مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 رهان إيران على فرق الاغتيالات.. الديلي تلغراف لم تكشف سرا د. باهرة الشيخلي بريطانيا

كان متوقعاً أن إيران، عبر ميليشياتها، ستشن حملة اغتيالات واسعة ضد المناوئين لسياستها بمجرد أن تفقد السيطرة على التحكم في تشكيل الحكومة العراقية، والملاحظ أيضا أنها تجدد لائحات الموت إثر تشكيل كل حكومة من الحكومات الدينية في بغداد بإضافة أسماء جديدة تحت عنوان “أعداء الولاية”، ولا يشترط أن يكون أعداء الولاية من السنة، بل حتى من الشيعة.
والولاية مفهوم كرسته إيران، منذ قرون، ليكتسب صفة القداسة في النفوس، ولتعمق به شرخاً بين المذاهب الإسلامية بذريعة تمييز المذهب الجعفري عن المذاهب الإسلامية الأخرى بها وبمفاهيم وطقوس أدخلتها إلى هذا المذهب، حتى زعموا أن الجنة لا تنال إلا من خلال هذه الولاية.
لكن اتضح، مما أثبتته تلك القرون، أن المقصود بالولاية ليس الولاية لعلي بن أبي طالب وإنما للقومية الفارسية، التي ظلت تجالد طوال تلك القرون لاستعادة مجد الإمبراطورية الكسروية التي تحطمت تحت سنابك خيول المسلمين.
وكان أركان نظام الملالي في غاية الوقاحة في تصريحاتهم التي لم تخفِ حقيقة مشروعهم السياسي العدواني والتوسعي، فقد أعلن علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، في وقت سابق، أن “إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”.
وصرح حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة أحمدي نجاد، بأن “إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية”، وأن “الثورة الإيرانية لا تعرف الحدود وهي لكل الشيعة”، مؤكداً أن “جماعة الحوثيين في اليمن هي أحد نتاجات الثورة الإيرانية”.
وجاءت خلاصة هذه الأطماع الطائفية والإرهابية على لسان الجنرال رحيم صفوي، المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، الذي ادّعى أن “القرن الحالي سيشهد تشكل حكومة إسلامية عالمية، ستكون إيران مركزاً لها”.
لذلك فإن المعلومات، التي تضمنها تقرير صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية عن نشر طهران فرق اغتيالات تستهدف إسكات منتقديها في العراق، لم تكن مفاجئة للعراقيين ولا غريبة على السياسة الإيرانية، التي يعرف العراقيون أنها تستهدف محو كل ما هو عربي في العراق ابتداء من مناوئيها ووصولاً إلى الصامتين حيال ممارساتها، ولو أن محرر الشؤون الدفاعية في الصحيفة البريطانية المذكورة (كون كوغلن) سأل أي عراقي لعرف أن ما كشفه له المسؤولون الأمنيون البريطانيون له سوابق في التاريخ، وأن ماكنة الموت الإيرانية لم تتوقف عن نهجها الفاشي، الذي تمارسه في بلاد الرافدين منذ قيام جمهوريتها الدينية سنة 1979، وأن ما يحدث من تصفيات جسدية واغتيالات، اليوم، ليس سوى حلقة من حلقات نشاطها الإجرامي، الذي لن تتوقف عنه طالما بقي وكلاؤها من أحزاب وميليشيات طائفية يستلبون العراق، فكل يوم في العراق إيران وفي كل شبر من العراق وكيل للفقيه، وهكذا..
إن الحصة الأكبر من ثروات العراق، منذ تسلط وكلاء الفقيه على أرض الرافدين، تذهب إلى دعم المشروع الإيراني من العراق إلى الخليج، وهناك الرجل الخفي (محمد رضا) نجل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، والمراجع الشيعية الأربعة، وهم أحد أهم ركائز المشروع الإمبراطوري الإيراني، بحيث أصبح الإعلان عن نصرة إيران ضد العراق نهجاً صريحاً ثابتاً، بل هم لا يتورعون عن الإفصاح عنه بألسنتهم وفي مقابلات تلفزيونية.
ليس قيس الخزعلي وحده من يمثل الحشد الإيراني “المقدس”، بل يضم هذا الحشد أصواتا أخرى. وهناك آخرون يفصحون كل يوم عن ولائهم للولاية الإيرانية ويسبحون بحمدها بكرة وأصيلاً ويحجون إلى طهران لكسب رضاها وموافقتها على إبقائهم في مناصبهم.
ويلاحظ الكاتب والباحث الأردني أسامة شحادة أن ما جرى ولا يزال يجري في العراق وسوريا ولبنان واليمن قد جرى مثله من قبل مراراً لكنه كان يفتقد إلى التوثيق والإعلام المباشر، وهو ما حدث هذه المرة، وبرغم ذلك فإن الأخطبوط الإعلامي الإيراني قد تمكن للأسف من تعمية الحقيقة عن ملايين “مملينة” في هذا العالم!
إن من يفهم خلفيات المشروع الإيراني العدواني والتوسعي والإرهابي، يتبيّن له تجذّر رؤية العدوان والتوسع والإرهاب في الفكر والمشروع السياسي لنظام ولاية الفقيه من اللحظة الأولى لمجيئهم إلى السلطة في إيران، ومدى اعتمادهم المطلق على آلية الإرهاب في تنفيذ مشروعهم السياسي العدواني الإرهابي التوسعي.
وبات واضحاً جداً أن الحرس الثوري الإيراني يتولى عملية الاستخبارات في الدول المعادية لولاية الفقيه، وإنشاء خلايا نائمة في أنحاء العالم، ومساعدة المنظمات والميليشيات المسلحة في الدول لتنفيذ أجندة إيران، وتنفيذ عمليات إرهابية بحق خصوم نظام الملالي، وإدارة ملفات سياسية خارجية في بعض الدول لترسيخ النفوذ الإيراني كما في لبنان والعراق وسوريا واليمن.
وتنبع قوة إيران الحقيقية من وجود إرادة سياسية لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية وتسخير القدرات الاقتصادية والجيوبولوتيكية لذلك، وأكبر أداة لذلك هي صناعة الحلفاء خلف خطوط العدو واللعب على التناقضات عند خصومها للوصول إلى أغراضها، ولذلك أضحى من الواجب فضح البنية الفكرية الإرهابية والطائفية التي تأسس عليها نظام الملالي، والعمل على تقديم هذا النظام إلى المحاكمة على جرائمه الإرهابية ودعمه للتنظيمات الإرهابية الشيعية والسنية، والسعي بكل السبل والوسائل إلى مساعدة الشعب الإيراني للحصول على حقوقه السياسية والاقتصادية والعيش بكرامة وسلام مع الدول المجاورة.
2 الأكراد ضحايا أخطاء زعمائهم
عبدالله الأيوبي
اخبار الخليج البحرينية

تاريخيا شكَّل الأكراد أوراق ضغط في أيدي الدول الرئيسية التي يعيشون فيها، وأعني بذلك كلا من العراق وسوريا وتركيا وإيران، وعلى الرغم من وجود تواصل جغرافي بين أماكن وجودهم كان يفترض أن يشكل عنصرا ديمغرافيا قويا لصالحهم، فإن ما حدث هو العكس، إذ إن هذا التواصل الجغرافي بين المناطق الكردية في الدول الأربع مثَّل معضلة أمام تطلعاتهم الاستقلالية التي لا يخفونها وجاهروا بها وأقدموا عليها عمليا في العراق من خلال استفتاء الاستقلال الذي نظموه في إقليم كردستان العراق في شهر سبتمبر من العام الماضي، والذي مُنّي بالفشل الذريع لأسباب كثيرة داخلية وإقليمية ودولية، كذلك لم يحظ هذا الاستفتاء بأي دعم باستثناء دعم الكيان الصهيوني «لغرض في نفس يعقوب» وقوبل هذا الاستفتاء برفض صارم من دول الجوار حيث تعيش الأقليات الكردية.
هذا الوضع الجغرافي للمناطق التي تتركز فيها الأقليات الكردية في الدول الأربع وحّد مواقف هذه الدول تجاه الطموحات الاستقلالية الكردية وجمعها حول موقف الرفض المطلق لأي دعوة استقلالية، فهذه الدول التي استغلت كل منها الأكراد في صراعاتها السياسية مع بعضها البعض وقفت بالمرصاد لخطوة أكراد العراق الاستقلالية، الأمر الذي أسهم بقوة في إفشال هذه الخطوة، إذ إن هذه الدول لديها حساباتها السياسية وتعرف جيدا أن أي انفصال كردي يحدث في أي من هذه الدول ستكون له تداعياته السياسية على باقي الدول المجاورة.
ما يؤخذ على الأشقاء الأكراد في الدول الأربع أنهم لم يتعلموا من تجارب الماضي ووقوعهم ضحايا للاستغلال السياسي من قبل الدول الأربع في صراعاتها وخلافاتها السياسية، فأكراد العراق على سبيل المثال حصلوا على دعم إيران خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين، والموقف نفسه اتخذه النظام العراقي السابق حين تبنى دعم مطالب أكراد إيران، والشيء نفسه ينطبق على أكراد تركيا وسوريا، وعلى الرغم من الفشل الذريع لسياسة الأكراد وعلاقاتهم مع الدول الأخرى، فإنهم ما زالوا ينتهجونها حتى الآن وخير دليل على ذلك استغلالهم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في الأزمة السورية، وهو خطأ سياسي يقع فيه الأكراد السوريون ولا يصب في خدمة مصالهم الوطنية المشروعة في سوريا بل يخدم أهداف أمريكا السياسية في هذا البلد العربي.
من الأسباب الموضوعية التي جعلت الأكراد يلجأون إلى مثل هذه التحالفات الخاطئة حالة التهميش التي يعيشونها في أوطانهم الأم، ففي الدول الأربع من دون استثناء لا يتمتع الأكراد بحقوق المواطنة المتساوية مع أشقائهم في هذه الدول، إذ لا يتمتعون بحقوق سياسية وثقافية وتعليمية كاملة كباقي أشقائهم، وهذه وضعية غير صحية وغير سليمة، وسياسة تمييز خاطئة سارت عليها حكومات هذه الدول، وبغض النظر عن التفاوت في درجة تمتع الأكراد بالحقوق بين دولة وأخرى من الدول سالفة الذكر، فإن السياسة العامة فيما يتعلق بالتعامل مع المسألة الكردية تتسم بالتمييز والتهميش أيضا.
الأكراد في الدول الأربع حالهم حال أي أقلية عرقية أو دينية يجب أن يتمتعوا بكامل حقوق المواطنة المتساوية مع جميع المكونات عرقية كانت أم دينية، لكن معاملة الأكراد على أنهم أقلية عرقية محرومة من بعض الحقوق الإنسانية، يسهم في دفعهم نحو الاحتماء بالأطراف الأجنبية، سواء للهروب من بطش السلطات الحاكمة، أو على أمل أن يساعدهم الغريب على نيل حقوقهم التي حُرِموا منها، وهو خيار اضطراري في اعتقادي، ولكنه في جميع الأحوال ليس مبررا، فالغريب مهما أبدى من «التعاطف» أو «الدعم» فإن ما تهمه هي مصالحه أولا وأخيرا.
إن التحالف أو الاعتماد على الغرباء فيما يتعلق بالشأن الداخلي لأي من الأقليات العرقية أو الدينية، لا يصب في مصلحة هذه الأقليات على الإطلاق، بل يضعف من مواقفها ومن مطالبها أيضا، وهو ما حدث ويحدث مع الأقلية الكردية في الدول سالفة الذكر، فيتحولون إلى أوراق سياسية تتداولها الدول في صراعاتها السياسية، وفي إدارة مصالحها الاستراتيجية، كما يحدث الآن مثلا مع أكراد سوريا، حيث المساومات مستمرة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية «الداعم» الرئيسي للأكراد وبين تركيا التي تعتبرهم جماعات «إرهابية» وامتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يخوض حربا دموية ضد الجيش وقوى الأمن التركية منذ عدة سنوات.
إن السياسة التي تسير عليها القوى السياسية الكردية سياسة خاطئة وتفتقر إلى الرؤية العميقة والبعيدة، فهناك مصالح إقليمية ودولية متداخلة ومتقاطعة في أحيان كثيرة، وإذا كانت هناك دول تدعم بصدق حق الأقليات العرقية والدينية في التمتع بحقوق مواطنة متساوية مع جميع الأقليات التي تشاركها العيش في وطن واحد، فإن ذلك لا يعني أن هذه الدول تؤيد التوجهات الانفصالية والاستقلالية لهذه الأقليات، لأسباب مختلفة، وقد اتضح ذلك جليا خلال استفتاء إقليم كردستان العراق حيث عارضته جميع الدول ومن بينها تلك التي «تدعم» و«تساند» الحركات الكردية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية الدول الأوروبية كذلك.
هناك حقيقة يجب على القوى السياسية الكردية وزعمائها أن يأخذوها في الاعتبار عند التفكير-أقول مجرد التفكير- في السعي نحو الاستقلال وإقامة دولة كردية مستقلة، هذه الحقيقة تتمثل في الصعوبات الجغرافية التي تقف حائلا دون ذلك، فدولة كردية في شمال العراق على سبيل المثال لا يمكن أن تتنفس من دون موافقة أي من دول الجوار، وهذه الموافقة تعد من رابع المستحيلات، والزعماء الأكراد العراقيون أدركوا ذلك خلال استفتاء شهر سبتمبر من العام الماضي إذ يجب عدم تكرار الأخطاء لأنها لا تخدم مصالح الأقلية الكردية التي من حق أفرادها أن يتمتعوا بحقوق المواطنة الكاملة.