مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

1 ماذا تريد واشنطن من طهران؟
محمد سيد رصاص الحياة السعودية

حدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم الاثنين 21 أيار (مايو) 2018، المطالب الأميركية من ايران شرطاً للتوصل إلى «اتفاق جديد» مع إيران، وجاءت هذه المطالب ضمن الاستراتيجية الجديدة لواشنطن تجاه إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي في 8أيار (مايو)، وهي: «الإفصاح عن كامل الأبعاد العسكرية لنظامها النووي والسماح لوكالة الطاقة الذرية بتفتيشه بشكل مستمر- التوقف عن تخصيب اليورانيوم، والتخلي عن محاولات معالجة البلوتونيوم، وإغلاق مفاعل الماء الثقيل – أن تسمح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول الكامل إلى كافة المحطات النووية العسكرية وغير العسكرية – أن تضع إيران حدا لانتشار الصواريخ الباليستية وإطلاق الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوسا نووية – إطلاق سراح المواطنين الأميركيين وكل مواطني الدول الحليفة – إيقاف دعم إيران لمجموعات إرهابية في الشرق الأوسط مثل حزب الله وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين- احترام الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية – إيقاف دعم الميليشيات الحوثية في اليمن وأن تعمل على التوصل لحل سياسي في اليمن – سحب كل القوات التي تخضع لأوامر إيران من سورية – إيقاف دعم طالبان وجميع العناصر الإرهابية وإيواء عناصر القاعدة – إيقاف دعم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني شركاءه من الإرهابيين – يجب على إيران أن توقف سلوكها الذي يهدد جيرانها، وكثير منهم حلفاء للولايات المتحدة. في مقابل ذلك، فإن الولايات المتحدة أعربت عن استعدادها لرفع العقوبات في نهاية المطاف.» (عن موقع «سكاي نيوز العربي»). في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 دخلت العقوبات الأميركية على ايران مداها الكبير بعد بدايات في الصيف الماضي (4 نوفمبر هو يوم تمت فيه السيطرة على السفارة الأميركية في طهران من قبل طلاب موالين للخميني عام 1979).
قد تكون مفارقة أن واشنطن وطهران، المتحالفتان في غزو واحتلال العراق عام 2003 ثم في ترتيب «مجلس الحكم» لبول بريمر، هما في صراعهما المفتوح منذ آب (أغسطس) 2005 مع استئناف طهران لبرنامج تخصيب اليورانيوم، ولومع استراحة قصيرة بدأت مع اتفاق 14 تموز 2015(يوليو) حول البرنامج النووي الايراني حتى انسحاب دونالد ترامب في 8أيار2018من ذلك الاتفاق، تحددان مستقبل المنطقة.
قول الجنرال رحيم صفوي القائد السابق لـ«الحرس الثوري الايراني» ثم المستشار العسكري لعلي خامنئي أن «إيران هي القوة الاقليمية العظمى» يستند إلى امتلاك طهران نفوذاً في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وفي كابول، كما تملك تأثيراً على حركتي حماس والجهاد في فلسطين، وهي لها الكلمة القوية عند شيعة البحرين (50 في المئة من السكان) وشيعة باكستان (20 في المئة من السكان). الآن منذ 8 أيار 2018 هناك مواجهة مفتوحة بين إيران والقوة العالمية الأعظم، أي الولايات المتحدة الأميركية. تتحدد التحالفات في المنطقة والعالم على وقع هذه المواجهة، أي التحالف الأميركي- الخليجي في مواجهة (ثالوث سوتشي: موسكو- أنقرة – طهران). كلما ازداد التوتر الأميركي – التركي، وهو متفجر منذ محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان في 15 تموز 2016، يزداد اقتراب أنقرة من طهران، ولم تنفع مناورات أردوغان في قضية خاشقجي في انشاء صفقة أميركية – تركية على حساب الرياض تشمل مجمل اقليم الشرق الأوسط . بالمقابل يناور بوتين ويستثمر التجابه الأميركي – الايراني لتحسين وضعه في سورية.
من الواضح هنا أن استراتيجية ترامب هي جعل بوتين وخامنئي في حالة مجابهة بالساحة السورية وهو يربط الانسحاب الأميركي من شرق الفرات السوري بمطلب أميركي هو الاخراج الروسي للإيرانيين ومن والاهم من قوات متعددة الهويات والجنسيات من سورية.
توحي ترتيبات اتفاق الجنوب السوري في تموز 2018 بأن موسكو منفتحة على هذا المطلب الأميركي (والاسرائيلي) وهي تناور لتحصيل أثمان مرتفعة مقابل ذلك في سورية وأوكرانيا وعلى صعيد رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا المفروضة منذ الأزمة الأوكرانية عام 2014. لم يستطع الأوروبيون الوقوف على الحياد بين واشنطن وطهران في محاولة للحفاظ على مكاسبهم الاقتصادية في السوق الايرانية التي تم تحصيلها بعد اتفاق 14 تموز 2015. تحاول الدوحة وحركة حماس استثمار الخلاف الأميركي – الايراني للعب على الحبلين وعلى الأرجح لن ينجحا.
الصين والهند وباكستان تحاول أيضاً هذا الاستثمار. كان انفتاح واشنطن على كوريا الشمالية في ربيع 2018 من أجل التفرغ للمجابهة مع طهران. على الأرجح أن انحسار المد الكردي بالمنطقة بدءاً من كركوك 2017 وعفرين 2018 هو ناتج عن مفاعيل الصراع الأميركي- الايراني وما نتج عنه من ترجمات في بلاد الرافدين وبحكم تشكيل ثالوث سوتشي، كما أن مصير تجربة (حزب الاتحاد الديمقراطي-PYD)، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ستتحدد وفقاً لإيقاعات ومآلات مجابهة طهران وواشنطن، وما تقاربات هذا الحزب أو محاولات تقارباته في صيف وخريف 2018 ،عبر واجهته أي «مجلس سورية الديمقراطية»، من السلطة وبعض المعارضة، سوى محاولة للوقاية من الرياح الباردة القادمة، وتجنباً لمصائر جمهورية مهاباد الكردية بايران1946والملا مصطفى البرزاني عام 1975 بعد اتفاق شاه ايران وصدام حسين بالجزائر.
من الممكن القول ،هنا، أن علي خامنئي هو الحالة الرابعة بعد محمد علي باشا وجمال عبد الناصر وصدام حسين عندما تمنع القوة العالمية الأعظم (بريطانيا ثم الولايات المتحدة) نشوء قوة اقليمية (محمد علي باشا وعبد الناصر) أو تعاقب قوة اقليمية كبرى على تجاوزها للخطوط الحمر كما حصل من صدام حسين في 2 آب 1990 بغزوه الكويت وما أعقب ذلك من حرب 1991 و«التحالف الثلاثيني» ثم حصار العراق وصولاً لغزوه واحتلاله. قادت الحالات الثلاث إلى حروب 1840 و1956 و1967 و1991 وغزو 2003. من المفارقة أن علي خامنئي الذي شارك جورج بوش الابن في ذبح صدام حسين هو الآن معرض للذبح بنفس الطريقة وعلى يدي واشنطن ربما بنفس السيناريو وربما بشكل آخر. في بعض الصحف الأميركية هناك تحليلات عن اتجاه أميركي لمنع طهران من الاحتفال بالذكرى الأربعين للثورة الايرانية في 11 شباط (فبراير) 2019، عبر اسقاط السلطة الايرانية قبل هذا التاريخ. يعاكس هذا تصريح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس: «الهدف الأميركي تغيير سياسات النظام الايراني، وليس اسقاطه». قد يكون هذا لا يعاكس ذاك، وفقاً للتجربة السوفياتية، حين أدى تحجيم موسكو عالمياً عام 1987 واقليمياً في اسقاط منظومة حلف وارسو عام1989إلى سقوط حكم الحزب الشيوعي السوفياتي بموسكو في آب 1991 ثم تفكك الاتحاد السوفياتي في الأسبوع الأخير من عام 1991، أوتجربة نابليون بونابرت حين كانت عملية فقدانه لتمدداته العسكرية الأوروبية، بدءاً من تراجعه عن روسيا (1812) ثم ألمانيا (1813)، مدخلاً إلى فقدانه السلطة في باريس عام1815 ونفيه لجزيرة سانت هيلانة في جنوب المحيط الأطلسي.
2 من ما تبقى من يهود العراق في بغداد
وليد الزبيدي الوطن العمانية
أول من تأثر بالغزو الأميركي للعراق ومن ثم احتلاله من تبقى من يهود العراق، أولئك الذين أصروا على البقاء في بلدهم رغم المحاولات الكثيرة التي توزعت بين الإغراء والترهيب منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين حتى الغزو الأميركي في ربيع العام 2003، وكانت حياة اليهود في العراق تسير بانسيابية تامة دون وجود أية منغصات تذكر، وأذكر هذه المعلومات بعد لقاءات عديدة جمعتني بشخصيات يهودية في بغداد خلال الفترة التي أمضيتها في تأليف كتاب عن يهود العراق، وفي يوم الثلاثاء الموافق الثامن عشر من أيلول/سبتمبر 2001، احتفلت الطائفة اليهودية في العراق بهدوء بالسنة الجديدة التي تحمل الرقم 5762، ومارس أعضاء الطائفة طقوسهم التقليدية في هذا اليوم، ويبلغ عدد اليهود في العراق في ذلك الوقت (حسب مقابلة الكاتب مع محامي الطائفة) (32) نسمة يعيشون في العاصمة بغداد، ويلتقي أعضاء الهيئة الإدارية بصورة دائمة في مقر الطائفة، الذي يقع على ضفة نهر دجلة، ويتكون من طابقين، وهو من الطراز المعماري البغدادي القديم، ولا يحتاج زائره إلى طول عناء في البحث عنه، إذ يجد من يدله بمجرد أن يسأل أحد العاملين في شارع النهر “المستنصر” الذي يعد من الشوارع التجارية القديمة في بغداد، ويقع بين نهر دجلة وشارع الرشيد، وهو أقدم شارع في بغداد، وعلى مقربة منه تقع غرفة تجارة بغداد، التي أسست مطلع القرن العشرين، وفي الجانب الآخر، ما زال هناك شارع المصارف وسوق دانيال، وجاءت تسميته نسبة لإحدى العوائل اليهودية الثرية في العراق، عائلة دانيال، وما زالت السوق تحمل هذا الاسم، وتختص محلاتها ببيع الأقمشة ومستلزمات الخياطة، وهي التجارة التي بدأ اليهود العراقيون يتعاملون بها منذ بداية القرن العشرين وارتبطوا بعلاقات تجارية مع معامل النسيج في مدينة مانجستر البريطانية (دليل الدولة العراقية 1936).
وبرغم التوسع الهائل الذي حصل في العاصمة العراقية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، إلا أن المنطقة المحاذية لشارع النهر وشارع الرشيد، والممتدة إلى شارع الكفاح ومنطقة الشورجة، ما زالت هي السوق التجارية الأولى في العراق، حيث يتركز الغالبية العظمى من تجار الجملة في هذه المنطقة التي تنحصر بين ساحة الميدان، مدخل شارع الرشيد، والباب الشرقي، ولهذا احتفظت غرفة تجارة بغداد بمكانها المطل على نهر دجلة، وعلى مسافة كيلومترين تقريبا، يقع اتحاد الصناعات، حيث تقابله وزارة التجارة العراقية.
وفي مقر الطائفة اليهودية تلتقي اللجنة الإدارية لليهود العراقيين، وتشرف على أملاك الوقف العائدة لليهود، كما ذكر للكاتب ذلك ـ السيد ناجي جبرائيل يعقوب، رئيس اللجنة الإدارية (مقابلة شخصية 24/7/2001) وتتكون هذه اللجنة من رئيس وعضوين أصليين وعضوين احتياط، وتدير اللجنة جميع الأملاك.
ويقول رئيس اللجنة الإدارية، إننا نتمتع بجميع حقوقنا كمواطنين عراقيين، وهناك تفاصيل كثيرة يجهلها الكثيرون عن الحياة التي نحياها، وضرب مثلا على اندهاش البعض من الذين سمعوا بسفر رئيس الطائفة السابق إلى لندن، وقال: لم يحدث أن تقدم أحد بطلب الحصول على جواز سفر، ورد طلبه، بل إن العديد من أبناء الطائفة يسافرون ويعودون، وهذا أمر طبيعي جدا بالنسبة لنا، ولكنه، ولأسباب كثيرة، يبدو مثيرا للآخرين، واشترك عند هذه النقطة بالذات عزرا صالح (81 سنة) ويعمل مدير إدارة الطائفة، فقال: إن ولدي يدرس الآن في هولندا، ونحن على اتصال دائم معه، وذكر أن له ولدين هما (صالح وعماد) وأن الأول قد أكمل دراسته باختصاص هندسة كهرباء بجامعة بغداد، ثم سافر لإكمال دراسته الجامعية العليا في إحدى الجامعات الهولندية، أما ابنه الثاني (عماد عزرا) فهو يعمل في قطاع الأعمال الحرة ببغداد، ويمارس أعماله التجارية مع إخوانه من التجار، يقول عزرا صالح، إن ولدي عماد أكمل دراسته الجامعية في كلية الإدارة والاقتصاد، وبعد أن أكمل ولداي دراستيهما منتصف الثمانينيات، التحقا بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، أثناء الحرب مع إيران.
إلا أن أوضاع العراق بعد الغزو مباشرة، وما خلفه الوجود الأميركي في العراق، قد أثر سلبا على يهود العراق في بغداد فاضطر الغالبية العظمى منهم وربما جميعهم لمغادرة العراق.