مركز الفكر العربي يقيم ندوة عن السياسة الخارجية الأمريكية وتحديات الطاقة والبيئة والتنمية

اقام مركز الفكر العربي ندوة شارك في الحوار والنقاش نخبة من الاكاديميين والمختصين

وتحدث فيها الدكتور غازي فيصل المستشار في المركز العراقي للدؤاسات الاستراتنيجية

وقال الدكتور غازي فيصل يؤكد هنري كيسنجر، بأن للبعد الأخلاقي والقيمي دوراً اساسياً في تكوين التقاليد القومية، فقيم “العدل والكرامة الإنسانية والمساواة”، تنعكس على السياسة الخارجية الأمريكية، لتأخذ أبعاداً كونية عبر انتشارها في إطار العلاقات الدولية.

استنتاجات وتصورات هنري كيسنجر، تعكس إدراكه، بأن التحدي الذي يواجه الغرب، ليس بفعل قصور في قدراته الذاتية، بل بسبب ألعجز ألكامن في تصوراته السياسية عن العالم، لذا يؤكد هنري كيسنجر: أن أمريكا لاتستطيع بناء السلام الدولي إلا من خلال مساعدة الدول النامية لتحقيق التطور والتحديث في العالم الثالث، خصوصاً في البلدان الآسيوية والإفريقية.

تنطلق وجهة النظر الأمريكية، من الإدعاء بإتباع سياسة واقعية في الشؤون الدولية، تنادي بالإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والإيمان بجدلية الصراع بين ثنائية الخير والشر على صعيد العلاقات بين الدول، أو في داخل المجتمعات. وتطرح واشنطن العديد من الأفكار على صعيد القيم والمُثل: كحقوق الانسان؛ الديمقراطية؛ العدالة؛ الحريات الدينية.

لكن السياسة الأمريكية تطبق في الواقع، سياسات تتناقض مع هذه المبادئ، وتتبع إستراتيجيات للمحافظة على المصالح الذاتية في علاقاتها مع الدول النامية في مختلف القارات، كما ترتكب عبر الحروب ألتي تشنها على الدول والأمم انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.

لذا، توصف السياسة الخارجية الأمريكية، بأنها سياسة عدمية لأنها لاتتعامل بموضوعية مع حقائق ومُشكلات الحياة الدولية ولاتهتم بالفروق الثقافية بين المجتمعات، بل تنطلق من مجموعة من التصورات والافتراضات، ألتي ترى في النموذج الأمريكي نموذجاً للخير، تدور في فلكه مجموعة الدول الصناعية الكبرى والرأسماليات الطرفية في الدول الغنية بالموارد الطبيعية، التابعة للمركز الرأسمالي، إضافة للدول النفطية.

إن تقسيم العالم، وفق إطار الصراع بين ثنائية الخير والشر دفع الولايات المتحدة الأمريكية، لاستخدام القوة في العلاقات الدولية، تحت ذريعة: حق الدفاع الذاتي المشروع عن النفس، وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

بريجنيسكي، طرح تصوراً آخراً، لتقسيم العالم إلى ثلاث مجالات حيوية:

الأول: يضم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والإتحاد الأوربي؛
الثاني: يشتمل على اليابان والشرق الأقصى؛
الثالث: يتكون من الشرق الأوسط والخليج العربي، بوصفه المجال الحيوي لأمن الطاقة للعالم الصناعي.

لذا، يدعو بريجينسكي، إلى العمل لتوفير الشروط الملائمة للاستقرار في المجال الثالث، لأن المجالات الثلاث مترابطة، من خلال العلاقات التبادليةInterdependences ، أي أن أمن كل مجال مرتبط بأمن المجالين الآخرين، لذا لايمكن تجزئة الوفاق الدولي.

لقد حاول الرئيس الأمريكي جورج بوش، بعد انهيار النظم الشيوعية، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 23 أكتوبر 1990، طرح أفكاره لبناء نظام دولي جديد، يقوم على الاعتراف بتعدد الثقافات والمصالح والقوى.

مما يوجب على الدول، المُشاركة الجماعية في صيانة الأمن والسلم الدوليين، عبر الاحترام المتبادل بين الجميع، والعمل على تجنب الحروب والأزمات، واعتماد الأمم المتحدة أداةً لإحلال السلام وحل المنازعات، كما دعا الرئيس جورج بوش إلى: نشر الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.

ومن الملاحظ ، أن الرئيس جورج بوش ذكر عبارة “النظام الدولي الجديد” 347 مرة خلال خطبه وأحاديثه ، من 1990 حتى مارس 1991، بعدها لم يذكر التعبير سوى ثلاث مرات. لأن ألواقع يُشير لعدم وجود نظام عالمي وفق ألمقاييس ألتي طرحت في مفهوم جورج بوش.

“لأننا في عصر، وفق تصور محمد حسنين هيكل، توزعت فيه مراكز القوة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية” لذا “فأن القرن الواحد والعشرين يصعب أن يكون له ضابطا واحداً .. كما لم يعرف التاريخ نظاماً لإدارة العالم يومياً”.
مما لاشك فيه، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من تحديات بالغة التعقيد، مما يفقدها القدرة والمرونة في التحكم بجميع المجالات الحيوية في العالم. لذا، اقترح ريتشارد نيكسون، في كتابه “نصر بلا حرب”، نقطتان على الإدارة الأمريكية، لكي يكون القرن الواحد والعشرون، قرناً أمريكياً:

الأولى، استعادة الولايات ألمتحدة الأمريكية لقدرتها على الردع الإستراتيجي، من خلال دعم وجودها العسكري في الخليج العربي وعبر دمج مجالات القوى الجديدة: أوربا اليابان الصين في تحالف واسع تحت قيادة الولايات المتحدة؛

الثانية، تشجيع العالم الثالث لتبني اقتصاد السوق والانفتاح أمام الشركات المتعددة الجنسية، خصوصاً بعد الإعلان عن قيام “منظمة التجارة العالمية الحرة”، التي ستؤمن أرباحاً للدول الصناعية تقدر ب 200 مليار دولار سنوياً، يقابلها خسارة العالم الثالث ماقيمته 2.6 مليار دولار سنوياً، ومنذ عام 1985 أدى التوجه الليبرالي للتجارة العالمية، إلى خسارة الدول الإفريقية ماقيمته 270 مليار دولار.

ولغرض تحقيق الأهداف الأمريكية، يفترض تحويل الشرق الأوسط إلى مجال حيوي تابع للسيطرة الأمريكية، عسكرياً واقتصادياُ وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، والعمل على منع الدول النامية من الحصول على تكنولوجية عسكرية نووية، وضمان بقاء أوربا حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة، لحماية مصالح الدول الصناعية الكبرى في حال اندلاع الأزمات والحروب.

لقد واجهت اطروحات ريتشارد نيكسون، تحديات وعقبات عديدة على الصعيد الداخلي، بسبب: ارتفاع حجم الديون الأمريكية من 850 مليار دولار عام 1980 إلى 4 تريليون عام 1990، ووصل الدين الداخلي 12 تريليون دولار عام 2010، كما ارتفعت كلفة الحرب على العراق من 200 مليار دولار الى 3 تريليون دولار.

من المؤكد أن الرأسمالية الأمريكية ماتزال تمتلك ركائز للقوة، على صعيد العلاقات الدولية:

 تتمثل بالتفوق التكنولوجي والعلمي والاقتصادي

 إضافة للتحكم بأدوات الاتصال والمعلومات والإعلام

 كما استطاعت تطوير قدراتها العسكرية

 خصوصاً في مجال الحرب الإليكترونية والأسلحة النووية التكتيكية

 تطوير المنظومات الدفاعية الإقليمية لمنظمة حلف الأطلسي

 تأسيس القيادة العسكرية الأمريكية في القارة الأفريقية

 التحالف الإستراتيجي مع إسرائيل

 للتحكم في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي. ومنذ نهاية عصر الحرب ألباردة لم تظهر قوة دولية منافسة للولايات المتحدة الأمريكية

لكن توحيد العالم عن طريق وحدة السوق التجارية، كما يرى سمير أمين: لن يؤدي إلى إحلال السلام والأمن الدولي، بل سيدفع إلى التوسع في استخدام القوة العسكرية، للتدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب، مما يؤسس لعصر الهيمنة الإمبريالية ألذي يتسم بعدم الاستقرار “عصر الفوضى الخلاقة”.

تصورات السياسة الأمريكية للتوازن في الشرق الأوسط

الشرق الأوسط وفق السياسة الأمريكية، يتكون من مجموعة دول تعاني من مشاكل عديدة بفعل الحروب الإقليمية، إلى جانب التهديدات الداخلية، الناشئة بسبب التعارض بين القيم التقليدية ألتي تطورت إلى ظهور تيارات وحركات إسلامية متطرفة ترفض قيم التحديث والعصرنة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وهذا، مايعرض أهم منطقة نفطية في العالم لمخاطر عدم الاستقرار وتهديد أمن الدول الصناعية الكبرى.

انطلاقا من الوضع المركب والمعقد للشرق الأوسط، اعتقد زبيغنو بريجنيسكي: باحتمال قيام “هلال إسلامي” يمتد من مغرب العالم العربي حتى مشرقه، ثم يتجه عبر إيران وباكستان وتركيا نحو دول آسيا الوسطى حتى حدود الصين. وسيجمع كتلة الدول الإسلامية: الإحساس المُشترك برفض قيم الغرب وثقافته، والتطلع نحو المُستقبل.

بناء عليه، حذر زبيغنو بريجنيسكي، الولايات المتحدة الأمريكية من التدخل في شئون الدول الإسلامية، لأنها تفتقد للتلاحم أو التوافق السياسي والاقتصادي. إن واقع عدم التوافق بين الأنظمة السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، سيدفع دول المنطقة للبحث عن نموذج، يجمع بين ألقيم العصرية للإسلام ومتطلبات الحداثة والتطور، بما ينسجم مع الثورة التكنولوجية الثالثة.

الشرق الأوسط الذي يحتل قلب العالم الإسلامي، تحول إلى منطقة جذب إستراتيجية للدول الصناعية ألرأسمالية، فهو يوفر خلال السلم أو اندلاع الحرب، تدفق البترول والغاز والمواد الأولية،