8 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 الفخ العراقي بين إيران والولايات المتحدة
فاروق يوسف العرب بريطانيا

الأميركيون جادون هذه المرة. حربهم المقبلة ستعصف بإيران. ما يفعله الإيرانيون للتعامل مع ما يجري من حولهم يؤكد ذلك، غير أنهم لا يملكون ما يقدمونه من أجل تفادي وقوع تلك الحرب.
التنازلات المطلوبة من إيران هي أكبر من قدرتها. فالمطلوب أن يغيّر نظام آيات الله سياساته. ولكن من غير تلك السياسات لا يبقى شيء من ذلك النظام الذي ربط مصيره بمشروعه التوسعي. هذا معناه أن يغير النظام نفسه.
هناك نوع معقد من الاشتباك لا يمكن فكه إلا عن طريق قوة خارجية.
فإيران وفق وصف نظامها ليست دولة مكتفية بذاتها. وهو ما يكشف عنه الاسم الرسمي لها. فالجمهورية الإسلامية في إيران، وهو الاسم المعتمد، تعني شيئا مختلفا عن ذلك الشيء الذي تعنيه جمهورية إيران الإسلامية.
إيران في هذه الحالة ليست سوى جزء من الجمهورية الإسلامية المتخيلة.
سيكون من الصعب والحالة هذه أن تتخلّى إيران عن مشروعها. فذلك يعني أنها ستتخلّى عن نفسها. وهو ما لا يمكن تخيل وقوعه.
الولايات المتحدة تعرف ذلك جيدا. فالنظام الإيراني ليس غريبا عليها. لقد مرت علاقاتها به عبر الأربعين سنة الماضية بمستويات مختلفة، سلبا وإيجابا.
وإذا ما كان الإيرانيون قد اطمئنوا إلى الولايات المتحدة من خلال الاتفاق النووي الذي تم إبرامه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وكان ذلك الاطمئنان نوعا من الهدنة المؤقتة، فإنهم عادوا إلى تشنجهم الطبيعي حين قرر الرئيس الحالي، دونالد ترامب، الانسحاب من ذلك الاتفاق، وهو ما أعاد الإيرانيين إلى حاضنة النظام في ظل شعاره الدائم “الموت لأميركا”.
ولكن أميركا التي يتمنى الإيرانيون الموت لها ستكون قريبة. ستكون أقرب إليهم من العراق الذي اعتقدوا أنه صار جزءا من إمبراطوريتهم.
لا أظن أن الجوار الأميركي سيكون مفاجأة لإيران، إلا إذا كان نظام آيات الله يستغبي نفسه مثلما يستغبي الآخرين.
فالولايات المتحدة لم تحتلَّ العراق لكي تقدمه لإيران لقمة سائغة.
لا أقصد هنا أن العراق كان فخا نصبته الولايات المتحدة من أجل الإيقاع بإيران. ما حدث أن إيران بسبب جنونها العقائدي صنعت من العراق فخا، تخيلت أنها من خلاله يمكنها اصطياد عدوّها.
العراق اليوم هو معسكر إيراني، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على ذلك المعسكر؟
من المؤكد أن الولايات المتحدة لا تراهن على تحييد عدد من تلك الميليشيات العراقية الموالية لإيران والتابعة لحرسها الثوري. كما أنها في الوقت نفسه لا تخطط لضربها. المطلوب أن تبحث تلك الميليشيات عن ملاذ آمن في حمى الصراع الذي صار واقعا محتملا كما لم يكن من قبل.
وكما أتوقع فإن هناك خيارا ثالثا أمام تلك الميليشيات. فهل ستنجو بنفسها مكتفية بالعراق الذي صار مُلكا لها؟
ما يجري على الأرض ليس في صالح الميليشيات التي تحاول أن ترسّخ أسس دولتها على حساب مشروع الدولة العراقية الذي لا تزال ملامحه غامضة.
ليس واردا أن تتخلّى تلك الميليشيات عن إيران، ولكنها قد تلجأ بدفع من إيران إلى التنحي جانبا في انتظار أن تمر العاصفة.
لا تريد إيران أن تخسر العراق. ذلك ما سيجعلها تدفع بميليشياتها إلى تحاشي التماس مع القوات الأميركية. لأن حرب أميركا على إيران إن بدأت في العراق فإن إيران ستخسر رصيدا تراهن عليه في المستقبل.
ستحاول إيران من خلال أتباعها في العراق تأجيل الحرب عن طريق إحراج الحكومة العراقية عبر مطالبة أولئك الأتباع بعدم استقبال القوات الأميركية، غير أن تلك المحاولة لن يكون لها سوى أثر عصفور إن أطلقت الولايات المتحدة صقورها في الجو.
2 في بيتنا ظريف
كافي علي
العرب بريطانيا

قمة هلسنكي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلادمير بوتين آتت أُكُلها بعد موافقة ترامب على إنهاء التواجد العسكري الأميركي في سوريا. أما التزامن بين زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ونظيره الإيراني جواد ظريف إلى بغداد، فيعدُّ أولى بوادر الحل للخلاف الروسي – الأميركي حول الملف الإيراني.
الرسالة غير الودية التي حملها مايك بومبيو إلى بغداد تضمنت قائمة بشروط أميركية تفرض على الحكومة العراقية الجديدة الخروج من فلك السياسة الإيرانية في المنطقة، أما زيارة ظريف فكانت لمناقشة تلك الشروط مع قادة الكتل والأحزاب الموالية لإيران، بالإضافة إلى إيجاد صيغ دبلوماسية جديدة تضمن استمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية الإيرانية على العراق بعد حل الفصائل المسلحة التابعة لها، وإقصاء رجالها من العملية السياسية.
لم تبدأ زيارة ظريف والوفد السياسي والاقتصادي المرافق له بمدينة النجف ولقاء السيد السيستاني كما حدث بعد إبرام الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، لكنها بدأت بلقاء رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم. عكس اللقاء وطبيعة الحوار موقف إيران من مرجعية النجف الرافضة لسياستها وتبنيها لخطاب يحرض الشارع العراقي على رجالها في السلطة. قال ظريف مخاطبا الحكيم “أنتم من أسرة ولدت من رحم الشعب العراقي وكل من يتصدى للمسؤولية يتعرض لما تعرضتم له من تشويه مهين، ونحن نعتبركم كلمة العراق وعمقه الإستراتيجي”. حوار فيه إشارة غير مباشرة إلى مرجعية السيد السيستاني الأعجمية وتشكيك في أهلية كلمتها على شيعة العراق.
منذ الاحتلال الأميركي وبيت الحكيم يتولى مهمة تنسيق العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، ولعل تغريدة عمار الحكيم بعد لقائه بظريف تشير إلى موافقة إيران على تنفيذ الشروط الأميركية.
طالب عمار الحكيم من خلال تغريدة له على تويتر بواجب إكمال تشكيل الحكومة ولزوم استبدال بعض وزرائها، كذلك طالب بضرورة تفكيك الدولة العميقة. ربما الغاية من مطالب الحكيم تبدو واضحة أكثر إذا أخذنا بعين الاعتبار خبر تسليم واشنطن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي قائمة بالفصائل الشيعية المسلحة التي يجب حلها. وبالعودة إلى قمة هلسنكي وتأكيد الرئيس الروسي على موقف بلاده المبدئي من إيران، وقلقها من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، نرى أن روسيا قد تمكنت من إقناع إيران بتنفيذ الشروط الأميركية بانسحابها العسكري من سوريا ورفع يدها عن العراق.
عوّدتنا الأحداث وتداعياتها بأن الشأن العراقي ليس ضمن مسؤوليات السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية، بل هو من صلب اهتمامات المرشد الأعلى وفيلق القدس، ولعل جولة ظريف في العراق من شماله إلى جنوبه، ولقاءه بزعماء الكتل والأحزاب السياسية بل وحتى زعماء القبائل والمؤسسات الدينية، يؤكدان أن إيران قررت أن تنحني أمام العاصفة لتجنب ضربة أميركية باتت وشيكة بعد انسحاب القوات الأميركية من سوريا وتمركزها في قاعدة عين الأسد في الأنبار.
3 زيارة ظريف.. الاستثمار في بقايا العراق
حامد الكيلاني العرب بريطانيا

يمكن توصيف زيارة محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني للعراق بكونها زيارة تفقدية لرعاياه من أحزاب وقوى سياسية واقتصادية وقوى أخرى مسلحة للاطمئنان على واقع العلاقات بين أطراف العملية السياسية، وللوقوف على آخر مستجدات تواجد القوات الأميركية وأطروحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في جولته الأخيرة، وخاصة ما يتعلق منها بالدعوة إلى حضور مؤتمر بولندا وما قد يسفر عنه من تشكيل تحالف دولي لا يبتعد كثيراً عن التحالف الدولي للحرب على تنظيم داعش.
الحرب على الإرهاب قائمة رغم انحسار نفوذ تنظيم داعش في العراق وسوريا، ذلك لأن مصدر الإرهاب وقوته المركزية يكمنان عملياً في النظام الإيراني بتمدد ميليشياته في الشرق الأوسط وبعمليات إرهابية على مساحات متناثرة من العالم، وهي عمليات ذات طبيعة استهداف مسبق لشخصيات وجماعات أو لأهداف عقائدية بتجنيد المرتزقة، إضافة إلى توفير مصادر تمويل بتجارة المخدرات وغسيل الأموال.
زار ظريف العراق الغني بالنفط والثروات الطبيعية وفرص الاستثمار الواسعة في مختلف الأصعدة، وفي المقدمة منها إعمار المدن المدمرة بالإرهاب أو بالفساد وانفلات السلاح وهيمنته على مصادر القرار، لذلك اختتم لقاءاته التجارية والاقتصادية بقمة جمعته بقادة ميليشيات الحشد الشعبي في مفارقة تلخص لنا رؤية نظام ولاية الفقيه للسلطة في العراق وتحديداً مفاتيح الفكر الاستثماري والتنموي والراعي لمرحلة البناء والإعمار والإصلاح في العراق.
يخاطب وزير الخارجية الإيراني قادة الحشد بكلمة “يجب”، وهي كلمة يحذر منها الإعلاميون والصحافيون عند تداولها لأن فيها لهجة آمرة تصدر عادة من القادة لمن هم في إمرتهم لتنفيذ القرارات والمضي في أداء مهماتهم بحذافير ما يوجه إليهم. و”يجب” هنا استخدمها ظريف لإعطاء الفرص الأكبر في إعمار العراق إلى الشركات الإيرانية التي “ينبغي” تفضيلها على الشركات الأوروبية والأميركية، ويعلل ذلك بقلة النفقات الأمنية لأن الشركات الإيرانية، وبصريح العبارة وبثقة متناهية، لا تحتاج إلى من يحميها من الإرهاب، ثم استدرك، بوجود قوات الحشد الشعبي.
ظريف تحدث إلى قادة الميليشيات باللغة الفارسية، وأملى عليهم تعليمات ولاية الفقيه في تسخير الموارد العامة لتخفيض آثار العقوبات بزيادة التبادل التجاري، والحقيقة زيادة استيراد المنتجات الصناعية والزراعية الإيرانية والتي يشتكي منها العراقيون لعدم جودتها أو لتزوير تاريخ انتهاء صلاحيتها، وهي مشاكل مزمنة تشهد عليها المنافذ الحدودية والأسواق وجموع المستهلكين، ولتلك الحقائق شجون وخسائر في الثروات وفي أرواح الأبرياء.
يخاطب ظريف الولايات المتحدة من خلال قادة الميليشيات “ستمضون ونبقى لأننا أهل الأرض”، وهنا كيف لنا أن نقول إننا لا ندري عن أية أرض يتحدث، فالعراق بالنسبة إليه انتهى أمر الجدل فيه وبعائديته، حتى أنه يتعاطى مع تلك العبارة بشغف الإعلانات الأميركية التمويل في الترويج لفكرة تحرير العراق وليس احتلاله.
أي إنه ينتحل صفة المواطن العراقي والمقاومة أيضاً، متناسياً تماماً أن الاحتلال الأميركي جاء بمن يجتمع بهم من قادة الميليشيات إلى ساحة العراق، وسمح لنظامه بأن يتولى السلطة في العراق عندما دفع بالأحزاب الطائفية إلى سدة الحكم وكتابة الدستور وإقامة نظام برلماني ديمقراطي خاص بالعراق يشرع القوانين لحماية سلاح الميليشيات ودولة الميليشيات التي أنجزت الإبادة والتطهير العرقي ومهدت لاجتياح تنظيم الدولة للمدن المطلوبة مذهبياً على لائحة ولاية الفقيه، ولتمويل التنظيم كذلك.
اختتم ظريف لقاءاته الاقتصادية بقمة جمعته بقادة ميليشيات الحشد الشعبي في مفارقة تلخص رؤية نظام ولاية الفقيه للسلطة في العراق وتحديدا مفاتيح الفكر الاستثماري والتنموي والراعي لمرحلة البناء والإعمار والإصلاح في العراق
التخوف في معظم التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية أو الإعلامية من صراع بين الولايات المتحدة وإيران في العراق، في الكثير منه غير مبرر، فكلا الطرفين تخادما قبل وبعد الاحتلال في التهيئة للمحاصصة الطائفية والسياسية في نظام الحكم، بما صدر عن سلطة الاحتلال من قرارات الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، وكلاهما استفرد بالعراقيين قتلا وتنكيلاً واعتقالا، وتقاسما مهمة الميليشيات واستهتارها بحياة المواطنين في الشوارع والمدن.
الصراع المتصاعد يندرج تحت تبويب التجاذبات السياسية بين إدارة البيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب ونظام الملالي في طهران، بما تشير إليه التصريحات الإيرانية من المرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري والرئيس حسن روحاني إلى ابتسامة وزير خارجيته التي تذكرنا بمستوى حرب التغريدات الخارجة عن المألوف بين الرئيس ترامب وما يقابلها من تشنجات لاستعراض القوى أو لغة الحرب الصادمة، وكيف انتهت بعد رعب المواجهة النووية إلى السقوط في حب الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، على حد تعبير الرئيس الأميركي.
الصراع من زاوية نظر الوزير ظريف والقيادة الإيرانية لا يتعدى كونه صراعا مع الرئيس ترامب رجل الأعمال، الذي يرفع شعار “أميركا أولا” و”بزنس أولاً”، بصفته بياع كلام من الطراز الأول أيضا، وهو رئيس قد يذهب بعيداً في التهديد بالعقوبات والانسحاب من الاتفاقيات، لكنه لا يريد أن يخسر جندياً أميركياً واحدا في حروب يراها عبثية ومكلفة والتزامه فيها تفرضه الولايات المتحدة كقوة عظمى، وهذا ما تأكد بقراره شبه المفاجئ بسحب القوات الأميركية من سوريا وبصدمته من مقتل عدد من جنوده في التفجير الانتحاري في مدينة منبج.
النظام الإيراني يرى في الأرض العراقية، بما فيها الوجود الأميركي، مصدراً للمناورة لتخفيف العقوبات وابتزاز العراقيين والعالم، فقرابة 40 مليون عراقي يمثلون للنظام سوقاً استهلاكية نموذجية في ظل حرب معلنة على الإنتاج الصناعي والزراعي والحيواني المحلي في العراق، مع وجود أذرع محلية تحمل أعباء السياسة والسلاح بما تؤدي من واجبات في مواجهة تكاليف التصعيد ضد القوات الأميركية والبعثات الدبلوماسية أو بالاستعجال في تشريع قانون برلماني يطلب العراق فيه انسحاب القوات الأجنبية من أراضيه لإدخال الإدارة الأميركية في مأزق مع حكومة العراق بصفتها حكومة منتخبة وذات نظام ديمقراطي وتحظى بالدعم الأميركي طبعاً.
عند هذه النقطة تكون إيران خارج اللعبة، وأي مواجهة وإن حصلت فلن تكون إلا مع ميليشيات بغطاء حكومي وتحت إمرة رئيس وزراء العراق ومدعومة من فتوى المرجعية، لذا فإن خطوة الإدارة الأميركية في تشكيل تحالف دولي تبدو منطقية للإجابة على وجهة النظر الإيرانية تمهيداً للحظة لقاء ممكنة ولا تبدو مستحيلة، لحظة يتمنى النظام الإيراني الوصول إليها، رغم كل تاريخه وصادراته، دون حادث عرضي قد يجرح كبرياء الدولة العظمى.
انتهت زيارة وزير الخارجية الإيراني بتجربة استبدال 50 عاملا إيرانيا بالعمال العراقيين في مصفى السماوة، وتحديدا في محافظة المثنى الأكثر فقراً بين محافظات العراق، في تجربة إيرانية بمثابة استطلاع أو استقصاء ميداني، لا ترى في العراق سوى ما ينطبق على القرش الأبيض في يوم مشروعها الأسود.
4 العراق يبقى الجائزة الكبرى
خيرالله خيرالله
العرب بريطانيا

هناك جائزة كبرى تسعى إيران إلى الاستحواذ عليها نهائيا. هذه الجائزة اسمها العراق. هل مسموح في نهاية المطاف أن تسيطر إيران على العراق وأن تعتبره جرما يدور في فلكها محققة ما عجزت عنه في مرحلة ما بعد انتصار سقوط الشاه وقيام “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979 بقيادة آية الله الخميني؟
لم يكن لدى الخميني وقتذاك من حلم سوى السيطرة على العراق الذي فاجأ الإيرانيين بسنتّه وشيعته عندما استطاع تحقيق شبه انتصار في حرب استمرت بين 1980 و1988 وقف فيها شيعة الجنوب العراقي، خصوصا، سدّا أمام التمدّد الإيراني.
تمثّل سيطرة إيران على العراق، بعد العام 2003، التحوّل الأبرز الذي طرأ على التوازن في الإقليم كلّه. أي على المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي مرورا بمنطقة الهلال الخصيب الذي تريد إيران استخدامه لربط طهران بالبحر المتوسط، أي ببيروت.
لم يكن لهذا التحوّل أن يتحقّق لولا الولايات المتحدة التي قرّرت في عهد بوش الابن التخلّص من النظام العراقي عبر حرب شاملة على العراق. خرج من هذه الحرب منتصر واحد هو إيران التي اعتبرت أن مشروعها التوسّعي في المنطقة صار قابلا للتحقيق في ظلّ العلاقة الوثيقة التي أقامتها مع النظام السوري ذي الطبيعة الأقلّوية، وهي علاقة وجدت ترجمة لها في لبنان حيث جرى التخلّص من رفيق الحريري بصفة كونه انتقل من مرحلة الزعيم السنّي اللبناني إلى مرحلة الشخصية العربية القادرة على إيجاد مكان لها بين كبار هذا العالم.
في الإمكان، على هامش ما يجري في العراق، الخوض طويلا في موضوع عنوانه ما يدور في لبنان الذي تبيّن أنّه بات عاجزا في السنة 2019 عن تشكيل حكومة، علما أنّ الانتخابات النيابية فيه أجريت قبل ما يزيد على ثمانية أشهر. يتبيّن يوميا أن الحكومة اللبنانية رهينة لدى إيران، بل إن البلد كلّه صار في الأسر الإيراني.
لا يدلّ على مدى تدهور الوضع في لبنان أكثر من هزالة القمة العربية الاقتصادية التي تستضيفها بيروت. لم يسبق لأي قمّة عربية من أيّ نوع أن واجهت الصعوبات التي تواجهها قمّة بيروت حيث وجد من يعترض على مشاركة ليبيا التي تخلّصت من معمّر القذافي، في حين استضاف في العام 2002 قمّة عربية حضرها ممثل شخصي للقذافي!
المطلوب، في ما يبدو، تحويل لبنان كلّه إلى مهزلة لا أكثر. لا شكّ أن إيران نجحت في ذلك إلى حدّ كبير. نجحت خصوصا في عزل لبنان عن محيطه العربي وعن أهل الخليج تحديدا. لم يعد ينقص سوى اليوم الذي تتمكن فيه إيران من نسف اتفاق الطائف من جذوره وإحلال اتفاق آخر مكانه يجعل منها بطريقة شرعية السلطة الفعلية في لبنان.
تخوض إيران حاليا معركة كسر عظم مع الولايات المتحدة في العراق. هذا ما يفسّر إلى حد كبير ذلك الإصرار على التحكّم بمفاصل السلطة في العراق والانتهاء من أيّ وجود عربي فيه. أن يقوم العاهل الأردني عبدالله الثاني بزيارة سريعة لبغداد أمر أكثر من ضروري. تسمح مثل هذه الزيارة التي ترافقت مع تلك التي قام بها للعراق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بمعرفة هل لا يزال هناك مجال لترميم الجسور بين بغداد والعواصم العربية؟
عاد عبدالله الثاني إلى عمّان في اليوم ذاته، في حين بقي ظريف على رأس وفد كبير في العراق حيث تصرّف كأنّه صاحب البيت في حين كان المسؤولون العراقيون الذين استقبلوه أشبه بالضيوف.
هناك مشروع إيراني واضح بالنسبة إلى العراق. تنوي إيران بكلّ بساطة نقل تجربة “الحرس الثوري” إلى العراق كي تكون في يدها أداة تتحكّم بواسطتها بالبلد. هذا ما يفسّر ذلك الإصرار على أن يكون فالح الفيّاض وزيرا للداخلية بصفة كونه رمزا لتكريس شرعية “الحشد الشعبي” بكلّ ما يمثله من حكم للميليشيات المذهبية للعراق وامتداد لـ”الحرس الثوري” الإيراني.
حرص وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على زيارة بغداد خلال جولته الأخيرة في المنطقة. لم يكد وزير الخارجية الأميركي، الذي يعتبر من صقور إدارة دونالد ترامب، يغادر العاصمة العراقية حتّى علت أصوات تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق.
هناك جوقة إيرانية في العراق، تضمّ ميليشيات مذهبية تنادي بكلّ ما تطالب به إيران. معظم أفراد هذه الجوقة عادوا إلى بغداد من طهران على ظهر دبابة أميركية. يمثّل هؤلاء رأس الحربة في جعل الحكومة العراقية تدار من بغداد وتحويل العراق مجرّد مستعمرة تستخدم في إطار التحايل على العقوبات الأميركية على إيران.
كانت أميركا في أساس الانطلاقة الجديدة للمشروع التوسّعي الإيراني. كانت هذه الانطلاقة من العراق وليس من مكان آخر. كلّف العراق الخزينة الأميركية عشرات مليارات الدولارات. ظهر بوضوح أن أميركا لا تعرف شيئا عن العراق ولا عن الأطماع الإيرانية في العراق. كانت تبشّر بعراق ديمقراطي يكون نموذجا للدول الأخرى في المنطقة. استطاعت إيران إخراجها شيئا فشيئا من العراق بعدما قرّر باراك أوباما أن يكون حليفا لها ودخل معها في صفقات كان من أهمّها على الإطلاق تولّي نوري المالكي موقع رئيس الوزراء بعد انتخابات العام 2010 وسحب القوات الأميركية من العراق في الوقت ذاته.
امتلكت الولايات المتحدة في الأصل الموارد الكفيلة بإنجاح مشروعها العراقي إلى أن ظهر أنّ هذا المشروع مبني على أوهام وأفكار ساذجة أكثر من أيّ شيء آخر.
في المقابل، امتلكت إيران ما يكفي من الدهاء لجعل المشروع الأميركي في مصلحتها وصولا إلى مرحلة استطاعت فيها تجيير ثروات العراق وجعلها تصبّ في إطار أوسع هو مشروعها التوسّعي الذي يغطي الإقليم كلّه.
الفارق بين إيران وأميركا أن إيران لا تمتلك الموارد الأميركية لكنهّا تمتلك أدواتها العراقية فضلا، في طبيعة الحال، عن المعرفة بأدق التفاصيل الداخلية في بلد تعرف تماما أن معظم الشيعة فيه لديهم انتماء وطني للعراق مطلوب الانتهاء منه بكلّ الوسائل المتاحة.
هل لا يزال لدى الولايات المتحدة ما تراهن عليه في العراق؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، لكن ما قد يخدمها في الجولة الجديدة التي تخوضها مع إيران الوضع الداخلي في إيران حيث أن النظام فشل بعد أربعين سنة على قيامه في توفير أي نوع من الحياة الأفضل للإيرانيين التائقين، في معظمهم، إلى العودة إلى ثقافة الحياة في ظلّ حنين إلى ما كانت عليه إيران أيام الشاه بحسناته الكثيرة ومساوئه التي توازي هذه الحسنات.
5 حلف بومبيو العربي ضد طهران عبدالرحمن الراشد الايام البحرينية
مثل رياضة قفز الحواجز، جال مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، المنطقة يحاول تخطي العقبات المتزايدة وعينه على هدفه الأخير وهو مواجهة إيران. عقبات مثل الأكراد، والأتراك، والسوريين، حكومةً وفصائل، والإسرائيليين، والعراقيين، والسعوديين، والقطريين، وغادر قبل أن يكمل القائمة.
كيف تمكن محاصرة إيران، وهي حجر الرحى في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، من دون إخراجها من سوريا، وإضعاف نفوذها في العراق، وتحديها في لبنان، واستخدام سلاح الجو الإسرائيلي للضغط عليها، ومنع تركيا من الانفتاح عليها، والأخذ على يد قطر عندما تمد يد التعاون إليها، وإقناع السعودية بإنتاج المزيد من البترول لسد حاجة العالم من دون بترول إيران؟
هذه مهام الوزير بومبيو، والحق أنه أبلى بلاءً حسناً رغم التناقضات والاعتراضات وحتى تقلُّب قرارات رئيسه في البيت الأبيض. لقد أنجز بومبيو مشروعاً كبيراً في ظروف صعبة، وهذا ما يُغضب النظام في طهران. وما يزيد من غضبه المؤتمر الكبير الذي يقوم بومبيو بالدعوة إليه ليُعقد في بولندا منتصف الشهر المقبل. هدفه بناء تحالف دولي ضخم ضد إيران والضغط عليها بإشراك أكثر من سبعين حكومة. لقد كانت الحكومة الإيرانية واثقة بأن الجهود الأمريكية مصيرها الفشل، لأن كل شركاء واشنطن تقريباً رفضوا الانضمام إليها في إعادة العقوبات، واعتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن واشنطن صارت وحيدة ومعزولة في التعامل مع إيران.
جهود بومبيو تكاد تصل إلى مرحلة غير مسبوقة في ترتيباتها ضد إيران التي عليها أن تقلق كثيراً. وقد وجدت الحكومات الأوروبية نفسها في موقف محرج الشهرين الماضيين مع ظهور المزيد من التفاصيل عن عمليات إيرانية قتلت معارضين اثنين، وتم إجهاض هجوم في طور الإعداد من ترتيب المخابرات الإيرانية ضد المعارضة الإيرانية في فرنسا كان يمكن لو نجح أن يتسبب في مذبحة كبيرة. لم تفلح المهادنة الأوروبية مع النظام الإيراني، ولا تبريرات بروكسل في استمرارها في تطبيق الاتفاق النووي مع إيران. النظام في طهران لم يتغير، لا يزال نظاماً شريراً خطيراً على العالم لا على السعوديين والبحرينيين والسوريين واليمنيين فقط.
لهذا، الاحتمالات كبيرة في نجاح مؤتمر بولندا المخصص للتدارس العالمي في كيفية مواجهة طهران، الأحداث الأخيرة في أوروبا وفي سوريا والعراق واليمن غيّرت من قناعات الكثيرين وتقلص عدد المدافعين عنها.
التحدي أمام الوزير بومبيو أنه يريد أن يبني حلفاً قوياً ضد إيران، من دول مجلس التعاون الخليجي الست مع مصر والأردن، ويريد في الوقت نفسه تنقية الأجواء المسمومة في المنطقة. وهذه عملية شبه مستحيلة كما نرى. لهذا عليه أن يفكر فيها بطريقة مختلفة، ثنائية أو جماعية أخرى.

6 العراق… الفرهود الاكبر!
جورج منصور الحياة السعودية

لا ادري لماذ استخدمت تسمية «فرهود» وتداولها الناس في العراق، لوصف احداث السلب والنهب والعنف وانتزاع الملكية التي تعرض لها اليهود العراقيون ببغداد في الاول من حزيران 1941 بعد الفوضى التي اعقبت سقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني، قبل ان تتمكن القوات البريطانية من السيطرة على العاصمة؟ إذ ليس في معاجم اللغة العربية مرادفا لها يعني ذلك. وكلمة فرهود (الجمع: فراهيد) تعني: ولد الوعل او ولد الاسد او الحادر الغليظ او ما شابه.
بدأت ملامح الفرهود الاكبر في العراق بعد عام 2003 عندما قامت مجاميع مسلحة بالتنسيق مع موظفين في دوائر التسجيل العقاري بالاستيلاء على عقارات وممتلكات ومنازل واراضي المواطنين.
ولم تقتصرعمليات السلب والنهب والنصب والاحتيال، على المجاميع المسلحة، بل ان مسؤولين في الدولة ومتنفذين في الساحة السياسية ومليشيات سائبة اظهرت خبرة ودراية كبيرة في عمليات الفساد المشرعن بالتجاوز والاستيلاء على عقارات العراقيين، ومنهم المهاجرين والمغتربين، وعلى ممتلكات رموز اللنظام السابق واركانه، شملت العمارات والمرافق الحكومية والبنايات التابعة للدولة، من خلال استغلال بعض القرارات الحكومية لجهة تسجيل ملكيتها، او استخدام وثائق مزورة في عمليات البيع والشراء وتغيير الملكية.
لقد اجبرت عائلات مسيحية على السفر الى خارج العراق وترك وطنها الاصلي، بعد ان تعرض المسيحيون الى سلسلة من الاستهدافات، حيث تم اتهامهم بالعمالة للمحتل الاميركي وفجرت كنائسهم. وكان القتل على الهوية نصيبهم، في عمليات اغتيالات استهدفتهم في وضح النهار، ما زرع الخوف والرعب في نفوسهم.
كما تعرضوا الى تهديدات وابتزازات وعمليات ترهيب للحيلولة دون رفع الشكاوى الى الجهات المختصة لإسترداد ممتلكاتهم، أو لإجبارهم على بيع منازلهم وعقاراتهم وبساتينهم واراضيهم باسعار بخسة، خاصة اللاجئين منهم او المهاجرين بعد حملات الارهاب الذي طالهم والاستهداف المقصود ضدهم في بغداد والموصل. وحسب مصدر رفيع في البطريركية الكلدانية ببغداد لكاتب المقال، ان هناك 40 قضية استيلاء على ملكية مسيحيين رفعها اصحابها الى الكنيسة من اجل متابعتها مع المسؤولين، واكثر من 350 عملية مناقلة بيع مزورة.
ان العديد من عمليات الاستحواذ على املاك المسيحيين حصل من جهات سياسية متنفذة، احيانا بعلم الحكومة، وان الاجراءات القضائية للحد من الفرهود المنظم خجولة لا ترقى الى مستوى الجريمة.
ولم تتخذ اجراءات صارمة بحق المتهمين او المتلاعبين بسندات الملكية. بينما تصدر، بين فينة واخرى، تصريحات من جهات حكومية وتطلق وعودا باتخاذ اجراءات صارمة بحق المتجاوزين، لكنها تبقى حبرا على ورق.
في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 اعلنت هيئة النزاهة استعادة ملكية عقار بمدينة الكاظمية استولى عليه مسؤول في الحكومة وسجله بإسم زوجته: “ان المتابعة المستمرة اسفرت عن اصدار محكمة إستئناف بغداد الكرح الاتتحادية قرارا بإعادة ملكية العقار البالغ مساحته 12.642 متر مربع من زوجة مسؤول كبير في الحكومة السابقة، وإعادة تسجيله بإسم أمانة بغداد بالمساحة نفسها”.
وعلى رغم ان المادة 23 من الدستور العراقي تؤكد على ان الملكية الخاصة مصونة لجميع العراقيين، وان فتاوى صدرت من المراجع الدينية حول تحريم الاستيلاء على اموال وممتلكات المسيحيين، وان مجلس القضاء الاعلى قد سن بعد عام 2003 قانون هيئة دعاوى الملكية رقم 13 لسنة 2010 لضمان حقوق المواطنين الذين انتزعت منهم عقاراتهم بصورة غير شرعية مؤكدا ان “العقارات المشمولة بالقانون تلك التي تم مصادرتها او المحجوزة او انتزعت ملكيتها لاسباب عرقية او دينية او خلافا للاجراءات القانونية”.
بيد ان الجهات الحكومية لم تكن قادرة بالفعل على حماية ممتلكاتهم. وقد ادت الفوضى السياسية والوضع الامني غير المستقر في الاعوام الماضية الى اختلاق ذرائع وافتعال حرائق في دوائر الطابو، لجهة إخفاء الوثائق الصحيحة وتزوير المستمسكات الثبوتية الخاصة بملكية الافراد وتحويلها باسماء آخرين، خاصة في المناطق التي يتركز فيها الوجود المسيحي مثل كرادة مريم وبغداد الجديدة والجادرية والمنصور والحارثية وعقد النصارى وكمب سارة. وكانت أمانة بغداد اعلنت عن انشاء 300 منطقة في بغداد لوحدها بشكل غير قانوني من خلال التجاوز على اراضي الحكومة والمواطنين، وقدرت عدد ساكنيها بنحو مليونين ونصف مليون شخص.
كما قدرت قيمة عقارات الدولة التي استحوذ عليها الساسة المتنفذون في محيط المنطقة الخضراء وحدها، بنحو 150 بليون دينار. وقد استحوذ العديد من المسؤولين واعضاء في مجلس النواب على ممتلكات تعود الى ضباط كبار في الجيش العراقي السابق او اقاربهم، عبر تغيير سندات الملكية او الشراء بمبالغ رمزية.
7 «داعش» مرشّح لملء فراغ اميركا في سورية! سليم نصار الحياة السعودية

زار المنطقة قبل أسبوعين وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو بهدف تصحيح الخطأ الذي ارتكبه الرئيس دونالد ترامب بإعلانه سحب القوات الاميركية من سورية.
وكانت استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس بمثابة اعتراض علني أطلقه الوزير بإسم القيادة العليا التي تجاهلها الرئيس. لذلك اعتُبِرت عملية الترميم التي كلف وزير خارجيته بضرورة تنفيذها معالجة سريعة حرصاً على استمرار الدور الاميركي في سورية.
وكما باشر الرئيس السابق باراك اوباما إطلالته على العالم العربي والإسلامي عبر جامعة القاهرة منتصف 2009، هكذا فعل بومبيو الذي قلد تلك الإطلالة وإنما من فوق منبر الجامعة الاميركية .
ومن أجل إرضاء رئيسه في البيت الأبيض، كان لا بد للوزير بومبيو من انتقاد السياسة الخارجية التي مارسها الرئيس السابق باراك اوباما حيال سورية. وذكّر بالتراجع المفاجئ الذي اتخذه اوباما عقب استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيماوية المحرّمة ضد معارضيه. كذلك لمّح الى فشل كل التعهدات التي رددها اوباما بحضور الرئيس السابق حسني مبارك وشيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي. وجاء في مقدم تلك التعهدات حرصه على جعل القضية الفلسطينية بين أولويات القضايا التي سيطرحها مع الزعماء العرب. وخصّ في كلمته مدينة القدس التي وصفها بأنها مدينة التعايش بين أبناء ابراهيم، مؤكداً العمل الدؤوب لتحقيق «مبادرة السلام العربية.»
هذه المبادرة طرحها العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية التي عقدت في بيروت. وكانت تتلخص بالدعوة الى انسحاب اسرائيلي شامل من الأراضي المحتلة وتطبيق قرارات الأمم التحدة، في مقابل التطبيع الشامل بين العرب واسرائيل.
وخصّ بومبيو في اتهاماته القاسية الرئيس الديموقراطي السابق لأسباب أخرى تتعلق بالاتفاق النووي المبرم بين ايران من جهة والدول الخمس الكبرى والمانيا من جهة أخرى سنة 2015. وقال إن الرئيس ترامب ينتظر الآثار السلبية التي أحدثها قراره بإلغاء ذلك الاتفاق.
وفي نهاية جولته لم يحسم بومبيو مسألة المدة التي يمكن أن تبقي اميركا قواتها في سورية. وإنما ربط كل ذلك بقدرة الدول الخليجية على صدّ الزحف الايراني، وعلى نتائج الخلافات المحتدمة بين الأتراك والأكراد فوق الأراضي السورية.
من جهة أخرى، أعلن جون بولتون مستشار الأمن القومي أن انسحاب القوة الاميركية نهائياً من سورية مشروط بتعهد الرئيس رجب طيب اردوغان عدم الاعتداء على «حلفائنا الأكراد.» وكانت الادارة الاميركية تتطلع الى استرضاء حليفين مهمين لتحقيق أهدافها: تركيا، العضو في الحلف الأطلسي، وكل ما يمثله الجدار الواقي من زحف لاجئي المنطقة الى اوروبا. إضافة الى أحزاب الأكراد الذين ساهموا تحت غطاء القوات الاميركية في حرب اقتلاع نظام «داعش» من العراق وسورية.
قادة الحزب الديموقراطي الاميركي تساءلوا في الكونغرس عمّا إذا كان ألفا جندي سيقلبون التوازنات ضد ايران وتركيا ونظام بشار الأسد، أم أن مساعدة روسيا على إضعاف النفوذ الايراني في سورية كانت وراء تلك الخطوة المرتجلة. وعليه يرى العسكريون الذين يمثلهم وزير الدفاع المستقيل جيمس ماتيس، أن تركيا ستتقدم لملء الفراغ الذي سيحدث بانسحاب الاميركيين تساندها بالطبع الغالبية السنيّة الموزعة على مختلف المدن والقرى السورية. ومثل هذا الإنقلاب الداخلي سيفتح الباب أمام اندلاع حرب جديدة بين نظام الأسد والقوى الخارجية التي تؤيد من جهة نظام اردوغان المصرّ على احتلال شريط عرضه 30 كلم داخل سورية يعينه على إبعاد الميليشيات الكردية. ومن المؤكد أن تغيير مواقع القوى الخارجية المرابطة في سورية بغرض حماية النظام، ستجد نفسها غارقة في مستنقع حرب جديدة. ويتوقع المراقبون أن تكون حرب السنوات الثماني الماضية في سورية مجرد نزهة، إذا ما قيست أحداثها بما تحمله الأيام المقبلة.
وسط هذا الجو المتوتر، أعلن مستشار الأمن القومي بولتون أن قرار الانسحاب المفاجئ الذي تحدث عنه الرئيس ترامب مرتبط بتعهد أنقرة ألا تعادي الأكراد لأنهم حلفاء اميركا في الماضي والحاضر. وعلى الفور ردّ عليه الرئيس اردوغان بلهجة قاسية محذراً من استخدام أسلوب السياسة المشروطة، ومن معاملة تركيا كما تعامل واشنطن دول العالم الثالث.
وبدلاً من استعمال أسلوب مهدئ مع اردوغان، سارع ترامب الى تهديد الرئيس التركي بشنّ حرب اقتصادية شبيهة بحربه على ايران، وقد جاءت هذه المقارنة للتدليل على قناعة الرئيس الاميركي بأن حركة التغيير في ايران لا تأتي إلا من الداخل، تماماً مثلما وصفها أثناء حكم الشاه مستشار الأمن القومي آنذاك زبغنيو بريجينسكي. لذلك لجأ ترامب الى أسلوب الحصار الاقتصادي على أمل زعزعة أسس النظام الديني الذي يتعب الغرب في كل مكان تقريباً.
ويستمد الحزب الاميركي الجمهوري هذه النظرية من مهندس متاعب العالم وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر. وأفضل مثل على تطبيق نظرية إرساء الاستقرار عن طريق زعزعته كان في انقلاب تشيلي الذي نفذه الدكتاتور الجنرال اوغستو بينوشيه ضد المنتخب بالغالبية سلفادور الليندي.
والملفت أن المعاملة السيئة التي قابلت بها واشنطن خدمات القوات الكردية (البيشمركة)، لم تكن في حساب رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني. ذلك أنه أثناء إعلان الأخير نتائج الاستفتاء للمطالبة باستقلال الإقليم عن العراق، تصدت له واشنطن بعنف وانضمت الى قائمة الدول المعارضة. والسبب الذي تذرعت به الولايات المتحدة في حينه، كان يتمثل في مخاوف عدة دول اوروبية أربكت وحدتها حركات انفصالية تدعو الى الاستقلال عن الدولة الأم في مناطق وأقاليم عدة بينها: كتالونيا والباسك (اسبانيا)، واسكتلندا (المملكة المتحدة)، واقليما لومبارديا وفينيتو (شمال ايطاليا)، واقليم الفلاندرز (بلجيكا)، وجزيرة كورسيكا (فرنسا)…
لهذا السبب تذرعت واشنطن بالقلق الاوروبي من ولادة «دويلة» كردية مستقلة متاخمة لتركيا وايران وسورية والعراق «المنقوص.»
خلال مرحلة بالغة الخطورة أثار قرار الإنسحاب المفاجئ من سورية على لسان الرئيس ترامب، سلسلة من الأسئلة المحيرة طرحتها عملية خروج وزير الدفاع جيمس ماتيس من الإدارة. وكان من المنطقي أن تثار مثل هذه الأسئلة، خصوصاً أن ماتيس كان أعلن قبل مدة أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها العسكرية من سورية. وبرر ذلك بالقول: «لقد تعلمنا درساً من العراق، لأن الانسحاب المبكر قبل وجود حكومة شرعية ومستقرة قد يدفع البلاد الى الفوضى واللاإستقرار، الأمر الذي يمكـِّن جماعات أصولية متطرفة من استغلال الوضع لبناء موطئ قدم، تماماً مثلما حصل سنة 2013 عندما نجح «داعش» في استغلال انسحاب القوات الاميركية من العراق لإعلان خلافته من الموصل.
وجّه «معهد هوفر» في جامعة ستانفورد الاميركية سؤالاً الى وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون يتعلق بسياسة الولايات المتحدة حيال سورية. واعترف الوزير، بعد هزيمة «داعش»، بأن المطلوب من بلاده العمل على إزالة كل تهديد محتمل قد تمثله كل من «داعش» و»القاعدة» على الأرض الاميركية. ونبّه الوزير السابق الى ظهور هذين التنظيمين الإرهابيين تحت مسميات أخرى.
واختار لعملية الحل الصحيح القيام بخطوات سياسية بقيادة الأمم المتحدة حسب قرار مجلس الأمن الرقم 2254 بحيث يؤدي الى سورية موحدة، مستقرة ومستقلة تحت قيادة جديدة تخلف بشار الأسد.
ودعا تيلرسون يومها الى ضرورة إقصاء نفوذ ايران عن سورية، ومنعها من تشكيل قوس الشمال الذي يربط سورية بالعراق ولبنان. ومثل هذا التغيير يمكن أن يخلق في رأيه الظروف المناسبة من أجل عودة اللاجئين والنازحين في شكل طوعي الى سورية الموحدة.
وعندما سئل عن دور القواعد الروسية في الحل المقترح، قال إن الدور الروسي في سورية دور موقت ينتهي بانتهاء مهمته العسكرية. بينما تحاول ايران أن يكون وجودها الدائم جزءاً من حل المشاكل العالقة في لبنان والعراق واليمن وغزة.
يوم الأربعاء الماضي إثر إعلان الرئيس دونالد ترامب عن سحب قواته من سورية، لأن مهمتها قد انتهت بالقضاء على تنظيم «داعش»… فاجأه «التنظيم» بتفجير في أحد مطاعم منبج قضى على أربعة جنود اميركيين من أصل 19، مع إعلان يؤكد استمرار وجوده في سورية والعراق وعدة أماكن أخرى.
وتباينت وجهات النظر داخل الولايات المتحدة بالنسبة الى الخيارات المطروحة بعد هذا التحدي السافر: هل يعود ترامب عن قرار الانسحاب بهدف إثبات موقف يحتاج الى مراجعة… أم أنه يسقط من حسابه كل اهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، مع المحافظة على أمن اسرائيل فقط؟!
وكل ما فعله «داعش» من وراء حضوره الدموي هو التذكير بأنه أعاد اندماجه مع «القاعدة»، وأن التنظيمين يعيدان حالياً تجميع صفوفهما في سورية والعراق استعداداً لشن حرب استنزاف مرهقة قد لا يسلم لبنان من تداعياتها…
8 حلف وارسو معكوساً
مصطفى زين الحياة السعودية

طمأنت الولايات المتحدة حلفاءها في الشرق الأوسط إلى أن سحب قواتها من سورية لا يعني تركهم وحيدين في مواجهة إيران وروسيا. أوضح ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو خلال جولته التي شملت تسع دول في المنطقة، ودعا زعماءها إلى جانب “دزينة زعماء” من أوروبا وإفريقيا وآسيا إلى مؤتمر يعقد في وارسو الشهر المقبل لمناقشة التصدي لإيران واحتوائها و”قطع اذرعها”، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان. ولم ينس تكرار الكليشه المعروفة عن إحلال السلام والأمن والإستقرار الذي تزعزعه طهران وحلفاؤها.
التحالف ضد إيران ليس بالأمر الجديد. منذ إطاحة الشاه والإدارات الأميركية المتعاقبة تحاول ذلك وترتكب حماقات. دعمت العراق في حرب الثماني سنوات ثم تخلت عنه وبدأت عملية “الإحتواء المزدوج”، لكنها فشلت في إخضاع بغداد وطهران معاً، ثم كانت الحماقة الكبرى التي ارتكبها بوش الإبن عام 2003 عندما شن “هجوماً توراتياً” على العراق وأتى بالمعارضة المقيمة في طهران وسلمها السلطة، فاتحاً كل الأبواب أمام نفوذها الذي تمدد إلى سورية ولبنان. وأصبحت تشكل خطراً على إسرائيل فاستنفرت كل الجهود لتشكيل تحالف جديد للدفاع عن الحليف الأول في الشرق الأوسط.
أرسل البيت الأبيض، بالتزامن مع جولة بومبيو، نائبه للشؤون السياسية ديفيد هيل ومستشار الأمن القومي جون بولتون. كان هيل واضحاً جداً في بيروت، فبعد لقائه رئيس الوزراء سعد الحريري، أعلن شروطه لدعم “الحلفاء اللبنانيين”، منها أن تكون بيروت جزءاً من “تحالف وارسو” الذي تسعى واشنطن إلى تشكيله، وإبعاد “حزب الله” من أي تشكيلة حكومية جديدة فالـ “المجتمع الدولي يراقب عن كثب” التشكيلة الجديدة التي طال انتظارها أكثر من سبعة شهور. وقد أتت تصريحاته لتؤكد من جديد أن استقلالية القرار اللبناني مجرد نكتة سمجة يرددها بعض الذين يستغبون اللبنانيين.
أما بولتون فكانت مهمته طمأنة إسرائيل إلى أن الإنسحاب من سورية لا يعني التخلي عنها أو التراجع عن التحالف التاريخي الاستراتيجي معها، كما سعى لطمأنة الأكراد إلى أن واشنطن ما زالت إلى جانبهم حتى لو غضبت تركيا، ما استدعى تدارك البيت الأبيض غضب أنقرة والتنسيق معها لإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية لدرء الخطر الكردي.
لكن أردوغان الذي اقتنع بهذا العرض ما زال يتطلع إلى روسيا ليكون شريكها في رسم مستقبل سورية، فالولايات المتحدة مهما أكدت أنها فاعلة في هذا البلد ليس لها وجود عسكري يعتد به، أما تأثيرها السياسي فتراجع إلى الصفر بعد تخليها عن المعارضة وحصر دعمها بالأكراد.
تدرك أميركا أن إيران ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، فقد دخلت روسيا بكل قوتها العسكرية والديبلوماسية إلى جانبها، من دون أن ننسى الصين وهي ظهير قوي لهذا التحالف. وإذا كان التصدي لموسكو في سورية غير ممكن عسكرياً فأقل ما يمكن فعله هو تشكيل حلف وارسو معكوساً قرب حدودها. فالحلف القديم، ايام الحرب الباردة، كانت تتحكم فيه موسكو، وكان معادلاً للحلف الأطلسي. أما الجديد فسيكون مكوناً اساساً من دول أوروبا الشرقية (دول الإتحاد السوفياتي السابق) الموالية كلياً لواشنطن وتربطها علاقات وثيقة مع إسرائيل. وسيضم التحالف دول الشرق الأوسط التي لا تخفي عزمها على التصدي لإيران ونفوذها في المنطقة.