1 المملكة الحمراء المقدسة” في بغداد
د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
كان داخل سور بغداد الشرقية سور آخر يمتد من خان مرجان في شارع الرشيد الحالي إلى منطقة السنك وكان يضم داخله دار الخلافة العباسية، والأرض التي أمامه حتى جامع الخلفاء على شارع الجمهورية الحالي كانت تسمى حريم دار الخلافة، ثم أهملت المنطقة بعد سقوط بغداد سنة 656هـ – 1258م، وهي الآن مبان وعمارات عالية ويخترقها شارع النهر، أول شارع شق في بغداد في العهد العثماني.
وعرف العراقيون، بعد الاحتلال الأميركي لبلدهم، مناطق شبيهة بدار الخلافة تعود إلى الأحزاب الطائفية ذات الصلة بإيران مثل مملكة حزب الدعوة في مطار بغداد القديم والمستوطنة الخضراء وغيرهما ومنها منطقة سوّرها معمم وجعلها خاصة به وبعائلته وبحزبه، وأطلق عليها البغداديون تندرا اسم مملكة “السيد” المقدسة، بعد أن أطلقوا عليها بداية تأسيسها في العام 2008 اسم المنطقة الحمراء لتمييزها عن المنطقة الخضراء التي تقع قبالتها.
كان والد هذا المعمم، وهو معمم، أيضا، ومن الذين جاؤوا مع الاحتلال وهللوا له قد شمّر عن ساعديه في وضع تصميم لهذه المملكة باتباع أساليب، لم يألفها العراقيون سابقا، منها: وضع اليد اغتصابا على عقارات بعض مسؤولي النظام السابق، والاستحواذ على أراضي الدولة وممتلكاتها والعمل على تزوير عائدتها وتسجيلها لصالحه، وإجبار أصحاب البيوت ضمن رقعة المملكة وتهديدهم بالموت والاختطاف ومقايضتهم لبيع عقاراتهم بالثمن الذي يحدده هو.
كانت أدوات تنفيذ مشروع المملكة أسرابا من الميليشيات والمرتزقة الذين لم يدعوا وسيلة إرهابية إلا ولجأوا إليها، ولذلك بادر الناس أنفسهم من سكنة المنطقة الحمراء إلى بيع منازلهم، بعد أن أصبحوا تحت رحمة ميليشيات الموت، والمظنون أن الابن يسير بسياسة قضم الأرض لتكون الكرادة كلها منطقة مقفلة له بالكامل وقد نسمع قريبا بأنه أقام بوابات لمملكته، وحرسا خاصا بملابس مميزة، وهو، في الأصل، يمتلك جيشا انكشاريا من مؤيديه، والغريب أن موارد المملكة تعتمد على ملاهي منطقة الكرادة وكدّ الراقصات وعلى دور الدعارة ومحال بيع الخمور فيها، وويل لمن لا يدفع.
وكانت أهم تجارة تنسب إلى المعمم الأب هي البضاعة الإيرانية (المواد الغذائية) الفاسدة منتهية الصلاحية، وعندما فضح عزالدين سليم عضو مجلس الحكم، الذي شكله الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، هذه التجارة السوداء، في مداخلة له في اجتماع مجلس الحكم، كان مصيره الموت الزؤام، بمفخخة انفجرت عليه وهو يدخل المستوطنة الخضراء.
في 14 أبريل سنة 2014، نشرت صحيفة أخبار الخليج البحرينية وثائق صادرة من المستوطنة الخضراء المحصنة تفضح قيام المعمم الابن بإشغال دور وبمساحات كبيرة تابعة لرجال النظام السابق من دون وجه حق.
وتقع الدور التي يستولي عليها هذا المعمم حسب الوثائق، في منطقة الجادرية، التي تعد من أهم أحياء بغداد وأغلاها، والصحيفة نفسها أشارت إلى أن البغداديين راحوا يطلقون على المنطقة، التي يستولي عليها المعمم الابن والتي تم قطعها بأسيجة كونكريتية بـ”مملكة السيد”.
وحسب الوثائق المسربة من دوائر التسجيل العقاري فإن هذا المعمم يشغل العقار المرقم 374/27/ زوية (اسم المنطقة في الطابو) والبالغة مساحته 2655 مترا مربعا والمملوك لسهام عيسى خلف زوجة سعدون شاكر حمادي رئيس جهاز المخابرات ووزير الداخلية السابق في حكومة البعث، والعقار محجوز لصالح وزارة المالية وقد استأجره مكتب السيد المعمم بثمن بخس يبلغ 35 مليون دينار سنويا (30 ألف دولار) برغم أنه قصر كبير يطل على نهر دجلة.
ولا يزال هذا العقار مسجلا باسم سعدون شاكر، الذي تعيش عائلته في الأردن، كما كشفت الوثائق عن استيلائه على بيت نائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز من دون أن يدفع لعائلته بدل إيجار منذ احتلال العراق وحتى الآن، بدعوى أنه مصادر لصالح الدولة، وهو ما كشفه طارق عزيز ونجله زياد في وقتها.
وبينت الوثائق نفسها أن إبراهيم الجعفري يستولي على بيت حلا ابنة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في قلب المنطقة الخضراء، فيما شغل مرافقو المالكي بيوتا تابعة لقادة الحرس الجمهوري ورؤساء الدوائر في ديوان رئاسة الجمهورية السابق.
وكانت ابنة رئيس أركان الجيش العراقي السابق الفريق عبدالجبار شنشل، الذي توفي في العاصمة الأردنية عمان وكان مصابا بشلل كامل ويقيم مع ابنته في عمان، قد ناشدت السلطات العراقية إخلاء بيت والدها الذي حصل عليه في ستينات القرن الماضي، والذي استولى عليه أحد المسؤولين الحاليين لغرض الاستفادة من بدل إيجاره وبخاصة أن شنشل كان في وضع مادي وصحي حرج للغاية.
إن رقعة المملكة المقدسة للسيد بدأت من بيت واحد ثم تمددت حتى أظهر فيديو انتشر مؤخرا أن السيارة تستغرق نصف ساعة لكي تدور حول أسوار المملكة، التي يتوقع العراقيون أنها ستلتهم كامل منطقة الكرادة، وهي منطقة مشتركة يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون والعرب والأكراد والشيعة والسنة منذ زمن طويل.
2 في ذكرى الملك حسين
خيرالله خيرالله
العرب بريطانيا
قبل عشرين عاما، غاب الملك الحسين بن طلال. يصعب أن تمرّ هذه الذكرى من دون ذرف دمعة على رجل عظيم لم يضع الأسس لمؤسسات الدولة الأردنية فحسب، بل آمن أيضا بقوانين الحداثة والتطور أيضا. كان عملة نادرة في عالمنا العربي حيث الشهوة الوحيدة إلى السلطة بأيّ ثمن كان. حاول نقل المنطقة العربية إلى مكان آخر. لم يتخلّ عن هذا الطموح حتّى الأيّام الأخيرة من حياته حين سلّم القيادة إلى نجله الأكبر عبدالله الثاني. فعل ذلك بسلاسة مؤكدا صلابة المؤسسات الأردنية.
لا يمكن إلّا الانحناء أمام رجل استطاع فعل ذلك بعيدا عن الممارسات القمعية التي ميّزت معظم الحكّام في دول المشرق العربي طوال مرحلة امتدت منذ خمسينات القرن الماضي وصولا إلى يومنا هذا. أنقذ الحسين بن طلال الأردن من كوارث كثيرة وأنقذ الفلسطينيين من أنفسهم. أنقذهم في مرحلة معيّنة من خيار الوطن البديل الذي عملت إسرائيل طويلا من أجله قبل أن يطوي الأردن صفحته بفضل الحسين بن طلال وعبدالله الثاني الذي استطاع إكمال المسيرة الأردنية الهاشمية على طريقته. يفعل ذلك على الرغم من مخاطر كبيرة تواجه الأردن ونوع جديد من التحديات لم تحل دون عبور المملكة إلى شاطئ الأمان مجددا.
ظُلم الملك الحسين كما لم يظلم أحد في هذه المنطقة. يكفيه تعويضا عن هذا الظلم أنّ ذكراه بقيت عطرة. لم يقدّم إلّا الخير. عاش من أجل الأردن وخدمة الأردن وما كان في الماضي القريب قضيّة العرب الأولى، أي قضيّة فلسطين التي قدّم من أجلها ما لم يقدّمه أحد في ظلّ مزايدات عربية لا حدود لها قادت إلى خسارة الضفة الغربية والقدس.
تختزل سيرة الملك الحسين مأساة المشرق العربي الذي يدفع اليوم ثمن عدم الاستماع إليه وإلى ما كان يعمل من أجله. يكفيه فخرا أن الأردن تحوّل في أيّامه إلى ملجأ لكل عربي يحتاج إلى مكان يقيم فيه في ظل عدوانية إسرائيلية وضغط سكاني فلسطيني داخلي، كانت له إيجابيته على الصعيد الاقتصادي… وفي ظلّ جحود من عرب كثيرين. على رأس الجاحدين بعثيو سوريا الذين ورطوا العرب، بمن فيهم جمال عبدالناصر بثقافته المحدودة وجهله للتوازنات الإقليمية والدولية، في حرب حزيران – يونيو 1967.
من يصدّق أن المملكة الأردنية الهاشمية استطاعت بفضل الملك الحسين أن تنهض مجددا بعد حرب 1967 التي وجد الأردن نفسه مجبرا على خوضها في ظلّ حالة من الجهل والتخلّف العربيين كانت سائدة في مصر الناصرية وسوريا البعثية حيث كان حافظ الأسد وزير الدفاع، فيما السنّي نورالدين الأتاسي في الرئاسة والضابط العلوي الآخر صلاح جديد في موقع الرجل القويّ في البلد.
كان على الحسين بن طلال تحمّل الكثير منذ صعوده إلى العرش في السابعة عشرة من العمر في العام 1952، إلى يوم وفاته في السابع من شباط – فبراير 1999. تحمّل ما لا يستطيع أي إنسان عادي تحمّله، بما في ذلك تحريض جمال عبدالناصر عليه ومغامرات ضباط متأثرين بالمدّ الناصري أرادوا اغتياله. لم يردّ على كلّ من أساء إليه سوى بالعفو وتجاوز الإساءة تاركا للتاريخ أن يحكم على سلوكه وعلى تلك الروح الإنسانية التي ميزت كلّ تصرفاته.
في كلّ ما فعله عندما كان على عرش الأردن، عمل الحسين في ظلّ المبادئ الإنسانية من جهة ومحاولة ربط الأردنيين والعرب عموما بالمستقبل من جهة أخرى. لم يكن سعيدا في العام 1970 عندما اضطر، من أجل إنقاذ عرشه وإنقاذ الأردن وتفادي تقديم خدمة مجانية إلى إسرائيل، إلى طرد المسلحّين الفلسطينيين من المملكة بعدما مارسوا كلّ أنواع الاعتداء على مؤسسات الدولة الأردنية.
هناك من رفع، وقتذاك، شعار “طريق القدس تمرّ بعمّان”. ليس معروفا بعد كيف كان يمكن خدمة القضيّة الفلسطينية عن طريق خطف طائرات ركّاب إلى الأردن ثمّ تفجيرها في “مطار الثورة” في قلب الصحراء قرب مدينة الزرقاء. يصعب، إلى الآن فهم لماذا سكت ياسر عرفات عن تلك التصرفات الصبيانية وعن دعوات جماعة نايف حواتمة (الجبهة الديمقراطية) إلى إسقاط النظام. رفعت في شوارع عمّان في 1970 شعارات من نوع “كلّ السلطة للجماهير”. ليس معروفا إلى اليوم من هي تلك الجماهير التي كان تنظيم فلسطيني تابع للمخابرات السوفياتية (كي.جي.بي) يريد تسليمها الأردن.
لم يكن الملك حسين مجرّد ملك استثنائي يتحلّى بالإنسانية. كان قبل كلّ شيء إنسانا جريئا وشجاعا. كان قائدا حقيقيا. في المرتين اللتين إنقاد فيهما للشارع، دفع الأردن ثمنا كبيرا. كانت المرتان التورط غصبا عن المملكة في حرب 1967 ثم تفادي اتخاذ موقف واضح من صدّام حسين لدى ارتكابه جريمة اجتياح الكويت صيف العام 1990. كانت لدى العاهل الأردني الراحل حسابات خاصة به في ظلّ غياب الوعي الشعبي لأبعاد الدخول في حرب مع إسرائيل أو تفادي إدانة ما ارتكبه النظام العراقي في حقّ الكويت.
إذا وضعنا هذين الحدثين الكبيرين جانبا، كان الملك الحسين في كلّ وقت بعيد النظر. تجاوز في مرحلة معيّنة العقدة العراقية المتمثلة في الجريمة التي ارتكبها ضباط تحرّكهم الغريزة والجهل نفّذوا انقلاب الرابع عشر من تمّوز – يوليو 1958 وقتلوا أفراد العائلة الهاشمية في العراق. تجاوز أيضا أحداث 1970 مع الفلسطينيين، على الرغم من إقدام هؤلاء على اغتيال وصفي التلّ إحدى أبرز الشخصيات الأردنية في أثناء وجوده في القاهرة.
قاد الملك الحسين الشارع. لو لم يكن قائدا حقيقيا لما اتخذ قرار فكّ الارتباط مع الضفّة الغربية في العام 1988 راسما حدود الدولة الفلسطينية المستقلّة التي قد لا ترى النور يوما بسبب تردّد ياسر عرفات في مرحلة معيّنة والعدوانية الإسرائيلية في معظم الأحيان. قبل ذلك، في العام 1974، استوعب الملك الحسين قرار قمّة الرباط باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”. ليس معروفا إلى الآن، هل شكل القرار خسارة للفلسطينيين أم لا، خصوصا أن إسرائيل احتلت الضفّة الغربية والقدس الشرقية عندما كانتا تحت السيادة الأردنية.
تعاطى الملك الحسين في كلّ وقت مع الواقع. لعب الدور الأبرز في إعادة مصر إلى جامعة الدول العربية عندما اتخذ قرارا بإعادة العلاقات معها في العام 1985 في حين انتظر معظم العرب قمّة عمان في 1987 ليسيروا في هذا النهج.
خلق الملك الحسين الدور الأردني الذي لا يزال حيّا يرزق. وهذا ما ستثبته الأحداث المقبلة على المنطقة، خصوصا في سوريا. أعاد الحياة البرلمانية إلى الأردن في وقت كانت الحرب الباردة تشرف على نهايتها مع سقوط جدار برلين. وقع اتفاق سلام مع إسرائيل في العام 1994 راسما الحدود النهائية للمملكة الأردنية الهاشمية. دعم قبل ذلك بقوة العراق في الحرب التي خاضها مع إيران بين 1980 و1988. أدرك باكرا الخطر الذي تمثله إيران الخميني على العرب عموما وعلى النسيج الاجتماعي العربي على وجه الخصوص.
الأكيد أن إنجازات كثيرة تفوت من يكتب عن الملك الحسين في الذكرى العشرين لرحيله الباكر. لكنّ الأكيد أيضا أنّه يستحيل تجاهل دور هذا الإنسان في صنع تاريخ المشرق العربي. تكفي مقارنة بين الأردن اليوم وبين ما آلت إليه سوريا للتحقق من أن الحسين بن طلال بنى دولة حقيقية من لا شيء في ظلّ ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها بالغة التعقيد والصعوبة…
3 من أغتال الأديب والمثقف العراقي علاء مشذوب شاكر فريد حسن
راي اليوم بريطانيا
قبل أيام معدودات أغتيل الأديب الروائي الباحث والمثقف العراقي البارز الجريء علاء مشذوب، على يد مسلحين مجهولين في الشارع الرئيسي وسط مدينة كربلاء العراقية بالقرب من منزله، فاردوه قتيلًا ب ١٣ رصاصة.
ويأتي اغتيال مجذوب ضمن سلسلة التصفيات السياسية في العراق، والاغتيالات ضد رجالات الفكر والقلم والابداع والطبقة المثقفة في العراق والوطن العربي، وتستهدف الفكر العقلاني التقدمي المستنير، والموقف الوطني الشريف.
ومجذوب ليس الوحيد الذي يغتال من أهل الأدب والفكر، فقد أغتيل قبله عدد من المفكرين والمثقفين الرواد، ففي لبنان أغتيل الشيخ الجليل د. حسين مروة، ومهدي عامل ( حسن حمدان )، وفي مصر الكاتب والمفكر فرج فودة.
علاء مشذوب هو عضو في نقابة الفنانين العراقيين ونقابة الصحفيين، وفي الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وفي جمعية السلم والتضامن. وهو خريج كلية الفنون الجميلة في بغداد، وحاصل على درجة الدكتوراة في الفنون الجميلة.
شغف بالكتابة منذ نعومة اظفاره، وعرف برواياته الرائعة وكتاباته الجريئة ومواقفه الفكرية والسياسية الشجاعة ووقوفه ضد التابوهات السياسية والدينية. وقد صدر له اول كتاب بعنوان ” الوطن والوطنية ” ثم توالت كتبه ومجاميعه القصصية والروائية، وله ما يقرب ١٠ أعمال روائية.
وهو معروفه بمواقفه ونشاطه السياسي ومناهضته للمذهبية وللطائفية البغيضة، وكان من النشطاء المدنيين في العراق، ومشاركًا في التظاهرات والاحتجاجات التي شهدها العراق في يوليو من العام الماضي.
إننا إذ نستنكر جريمة اغتيال الأديب والمفكر والمثقف المسكون بعراقه حد الثمالة، علاء مجذوب، والتي تأتي في اطار اغتيال الكلمة والفكر، ومحاصرة الوعي، وقمع الحريات، والارهاب الفكري، فأننا ندعو أبناء المجتمع العراقي ومؤسسات المجتمع المدني وكل المثقفين والمبدعين والاوساط الشعبية في العراق للتحرك الفاعل الغاضب والتظاهر احتجاجًا على هذه الجريمة النكراء المدانة، والمطالبة بالتحقيق السريع للكشف عن القتلة ومن يقف وراءهم من عصابات القتل والارهاب ومحاسبتهم وانزال أشد العقوبات ضدهم.
الذكر الطيب لعلاء مجذوب، والخزي والعار للقتلة المجرمين السفاحين الحاقدين، ومن يقف وراءهم، وطوبى لشهداء الحرية والكلمة النظيفة الملتزمة والموقف الوطني والفكر الحر الشريف، والخلود لهم.
4 العراق والصراع الأميركي الإيراني
د. فاضل البدراني راي اليوم بريطانيا
يزداد الحراك السياسي بالعراق في أروقة البرلمان هذه الأيام للمطالبة بإلغاء اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن في 2008، والتي جاءت في اعقاب تحرك عسكري اميركي كثيف في قواعد عسكرية من اقصى غرب البلاد وحتى جنوبها بشكل تدريجي، فضلا عن محاولة طرح مشهدية جديدة للوجود العسكري في شوارع العاصمة بغداد ومدن كانت تعد معقلا لمقاومة للوجود الاجنبي ومنها الفلوجة.
وبالرغم من ان بعض الاتهامات الحزبية والنيابية وجهت سهامها للتيار الصدري بالتواطؤ مع الجانب الاميركي على حساب الوجود الايراني الذي يبسط سيطرته على جميع المدن العراقية، حتى الحدود الغربية مع سوريا ، لكن أول دعوة تطرح في اروقة البرلمان جاءت من رئيس الكتلة الصدرية بالبرلمان النائب صباح الساعدي، عندما قدم مقترحا لرئاسة البرلمان بالتصويت على إنهاء الاتفاقية الأمنية (صوفا، المعنية بتنظيم عملية الانسحاب الأميركي من العراق)، وإلغاء القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي (المعنية بتنظيم عملية التعاون العسكري والأمني بين العراق وأميركا) الموقعتين بين العراق والولايات المتحدة الأميركية في 2008 في زمن حكومة نوري المالكي الاولى، واعقب ذلك عملية جدولة للانسحاب العسكري الاميركي ،انتهت بالانسحاب الفعلي في 31 كانون الاول 2011.
وفي ذات الوقت انتقدت اطرافا سياسية عراقية الانسحاب العسكري الاميركي، واعتبرته خطأ جسيما ارتكبته ادارة الرئيس السابق باراك اوباما، ذلك يتماشى مع رأي سابق لرئيس البرلمان العراقي الأسبق اسامة النجيفي ،عندما قال ان الانسحاب يمثل في جوهره تنصل واشنطن عن التزاماتها من العراق ،كونها تركت البلاد بوضع غير مستقر، وكانت نتائج ذلك تدهور الوضع الامني ،ودخول تنظيم داعش مطلع 2014 في المحافظات الغربية من العراق بمساحة تزيد عن ثلثي مساحة العراق الاجمالية ،ودمر كل شيء واستمر حتى نهاية 2017.
والولايات المتحدة تتواجد بالوقت الحاضر عسكريا في قاعدتي (عين الاسد وk2 ) في الانبار، فضلا عن معسكرات على حدود العراق مع سوريا، وقاعدة التاجي شمال بغداد ،والصينية، والشرقاط بصلاح الدين، ومطار البكارة في الحويجة جنوب كركوك قرب حقول النفط، وقواعد في الموصل واربيل .
وبطبيعة الحال فأن التواجد العسكري الاميركي الحالي والذي يتزامن مع تصريحات أميركية معادية لإيران ، يشكل تهديدا لأصدقاء ايران في العراق في ظل غياب التنسيق بين الادارة الاميركية والحكومة العراقية التي لم تحظى برسالة مباركة عند تشكيلها قبل 100 يوم من الآن، باعتبارها جاءت بتأثير ايراني، كما ان زيارة ترامب لقاعدة عين الأسد في الانبار غربي العراق في 26 ديسمبر 2018، دون اللقاء بالمسؤولين العراقيين، فضلا عن جولة نائب قائد القوات الاميركية بشوارع بغداد ،وتزايد الانتشار العسكري في أكثر من مكان من البلاد، دفع العديد من القيادات السياسية والبرلمانية باستنكار التوجهات الاميركية الجديدة ،والمطالبة بإلغاء الاتفاقية الأمنية ،أو تعديلها.
وتعليقا على هذا الوضع، يقول الكاتب والمفكر حسن العلوي، باستثناء الاحزاب التي تضم فصائل مسلحة ،وهي التي وضعت تحت وطأة قرارات الكونغرس الاميركي بالحظر ،فالبقية يرحب بالتواجد الاميركي ،ويبحثون عن تدابير، أن لا تجعل العراق ساحة للصراع بين الولايات المتحدة الاميركية وايران .
ولا يتوقع أن يحقق البرلمان العراقي النصاب الكامل، عند تشريع قانون يلزم القوات الاميركية الانسحاب من العراق، اذ أن لأميركا حلفاء وأصدقاء يرحبون بتواجدها، مثلما لإيران اصدقاء يدافعون عنها، لكن قد تحدث متغيرات سياسية جديدة عبر اتصالات من تحت الطاولة بين الخصمين (واشنطن وطهران) للتفاهم على قضايا تخص شأنهما ،وسيكون ذلك ،إن لم يكن مثل هكذا اتفاقات على حساب مصالح العراق، أو بمعنى آخر ضده ،فالأمر قد يحقق استقرارا أفضل للعراق .
5 إيران.. 40 عامًا من المآسي في رقبة فرنسا وأمريكا عبدالمنعم ابراهيم اخبار الخليج البحرينية
لماذا كثير من الدول الغربية لا تكتشف أخطاءها السياسية إلا متأخرة؟ هذا إذا اعترفت بأخطائها أصلاً. منذ يومين قال أول رئيس إيراني بعد الثورة الخمينية (أبوالحسن بني صدر): (إن الخميني خان مبادئ الثورة الإيرانية بعد أن وصل إلى السلطة عام 1979. كانت فرنسا مفترق طرق للأفكار والمعلومات، ولهذا اختارها (الخميني) بعد أن رفضت الكويت استقباله، وعندما كان في فرنسا كان يؤيد الحرية، وكان يخاف ألا تصل الحركة إلى مبتغاها فيضطر إلى البقاء هناك، ولم يتغير إلا عندما هبط درجات السلم من الطائرة في إيران إذ تمكن رجال الدين منه ورسموا له مصيرًا جديدًا هو الديكتاتورية التي نراها اليوم).
والحقيقة المرة تكمن في أن فرنسا هي التي وفَّرت للخميني الملاذ الآمن بعد أن طُرد من العراق إبان حكم صدام حسين، ورفضت الكويت استقباله لديها، ثم غادر إلى تركيا ومنها إلى فرنسا، التي انطلق منها في ثورة أشرطة (الكاسيت) المسجلة المحرضة على الثورة في إيران والإطاحة بنظام الشاه بهلوي، وإذا كانت فرنسا هي التي وفرت الملاذ الآمن للخميني وساعدته كثيرًا على إيصال صوته إلى الجماهير الإيرانية وتجار «البازار» ورجال الدين الشيعة والحوزات الدينية، فإن أمريكا أيضًا قد لعبت دورًا في تمكين الخميني من الوصول إلى السلطة عام 1979. وذلك أولاً: بتخليها عن حليفها (الشاه) وعقدها صفقة سرية مع رجال الدين والجيش الإيراني لحكم إيران بعد (الشاه) إبان حكم الرئيس الأمريكي (كارتر)! ليس هذا فحسب، بل رفضت أمريكا استقبال (الشاه) للعلاج من مرض السرطان الذي كان يفتك بجسده في أيامه الأخيرة، وتشعر عائلة (الشاه) بالامتنان لمصر وتقدر للرئيس الراحل (السادات) أنه استقبل (الشاه) في ضيافة مصر.
باختصار، فرنسا وأمريكا كان لهما دور كبير في صعود الخميني.. الأولى باحتضانها للخميني، والثانية بتخليها عن (الشاه) حليفها الاستراتيجي في المنطقة آنذاك؛ لذلك فإن تبني (فرنسا) حاليا للمعارضة الإيرانية يأتي في جزء منه لإزالة الشعور بالذنب السياسي في دعمها للخميني في عام 1979، ولذلك أيضًا كل الكوارث والإرهاب والقتل والتمدد الإيراني الصفوي في المنطقة طوال 40 عامًا ما كان ليحدث لو لم تساعد فرنسا (الخميني)، ولو لم تتخل أمريكا عن حليفها (شاه إيران).
6 وهل طلبت إيران إذنا بممارسة الإرهاب؟!
السيـــــــد زهـــــــره اخبار الخليج البحرينية
قبل فترة، قال الرئيس الأمريكي ترامب ان بلاده ستبقي على وجودها العسكري في العراق، وذلك من أجل أن تقوم القوات الأمريكية بمراقبة ايران عن كثب، على اعتبار ان ايران تمثل مشكلة حقيقية.
الرئيس العراقي برهم صالح تعليقا على هذا الكلام قال ان ترامب لم يطلب إذنا من العراق كي تقوم القوات الأمريكية بهذه المهمة، وخاطب ترامب قائلا: «لا تثقلوا العراق بقضاياكم. الولايات المتحدة قوة كبرى، لكن لا تسعوا وراء أولويات سياساتكم فنحن نعيش هنا». ووضح ما يقصده قائلا: «ان من مصلحة العراق الاساسية ان تكون لها علاقات طيبة مع إيران».
حديث الرئيس العراقي يعني مباشرة أمرين محددين:
الأول: انه يرى ان ترامب بإعلانه هذا انتهك سيادة العراق إذ لم يهتم حتى بأخذ رأي قادتها.
والثاني: انه يرى ان ما تعتبره أمريكا أولوية بالنسبة لها لا يمثل بالضرورة أولوية بالنسبة للعراق. وأوضح ذلك بأنه اذا كانت أمريكا تعتبر ايران مشكلة وتريد ان تراقبها من العراق فإن العراق يريد علاقات طيبة مع ايران.
ما قاله الرئيس العراقي على هذا النحو لا غبار عليه أبدا. بالعكس؛ حين يعبر عن التمسك بسيادة العراق ويصرّ على رفض أي اجراء من دون الرجوع الى القيادة العراقية، وحين يصر على الدفاع عن اولويات العراق، فهذا موقف يستحق التقدير. مهمة أي رئيس وأي حكومة في العالم هي في المقام الأول والأخير الدفاع عن سيادة الدولة ورفض أي انتهاك لها.
ومع هذا، فإن ما قاله الرئيس العراقي يثير تساؤلات كثيرة جدا، وذلك انطلاقا من مبدأ أساسي هو ان السيادة لا تتجزأ، والدفاع عن السيادة يجب أن يكون في مواجهة أي انتهاك لها من جانب أي دولة او جهة.
السؤال الأكبر هنا هو: لماذا لم يطبق الرئيس العراقي ما قاله ردا على ترامب على ايران وما تفعله في العراق؟
ما تفعله إيران في العراق يعرفه العالم كله، والشعب الراقي نفسه قبل العالم.
ايران منذ ما بعد غزو واحتلال العراق فرضت سيطرتها السياسية وعلى كل المستويات في البلاد. فرضت هذه السيطرة بالقوة والإرهاب المباشر. تتدخل دوما وبشكل سافر في عمل الحكومة العراقية وتسعى الى مصادرة قرارها بما يخدم الأجندة الإيرانية. وعن طريق المليشيات المسلحة الطائفية التي أنشأتها فرضت سطوتها بإرهاب الآخرين.
والأمر لا يقف عند ما فعلته ايران بالعراق والعراقيين على هذا النحو وأكثر منه. ايران استخدمت العراق ساحة ومنطلقا لتهديد أمن واستقرار عديد من الدول العربية. قامت بتدريب كثيرين من البحرين والسعودية وعديد من الدول العربية على أرض العراق وترسلهم لكي يقوموا بتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم بتمويل وتسليح إيراني.
باختصار، إيران تصادر عمليا سيادة العراق واستقلاله.
السؤال هنا هو: هل حصلت ايران على إذن من العراق كي تفعل ما تفعله وكي تستبيح سيادة واستقلال العراق وتستخدم أراضيه لممارسة الإرهاب، ولتهديد أمن أشقائه العرب؟ وهل يمثل ما تفعله ايران أولوية أو مصلحة عراقية؟
هل يحصل قاسم سليماني مثلا على إذن من الحكومة العراقية حين يصول ويجول في العراق ليتآمر ويسعى لفرض الأجندة الإيرانية؟
ونفس التساؤلات تثار أيضا فيما يتعلق بتركيا التي لا تتردد في شنّ العدوان تلو العدوان على أراضي العراق وتنتهك سيادته.
كما ذكرت، لا يعني كل هذا أن الرئيس العراقي مخطئ فيما قاله تعليقا على كلام ترامب. بالعكس، سيادة واستقلال العراق يجب الدفاع عنهما ويجب رفض ما يمكن ان يهددهما.
لكن القضية انه لا يجوز في نفس الوقت الصمت او التستر على الجرائم التي ترتكبها ايرن وتنتهك فيها سيادة واستقلال العراق، وأي دولة أخرى.
على العموم ، نتمنى أن يأتي يوم ينتفض فيه شعب العراق ويخلص بلاده من كل من ينتهك سيادته واستقلاله، ومن كل من يتواطأون على هذا الانتهاك.
7 اللبن ونكهة الورد
صلاح الساير الأنباء الكويتية
كتب شخص «عربي» فقال: «نحن لسنا عربا. فالسوري والعراقي ليسوا عربا، بل نحن مشرقيون، أحفاد الرافدين والفينيقيين والفراعنة، وان تكلمنا العربية. فالبرازيلي الذي يتكلم البرتغالية ليس برتغاليا» وكانت تلك وجهة نظر محترمة لو اكتفى صاحبها بهذا القدر ولم يستطرد بقوله: «لسنا عربا ولا نشبه العرب.
لا في الفكر ولا في الذوق ولا في الحضارة. هم أهل بادية ونحن أهل حضارة. أرضهم صحراء وأرضنا لبن وعسل وتفاح وعنب. أما العرب فبدو رحل وشراب دم. وتاريخهم أحقاد وغزوات وشهوات» ومن الواضح أنه يقصد (الخليجيين) سكان الجزيرة العربية.
****
من حق الأفراد والمؤسسات في المجتمعات (العربية) غير الخليجية في المشرق والمغرب مناقشة حقيقة أعراقها ومن حقها أن تتلمس جذورها وتحدد هويتها التاريخية دون الحاجة للاعتداء على الشعب العربي في الجزيرة العربية والاستهزاء بهم بذريعة الصحراء والبداوة ودمغ الناس بتهمة (الحقد والغزو وشرب الدماء) كما أن ذلك جهل يفضح صاحبه.
فالسوريون والعراقيون والمصريون إذا كانوا (غير عرب) فإن ذلك لأسباب تاريخية أو عرقية أو نحو ذلك وليس بسبب بداوة الخليج وتاريخ الجزيرة العربية!
****
من الواضح أن «الحقد والجهل وشرب الدماء والغزو» أمور معهودة في عموم الشرق الأوسط وليس حكرا على أهل الجزيرة العربية الذين كافحوا التصحر عندما جفت الأنهار في مواطنهم فعمدوا إلى شق الافلاج (قنوات مائية تحت الأرض) واعتمدوا عليها لزراعة المانجو والموز والتين والرمان والنخيل الذي تعود اثاره إلى 8 الآف سنة (!) ناهيك عن العسل الذي يجمعونه من قمم الجبال، أما اللبن فيشربونه بنكهة الورد حين يشخبونه من ضروع نياق ترعى الأعشاب وأزهار الربيع في صحراء الجزيرة العربية.