيرة، وبحسب المعلومات التي أصدرها الأمن العراقي فقد تم اغتياله بعد أن كتب مقالات ضد ما سمّاه بـ «طمس للهوية العراقية»، متذمراً وشاجباً تطرفاً داعشياً أو هيمنة إيرانية، ومقاله الأخير انتقد فيه الخميني متطرقاً للسنوات الـ13 التي عاشها في العراق.
هناك خطوط حمر لدى المسلمين العرب أو حتى غير العرب حول انتقاد الرموز الدينية أو جوهر الدين، غير أن كثيراً من هؤلاء ينجرفون تحت توجيهات قادة الرأي الذين يبثون رسائل مؤثرة للمتلقين الذين لا يناقشون الرسائل بل ينفذونها من دون تردد.
عندما اغتيل الكاتب المصري الكبير فرج فودة -رحمه الله- سأل المحقق القاتل عبدالشافي رمضان: لماذا قتلت فرج فودة؟ أجاب: بسبب فتوى الدكتور عمر عبدالرحمن مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد عام 1986، ولما سأله ومن أي كتبه عرف أنه مرتد؟ رد بأنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وعن سبب اختياره موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى؟ أجاب: لنحرق قلب أهله عليه أكثر. تصوروا أن يقدم شخص ما على ارتكاب جريمة بشعة ويمحو إنسانا من الوجود ويحرمه من الحياة ويحرم عائلته منه وييتّم أطفاله ويرمّل زوجته فقط لأنه سمع شيخاً قال: إن «فرج فودة قد كفر».
لم يستطع المتشددون -وهم كثر- مجابهة فرج فوده الذي كان يتسلح بالأرقام والحقائق، وكتابه «الحقيقة الغائبة» – الصغير حجماً- أحدث زلزالاً كبيراً بعد نشره، وبتصوري أن قرار تصفيته صدر من المتطرفين بعد ذلك الكتاب، وإن قيل لاحقاً إنه بعد مناظرة له هو وفؤاد زكريا أمام محمد عمارة ومحمد العوا.
وفي إبان تولي الرئيس محمد مرسي وفي خضم التوترات وحوادث العنف ثم ثورة الشارع المصري، لم يلقِ أحد بالاً لقرار من الرئيس بالعفو عن أحد المشاركين بعملية اغتيال فودة ممن حكم عليه بـ «الأشغال المؤبدة» وهو محمد أبوالعلا، وبعدها تسلل إلى السودان ثم سورية وقتل هناك بعد انضمامه لإحدى الفصائل المتطرفة، على أن أبوالعلا لم يكن الوحيد الذي شمله قرار العفو غير المستحق دستورياً، بل إنه ضمن 523 معظمهم من الجماعات الإسلامية والتكفيرية، ومتورطون بقضايا سلاح وإرهاب ومخدرات، وهو أول قرارات الرئيس مرسي فور توليه.
أيضاً الشاب الذي طعن الأديب الكبير نجيب محفوظ – رحمه الله – بدعوى أنه مرتد ومن ثم يستحق القتل، لم يقرأ حرفاً واحداً من روايات محفوظ، ولعل من الأواخر الكاتب الأردني ناهض حتر الذي تم اغتياله في الـ25 من أيلول (سبتمبر) 2016 برصاص مسلحين، بدعوى أنه نشر رسماً كاريكاتورياً ينتقد فيه المتطرفين.

قضية التكفير إحدى القضايا الخطرة التي يقع بها كثيرون ممن يسمون أنفسهم علماء أو ممن يسميهم الناس علماء، على أن العالم الحقيقي لا يصدر منه تكفير إلا لقضية محددة بعد أن تسلك مجراها الطبيعي في المحاكم والقضاء.
ظاهرة التكفير لا توجد بالمملكة، على رغم أن العلماء المسلمين خارج المملكة يعتبرون علماء السعودية من الحنابلة المتشددين، وذلك كونهم يتقيدون بسيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام، وقد اشتهرت حادثة أسامة بن زيد رضي الله عنه إذ قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناس من جهينة يقال لهم الحرقات، قال: فأتيت على رجل منهم فذهبت أطعنه فقال: لا إله إلا الله فطعنته فقتلته، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال: قتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله؟ قلت يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذاً، قال: فهلا شققت عن قلبه».
10 العراق وسوريا وتناقض السياسات الأميركية
د.أسامة نورالدين صحيفة الوطن العمانية

لا يترك الرئيس ترامب فرصة ولا مجالا ولا مناسبة إلا ويؤكد على فشل السياسات الأميركية الخارجية، ليس هذا فحسب، بل وتعمدها إحراج أصدقاء الولايات المتحدة بتصريحات بعيدة عن اللياقة والدبلوماسية، وهذا تحديدا ما حدث عندما صرح الرئيس ترامب باستمرار وجوده في العراق، ولكن ليس من أجل توفير الأمن والاستقرار للشعب العراقي وحماية التجربة الديمقراطية التي وعدت بها أميركا الشعب العراقي، وإنما لمراقبة إيران ومنعها من امتلاك السلاح النووي، وكأن العراق قد أصبح دولة بلا سيادة تتواجد فيها القوات الأميركية للإضرار بمصالح الدول المجاورة، فالموضوع لا يتعلق بإيران بل يتعلق بالمنطقة برمتها، فما صرح به ترامب بخصوص إيران يمكن أن يتكرر مع أي دولة أخرى، بل وقد تكون هناك بالفعل عمليات تجسس ومراقبة لنشاطات وتحركات الدول الأخرى بما في ذلك الصديقة للولايات المتحدة، هذا في الوقت الذي أعلن فيه ترامب سحب قواته من سوريا، بزعم الانتهاء من القضاء على تنظيم “داعش”، ما يعكس حجم التناقض في المواقف الأميركية، إذ ما الدافع لسحب تلك القوات من سوريا وتركها في العراق؟ أم أن هذه الإدارة لم يعد لها من دور سوى نشر القلاقل والاضطرابات في المنطقة؟
لا يمكن الجزم بما إذا كان الرئيس ترامب يقصد إطلاق تلك التصريحات بهذا الشكل، فالمتتبع لسياسات الرئيس ترامب منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة؛ يلحظ أنه لا يريد العمل بدون مقابل، وهو يرى في الوجود الأميركي في المنطقة وخارجها يكلف الخزينة الأميركية أموالا طائلة، وأنه لذلك يريد من الدول الغنية تحمل تلك الكلفة، ولأن خروجه من سوريا سبب له حرجا شديدا وأثار حوله غضب قيادات المؤسسات الأمنية الذين يرون في هذا الخروج ضررا على المصالح الأميركية، لذا فهو يحاول أن يستفز الدول الموجودة بها القوات الأميركية من أجل المطالبة بخروج تلك القوات لما تسببه من حرج شديد لأنظمة تلك الدول، فالعراق ليس دولة مستباحة كي تقوم الولايات المتحدة بمراقبة أنشطة الدول الأخرى من خلاله، ولا هو مركز تجسس عالمي للاستخبارات الأميركية، لذلك لا يستبعد أن يكون هدف ترامب من تلك التصريحات العنترية سحب القوات الأميركية من العراق مثلما قام بسحبها من سوريا، ولكنه هذه المرة يلقي بالكرة في الملعب العراقي.
يعلم الرئيس ترامب أن المواجهة مع المؤسسات الأميركية باتت صعبة واتباع الأساليب المباشرة في فرض رؤاه وسياساته على الجميع باتت تكلفة الكثير، بل وقد تكلفه منصبه في حال استمر في الضغط على الجميع لفرض رؤاه وقراراته التي يصفها المرشح الديمقراطي السابق في انتخابات الرئاسة الأميركية جون كيري بالمجنونة، وذلك على هامش حضوره منتدى دافوس الاقتصادي في حوار مع قناة “سي إن بي سي” الأميركية، تعقيبا على قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، والذي من شأنه أن يكلف الناس خسائر بالمليارات.
وأيا كان ما يريده ترامب من هذه التصريحات فإن رد الحكومة العراقية كان مسؤولا وقويا، ويعبر عن رفض صريح للعب مثل هذا الدور المرفوض رسميا وشعبيا، ولكان أفضل لو عبرت الرئاسة العراقية عن رفضها الوجود الأميركي في العراق جملة وتفصيلا، وذلك من أجل الحفاظ على سيادة واستقرار العراق، فكل المصائب التي يمنى بها الشعب العراقي مردها لهذا الوجود، الذي فشل في منع تنظيم “داعش” من التمدد في العراق وسوريا، بل إن هناك اتهامات للولايات المتحدة بأنها وراء خلق هذا التنظيم من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
ولذلك قد يكون آن الأوان من أجل إعادة بناء العراق بالشكل الذي يحقق مصالح أبنائه بعيدا عن التدخلات الأميركية والغربية في شؤونه، واستعادة وضعه ومكانته في منطقة الشرق الأوسط من جديد، خصوصا وأنه يملك الإمكانات المادية والبشرية التي تكفل له ذلك، ولا يحتاج سوى إرادة حرة، ورغبة حقيقة في بناء دولة قوية.
11 «داعش» إلى أين بعد سوريا والعراق؟
احمد خليل القرعان
صحيفة الراي الاردنية

أعلنت أميركا وحلفاؤها انتهاء زمن تنظيم القاعدة في موطنها الأصلي بافغانستان 2002، وسرعان ما تم الإعلان عن انتقال عملياتها إلى العراق 2004، فانفرط العقد بين تنظيمي القاعدة والدولة الاسلامية في العراق مع اندلاع الصراع في سوريا عام 2011 عندما قرر أبو بكر البغدادي الذي يقود تنظيم الدولة منذ عام 2010 بتوسيع نشاطه ليشمل الأراضي السورية. فأرسل عددا من مقاتليه لإقامة موطئ قدم لهم هناك.
فإلى أين سيمضي مسلحو «داعش» بعد هزيمتهم في العراق وسوريا؟.
وهل خططوا بسرية تامة بمساعدة الداعمين لهم من القوى العظمى إلى إيجاد مكان جديد لهم ينطلقون منه عما قريب لتنفيذ عملياتهم؟، واين ذهب افراده الذين تباينت اعدادهم ما بين 30 الفاً الى 50 الفاً؟، وهل سيشكل عودة هولاء لبلادهم خطرا عليها بإعادة التفكير لتشكيل التنظيم بأسلوب مختلف؟.
اسئلة حائرة يجب الانتباه إليها جيدا من قبل الدول المحيطة بسوريا والعراق، لأنه لم يتم رسميا إعلان وفاة التنظيم، وانما ما زال قادرا على التحرك في بعض الجيوب القريبة من الحدود العراقية وسوريا، وهذا بحد ذاته يشكل خطرا يجب ان لا نستهين به، وخاصة اذا ما عرفنا بأن الجهات التي قدمت لهم الاموال والسلاح طيلة الثماني سنوات قد يستفاد منهم لتخريب بعض المناطق.
وهذا يدعونا جميعا للتفكير جديا بمستقبل التنظيم، الذي سيطر على مناطق كبيرة في العراق وسوريا، لفترة طويلة في وقت تتحدث فيه تقارير عن فرار قادة التنظيم وأفراده، عبر شبكة أنفاق كانوا قد أنشأوها، في حين تتحدث تقارير أخرى عن تسرب هؤلاء وسط المدنيين والنازحين داخل العراق وسوريا وخارجه.
فهل يمتلك داعش القدرة لوحده على التمدد في أماكن أخرى خارج سوريا والعراق؟.
تتراوح السيناريوهات المتوقعة لمستقبل «داعش» وفق المراقبين، بين تسرب أفراده وانتقالهم إلى مناطق عراقية أخرى مكونين جيوبا جديدة، أو الانتقال إلى الأراضي السورية، حيث ما يزال التنظيم يسيطر على مناطق شاسعة على الحدود بين البلدين، وبجانب ذلك يطرح المراقبون، احتمالات عودة المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم إلى بلدانهم الأصلية التي قدموا منها، حيث تزيد المخاوف في ظل هذا الاحتمال من تحول هؤلاء إلى ما يعرف ب(الذئاب المنفردة) الذين يقومون بشن هجمات منفرده لكنها توقع العديد من الضحايا.
فالاحتمال الأقوى يتمثل في انتقال مقاتلي «داعش» الفارين من العراق ومن سوريا في حالة حسم معركة الرقة، إلى مناطق صحراوية شاسعة في دول تشهد نزاعات داخلية وحدودية مثل ليبيا والسعودية واليمن وسيناء،
وعلى ما يبدو أن المرحلة التالية لهزيمة «داعش» في العراق وسوريا، لن تمثل هدوءا بالنسبة للسلطات الأمنية في العديد من الدول، إذ أن معظم السيناريوهات المطروحة بشأن مستقبل التنظيم، تمثل خطرا من نوع ما، سواء على مستوى عودة مقاتلي التنظيم إلى الدول التي قدموا منها بشكل طوعي مقابل إلقاء السلاح والعودة لصفوف الشعب، أو بالتسلل إليها، وهاذين الاحتمالين سيشكلان قلقا كبيرا للأجهزة الامنية في كل بلد عربي، يتم خلالها معرفة عناصر التنظيم العائدين ومتابعتهم بدقة، نظرا للخطر الذي قد يمثلونه وإمكانية تحولهم إلى (ذئاب منفرده)، قد تقدم على تنفيذ عمليات إرهابية في أوقات لا يمكن التنبؤ بها، كما أن فكرة انتقال المقاتلين إلى مناطق صحراوية أو جبلية وعرة في بلدان تشهد نزاعات داخلية، يحمل أيضا خطرا على تلك البلدان وهو سيكون بمثابة نقل للصراع، دون تحييد التنظيم كما أنه سيحمل خطرا على مجتمعات هذه الدول إذا ما استطاع نشر فكره وخاصة في ظل البطالة المتفشية في الدول العربية وتردي الأحوال الاقتصادية وانتشار ظاهرة المخدرات بشكل لا يستهان به.
بقي القول إن على الدول العربية بالتحديد الانتباه جيدا لأحد أسباب تشكيل التنظيمات الإسلامية الجهادية والتي تتلخص في قدرتها على العزف على لحن اسطوانة ما يعانيه المسلمون من الظلم الشديد والإذلال، فيقدم الشباب المتدين إيديولوجية تحدد الوسائل الكفيلة بإزالة المظالم، ومن ثم السماح للمتعاطفين بتجنيد أنفسهم في تنظيم القاعدة او داعش او تحت اي مسمى جديد يتفق مع الفكر و الرؤية التي تم إنشاء القاعدة وداعش بموجبهما.