بغداد ـ «القدس العربي»: تحدث مفتي السنّة في جمهورية العراق، مهدي الصميدعي عن ملابسات اعتقاله على يد الأمريكان، ولقائه في المعتقل بزعيم تنظيم «الدولة» أبو بكر البغدادي وفي حواره مع «القدس العربي»، قائلاً: «تم اعتقالي ومعي 56 شخصاً في الأول من كانون الثاني/ يناير عام 2004، من هذا المكان تحديداً (جامع أم الطبول في بغداد)، بسبب إعلاني الجهاد ضد القوات الأمريكية رسمياً، وبكوني إمام المجاهدين حينها ولدي مقاومة وعمل عسكري».
وأضاف: «وضعونا في بادئ الأمر في المنطقة الخضراء، ثم نُقلنا إلى مطار بغداد، بعدها إلى سجن أبو غريب، وأخيراً إلى سجن بوكا (في البصرة). قسم منا خرجوا في هذه الأثناء، فيما استمر اعتقال القسم الآخر لسنوات».
وزاد: «الأمريكان في التحقيق كانوا يريدون معرفة الأسماء المُقاوِمة. أنا قلت لهم بأني مسؤول عن قتل أي جندي أمريكي سواء من خلال الفتوى أو غيرها، وأن الأمريكان كذبوا علينا عندما قالوا بأنهم جاءوا لتحريرنا من صدام حسين وأسلحة الدمار الشامل، لكن اتضح إنهم محتلون».
وأضاف: «لم أتعرض لتعذيب جسدي، بل تعرضت لتعذيب نفسي. قضيت 118 يوماً في الحجز الانفرادي»، لافتاً إلى أن «ملفي لدى الأمريكان كان مكتوب عليه قائد السنة في العراق وعلى هذا الأساس كانت معاملتي أفضل نوعاً ما».
وتابع: «في بداية انتقالي إلى سجن بوكا، كان السجن يحتوي على 8 مخيمات (كامبات)، قبل أن تتوسع إلى 34 مخيماً، تضم معتقلين من السنّة والشيعة، لكن الأغلبية كانوا من السنّة. الأمريكان كانوا يقومون بأعمال تحريضية من بينها على سبيل المثال جلب ألف معتقل سنّي ومعهم خمسة معتقلين من الشيعة».
وبين أنه «في مطلع عام 2005 ازدادت المشكلات داخل السجون. الأمريكان بدأوا ببث أخبار للسجناء السنّة بأن الشيعة يقتلون أبناءكم ويطاردونهم في الشوارع، وعندما يأتي ذوو السجناء لمواجهة أبنائهم المعتقلين، لا يسمح الأمريكان لهم بالحديث عن أي شي مغاير للأنباء التي نقلوها لهم، وإلا لن يسمح لهم بلقاء أبنائهم مرة أخرى».
وأضاف: «نقلت إلى سجن آخر (برافو 1) الذي يضم سجناء شيعة، كان السجناء السنّة محتجزين في (كامب آخر) يطلق عليه اسم (ألفا)، هناك التقيت بقاسم الأعرجي (وزير الداخلية السابق) وحاكم الزاملي (رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية السابق)، وقيس الخزعلي، وأخيه، وعدد من الشخصيات الشيعية الأخرى التي كانت معتقلة أيضاً»، موضّحاً أن «هذا اللقاء تضمن الاتفاق على عهد بأن نخرج من السجن لجمع الشعب العراقي، على أن يبقى السنّة والشيعة على مذاهبهم، أفضل من الاستعانة بالأجنبي الذي يسعى إلى كسر الطرفين».
واسترسل الصميدعي في سرّد قصة لقائه بالبغدادي في المعتقل: «في عام 2005 التقيت بشخص يدعى إبراهيم عواد، لم يكن حينها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، ولم يحمل اسم البغدادي أساساً، عندما كنا في سجن أبو غريب، في الـ(كامب) الثاني. في يوم ما جاءوا بمجموعة من بينهم إبراهيم عواد قالوا بأنه دكتور (في الشريعة الإسلامية). كان هادئاً ومسالماً، فطلبت أن يكون معي في الخيمة رقم 8 (تضم 25 شخصاً) كون أن من كان معي جميعهم رجال دين وشيوخ عشائر وأكاديميون». وزاد: «عندما سألناه عن سبب اعتقاله قال: اتهموني بأني أقاتل الأمريكان. أنا دكتور ولم أقم بهذه الأعمال».
وحسب ما قال «جميعنا لم نصدق التهم الموجهة له. كان مسالماً جداً، ولم تظهر عليه أي علامات استفهام. كان يلعب كرة القدم مع بقية الشباب داخل الـ(كامب)، لحين ما جاء رقمه وتم نقله إلى سجن بوكا. أنا كنت في (كامب رقم 12) وإبراهيم عواد لا أعلم في أي (كامب) كان موجوداً. لم ألتق به في بوكا»، لافتاً إلى أن البغدادي «كان يقرأ القران باستمرار. كان مسالماً لم نكن نتوقع إنه سيكون بهذا الشكل».
وعدّ زعيم دار الإفتاء العراقية إن «تنظيم داعش جاء بدين الإسلام وبالفقه الإسلامي، الذي يعتمد على فقه القاضي الذي عندما يرى بأن أمراً ما فيه مصلحة للمجتمع يعمل به، وما فيه مفسدة للمجتمع لا يأخذ به. لكن فكر التنظيم بالأساس متشدد ومبني على أساس الغلو والتطرف، لذلك لجأوا إلى العقوبات الصارمة في المجتمع كالتعزير وغيرها. كانت معاملتهم قاسية ومرعبة جداً»، مؤكداً أن «طريقة تنفيذ إجراءات التنظيم لا إسلامية، لكن القواعد إسلامية تستند على الفقه والجزية والفتوحات وغيرها. الله قال (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهم). التنظيم يطبق الشريعة الإسلامية لكن بفكرهم – بفكر الخوارج».
وأضاف: «نحن نؤمن بأن الشريعة يجب أن تُطبق، ونعمل ليلاً ونهاراً على إعادة الناس إلى شريعة الله تعالى»، مؤكدا: «نحن كسلفيين، لا نكفّر التنظيم، ونعتبرهم خوارج. الخوارج معروفون بالتدين، ومعروفون أيضاً بالغلظة والشدّة».
وعن فتوى «جهاد النكاح»، مضى إلى القول: «لا اعتقد إن هذا الأمر موجوداً. أتوقع أن ذلك فبركة إعلامية من بعض الجهات التي تحاول تشويه صورة المسلمين والطعن بأعراضهم. لا توجد حالة نكاح واحدة. أنا لا أزكي التنظيم لكن الحديث عن هذا الموضوع سمعنا به في الإعلام، في حين أن الأشخاص الذين كانوا تحت سيطرة داعش في الأنبار والموصل، قالوا بأنه لا يوجد مثل هكذا أمر».
وختم حديثه بالقول: «ستكون الانطلاقة الحقيقية للدين الإسلامي من العراق، كما أوعد النبي محمد (ص) بخروج عصائب أهل العراق- رايات أهل العراق، وأبدال أهل الشام، وستعود الحكمة الإسلامية والدين الإسلامي بكل فخر وعزة وكرامة».
وقال الصميدعي إن «دار الإفتاء العراقية تشكلت عام 1517 (923 للهجرة)، وبقيت موجودة إلى زمن حكم البعثيين عام 1976، عندما أغلقوا دار الإفتاء بشكل كامل، وسمحو باختيار اسم المفتي فقط، وتركوا المرجعية الدينية لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية».
وزاد «بعد 2003 تشكلت هيئة علماء المسلمين، كهيئة سياسية، وكان على رأسها أحمد الكبيسي، وعدد من الشخصيات التي كانت تمثل المناطق الغربية. أنا دخلت في الهيئة بترتيب السابع، قبل حارث الضاري وعدنان الدليمي، الذين انضموا إليها في الشهر الثامن عام 2003».
وأضاف: «بعد ذلك اكتشفنا بأن أهداف الهيئة لا تصب في الصالح السنّي باعتبارها هيئة حزبية، وعلى إثر ذلك شكلنا الهيئة العليا للإفتاء (دار الإفتاء العراقية،) جمعنا من خلالها الصوفية والسلفية لتكوين مرجعية موحدة، لحين اعتقالنا على يد الأمريكان في الأول من كانون الثاني/ يناير 2004، حتى الشهر ذاته من عام 2009».
وأشار إلى أن «هيئة علماء المسلمين اختلفت مع رئيس ديوان الوقف السني حينها، أحمد عبد الغفور السامرائي، كونه شارك مع الأمريكان في مداهمة هيئة علماء المسلمين، وعلى أثر ذلك هرب أعضاء الهيئة إلى سوريا، الأمر الذي فتح الطريق إلى تشكيل جماعة علماء العراق، ومن ثم المجمع الفقهي العراقي، وغيره، لحين خروجنا من المعتقل وذهابنا إلى سوريا». وتابع: «عرفنا في فترة الاعتقال أن هناك مشكلة ستحدث في العراق، لذلك عندما خرجنا أعدنا تشكيل دار الإفتاء هناك بدعم من الحكومة السورية،»، مبيناً أن «في نهاية عام 2011، حصل اتفاق مع الحكومة العراقية عن طريق الإشقاء اللبنانيين، من حركة الموحدين في طرابلس، والشيخ بلال شعبان وماهر حمود وزهير الجعيد، الذين يمتلكون علاقات جيدة مع الطيف اللبناني، وعدنا إلى العراق مع رئيس الوزراء حينها نوري المالكي، وتم الاتفاق على فتح دار الإفتاء وعودتها إلى مقرها الرسمي في جامع أم الطبول في بغداد».
وطبقاً للصميدعي «لم يكن هناك دور لدار الإفتاء في الشارع السني في أعوام 2013 إلى 2015، بسبب اتهامنا بالتقرب من إيران والصفويين ودعم المالكي، الأمر الذي وصل إلى حال استباحة دمائنا، ومقاطعتنا من أقرب الناس لنا. كان هناك ألف و500 خطيب مشترك في دار الافتاء، حتى وصل العدد إلى 14 إماماً وخطيباً».
ومضى إلى القول: «بعد ظهور تنظيم الدولة، ووقوف دار الإفتاء بوجه الاعتصامات التي كانت تحرض أهل السنة، فضلاً عن دعوتنا إلى التطوع وحمّل السلاح. وعندما رأى السنّة بأن من كان يحرضهم هربوا إلى الخارج وتركوهم تحت سطوة التنظيم، باستثناء دار الافتاء».
وأضاف إن «المالكي كان متعاطفاً ومتعاوناً مع دار الإفتاء، غير إننا لم نر أي تعاطفا من حيدر العبادي، بدون أن نعرف السبب، العبادي قاطع دار الإفتاء لاعتقاده بأن الدار محسوبة على المالكي». وتابع: «دار الإفتاء حوربت أكثر مما يحارب الآن المسجد الأقصى من اليهود».
الخيانة الكبرى
وعن سبب تصريح سابق للصميدعي اتهم فيه دول الخليج بـ«الخيانة»، أضاف: «قلت إن دول الخليج خونة بسبب موقفهم من احتلال العراق. القوات الأمريكية دخلت إلى العراق عن طريق دول الخليج. وتحديداً عن طريق السعودية، حيث الطيران الأمريكي والقوات البرية تنطلق من هناك، فضلاً عن التمويل»، مبيناً أن «التصريح كان يشمل جميع دول الخليج التي ساندت ودعمت الأمريكان لاحتلال العراق. هذا أمر لن أنكره ولن أتراجع عنه».
واعتبر أن «السبب الرئيسي في الضرر الذي لحق بالعراق هو هذه الخيانة الكبرى. هم خانوا الإسلام، فكيف يمكن أن تنصر كافراً على مسلم، وكيف يمكن أن تسمح تلك الدول للكفار بالدخول إلى العراق؟»، موضحاً أنه «بعد أن سمعنا تصريح الرئيس الأمريكي، جورج بوش عام 2003 عندما قال بأن هذا احتلال صليبي وليس تحريراً للعراق، بعض المشايخ في المملكة العربية السعودية، من الخطباء والعلماء، تكلموا وحرضوا لكن غالبهم تم رميهم في السجون».
وأكد أن «التواصل بيننا وبين السعودية لا يتعدى الحضور في المؤتمرات الإسلامية»، لافتاً إلى أن «السلطات السعودية تعتبر دار الإفتاء العراقية داراً حكومية».
قال إن دار الإفتاء حوربت أكثر مما يحارب اليهود المسجد الأقصى
وبشأن تصريح آخر وصف فيه مفتي سنّة العراق إيران بأنها «تشرّف العالم»، أوضح أن : «إيران تشرّف العالم باسمها، كونها ارتضت أن تسمي نفسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. بهذا الاسم تشرّف العالم»، معرباً عن أمله في أن «يسمي العراق نفسه الجمهورية الإسلامية العراقية. يشرفني أن أجد اسم بنت مسلمة فاطمة، ولا يشرفني أن أجد اسم رانيا (مثلاً) على بنت مسلمة».
وزاد : «حتى لو تم اعتباري مقربا من إيران، فأنا أبقى مسلماً وأتشرف بإسلامي وعراقيتي. ديني أمرني بأن أتعامل مع جميع المسلمين على وجه الأرض، وإيران ارتضت الإسلام اسماً لها، ونحن نرتضيها صديقة لنا».
اللقاء بسليماني
وتطرق الصميدعي إلى لقاء جمعه بقائد فيلق القدس الإيراني، في العاصمة بغداد، مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لافتاً إلى أن «قاسم سليماني أحد القادة الموجودين في العالم. هو طلب زيارتي، وعندما زارني (في مقر دار الإفتاء في بغداد) كان معه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس»، منوهاً بأن سبب الزيارة يأتي لكوني «مفتي جمهورية العراق. ومن خلال الحديث تطرقنا إلى رؤيته عن الواقع السياسي وتشكيل الحكومة. الرجل كان قليل الكلام، واللقاء استمر على ما أذكر أكثر من ساعة».
وعن اللقاء الذي جمعه برجل الدين الشيعي البارز علي السيستاني، تحدث قائلاً: «التقيته عام 2003، من خلال وفد كان يمثل علماء السنّة في وقتها، برئاسة الدكتور محمد عبيد الكبيسي، ودار الحوار حول العراق والأخوة والتعايش. كان لقاءً بروتوكولياً»، لافتاً إلى وجود «تواصل روحي وفكري مع المرجعية (الشيعية)، ونحن متواصلون معها على قدمٍ وساق، خصوصاً أن لقاءاتنا مستمرة مع ممثلي السيستاني (أحمد الصافي، وعبد المهدي الكربلائي)، كل عشرة أيام تقريباً أو أقل».
وأضاف: «بعد تولي العبادي مهمة رئاسة الوزراء، وخروج المالكي، سكتت جميع الأصوات الدينية السنّية في الداخل، باستثناء هيئة علماء المسلمين المعارضة التي ما تزال ترى أن الحكومة بعد 2003 هي حكومة احتلال».
واعتبر أن «المجمع الفقهي العراقي، الذي كان يعد الداعم الأبرز لمنصات الاعتصام والتظاهرات والخروج على الحكومة، والذي يعد تجمعاً للإخوان المسلمين، ويمثلهم الحزب الإسلامي»، مشيراً إلى إنه «بعد مجيء العبادي، حاول كسب الحزب الإسلامي، ونجح في ذلك، وأعطاهم مناصب من بينها رئاسة البرلمان (سليم الجبوري 2014-2018)، فسكتوا عن أي شيء حدث في زمن العبادي، في حين لو نظرنا بإنصاف وقسنا الأمور التي حدثت بزمن العبادي، نجد بأنها كانت أضعاف بمليارات المرات عن نظيرتها في حقبة المالكي، فلماذا وقف هؤلاء بوجه المالكي فيما سكتوا عن العبادي، الموضوع تمت تسويته بوزارات ومناصب. العبادي استطاع إسكاتهم، وبقي أهل السنّة غارقين بوادي الدم، والخراب والدمار الذي لحق بهم».
وتابع: «الآن لدينا خلاف مع الحكومة يتعلق بإرجاع هؤلاء المعممين الذين كانوا السبب في التحريض وخراب أهل السنّة وقتل أبنائهم وتشريدهم وتدمير مدنهم، باعتلاء المنابر في الجوامع»، مؤكداً أن «دار الإفتاء العراقية لن تسمح لأي أحد من هؤلاء أن يخطب على المنبر، ونحمل الحكومة ورئيس الوقف السني المسؤولية كاملة».
وشدد على أهمية أن «يكون هناك اتفاق على خطباء المنبر. هناك من لا يستطيع أن يعتلي المنبر إلا بحماية أمنية، لأن أهل المنطقة يرفضونه، فيما ترك المصلين في بعض المناطق في بغداد والمدن الأخرى، الجوامع واتجهوا للصلاة في جوامع أخرى بسبب هؤلاء المعممين».