1 الدور السياسي للكنيسة الكلدانية في العراق
د. رياض السندي
راي اليوم بريطانيا
(القسم الثالث والأخير)
ثالثا. علاقة الكنيسة الكلدانية بالنواب المسيحيين
وإلى جانب التشجيع على العمل السياسي فإن الكنيسة قد أعربت عن خيبة أملها من النواب المسيحيين، كما اتخذت مواقف متشددة تجاه بعض النواب وأحزابها. فأصدرت أراءها أو فتاواها بإعتبار هؤلاء النواب لا يمثلون المسيحيين ولا أخلاق المسيح، وهي أشبه بصيغة التحريم القديمة في المسيحية، أو بفتوى التكفير عند المذاهب الإسلامية.
وجذور المشكلة تعود إلى عام 2003، عندما قام الحاكم المدني بإختيار يونادم كنّا ممثل الأشوريين، العضو المسيحي في مجلس الحكم، وإستبعاد المطران الكلداني عمانوئيل دلّي (البطريرك لاحقا)، وظلّ موقف البطريركية حتى وفاة البطريرك يرى أن كنّا لا يمثل المسيحيين. [1] ومن هذه الحالات، ما يلي:
أعلنت البطريركية رأيها حول كتائب بابليون برئاسة السيد ريان الكلداني، قائلة: “تؤكد البطريركية الكلدانية ألا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بكتائب بابليون أو غيرها من الفصائل المسيحية المسلحة ولا بالشيوخ الكلدان. لا يوجد للكنيسة الكلدانية شيوخ يمثلونها. إننا نعلن للجميع إن السيد ريان لا صلة له بأخلاق المسيح رسول السلام والمحبة والغفران، ولا يمثل المسيحيين باي شكل من الأشكال، ولا هو مرجعية للمسيحيين، ولا نقبل أن يتكلم باسم المسيحيين. هو مجرد مقاتل في الحشد الشعبي. إنما (الكنيسة) مرجعيتها السياسية هي الحكومة العراقية وان ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب.” [2]
أما رأي البطريركية حول النائب الشيوعي جوزيف صليوا، فقد كان أكثر قسوة، ومازالت العلاقة المتشنجة بينهما تشهد سجالات عديدة، قائلة: ” إن هذا النائب (جوزيف صليوا) لا يمثل المكون المسيحي باي شكل من الأشكال ولا يمثل الكلدان ولا يشرفهم، ويبدو انه إنسان غير مسؤول ولا يعرف حجمه وحدوده، أو مدفوع من جهة معينة.” [3]
ولاحقا، نشر إعلام البطريركية، قائلا: “مرة أخرى نؤكد إن هذا النائب لا يمثل المكون المسيحي باي شكل من الأشكال ولا يمثل الكلدان ولا يشرفهم، ويبدو انه إنسان غير مسؤول ولا يعرف حجمه وحدوده، أو مدفوع من جهة معينة. البطريركية تحذره من إذا استمر في تصرفه هذا سوف تقاضيه قضائيا. نتمنى إن يتعلم الدرس هو وغيره.” لذا نطالب الحزب بمحاسبته والبرلمان برفع الحصانة عنه بسبب تجاوزاته العديدة على الشخصيات العراقية والكتل السياسية الرصينة.” [4]
وأخيرا، فقد بدت علاقة البطريركية بالنائب عمانوئيل خوشابا الفائز في انتخابات 2018 عن كتلة الرافدين والأمين العام للحزب الوطني الأشوري، متشنجة منذ بدايتها.
فقد نشر النائب المذكور، بعد تعذّر حضوره دعوة البطريرك للنواب المسيحيين الجدد قائلا: ” إن اعتراضي كان على نقطتين رئيسيتين هما إن الدعوة لم أتلقاها بشكل رسمي ولم أراها بأم عيني والقضية الأخرى هي المجلس المسيحي فقد كان هذا الموضوع محور نقاش في اجتماع تم قبل عدة سنوات في أربيل بمشاركة عدد من أحزابنا وسيادة البطريرك ساكو واعلنا موقفنا تجاه هذا الطرح فالمفهوم الذي يتم من خلاله تبني مثل هذا المجلس يتناقض مع الطرح الذي تتبناه أحزاب شعبنا تجاه بلورة دولة مدنية تتكفل بحقوق مواطنيها وهذا ما يتعارض مع فكرة الدولة الدينية فاذا كنا مسيحيين ونتجه محو تبني هذا المفهوم فكم بالأحرى سيكون توجه الأغلبية المسلمة التي ستكون رؤيتها باتجاه الجنوح نحو ترسيخ الدولة الدينية بناءا على نظرتنا تجاه هذا الأمر ..”. [5]
ثم عادت الكنيسة الكلدانية لترّد على تصريحات النائب عمانوئيل خوشابا حول إخفاق ترشيح البطريركية لإحدى المسيحيات لمنصب وزير الهجرة، بالقول: ” نشر السيد عمانوئيل خوشابا بيانًا وُزِّع على وسائل الإعلام، منها السومرية، زاعما فيه أن إسقاط ترشيح السيدة هناء عمانوئيل لوزارة الهجرة والمهجرين، هو انتصار لمدنية الدولة وفصل الدين عن السياسة. إننا نأسف جدا لهذا التصريح الذي لا يخلو من عدم الدراية والأوهام. وإننا إذ نحترم الخيارات الديمقراطية وفق حيثياتها، نقول إن الدولة الدينية أو المدنية لا تقوم على عدم توزير سيدة مستقلة ومن التكنوقراط. وإذا كان السيد خوشابا واثقا إلى هذا الحدّ من الادعاء، فندعوه بكل تأكيد هو وزملاءه إلى العمل على قيام دولة مدنية حقيقية، وفي هذه الحال، لن يكون ثمة أي داعي، لقيام كوتا مسيحية فهذا تعبير ديني، ولا تستشار من ثم المراجع العليا.” [6]
رابعا. السعي لإنشاء مرجعية مسيحية سياسية
نشر البطريرك لويس ساكو رؤياه للمشهد السياسي المسيحي عام 2016، قائلا: المطلوب تشكيل فريق صغير فعّال من 7-10 من أشخاص حكماء ومقتدرين وشبعانين وسياسيين متزنين ومخلصين ليكونوا ناطقين باسم المسيحيين ويتحملوا المسؤولية بروح الفريق الواحد، ويتصلوا بالمعنيين في الداخل والخارج. فالجوامع المشتركة بينهم لا تزال حية وتتطلب التنازل عن المصالح، والتكاتف والتعاون. والتخلص من العقد، والمشاركة البنّاءة والفاعلة مع المسلمين والأخرين في الحياة العامة. صحيح أن عددهم قد تراجع، لكن حضورهم وأداؤهم لا ينبغي أن يتراجعا.
ألا يمكن أن تجتمع كافة تنظيمات شعبنا تحت اسم واحد كأن يكون: “التجمع المسيحي الوطني العراقي”
لماذا لا يُشكّل “مجلس سياسي مسيحي” ندعو لتأسيس مرجعية سياسية مسيحية.
” البطريرك لا يقدم نفسه بديلا للأحزاب السياسية ولا للنواب. لكن لو نظرنا إلى الساحة السياسية العراقية لوجدنا إن للشيعة مرجعية سياسية وللسنة مرجعية سياسية كذلك للأكراد، وللتركمان جبهة وللشبك ولليزيديين، أما بالنسبة إلى المسيحيين فهناك تبعثر وتشتت. هناك أحزاب قومية ترشحهم هذه الجماعة أو تلك، وهي بالتالي تابعة لها، وجاءت بأشخاص يفتقرون إلى الاقتدار المعرفي والسياسي وبالتالي المسيحيون هم الخاسرون.
كان قد طرح غبطة البطريرك ساكو منذ بداية تسنمه لمسؤوليته مشروع تكوين مرجعية سياسية علمانية موحدة للمسيحيين على قاعدة الكفاءة. هذا الطرح رفض بحجة أن المسيحية ديانة وليست قومية؟ وكلما بادر لجمع شملهم برزت الاختلافات والتوجهات المنفعية الذاتية الشخصية أو القومية.” [7]
ثم أعادها ثانية ” البطريركية تقترح تشكيل فريق مسيحي جامع، مقتدر ومهني يكون هو المرجعية السياسية والناطق الرسمي باسم المسيحيين فيما يخص المشاركة السياسية. ويخرج بقائمة انتخابية واحدة تحت “تجمع مسيحي” وتختار من هم الأفضل لتمثيلهم. إنها فرصة مفصلية ونأمل أن تدعم المرجعيات الكنسية هذه المبادرة. بخلاف ذلك سوف تدعم البطريركية وبكل قوتها وإمكانياتها قائمة كلدانية في الانتخابات القادمة وتشكل فريقا وطنيا كلدانيا لإنجاح هذه القائمة.” [8]
” ألا يمكن أن تجتمع كافة تنظيمات شعبنا تحت اسم واحد كأن يكون: “التجمع المسيحي الوطني العراقي” لأننا اليوم نحتاج إلى الوحدة والألفة والتضامن. بهذه الوحدة نقدر أن نبادر بإطلاق حملة وطنية، شعارها تحقيق السلام والوئام والتعايش السلمي واحترام كل الأديان والمذاهب والأطياف وإشاعة روح الحريّة والديمقراطية الصحيحة.
إن تشكيل (جهة سياسية) معنية بشؤون المسيحيين، قد أصبحت رغبة عارمة لدى البطريرك الكلداني الحالي، يطرحها في كل مناسبة أو اجتماع أو لقاء، حتى الدينية منها، وعلى سبيل المثال، ف “في الجلسة الصباحية لأعمال الجمعية العادية لمجلس كنائس الشرق الأوسط المنعقد في عمان-الأردن يوم الأربعاء 7 أيلول 2017، والتي كانت مخصصة للوجود المسيحي المهدد في الشرق الأوسط، اقترح غبطة البطريرك ساكو تشكيل لجنة في مجلس الكنائس من خبراء سياسيين وقانونيين تهتم بالوضع السياسي في الشرق الأوسط لأجل دراسة وتحليل وتقديم رؤية واضحة وحلول، كما اقترح أن يقوم المجلس بتشكيل وفد رفيع المستوى لزيارة المرجعيات الدينية المسلمة: مشيخة الأزهر والنجف وقم للمطالبة بإصدار موقف واضح حول المسيحيين في هذه البلدان. وقبل الظهر قابل رؤساء الكنائس جلالة الملك عبد الله الثاني.” [9]
فما الذي يميز هذه اللجنة السياسية عن الأحزاب السياسية (المسيحية)؟
الغريب في الأمر، أن هذه اللجنة السياسية ستشكل في مجلس الكنائس، أي سيقوم المجلس بتشكيلها من مجموعة من السياسيين والقانونيين، وهي تابعة لمجلس الكنائس، وهذا ما يميزها عن الأحزاب. أو أن يجعل الأحزاب تنضوي تحت سلطة الكنيسة مجددا كما كان الوضع في أوربا إبان القرون الوسطى.
خامسا. الرغبة في تمثيل المسيحيين لدى السلطة
رغبة البطريرك الكلداني في تمثيل المسيحيين العراقيين جميعا لدى السلطة بدأت مع سعي المطران (البطريرك لاحقا) عمانوئيل الثالث دلّي إلى تمثيل المسيحيين في مجلس الحكم المؤقت لعام 2003، كما أسلفنا، وتعززت هذه الرغبة بتولي المطران لويس ساكو مطران كركوك وتوابعها كرسي البطريركية الكلدانية في 1 شباط 2013م. ففي رسالته إلى سياسيي أبناء شعبه بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر 2013 يضع الخطوط العريضة لتدخله في الحقل السياسي وتسيّده على القرار المسيحي، ورغبته بتشكيل فريق عمل في البطريركية، جاء فيها:
” كنتُ أتمنى أن يتمّ لقاءٌ خاصٌّ يجمع العاملين في السياسة من أبناء شعبنا، لكن ظروفي الكنسيّة الكثيرة وعدم تمكني من تشكيل فريق عمل في الدائرة البطريركية حتّى الآن لم تسمح بذلك، لذلك أوجّه إليكم هذه الرسالة مقترحًا عليكم بعضَ أفكار بغية توحيد الصفوف وتفعيل الدور المسيحي في الحفاظ على اللحمة الوطنيّة من جهة، وعلى حقوق المسيحيين كمُكوَّن عراقيّ أصيل من جهة ثانية… ألا يمكن أن تجتمع كافة تنظيمات شعبنا تحت اسم واحد كأن يكون: “التجمع المسيحي الوطني العراقي” … لماذا لا يُشكّل “مجلس سياسي مسيحي”.” [10]
وقد نشرت إحدى الصحف رأينا بالقول: ” رأى الديبلوماسيّ والخبير في الشأن المسيحيّ الدكتور رياض السندي أنّ النقد المتزايد لتدخّل رجال الدين يكشف عن الصراع على تمثيل المسيحيّين بين السياسيّين ورجال الدين. وفي رأي رياض السندي، الذي كتب مقالات تحلّل أسباب الانقسام الداخليّ المسيحيّ، “إنّ الصراع على التصدّي لتمثيل المسيحيّين بطوائفهم الـ14 ترك تأثيره على مواقف الكنيسة وتصريحاتها التي تتغيّر بين الشدّ والجذب. ففي عام 2016، أعلن البطريرك ساكو أنّ المرجعيّة السياسيّة للكنيسة هي الحكومة العراقيّة، وأنّ ممثّليها الرسميّين هم أعضاء مجلس النوّاب، لكنّه في العام الحاليّ بدّل موقفه مع تصريحه أنّ أحد النوّاب لا يمثّل المسيحيّين ولا يمثل الكلدان فهو يمثّل رسميّاً كتلته السياسيّة، وكان المقصود بذلك النائب جوزيف صليوة.” [11]
خاتمة
“ويبدو من سياسة شدّ الحبل بين السياسيّين ورجال الدين أنّ ساكو يعدّ الزعيم الدينيّ المسيحيّ، الذي حاز على الكمّ الأكبر من المعارضة والنقد نظراً لشخصيّته الكاريزميّة واتّخاذه خطوات جريئة شكّلت منافسة قويّة للسياسيّين، مثل دعوته في عام 2016 إلى مجمع مسكونيّ موحّد كمرجعيّة سياسيّة للمسيحيّين يشارك في الانتخابات بقائمة واحدة، وتوحيد تسمية المسيحيّين على أساس دينيّ، بدلاً من التشظّي في التسميات القوميّة، وترؤسه وفود رجال الدين لمقابلة رؤساء الكتل السياسيّة الكبرى.” [12]
والحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن الأذهان، وهي أن المسيحيين ما زالوا منقسمين إلى 14 طائفة، وأن هذا الإنقسام كان بسبب الكنيسة ذاتها، التي تحولت إلى كنائس بدلا من كنيسة واحدة، وأن الكرة في ملعب الكنيسة أصلا، وهي التي يمكن أن توحد المسيحيين، ولا حاجة للبحث عن الكرة في ملعب السياسيين ومطالبتهم بتوحيد (المكون المسيحي). بل أن الإنقسام السياسي هو نتيجة منطقية للإنقسام الكنسي.
د. رياض السندي
في 1/1/2019
[1] أصدرت بطريركية بابل الكلدانية بتاريخ 15/1/2012 بياناً إلى الشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية جاء فيه: ” إن بعض السياسيين المسيحيين ونخص منهم بالذكر سعادة النائب يونادم كنا سكرتير الحركة الديمقراطية الأشورية التي لها ثلاث مقاعد في مجلس النواب العراقي وحصلوا عليها عن طريق الكوتا المخصصة للمسيحيين، يقدم نفسه للشعب العراقي والعالم على انه ممثل المسيحيين وهذا لا يجوز فهو يمثل نفسه وحزبه فقط لا غير ولقد دأب في احاديثه على تهميش الكلدان والإقلال من شانهم وتبخيس تاريخهم والإصرار على حصرهم في اطار مذهبي كنسي فقط , وهذه أفكار عنصرية مقيته لا يجوز ترويجها في العراق الجديد. إن نظرية إلغاء الأخر قد ولى زمنها وأصبحت من الماضي غير المشرف، وإذا كان له حق الاختيار للهوية والمعتقد والقومية فمن حق الأخرين أن يكون لهم نفس الفضاء من الحرية في الاختيار لا أن يفرض عليهم رغبات وخيارات لا يرتضونها لهم ومن حق الكلدان إن يفتخروا ويجاهروا بقوميتهم الكلدانية وخاصة انهم يمثلون ما نسبته (70-75) % من مجمل مسيحيي العراق”. أنظر، بيان صادر عن بطريركية بابل الكلدانية إلى الشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية، موقع بيدارو، على الرابط:
http://www.bidaro.net/c16-category .
[2] بيان البطريركية الكلدانية بالعدد 49 في 13 مارس 2016. http://saint-adday.com/?p=11625
[3] بطريركية الكلدان تحمل على النائب صليوا: ليس رئيسا للكنيسة ولا يمثل المسيحيين، موقع صحيفة الغد برس، في 07 تموز 2017.
[4] موقع البطريركية الكلدانية http://saint-adday.com/?p=19832l,u
[5] الاخ عمانوئيل خوشابا عضو مجلس النواب العراقي لـعنكاوا كوم منصب مقرر البرلمان محسوم للمكون المسيحي، موقع الحزب الوطني الاشوري،
http://www.atranaya.net/?p=37591
[6] البطريركية تعقب على بيان السيد عمانوئيل خوشابا، موقع البطريركية الكلدانية في 18/12/2018.
[7] المشهد السياسي المسيحي في العراق، إعلام البطريركية، موقع البطريركية الكلدانية في 16 يناير، 2016.
[8] http://saint-adday.com/?p=10264
[9] موقع البطريركية الكلدانية، الرابط: http://saint-adday.com/?p=14402
[10] رسالة من البطريرك ساكو إلى سياسيي أبناء شعبنا الموقرين في 16/9/2013. http://saint-adday.com/?p=3641
[11] سعد سلوم، الكتل السياسيّة المسيحيّة تعارض تدخل الكنيسة في الشأن السياسيّ المسيحيّ في العراق، موقع المونيتر في أكتوبر 23, 2017.
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2017/10/christian-patriarch-louis-sacco-iraq-minorities.html#ixzz5aS0XQZdA
[12] سعد سلوم، الكتل السياسيّة المسيحيّة تعارض تدخل الكنيسة في الشأن السياسيّ المسيحيّ في العراق، مصدر سابق.
2 العراقيون لا يريدون مكافحة الفساد!
عدنان حسين
الشرق الاوسط السعودية
في إحدى المظاهرات المتكرّرة أسبوعياً، وأحياناً يومياً، في مدن العراق الرئيسية، من البصرة في أقصى الجنوب إلى العاصمة بغداد، اختار متظاهر شاب أن يحمل شعاراً مختلفاً ومتميّزاً عن سائر الشعارات المُطالبة بالإصلاح السياسي والإداري ومكافحة الفساد والفقر والبطالة وبتوفير الخدمات العامة الأساس (الكهرباء، الماء، الصحة، التعليم، السكن…) التي انهار نظامها على نحو غير مسبوق في السنين الأخيرة بسبب الفساد الإداري والمالي المتفشّي بمستويات غير مسبوقة أيضأ.
مكافحة الفساد تصدّرت شعارات المظاهرات كلّها منذ انطلاقها في 2010، لكنّ ذلك الشاب العشريني الذي خرج ضمن متظاهري ساحة التحرير في قلب بغداد منذ بضعة أسابيع، وضع على صدره لافتة مكتوبة بخطّ واضح:
«لا أريد مكافحة الفساد.. أريد حصّتي من الفساد»..!
الشعار، بكلماته القليلة البسيطة، قوي وبليغ ونابت.. عبّر عمّا يعتمل في نفوس معظم العراقيين الذين ما عادت لديهم فسحة أمل ولا بقية ثقة بمكافحة الفساد على أيدي أحزاب الإسلام السياسي المتنفّذة في السلطة والمتّهمة بأنها رأس الفساد، فالحكومات ومجالس النواب السابقة كلها تعهدت بذلك وأعلنت عن برامج وأنشأت هيئات، لم تثمر أي نتيجة، بل بقي الفساد يتفاقم داخل المجتمع والدولة، وصولاً إلى أعلى هيئاتها وأكبر مسؤوليها. واحتفظ العراق طوال العقد الأخير بمركز لا يتزحزح في قائمة الدول الأكثر فساداً في تقارير منظمة الشفافية العالمية وسواها، وكان آخرها تقرير المنظمة الصادر الأسبوع الماضي الذي أظهر أن موقع العراق بين الدول الأكثر فساداً لم يتغيّر، برغم تعهدات رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بمكافحة الفساد بنفس المستوى الذي كوفح به إرهاب «داعش»!
الآن ثمة حركة ضاجّة تعِدُ بمكافحة الفساد. الحكومة الجديدة التي لم يكتمل قوامها بعدُ برئاسة عادل عبد المهدي، شكّلت الأسبوع الماضي مجلساً أعلى جديداً لمكافحة الفساد. عبد المهدي تعهد بأن نصف وقت وجهود الحكومة والدولة سيُكرّس لمكافحة الفساد.
الأغلبية من العراقيين غير مصدّقة بأن التعهد الجديد سيختلف عن سوابقه. هذا ما تعكسه ردود فعل القوى السياسية والوسط الإعلامي والتعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ربما كان عبد المهدي صادق النية، لكن ليس هناك الكثير من الثقة بما تقوله الحكومة ورؤساؤها. لسان حال معظم العراقيين يردّد الآن ما كتبه الشاب العشريني المتظاهر في ساحة التحرير على صدره: لا أريد مكافحة الفساد.. أريد حصتي من الفساد. وهذا شعار منطقي وواقعي، فالأموال الطائلة التي يستحوذ عليها الفاسدون في جهاز الدولة البيروقراطي وشركاؤهم تبلغ عشرات مليارات الدولارات سنوياً.. هذه المبالغ وحدها لو وُزّعت نقداً على العراقيين أو استثمِرتْ في الاقتصاد الوطني لأحدثتْ تغييراً واضحاً في حياتهم، وبخاصة ملايين الفقراء والعاطلين عن العمل. يصل أقل التقديرات لمجمل ما استحوذ عليه الفاسدون والمفسدون من المال العام منذ 2003 إلى 400 مليار دولار، وبعض التقديرات يرفع الرقم إلى 800 – 1000 مليار دولار.
المشكلة مع مكافحة الفساد في العراق كانت دائماً في فقدان الإرادة السياسية، فمؤسسات المكافحة وبخاصة هيئة النزاهة لم يكن بمقدورها تحقيق أهدافها وملاحقة الفاسدين، لأنها لا تملك القوة اللازمة لذلك. هي تتمتع فقط بسلطة التحقيق في القضايا المعروضة عليها ثم تترك للقضاء أمر الحكم فيها، وغالباً ما كانت السلطة التنفيذية ورؤساؤها يتدخّلون لوقف التحقيقات والإجراءات القضائية الخاصة بقضايا الفساد الكبرى التي أغلب المتورطين أو المتّهمين فيها رؤوس كبيرة في الدولة والعملية السياسية: رؤساء السلطات العليا، وزراء، رؤساء أحزاب وكتل سياسية متنفّذة في الحكومة والبرلمان، رؤساء هيئات «مستقلة» ومؤسسات حكومية وقيادات ميليشيات مسلحة. بل إن الفساد متفشّ حتى في الدوائر المكلّفة الكشف عن الفساد ومكافحته.. هؤلاء جميعاً هم عقبة كبرى أمام مكافحة الفساد لأنها تكشفهم وتجعلهم عرضة للمساءلة القانونية وفقدان ما يتمتّعون به من سلطة ونفوذ ومال يحصلون عليه بفسادهم.
رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي صرّح غير مرة أثناء فترة حكمه (2006 – 2014) بأنه يتوافر على ملفّات تدين سياسيين كباراً بالفساد والإرهاب لكنّه لم يرد الكشف عنها لأنها «تقلب عاليها سافلها».. والواقع أن المالكي، كما سواه من رؤساء الحكومات وكبار المسؤولين، لا يخشون انقلاب عالي الأشياء سافلها على غيرهم بقدر خشيتهم من انقلابها عليهم هم أيضاً، فالسياسيون المقصودون هم كذلك لديهم ملفاتهم التي يمكن لكشفها أن يقلب عالي الأشياء سافلاً.
من أسباب عدم الثقة بالمجلس الجديد أنه تشكّل من الأجهزة نفسها التي كانت مكلّفة مكافحة الفساد: هيئة النزاهة، ديوان الرقابة المالية، دوائر المفتشين العموميين في الوزارات، الأجهزة الأمنية الرئيسية.. أي إن المجلس جمع كل هذه المؤسسات، وهي حكومية، في مؤسسة واحدة تابعة للحكومة أيضاً ويترأسها رئيس الحكومة، ما يسلبها الاستقلالية المطلوبة لأي مؤسسة مهمتها مكافحة الفساد، فهيئة النزاهة التي كان هذا واجبها الأساس لم يكن يعيق عملها غير التجاوز على استقلاليتها من جانب السلطة التنفيذية خصوصاً، وكذا التشريعية، وهو ما تشكو منه كل الهيئات الموصوفة بالمستقلة التي تستحوذ على إداراتها الأحزاب السياسية المتنفّذة لأجل تسخيرها لخدمة هذه الأحزاب وقياداتها، وبينها التغطية على فسادها.
الآن كيف سيحلّ عبد المهدي هذه المعضلة؟.. خياراته محدودة في الواقع، فهو غير مدعوم حزبياً داخل مجلس النواب، وإذا ما قام بعمل تجد فيه الأحزاب المتنفّذة ما يتعارض مع مصالحها يمكن لها أن تتسبب له بمشكلات كبيرة، بينها إسقاط حكومته.. الفترة من الآن حتى نهاية السنة ستكون كافية للحكم على مدى جدّيته في مكافحة الفساد، وهي جدّية تتشكّك فيها أغلبية العراقيين الذين يخشون أن تكون وظيفة المجلس الجديد التغطية على فساد الطبقة المتنفّذة وحماية رؤوسها الكبيرة، ولهذا يرى البعض منهم أن حصولهم على حصتهم من الفساد أجدى من عمل المكافحة الذي لم يكن منه طائل لنحو خمس عشرة سنة. وجدّية عبد المهدي ومجلسه ستُختَبر أيضاً في ملفات الفساد التي سيفتحها المجلس الجديد وفي الرؤوس الكبيرة المُفترض إطاحتها بعد فتح هذه الملفات.
3 لئلاّ يكرّر عادل عبد المهدي أخطاء السابقين
حميد الكفائي الحياة السعودية
كثيرون تفاءلوا، وأنا بينهم، بتكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ولم يكن التفاؤل مجرد تمنٍ أو رغبة طوباوية، وإنما كانت هناك أسس مفترضة للنجاح منها خبرة عبد المهدي السياسية وتخصصه في الاقتصاد واطلاعه على السياسة الدولية وإجادته ثلاث لغات، وأخيرا عدم اكتراثه (المفترض) للبقاء في المنصب، بناءً على سجله السابق. إلا أن الأحداث اللاحقة برهنت بأن الرجل اكثر تمسكا بالمنصب مما تصورنا الى حد استعداده للقبول بمرشحين غير أكفاء لشغل الوزارات إرضاءً للكتل السياسية.
ففي التشكيلة الحكومية الأولى التي قدمها للبرلمان، كانت هناك عجائب ومفاجئات زعزعت ثقة الناس به وكادت أن تطيح بحكومته، ولولا مساومات وتنازلات وصفقات، لما تمكن عبد المهدي من تمرير 14 وزيرا، الأمر الذي جعل من حكومته دستورية، حسب تفسير المحكمة الاتحادية المثير للجدل القاضي بأن إقرار البرلمان لأكثر من نصف أعضاء الحكومة يكفي للإيفاء بالشرط الدستوري، ويمكن رئيس الوزراء إكمال حكومته لاحقا متحررا من قيد الزمن.
بعض الأسماء التي قدمها عبد المهدي لشغل وزارات مهمة تقترب من الفضائح، وحتى بين الوزراء الذين أقرهم البرلمان، هناك متهمون بالإرهاب والفساد، ومنهم من امتنع عن أداء اليمين الدستورية بسبب الرفض الشعبي له. والمستغرب أن كلا من إيران والولايات المتحدة تتباريان في الادعاء بأنهما حققتا «نصرا كبيرا» في تشكيل هذه الحكومة وأن مرشحيهما هم الذين أختيروا للرئاسات والوزارات، حتى أن مبعوث الرئيس الأمريكي إلى العراق، برت ماكغورك، ذكر أربعة وزراء بالاسم، أثناء تهنئته الحكومة العراقية بعد تمرير أكثر من نصفها في البرلمان، بينما ادعت إيران بأنها فازت في مباراة تشكيل الحكومة بثلاثة أهداف مقابل صفر للولايات المتحدة!
وباستعراض سريع للوزراء الذين أقرهم البرلمان نجد أن هذه الحكومة هي الأضعف حتى الآن منذ عام 2003. وباستثناء وزيري النفط والصحة، وهما خبيران متمرسان في مجاليهما، فإن معظم الوزراء الآخرين يفتقرون إلى الخبرة أو القدرة، وبعضهم إلى السجل المهني. أحد الوزراء اتضحت محدودية قدراته في مؤتمره الصحفي الأول، الذي افتقر إلى التنظيم والاستعداد اللازمين، إذ جلس وحيدا دون مستشارين وتكلم بلغة ركيكة وأدلى بمعلومات مقتضبة وأولويات خاطئة وأعلن عن سياسات جديدة دون قرار من مجلس الوزراء وكأنه الوحيد الذي يقرر سياسات البلد ولا يوجد هناك مجلس وزراء أو برلمان، وقد اضطر لاحقا إلى اصدار بيانات يسحب فيها ما قاله.
هناك وزراء لم يعملوا يوما واحدا في المجال الذي أنيطت بهم إدارته، وبعضهم لم يمارس أي عمل حقيقي قبل توزيره. أحدهم لم يعرِف أي وزارة أنيطت به حتى يوم تصويت البرلمان عليه، إذ كان في الخارج واتصل به طاقم عبد المهدي قبل يوم واحد لإبلاغه بالمجيء فورا إلى بغداد للمشاركة في الحكومة حسب معلومات أدلى بها لمقربين! فإن لم يكن هذا الوزير (تكنوقراط) فأي كتلة سياسية يمثل؟ ولماذا استبدِل الوزراء التكنوقراط بوزراء عديمي الخبرة؟
هناك وزراء آخرون متهمون بالإرهاب أو الفساد. أحد الوزراء لم يباشر بعمله بسبب المعارضة الشعبية لتعيينه لاتهام بعض أفراد عائلتها بالتواطؤ مع جماعات إرهابية. أحد المرشحين لتولي وزارة الثقافة لم يعرف عنه أي نشاط ثقافي بل لا يعرفه أحد في الوسط الثقافي، لكن الضجة التي أثارها ترشيحه دفعت رئيس الوزراء لاختيار مرشح ينتمي إلى الوسط الثقافي ومتخصص في الآثار، علما أن الثقافة أوسع من الآثار والتراث وتتعلق بالحياة العصرية وكيفية تنظيمها وتطويرها.
ماتزال ثلاث وزارات شاغرة، هي الداخلية والدفاع والعدل بسبب الخلافات السياسية، بينما بقيت وزارة التربية معطلة. المعضلة الكبرى هي وزارة الداخلية التي تصر جهات سياسية معينة على أن يتولاها شخص معروف بقربه من إيران. الإصرار على هذا الترشيح هو إفلاس واضح، فهل يعقل أنه لا يوجد مرشح آخر تثق به الكتل البرلمانية؟ هذا الإصرار يؤشر إلى خلل كبير بل ويخبِّئ أمرا خطيرا. وزارة الدفاع مخصصة للسنة ووزارة العدل للأكراد، وفق نظام المحاصصة العرقية الطائفية المبتكر، ولكن، لا (السنة) ولا (الأكراد) اتفقوا على مرشحين يرتضونهم.
كان كثيرون يأملون بأن تكليف عادل عبد المهدي، غير المنتمي (رسميا) إلى حزب أو كتلة، سوف يشكل بداية واعدة للعراق، بعيدا عن المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وقد توقعوا بأن يأتي بوزراء أكْفاء يديرون وزاراتهم من أجل النهوض بالعراق وليس لفائدة أحزابهم. إلا أن معظم العراقيين أصيبوا بخيبة أمل من إصرار عبد المهدي على التقيد بالمحاصصة أكثر من رؤساء الوزراء السابقين. كان متوقعا منه أن يكون مستقلا ويفرض شروطه على الكتل خصوصا وأنه جاء بطريقة غير مالوفة، فلم تسمِّه الكتلة الأكبر، التي لا نعرف من هي حتى الآن، بل كلفه الرئيس دون أن يعرف الناس كيف حصل ذلك وهل اتفقت الكتلتان المتصارعتان المتخاصمتان عليه، أم أن هناك أمرا غيبيا لا يعرفه الناس قد جاء بعبد المهدي رئيسا للوزراء؟ لقد آن الأون أن يطلع الناس على الحقائق وأن يعرفوا كيف تشكل حكوماتهم (الديمقراطية). فإن كانت الحكومات تُعين بوسائل أخرى غير صناديق الإقتراع، فما الهدف من إجراء الانتخابات أساسا ولماذا نوهم الناس بأن لدينا ديمقراطية؟
يبدو أن الضعف في حكومة عبد المهدي متأصل وغير قابل للإصلاح. فإن كان رئيس الوزراء يقبل بأي مرشح حتى لو كان عديم الخبرة أو متهما بالإرهاب، فهذا يعني أنه غير قادر على إحداث التغيير المأمول منه، لذلك لن نتوقع من سنواته الأربع المقبلة غير أن تكون امتدادا للضياع والفشل السائدين منذ 15 عاما. وفي حال أُسقطت حكومته عبر إجراء حجب الثقة، فسيكون صعبا تكليف شخص آخر بسبب عدم وضوح الكتلة الأكبر التي كان يجب أن تعلن عن نفسها في الجلسة الأولى للبرلمان. خيار الانتخابات لن يلجأ إليه أحد لأن نتائجه غير مضمونة. ومع كل هذه المعوقات، لازالت لدى عبد المهدي فرصة في أن يكون قويا ومستقلا، لكنه لن يستثمرها على الأغلب خشية ضياع المنصب منه.
4 ديون الأردن على العراق
عصام قضماني الراي الاردنية
يطالب الأردن العراق بديون تزيد على مليار دولار لم يسدد منها اي مبلغ حتى الان.
هذه هي المرة السابعة التي سيفتح فيها ملف الديون الأردنية على العراق ومطالبات الأخيرة بأموال مجمدة في البنوك الأردنية على أمل التوصل الى حلول، تقود الى اغلاق الملف الأكثر تعقيدا في العلاقات بين البلدين .
منذ سنوات عديدة والبنك المركزي الأردني يحمل في ميزانيته مبلغاً يزيد عن مليار دولار كدين مطلوب من العراق وحدد حجم الديون على العراق بمليار و300 ألف دولار
هذا هو الوجه الأول من الصورة فماذا عن الوجه الآخر، وهو الأموال العراقية المجمدة في البنوك الأردنية؟.
الأموال العراقية المجمدة قسمان، الأول يعود للحكومة العراقية في عهد النظام السابق، أما القسم الثاني فهو عبارة عن أموال أودعت بأسماء شخصيات ومسؤولين عراقيين أكثرهم قضى نحبه .
الأموال في القسم الأول محصورة وتبلغ نحو نصف مليار دولار جمدت إبان الإجتياح الأميركي للعراق في نيسان/ عام 2003 ، أما الأموال في القسم الثاني فلم تكشف الحسابات أنذاك الا عن حسابين بقيمة 40ر16 مليون دينار، تعود لأفراد من عائلات شخصيتين عراقيتين، وتم توريدهما من البنوك عبر البنك المركزي الى صندوق إعمار العراق.
ملف الأموال العراقية المجمدة ، ملف شائك كما هو الأمر بالنسبة للديون الأردنية على العراق الذي طالب في وقت سابق بتحويل الملف الى نادي باريس بحيث يتم شطب 90% من الديوان وتقسيط البقية وهو ما رفضه الأردن.
ليس فقط ما سبق هو ما يعطل تسوية الديون، فالمعلومات تشير الى ان العراق سعى مؤخرا الى ربط ملف الديون بملف الأموال المجمدة، في تسوية واحدة، لكن الربط من وجهة نظر الاردن غير ممكن ليس فحسب لأنهما ملفان منفصلان، إنما لأن الأردن، قرر بدءا من عام 2003 صرف جزء من هذه الأموال كتعويضات لتجار أردنيين لهم مستحقات على العراق في عهد صدام حسين في سياق مذكرة النفط مقابل الغذاء.
يفترض بفتح ملف الديون هذه المرة أن تكون الأخيرة حتى لا يبقى عائقا أمام تطور حقيقي وجاد للعلاقات الإقتصادية يعود بها الى نصف ما كانت عليه سابقا.
5 الاقتصاد بحاجة لخطة تحفيز
خالد الزبيدي
الدستور الاردنية
اتفاقيات التعاون مع العراق وفتح الحدود البرية بشكل واسع يتطلب خطة تحفيز للاقتصاد الذي تضرر خلال السنوات القليلة الماضية، فالسلع والخدمات الاردنية التي تصل الى الاسواق العراقية ستدخل في منافسة مع سلع لدول كبيرة في مقدمتها ايران وتركيا حيث اجتاحت الاسواق لسنوات، فالمراهنة على ارث طيب من العلاقة الاردنية العراقية، وعلى شراكة القطاع الخاص بين البلدين التي دامت اكثر من ربع قرن لاتكفي، فالاسواق متغيرة والمستهلك هو الآخر يتغير، لذلك ان استرداد قسم من الحصة السوقية للمصدرين الاردنيين في الاسواق العراقية هو بمثابة تحد كبير ستكشف الاشهر القادمة مدى صعوبته او تجاوزه والعودة بقوة الى العراق .
هناك قوائم من السلع الاردنية لديها تجربة واكتسبت ثقة اقليمية ودولية في مقدمتها المنتجات الدوائية والمستحضرات الطبية، فقطاع صناعة الدواء الاردني قدم صورة مشرقة في اسواق التصدير من الشرق وصولا الى امريكا، وصناعة تقنية المعلومات والاتصالات وبرامج الدفع الالكتروني لديها قدرة مهمة، والمنتجات الزراعية اللاموسمية، والمنتجات النوعية، والخدمات اللوجستية والمخازن الحديثة وخدمات النقل البري كلها مجتمعة تستطيع تعظيم القيمة المضافة للتعاون الثنائي، وان فتح المعبر الاردني العراقي يمهد لاطلاق قدرات القطاع الحكومي والخاص للارتقاء بالتعاون الاقتصادي والوصول الى تعاون متبادل في معظم القطاعات.
ومن السلع والخدمات القادرة على مضاعفة المبادلات التجارية خلال اقل من سنة هي منتجات الاسمنت حيث لدى صناعات الاسمنت في الاردن فائض يصل الى ستة ملايين طن، وهي من اجود الانواع، وكذلك فائض الطاقة التصميمة لتوليد الطاقة الكهربائية بأكثر من الف ميغا واط يمكن توصيلها الى مكان في العراق خلال ثوان بعد ربط الشبكتين الاردنية والعراقية، وبالمناسبة الربط الشبكي الكهربائي مشروع عربي خماسي كان يفترض ان يشمل العراق قبل العام 2010.
العراق وسوريا والاردن مهما كان الاختلاف او الاتفاق سياسيا، الا ان التكامل الاقتصادي السلعي والخدمي قادر على تسريع تعافي اكبر شريكين تجاريين للاردن وعودة دورهما المؤثر في الاقليم والمنطقة العربية، وهذا يقينًا ينعكس إيجابيا على الاقتصاد والمجتمع الاردني الذي وقف صامدا خلال السنوات العجاف الفائتة يواجه الارهاب، اليوم المنطقة وشعوبها ونظمها قادرة على معالجة ما مضى وتحديد منحنى للبناء والتنمية وجبر ما انكسر، وعدم الالتفات الى الوراء كثيرا فالنجاح يتطلب الاستفادة من التجربة والتركيز على المستقبل، فالثروات .. موارد طبيعية وبشرية متاحة فالشباب ينتظرون الملايين من الفرص للانخراط في العمل..وهذا يتطلب خططا لتحفيز الاقتصاد وعدم النظر فقط الى ارنبة الانف.