5 مقالات عن العاق في الصحف العربية يوم الخميس

1 من البصرة وإليها.. الاحتجاجات قادمة
فاروق يوسف العرب بريطانيا

الحكومة العراقية تمارس غباء متعمدا حين تمضي في سياسة الهدر والإنفاق المالي التي أسس لها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.
شارف العراق مرات عديدة على الإفلاس بسبب اعتماده تلك السياسة.
وليس من المستبعد أن يستمر البلد الثري في طلب القروض من المؤسسات والمصارف الدولية، إضافة إلى أنه يلجأ إلى التسول طلبا للإعانة بين حين وآخر. وهو ما لا يشعر إزاءه المسؤولون العراقيون بالحرج.
هناك عجز دائم في الموازنة لا يمكن تفاديه ما دامت الدولة العراقية قد غرقت في وحول قوانين خاصة، تضطرها للإنفاق على فئات حزبية أو ما شابهها بذرائع مختلفة. كل تلك الذرائع تقع في ما يمكن اعتباره طفيليا لا تقر حقوقه القوانين المتّبعة في مختلف أنحاء العالم.
ولو عرف الشعب العراقي حجم ذلك الإنفاق الذي يعدّ هدرا معلنا للمال العام، لخرج عن بكرة أبيه إلى الشارع محتجا على الاستمرار في حياة، تستلهم مقومات وجودها من مكائد ودسائس وحيل اللصوص والأفّاقين والمحتالين الذين صادروا السلطات الثلاث، فصاروا مشرعين ومنفذين وقضاة في الوقت نفسه.
إنهم يشرّعون القوانين التي صنعت معنى مختلفا للعدالة لا صلة له بشرائع السماء ولا بقوانين الأرض. ذلك هو المعنى الذي يبيح لهم استباحة ثروات العراق إلى يوم الدين بذريعة جهاد وهمي.
لقد استولى “المجاهدون” على الجزء الأكبر من ثروة العراق، فيما تُرك الجزء الأكبر من الشعب العراقي وهو يعاني شظف العيش ويكافح من أجل أن يحصل على كفاف يومه.
ولكن مَن هم أولئك المجاهدون؟
هم حفنة من قطاع الطرق وأبنائهم وأحفادهم الذين تعيش الغالبية العظمى منهم خارج العراق. ولا أقول ذلك من باب المجاز.
حين شهدت البصرة، وهي المدينة التي يعيش العراق من مبيعات نفطها، طلبا لتحسين الخدمات التي تمس الجانب الأساس من إمكانية استمرار النوع البشري كالماء الصالح للشرب والكهرباء والعمل، فإن شيكاغو وهي مدينة أميركية شهدت قيام تظاهرات مضادة قام بها عراقيون مستفيدون مما آلت إليه البصرة وسواها من مدن العراق من خراب وحرمان وفقر وعوز وظلام وعطش ومرض وجهل.
كشفت مظاهرات شيكاغو عن الوجه الحقيقي القبيح للمجاهدين.
أولئك المجاهدون يعرفون جيدا أنهم السبب في قيام احتجاجات البصرة. فلولا ما يحصلون عليه من أموال منهوبة هي ليست من حقهم بل هي من حق عراقيي الداخل، لما وصل العراقيون إلى الأوضاع الرثة التي هم فيها.
فهم لم يعملوا في العراق يوما ما ولم يكن لهم دور فيه إلا في ما يتعلق بعمليات النهب والسرقة وحرق الممتلكات العامة التي حدثت عام 1991، وهو ما صاروا يشيرون إليه باسم “الانتفاضة الشعبانية”.
واحدة من أعظم مشكلات الدولة العراقية تكمن في أنها تنفق على مَن لا يعمل، في حين تقف عاجزة عن دفع مستحقات مَن يعمل. هناك عشرات الآلاف من أعضاء حزب الدعوة صاروا يتلقون شهريا أموالا من غير أن يغادروا بيوتهم.
هناك آلاف أخرى تفعل الشيء نفسه وهي تقيم في بلدان اللجوء. أما آلاف الأقرباء الذين يعملون في مكاتب الوزراء والنواب والقضاة وفي حماياتهم فلا أحد يمكنه أن يسألهم عن وظائفهم التي يتلقون في مقابلها رواتب لا يحلم بها وزير أوروبي.
معادلة فيها قدر هائل من الاضطراب.
هناك عاطلون حقيقيون عن العمل قُيّض لهم أن يستولوا على أموال، كان في الإمكان أن تستعمل في إنهاء مشكلات الفقر والبطالة في العراق، إضافة إلى ما يمكن أن تساهم فيه تلك الأموال في مجال مشاريع توفير الماء الصافي والكهرباء والصرف الصحي والمواصلات والتعليم.
لقد أقام نوري المالكي دولة ريْعية تنفق أموالها على أعضاء حزبه والمجاهدين من اللصوص، ولا تزال تلك الدولة قائمة.
حقيقة تجعلني أتوقع أن الاحتجاجات القادمة ستشمل العراق كله في وقت قريب، وإن كانت البصرة مرشحة أكثر من غيرها من المدن لأن تكون مدينة الاحتجاج الأولى. لا لأنها مدينة النفط فحسب، بل وأيضا لأنها كانت خصما للإيرانيين في حرب امتدت عبر ثماني سنوات، كان مجاهدو حزب الدعوة يقاتلون في الطرف الآخر منها.
الاحتجاجات الشعبية قادمة لا محالة، ولا أعتقد أن الدولة الفاسدة التي أقامها نوري المالكي ستنجح هذه المرة في احتوائها أو الحيلولة دون أن تصل إلى هدفها الرئيس وهو إسقاط تلك الدولة.
2 العراق يتغير.. ولكن نحو الأسوأ والممنوعات تتآكل بسرعة كبيرة خالد الناهي
راي اليوم بريطانيا

كثيرا ما نقرأ” ممنوع الاستيراد” في اللوائح الخاصة بالبضائع الداخلة الى البلاد، لكن جميع هذا الممنوع نراه يغزوا اسواقنا! بطريقة لا يعلمها الا الله والراسخون في الأمر.
من الواضح ان سبب المنع غالبا، لا يتعلق بسلامة المواطن، أو أمن البلد والنسيج المجتمعي فيه، انما لجعل استيراد هذه السلعة حصريا بيد اشخاص ” على راسهم ريشة” والتحكم بأسعارها.
السلاح يباع في العلن، وبالعدد والنوع الذي يريده الزبون، فيما الحشيشة والمخدرات، يمكنك ان تسأل أي شاب، وسيجيبك انها متداولة بكثرة في المقاهي” الكوفي شوب” التي أصبحت أقرب لاماكن الدعارة، وكسب الشباب.
سعر “الأر كيلة” في المقهى الفلاني، خمسة وعشرون ألف دينار!، في حين ان سعرها بمقهى أخر ربما خمسة الاف .. لماذا هذا التفاوت الكبير؟!
حتما المقهى الذي سعرها فيه، يعادل خمسة اضعاف” عن مقهى اخر بالمنطقة نفسها, انه يقدم خدمات اضافية للشباب، ويراهن على الخدمة التي يقدمها، تستطيع ان تجذب الشاب اليه.
فتيات بعمر الورد يلبسن ثياب قصيرة او ضيقة، يقمن بخدمة الزبائن في تلك المقاهي، المزدحمة بالشباب والمراهقين، يسمعن كلمات الغزل، ويرين نظرات الشباب الى مفاتنهن ,وهن مبتسمات ومجاملات لهذا الشاب الذي لا يستطع ان يخفي هيجانه الجنسي, و التي تعترض على مسكة اليد, او مجاملة الزبائن, مصيرها الطرد من العمل.
الغريب أن كثيرا من غير المدخنين يرتادون هذه المقاهي، بصورة مستمرة .. ترى ما السبب؟
صورة المشهد تذكرنا بأفلام السبعينيات المصرية، وكيف تدار الملاهي فيها، الاختلاف انها كانت تسمى ملهى والآن مقهى، و الفرق بين الكلمتين هي حرف واحد فقط.
ممنوعنا متوفر في الأسواق، مع شرط في عقد البيع″ يتحمل المشتري فرق الرشوة التي يدفعها التاجر لدخول البضاعة” ما لم يدخل من الباب حتما الشباك موجود، وما يدخل من الشباك ربما أكثر مما يدخل من الباب.
نسمع أن فلان موظف يدفع الاف الدولارات من اجل ان ينقل الى الرصيف الفلاني، او أن الشرطي الفلاني في الجمارك قيمة سيارته يصل الى خمسين الف دولار، أو أن المخلص الجمركي اشترى بيت بمليون دولار، وراتبه الشهري أقل من الف دولار .. والرب والشيطان وحدهما يعلمان كيف!
المواطن العادي يتداول ما يحدث في الجمارك من فساد، وما أصبح عليه بعض موظفي هذه المواقع من غنى فاحش، لكن أجهزتنا الأمنية المساكين لا يعلمون بذلك، كيف! الرب والراسخون فقط من يعلمون ..
على ما يبدوا لا يوجد ممنوع في بلدي، ألا امر واحد هو السماح بتصدي المخلصون والأكفاء ..
فهذا ممنوع ممنوع .. يا بلدي.
3 الاستقالة في جيبه!] د. فراس الزوبعي
الوطن البحرينية

استقالتي أحملها في جيبي! بهذه العبارة وبهذا الحال افتتح السيد عادل عبدالمهدي عهد وزارته وهي الوزارة السادسة بعد الاحتلال والـ62 في تسلسل الوزارات العراقية منذ تأسيس الدولة الحديثة، كان ذلك منذ أسابيع ومازال إكمال تشكيلها متعسراً، فهي مازالت غير مكتملة حسب الشروط والمواصفات المطابقة والمعتمدة عند جارة السوء إيران، لا سيما وأن درة التاج الإيراني -وزارة الداخلية العراقية- مازالت شاغرة إلى الآن، فماذا عساه أن يفعل رئيس الوزراء.
يعرف السيد عادل عبدالمهدي أكثر من غيره طبيعة العملية السياسية الجارية في العراق، كيف لا وهو من أوائل القادمين مع الاحتلال والمنخرطين في هذه العملية منذ ولادتها، وهو يعرف تمام المعرفة أنها عملية محاصصة حزبية وطائفية تسير وفق ضغوطات وإملاءات الكتل السياسية كل واحدة بحسب قوتها على الأرض وقوة الدولة التي تقف خلفها، كما أنه تقلد مناصب عدة على أساس تلك الضغوطات.
جاء الوقت الذي أصبح فيه السيد عادل عبدالمهدي على رأس هرم العملية السياسية -من الناحية العملية- وهو يعرف جيداً أن بقاء تلك الضغوطات على رئيس الوزراء يعني فشل الوزارة فهذه الضغوطات تأتي لتملي عليه بعض الأسماء في تشكيلته الوزارية اختيرت على أساس ولاءاتها الحزبية لا على أساس الكفاءة وبالتالي لا قيمة لأي برنامج عمل حكومي سيقدمه، فاشترط على الكتل السياسية أن يرشحوا له أسماء الوزراء وهو يختار، ومع أنه حصل على دعم ومباركة النجف والسيستاني، إلا أن ذلك لا يعد كافياً ما لم يحصل على دعم الكتل التي تشكل معسكرات ترتبط بإيران بشكل مباشر، ومع أنه ليس ببعيد عن هذه المعسكرات أو بالأحرى أنه ينتمي لأحدها لكن منصبه الجديد يوجب عليه مراعاة توازنات مختلفة ولأنه غير متقين من قدرته على إحداث هذه التوازنات أو أن الأمر معقد جداً فقد اختار أن يلوح باستقالته قبل تقلده المنصب بدعوى أنه إن لم يتمكن من أداء مهمته فلن يستمر فيها.
المشكلة الآن تتعلق بوزارة الداخلية أكثر من غيرها فإيران لا تتنازل عنها أبداً ولا تريد أن يشغل منصبها أي شخص لا تختاره بنفسها وهناك اعتراضات من جهات كثيرة على هذا الأمر ولغاية الآن لم يظهر في الأفق ما يبين أن رئيس الوزراء قادر على تجاوز هذه الأزمة، ومن المراقبين من يرى أنه أعلن الهزيمة قبل هذه الأزمة عندما أعلن أن استقالته في جيبه ما يعني أنه غير مستعد للمواجهة، فهل سيقدمها فعلاً.
من ينظر إلى مسيرة السيد عادل عبدالمهدي السياسية بعد العام 2003 يرى أنه استقال من المناصب التي تولاها ولم يكملها، فهو استقال من منصب نائب رئيس الجمهورية في العام 2011 بشكل مفاجئ وغادر بغداد، وكان قد قدم استقالته للمرة الثالثة إلى رئيس الجمهورية ويرفضها الرئيس، وفي وقتها منهم من عللها بأنه كان يسعى لكسب المرجعية التي كانت ترفض تمرير التحالف الوطني صفقة النواب الثلاثة لرئيس الجمهورية ومنهم من عللها بأنه يعد نفسه لمرحلة جديدة قد تشهد حكومة أغلبية سياسية يكون رئيساً لها، وفي العام 2016 استقال من منصب وزير النفط في حكومة العبادي، هذا يعني أن الرجل متعود على الانسحاب دوماً، وربما لن تختلف هذه المرة عن المرات السابقة خصوصاً مع التعنت الحاصل في إكمال التشكيلة الوزارية.
فهل يصمد أمام تلك الضغوطات والإملاءات.
4 بوش الأول والثاني بين الكويت والعراق
عبد الرحمن شلقم الشرق الاوسط السعودية
رحل الرئيس الأميركي جورج بوش الأب إلى الدار الآخرة، بعد رحلة طويلة وكثيفة في دنيا الحياة. عسكري طيار مقاتل في الحرب العالمية الثانية. تقابل مع الموت مرات في بيرل هاربر ونجا بأعجوبة، كانت تلك تجربة مؤبدة في الروح والجسد والعقل. بدأت الحرب في أوروبا وسيقت إليها الولايات المتحدة بدهاء ونستون تشرشل، الذي جعل من هوس وجنون أدولف هتلر ناقوساً يقرع رؤوس الساسة الأميركيين، الذين يرون في الديمقراطية التوأم للحياة. الرئيس روزفلت تجمعت فيه روح القيادة وحسابات السياسة، وجرأة اتخاذ القرار. ونجح ونستون تشرشل في صناعة كيمياء تواصل معه، وظف وشائج العلاقة المتجذرة بين بريطانيا والولايات المتحدة لإقناعه بدخول الحرب إلى جانب الحلفاء. اليابان البعيدة عن أوروبا، والقريبة نسبياً من أميركا، دخلت الحرب مع تجمع المحور الذي تقوده ألمانيا، وصارت أميركا في حرب مع اليابان. جورج بوش مقاتلاً في الطيران الأميركي، ولج باب التاريخ من السماء المشتعلة.
بعد الانتصار في الحرب بسنوات، انتقل بوش إلى ميدان حرب أخرى، وهي «السياسة الباردة»، وإن سميت حرب بين الأقطاب الجديدة: الاتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكه، والولايات المتحدة ومعها الكتلة الأوروبية الغربية. تولى قيادة وكالة المخابرات المركزية الأميركية، كهف التخطيط والتحليل ومعمل القرار التكتيكي والاستراتيجي. أُضيفت إلى عقل الرجل قوة أخرى. صار المقاتل العسكري الطائر مقاتلاً سياسياً في ميدان فوق الأرض، وسط فوهات سرية وبعضها علني، أعطى وأخذ. وكالة الاستخبارات الأميركية هي غرفة العمليات الشاملة، ولها حواس متعددة في داخل البلاد وخارجها؛ خاصة في خضم الحرب الباردة.
في الحرب الباردة تقاتلت العقول، هناك من يحمل دائماً مسبحة المؤامرة؛ لكن السياسة تتداخل فيها المسبحة مع حبات «التخطيط» الساهر على مصلحة الوطن، بجلب الفوائد أو دفع الأضرار. ذلك هو ببساطة «ديالكتيك» الحياة التي يسبح في بحرها، ويمشي فوق أديمها البشر، سياسياً وأمنياً ومادياً.
انتقل بوش العسكري المقاتل، ورئيس كهف الأمن الأميركي، إلى موقع القرار السياسي الأميركي، نائباً لرئيس أميركي انتقل من أمام كاميرات السينما إلى رحاب القيادة السياسة للدولة الأقوى على وجه الأرض.
الرئيس رونالد ريغان الذي غير موازين الصراع السياسي والعسكري في العالم، أرهق الاتحاد السوفياتي غريم الغرب في معركة سباق التسلح والحرب الاقتصادية، وأعاد تقديم شخصية الزعامة الدولية لعالم يتغير. ترنح الاتحاد السوفياتي وعلى كاهله أثقال الآيديولوجيا والتآكل الاقتصادي والاحتقان السياسي. دخل جورج بوش خضماً آخر بمعدات يحملها في رأسه من الحرب العالمية الثانية، ومن كهف الأسرار الملغومة، وكالة المخابرات المركزية الأميركية. أخذ من البيت الأبيض كل الألوان، ما ظهر منها وما لم يظهر. لم يغادر البيت الأبيض الذي يسكنه العالم القريب والبعيد فوق ملفات. انتقل من غرفة نائب الرئيس إلى المكتب البيضاوي؛ حيث حمل معه كل ما كانه عبر سنين الزمان والرحاب الجغرافية.
عاد محارباً؛ لكن من موقع آخر، وفي ميدان آسيوي بعيد، في الكويت. صدام حسين غريمه هذه المرة، وليس فوهرر ألمانيا أو إمبراطور اليابان. رئيس دولة عربية يغزو دولة مجاورة مستقلة ذات سيادة، عضواً في الأمم المتحدة، لم تهاجمه أو تحشد قواتها على حدوده. رأى الرئيس المقاتل في الحرب العالمية الثانية أنه هذه المرة أمام العدوين الأقدمين: الألماني والياباني، ولكن في رجل واحد هو صدام حسين. هتلر اجتاح تشيكوسلوفاكيا، هادنه رئيس الوزراء البريطاني آرثر تشمبرلين، وصمت على قضم الفوهرر لأرض دولة صغيرة هي تشيكوسلوفاكيا؛ لكن النازي الذي ضم النمسا عبر استفتاء شعبي زاد نهمه، مستهزئاً بكل أوروبا، وتقدم إلى بولندا. مباشرة أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا الحرب عليه.
هل كانت الكويت لصدام هي بولندا لهتلر؟ حَمَلة مسبحة المؤامرة، رددوا أن صدام استُدرج إلى الكويت بمخطط أميركي. هذا الحديث يذكرني بسيدة عجوز لها بنت واحدة، كل بنات الجيران تزوجن ولم تبق إلا هي التي طالتها العنوسة، كلما سألتها واحدة من جيرانها: هل من «عريس» تقدم للآنسة؟ ترد الأم: «لا والله، مسكينة بنتي، معمول لها عمل»، يعني مسحورة كي يهرب منها الخُطاب، مؤامرة على البنت الطيبة. يبدو أن هتلر وصدام معمول لهما عمل (سحر) الأول بريطاني فرنسي، والثاني أميركي. دخول هتلر بولندا بعد قضم تشيكوسلوفاكيا وضم النمسا كان يعني قراره التهام كل أوروبا، فكان إعلان الحرب عليه من بريطانيا وفرنسا. دخول صدام غازياً للكويت يعني أنه سيلتهم كل الخليج.
هناك في البيت الأبيض كان الرجل المقاتل والأمني والرئيس، وقبله النائب لريغان الجنرال السياسي للحرب الباردة، بكل ما في رأسه من التاريخ وخبرة المعارك المختلفة، اتخذ قرار الحرب على صدام لإخراجه من الكويت، قبل أن يتمدد إلى كل دول الخليج. دُحر صدام من الكويت، ولكنه بقي على رأس العراق وصدره. لماذا لم يُطارَد إلى بغداد وإنهاء نظامه؟ كان المراد أن يبقى فزاعة لإيران. خرج جورج بوش الأب من البيت الأبيض بعد خسارته للانتخابات أمام بيل كلينتون؛ لكنه عاد مرة أخرى إلى المكتب البيضاوي في شخص ابنه جورج بوش الثاني.
أعادت أحداث سبتمبر (أيلول) فتح ملف لم يُغلق سوى نصفه. الهجوم بطائرات مدنية مخطوفة على أبراج نيويورك وغيرها، قدم نموذجاً غير مسبوق للعمل الإرهابي. هزَّ ذاك الحدث العالم، وغير كثيراً في العقل والقراءة الأميركية لخرائط الأمن والحسابات العسكرية، وقرر جورج بوش الثاني الحرب الشاملة على أفغانستان؛ حيث قيادة «القاعدة»، العقل الذي أرسل الإرهابيين إلى أميركا.
الظاهرة الإرهابية المرعبة الجديدة، أعادت قراءة مقاييس رسم كل خرائط دول العالم. صدمة نيويورك أشبه بالقيامة الصغرى. كان السؤال في دوائر معامل التفكير السياسي وصنع القرار في واشنطن: هل سيلجأ صدام إلى استخدام أسلوب إرهابي مبتكر للانتقام من الولايات المتحدة، التي أخرجته مهزوماً من الكويت، يتجاوز ما قام به بن لادن؟
عاش العالم تجارب عدة مع الإرهاب، من خطف للطائرات وتفجيرات واغتيالات؛ لكن ما شهدته أبراج نيويورك لم يخطر ببال بشر. الخطاب الإعلامي السياسي العراقي المتوعد والمهدد لأميركا، جعل العراق هدف الضربة الاستباقية. العقول تورث مثلما الأحداث والسياسات. جورج بوش الأول في الكويت والثاني في العراق، والهدف واحد، صدام حسين.
5
بيروت ـ بغداد… سهولة التكليف وصعوبة التشكيل
مصطفى فحص
الشرق الاوسط السعودية
من بيروت إلى بغداد تضع طهران مزيداً من العقد في دواليب التأليف أو استكماله؛ عقدٍ لم تعد تستهدف تفجير التشكيلة الحكومية فقط؛ بل من الممكن أن يصل عصفها إلى العملية السياسية برمتها، وقد يصل ارتدادها في لحظة حرجة إلى شكل النظام في كلتا العاصمتين، حيث يترنح ما تبقى من الدولة في بغداد وبيروت تحت ضربات سياسية وخضّات أمنية لقوى مستقوية بطهران، تصرّ على معادلة «فرض المرفوض».
ولكن رغم الضغوط التي تمارسها هذه القوى المحلية، فإنها لم تفلح في إقناع شركائها في العملية السياسية بالموافقة على مرشحها لحقيبة الداخلية العراقية السيد فالح الفياض، كما أنها لم تتمكن في بيروت من إلزام الأطراف الأخرى بتمثيل نواب «8 آذار» السنّة ضمن التشكيلة الحكومية المرتقبة، مما بات يهدد الاستقرار السياسي والأمني في البلدين؛ حيث تصاعدت التحذيرات الأمنية العراقية من عودة «داعش» بقوة إلى بعض المناطق الغربية والشمالية، والتخوف من وقوع صدام شيعي – شيعي نتيجة الصراع الحاد على السلطة بين التيارات الشيعية المسلحة الموالية لطهران، وتيارات باتت لها أولويات وطنية لا تنسجم مع ما تخططه طهران للعراق والمنطقة… تحذيرات وصل صداها إلى بيروت؛ حيث تتعرض الأطراف التي تمارس سياسة محلية لجملة ضغوط من أطراف تمارس دوراً إقليمياً، كادت تتسبب بعقدة درزية – درزية تستهدف موقع زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يتعرض لهجوم سياسي ممنهج يقوده النظام الأمني السوري المنشغل بمعاقبة جنبلاط على دوره في دعم ثورة الشعب السوري، وتحجيم دوره لصالح وكلاء داخليين يدورون في فلكه وفلك حارة حريك.
وقد انفجرت حدة التوترات السياسية التي انعكست مباشرة على الشارع المحتقن أصلاً نتيجة محاولات «حزب الله» المستمرة لإخضاع الطبقة السياسية لإرادته السياسية والعقائدية، وحمايته وجوهاً سياسية محدودة التأثير في بيئتها رغم تجاوزها لكل اللياقات الأخلاقية والأدبية في خطاباتها وتصريحاتها.
في لعبة التوازن الصعبة، يقع رئيس الوزراء العراقي الدكتور عادل عبد المهدي بين معضلتين؛ الأولى قبوله إعادة طرح الأسماء ذاتها التي فشلت أثناء التصويت في نيل ثقة النواب، فيكون قد استطاع إرضاءها وإرضاء طهران من ورائها من خلال إظهار نفسه متمسكاً بترشيحها. والثانية أطراف تربط تأييدها له في رئاسة الحكومة، بموقفه من رفض إملاءات الآخرين وحفاظه على استقلاليته… فمع تمسك طهران وحلفائها في بغداد بحصر الداخلية في فالح الفياض، يصرّ السيد مقتدى الصدر و«تحالف الإصلاح» على ضرورة اختيار وزراء تكنوقراط لوزارتي الداخلية والدفاع؛ الصدر الذي وجّه رسالة شديدة اللهجة للرئيس المكلف حذره فيها من الميل إلى طرف من الأطراف السياسية، وطالبه بأن تكون قراراته عراقية بعيداً عن الإملاءات الخارجية، وقد أمهل الصدرُ عبدَ المهدي 6 أشهر لإثبات نجاح فريقه الوزاري وحكومته، منبهاً إلى أن «الفشل سيكون مصيرها في حال كان الوزراء متحزّبين ويعملون لإرضاء جهات طائفية».
عملياً تمكن «تيار الإصلاح»، الذي يضم الصدر والحكيم والعبادي وعلاوي؛ إضافة إلى النجيفي والمطلك، من وضع شروطه السياسية في اختيار الوزراء رغم قرارهم الجماعي بالابتعاد عن لعبة الحقائب التي أغرت خصومهم المتمسكين بحصصهم ومراكزهم؛ الأمر الذي بات قد يهدد التوافق السياسي بين كتلتي «الفتح» و«سائرون» الذي تم بموجبه تكليف عبد المهدي تشكيل الحكومة دون الخضوع للشروط الدستورية التي تنص على أن الكتلة الكبرى تقوم بتكليف رئيس الوزراء، فعلى الأرجح أن التوافقات التي جرت عبر القفز فوق الدستور اقتربت من خسارة شرعيتها، مما يجعل العراق أمام خيار حكومة أغلبية تفرضها السياقات الدستورية بعد فشل السياقات السياسية في حل الأزمة، وتكون مخرجاً وحيداً لتفادي صدام محتمل بين ميليشيات «الحشد الشعبي» والجيش العراقي أو بين أجهزة الدولة والحشد الجماهيري الذي بات قاب قوسين أو أدنى من النزول إلى الشارع معلناً فشل العملية السياسية ودولة ما بعد 2003.
تفاقم الأوضاع السياسية والمعيشية في العراق ولبنان وخضوعهما للإملاءات الإيرانية وشروط المفاوضات المرتقبة بين طهران وواشنطن، يبقيهما معلقين لا يقدران على استكمال التشكيل نتيجة مشروع إيراني جعل من التكليف أمراً سهلاً ومن التشكيل أمراً مستحيلاً.