1 العراق: حينما اصبح الشعب عرافا عباس العرداوي
راي اليوم بريطانيا
لأنهم يشعرون بالقلق والخوف على عروشهم، يذهبون أحيانا الى العرافين والمنجمين ليكشفوا لهم عن عورات المستقبل، بعض الزعماء والقادة لايعلمون أن صرخات الثكالى، وأنين الجرحى، وألم الحرمان، هو الكاشف عن المستقبل. وأن الفقر هو العراف الكبير.
مع بدايةالعام الجديد، ولسوء حظ الرؤساء، فقد عرفتكم الشعوب جيدا، وقرأت طالعكم القادم، وأن بروجكم قد تغيرت كما تغيرت بروج شعوبكم، حيث أنتقل برجع الشعب من الآهات، الى التظاهرات، ومن الخوف من النظام، الى الهتافات والأعتصام، حينها ستجف بحور حيتانكم بدلو كبير تحمله إمرأة كانت عذراء قبل مجيئكم، تساندها نساء بالحمل تورطت، وشيوخ كالقوس ملتوية ظهورها، من سياط جلاديكم، فإذا ما علمتم ذلك، أنتقل برجكم من برج الأسد، شديد الأفتراس، الى برج الحمل قليل الحيلة والأحساس، عندها ستسحقون كما تسحق العقرب، فيكون الميزان قد أعتدل
سواء كنت تدري او لاتدري حضرة الرئيس، فإن أبراج الأرض كانت إثناعشر فقط، وفي هذا العام تسعة عشر، كما جهنم عليها تسعة عشر، فالحذر كل الحذر من ثورات فقراء البشر.، وأعلم أن داء السرطان قد مضى في الأجساد، فلاينفع بعده حزن أو حداد، فبرج الثور قد ترك نطاح الجدي، لأن رقم حظكم هو الصفر، ويوم حظكم رصيده من الساعات في تردي
أعلموا أن في العراق عادلا، أبوه عبد للمهدي، الذي قريبأ سيظهر، قد أوعدنا بتطهير رذائلكم السابقة، بفتح الملفات أمام أعين الأمهات، فيسترجع أموالا منهوبة، وحقوقا مسلوبة، ويقطع ذيولا وأيادي للأجنبي ممدوده، ويحفظ للناس كرامتهم، ويعيد بغداد عاصمة لكل البلاد، ويكون التعامل على أساس الوطنية، لا على أساس اللون أو القومية، فإن تقاعس هذا العادل أو خاف، أو أخذته الرحمة بكم، فتوقعوا بعد ذلك قدوم برج الجوزاء، والكل يعلم أنه برج مزدوج الشخصية، تراه حازماٌ فينقلب متردداٌ، ثم تراه قويا، فينقلب ضعيفا رعديدا، بعد ذلك لاتنفع معرفة العراف ولاتنجيم المنجمين، لان الرئيس يخاف.
أذن أيها الحكام أتركوا العرافين، وأذهبو لشعوبكم وتصالحوا معهم بخدمتهم، وأسهروا على توفير لقمتهم، فمن كان منكم عاجزا، فعليه إفساح المجال لغيره، فقد تواترت طوابير الشهادات والكفاءات أمام حظراتكم، وتزاحمت دموع الفقراء مع زخات مطر الشتاء، وأعلموا أن بعد كل شدة يتواجد الرخاء، فكونوا أنتم من يقدم لهم هذا الرخاء.
2 العراقيون يصوّتون للمدنية عدنان حسين الشرق الاوسط السعودية
سجّلت بغداد لنفسها عشيّة العام الجديد أنها العاصمة الأكثر احتفالاً بمقدمه. الذين نزلوا إلى شوارعها تلك الليلة قُدّروا بأربعة ملايين نسمة. هذا يزيد على نصف عدد سكانها، فيما – للمقارنة – قُدّر عدد المحتفلين على ضفتي نهر التيمز في لندن بمائة ألف نسمة.
ربما كانت ثمة مبالغة في التقدير، لكنّ المؤكد أن الاحتفال البغدادي كان مليونياً، وهو ما يحصل للمرة الأولى في تاريخ هذه المدينة بالمناسبة إيّاها.
غصَّت شوارع الأحياء الرئيسية، الكرادة والجادرية والمنصور وزيونة والأعظمية، بالمحتفلين من الجنسين وكل الأعمار، بل امتدّت الاحتفالات إلى بعض الأحياء الشعبية المزدحمة. المدن الكبيرة الأخرى، كالموصل والبصرة ومدن إقليم كردستان اجتاحتها كذلك احتفالات كبيرة على نحو لافت، والأهم أن المدن الموصوفة بأنها مقدّسة (دينية) كالنجف وكربلاء وسامراء اكتسحتها الموجة هي أيضاً. ولوحظ أن مدن المنطقة الغربية المعروفة بحياتها الاجتماعية المحافظة، كالرمادي، احتفلت كذلك… بالمختصر العراق كلّه استقبل العام الجديد كما لم يحصل في تاريخه.
هذا وراءه «سرّ»، فالاحتفالات المبالغ فيها كانت رسالة من العراقيين إلى كلّ من مفتي الديار العراقية مهدي الصميدعي ورئيس الوقف الشيعي علاء الموسوي اللذين توافقا في التصريح بحرمة تهنئة المسيحيين في عيد ميلاد المسيح والاحتفال بمقدم السنة الجديدة، ما استفزّ الكثير من العراقيين، وبخاصة جيل الشباب الحانق على أوضاع البلاد المُزرية. لكنّ رسالة بهذا التعبير المُكثّف إنما تتجاوز رجلي الدين السنّي والشيعي إلى سائر المؤسسات الدينية المحافظة وأحزاب وجماعات وميليشيات الإسلام السياسي الحاكمة التي سعت على مدى خمس عشرة سنة لمحو مدنية المجتمع العراقي وتعديل نزوعه العلماني.
على الدوام كان العراقيون من سكان المدن الكبيرة التي عاش فيها المسيحيون مع المسلمين، فضلاً عن اليهود والصابئة المندائية وجماعات دينية أخرى، يهنّئون المسيحيين وسواهم بأعيادهم مثلما يفعل غير المسلمين في أعياد المسلمين ومناسباتهم الدينية.
والمسيحيون العراقيون بالذات، وكذا اليهود، كانت لهم أدوار مميّزة في الحياة الاجتماعية في المدن منذ مطلع القرن الماضي بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، فمنهم أوائل الأطباء والمعلمين والمهندسين والحرفيين، كما منهم رواد الثقافة والفكر والصحافة والفن والسياسة الذين أرسوا دعائم نهضة عراقية توازت في مستواها مع نهضة مصر ولبنان.
لم تكن هناك حساسية لدى العراقيين حيال تهنئة المسيحيين وسواهم بأعيادهم وحتى مشاركة البعض فيها. أمّا احتفالات رأس السنة التي ظلّت حتى أواسط القرن الماضي مقتصرة على النخبة المدينية بصرف النظر عن ديانتها، بدأ نطاقها يتوسّع منذ أواسط عقد الستينات، ومما ساعد في ذلك البثّ التلفزيوني المبكر الذي بدأ في العراق قبل أي بلد عربي آخر (1956). وفي السبعينات وبعدها صار شائعاً إحياء حفلات الميلاد ورأس السنة ليس في بيوت المسيحيين والمسلمين فقط، وإنما أيضاً في النوادي الاجتماعية التي ازدهرت في العاصمة بغداد والمدن الكبيرة الأخرى حينئذ، وكان كبار المغنين والموسيقيين يُحيون الحفلات التي تتواصل إلى فجر اليوم التالي الذي جعلته الدولة يوم عطلة وطنية. وكان يجري الإعلان عن أماكن ومواعيد الحفلات عبر الصحف اليومية.
النظام الجديد، بعد 2003، الذي قدّم نفسه بديلاً لديكتاتورية صدام المتوحّشة، تعرّض معه المسيحيون وسائر ما يُعرف بالأقليات الدينية إلى سياسة تمييز لم يشهد العراق لها مثيلاً إلا مع اليهود الذين هُجّروا عنوة من البلاد منتصف القرن الماضي. هذا التمييز أرسته جماعات الإسلام السياسي الحاكمة، ما دفع بمئات الآلاف من المسيحيين للهجرة خارج العراق أو إلى إقليم كردستان. وظهر لاحقاً أن من دوافع الحملة ضد المسيحيين وسواهم حملهم على التخلّي عن عقاراتهم وأعمالهم وتركها لتستحوذ عليها قوى متنفّذة في السلطة وعناصرها، أو بيعها بأسعار متدنية.
المسيحيون كانوا أيضاً هدفاً مباشراً للجماعات الإرهابية التي نشطت في العراق، وبخاصة «القاعدة» و«داعش»، فقد جرى تفجير الكثير من الكنائس في عمليات انتحارية في بغداد والبصرة والموصل ومدن أخرى.
الحملة ضد المسيحيين بدت السلطة العراقية عاجزة عن مواجهتها، لكنّها لاقت استهجاناً شديداً من العراقيين، وبخاصة النخبة منهم، الذين حرص الكثير منهم على إظهار التضامن والتعاطف العلني معهم. قوى الإسلام السياسي والمؤسسات الدينية المحافظة التي تنفّذت في الحكم بعد 2003 تراجعت شعبيتها كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب فشلها الذريع في إدارة الدولة، وتفشّي مظاهر الفساد الإداري والمالي في صفوفها، ما أثار نقمة الناس عليها، وهو ما تبدّى في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة (مايو /أيار/ 2018) التي قاطعتها أغلبية الناخبين، ثم في حركة الصيف الاحتجاجية الكبيرة التي مثّلت امتداداً للحركة المتجددة سنوياً منذ 2011، وتركّزت في المحافظات الجنوبية والوسطى (الشيعية).
الاحتفال العراقي الأسطوري بمقدم العام الجديد هو رسالة شعبية أخرى بالغة القوة إلى رجال الدين المحافظين ومؤسساتهم وأحزاب الإسلام السياسي. الرسالة تقول بوضوح إن العراقيين لا يرغبون في الحكم الديني، إنهم يستفتون لعلمانيتهم ولمدنيتهم. هذا ما فهمته جيداً المرجعية الشيعية العليا، وهي مؤسسة معتدلة نسبياً بالمقارنة مع غيرها، فالمرجع الأعلى علي السيستاني لم يتأخر في إصدار فتوى مضادّة لما صرّح به مفتي الديار ورئيس الوقف الشيعي، ويوم الجمعة الماضية أكد خطيب كربلاء، وهو من أبرز ممثلي السيستاني، فتوى المرجع الأعلى، بل إنه نددّ بقوّة بفتاوى التحريم معتبراً إياها «تسقيطاً خطيراً» لواحد من مكونات المجتمع العراقي مهدّداً للسلم الأهلي.
بالتأكيد لن تسعى أحزاب الإسلام السياسي والمؤسسات الدينية المحافظة إلى فهم مضمون رسالة رأس السنة لتعدّل من سياساتها الفاشلة… هذا ستكون له نتيجة واحدة هي مواجهة مأزق أكبر من مأزقها الراهن.
3 انستاس الكرملي الشرق الاوسط السعودية
راهب ولغوي وباحث في التاريخ، هي أبرز صفات الأب أنستاس ماري الكرملي، الذي لا يمكن تخيّل أي حديث عن الثقافة العراقية من دون الوقوف عند اسمه وأثره، فهو أحد مؤسسي هذه الثقافة في سياق مشروعها التأسيسي، بعد الاحتلال الإنجليزي للعراق عام 1914، وفي سياق الحفاظ على عروبة هذه الثقافة وسط مهيمنات الاغتراب، والموروثة من ركاكة «العثمنة التركية» ومن الأنكلوفونية التي حاول الاستعمار الإنجليزي التبشير بها.
علاقة الكرملي باللغة العربية علاقة وجودية، فرغم معرفته بكثيرٍ من اللغات الأخرى (اللاتينية، واليونانية، والسريانية، والإنجليزية، والفرنسية، والمندائية، والتركية، والفارسية) فإن حرصه على اللغة العربية كان من منطلق هوياتي وتاريخي، ومن منطلق ثقافي لساني أدرك من خلاله أن هذه اللغة هي الفضاء والجسر والمقاومة والوعي، وهذا الإدراك وضعه أمام جملة من التحديات السياسية خلال أواخر الحكم العثماني للعراق، فضلاً عن التحديات الثقافية التي أعطت لعلاقته مع اللغة طاقة متعالية للمواجهة، ولتجاوز عقدة «الاغتراب الداخلي» الذي كان يعاني منه كثير من المثقفين العراقيين، وحتى حرصه الشديد على الاحتفاظ بمعارفه للَّهجات العراقية المتعددة، كان بدافع الحافظ على روح اللغة، وعلى شفراتها الحاملة للوجود، ولشفرات التفكير بها، أو من خلالها.
من أكثر العلامات الفارقة في حياة الكرملي «معجمه المساعد» الذي قام بتحقيقه – بعد وفاته – الباحثان عبد الحميد العلوجي، وكوركيس عواد عام 1972؛ إذ عدَّ هذا المعجم واحداً من أهم المعاجم التي أغنت البحث اللغوي وعياً وحفراً ومعرفة بتاريخية اللغة وبوظائفها في إغناء الفكر والكتابة، وفي تشذيبها من النافر والوحشي، وكأنه في هذا المبحث قد ناظر ابن منظور، الباحث المعجمي، والعارف بمظانها وشجونها، وبتعالقاتها وأغراضها. وحتى حياته «الكنائسية» لم تكن بعيدة عن هذه الأجواء الثقافية، إذ كانت كتاباته تنطلق من فهمه للرسالة الثقافية، وللغة التي تحملها، فهي «لسان العرب الذي لا يدانيه أي لسان كما يقول»، وهذا ما جعل «دير الآباء الكرمليين» مجالاً مفتوحاً للتواصل الثقافي، ولتأليف كثير من الكتب التي تُعنى بالثقافة بشكلٍ عام، وباللغة، وبقيمتها الخطابية والمعرفية.
الأصول والثقافة
رغم أصوله اللبنانية من مدينة بكفيا، إلا أن ولادته في العراق، ومن أم عراقية أغنت وجوده، وعمَّقت علاقته في المكان، وفي السياق الثقافي، لا سيما أن الآباء الكرمليين كان لهم دور كبير في إنشاء الحركة المسرحية في العراق، فضلاً عن مطبعتهم التي كان لها حضور مميز في طبع كثير من الكتب الثقافية والدينية.
حمل اسم الأب أنستاس الكرملي خلال وجوده في مدينة مونبلييه الفرنسية، منخرطاً في الدراسة الدينية، التي دفعته إلى معرفة علاقة الدين باللغة، وبالأصول الشرقية والعربية لها، باحثاً في مرجعياتها، وفي تاريخها، وفي حمولاتها المعرفية، والاندفاع نحو التأليف فيها، وفي التعرف على ما أنجزه العرب من علوم ومعارف في اللغة وفي غيرها، وهو ما أشار إليه تلامذته الكبار، مثل الدكتور مصطفى جواد، وكوركيس عواد.
المنجز الثقافي للكرملي لا يمكن تحديده، فموسوعيته جعلته يبحث في مجالات متعددة، عبر البحث في التراث وفي الفلكلور الشعبي، وفي الكتابة عن العادات واللهجات، وفي الأزياء، والأديان والجغرافيا، وحتى في الصحافة التي هو من أبرز رموزها الكبار.
ويمكن أنْ نعد إصداره مجلة «لغة العرب» عام 1911 المحطة الأكثر تأثيراً في مسيرته، وفي مسار الثقافة العراقية والعربية، إذ تحولت هذه المجلة إلى فضاء ثقافي كبير، استقطب كثيراً من الكُتَّاب والباحثين في علوم اللغة، وكان لها أثرها في اختياره عضواً في مجامع اللغة العربية في بغداد ودمشق والقاهرة، فضلاً عن عضويته في مجمع اللغات المشرقية.
كما أنَّ عمله مديراً لتحرير جريدة «العرب» التي صدرت عام 1917 أثار حوله جدلاً كثيراً، بسبب ارتباط هذه الجريدة بالاحتلال الإنجليزي. ورغم العنوان الذي حملته الجريدة، بأنها «جريدة سياسية إخبارية تاريخية عمرانية، عربية المبدأ، والغرض من إنشائها في بغداد عرب للعرب» فإن رئاسة تحرير المجلة من قبل «مس بيل» الشخصية الإنجليزية المعروفة، أسبغت عليها طابعاً خاصاً؛ لكن إصرار الكرملي على عروبة الرسالة الثقافية، واستمرار صدور هذه الجريدة، وقيام كثير من الأدباء والصحافيين العراقيين المعروفين، قلل من ذلك الجدل؛ حيث حفلت الجريدة بكتاباتهم التي كانت تندد بالاستعمار، وبالسخط على الاستعمار التركي الذي كان مسؤولاً عن إشاعة الجهل والتخلُّف بين العراقيين، ومن أبرز من كتب فيها: عبد الفتاح إبراهيم، وجميل صدقي الزهاوي، ومعروف الرصافي، ويوسف غنيمة، وغيرهم.
التأليف والتنوير
الاهتمام باللغة العربية عند الكرملي وضعه في سياق ثقافي استثنائي، ليس في مجال التأليف وحسب؛ بل في مجال ربط هذا التأليف بالتعريف بموروث اللغة، وبالمدن الحضارية الناطقة بها، وبتاريخ تطورها، وارتباط هذا التاريخ مع تاريخ العلوم والفلسفات وعلم الكلام والفقه وغيرها، التي عززت من قيمة هذه اللغة بوصفها لغة للعلوم، ولغة للحضارة.
فدفاعه عن اللغة كان ينطلق من مرجعيات ثقافية في جوهره، وليس لأغراض نحوية أو صرفية مجردة، ولعل كثيراً من الكتب التي كتبها تؤكد هذه الحقيقة، وتعكس مدى اهتمام الكرملي بها؛ حيث تحولت مجلته العتيدة «لغة العرب» إلى قوة صيانية للغة، ومرجعاً تاريخياً مهماً إلى يومنا هذا، لا سيما أن ارتباطها بعدد من المجامع اللغوية العربية أعطى لها أفقاً مفتوحاً للتجديد، ولتنوير القراء والباحثين في المظان اللغوية، بفاعلية هذا التجديد في حياتنا وفي ثقافتنا وفي تداولنا للغة ولعوالمها.
من أبرز الكتب التي تركها الكرملي
أغلاط اللغويين الأقدمين، والفوز بالمراد في تاريخ بغداد، ومختصر تاريخ العراق، وجمهرة اللغات، وأديان العرب، ونشوء اللغة ونموها واكتهالها، وشعراء بغداد وكتابها، والعرب قبل الإسلام، كما قام بتحقيق جزء من معجم العين للفراهيدي، وكتاب نخب الذخائر في أحوال الجواهر لابن الأكفاني، والإكليل للهمداني، وفضل العرب في علم الحيوان، والنقود العربية وعلم النميات، والرسائل المتبادلة بين الكرملي وتيمور (عني بتحقيقها والتعليق عليها كوركيس عواد، وميخائيل عواد، وجليل عطية)، والمساعد، الذي حققه وعلّق عليه كوركيس عواد؛ وعبد الحميد العلوجي، وغيرها من المخطوطات التي لم تُحقق لحد الآن.
4 شراك الانسحاب الأميركي خميس التوبي الوطن العمانية
ما صرح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ”أننا لا نريد سوريا، أوباما سلمها منذ سنوات برفضه تجاوز الخط الأحمر.. وأنه لا يوجد بها سوى الرمل والموت” فيه اعتراف صريح بحقيقة الوضع الأميركي داخل سوريا، وأنه ـ إلى جانب غير شرعي ومخالف للقانون الدولي وللشرعية الدولية ـ يواجه استعصاء لتحقيق الأهداف، جراء التحول الميداني السريع الذي مالت كفته لصالح الدولة السورية، ولقوة الحضور العسكري والدور الفاعل لروسيا الاتحادية وغيرها من حلفاء سوريا، وكذلك فيه قناعة باستحالة الإقدام على أي عمل عسكري عدواني في ظل التنامي العسكري الضخم، سواء لروسيا الاتحادية أو للدولة السورية بجوار بقية حلفائها، فضلًا عن أن الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي وغيرها قد جربت أكثر من مرة العدوان على سوريا، ولم يحقق ما تريده من نتائج، بل على العكس من ذلك سوغ لروسيا أن تضاعف حضورها العسكري، وتدخل أسلحة نوعية متطورة لحماية سوريا ومساعدتها. وحين يؤكد ترامب أنه لا يوجد في سوريا سوى “الرمل والموت” فإنه يعلم تمامًا طبيعة الوضع المعقد والمتداخل الذي أسهمت بلاده فيه، سواء بدعمها المكون الكردي ودغدغة نزعة الانفصال التي ستحقق بها واشنطن تقسيم سوريا، أو بدعمها التنظيمات الإرهابية، أو بدعمها القوى الإقليمية ذات النزعة الاستعمارية والتآمرية، وبالتالي “الرمل والموت” يلخص ما ستكون عليه الصورة بعد انسحاب القوات الأميركية غير الشرعية من سوريا ـ هذا إن تم ـ والتي يبدو أن واشنطن وصلت إلى يقين بأنها أحكمت الشراك للإيقاع بين جميع الأطراف، سواء تلك التي تصنفها واشنطن بالمعادية، أو تصنفها بالحليفة، فتكتفي هي بتقديم الدعم ومعها حلف شمال الأطلسي لبعثرة الأوراق وإحكام المقتلة بين تلك الأطراف، وتعمل في الوقت ذاته على متابعة الوضع من الأراضي العراقية وتحديدًا غرب العراق الذي أعادت فيه القوات الأميركية انتشارها هناك.
وعلى الرغم مما يفهم منه بأن هناك ترتيبات تعدها إدارة ترامب للانسحاب بالتنسيق مع حلفائها “كيان الاحتلال الإسرائيلي” ومع من تصفهم تارة بـ”حلفائها” وتارة أخرى بـ”أصدقائها” من قوى الإقليم والمنطقة، إلا أن قرار الانسحاب يبدو ـ حتى الآن ـ أنه قرار شفهي ولا توجد على الأرض الشواهد التي تؤكده، وقد أكد الرئيس ترامب أنه لم يحدد جدولًا زمنيًّا لتنفيذ الانسحاب، وربما السبب هنا عائد إلى معطيات يرى الأميركي أنها قد لا تخدم ما يخفيه من وراء الانسحاب، وعلى الرغم من قناعة الأميركي بأن بقاءه في سوريا لن يطول مهما حاول التذرع من أجل تكريس البقاء، والرهان على الأحصنة المعطوبة فإن غاية ما يمكن أن ينجزه هو تأخير الدولة السورية عن مواصلة إنجاز نصرها الكامل على المخطط الإرهابي التكفيري التدميري، وعرقلة أي حل سياسي يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه، ويجعل من سوريا دولة مستقرة وموحدة وقوية وذات سيادة.
حين اتخذ الرئيس ترامب قرار سحب قوات بلاده من سوريا ـ رغم يقينه التام بأن وجودها غير شرعي ومخالف للقانون الدولي وللشرعية الدولية ـ كان يراهن على بعض القوى الإقليمية ومن معها من التنظيمات الإرهابية لتقود دفة المخطط بعيدًا عن الدور الأميركي المباشر وتتكفل بتحقيق ما هو مخطط له من استهداف سوريا؛ أي تقسيمها إلى كيانات طائفية. كما أن الولايات المتحدة حين اقتنعت بحالة الاستعصاء عما تريده أخذت تتجه نحو تسليم وكلائها وعملائها في الإقليم ليتولوا بالنيابة عنها تقسيم سوريا وتفتيتها واغتصاب واستعمار من الأراضي السورية ما يمكنهم استعماره والاستيلاء عليه، وبذلك يتحقق مخطط التقسيم والتفتيت، علاوة على الدفع بهم نحو استنزاف الدولة السورية وحلفائها، بحيث تتكفل الولايات المتحدة بعملية تقديم الدعم اللوجستي والسياسي.
وهذا المعطى يعيد بالذاكرة إلى عملية تدمير ليبيا، حيث كانت الولايات المتحدة تقود الدفة من الخلف، تاركة حلفاءها وعملاءها يقومون بمهمة التدمير، فلم تخسر جنديًّا واحدًا، سوى صواريخ كروز التي أطلقتها وبتمويل من البترودولار، حيث من المحتمل أن توكل إلى حلف شمال الأطلسي مهمة إسناد الأطراف الوكيلة والبديلة للوجود الأميركي في شمال سوريا وشرق الفرات.
لذلك، لم يكن القرار الأميركي بانتشار القوات الأميركية في غرب العراق وحتى الحدود السورية إلا من أجل تقديم الدعم، وعدم الرغبة في مغادرة سوريا، وإنجاز مخطط عزل سوريا عن جوارها العراقي، وبالتالي تقطيع أواصر المحور الممتد من إيران والعراق وحتى سوريا فلبنان.
على أن إعلان ترامب عدم تحديده جدولًا زمنيًّا لتنفيذ انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية، بالإضافة إلى الجولة المكوكية التي يقوم بها كل من جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، ومايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة، جاء إثر تطورات ميدانية تمثلت في دخول الجيش العربي السوري مدينة منبج وسط ترحيب من بعض المكون الكردي، وبدء روسيا الاتحادية عمليات عسكرية دقيقة ضد فلول التنظيمات الإرهابية في محافظة إدلب، ما يعني إمكانية انهيار ما تريده واشنطن من قبل وكلائها وعملائها في سوريا في شمالها وشرقها، وبالتالي لا بد من تأخير الانسحاب وتنظيم تنفيذه ريثما يتمكن الوكلاء والعملاء من تنظيم صفوفهم وقوتهم وتثبيت ركائزهم.
ما يمكن الخلوص إليه من كل هذه المراوغات والمماطلات والجولات، هو أن معسكر التآمر والعدوان على سوريا لا يزال يسابق الزمن لمنع الدولة السورية من إنجاز نصرها الكامل على الإرهاب، وإجهاض أي حل سياسي لا يتوافق مع الأجندات المشبوهة للغرب الاستعماري ولبعض قوى الإقليم ذات الطموحات الاستعمارية والتخريبية.
5 الاقتصاد العالمي الجديد
وليد الزبيدي
الوطن العمانية
بدعوة كريمة من الأخ الدكتور مثنى حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق، ألقيت محاضرة في مجلس الخميس الثقافي، الذي يحضره ويشارك فيه نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن المعرفي والثقافي والعلمي، وبما أن عنوان المحاضرة تكون من اختيار الباحث، فقد ارتأيت الحديث عن موضوع يحتل الصدارة في الاهتمامات الإقليمية والدولية، لكن ثمة قلة وندرة في البحث فيه والحديث عنه رغم أهميته، لهذ جاء عنوان المحاضرة بعنوان (الاقتصاد العالمي الجديد .. الآفاق المنظورة)، وهنا لا أريد إعادة ما جاء في تلك المحاضرة التي بثتها مرات عدة قناة الرافدين الفضائية، لكن ما يهمني في الأساس، الحديث عن الجوانب غير المنظورة في هذا الموضوع، أو لنقل ما نحتاج إليه في البحث فيه والحديث عنه.
لقد أثار الموضوع والحديث عن اقتصاد المعرفة أو ما يطلق عليه أحيانا باقتصاد الإنترنت واقتصاد العولمة، بالإضافة إلى تسميات عديدة أخرى نقاشات وحماس من غالبية الحضور، الذين يتوزعون بين المثقف والمهتم والخبير الاقتصادي، فكانت المداخلات التي تطرقت إلى قضايا اقتصادية متنوعة والتساؤلات التي أثارها الموضوع لدى العديد من الحاضرين، تؤشر بعض الملاحظات، وهو أمر متوقع عند الحديث في هذا الحيز الواسع والعميق والمتشعب، الذي ينتشر بسرعة وتزداد قوته باطراد، ويفرض هيمنة غير مسبوقة في الأسواق التجارية والاقتصادية في مختلف دول العالم.
من أهم النقاط التي يمكن للباحث استنتاجها أنه ورغم أهمية وخطورة التداعيات الواسعة التي يتركها هذا الاقتصاد في حياتنا اليومية، والدور المؤثر والفعال في السياسة الإقليمية والدولية، إلا أن الباحث يدرك حجم المعرفة المطلوبة من قبل الجميع، ويكتشف بسهولة، أن ثمة نقصا في المعلومات والتصورات التي تفضي إلى رؤى وقناعات يتم في ضوئها تحديد المسارات الحالية والمستقبلية في مختلف مناحي الحياة، وهذا أمر طبيعي في اقتصاد يسير بسرعة فائقة جدا أو يمكن القول إن التسارع الكبير في الخطى التي يقطعها الاقتصاد العالمي الجديد والتي لم يشهد أي اقتصاد آخر في الماضي مثل هذا التسارع في انتقالاته، تقتضي سرعة مماثلة في فهم هذا الاقتصاد ومدى تأثير ذلك على السياسات الدولية والإقليمية والداخلية، إذ تبقى أهم أعمدة الحياة الاجتماعية مرتبطة بالاقتصاد الذي يمكن أن يرتقي بالمجتمعات والدول إلى محطات متقدمة ويمنح الجميع أفضل الفرص للبناء والتنمية، أو يثقل المجتمعات بالتخلف والفقر والأمراض، وبدون شك أن الفرق شاسع جدا بين الدول والمجتمعات التي تستطيع خوض تجارب البناء في ضوء عوامل القوة التي تساعدها في ذلك وعوامل الضعف والوهن التي تنخر في البنية المجتمعية بسبب سوء وقصور في فهم المعطيات المنظورة والمحتملة.
بدون شك أن الحاجة كبيرة لسدّ فجوات عديدة في قوة تقود العالم وتؤثر فيه بقوة وشراسة غير مسبوقة.