1 اثار الانسحاب الامريكي من سوريا والموقف العراقي ادهم ابراهيم
راي اليوم بريطانيا
فجأة ومن دون سابق انذار قرر الرئيس الامريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا تحت ذريعة هزيمة داعش وعدم وجود مبرر لبقاء قواته فترة اطول . اننا لانعرف بالضبط الدوافع الحقيقية للرئيس الامريكي لسحب قوات بلاده من سوريا , والتي ادت الى استقالة وزير دفاعه ماتيس احتجاجا على هذا القرار في حين ايده وزير الخارجية مايك بومبيو , كما رحب به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الكل يعلم ان جيوب وذيول داعش وقياداته مازالت تصول وتجول في سوريا والعراق , وان خطر عودته مازالت تهدد الشعبين السوري والعراقي ولذلك فان انسحاب القوات الامريكية من سوريا سيرتب مخاطر كبيرة على ارض الواقع لعل اول المتضررين من الانسحاب الامريكي المفاجئ هي قوات سوريا الديموقراطية ( قسد) التي بذلت جهودا في التصدي لداعش على الارض السورية من خلال تعاونها اللامحدود مع القوات الامريكية , وكانوا يمنون النفس في الحصول على حكم ذاتي للمناطق الكردية في سوريا بمساعدة الولايات المتحدة فوقعوا في نفس خطأ القيادة الكردية في العراق ومع نفس الحليف الامريكي.
وفي وقت لاحق اعلنت قوات سوريا الديموقراطية التي تظم الكرد في معظمها انها لاتستطيع الاحتفاظ بمئات الاسرى والمسجونين من العناصر المتطرفة لديها . وقد تطلق سراحهم . وهذا يمثل خطرا بالغا حيث سينتشرون في الاراضي السورية والعراقية ليعيدوا تنظيمهم ويعاودوا هجماتهم على المدن والقرى الامنة مرة اخرى . وبذلك سنعود الى المربع الاول والتحشيد لطردهم . . كما سيذهب قسم منهم الى اوروبا . مما سيرتب عليهم اعباء امنية اضافية اصبحت القوات الفرنسية والبريطانية المتواجدة في سوريا في وضع حرج ، جراء قرار الانسحاب الامريكي , وهي قد ارسلت اساسا بناء على طلب الامريكان انفسهم للمساهمة في طرد داعش من الاراضي السورية ولمساعدة الولايات المتحدة في مهماتها العسكرية هناك.
يقول ترامب في احدى تغريداته وهو يدافع عن قراره بسحب القوات الامريكية , انه ليس من مصلحة امريكا الدفاع عن الاخرين والتضحية بالجنود الامريكان , ومن دون مقابل . . وفي هذا الصدد فهو يتماها مع مطالبة النظام في دمشق وكذلك الروس والايرانيين في خروج القوات الامريكية من الارض السورية . وهم يعلمون او لايعلمون ان تعقيدات جديدة سوف تستجد عند التماس مع القوات التركية التي ستتواجد على الارض السورية , او التصدي للدواعش مرة اخرى . بعدما استكانوا لانتصاراتهم على المعارضة في اغلب المناطق السورية ويعدون العدة لتصفية كل الجيوب واعادة الاستقرار للنظام.
و في المقابل سيكون الاتراك من اكبر المستفيدين من انسحاب القوات الامريكية ، خصوصا بعد قيام الرئيس الامريكي بالتنسيق معهم بهذا الصدد . كما ان الانسحاب الامريكي قد جاء مباشرة بعد التهديد التركي باجتياح مناطق شرق الفرات والقضاء على الارهاب الكردي على حد قول الرئيس التركي , وان هناك تنسيقا امريكيا تركيا بمستوى عال في التحرك داخل الاراضي السورية تحت ذريعة مكافحة الارهاب ان اي هجوم تركي على شرقي الفرات سيؤدي بالضرورة الى هجرة الاف السوريين وخصوصا الكرد منهم الى العراق مما سيرتب اعباء اضافية امنية واقتصادية على الحكومة العراقية وحكومة الاقليم.
اما الموقف العراقي تجاه الانسحاب الامريكي من سوريا فسيشوبه التخبط والانفعال . حيث سيعرض على البرلمان مشروع قانون لانهاء التواجد الامريكي في العراق وفي هذا الوقت البالغ التعقيد .، خصوصا وان العراق يعتبر من المناطق الرخوة امنيا . وان هناك كثير من العناصر المتطرفة على الحدود العراقية السورية . والكل يعلم ان العصابات الارهابية كانت تاتي على الدوام من هذه المنطقة الخطرة والستراتيجية.
اذا ماحاولت السلطات العراقية محاباة النظام الايراني خصوصا بعد العقوبات المفروضة عليها , والاصرار على اخراج القوات الامريكية . فان الامريكان قد ينسحبون من العراق ايضا. وفي هذه الحالة سيعود الخطر الداعشي على المدن العراقية وبشدة هذه المرة . اذ ربما سيقول الرئيس الامريكي لماذا ندافع على العراق وهو واقع في احضان الايرانيين . او لماذا نضحي بالجنود الامريكان من اجل العراق دون مقابل . وهذا ماقاله بالضبط عند انسحابه من سوريا . . وعندئذ هل سينجو العراق من العقوبات اسوة بايران . وهل يستطيع العراق البقاء يوما واحدا دون دعم الولايات المتحدة له على كل الاصعدة . . واذا نشر العراق قوات داخل الاراضي السورية كما هو متوقع , فهل سيضمن عدم التماس مع القوات التركية , اضافة الى خطر داعش ، وشبح الحرب الاهلية الذي بدأ يلوح في الافق , والازمات الاقتصادية المتوقعة , وتذمر الشعب المتزايد من الحكومة ونقمته على احزابها . فهل حسب السياسيون او الحكومة هذه الحسابات , ام ان تحزباتهم ومصالحهم الضيقة قد حجبت عنهم رؤية المصالح الوطنية العراقية او مصالح الشعب العراقي المغلوب على امره.
ان رئيس الوزراء العراقي المحبط حاليا من تنازع الاحزاب والكتل السياسية على الوزارات والمناصب الحكومية الاخرى , سيكون في وضع حرج اذا ما انساق وراء الدعوات المشبوهة لبعض السياسيين والكتل لجر العراق في تحالفات قد تؤدي الى حرب اقليمية جديدة لاناقة له فيها ولا جمل . او هو فعلا جزء من المنظومة السياسية التي ستقود العراق نحو الهاوية لاسمح الله .
2 ذكرى إعدام صدام.. حلم عربي تدلى من حبل المشنقة سفيان بنحسن راي اليوم بريطانيا
أذكر منذ أكثر من عقد ونصف من الزمان، أيام كنت طالبا بكلية العلوم الإقتصادية بتونس، محاضرة لأحد الأساتذة حول مؤشرات تصنيف الدول بين متقدمة ونامية، وعلى هامش الحصة إنتقل بنا الأستاذ بحديثه إلى العراق أو التجربة التي رأى فيها نجاحا فريدا لدولة عربية إستطاعت تجاوز الهوة العميقة الفاصلة بين العالمين، حدثنا عن العراق العظيم بكثير من الشجن مشيرا إلى أن مؤشرات التطور لتلك الدولة لم تضعها فقط ضمن قائمة الدول المتقدمة وإنما ضمن قائمة الدول العظمى، لم يكن العراق ليقارن بإسبانيا والنمسا وبولندا وإنما فقط بأسياد الكون ولعله لو تمكن من فك خيوط المؤامرة لصار منهم. مؤشرات التطور في العراق تجاوزت المجال الإقتصادي إلى الإجتماعي والثقافي، حدثنا عن نظافة شوارع بغداد حتى من أعقاب السجائر، عن الآفاق المفتوحة أمام كل وافد عربي، عن تقديس العمل وتشجيع الإبداع، عن الثقافة والشعر وعن شارع المتنبي الذي يزدحم فيه الباحثون عن آخر الإصدارات الأدبية أو عن أقدم المخطوطات النادرة.
نجح العراق حيث فشل معظم أشقائه، ولنجاحه أسباب علينا الأخذ بها إذا ما رمنا الخروج من دائرة التخلف والتبعية والإرتهان للأجنبي، ومن العوامل نذكر سياسة العراق في التعاطي مع الثروة النفطية والتي كانت مغايرة لسياسة أشقائه، ففي الوقت الذي وظفت فيه ممالك الخليج ثرواتها لمحاربة كل نفس تحرري في المنطقة إختار العراق تسخير ثرواته لبناء الإنسان العراقي وتخريج آلاف الكفاءات العلمية ووضع لبنة نهضة عربية رائدة، كان النفط العربي قبل العراق العظيم أداة بيد الغرب يوظفها لإجهاض أحلام الأمة وعنه قال الراحل بومدين “هذه أكبر عملية نصب في تاريخ الأمم”، فبالنفط دفعت الرشى لنسف مشروع الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا وبه تم إنهاك الجيش المصري في اليمن تمهيدا لضربة قاصمة يوجهها العدو الصهيوني، وبه تجاوزت أمريكا أزماتها الإقتصادية وكان حكامنا في كل تلك الأحداث نواطيرا امام آبار النفط المسخرة لخدمة الغرب لتنقلب الثروة من نعمة إلى إبتلاء حتى أتى الإستثناء من بغداد التي رفعت شعار نفط العرب للعرب وبناء الإنسان قبل بناء الجدران وإختارت توظيف مواردها لمحاربة الأمية بحزم والنهوض بجودة التعليم حتى أقرت اليونسكو قبل العدوان الثلاثيني أن العراق يمتلك نظاما تعليميا يعتبر الأفضل في المنطقة. وكان من البديهي أن ينتج هذا النظام التعليمي آلاف الكوادر والعلماء الذين قد يمثلون نقطة تحول فاصلة إذا ما وظفها النظام المجاهد في الصراع العربي الصهيوني.
نجاحات السياسات العراقية بقيادة البكر ثم صدام مكنت البلاد أيضا من تطوير نظامها الصحي ليكون بشهادة اليونيسيف رائدا في المنطقة، ووفقا للتقرير الصادر سنة 2003 بالإشتراك بين اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والذي حمل عنوان “واتشينق برييف” فإن العراق كان قبل الحصار الجائر والعدواني الثلاثيني يعيش عصرا ذهبيا في جل مجالات الحياة.
إختارت بغداد تسخير كل مقدراتها لبناء الإنسان العراقي ولفتح الآفاق أمام كل عربي يطرق بابها، كانت البلاد تسير بثبات نحو إرساء عصر فيكتوري عربي تعبر فيه الأمة إلى ضفة الدول الصناعية كما عبرت بريطانيا زمن الملكة فيكتوريا من قطر زراعي إلى عملاق إقتصادي، لكن في الوقت الذي بحث فيه العراق عن سبل إستنساخ العهد الفيكتوري إستنسخت ممالك الخليج تجربة مدام كلود الفرنسية متخذين من سكان البيت الأبيض والإليزيه وبيكنغهام زبائن دائمين.
العراق الفقيد كان عظيما باحلامه ومشاريعه، بطموح قادته وبإخلاصهم في نسف الحدود أمام المواطن العربي القادم من المغرب ومن جنوب الصحراء ومن البحر الأحمر، كان العربي مواطنا عراقيا دون الحاجة إلى كفيل أو إقامة، وكانت بغداد كعبة الباحثين عن الأمل والكرامة والعلم، في العراق كان يمكن لغير العراقي على أن يكون عربيا أن يتقلد أرفع المناصب في الدولة، كان مجسما للوحدة العربية لا يحتاج فيها الوافد لتجديد الإقامة فكان الغريب فيها غريب الوجه واليد واللسان فإن كنت تحمل ملامح عربية وتكتب بلغة الضاد وتنطق بها فلك حقوق العراقي وعليك واجباته ولهذا أحببنا العراق ورفعنا صور قادته من البكر إلى صدام ورفاقه الأبطال، فلم يكونوا قادة للعراق وإنما للامة العربية ولم يكن حديثهم عن وحدة عربية لإلهاب حماس الجماهير وإنما كان مشروعا عظيما أخلصوا له وتفانوا في تحقيقه رغم دسائس إخوة يوسف ومكرهم.
اليوم نحيي ذكرى إستشهاد القائد الرمز، المهيب الركن العابر للطوائف، الفارس القادم عبر بوابة الزمن من عصر الإغريق، نحيي ذكرى إستشهاد صاحب الحسين والعباس والصمود والعابد والحجارة، ذكرى الرجل الذي أثبت لنا أن فكرة التطور العربي ليست طوباوية غير متصلة بالواقع وأنها إذا ما صدقنا العزم أقرب إلينا من حبل الوريد، ذكرى الرجل الذي أثبت لنا تاريخه أن الطعنة القاتلة لا تأتيك من بلاد العم سام وإنما من بلاد الحرمين واكشاك الخليج المحكومة رغما عن اهلها بمن تبقى من بني القينقاع والنضير وقريظة وأن أولى شروط الخلاص أن توجه رصاصتك نحو العدو وتبقى ألف رصاصة نحو ملوك الغدر والخسة والخيانة والنذالة.
3 دلالات الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية وزيارة ترامب للعراق
محمد بن سعيد الفطيسي
الوطن العمانية
الزيارة المفاجئة والسرية للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق في ذات الشهر الذي تؤكد فيه الإدارة الأميركية سحب قواتها من الأراضي السورية له العديد من الدلالات السياسية والعسكرية والأمنية، بالرغم من أن البيت الأبيض قد أكد على أن هدف الزيارة هو تقديم الشكر إلى القوات الأميركية هناك على “خدماتهم وإنجازاتهم وتضحياتهم”، ومن أبرز ما يمكن الإشارة إليه كدلالات سياسية وجيوسياسية من وراء تلك الزيارة التالي:-
أولا : نجاح الضغوط والسياسات “الروسية التركية الإيرانية السورية “في توجيه بوصلة تركيز المصالح والاهتمام السياسي والعسكري الأميركي بعيدا عن سوريا بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية سحب قواتها من سوريا، بالرغم من أن هذا الانسحاب هو أقرب إلى رفع اليد المؤقت أو يمكن أن يسمى تحركا تكتيكيا وليس انسحابا كاملا من وجهة نظري، وهو ما يتأكد من خلال تصريحات ترامب إمكانية استخدام العراق كقاعدة في حال أرادت الولايات المتحدة الأميركية أن تفعل شيئا في سوريا كتوجيه ضربة عسكرية أو عملية محددة، مدافعا عن قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا بعد هزيمة تنظيم “داعش” على حسب تعبيره .
ثانيا:- يعد الانسحاب التكتيكي للقوات الأميركية من سوريا أشبه بإعادة توزيع المهام على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية، خصوصا في مناطق النزاع والصراع والاضطراب، وهو ما يدل على احتمال تحول تكتيكي قادم في العقيدة العسكرية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، يضاف إلى ذلك أن هذا التقاسم للمهام والمصالح يقابله توزيع آخر للصراع مع التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش، كما يعد من جهة أخرى إشارة واضحة إلى تخلي الولايات المتحدة الأميركية ضمنيا عن القضية الكردية.
ثالثا :- من ضمن ما تشير إليه مجمل تلك التحولات والأحداث السابقة قرب استعادة الدولة السورية سيادتها واستقلالها على كامل أراضيها، وهو دليل آخر على بداية انسحابات قادمة لتلك القوى من الأراضي السورية، فمن المتوقع أن تتوالى الانسحابات كالتالي” القوات الإيرانية ومن ثم القوات التركية ” وبقاء القواعد الروسية القديمة.وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في مقابلة له مع وكالة بلومبيرغ الأميركية يوم الخميس الموافق 27/12/2018م.
رابعا : تحويل ذلك التركيز والاهتمام في المستقبل إلى العراق، فالزيارة على ما يبدو تؤكد استمرار تواجد قوات الولايات المتحدة الأميركية على الأراضي العراقية إلى أمد ليس بالقصير، وهو ما أكده الرئيس الأميركي ترامب أثناء الزيارة بقوله: إنه ليس لديه أي خطط لسحب قوات بلاده من العراق. أما من جهة أخرى فهو يعني ارتفاع سقف الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية للعراق في مقابل سوريا، خصوصا أن العراق يعد من وجهة النظر الأميركية الدائرة الأكثر سخونة واضطراب بالنسبة لها سواء أكان ذلك لما يشكله من خطورة على أمنها القومي بسبب ما تسميه بالتدخل والنفوذ الإيراني الصريح وما يتبعه من تصرفات وسلوكيات وأفعال قائمة وقادمة، أو بما يمثله العراق من أهمية جيواستراتيجية لمصالحها في الشرق الأوسط.
خامسا:- عدم لقاء الرئيس الأميركي بأي من القيادات العراقية يؤكد الخلافات الواضحة بين القيادة السياسية العراقية والقيادة الأميركية حول الكثير من القضايا المشتركة وهو ما أكده مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في بيان له قائلا: (إن اجتماعا بين القيادة العراقية والرئيس الأميركي دونالد ترامب أُلغي بسبب خلافات وتباين في وجهات النظر أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع)، وهو ما يؤكد من ناحية أخرى على تحول في البناء الهيكلي للإدارة السياسية العراقية .
سادسا: إن الولايات المتحدة الأميركية تستعد لإعادة غربلة مشاريعها السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، سواء من حيث تشكيل تحالفاتها أو إعادة بناء توجهاتها المستقبلية، وإعادة تسليط الضوء على العراق دليل واضح على أن هذه الأخيرة ستكون القاعدة المركزية للعديد من التوجهات والمشاريع المستقبلية للولايات المتحدة الأميريكية في هذه البقعة من العالم، خصوصا أن الرئيس ترامب أعلن من العراق عن نيته إنشاء قاعدتين عسكريتين جديدتين.
4 الدكتور هاشم مكي الهاشمي وليد الزبيدي الوطن العمانية
عندما التقيته للمرة الأولى قبل عدة سنوات لم اتوقع أنه يحمل في طيات ذاكرته كل هذا التاريخ، وبعد كل لقاء مع الأستاذ الدكتور الطبيب هاشم مكي الهاشمي تزداد دهشة من علمه أولا في تخصصه، فقد وصفه الدكتور الصديق نبيل المختار الطبيب البارع في علاج الأنف والحنجرة بأنه الأبرع في الجراحة على مستوى الشرق الأوسط، وهذا الرأي يؤيده جمهرة الاطباء العراقيين وعدد ليس بالقليل من الأطباء العرب الذين عرفوا الدكتور هشام مكي الهاشمي أو عملوا معه، في آخر لقاء جمعني بالهاشمي اهداني مشكورا نسخة من كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا بعنوان “رحلة إلى الماضي الجميل حكاية حياة طبيب عراقي”، اللافت أن الهاشمي من مواليد أوائل ثلاثينات القرن العشرين، كما ورد في الكتاب، وهذا يعني أن الطاقة العلمية والأكاديمية الكبيرة يقترب من التسعين، أطال الله في عمره، وما زال في قمة عطائه ونشاطه، فما يزال يمارس اختصاصه في أحد المستشفيات في المملكة الأردنية، ويواصل التأليف والنشر، كما يظهر في بعض الفضائيات ليروي الوقائع والأحداث الكثيرة، ومن بين اللقاءات المتميزة ظهوره مع الإعلامي العراقي الدكتور مجيد السامرائي في برنامجه المتميز اطراف الحديث الذي تبثه قناة الشرقية منذ سنوات.
الهاشمي يعشق مدينة بغداد التي ولد فيها وترعرع في أزقتها قبل أن يسافر إلى المملكة المتحدة لدراسة الطب، اغرورقت عيناه وهو يفتح صفحات كتابه على صور لبغداد، كما أنه اورد لمحات من تاريخ هذه المدينة التي أسسها الخليفة العباسي المنصور في العام 762 ميلادية، وجمع معلومات واحصاءات عن بغداد، يقول: بغداد عاصمة العراق، بلغ عدد سكانها في العام 2013 حوالي 7,6 مليون نسمة، ما يجعلها أكبر مدينة في العراق وثاني أكبر مدينة في الوطن العربي بعد القاهرة، وتأتي بالمرتبة 16 عالميا من حيث عدد السكان، وتعد المركز الاقتصادي والتعليمي في العراق.
وحتى يبث الأمل في نفوس العراقيين الذين ينهش قلوبهم الحزن و الألم على بغداد المغدورة، يستشهد ببعض ابيات من قصيدة الدكتور مصطفى جمال الدين عن بغداد:
بغداد ما اشتبكت عليك الاعصر إلا ذوت .. ووريق عمرك أخضر
مرت بك الدنيا وصبحك مشمس ودجت عليك و وجه ليلك مقمر
وقست عليك الحادثات فراعها أن احتمالك من أذاها .. أكبر
الذي يسوح مع كتاب الدكتور الهاشمي يجد الكثير من المعلومات التي دونها بلغة ادبية، يجمع فيها أهم حقب وفصول حياته الثرية بالعمل والعلم والمعرفة، يأتي على تفاصيل حياته البغدادية وعائلته وبين هذه الواقعة وذاك الحدث يرمي بما شاهد وما صادف، فتشعر أنك تعيش معه تلك الأيام وتغرف من نهر التاريخ ما يضيف الكثيرمن المعلومات والمشاهد.
5
2شباط 2019 لناظره قريب عوني الداوود الدستور الاردنية
القضايا المتراكمة بين الاردن والعراق كثيرة ومنذ العام 1991، ولطالما سمعنا عن اتفاقيات او توافقات حول بعض تلك القضايا العالقة دون أن نجد لها اثرا ملموسا على ارض الواقع!
فما الذي يجعلنا نقتنع هذه المرّة أن ما تم التوافق عليه خلال زيارة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز على رأس وفد وزاري رفيع المستوى الى العراق منذ يومين، واللقاءات والمباحثات التي أجراها، مختلفة هذه المرّة؟ أو بصريح العبارة – وهذا سؤال طرحه البعض: بماذا تختلف هذه الزيارة عن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء السابق الدكتور هاني الملقي؟ ولماذا لم يحدث شيء ملموس منذ تلك الزيارة؟ ولماذا علينا أن نتفاءل هذه المرة بأن شيئا قد يتحقق على أرض الواقع قريبا؟
كل هذه تساؤلات سمعتها خلال الساعات القليلة الماضية منذ العودة من بغداد، لذلك لا بد من الاشارة بأن ظروف وتوقيت الزيارتين مختلف تماما، فأقصى أمنيات الزيارة الاولى كانت افتتاح معبر طريبيل، وقد تحقق ذلك.
أما الزيارة الاخيرة منذ يومين فهي تأتي بعد انفراج الاوضاع في العراق بعد القضاء على داعش، والامل بتحسنها في سوريا، الامر الذي استوجب توحيد الجهود المشتركة الاردنية والعراقية لحماية حدود البلدين اولا، لمواجهة مرحلة ما بعد داعش، خاصة بعد القرر الامريكي المفاجئ بالانسحاب من سوريا، وهذا امر يتطلب التعاون الامني بين البلدين لحماية حدودهما من أية ارتدادات او هجومات ارهابية.
أما على الصعيد الاقتصادي فالاردن والعراق الان أحوج ما يكونان الى بعضهما وهما – كما وصف رئيسا الوزراء د. الرزاز ود. عبد المهدي بأن كلا البلدين بمثابة الرئة التي يتنفس منها الاخر.
خلال الزيارة المكثفة بلقاءاتها ومحادثاتها بدا واضحا توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني، واشرافه التام والدقيق على التوافقات وهذا ما اكده الطرفان خلال المحادثات والتصريحات، الامر الذي أبدى ارادة واضحة بضرورة ايجاد حلول سريعة وناجعة لكل القضايا العالقة.
يؤكد كل ذلك أن هناك موعدا وبرنامج عمل اتفق عليه الطرفان وهو 2 شباط 2019 ليكون انطلاقة التعاون، وقبل هذا الموعد من المفترض والمتوقع أن يعمل الطرفان على ايجاد اجابات على كل التساؤلات العالقة في كافة القطاعات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ما هي السلع الاردنية الـ390 التي اتفق على اعفائها من الرسوم وفقا للاتفاق التجاري القديم الذي سيعاد تفعيله؟ وكذلك ما هي كميات النفط التي سيتم تزويد الاردن بها ( وان كان الحديث بداية حول 10 آلاف برميل يوميا ) وكم سيكون السعر المخفض؟ وما هي آليات النقل وكلفها؟ وما هي تفاصيل مشروع النفط العراقي ( البصرة – العقبة ) الذي دار ويدور حوله الكثير من التساؤلات وهل سنرى قريبا ما يؤكد بدء العمل به؟ كذلك نتوقع الاعلان عن رقم ( المقاصة ) للمطالبات المالية بين الجانبين؟ وأيضا ننتظر طرح مناقصة لتنفيذ المنطقة الصناعية المشتركة، ومتى سيحتفل بوضع حجر الأساس؟
كل هذه التساؤلات نتوقع أن تكون اجاباتها جاهزة بتاريخ 2 شباط ليبدأ بعدها برنامج العمل لكافة القطاعات.
متفائلون هذه المرة بكل مخرجات الزيارة الى بغداد انطلاقا مما لمسناه من ارادة وتصميم من الطرفين، وحاجة ومصلحة مشتركة، ومن التزامهما ببرنامج قريب، مع امكانية حقيقية للبدء بمشاريع سريعة التنفيذ وفي مقدمتها اعفاءات السلع، والنفط التفضيلي، واعفاءات الصادرات العراقية عبر ميناء العقبة، وانطلاقة العمل في المدينة الصناعية المشتركة.6 مقالات عن العراق