4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

1 تراجيديا عراق ما بعد 2003
د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

لا أنا ولا أنت ولا أي أحد يظلّله سقف يمكن أن يشعر بمعاناة نازح يسكن وعائلته خيمة.. لا يمكننا كذلك حتى وصف ألمه وهو يرى طفله يرتجف من البرد، وهذا شتاء العراق ينذر بأمطار أشدّ وسيول أقوى وعواصف لا يعلمها إلا الله.
مخيمات النزوح في محافظة نينوى أصبح وضعها أكثر من مأساوي بسبب الأمطار الغزيرة التي أتلفت الخيام البالية أصلا والتي مضى على نصبها أكثر من سنتين، والنازحون من الأطفال والنساء وكبار السن بلا مأوى في ظل البرد والأمطار.
ونحن نستخدم، هنا، مصطلح نازحين، مع علمنا أنه مصطلح دبلوماسي يطلق على ضحايا داعش والحشد الشعبي، الذين أخرجوا من ديارهم عن طريق القوة القاهرة.
تقول أحدث المعلومات إن عدد الخيم المتضررة بكارثة السيول في محافظة نينوى وحدها كان 5 آلاف و204 خيمات، ‏العدد الأكبر منها كان في مخيم المدرج، إذ بلغ عددها 4 آلاف و276 خيمة، بما نسبته 85 بالمئة من المخيمات الخارجة عن الخدمة، مخلفة 20 ألف عائلة من دون مأوى، مع 1500 عائلة تنام في العراء، وينذر اختلاط مياه الأمطار مع المياه الثقيلة بكارثة صحية للعائلات النازحة.
والواقع، أن المخيمات هي قضية الفصول الأربعة، وقد مرت سنوات والنازحون ماكثون في المكان نفسه.. إنهم لاجئون في بلدهم وهذا هو الإيلام والزمن الضنين فالاغتراب أشدّ مضاضة من الغربة، ولك أن تتخيل طفلا رضيعا بلا غذاء، والمدارس أصبحت أمنية ولا قلم ولا كتاب، إنهم أناس محرومون من أبسط الحقوق وأولها حق الحياة وحق العيش والكرامة والتعليم والأمن.
المكان المنكوب للمخيمات أصبح لوحة تجريدية لا شيء فيها ينتمي إلى الحياة.. والنازحون محرومون من الحقوق كافة. وفي اللحظة التي كانت الكارثة تضرب المخيمات، انشغل مجلس النواب العراقي بالدعوة إلى استحداث مخصصات جديدة أو إضافية تحت بند السكن، ويجلس النائب عن محافظة نينوى أحمد عبدالله الجبوري تحت سقف بيته الآمن ليصف الأوضاع في مخيمات النازحين بالمحافظة بـ”المأساوي”، وذلك “بالتزامن مع هطول كميات كبيرة من الأمطار، وهو الذي كان بالأمس يستجدي أصوات النازحين ليفوز بمقعد، وكأن الفوز ينتهي عند تغريدة يكتبها في تويتر فقط”.
اتهم جمال الكربولي، رئيس كتلة الحل بالبرلمان، المسؤول السابق عن ملف النازحين بأنه أهدر مليار دولار على خيم ومواد إغاثة بائسة في مخيمات شبيهة بمعتقلات اللجوء التي تضعها الدول على الحدود، واصفا مخيمات النزوح بأنها تغرق بأهلها شتاء وتصليهم لهيب جهنم صيفا، وبيوتهم ما زالت خرائب تنعق فيها الغربان، متسائلا: أين مليار النازحين؟
يأتي هذا مع إعلان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن “وجود 3 ملايين و200 ألف طفل لا يحصلون على التعليم بشكل مستمر في العراق”، ومع تصدر العراق قائمة الدول الأقل أمنا في العالم للعام 2018، بحسب مؤشر السلام العالمي.
وفي وقت ذكرت منظمة الهجرة الدولية أن عدد النازحين في العراق وصل إلى مليون و87 ألف نازح عراقي لم يعودوا، حتى الآن، إلى مناطق سكنهم الأصلية، يؤكد مسؤول رفيع في وزارة الهجرة العراقية أن العدد أكثر من المعلن في دراسة المنظمة.
وتشير دراسة المنظمة إلى أن العراق شهد في أبريل 2016 ذروة موجة النزوح، حين اضطر نحو 3 ملايين و42 ألف مواطن، إلى الفرار من مناطقهم، بعد تصاعد الحرب ضد تنظيم الدولة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وغيرها.
وتزداد التحديات التي تواجه النازحين في العراق الموزعين على محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وفي إقليم كردستان وبادية النجف، مع بداية فصل الشتاء، واستمرار التغافل الحكومي والدولي عن مأساتهم، فغالبيتهم يسكنون في معسكرات نزوح غير صالحة للحياة الإنسانية وغير متوفر فيها أبسط الاحتياجات التي تعينهم على الصبر وتحمل الظروف غير الاعتيادية التي يعانون منها.
وانتشر، مؤخرا، مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لرب أسرة يقترح على الحكومة، وهو يرى غرق مخيمات النازحين بالسيول التي أتلفت حتى المواد الغذائية، التي يقتاتون عليها، أن تسمم المياه التي يشربها النازحون لترتاح وتريح، في إشارة إلى أن الحكومة لم تقدم شيئا للنازحين في محنتهم مع الأمطار والسيول وانشغالها بتحقيق المزيد من الامتيازات لأعضائها.
وأثبتت السنوات الماضية أن الحكومة، عبر وزارة الهجرة والمهجرين، لم تكن في مستوى الحدث، وربما اقتصر دورها على تقديم بعض السلاّت الغذائية، وهذا لا يكفي لإنهاء معاناة أكثر من 3 ملايين نازح لأنهم في حاجة إلى حلول جذرية تنتشلهم من واقعهم المرير، وليس إلى سلاّت غذائية تبقيهم على قيد الحياة، ويتهم نازحون الحكومة بعدم امتلاك رؤية واضحة لإعادتهم أو إعمار مناطقهم المدمرة.
ووسط هذه الأوضاع المزرية وصل الإهمال والاستخفاف والمتاجرة الحكومية بمعاناة النازحين إلى درجة توزيع مواد منتهية الصلاحية، وهو ما أكدته مؤسسات معنية بحقوق الإنسان، ومنها اتهام المفوض في المفوضية العليا لحقوق الإنسان (وحدة الجميلي) لفرق بوزارة الهجرة بتوزيع مواد غذائية منتهية الصلاحية ومن النوعيات الرديئة والمتعفنة على النازحين في مخيمات (الشهامة والكرامة) في محافظة صلاح الدين.
والغريب، أن العراق الذي كانت يده ممدودة لتقديم المساعدات إلى كل منطقة تضربها الكوارث في العالم، وُوجهت كوارث شعبه بالصمت المطبق. ثم ماذا لو أوقف صرف مخصصات الرئاسات الثلاث لشهر واحد وتحولت إلى النازحين؟

2 مآسي دول عربية: الخطأ في الحساب وليس في السياسة
فاروق يوسف
العرب بريطانيا

في ما يتعلق بالأحوال السياسية الداخلية لعدد من الدول العربية، صار من الصعب الإجابة على سؤال من نوع “أين يكمن الخطأ؟” بل إن طرح ذلك السؤال قد يُعتبر نوعا من السذاجة وقلة العقل.
في مواجهة الفوضى التي تعيشها تلك الدول على المستويات كافة ومن بينها المستوى السياسي فإن البحث عن خطأ ما هو خطأ في حد ذاته. وقد يكون خطأ السؤال أسوأ من الخطأ الذي يتعذر العثور عليه.
أعتقد أن المتاهة التي نسجت دروبها عبر عقود من الزمن صارت هي القدر الوحيد الذي يتحكم بمصائر كل شيء. ما على الشعوب سوى أن تجلس على العتبة في انتظار أن يطلق القدر صيحته فتقع الأشياء في المكان الذي يجب أن تقع عليه.
أما الشعب الذي هو مصدر كل السلطات كما تنصّ فقرة في دساتير تلك الدول فيكفيه أن يلعب دور المتفرج اللاهي بالأخبار عن حقيقة ما يجري من حوله، حتى وإن كان ذلك الذي يجري يخترع له مصيرا لا يليق به.
صار مصطلح “شعب” مجازيا بطريقة معيبة. أتذكر أن إبراهيم الجعفري الذي سبق له أن تزعم حزب الدعوة العراقي خاطب الشعب العراقي باعتباره رئيسا للوزراء يوم كان العراق محتلاّ بشكل رسمي بعبارة “يا شعبي” فأثارت تلك العبارة الدهشة والاستغراب. تساءل البعض يومها “أي شعب يقصد هذا التابع لسلطة الاحتلال؟”.
بالتأكيد لم يكن شعبه موجودا على أرض العراق المحتل. لا بد أن الرجل كان عارفا أن الشعب الذي يُفترض أنه يخاطبه كان ضائعا بين زمنين، ليس من اليسير عليه أن يتحلى بصفات الشعب فيهما. يمكنه أن يكون حشودا بشرية لكي نتفادى استعمال مفردة “قطيع”.
العبودية بغض النظر عن مصدرها تشبه إلى حد كبير الوضع الذي يصنعه الاحتلال. في خضم العبودية يبدو من غير المستحب كما يقول فقهاء الدين البحث عن خطأ يكون هو المشجب. شيء من ذلك القبيل يقع في كل لحظة من زمننا العربي.
في لبنان مثلا هناك رئيس وزراء مكلف عاجز عن تشكيل حكومته، لا لشيء إلا لأن حزبا مسلحا استولى على لبنان وهيمن على الحياة السياسية فيه وصار لزاما أن يكون هناك لبنانان. الأول هو الذي يستبيحه حزب الله والثاني هو الذي يتمكن فيه سعد الحريري من تشكيل حكومته. وحتى لو توصلنا خياليا إلى تلك الصيغة، فمَن من اللبنانين يحكم الآخر ويسوقه إعلاميا ليكون خبرا يلهي اللبنانيين عن البحث عن الحقيقة؟
لنضرب مثلا آخر. العراق دولة ثرية على مستوى الموارد المالية غير أن نصف شعبه يعيش عند مستوى خط الفقر أو تحته. ماذا عن النصف الثاني؟ ألا يحتاج ذلك النصف المستفيد من انهيار العدالة الاجتماعية إلى مدارس وجامعات ومستشفيات وطرق معبدة ومواصلات عامة ومياه صالحة للشرب وكهرباء وقنوات صرف صحي ومحاكم ومراكز شرطة تحفظ الأمن وحدائق وساحات عامة وسواها من المنشآت الخدمية التي يحتاجها كل مجتمع حي؟
كل ذلك لا أثر له في العراق. فهل يُعقل أن نصف الشعب العراقي استسلم لغباء فكرة النهب الذي صار مشروعا بحكم قوانين أصدرها فاسدون؟ في كل مظهر من مظاهره يبدو العراق دولة فقيرة يتسلى شعبها بالضحك لكي لا يدخل نفسه في متاهة الخطأ الذي لا يمكن العثور عليه.
لبنان هو في خياله لبنانان. أما العراق فإنه في واقعه عراقان. كل واحد منهما هو عدو الآخر، غير أنهما لا يستغنيان عن بعضهما. لا يمكن التعرف على طرف من غير حضور الطرف الثاني. فلا الحريري قادر على إعلان طلاقه مع لبنان حزب الله ولا حزب الله قادر على الاستغناء عن الحريري. لتبقى الثيران تدور في ساقية لا ماء فيها.
ذلك في الحالة اللبنانية، أما في الحالة العراقية فإن الأمور تبدو أكثر مأساوية. وهو ما يليق بأرض السواد. أخبرني صديقي الآثاري فوزي رشيد ذات مرة بأن تسمية أرض السواد لا علاقة لها بكثافة المناطق الخضراء في العراق كما يُشاع بل هي عبارة أطلقت لوصف العراق بعد أن لبس السومريون الثياب السوداء حزنا على سقوط دولهم وانهيار إمبراطوريتهم.
اليوم يتمسك نصفا الشعب العراقي، بعضهما بالبعض الآخر لكي لا يصدق أحد ما أخبرني به صديقي الآثاري. فالعراقي لا يحزن لسقوط دولته. لديه من أسباب الحزن ما يمكن أن يشكل حاجزا بينه وبين الدولة التي هي اختراع دنيوي مؤقت. أعتقد أن سبب عدم قيام القطيعة بين النصفين هو إيمانهما المشترك بأن الحل يكمن في الآخرة. بعد كل هذا. هل هناك مَن يفكر في الخطأ الذي لا وجود له.
3 وقاحَة ترامب وجَشَعُه وابتزازِه تَمْتَد إلى العِراق.. طَلبَ تريليونات الدُّولارات نِفْطًا مِن العبادي تَعويضًا عَن الغَزو والاحتِلال فجاءَ ردّ الأخير صادِمًا وغَير مُتَوقَّعٍ.. لماذا؟ إليْكُم التَّفاصيل المُذهِلة
عبد الباري عطوان
راي اليوم بريطانيا

لا يُخامِرنا أدْنَى شَكْ في أنّ تركيبَة شَخصيّة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب هِي خَليطٌ مِن الغَباء والحَماقة والابتِزاز والجَشَع، ولكن لَمْ يَخطُر ببالِنا مُطلَقًا أن يَصِل بِه الأمر إلى دَرجةٍ مُطالَبة السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العِراقيّ السّابِق بضَرورة دَفْع بلاده (العراق) تكاليف غَزو الولايات المتحدة لها عام 2003، وبَقائِها فيه حتّى عام 2011، وذلِك عِندما التَقَيا في واشنطن في آذار (مارس) الماضي.
والأغْرَب مِن طلب ترامب ردّ السيد العبادي الذي قال له “نحن نَعمل عَن كَثَبٍ مع العَديد مِن الشَّرِكات الأمريكيّة النِّفطيّة التي لهَا مَصالِح في العِراق”، أي أنّ الثَّرَوات الكُبرَى التي تُقَدَّر بآلافِ المِليارات تَكفِي لتَغطيةِ هذا المَطلَب الابتزازيّ الاستفزازيّ.
كُنّا نتَوقَّع مِن السيد العبادي، أن يَعكِس السُّؤال، ويُطالِب الرئيس الأمريكيّ بتَعويضاتٍ بعَددٍ مِن التِّريليونات مِن الدُّولارات عَن الحِصار الذي فرضته الولايات المتحدة على العِراق لأكثَر مِن 12 عامًا بَعد غَزو الكُويت، وهُوَ الحِصار الذي أدَّى إلى استشهادِ أكثَر مِن مِليونِ طِفْلٍ، وتَدمير مُعظَم مُدُن العِراق وبُناه التَّحتيّة بسَبب القَصْف الأمريكيّ عام 1991، ثُمَّ بعد ذلِك الإجهاز على ما تَبَقَّى مِن العِراق، وقتل مِليون عِراقيٍّ إضافيٍّ على الأقَل أثناء الغَزو والاحتِلال عام 2003، حسْب مجلة “لانست” الطِّبِّيّة العالميّة المُحتَرَمة.
لا نَستغرِب أن يَصْمُت السيد العبادي إزاء هذا الطَّلبْ الاستفزازيّ الوَقِح مِن قِبَل الرئيس الأمريكيّ، ولم يَرُد عليه بالشَّكلِ المَطلوب، لأنّه كانَ يُريد دعمه للبَقاء في السُّلطة لدَورَةٍ أُخرَى، وقد تَأكَّد ذلِك بكُل وُضوح عِندما تَعهَّد بالتزامِ العِراق بتَنفيذِ العُقوبات الأمريكيّة المَفْروضة على إيران قبل أيّام مَعدودة مِن فَرضِها، الأمْر الذي أثارَ مَوجةَ غَضَبٍ عارِمَةٍ داخِل العِراق وخارِجِه.
مَوقِع “إكسيوس” الأمريكيّ الإلكترونيّ الذي كَشَفَ المُحادَثة هَذهِ بين الرئيس ترامب وضَيفِه العبادي في البيت الأبيض في آذار (مارس) الماضي، أكَّد أنّ هيربرت مكماستر، مُستَشار الأمن القَوميّ الأمريكيّ الأسْبَق الذي عَزَلَه ترامب، اعتَبر تِكرار رئيسه لهذا العَرض أمْرًا مُسيئًا لسُمعَة الوِلايات المتحدة، بينًما رأى فيه وزير الدِّفاع الحاليّ جميس ماتيس أنّه يُشَكِّل انتهاكًا للقَوانين الدوليّة، ورُبّما تَكون مُعارَضة ماكماستر هِي التي عَجّلت بفَصْلِه، ولا نَستبعِد أن يَدفَع ماتيس الثَّمَن نفسه لهذا السَّبَب، بالإضافةِ لأسبابٍ أُخرَى.
ترامب اشتَكى أثناء حملته الانتخابيّة الرئاسيّة قبل عامَين مِن أنّ الولايات المتحدة أنْفَقَت تيرليونات الدُّولارات، وخَسِرَت آلاف الأرواح (حواليّ أربعة آلاف جُنديّ و30 ألف جَريح)، ولكنّها لم تَحصُل على شَيءٍ في المُقابِل، وانتقَد الحُكومات السَّابِقة التي لم تَحْتَل آبار النِّفط العِراقيّة وتُسيطِر عليها لعُقودٍ قادِمَةٍ، ولهذا أرادَ مِن السيد العبادي تَعويضات مِن عَوائِد النِّفط العِراقيّ.
الشَّرِكات الأمريكيّة حَصَلت على عُقودِ احتكارٍ لاستغلالِ النِّفط العِراقيّ والتَّنقيب عَن آبارٍ جَديدةٍ لمُدَّة ثلاثين عامًا، ويَعود الفَضْل في هذا للسيد حسين شهرستاني، وزير النِّفط العِراقيّ الذي اختارَه الحاكِم العَسكريّ بول بريمر لهذا المَنْصِب، ومِن أجلِ هذا الغَرض، ويَبدو أنّ هَذهِ المُكافآة الثَّمينة لم تُشْبِع جَشَع الرئيس ترامب، ورُبّما لو استمرَّ السيد العبادي في مَنصَبِه لحَصَلَ على هَذهِ التَّعويضات كُلِّيًّا أو جُزْئيًّا، فالذين حَكَموا العِراق بعد الاحتِلال كانَ هدَفَهُم الأساسيّ هُوَ إرضاء المُستَعمر الأمريكيّ بكُل الوَسائِل، حتّى لو جاءَ ذلِك على حِساب الشَّعب وسِيادَة البِلاد، ورَهْنِ ثَرواتِها.
بوب وودورد، مُؤلِّف كِتاب “الخوف… ترامب في البيت الأبيض”، كَشَفَ أنّ الأخير طالَب مُساعدِيه بالبَحث واستخراج مَعادن نادِرة في أفغانستان مِثل الذَّهب والفِضَّة واليُورانيوم لتَمويلِ تَكلِفَة الحَرب الأفغانيّة، وقُوبِل طلبه هذا بالاستِهجان بسَبَبْ سيْطَرة الطّالبان على أكثَر مِن 74 بالمِئَة مِن الأراضي الأفغانيّة، وتَدهور الأوضاع الأمْنيّة في البِلاد.
العِراقيّون هُم الذين يَجِب أن يُطالِبوا أمريكا بالتَّعويضات الماليّة عَن كُل ما لَحِق بهِم وبِلادهم مِن قَتْلٍ ودَمارٍ جرّاء غَزوِها لبلدهم واحتلالِه لثَماني سنوات تَحت أسباب ثَبُتَ كَذبها وهِي أسلحة الدَّمار الشَّامِل، ولكن الأمْر المُؤسِف أن حُكّام العِراق الحاليين، أو مُعظَمهم، لا يَجرؤون فقَط على المُطالبة بهَذهِ التَّعويضات المَشروعة، وإنّما أيْضًا بإخراجِ 6000 جنديّ أمريكيّ ما زالوا يتَواجَدون في قَواعِد على الأرض العِراقيّة، ويُشَكِّلون انْتِهاكًا لسِيادَة البِلاد.
أمريكا دمَّرت العِراق، ونهَبت ثَرواتِه، ومَزَّقَت وِحدَته الوطنيّة التُّرابيّة والدِّيموغرافيّة، وحَوّلته مِن دَوْلَةٍ إقليميّةٍ عُظْمَى إلى دَولةٍ مُتَسَوِّلةٍ مُستَدينة غارِقَةٍ في الفَساد والطائفيّة، وبُدون هُويّة وطنيّة جامِعَة، ومع ذلِك هُناك مَن يُدافِع عنها، ويُقَدِّم الحُكم هَديّةً لَمَن أوصَلوا بلدهم إلى هذا الوَضعِ المُزري والمُخْجِل.
كُلُّنا ثِقَةٌ بأنّ الشَّعب العِراقيّ الذي قاوَمَ الاحتِلال الأمريكيّ وهَزمَه، وأجبَره على الرَّحيل مَهزومًا سيَنْتَفِض في وَجهِ هَذهِ الغَطرسةِ الأمريكيّة، وسَيَثْأر لشُهدائِه الأبْرار، وسيُعيد العِراق إلى المَكانةِ التي يَستَحقّها في صَدْر الأُمَم.. ونَراها قَريبَةً بإذْن الله.. والأيّامُ بَيْنَنَا.
4 اتركوا الناس تتنفس!
مشرق عباس
الحياة السعودية

فجراً، زار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي موقع العمل لرفع الاسوار الاسمنتية من المنطقة الخضراء، وهي حملة بدأت منذ 6 شهور بعد اوامر امنية بفتح عدد من الشوارع المغلقة منذ 2003، وخلال الزيارة كان عبد المهدي يتحدث الى المسؤولين عن ضرورة ان “يتنفس الناس”.
كل من يزور بغداد ومعظم المدن العراقية الاخرى، يشعر بثقل الكتل الاسمنتية على حياة الاهالي، وخلال السنوات الماضية تكاثرت الكتل بتكاثر الهجمات الارهابية، حتى تحولت بشكل ما الى خريطة خوف كبيرة حاصرت الناس، واربكت حياتهم، وخيمت على ملامح المدن ونشرت الوجوم والموت في زواياها.
لكن قرار التخلص من خريطة الموت هذه لم يكن سهلاً، وارتبط اولاً بتصاعد ثقة القوات الامنية والناس، بامكان حفظ الامن من دون الحاجة الى زرع عارضة كونكريتية ونقطة تفتيش في كل مكان، ومع هذا لم يشهد الامر تقدماً على الارض، لان الخوف الذي تجاوزه السكان بعد ان تعايشوا مع الازمات وصارعوها وانتصروا للحياة، لم تتجاوزها الاطراف التي استمرت تعتبر ان تحرير المدن من قيودها الاسمنتية يشكل خطراً وجودياً.
وهذه الاطراف ليست بالضرورة عراقية بل بعضها كالسفارات خاضت معارك لرفض فتح شوارع قريبة منها، واغلقت السفارة الهندية مثلاً ابوابها اياماً احتجاجاً على القرار، فيما وقفت السفارتان الاميركية والبريطانية عائقاً امام افتتاح المنطقة الخضراء على يد رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، يضاف الى ذلك مسؤولون سابقون يحتلون بنايات وقصوراً رسمية، حاولوا بكل وسيلة منع المضي بخطط تحرير الشوارع، بل ان مؤسسات امنية من المفترض ان يكون وجودها معياراً للامن والتطمين للناس، اصرت على ان تكون مختبئة خلف الاسوار.
كل تلك الممانعات تركزت في بغداد في الغالب باعتبارها العاصمة، وشكلت مجتمعة جبهة واسعة تفترض ان المغامرة بفتح الشوارع والمربعات الامنية المغلقة سيشجع الاعمال الارهابية.
ومن الضروري الاشارة هنا الى ان بغداد وحدها تضم اكثر من 30 مربعاً امنياً بالاضافة الى المنطقة الخضراء، تشمل مقرات حكومية وحزبية وامنية، قطعت من اجلها الساحات والشوارع، وزرعت لحمايتها ملايين من العوارض الكونكريتية الهائلة التي بامكانها مجتمعة ان تبني ثلاثة اسوار جديدة لبغداد مع محيطها.
اخيراً ، اصر رئيس الوزراء الجديد على اكمال ما لم ينجح من سبقه به، وهذه المرة تحمل الموضوع وقاوم الممانعات الحزبية والدولية، بل انه حسب مقربين تعرض الى تهديدات مباشرة في حال مضى الى تنفيذ خططه.
لانعرف مستوى هذه التهديدات في الحقيقة، واذا كانت تشمل ضرب الامن لاجبار عبد المهدي على اعادة الاسوار الاسمنتية والمناطق الامنية مرة اخرى، ام تقتصر على تهديده شخصياً بنزع الدعم السياسي الداخلي او الخارجي له، لكنها في النهاية محاذير يجب عليه ان يأخذها في الحسبان ويعد لها العدة، فالدولة الرصينة لاتتخذ قراراتها بناء على ردود الافعال، ولا تتراجع عن تلك القرارات بناء عليها.
الحديث عن هذه الخطوة ، لايعني ان الامور في العراق تسير بالاتجاه الصحيح، فنحن فقط امام خلل واحد تم تصحيحه، وامام البلد تحديات جسيمة وكبيرة اخرى، تخص بناء منظومات امنية قادرة على حفظ الامن بطرق أكثر نجاعة، واقل تكلفة على حياة السكان وحرياتهم، ومعالجة كوارث الفساد والتأسيس لبنية ادارية باقل ثغرات ممكنة، ومواجهة العجز الاقتصادي الكبير، وتردي الخدمات الواجبة على الدولة.
لكن كل ذلك لن يتم في بيئة كالتي اوجدتها منظومة الخوف والخرائط الاسمنتية والمربعات الامنية، بل ان تلك المنظومة هي من مبررات الفساد والعجز، وهي التي سمحت باستخدام مصطلح “المنطقة الخضراء آمنة” الذي اخترعه الجيش الاميركي، وتقابله كل بغداد باعتبارها “منطقة حمراء خطرة” على لسان سياسيين ومسؤولين حكوميين عراقيين من دون حتى ان يثير المصطلح تحفظاً من الحاكم ازاء اهانة شعبه!.