4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

1 وسم “هاشتاغ” لحماية نفط العراق
فاطمة عبد الله الوطن البحرينية
يعتمد الاقتصاد العراقي اعتماداً كلياً على القطاع النفطي، إذ إن 95% من إجمالي دخل العراق من ‏العملة الصعبة. وقد بلغ احتياطي النفط حوالي 153 مليار برميل، ما يجعله ثاني أكبر خزان نفطي ‏معروف في العالم بعد السعودية. ويتوقع البعض أن يفوق الاحتياطي في العراق نظيره في دول الخليج، ‏فالأراضي العراقية لم تحظَ بمسح جيولوجي كامل، بسبب دخول العراق في عدة حروب متتابعة. لكن ‏المصيبة تكمن في أن نفط العراق لم يصل يوماً لشعبه كاملاً فقد بعثره حكام العراق طوال قرن كامل على مغامرات ‏فاشلة ضد جيرانهم. ثم جاءت “داعش” لتستولي على عدة حقول منذ يونيو 2014 بعد هجومها ‏المفاجئ على الموصل -ثاني أكبر مدينة في البلاد. واستطاعت “داعش” أن تستغل إلى حد كبير شبكات ‏التهريب القديمة التي أقيمت خلال نظام صدام حسين للتهرب من نظام العقوبات الدولية. وتمكنت “داعش” ‏من البقاء على قيد الحياة من خلال تجارتها غير المشروعة بالنفط والغاز. وفي ذروة قوتها عام ‏‏2014 وجزء من عام 2015، قدر دخل داعش النفطي بحوالي 50 مليون دولار شهرياً.‏
هذا المبلغ الضخم، أغرى قوات الحشد الشعبي لنهب نفط العراق، فالحشد يعد الأغنى والأقوى في ‏الساحة العراقية رغم عدم مشروعية وجوده، إذ نوه حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي السابق في مقابلة ‏تلفزيونية له -مع برنامج قصارى القول الذي تبثه قناة روسيا اليوم- على أن المرجع الديني علي السيستاني ‏لم يصدر فتوى بتشكيل الحشد الشعبي، بل دعا إلى التطوع في صفوف القوات العراقية للدفاع عن الوطن ‏من خطر الإرهاب، وقال انه لم يرد ذكر اسم الحشد في خطب الجمعة كما لم يذكر هذا الوصف على لسان ‏المرجع أو ممثليه، لكن كلام العبادي هذا جاء في الوقت الضائع، إذ انفلتت الجماعات المسلحة ولم يتم ‏نزع السلاح من يديها فاستولت على النفط. المصيبة أن السلطات العراقية تعلم بوجود عملية سرقة ‏نفط منظمة من قبل الحشد الشعبي، ففي 27 نوفمبر 2018، كان 30 نائباً قد اشتكوا من ‏عمليات “تهريب النفط” المستمرة تقوم بها جهات تدعي انتماءها إلى الحشد الشعبي، كما تضمنت ‏الاتهامات ما يفيد سرقة 100 صهريج يومياً من النفط الخام من قبل قوات الحشد الشعبي، ما أدى ‏إلى قيام هيئة الحشد بإصدار نفي لذلك، لكنها أقرت أن ملف تهريب النفط هو أحد أبرز الملفات الشائكة في ‏البلاد منذ عام 2003.
* اختلاج النبض:
الجهد المثير للشفقة لوقف هذه السرقة يكمن في قيام مقرر لجنة تقصي الحقائق البرلمانية عبر تغريدة ‏‏”تويتر” دعا فيها إلى إنقاذ العراق من عمليات تهريب النفط، تحت هاشتاغ #انقذوا_نفط_العراق‏.
2 العبادي ما بعد السلطة و«الدعوة» مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية

بتأنٍ يقلب حيدر العبادي صفحات سنوات ولايته الأربع، يشدد أمام زواره على ضرورة استكمال ما تم إنجازه، باعتبار أن العراق دخل بعد الانتصار على «داعش»، وتجاوز أزمة انفصال كردستان، والانتخابات النيابية الأخيرة، مرحلة تأسيس جديدة تفرض على الطبقة السياسية القيام بتنازلات حقيقية، خدمة للمصلحة الوطنية، وتفرض أيضاً على الخارج الاعتراف بتحولات الداخل الذي باتت أولوياته إعادة صياغة الهوية الوطنية ضمن ثنائية الدولة والمجتمع.
فالدولة العراقية بمؤسساتها، حتى الضعيفة أو المخترقة أو المكبلة، بالنسبة للعراقيين في هذه المرحلة الانتقالية فوق كل اعتبار، أما المجتمع بجميع تلاوينه يمثل حالياً ومستقبلاً التهديد الفعلي للطبقة السياسية التي تعتقد أن باستطاعتها أن تدير ظهرها لاعتباراته الوطنية، فسقف الخطاب الذي رفعه المجتمع المدني والأهلي قد تجاوز حدود ما يمكن أن تقدمه بعض النخب السياسية المُصرة على التمسك بمسلك السنوات السابقة، ما يعزز الاعتقاد بأن إخفاق السلطة في تلبية الحد الأدنى من المطالب الحياتية والخدمية، سيرد عليه في الشارع الذي سيتحول إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين القوى التي تسيطر على عمل الحكومة، والمجتمع الذي يحشد من الآن لمعاقبة هذه القوى في الانتخابات النيابية المقبلة، فمتلازمة الشارع والانتخابات هي استكمال لقرار التغيير الأول الذي اتخذ في شهر سبتمبر (أيلول) 2014، في ذلك التاريخ تم تكليف العبادي رئاسة الحكومة العراقية، وكانت «داعش» تسيطر على نحو 35 في المائة من مساحة العراق، ومعنويات الجيش منهارة بعد هزيمة الموصل، والجماعات الإرهابية على بعد 70 كلم من العاصمة بغداد، ولم يكن في خزينة الدولة أكثر من 700 مليون دولار، فيما تحتاج إلى 3.5 مليار دولار للرواتب فقط، وكان سعر برميل النفط العراقي قد هوى إلى ما دون 30 دولاراً، والأزمة مع إقليم كردستان تتصاعد ووصلت إلى مرحلة الإصرار الكردي على إجراء الاستفتاء على الانفصال.
في تلك المرحلة كان العراق يعاني من قطيعة مع جواره جعلته معزولاً عربياً ومهملاً أميركياً، ولم يكن العبادي في موقف يحسد عليه، لكنه نجح رغم العقبات في عبور حقل ألغام محلي وخارجي، وساهم في إنقاذ العراق من السقوط، وسلم السلطة في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2018 والعراق يملك الإرادة والقدرة على إعادة بناء الدولة والمجتمع.
في حديثه مع عدد من أصدقائه القدامى الذين عرفوه عندما كان معارضاً ينتقل بين بيروت ولندن، لم يفرج العبادي بوضوح عن مشروعاته المستقبلة، لكنه شدد على التمسك بوسطيته، وقناعته بأن مصلحة العراق بتصفير مشكلاته مع جواره، وبرفضه أن يتحول إلى مكان لتصفية حسابات إقليمية أو دولية، وبأن قناعته راسخة بالإصلاح وبمواجهة دولة الفساد العميقة، وحذر من أن الشارع قد تجاوز الأحزاب والطائفية، وركز على أن إعادة الثقة بالدولة وسلطاتها القضائية والتنفيذية والتشريعية ضروري في طريق بناء عراق قوي تحميه المؤسسة العسكرية التي أصبحت في عهده رمزاً للوحدة الوطنية، ويُجمع الشعب العراقي أنها القوة الوحيدة القادرة على حمايته.
وفي أجوبته عن أسئلة ضيوفه المحرجة في بعض الأحيان، أصر العبادي على عدم توجيه اللوم لأحد، لا داخلياً ولا خارجياً، مع أنه دفع ثمن قرار جماعي بضرورة إنهاء حقبة حزب الدعوة بالسلطة، رغم تواطؤ بعض «الدّعويين» بهدف إبعاده، وهذا ما تلومه عليه بعض النخب التي تعترف بدوره، وتدعو لحماية منجزات عهده بوصفها ركيزة الإصلاحات الأولى، حيث كان من المجحف بحقه أن يتحمل أوزار حقبة سابقة، لكن بنظر الكثيرين لم يستثمر العبادي الفرص التي أتيحت له، وكان بإمكانه تحويلها إلى إنجاز يجعل من المستحيل تخطيه، لكن صاحب الانتصار على «داعش»، الذي أعاد بناء الجيش، وأخضع كركوك لسلطة الحكومة المركزية، لم يتخذ خطوات جريئة، كما فعل الصدر والحكيم واتخذا قرارات غيَّرت موازين القوة، وذلك عندما قرر الصدر التحالف مع اليساريين والشيوعيين والانفتاح على المدنيين، أما الحكيم فقام بعملية قيصرية وقرر الخروج من عباءة «المجلس الأعلى الإسلامي»، والانتقال إلى الفضاء الوطني، فيما وقف العبادي أسيراً لانتمائه العقائدي، فتردد في التمرد على حزبه، فأصيب بخسارتين؛ الأولى عندما أمعن خصومه في الحزب في تآمرهم عليه لإفشاله، والثانية عندما خاب أمل الشارع في الرهان على انتقاله من ضفة الحزب إلى المتسع الوطني.
ما بعد السلطة يمتلك العبادي حرية في اختيار تحالفاته، لكنه لم يزل متردداً في اختياراته ما بعد «الدعوة»، وهي إشكالية الفرد المُخلص لقناعاته، ولو على حساب مصالحه، كأنه المتمسك بماضيه الذي يرفض له أن يمضي.
3 تفاؤل عراقي رغم التركة الثقيلة
جورج منصور الحياة السعودية

يحسد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، احيانا، على تفاؤله وتبيان ثقته وقدرته على «إيجاد الحلول لجميع الازمات وبناء مستقبل افضل» وان «يعود العراق مركزا للحضارة وللعلم والمعرفة لإمتلاكه مقومات وخصائص النهوض»، وهو الذي اعلن عن دخوله في «منازلة كبيرة» مع الفساد، معتبرا ان: «الفساد عدو آخر لا يقل شراسة عن الارهاب وهدفه تخريب العراق وتبديد المال العام ومن واجبنا جميعا حكومة وشعبا واجهزة قضائية وامنية التصدي له وملاحقة المجرمين المطلوبين للعدالة وسارقي قوت الشعب».
ترى على ماذا يتكئ عادل عبد المهدي، ومن اين يستمد قوته وعزمه، وهو الذي لا يمتلك جهة او كتلة برلمانية داعمة. وقد عرقلت الصراعات والتنابز بين الكتل والاحزاب مهمته في استكمال التشكيلة الوزارية طيلة الاشهرالماضية، خاصة السيادية منها: الداخلية والدفاع والعدل؟ وهو الذي قال : «كانت لنا حرية اختيار ثمانية او تسعة وزراء، أما البقية فهي نتيجة اتفاقات سياسية». ويعني بالبقية 13- 14 وزارة.
يعتبر ملف الفساد من اكبر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، إذ ان هنالك 13 الف ملف فساد مكدس على رفوف «هيأة النزاهة» وفي اروقتها. الفساد الذي ادى الى خسائر مالية تقدر بنصف مليار دولار. وان تصريح وزير النفط العراقي ثامر الغضبان في «إن من قام بسرقة مصفى بيجي، اتصل بالوزارة لبيعها عليها من جديد» مؤكدا « ان وزاراته لا تستطيع توجيه التهم الى اي جهة، كون هذا الموضوع تم ابان مدة الحكومة السابقة» يشكل وجها حقيقيا للفساد المنفلت في عراق اليوم، ويؤكد على صعوبة التعامل معه او مواجهته عبرالقنوات الرسمية والقوانين المعمول بها في الدولة العراقية.
ان التركة الثقيلة التي توارثها عبد المهدي تعود الى ست عشرة سنة الماضية، وتتمثل بمديونية تقدرباكثر من 112 مليار دولار، وملفات كبيرة من فساد ينخر بجسد الدولة ومؤسساتها، اغلبه فساد النخب السياسية، وتنتشر ظاهرة الرشوة والبيروقراطية وتضخم الجهاز الحكومي والمحسوبية والمنسوبية، التي افرزتها، في الغالب الاعم، الاوضاع الاقتصادية والظروف المالية المتدهورة لموظفي الدولة على جميع المستويات والغبن الوظيفي الذي لحق بهم وقلة اجورهم، إضافة الى سوء الخدمات وتدمير البنية التحتية وكثرة المشاريع الوهمية وتدني مستوى التعليم وعدد هائل من الموظفين والتعيينات المنفلتة والفائضين والفضائيين الذين يثقلون كاهل موازنة الدولة بمرتباتهم ويضعفون من روح المبادرة ويشلون التناسق والتفاعل بين اجهزة الدولة.
وقد قدرت وزارة التخطيط عديدهم ب 3.5 مليون موظف يشكلون نسبة 40 في المئة من اجمالي القوى العاملة في العراق، ما يمثل ثلاثة اضعاف الحاجة الفعلية لهم في مؤسسات الدولة مجتمعة. في وقت يعيش 3 ملايين مواطن عراقي في تجمعات واحياء فقيرة ومساكن عشوائية. وكانت منظمة الشفافية الدولية قد عدت العراق، في تقريرها الصادر في عام 2009 من اكثر البلدان فسادا في العالم. كما جاء العراق خارج التصنيف السنوي في مجال الابتكارات، حسب تقرير وكالة بلومبيرغ حول اقتصادات دول العالم الصادر في 22 كانون الثاني 2019 ووضع مؤتمر دافوس العالمي، العراق خارج التصنيف من حيث جودة التعليم في 140 دولة في العالم.
لقد قدر عدد الراسبين من تلاميذ المرحلة الابتدائية لعام 2017- 2018 بما يقارب المليون تلميذ، ولم يلتحق اكثر من 131 الف تلميذ بالمدارس الابتدائية ولم يصل 47 في المئة منهم الى المرحلة الثانوية. وهم في دولة العراق الغنية، يفتقرون الى مدارس لائقة بهم ويداوم الكثيرون منهم في مدارس طينية او يفترش الارض في العراء. كما ان البعض منهم يقطع مسافات طويلة، مشيا على الاقدام، للوصول الى المدرسة في ظروف جوية غيرمناسبة.
في تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2017 احتل العراق موقع الصدارة من بين الدول الاكثر فسادا في العالم، وصنف في مؤخرة قائمة الدول العاملة لمكافحة الفساد. واعتبرت منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تقريرها الصادر في آب (اغسطس) 2017 ان 5.1 مليون طفل عراقي بحاجة الى مساعدات صحية ومعالجات. وكانت منظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة قد وصفت الوضع الصحي في العراق ب «السيئ ويزداد سوءا وانهيار بعض مؤسساته الصحية». هذا اضافة الى تآكل البنى التحتية ومشكلة الكهرباء المستعصية وتلوث البيئة
وانحسار الخدمات.
وكان فريق استقصائي من دائرة الوقاية التابعة لهيأة النزاهة قد كشف عن وجود مغالاة باحتساب الكلفة التخمينية لطبع 148عنوان كتاب مدرسي تصل الى 15 مليار دينار ورصد مخالفات في عقد شركة بريطانية بلغت قيمته اكثر من 23 مليون دولار امريكي، مؤكدا على ضرورة الوقوف على الاسباب الحقيقية التي تؤدي الى تغيير المناهج الدراسية بشكل مستمر.
ترى، هل سيتوفق عادل عبد المهدي في حل البعض من هذه الملفات العالقة والشائكة والمزمنة، خاصة في مجال محاربة الفساد ومعاقبة المفسدين واعادة العقارات المتجاوز عليها والتي تقدر باربعة الآف عقار، الى الدولة او الى اصحابها الحقيقيين، وتحسين الخدمات الاساسية والاوضاع المالية؟ أم سيصل غضب الشعب الى ذروته ويفور كالتنور؟.
ولن يبقى الشعب مأخوذا بتفاؤل رئيس حكومته وآماله العريضة في حل الازمات وبناء مستقبل افضل، ولن ينتظر ان تبدأ خطوة الالف ميل بخطوة، بل من الارجح ان يتعالى صوته مرددا ما ورد في القرآن الكريم: «والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء».
4 «صوفا»: الغاء عراقي أم اعادة توصيف؟
مشرق عباس
الحياة السعودية

المطالبات التي تتصاعد اخيراً في العراق بالغاء الاتفاق الامني بين العراق والولايات المتحدة (صوفا)، الذي دعم بتفاهم امني شامل ودائم في القسم الثالث من اتفاق الاطار الاستراتيجي الموقع عام 2008، تتخذ منحى سياسياً هذه الايام، وبدا لافتاً ان القوى الأكثر قرباً من ايران والتي طالبت بالتزامن مع زيارة ترامب المثيرة للجدل الى العراق، بالغاء الاتفاق، قد تراجعت خطوة لصالح تصدر التيار الصدري الممثل في البرلمان بكتلة «سائرون».
في العموم لم يتم طوال السنوات الماضية اجراء بحوث تفصيلية حول الاتفاق المذكور، ولا تقويم تطبيقاته العملية، وزاد الغموض بشأنه مع توزيع تفاصيله على اتفاق الانسحاب الاميركي من العراق الذي تم في 2011، وشمل نصوصاً الزمت واشنطن بالدفاع عن العراق في حال تعرضه الى تهديدات بطلب من الحكومة العراقية، والقسم الثالث من اتفاق الاطار الاستراتيجي الذي سمح بوجود قوات اميركية لاغراض التدريب والتأهيل والتسليح.
اسئلة عديدة طرحت منذ ذلك الحين حول نتائج التدريب الاميركي للقوات العراقية، وشروط التسليح للجيش، ومصير الاسلحة الاميركية، وامكانية التعامل مع دول اخرى للتسليح من دون ان تتضارب مع منظومة الاسلحة الاميركية، والقواعد العسكرية التي استمر الاميركيون في شغلها، حسم بعضها عام 2014 بتدخل القوات الاميركية المباشر في الحرب على «داعش» وتأسيس ما يعرف اليوم بـ «قيادة العمليات المشتركة» التي تشرف بشكل تفصيلي على كل العمليات ضد التنظيم، وتحول دورها بعد تحرير الموصل الى الحدود العراقية السورية، بل ونفذت عمليات قصف في الداخل السوري ضد معاقل «داعش».
وبالطبع اصر الاميركيون على ان الوجود العسكري لهم في عدد من القواعد خصوصاً في الانبار وصلاح الدين مقتصر على مهمات التدريب والتخطيط والمساعدة، حسب نصوص اتفاق الاطار الاستراتيجي، ولم يتم الحديث الا في حالات نادرة عن تحرك عسكري اميركي منفرد بمعزل عن القوات العراقية.
الغطاء الذي وفرته «قيادة العمليات المشتركة» كان مثالياً حتى بالنسبة للحكومة العراقية، التي كانت ومازالت تواجه ضغوطاً ايرانية مباشرة واتهامات حول توفيرها مبررات للوجود العسكري الاميركي، وبيئة الانتخابات الاخيرة ونتائجها مهدت بدورها ارضية لهذه الضغوط التي لم تعد تتعلق بمخاوف ايرانية من استخدام القواعد الاميركية لضرب ايران، بل تخص الوضع السوري ودلالات اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحاب من سورية، والموقف الاستراتيجي الايراني من مجمل الصراع في المنطقة.
زيارة ترامب الاخيرة الى قاعدة عسكرية اميركية في العراق، التي تمت في ظروف غير طبيعية، وصاحبتها تصريحات وصفت بانها «غير مدروسة» مثل التصريح بـ «بقاء القوات الاميركية في العراق»، مثلت احراجاً كبيراً للحكومة العراقية وفي الاقل القوى السياسية التي تطالب بتحقق التوازن في علاقات العراق مع واشنطن وطهران وعمقه العربي ومحيطه الاقليمي والدولي، وفسرت احياناً بان ترامب لم يقرأ جيداً بنود اتفاق الاطار الاستراتيجي واتفاق الانسحاب، ولم يتمعن طويلاً في الاليات التي قادت الى توقيعه من قبل الرئيس الاسبق جورج بوش. يمكن وصف الحديث عن امكانية الغاء الاتفاق العراقي الاميركي اليوم عبر قرار برلماني، بانه حديث سياسي بامتياز لم تسبقه استشارات عسكرية مهنية دقيقة، بصرف النظر عن استخدامه شعارات السيادة الوطنية، فالعراق مازال حسب تصريحات كبار قادته العسكريين يحتاج الى مساعدة «التحالف الدولي» لحماية امنه الهش، لكن تعاطي واشنطن مع الاتفاق يجب ان يرتبط ايضاً باعادة توصيف لطبيعة نصوصه وتوقيتاته الزمنية وآليات عمله، وهذا مايمكن ان يحصل فعلاً في مفاوضات صريحة تعيد تعريف وتدقيق الاتفاق بما يغلق نقاط الجدل فيه.
ان القياس الدقيق للمصالح العراقية العليا، لايجب ان يكون منفصلاً عن مخاطر الصراع في المنطقة وتداعياته، وتوقيتات طرح قضية مفصلية كموضوع الاتفاق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لايجب ان يكون مقترناً بمتغيرات وصراعات سياسية داخلية، وبالطبع يجب ان لايقترن باعتبارات طرف اقليمي، كما لايمكن ان يترك لاجتهادات وانفعالات مهما كانت حسنة النية، بل يجب ان يخضع اولاً لمقياس ستراتيجي شامل، بما يضمن حلولاً آمنة، نفترض انها اليوم تتعلق باعادة توصيف الاتفاق وازالة اللبس من نصوصه الامنية، في مقابل تفعيل النقاط المعطلة فيه في المجالات الاقتصادية والسياسية واعادة الاعمار.