1 إيران ضد التاريخ افتتاحية الرياض السعودية
التاريخ لا يكرر نفسه بالضرورة، لكن ثمة حتميات ونواميس تخولنا قراءة حركته، والتنبؤ بمآلاته، وفي هذا الصدد يبدو مصير «الثورة الإيرانية»، ونظام الحكم الثيوقراطي القائم فيها، عينة مثالية لتطبيق دروس التاريخ وعبره، فقلما توفرت عوامل أفول وانهيار في نظام ما كما توفرت في حالة النظام الإيراني، فإلى العوامل الداخلية المعلومة، وصلت مغامراته الخارجية إلى طريق مسدود، وبات لطموحاته التوسعية كلفة دولية لم يعد بوسع أحد تحملها أو الدفاع عنها، حتى أقرب الحلفاء، وفي جولة على خريطة التدخل الإيراني في المنطقة، تظهر ملامح تقهقر مشروع الملالي، ففي اليمن غدت ميليشيا الحوثي في أوهن حالاتها، وأسقط اتفاق ستوكهولم ورقة التوت التي استترت خلفها زمناً، وزالت الغشاوة عن المجتمع الدولي ليراها على حقيقتها، حركة إرهابية انقلابية، لا تؤمن بأي مبادئ ديموقراطية أو إنسانية، ولا تعير أي قيمة للسلام، وفي العراق تصاعدت حالة التذمر الشعبي من التغول الإيراني، وتوسع نفوذ طهران في السياسة العراقية، وشكلت تظاهرات الجنوب رسالة واضحة لإيران، بأن العراقيين لن يساوموا على عروبة بلدهم، وأن هذه العلاقة الاستتباعية لا يمكن أن تدوم فهي ضد المنطق وضد حقائق التاريخ ومسلماته.
أما في سورية التي كان نظام خامنئي يعدها الاستثمار الأبرز ضمن مشروعاته التوسعية بالمنطقة، فقد أصبح الوجود الإيراني ورقة مساومة بين الفاعلين الدوليين، وحتى الحليف الروسي بات يبدي تذمراً من حؤول النفوذ الإيراني دون الوصول إلى تسوية نهائية للأزمة المعقدة، بمعنى أن الوجود الإيراني أصبح بمثابة حمل ثقيل على حلفائه، وجاءت الغارات الإسرائيلية العنيفة ضد المواقع الإيرانية في سورية أخيراً لتذكر خامنئي بأن طموحاته لثبيت النفوذ الإيراني في سورية محض وهم تكذبه وقائع الأرض وحسابات السياسة.
عودة للتاريخ ودروسه، تنبئنا سيرورة الأمم والأنظمة أن المبالغة في التوسع والطموحات الخارجية تضع أول صدع في معمار النظام التوسعي، خصوصاً إذا كان هذا التوسع لا تبرره أي موازين للقوة، ولا تؤيده حقائق التاريخ والديموغرافيا، فإذا أضفنا إلى ذلك بداية تصدع مشروع الملالي داخلياً، وتصاعد الغضب الشعبي ضد النظام الحاكم، يبدو من اليسير التنبؤ بمآل ثورة اندلعت باسم الحرية ثم انقلبت لتضحى ألد أعدائها.
2 الساعات الأولى لحرب العام 1991 وليد الزبيدي الوطن العمانية
حتى مساء السادس عشر من كانون الثاني من العام 1991 سيطر الشك على الغالبية العظمى من العراقيين بخصوص جدّية الولايات المتحدة في شنّ الحرب ضد العراق، واستند أصحاب هذه القناعة إلى عدة أمور ومعطيات في مقدمتها المظاهرات الواسعة التي تجتاح العالم في تلك الأيام احتجاجا على قرع طبول الحرب، وفي تلك الأيام كان “وهم الديمقراطية” يهيمن على الكثير من العقول، معتقدين أن الغرب تحكمه الديمقراطية المطلقة، وأن أي قرار سياسي أو حربي سيخضع لإرادة الشارع، وأن الأصوات التي تزخر فيها ساحات عواصم العالم بالمتظاهرين الرافضين للحرب ستردع البيت الأبيض وتمنعه من شن الحرب المدمرة، ومن بين القناعات الأخرى السائدة في الشارع العرقي، أن اتفاقا بين بغداد وواشنطن سيتم إبرامه في الساعات الأخيرة ينسحب العراق بموجبه من الكويت ويتجنب العراق والمنطقة حربا مدمرة ومؤذية، وثمة من اعتقد أن العراق يمتلك أسلحة مدمرة قادرة على ردع الولايات المتحدة، وآخرون راهنوا على قصف محدود يفضي إلى اتفاق تتوقف الحرب بموجبه.
لكن مساء ذلك اليوم، أعلنت الولايات المتحدة عن بدء شرارة الحرب الأولى، وأذكر أنني كنت برفقة الشاعر والإعلامي المعروف الصديق مؤيد الشيباني في بغداد، وقالت إذاعة “صوت أميركا” في خبرها الأول في الساعة السابعة مساء، أن وزارة الدفاع (البنتاجون) قد بدأت التشويش على الرادارات العراقية، في خطوة تمهيدية لبدء القصف الجوي والصاروخي الواسع الذي يتم تحديده في تلك الليلة، وربما لم يسمع بذلك الكثيرون أو على أقل تقدير لم يعيروه الأهمية التي تستحق، لكن ذلك الخبر كان بمثابة “إعلان الحرب”، وفعلا تصاعدت لهجة (البنتاجون) حتى دوت الانفجارات في بغداد في تمام الساعة الثانية والنصف قبيل الفجر.
عرف العراقيون ببدء الحرب من خلال سماعهم للانفجارات العنيفة وأصوات الطائرات التي توجه قنابها المدمرة، أما الجانب الحكومي فقد التزم الصمت التام، بالنسبة للتلفزيون فقد انتهى بثه قبل أكثر من ساعة من بدء القصف أي بحدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كما انتهى البث الإذاعي، في تلك الساعات واصلت التنقل بين الإذاعات العالمية وبالنسبة لإذاعة بغداد فبقي حالها كما هو عليه، وفي الخامسة والنصف صباحا تم افتتاحها تقليديا بقراءة من المصحف الكريم، وفي نشرة السادسة صباحا لم يأتِ ذكر الحرب، وكما أذكر فقد كان الخبر الأول من تونس. وقبيل الساعة الثامنة ألقى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كلمة معلنا بدء العدوان على العراق.
وكان اليوم الأول من حرب طويلة ما زالت متواصلة ضد العراق.