1 بغداد ياقلعة الأسود أنت في خطر مخالب واشنطن وتل ابيب تنهش جسد العراق
بسام ابو شريف
راي اليوم بريطانيا
قالها عمر البشير بصراحة: “يريدون مني أن أطبع مع اسرائيل حتى تنتهي الاحتجاجات!!” ونقول: الاحتجاج حق من حقوق الشعب العربي في السودان، وهو حق انساني ثمين لكن ماجرى ويجري شبيه بخطة واشنطن الاولى التي جربت في مصر، وانتهت عندما قررت واشنطن تغيير أحصنتها واختارت الوهابيين وحلفائهم حلفاء لها وألقت بالاخوان المسلمين جانبا، ليس لأن الاخوان المسلمين يدعون الى الجهاد لتحرير أولى القبلتين أو تحرير بيت المقدس أو تحرير فلسطين، بل لأن الوهابيين يسيطرون على ثروات أكبر تخدم اسرائيل واميركا أكثر مما يخدمهم الاخوان المسلمون.
أنشأت واشنطن والرياض داعش لتكون أداتهم في السيطرة على العراق وسوريا، وجاءت بضباط أصدقاء لواشنطن منذ ان كانوا “يتدربون”، في الولايات المتحدة وأمرت الجزيرة والخليج بدفع مبالغ تافهة رشوة لهؤلاء الضباط الذين يلعبون دور المضلل والمخادع ليبتعد شعب مصر البطل عن قضاياه الوطنية والقومية، وليحصر تفكيره في اقتناء سيارة وشراء ماكدونالد والتبضع من ماركس اند سبنسر “الصهيوني”، هؤلاء الضباط يلعبون دورا خيانيا خطيرا، فهم يعممون الاستعمار الثقافي حتى يتحول شعب مصر العظيم الى كم من اللاهثين وراء الدولار، وما يمكن أن يشتريه الدولار من بضائع صدرها المستعمرون واسرائيل لأسواق مصر.
رغيف الشعب “رغيف جمال عبدالناصر موضة قديمة”، لأن الاستعمار الثقافي يوحي في عقول الناس هناك أن “كرواسان أفضل من الفطير المشلتت”، لكن هذا لن ينجح فشعب مصر كالنيل هادئ الا عندما يفيض، واذا فاض فهو النيل يصرخ أهل فلسطين ” فاض بحر النيل … فاض”، و”هذه حقيقة وليست اختراعا”، طالما سمعت من عمتي “رحمها الله”، هذا التعبير لتعني ثورة على الظلم.
السودان تحت المطرقة لأن السودان يكمل سواحل البحر الأحمر التي تخضع لهيمنة اسرائيل وواشنطن، فقد باع “ضباط العلكة الاميركية”، مضائق تيران التي أغلقها جمال عبدالناصر قبل حرب 1967، وانبرى الدكتور فايز صايغ من على منبر الأمم المتحدة يثبت أن مضائق تيران هي بالكامل هي مياه اقليمية مصرية، وكان الدكتور فايز صايغ استاذا في الجامعة الاميركية في بيروت عندما طلب منه اعداد الدراسة القانونية السياسية والتوجه للأمم المتحدة لالغائها .
وقام فريق منا ” نحن الطلبة “، بالمساعدة في جمع المصادر والمراجع القانونية والسياسية ليستخدمها الدكتور فايز – كان الأمر عاجلا – مضائق تيران وضعتها السعودية تحت تصرف اسرائيل، وبذلك تتحكم اسرائيل كليا بخليج العقبة الذي كان عربيا خالصا قبل أن يبيع حاكم عربي ” ام الرشراش “، التي حولتها اسرائيل لميناء ايلات العسكري وسيطرت على موقع قدم في ذلك الخليج العربي ” مصر والاردن والسعودية “، وعن مضيق تيران بقي مفتاح ذلك الخليج تحمله مصر الى أن باع السيسي المضيق لاسرائيل عبر الوهابيين، وافتتح طريق دولي وجسر ومعمل ماكدونالد، وخفض دعم الدولة للمحروقات والخبز !!! .
الحرب على اليمن تستهدف تطويع اليمن للتطبيع والاعتراف باسرائيل، وكان الرئيس علي عبدالله صالح قد أسر بهذه الضغوط للرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي أطلق بعدها شعاره المشهور فلسطين هي الشطر الثالث من اليمن دولة موحدة، محور البحر الأحمر الذي يحده جنوبا باب المندب هو محور طريق النفط وهدف الولايات المتحدة من حربها على اليمن التي تشنها دول تحالف الوهابيين واسرائيل واميركا هو السيطرة الكلية على السواحل المطلة على البحر الأحمر، وتقف السودان واليمن حتى الآن عقبة كأداء في وجه المخطط .
لكن الجبهة الاخرى الأكثر أهمية بالنسبة لاسترتيجية اسرائيل وواشنطن هي جبهة لبنان – سوريا – العراق – ايران ( وهم يعتبرون أن الموضوع المركزي أي فلسطين في طريقه للسحق عندما تكتمل مخططاتهم تنفيذا على هذه الجبهة، وهم يسمون هذه المخططات صفقة العصر وسماها شمعون بيريس شرق أوسط جديد )، لابد أن نختصر هنا لنصل الى الحلقة المركزية : فشلت مخططات اميركا واسرائيل وحلفائهم في تحطيم سوريا بدعم روسي ايراني ومحور المقاومة، لكن معركة سوريا لم تنته .
على ضوء هزائم داعش التي خلقتها واشنطن وتل ابيب والرياض لأداء مهمة تحطيم سوريا والعراق واقامة دولة اسلامية تتحالف مع الرياض وتل ابيب وواشنطن، على ضوء ذلك غيرت الادارة الاميركية من تكتيكها الذي كان يركز على اقامة قاعدة قوية في سوريا بدعم اسرائيلي، والانقضاض مرة اخرى على العراق للمواجهة الكبرى مع ايران .
والآن تقوم الخطة الاميركية على :
1- اشعال سوريا بحروب داخلية وخارجية لاتؤثر على القوات الاميركية والحليفة وعلى تحضيراتها لمهاجمة ايران.
2- نقل الثقل العسكري الاميركي للعراق “ومنها القوات المنسحبة من سوريا”، وتوسيع القواعد الاميركية وربط تك القواعد بالبرازاني وقواته، والذي يشكل جسرا لاسرائيل بدلا من القواعد الاميركية مباشرة.
3- التحضير يتضمن ابقاء الخلافات وعدم تشكيل الحكومة خاصة عدم تعيين وزير دفاع غير خاضع أو تابع لاميركا وغير موافقعلى الاعتراف باسرائيل، وذلك لخلق حالة من اللاوزن والانشغال الذي يتيح (لبعض القيادات التي ارتبطت ماليا وسياسيا مع CIA،على القيام بما طلب منها من “بدء اتصالات عراقية اسرائيلية”)، لخلق جدل وشجار سيغذي زرع الفكر وان كان بطريقة سلبية لكنها زراعة قد تؤدي الى تغييب ” حسب تقديرات بومبيو السي آي ايه الذي يلبس الآن “قاط ورباط”، ولم يلجأ الاميركيون للبرازاني لأن علاقاته مع اسرائيل مكشوفة ولن يشكل خبر لقاء كردي برازاني مع اسرائيليين أي مفاجأة .
شن حملة من العمليات الارهابية تعيد الفوضى، وتسمح للعملاء بأن يخدموا مخطط ضرب ايران، ورصدت الولايات المتحدة أموالا طائلة لرشوة كوادر في الأحزاب لرفع شعارات ” الاستقلال عن ايران “، ووضع حد للتدخل الايراني … الخ .
ما أريد أن أصل اليه استنادا لهذه المعلومات والتحليل أن التصدي لما تخططه اسرائيل والولايات المتحدة لايتم ب” الكلام “، أو ب” التهديد “، بل بالعمل وهنالك أعمال نضالية يمكن أن تنفذ لتكون واضحة للعدو كوضوح زلزال من ثماني درجات على مقياس ريختر، وكما يقولون في شارع السعدون : ” ضربة على النافوخ ” .
لايمكن أن يقبل أسود بغداد، ومناضلو الشعب العربي في العراق أن يبقى العراق تحت الاحتلال الاميركي، ولايمكن أن ينسى العراقيون أن الاميركيين قتلوا مليون عراقي ثمانية آلاف منهم تم دوسهم بالبلدوزر في الأراضي المتاخمة لحدود السعودية في منطقة اسمها ” السلمان “، وأن هؤلاء قتلوا بقنابل ملوثة باليورانيوم المشع مجزرة لابد أن يدفع قادة الولايات المتحدة ثمنها وعلى رأسهم المجرم بوش الذي وقع قرار اغتيال عماد مغنية وياسر عرفات .
وبوش لايدري أن الثأر عندنا يمتد الى ولد الولد حتى لو كان ولد الولد في مزرعة أبقار في المكسيك انما لانتعامل نحن مع مجازر الاميركيين التي ارتكبت ضد شعبنا في اليمن وفلسطين والعراق وسوريا وليبيا كثأر شخصي أو عائلي، بل هو محاسبة المجرمين على جرائمهم التي ارتكبوها ضد الانسان في كل مكان، سينال بوش عقابه وسينال ترامب عقابه .
أما ما خفي على الحلفاء وهو مدون في الاستراتيجية الصهيونية الجديدة التي أقرتها اللجنة التنفيذية للحركة الصهيونية بعد أن صاغها العنصري الدموي الصهيوني عوديد بينون، الخطوة التالية حسب استراتيجيتهم الجديدة هي : تقسيم الجزيرة العربية
لقد استخدم الاميركيون الاخوان المسلمين، ثم طعنوهم في الخاصرة، واستخدموا الأكراد وسيرمونهم حطب محرقة العلاقة مع تركيا، وسيسحقون الوهابيين ويسلمون الزمام للصهاينة ” تفاصيل ذلك سوف نعرضها في مقال آخر ” .
نتنياهو وترامب يعيشان مأزقين داخليين، وهما مغامران ولن يكون مستبعدا أن يسرع الاثنان نحو التصعيد العسكري لابعاد الانظار عن المآزق الداخلية أو لكسب التأييد في هذه المآزق، فنتنياهو يريد فوزا في الانتخابات، وهو مذيل بعار الفساد وترامب على أعتاب فضيحةكبرى تتعلق بتبييض الأموال من يهود روسعبر صهره كوشنر وابنه وابنته، وهذا ماسييكشفه المحقق الاميركي ان أتيح له الوقت والصلاحية، والأمر يتعلق بمئات الملايين استخدمت في استثمارات في الامارات والسعودية .
اذا كان هذا محتملا فماذا علينا ” محور المقاومة “، أن نفعل ؟ هل ننتظر حتى تسقط الصواريخ لتدمر مستودعاتنا أم نستخدم مستودعاتنا لتسقط الصواريخ على رؤوسهم .
في أوساط الذين يحللون ويحسبون تهيمن فكرة هي : انه في حال المبادرةسترد اسرائيل بقوة مدمرة، وأنا أرى العكس فالمبادرة سوف تصيب برامجهم الالكترونية بالخلل فهذا غير متوقع تماما كعبور قناة السويس، وبقليل من الخبراء في التكنولوجيا نستطيع أن نحول أهداف صواريخهم، ونصيب شبكاتهم لكن الأهم الاسرائيليين ” وليس المستوطنين “، يتصورون أن ما يدور على الجبهات هو في عالم آخر أو كوكب آخر، لكن اذا ارتبك روتينهم اليومي في شرب القهوة بهدوء والعيش الطبيعي سنرى كيف يتحولون الى كوم من الفوضى والفزع مما سيجعل الشغل الشاغل للمسؤلين الحفاظ على الهدوء ومنع الهجرة، لذلك ننادي أهلنا في العراق أن اسمعوا انهم يريدون العراق قاعدة العدوان على ايران وعلى محور المقاومة وعلى سوريا، بائس مصيرهم فيا أيها الأبطال اجعلوا حياتهم مرة، واجعلوا خبزهم مرا وليعودوا الى بلادهم كما عاد المارينز من بيروت يركبون صناديق خشبية .
يتمددون في كركوك بعد أن رفع علم البرازاني فوقها … أين أنتم يا أسود ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )، ليعلم هؤلاء الغزاة أن قتل طفل في العراق أو فلسطين أو سوريا أو اليمن هو قتل انسان، والقاتل يقتل .
2 هدية شخبوط! محمد الجوكر البيان الاماراتية
لقاء القمة الذي جمع، أمس، بين العراق وإيران على استاد المكتوم بدبي؛ هو لقاء تقليدي بين المنتخبين، حيث تنافسا في كأس آسيا منذ انطلاقتها، خاصة السبعينات، حيث كانت القوة الكروية لهما في المنطقة، وفازت إيران في البداية، ولكن أسود الرافدين ألحقوا بها خسائر، فظلت لقاءاتهما تتمتع بمذاق خاص، وأتذكر واقعة غاية في الأهمية أنقلها عبر زميل أكاديمي، حيث تلقيت قبل فترة من د.جمال صالح مدرب منتخب العراق ونادي الطلبة سابقاً، المدير الفني بنادي الشارقة حالياً، هدية لا تُقدر بثمن هي عبارة عن صورة للمغفور له المرحوم الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان الحاكم الأسبق لأبوظبي، وهو يشاهد مباراة في كرة القدم بين العراق وإيران عام 68 في طهران في زيارة خاصة له، وعقب انتهائها لصالح العراق بهدفين مقابل لا شيء، وسجل «الدكتور» هدفاً حيث أعجب بأدائه «شخبوط» فصافحه وكرّمه، الصورة تؤكد حرص قادتنا، رحمهم الله، على الرياضة والرياضيين العرب منذ تلك الفترة.
حوار دبي الكروي جعلني أتذكر أهمية الرياضة وتعميمها بمراحل مهمة عبر التاريخ، حتى وصلت إلى العصر الحديث، فعندما أطلقنا على كأس آسيا «كأس التسامح»، فهو نهج عن فكر وفلسفة قادتنا بأهمية هذا التواصل الإنساني بين الحضارات، فحكامنا حرصوا على الاهتمام ببناء مؤسسات حكومية تنطلق نحو التطوّر والازدهار إلى بيئة مستقرة، وهذا ما قام به، بدءاً من عام 1966 المغفور له، بإذن الله تعالى، القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حينما تسلّم مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، فقد كان من المهتمين بالرياضة وكرة القدم تحديداً، حيث تشكّلت الفرق الرياضية بالدولة في عهد زايد الخير بدأت التنظيمات الإدارية الحقيقية نحو التقدم والتطوّر، وأسرة آل نهيان الكرام تولت الاهتمام بقطاع الشباب والرياضة والكرة خاصة، فقبل أكثر من 60 عاماً وجّه زايد لعدد من الفرق العربية اللعب هنا من بينها الإسماعيلي المصري، فكان يشاهد المباريات ويلتقي اللاعبين، ويؤكد أهمية مثل هذا التواصل الإنساني.. والله من وراء القصد.
3 الانسحاب الاميركي يغيّر المعادلات في المنطقة
عبدالوهاب بدرخان الحياة السعودية
كان على المسؤولين العرب الذين استقبلوا وزير الخارجية الأميركي أن يتناسوا مخاوفهم وشكوكهم ليتعاملوا مع الأفكار القديمة – الجديدة التي جاء بها. غير أن الواقع أمامهم يناقض الى حدّ كبير الصورة التي عرضها مايك بومبيو، فالكلّ يتفق معه على محاربة الإرهاب ولا يتفق معه حين تمتنع واشنطن عن تحديد الدول الراعية للمجموعات الإرهابية. وقد يبدي الجميع، باستثناء العراق، تضامناً مع الولايات المتحدة في التعبئة التي تجريها ضد ايران، إلا أنهم ليسوا على مقاربة واحدة للخطر الإيراني أو على استعداد متساوٍ للمساهمة في مواجهته. وإذ يوافق الجميع على بناء عملية سياسية كحلٍّ لصراع في اليمن إلا أن متابعة الموقف الأميركي المتخفّي وراء الموقف البريطاني تظهر أن واشنطن لا تدرج اليمن في صلب استراتيجيتها المضادة لإيران. كما أن الجميع يرحّب بـ «وحدة الموقف» وبالأخصّ الحفاظ على «تماسك» مجلس التعاون الخليجي لكنهم متيقّنون بأن واشنطن غلّبت إدارة الأزمة الخليجية على حلّها.
يضاف الى كلّ ذلك أن أميركا بادرت الى تغيير المعادلة في سورية، مهما ادّعت العكس، ولا تزال سياسة باراك اوباما هي نفسها سياسة دونالد ترامب، مع تنقيحات طفيفة وسيّئة، فكلاهما صمّم على محاربة الإرهاب، وكلاهما أراد ويريد الانسحاب ليس فقط من سورية بل من المنطقة بعد توزيع الأدوار على اللاعبين الدوليين والاقليميين فيها. وقد أوحت جولتا وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بأن الإدارة الأميركية في صدد تصحيح قرار ترامب لكن مع التأكيد والإصرار على تنفيذه وعلى أن الانسحاب «لن يغيّر شيئاً» وأن ما يُشاع في شأنه هو «من صنع الاعلام» (الأميركي المعادي لترامب)!.. لكن بومبيو نبّه، وبمعزل عن ذلك الاعلام، الى أن «الفوضى» هي ما يملأ أي فراغ تخلفه اميركا، وهذا صحيح. فهو لم يقدّم أي حصيلة لمراجعة تجربتَي أفغانستان والعراق حيث أخفقت الأهداف (إنهاض الدولة وبناء نظام ديموقراطي)، ولا أي حصيلة لاستراتيجية دعم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين حيث أفشل التواطؤ الأميركي – الإسرائيلي، وليس العرب، كل مشاريع السلام.
بلى هناك الكثير الذي سيغيّره الانسحاب والمهم ألّا يتحول وصفة فوضى تضاف الى الفوضى الحاصلة، فيترك المنطقة لاجتهادات روسيا وايران وإسرائيل وتركيا في تحصيل مصالحها ونفوذها. كلٌّ من هذه الدول برهنت سابقاً ما تستطيعه وليست بينها واحدة يمكن أن تكون معنيّة بسلام واستقرار يتطلع إليه السوريون والعراقيون أو اليمنيون والفلسطينيون واللبنانيون. وفيما تستعد هذه الدول لمرحلة صراعات في ما بينها فإنها كيفما استدارت ستصطدم بـ «إرث الأخطاء» الأميركي، خصوصاً إذا تُرك إرهاب «داعش» من دون حسم كما تُرك العراق تحت رحمة هيمنة الملالي وميليشياتهم وكما يُترك سوريو الداخل والشتات ضحايا لنظام اجرامي وكما يُترك الفلسطينيون لمشيئة حكومات يتبارى أعضاؤها على مَن يكون أكثر توحّشاً. وإذا صحّ أن مَن يتحكّم بسورية والعراق يتحكّم بخريطة الشرق الأوسط، فمن المؤكّد أن مَن يتخلّى عن سورية في هذه اللحظة التاريخية من محنتها قد يكون حارب «داعش» ولم يعرف من أين أتى هذا التنظيم ومَن أنشأه وسمّنه واستفاد من ارهابه أو أنه يعرف ومع ذلك فهو مصمّم على ترك سورية لـ «داعش» ولمن يريد للإرهاب أن يستمر فيها كأداة لنفوذه، وهذ ما ينطبق تحديداً على النظامَين السوري والايراني.
تستعدّ روسيا لادارة اللعبة الجديدة وخيوطها، لكن اميركا التي لا تريد مساومات لم تبدِ تعجّلاً للتفاوض معها على ما بعد الانسحاب. كانت كل مشاريع المساومة في شأن سورية قد فشلت، والأسباب معروفة لكن يجدر التذكير بأهمّها وهو أن لا مصالح حيوية تسعى اميركا اليها في سورية. ولذلك فقد تقلّبت منذ التدخّل الروسي في صياغة أهدافها المعلنة، من ضمان «أمن إسرائيل» الى اخراج ايران وتقليص نفوذها وصولاً الى حماية «الحلفاء» الأكراد ولو تطلّب ذلك «ضرب الاقتصاد التركي»، مع الاشارة أحياناً الى أنها مهتمّة بـ «حل سياسي» للأزمة السورية. ليس فقط أن أمن إسرائيل لم يكن مهدّداً، ولا أن التخريب الإيراني توقف بل تعمل طهران حالياً على استثمار نتائجه، ولا أن التحالف الأميركي مع تركيا لم يبدُ فاعلاً أو مفيداً وايجابياً بالنسبة الى سورية والسوريين، بل ان اختلالاته المتواصلة والتقلّبات في واشنطن نفسها (في عهد الادارتَين، السابقة والحالية) انعكست سلباً بإحباطها أي دور عربي أو أوروبي ممكن في سورية.
باستثناء الاستبعاد العلني للبحث في مصير رئيس النظام السوري لم ترفض روسيا أيّاً من الأهداف الأميركية لكنها سعت دائماً الى مساومة على «كل شيء أو لا شيء» (سورية وأوكرانيا والسياسة الدفاعية الأطلسية…)، وربطت توظيفها الأزمة السورية بصفقة شاملة لم تُعرض عليها أبداً. ومع الانسحاب الأميركي تتراجع حظوظ المساومات ولن تجد روسيا صعوبة في طبخ حل سياسي مع شريكيها في مسار استانا، من دون أن تكون مضطرّة لأي تنازلات للاميركيين والأوروبيين الذين لم يستجبوا إلحاحها على تفعيل ملف إعادة الإعمار. وعلى رغم مكاسب كبيرة حقّقتها موسكو مع العرب في سياق الأزمة فإنها تتمسّك بتحالفها مع ايران وتراهن بقوة على تحالف مع تركيا لقاء رقعة نفوذ في سورية. أما محافظتها على درجة معينة من التنسيق مع إسرائيل لضرب ايران فتبدو بمثابة دعوة دائمة الى الولايات المتحدة لفتح البازار للمساومة.
مع ذلك لن يطول الوقت قبل أن يحصل اتصال اميركي – روسي لمناقشة الانسحاب، لأن ما بعده مرتبط بموسكو. لن تكون هناك مساومة ولا صفقة، بل احتكام الى الوقائع على الأرض واضحة. لن تفرض واشنطن شروطاً بل ستعرض سياستها وتترك لموسكو حسم خياراتها في ضوء المستقبل الذي تتصوّره لدورها في سورية: 1) اميركا ستمضي في استراتيجية احتواء ايران وبإمكان روسيا أن تتكيّف معها باحتواء النفوذ الإيراني في سورية إذا أرادت فعلاً انهاء الصراع وصون مصالحها، وبالتزامن ستواصل اميركا من العراق ضرب مواقع «داعش» ومحاولات الميليشيات الموالية لإيران للسيطرة على الحدود مع سورية، وستواصل أيضاً حماية قاعدة التنف جنوباً لمنع الإيرانيين من تهديد الأردن واسرائيل. 2) اميركا ستمضي في الانسحاب ولا تمانع عودة شمال شرقي سورية الى النظام السوري لكن بإشراف روسي مباشر، سواء لضمان حماية الأكراد أو لدعم استمرارهم في محاربة «داعش». 3) اميركا لا تعارض، وكذلك روسيا، انشاء «منطقة آمنة» لإرضاء تركيا شرط عدم احتكاكها بالأكراد ووضع حدٍّ لطموحاتها وأطماعها. 5) اميركا ستستمر على مواقفها من الحل السياسي في سورية وإنْ لم تتدخّل، فإذا استبعدت روسيا أي انتقال سياسي وتمسّكت ببشار الأسد ونظامه فعلى عاتقها المسؤولية والنتائج، لكن اميركا لن تبارك أي دستور عبثي أو انتخابات مزوّرة ولن تساهم في تمويل إعادة الإعمار أو تمنح ضمانات لمشاريعه.
ليس واضحاً كيف يمكن أن تُطبَّق هذه السياسة الأميركية واقعياً «من دون أن تغيّر شيئاً» ولا كيف ستتفاعل روسيا معها فهي لا تخفي تعجّلها، عبر الكرملين وعبر تزكية الخلاف الأميركي – التركي، حصول الانسحاب من سورية ومن دون أن يخلف وقائع على الأرض أو وجوداً رمزياً مزعجاً.
كانت موسكو وافقت مبدئياً على «المنطقة الآمنة» وأرادتها طُعماً يجتذب تركيا نهائياً الى المحور الروسي – الإيراني ويبعدها أكثر فأكثر عن اميركا، لكن أنقرة فضّلت التوافق مع واشنطن على تلك «المنطقة» وبالتالي فضّلت ألّا تجازف بالعلاقة مع الأطلسي. ستكون المصارحة صعبة بيت فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان، فحسابات الأول قد تتغيّر طالما أن اردوغان يحاول اللعب معه ومع ترامب في آن. إدلب ستكون مجدّداً محك التقارب بين الرئيسين، خصوصاً أن أنقرة تركت «هيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً» تمدّ سيطرتها وتتوسّع. هذه هي المرة الأولى التي يتوصّل فيها تنظيم «القاعدة»، منذ نشوئه، الى فرض سلطته على رقعة من الجغرافية السورية تساوي مساحة لبنان، وما دام الأتراك سمحوا بذلك فإن تغيير هذا الأمر الواقع يقع على عاتقهم.
4 حتى يبقى العراق عربياً!! صالح القلاب الراي الاردنية
لا شك إطلاقاً في أن غالبية العراقيين، مسؤولين كباراً ومواطنيين عاديين سنة وشيعة، ما عادوا قادرين على تحمل كل هذا التدخل الإيراني العسكري والأمني و”الميليشياوي” وأيضاً الإقتصادي..وكل شيء وهذا جعلهم ينتظرون وعلى أحر من الجمر أيُّ ظهور عربي في بلدهم وبخاصة إذا كان هذا الظهور قد تجسد في الزيارة الأخيرة التي قام بها جلالة الملك عبدالله بن الحسين إلى بغداد وحيث أكثر ما لفت نظري وتوقفت عنده طويلاً هو لقاؤه الحميم مع السيد عمار الحكيم الذي يعتبر من الرموز الدينية والسياسية الوازنه في بلاد الرافدين.
إنَّ المفترض أنه معروف أن معظم كبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الدولة الكردي برهم صالح، ميولهم عربية وأنهم لا يثقون لا بـ “الولي الفقيه” ولا بكل من حوله ويكرهون قاسم سليماني ككرههم لأي جنرال إسرائيلي وأنهم لا يطيقون سماع إسم “الحشد الشعبي” وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على الرجل القومي والعروبي الدكتور إياد علاوي الذي حسب مذكراته وبخاصة الجزء الأول منها كان قد ذاق الأمرين خلال تجربته المرة مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين رحمه الله على أي حال.
وهنا فإن المفترض أن الأشقاء الأكراد العراقيون منهم والأتراك والإيرانيون قد أدركوا وتوصلوا إلى قناعات لا شك فيها إطلاقاً بأن مشكلتهم الأساسية ليست مع العرب، أي ليست مع العراق وسوريا، وإنما مع إيران أولاً وبالدرجة الأولى ثم مع تركيا وإن ما يؤكد هذا ويعززه كل هذا الذي يجري في المثلث العراقي – التركي – السوري الملتهب وحيث أن الوحيدين من كرد هذه المنطقة الذين حصلوا ولو على الحد الأدنى من حقوقهم هم الكرد العراقيون وبقيادة هذا الرجل الحكيم والقائد الفذ فعلاً مسعود بارزاني.
في سوريا وحدها كان هناك خمسة من الرؤساء الذين تعاقبوا على القصر الجمهوري من الأشقاء الأكراد وكان بعض من كبار البعثيين أيضاً وبالطبع فإن هذا لا يكفي وإن المطلوب هو ليس إستيعاب هؤلاء لا في تركيا ولا في إيران إذْ أن المفترض أن لهذا الشعب حقوق الشعوب الأخرى وأنه من حقه أن يقرر مصيره بنفسه وأن يقيم دولته الوطنية والقومية المستقلة ومثله مثل غيره من أهل هذه المنطقة.
والمهم وبالعودة إلى العراق فإن أكبر وأخطر مصيبة تعرض لها هذا البلد العربي، والذي بقي عربيا منذ فجر التاريخ وحتى في زمن المغول والصفويين والأتراك، هو عندما فتح الأميركيون حدوده الشرقية بعد إسقاط نظام صدام حسين لزحف إيراني لا يزال مستمراً حتى الآن وقد إتخذ هذا الزحف طابعاً مذهبياًّ بغيضاً مع أنه في الحقيقة كان ولا يزال يشكل إحتلالاً إيرانياً قومياًّ عنوانه قاسم سليماني وباقي جنرالات الدولة الإيرانية.
ولهذا فإن الإنفتاح العربي على العراق وعلى كل المستويات يعتبر واجباً أكثر من ضروري فترْكنا لأهلنا في بلاد الرافدين كما كنا تركنا فلسطينيي (الداخل)، أي فلسطينيي عرب عام 1948، يعني التخلي عنهم لإبتلاع إيراني لا علاقة له لا بالتشييع ولا بالشيعة وحيث أنَّ الهدف الحقيقي هو إستعادة ما يسمى: “أمجاد فارس” القديمة والعودة إلى “إيوان كسرى” للإنطلاق منه في إتجاه دولٍ عربية أخرى إنْ كإحتلال فعلي وإن كإحتلال مقنع وبحيث تصبح طهران مرجعية للشرق الأوسط كله مع إمتداد في إتجاه الغرب حتى ملامسة جبل طارق!!.