1 خرافة المطر الملياري
د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
ضحك العراقيون وهم يسمعون، الاثنين الماضي، محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق يعلن خلال جلسة البرلمان، تلف سبعة مليارات دينار (نحو ستة ملايين دولار) داخل مصرف الرافدين الحكومي، ولكنه كان ضحكا كالبكاء، وتحول تصريح العلاق الصادم إلى مناسبة لانتقاد أوجه الفساد في العراق. كان المحافظ وهو يروي خرافة المطر الملياري، غير مقنع ولا موفق في تقديم مسوغ معقول، تماما مثل بطل الحكاية، التي رواها ابن المقفع عن التاجر الذي أودع كمية من الحديد عند جاره وحين أراد استرجاعها قال له جاره لقد أكلتها الفئران. الشارع العراقي وحده كان صاحب الكلمة عندما التأم رأيه العام: كادحه وسيده ورجل خباز وسائق تاكسي وفلاح والآلاف من المواطنين الذين جعلوا من خرافة المطر الملياري واحدة من أشد الحكايات ألما مصحوبة بالأسى على مائدة ناهشي جسد الوطن، منذ عام 2003.
ونسي البرلمانيون والمحافظ في الجلسة البرلمانية تلك، أن العراقيين لا تنطلي عليهم هذه الذرائع، فهم، كما يقول المثل الشعبي المتداول “مفتحين باللبن”، لكن البرلمانيين ومعهم المحافظ حاولوا تحويل اتجاهات الرأي العام من قضية إلى أخرى على أمل التغاضي عن التخريب المتعمد في العراق، ذلك التخريب الذي بلغ ذروته في قضية نفوق الأسماك، والعراقيون يدركون، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن حكومات ما بعد الاحتلال مكلفة بالمضي في الإجهاز على العباد والبلاد.
حاول المحافظ أن يقلل من حجم الكارثة بالقول إن المبلغ لم يكن عشرة مليارات كما أشيع، وإنما سبعة مليارات، مشيرا إلى أن الخسائر لا تعني عمليا سبعة مليارات دينار، وإنما تشمل فقط قيمة طبع الورقة والذي يبدأ من سِنتين إلى أربعة سنتات. وقد ضرب العرب المثل لمرتكب الخطأ الذي أوشك من كثرة شكه بنفسه، ومن كثرة خوفه أن يفتضح أمره، أن يقول: أنا المخطئ فخذوني، والقصة كلها من تأليف وإنتاج وإخراج وتمثيل أحزاب الإسلام السياسي الفاسدة. عندما اتصلت ببعض الأصدقاء باحثة عما يمكن أن يفيدني في فهم القضية، وجدتهم جميعا يبكون دما، وإن كانوا يسخرون مما يجري، وأرجعوا سبب ما يحدث إلى الاستهتار بالمال العام، الذي كان منذ تأسيس الدولة العراقية، مصانا وينظر إليه باحترام وتحميه قوانين وهيئات ومؤسسات، في حين أنهم أزاحوا بعد الاحتلال تلك الهيئات والمؤسسات وعطلوا تلك القوانين، التي كانت تحمي الثروات الوطنية لينفردوا بها ويصيحوا “بالبلاد بائع ومشترٍ”، كما كان يقول الشاعر الجواهري، وغرد الشاعر سامي مهدي على صفحته في فيسبوك يقول “العراق فقط.. دون سائر الدول سمكه ينفق ونقوده تغرق”، وقال لي صديق دبلوماسي وهو أكاديمي عراقي بارز إنه وجد، وهو يعدّ كتابه عن هجرة العقل العراقي أن الدولة بقطاعاتها كافة غارقة في الفساد حتى أذنيها، ففي كل مؤسسة ووزارة وعلى مستوى السلطات الثلاث هناك جيوش من القوارض استولدتها العملية السياسية على مدى السنوات الـ15 الماضية، وعلى تعاقب الحكومات ما بعد الاحتلال، في نشاط محموم لانتزاع كل ما يمكن انتزاعه من أموال ولقى ومقتنيات جردوا منها الدولة كما استحلبوا المواطنين، وبات التزوير واغتصاب العقارات والسرقات المليارية من بديهيات العملية السياسية، وذلك كله مما يعترف به سياسيو العراق بعظمة لسانهم، كما يقال.
إن هذا الرأي لا يقوم على الإنشاء وإنما هو رأي أكاديمي مسؤول استخدم فيه أدواته العلمية، التي توصله إلى نتائج موضوعية خالية من الهوى، لذلك فما على العراقيين إذا أرادوا القضاء على الفساد والعودة ببلدهم إلى ما كان عليه من صيانة للمال العام واحترام للثروات الوطنية، إلا أن يبدأوا بكنس السلم وتنظيفه من الأعلى إلى الأسفل، وإلا فإن هذه الكوابيس والخرافات التي يعيشونها، ستتواصل بنسخ جديدة مرعبة.
2 “الفساد يجمعنا”.. مبدأ التحالفات السياسية في العراق حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
أقصى ما يتمناه أهل العراق بعد التجارب المريرة التي أودت بهم إلى قاع الاحتلالين الأميركي والإيراني هو مراودة أحلام الخروج من المأزق أو معاناة الورطة الكارثية، وذلك بالعودة إلى ما قبل الانقلاب على النظام الملكي وتأسيس الجمهورية، وإذا كانت الأحلام أكثر واقعية فبالعودة إلى بعض أعوام السبعينات من القرن الماضي بما شهدته من طموح في بناء دولة معاصرة.
لكن التقدم برغبة التراجع إلى محطات زمنية مأسوف عليها، لا يعني سوى توقع الأسوأ في إشارة إلى الإصابة بالشلل وعدم القدرة على الحركة وغياب الأمل بالشفاء بوصفات الأدوية المتعددة، وكيف ساهمت هذه الأدوية في زيادة أعباء المرض، واستشراء اليأس الذي دخل مرحلة اليقين وأصبح يتطلب القول الفصل في معالجة وإنقاذ العراق وانتشاله بأدوات ومستجدات حماية وإسعاف على طريقة الاستغاثة والنجدة.
العالم يغض الطرف عن انتهاكات تعرض لها شعب العراق، والمبرر وجود دولة بنظام سياسي ديمقراطي وانتخابات ورئاسات ثلاث وقضاء مستقل وجيش وقوات أمن داخلي ووزارات، إلا أن هذا البناء الإداري الوهمي والمخادع جرت تحته عمليات الاحتيال والتزوير والكيد والفساد، للوصول بالعراق إلى ما وصل إليه من تفتيت وتقسيم وتغيير في المفاهيم التي أطالت أمد الحياة في جسد النظام والحكومات المتعاقبة.
لم يعد العراق موحدا تحت راية دولة الاحتلال؛ فالعراق دول بسلطات لا تلتقي على وطن وخدمة شعب ومستقبل، والاختلاف فيه مفسدة تتوزع على زعماء الكتل المذهبية والأحزاب الطائفية ومن نصب نفسه وصيا على العراقيين من هذه الجهة أو تلك، إن كان زعيم ميليشيا أو شيخ عشيرة أو قبيلة أو رجل دين أو من أرباب العوائل، اغتنم فرصة توليه مسؤوليات رسمية وحظي بعقود معينة لتبني له أمجادا مالية جلبت له الجاه والمناصب والعلاقات وجرأة الحديث نيابة عن الملايين، ومن بينهم المشردين في الخيام ومعسكرات الذل الذين لا يقل عددهم عن مليوني مواطن، ومنحته قدرة تشكيل الأحزاب والمحاور أو إلغائها بين يوم وآخر، والاستدارة حول نفسه من دون حياء أو وجل، أو الاحتماء بفصائل سياسية وميليشيوية تقطر أياديها بدماء الأبرياء من أهاليها بحجة “عفا الله عمّا سلف”.
رغم أن الأدلة عن خيانة هؤلاء وولائهم للمشروع الإيراني وتكرار التأكيد عليها صار مملا ولا يدعو إلى العجب، بل إن الأدلة تتعمق يوميا في جزئيات الصراعات والخلافات على تولي الوزارات ورهانهم على خيارات محدودة لن تجود إلا بشخصيات مدعومة من إيران تلبي مطالب الملالي في مرحلة العقوبات الأميركية.
ماذا ينتظر العالم من نظام سياسي لم يحافظ على حدوده من الإرهاب، واستدعى الإرهاب في وقت كانت ميليشياته تقاتل خارج أراضيه لأسباب طائفية بامتياز؛ سجون سرية وعذابات متناهية لا تقل عن ممارسات التمييز العنصري في بعض تجارب الدول الأفريقية، وفعاليات انتقام لا تخطر ببال من أجل تحقير الآخر والاستهانة به. فما حدث في العراق كان أقسى بتبنيه الانتقام لأحداث تاريخية لا ترتبط بالكراهية الشخصية، إنما تعمم الاستهداف والإعداد له وتطبيقه بأوامر مسبقة تنسجم ورغبات ملالي طهران التي لا صلة لها بمقومات أوامر دولة وصلاحيات جيوش نظامية أو شرطة محلية.
نهر الفرات بدلالاته اللغوية الفريدة في العذوبة، صار مكبا لنفايات النظام السياسي وجهله في إدارة موارد الدولة الغنية بالنفط والماء وخصوبة الأرض وتعدد الثروات. نفوق الأسماك مهما كانت الأسباب والتحليلات مع حجم تلوث المياه وأعداد المصابين بالبصرة، وتسجيل أعلى معدلات الغبار في الكوكب ودرجات حرارة غير مسبوقة وموت أو احتضار 40 بالمئة من الأرض الزراعية، مع تفاصيل استدعت روح السخرية للحضور في مداولات مجلس النواب؛ تعني في المجمل ضياع مقومات الدولة وشرعيتها لعدم قدرتها على تحمل الأعباء الاستثنائية والعادية والتي تصب جميعها في عجز دور المؤسسات وغيابها، عدا عن غياب الأمن المتعمد في أحيان كثيرة بالاغتيالات والاعتقالات وتغييب الآلاف وبعدد لا يحصى من الإخفاقات.
لماذا يغيب العراق عن اهتمامات مجلس الأمن الدولي؟ هل لتعدد المآسي في سوريا واليمن وبلاء حزب الله في لبنان أم لأن صوت الاحتلال الأميركي في العراق أصبح خافتا بحكم الهيمنة الإيرانية وبما تعرض له العراقيون من حملات تجهيل وتقسيم وتهديد في صحتهم وفي غذائهم وتعليمهم وثقافتهم ووعيهم ووحدتهم الاجتماعية، وهم الذين يمشون على أرض أضخم احتياطيات النفط.
بعد أن استمعنا إلى مفردات من نوع السحل بالحبال تتردد لأول مرة في اجتماعات مجلس النواب الجديد أثناء تمرد البصريين على خراب بصرتهم، كنا نظن أن تلك الحبال ستبقى تتأرجح في أذهان الأحزاب والتحالفات والكتل ولا تغادرها إلا بالنجاة وبتشكيل حكومة طوارئ لإغاثة الموصل والبصرة وباقي مدن العراق لإعداد الخطط المستعجلة والدراسات للبدء الفوري بحملة إنقاذ للهدر المالي والبيئي والأمني، وإيقاف الهدر المزمن في حياة المواطنين وكرامتهم، ومنع استغلال الإنسان لغايات أيديولوجية وخرافات تعتاش عليها أحزاب وتنظيمات وميليشيات جرّت العراق وربطته إلى مستنقع المشروع الإيراني في اقتصاده بعد نظامه السياسي لمنع شعب العراق من التواصل مع أمته العربية، وإعاقة قدرته على العيش من جديد بشخصيته الحضارية المستقلة.
معالجة الفساد في العراق تحتاج إلى تدخل دولي ولجان تحقيق على أعلى المستويات، لا إلى تقارير ومانشيتات صحافية عابرة في الصحف العالمية، فالفساد يتغلغل في استراتيجيات الدولة بما يساعد على عودة التنظيمات المتطرفة كما حصل في احتلال الموصل وثلث مساحة العراق.
الإرهاب بعض أوجه الفساد في مشروع اللادولة التي أقامها الاحتلال الأميركي في العراق، وتعمقت بالمشروع الإرهابي لتنظيم الدولة الإيرانية، لأن الفساد يتمدد بحركة أموال ونشاط مصارف ومشاريع وتنقلات ضباط وتجارة أسلحة وبيع مناصب وشراء ذمم وسرقات وإتاوات ووصايا واتصالات ومعلومات وتهريب واغتيالات مبرمجة وتطويع إرادات ومساومات بخبث إلى حيث يمشي القاتل في جنازة القتيل، وربما على أنغام موسيقى الجيش الجنائزية.
3 العراق: وكالة عبد المهدي واخوانه لبيع وشراء الوزراء عوني القلمجي
راي اليوم بريطانيا
قال السيد مقتدى الصدر يوم امس الاربعاء المصادف 21 من الشهر الحالي بان “لديه أدلة تتضمن تسجيلات صوتية ورسائل هاتفية تبادلها المتورطون مع سياسيين بخصوص بيع حقائب وزارية بينها الداخلية والدفاع والتربية” وخص في نفس التصريحات حليفه زعيم كتلة الفتح “بالتورط في صفقات بيع حقائب وزارية ومناصب مقابل عشرات الملايين من الدولارات”، الامر الذي اجبر رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على اعلان تعهده “بالتحرك خلال ساعات إذا حصل على معلومات مؤكدة عن بيع وشراء المناصب والحقائب الوزارية”. ولا اجازف اذا قلت بان كل هذه الفضائح سيجري التستر عليها وكان شيئا لم يكن. ولا يغير من هذه الحقيقة تقديم كبش فداء احتفالا ببراءة جميع المتهمين.
عملية بيع وشراء الوزراء والمقاعد البرلمانية والمناصب العليا، ليست جديدة لجهة الحكومات السابقة، لكن الفرق هذه المرة ان الشهود من اهل البيت وبطريقة علنية بالصوت والصورة. ليس هذا فحسب، وانما نسمع ونرى كل يوم، شهود اخرين ومن اهل البيت ايضا، يؤكدون على طائفية الحكومة وفساد العديد من اعضائها، الى درجة دفعت نواب عديدين خرجوا من المولد بدون حمص كما يقال، بجمع تواقيع كافية لسحب الثقة عن بعض الوزراء الحاليين، ورفض منح الثقة للوزراء الثمانية المؤجلين.
هذه الحالة المزرية التي وصلت اليها هذه الحكومة الجديدة، هي ذاتها التي مرت بها الحكومات السابقة، كونها نتيجة لنفس السبب الذي لم يتغير . والمقصود هنا الانتخابات المزورة وقانونها المعوج، الذي اشرف على تصميمه الحاكم المدني للعراق حينها بول بريمر، حيث اعتمد هذا القانون على نظام التمثيل النسبي، ونظام الدوائر على عدد المحافظات وتوزيع المناصب على اسس طائفية وعرقية، الامر الذي يؤدي حتما الى الية عمل تستند على سرقة ثروات البلاد واشاعة الفساد المالي والاداري، وارتكاب الجرائم بكل انواعها. بمعنى اخر، فانه ليس غريبا او مستغربا ان تشكل الحكومة الجديدة امتداد للحكومات السابقة، بصرف النظر عن لباس الواعظين او الشياطين الذي ترتديه كل حكومة على حدة.
هذا ليس استنتاجا او تحليلا سياسيا او رجما بالغيب، وانما يستند الى سجلات الحكومات السابقة الاسود دون استثناء. وبحسبة بسيطة، او حسبة عرب كما يقال، فقد اثبت هذه الحكومات المتعاقبة عدم جدواها، وعدم قدرتها على تحقيق اي منجز سياسي او اقتصادي او خدمي لصالح العراقيين، واثبتت ايضا بان جميع المناصب الحكومية والبرلمانية قد عادت على اصحابها بمئات الملايين من الدولارات، وبعضا منها بالمليارات. كما اثبتت كذلك بانها حكومات فاسدة ومرتشية، مثلما هو البرلمان والقضاء والهيئات العليا المستقلة. في حين اثبتت بالمقابل بانها حكومات قامت من اجل تنفيذ اوامر المحتل وتحقيق اهدافه الغادرة بتدمير العراق دولة ومجتمعا. وهذا ليس بالامر الغريب او المستغرب، اذ لم يحدث قط ان تمردت حكومة من هذا النوع على سيدها، وامتنعت عن تنفيذ امر من اوامره، خصوصا اذا كان السيد من وزن امريكا، قويا وذا جبروت، وكان اعضاء الحكومة من طينة هؤلاء الذي وصفهم بول بريمر نفسه في وصاياه العشرة الى خلفه جون نغروبونتي بالقول،” اياك ان تثق بأي من هؤلاء الذين أويناهم واطعمناهم نصفهم كذابون والنصف الاخر لصوص”. هذه هي الحقيقة واي خلاف حولها يعد، اما سذاجة سياسية، او لتحقيق اهداف ذاتية او فئوية ضيقة.
وفق هذا السياق فانه ليس صعبا على الانسان العراقي البسيط التوصل الى قناعة قاطعة بكذب وزيف الوعود الذي قطعها عادل عبد المهدي على نفسه، بمحاربة الفساد وتقديم المفسدين الى المحاكم العادلة، واسترجاع الاموال المسروقة، او تغيير الواقع السيء، والقيام باجراء اصلاحات جدية في العراق. بل توصل العراقيون الى قناعة اخرى هي عدم قدرة ايا من القادمين الجدد على اجراء اي اصلاح، مهما كان متواضعا يضر بمصالح الاحزاب الطائفية الحاكمة، كونها محمية من جهة، بمليشيات مسلحة من الراس حتى اخمص القدمين، ومحمية من جهة اخرى بتعويذة الدستور التي تمنع اي تعرض لها، تحت ذريعة الحفاظ على العملية السياسية الطائفية وقطع الطريق على اسقاطها او حتى المساس بركن من اركانها، وهذا الدستور “خالد” ولا يمكن لاية جهة او كتلة مهما كانت قوية ومهابة القيام بتعديله، او تعديل اية مادة فيه، لامتلاك كل من هذه الاحزاب والكتل الطائفية حق الفيتو وفق فقرته الرابعة من المادة 142.
باختصار ما حدث ويحدث احبط امل العراقيين في الانقاذ من المصيبة التي حلت بهم جراء ايمانهم المطلق بان عادل عبد المهدي، ومهما استحضر من وسائل الخداع والتضليل، لن يزعزع ايمانهم هذا قيد شعرة، خاصة وان المواطن العراقي مهما كان بسيطا اصبح خبيرا بمعرفة هذه الزمر الحاكمة وضلوعها في ارتكاب الجرائم ودخولها في مستنقع الفساد والسرقات ونهب الممتلكات العامة والتلاعب بقوت الناس. مثلما ادرك بعدم وجود اية امكانية لانهاء هذه الحيتان او امكانية محاسبة او مساءلة احدا منهم، حتى وفق قانون “من اين لك هذا”.
لقد تم ترسيخ هذه القواعد الكونكريتية المسلحة من قبل المحتل الامريكي ووصيفه الايراني، التي تقوم على السرقات المتنوعة واشاعة الفساد المالي والاداري، لانتاج مثل هذه الحكومات الفاسدة، وهيمنة الحيتان عليها. ليس هذا فحسب، وانما تعمد المحتل على السماح لهذه الحيتان بتركيز ثروة طائلة في أياديها لكي تمنحها القدرة والامكانات على اذلال الشعب وتجويعه واذلاله، وابعاده عن هويته الوطنية وتقسيمه الى قوميات واديان ومذاهب، من خلال ترويج مفردات لم نتعود على استخدامها من قبل مثل، هذا مسلم وهذا مسيحي وذاك صابئي، هذا شيعي وذاك سني والاخر اشوري او كلداني، ولم يجر ايضا في السابق تقسيم المجتمع العراقي الى مكونات، كرد وشيعة وسنة، بعد ان كان العراقي يتباهى بالانتماء للوطن وحب العراق والاخوة والعيش المشترك الخ.
العراقيين قد امتلأت قلبوهم قيحا وصدروهم غيضا من هؤلاء الحكام، وهذا سيجبر العراقيون على اللجوء الى انتزاع حقوقهم المشروعة بايديهم. وبالتالي العودة بقوة الى سلوك طريق الانتفاضات الشعبية، سواء كانت سلمية او مسلحة. وقد نجد شراراتها الاولى قد لاحت في الافق، والمتمثلة في التظاهرات والاحتجاجات الجارية اليوم في مدن العراق الجنوبية وفي مقدمتها مدينة البصرة ضد حكومة عادل عبد المهدي حتى قبل استكمال تشكيلتها.
التاريخ لم يقدم لنا مثلا عن محتل تخلى عن غنيمته طواعية وترك الشعب المحتل يقررمصيره بنفسه، الا في حالة واحدة، هي عدم قدرة المحتل على الصمود امام مقاومة فعالة او ثورة او انتفاضة، تصر على انتزاع حقوقها وحريتها، مهما طال الزمن وغلت التضحيات.