1 تصنيع جيل الشباب حسب الطلب في البلاد العربية! هيفاء زنكنة
القدس العربي
في فيلم وثائقي تونسي قصير عرض منذ أيام في مهرجان قرطاج السينمائي عن تأسيس الفرقة السيمفونية للشباب، عنوانه «اسمعني»، يقول أحد العازفين ردا على سؤال عما يريد أن يفعله مستقبلا، ما معناه «أريد أن أسافر، أن اغادر تونس».
يحيلنا جواب كهذا الى أسئلة عدة تنتصب امام عيوننا عن علاقة جيل الشباب بما يدور حولهم، سياسيا، وموقفهم من جيلنا، جيل الآباء، خاصة من كان منهم ناشطا سياسيا. كيف، اذن، يرى الشباب الجيل الاقدم/ الأكبر سنا، سياسيا، بعيدا عن الاحترام التقليدي المرتبط بالتقدم في السن المتجذر بالتربية العائلية والقرابة والموروث الاجتماعي والدين؟ كيف يرانا بتجربتنا التي تمتد عقودا في الماضي ولا يعرفها الجيل الحالي الا عبر رواية من سبقهم وبلا معايشة حقيقية؟ كيف يرانا من هم جزء منا الا انهم باتوا يعاملون كـ»آخرين» أو كطبقة شبه منفصلة عنا؟
لا توجد دراسات او تقارير للإجابة على هذه التساؤلات وان نشرت، خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة، مئات التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، بكافة فروعها، ومنظمات دولية أخرى، عن الشباب، الذين تعرفهم المنظمة أنهم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة. كما مضت المنظمات الدولية أبعد من ذلك بتأسيسها فروعا مختصة بشؤون الشباب، وحددت الأمم المتحدة يوم 12 آب/ أغسطس، من كل عام، للاحتفال بالشباب والدور المهم الذي يلعبونه في مجتمعاتهم حول العالم. وهي خطوات نبيلة، حقا، لو لم تقتصر، غالبا، على المشاركة « الاحتفالية»، التي تقوم بها الحكومات كجزء من بروتوكولات توقيع الاتفاقيات، الباقية أبد الدهر حبرا على ورق، أما بسبب هيمنة الدول العظمى على آلية تطبيق الاتفاقيات أو بسبب طبيعة الحكومات الاستبدادية، وسياساتها التي لا تقيم وزنا لشعوبها، بل تستخدم توقيع الاتفاقيات كأداة تزويقيه لنيل رضى الدول العظمى. مع ملاحظة ان الدول العظمى، نفسها، لا تقيم وزنا لهذه الاتفاقيات من ناحية الممارسة العملية. فالتعذيب لايزال يمارس، بأبشع صوره، حسب سياسة الحرب على الإرهاب، مثلا، مع بعض التنويع على الرغم من وجود اتفاقية «مناهضة التعذيب». فالولايات المتحدة لا تعذب معتقليها، بنفسها، بل تنقلهم الى سجون عربية وأفريقية، لتعذيبهم بالنيابة. وتوفر لنا مراجعة كيفية تطبيق الاتفاقيات عديد الأمثلة حول ممارسات لا إنسانية لا تزال تمارس في معظم بلدان العالم في ظل الإفلات من العقاب.
من خلطة الرؤية «النبيلة» للمنظمات الدولية وخشية الدول العظمى من وصول «الإرهابيين الشباب» اليها، بعد اعلان أدارة الرئيس الأمريكي «الحرب على الإرهاب»، ومع تصاعد حراك «شباب الربيع العربي»، ولد الاهتمام الدولي المكثف، غير المسبوق، بالشباب العربي، كظاهرة متميزة، كأن الشباب لم يكونوا موجودين سابقا. كأن من تجاوزوا حدود عمر (15 ـ 24) لم يكونوا أطفالا ولن يكونوا… ماذا؟ بصراحة، لا اعرف ما هو تصنيف من هو أكبر من 24 عاما. وان كنت متأكدة ان منظمة الأمم المتحدة ستجد لهم تسمية ما قريبا لتميزهم عن البقية في تقاريرها ومؤتمراتها. الشاب الفلسطيني الذي يضحي بحياته يقف جنبا الى جنب مع والديه وأهله ورفاقه في الاعتصامات. كلهم يحملون ذات المبدأ ولا يشكل تقدم العمر حاجزا يفصلهم
أصبح «الشباب العربي» أو «الشباب في البلدان العربية»، فجأة، عنوانا لتقارير واحصائيات واستفتاءات ومؤتمرات وورشات تدريب. يكاد لا يخلو نشاط حكومي، أجنبي أو محلي، أو نشاط منظمة مجتمع مدني، أجنبية أو محلية، من ملامسة موضوع « الشباب» بشكل أو آخر.
احتلت مفردة « الشباب» مكان مفردة « المرأة» التي كانت شائعة لدى المنظمات الباحثة عن التمويل والدعم في الثمانينات من القرن الماضي، كما احتلت موقع مفردة « الديمقراطية» التي كانت لازمة ضرورية قبل وبعد احتلال العراق، مباشرة، وأزاحت مفردة «الإرهاب» التي التصقت بمعظم نشاطات العقد الأخير، من السياسية والاقتصادية الى الفكرية والثقافية. هذا لا يعني، ان مفردة « الشباب» كانت غائبة عن اللغة. الا انها لم يحدث ونالت هذا الاهتمام المركز، سابقا، من ناحية تنظيم المؤتمرات والورشات الدولية والنشاطات المحلية، الى حد اختلاق موضوعات وهمية، أحيانا، لكي يتم تضمين عنوان « الشباب». يقول مدربان تونسيان معتمدان من كلية موظفي منظومة الأمم المتحدة للعمل على التخطيط في مجال حقوق الإنسان والإدارة المستندة إلى النتائج، عام 2015: «هذه هي المرة الأولى التي ندرب فيها جمهوراً من الشباب وإنها حقاً لأول مرة في تونس!» وضمت الورشة متدربين من عشرين منظمة بمسميات تحمل كلها تقريبا مفردة «الشباب».
إزاء هذه المعطيات، والدفع القوي نحو تشكيل صورة لدور مستحدث، ما هو موقف بقية الناس البالغة نسبتهم 70 بالمئة من نسبة «الشباب» الذين يمثلون 30 بالمئة من مجموع 370 مليون نسمة، بعد ان أصبحوا شريحة تكاد تكون منفصلة عن البقية؟ وهل هناك تمايز حقيقي يصل حد القطيعة بين الأجيال، كما يقال لنا، أو اننا على وشك السقوط في فخ تصنيع تفتيت آخر؟ وما هي كيفية الخروج من المياه الراكدة التي بتنا مصنفين تحتها لأننا «هرمنا» كما صرخ الكهل التونسي الهائم في شارع «الحبيب بورقيبة»، بتونس، أيام الثورة الأولى؟
ليست هناك إجابات واضحة على هذه الأسئلة الا ان هناك دلائل تشير الى بعض الإجابات حول العالم العربي، على الاقل. هناك تفاوت في مواقف الشباب من شخص الى آخر ومن بلد الى آخر. فمقابل التونسي الراغب بالهجرة في قوارب الموت، وهي رغبة لا تقتصر على الشباب، هناك من يتشبث بالبقاء في تونس التي منحته التعليم ويرغب برد الجميل اليها، كما قالت العازفة الشابة في فيلم «اسمعني» وصفق لها الجمهور من كل الاعمار. والشاب الفلسطيني الذي يضحي بحياته يقف جنبا الى جنب مع والديه وأهله ورفاقه في الاعتصامات. كلهم يحملون ذات المبدأ ولا يشكل تقدم العمر حاجزا يفصلهم. انهم يعرفون جيدا ان حصار غزة وتهديد اهل القدس والخليل وإقامة الحواجز هي صناعة إسرائيلية ـ أمريكية، تهددهم منذ الطفولة وحتى الشيخوخة. آخر الحواجز هو وقف دعم منظمة الاونروا، صرح التعليم الفلسطيني. وهي ذات المأساة التي يواجهها اهل العراق واليمن وليبيا. التجهيل الممنهج هو الحاجز الحقيقي بين اهل البلد الواحد. فما الذي يعرفه الطفل العراقي الذي عاش 15 عاما تحت الاحتلال، محروما من اساسيات الحياة من الدراسة الى الرعاية الصحية الى المأوى والاحساس بالأمان. هل هو شاب بمقاييس الأمم المتحدة أم عجوز بمقاييس واقع التدهور السيزيفي العراقي؟
تشير هذه الدلائل، الى حقيقة بسيطة: حين يكون الناس في قاعدة الهرم، حيث يناضلون من اجل أساسيات البقاء على قيد الحياة والحفاظ على الكرامة، لا فرق هناك بين الشباب وكبار السن. ولن يتمكن المجتمع من تحقيق ذاته الا حين يتم جمع نسبة الثلاثين بالمئة مع السبعين بالمئة وليس تجزئتها.
2 الحكومة العراقية واوهام الاصلاح عوني القلمجي راي اليوم بريطانيا
اي متابع بسيط للشان العراقي يستطيع الوقوف على حقيقة الحكومة الجديدة، وعلى الادعاءات الفارغة والاكاذيب المكررة، فهي قد فضحت نفسها بنفسها، خاصة فيما يتعلق بالوعود والتعهدات التي قطعها عادل عبد المهدي على نفسه، حول تشكيل “حكومة مستقلة نزيهة بعيدة عن الطائفية وبعيدة عن الفاسدين”. ومعروف ما حدث، حيث تراجع الرجل عن وعوده بقدرة المليشيات المسلحة، وفسح المجال واسعا امام الكتل والاحزاب الطائفية، لتنال 11 وزير من المجموع الكلي البالغ عددهم 14 وزير، واكتفى بمنصب عريف الحفل لجلسة البرلمان المخصصة لمنح الثقة للحكومة. اما الوزراء الثلاثة الذي رشحهم، فقد قدموا لقادة الطائفية شهادة حسن السيرة والسلوك، مشفوعة بتعهد خطي بالولاء والطاعة. في حين وصف “نزاهة” الحكومة الجديدة، علي البيدري النائب في كتلة الإصلاح والإعمار، بتصريح علني قال فيه بان “اغلب الوزراء الذين نالو الثقة مشكوك في نزاهتهم ولهم ملفات فساد لدى القضاء وهيئة النزاهة والمساءلة.
ومع ذلك لم تكتف هذه الاحزاب والمليشيات بما كسبت، فطالب قادتها بالوزارات الثمانية، التي لم يعلن عنها لحد الان، وحددوا الاسماء ايضا. فعلى سبيل المثال، فقد هدد هادي العامري بسحب الثقة من الحكومة، اذا لم يحصل فالح الفياض على وزارة الداخلية، وتعهد اياد علاوي بنفس اللغة، اذا لم يحصل فيصل الجربا على وزارة الدفاع، في حين اصر قيس الخزعلي على منح حسن كزار الربيعي وزارة الثقافة. ولم يتاخر عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة عن الركب، فطالب بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ليس هناك ما يدعو الى الاستغراب، اذ ليس بامكان عادل عبد المهدي ولا غيره التمرد على نظام المحاصصة، او التلاعب بالحصص، او حتى تدوير الوزارات فيما بين الكتل والاحزاب الطائفية، بحيث اصبح منصب رئيس الجمهورية مسجلا باسم الكرد ورئاسة مجلس النواب باسم “السنة” ورئيس الحكومة باسم “الشيعة”، وحتى الوزارات صارت مشمولة ايضا بهذا النظام المقيت، فوزير الدفاع للسنة والداخلية للشيعة والمالية للكرد. هذه المحاصصة التي ابتكرها الامريكان، هي كلمة السر لتقسيم المجتمع العراقي تمهيدا لتقسيم العراق، وتدميره دول ومجتمعا. وهي في نفس الوقت، الحصن المنيع لادوات الاحتلال، من الاحزاب والكتل الطائفية والمليشيات المسلحة، بل شملت ايضا العصابات والمافيات التي انتشرت في الاونة الاخيرة بشكل واسع.
هذه الحكومات وبهذه المواصفات السرطانية، تمثل، بالنسبة للمحتل، الية سياسية، لحكم البلاد بطريقة غير مباشرة، بعد فشله في حكم البلاد عبر الحاكم العسكري جي كارنر والحاكم المدني بول بريمر، جراء اندلاع المقاومة العراقية وتكبيد قوات الاحتلال العسكرية خسائر جسيمة. وهذه تحكي قصة معروفة، فامام عدم قدرة المحتل البريطاني للعراق عام 1917 على مواجهة رجال ثورة العشرين المجيدة، وما ترتب عليها من خسائر بشرية ومادية كبيره لقوات الاحتلال، استبدل البريطانيون الحكم المباشر، عبر الحاكم العسكري برسي كوكس والحاكم المدني ارنولد ويلسون، بحكومة محلية برئاسة عبد الرحمن النقيب، لتقوم بمهمة تنفيذ مخطط الاحتلال نيابة عنه. فليس تجنيا، والحالة هذه، وصف الحكومات العراقية المتعاقبة، بانها حكومات احتلال، تعمل لخدمة المحتل وتنفذ مخططاته الغادرة، ولا تعمل من اجل الشعب العراقي وتحقيق طموحاته المشروعة. وبالتالي فان حكومة عادل عبد المهدي، تصبح وفق هذا السياق، حكومة احتلال بامتياز.
الذين يعتقدون بامكانبة قيام حكومة وطنية مستقلة بعيدة عن الطائفية والوجوه القديمة فعلا، لم ينتبهو بالقدر الكافي، الى ان حكومة من هذا النوع لن تقبل بالاحتلال، مهما اتخذ من صيغ مراوغة، ومهما كانت الاسباب او الادعاءات الكاذبة، وهذا يعني ان تاخذ امريكا عصاها وترحل، ويرحل معها كل المتواجدين على ارض العراق كمحتلين وخاصة ايران. ترى هل ستقبل امريكا الرحيل بهذه الطريقة السلمية او الناعمة؟، ام ان امريكا احتلت العراق لتبقى به عقود طويلة من الزمن، او كما قال السناتور جون ماكين الى مئة عام؟
حين قررت امريكا احتلال العراق، لم تقتصر اهدافها، كما ادعت، على التخلص من اسلحة الدمار الشامل او تخليص العراق من الدكتاتورية واقامة نظام ديمقراطي على انقاضه، ولو كان الامر كذلك لانتهت اسباب الاحتلال واخذ العراقيون مسؤولية ادارة بلدهم بعد سقوط النظام وبعد التاكد من خلو العراق من اي اثر لمثل هذه الاسلحة المدمرة. واذا كان الهدف كما يقول المعنيون بالشؤون السياسية، تامين نفط العراق وثرواته وحماية الكيان الصهيوني، لانتهت اسباب الاحتلال ايضا. فالحكومات التي نصبتها وبالمواصفات التي تحدثنا عنها والمعاهدات والاتفاقيات السياسية والعسكرية والاقتصادية والامنية، التي عقدتها معها، والتي جعلت من العراق مستعمرة امريكية، كافية لانهاء الاحتلال قطعا. ناهيك عن ان هذه الاتفاقيات تسمح بعودة القوات العسكرية الامريكية الى العراق في اي وقت تشاء.
الهدف الاكبر، او الاهم لاحتلال العراق، كما يقول المعنيون بالتحولات التاريخية الكبيرة، هو ان العراق يشكل بالنسبة لامريكا الحلقة المركزية في مخططها لبناء الامبراطورية الكونية التي ينتهي التاريخ عند ابوابها، على حد تعبير المفكر الامريكي من اصل ياباني فوكوياما، صاحب نظرية نهاية التاريخ. أوعلى حد تعبير جورج بوش الاب، الذي قال بعد الانتصار الذي حققه على العراق في معركة الكويت سنة 1991، “يجب ان يكون القرن الواحد والعشرين قرنا امريكيا”.
اما السبب في اختيار العراق دون غيره من الدول العربية، نجد الاجابة عليه في اكثر من وثيقة امريكية، حيث اعتبرت العراق صرة العالم ووادي الروافد الثلاث، دجلة والفرات والنفط، وان العراق هو الوحيد من بين الدول العربية الذي يمتلك الثروة والموارد البشرية. فدول الخليج تمتلك الثروة لكنها لا تمتلك الموارد البشرية، في حين تمتلك مصر وسوريا الموارد البشرية لكنها لا تمتلك الثروة.كما أن السيطرة على العراق يعد المفتاح للسيطرة على المنطقة العربية، والعراق أيضا يملك ثاني اكبر احتياط نفطي في العالم، وان آخر برميل نفط سيخرج من أبار العراق. ومن الجدير بالذكر ان امريكا حاولت السيطرة على العراق، منذ كان جزء من الامبراطورية العثمانية، وحصلت فعلا من الباب العالي على امتياز البحث عن النفط في كل انحاء العراق من شماله الى جنوبه لكن الكماليون افسدوا هذه المحاولات.
نعم هناك ادعاءات، حول امكانية الحكومة الجديدة على معالجة افات الفساد المالي والاداري، وانهاء المحاصصة الطائفية، ونعم هناك وجود لمن يسوقها ويروج لها ولديهم حضور في الشارع العراقي، مثل التيار الصدري والقوى والشخصيات التي انضوت تحت لوائه، ومن بينهم بقايا الحزب الشيوعي. لكننا نجزم بان مثل هذه الادعاءات ليست سوى اوهام في اوهام. اذ كيف يمكن تنفيذ مشروع اصلاحي، في ظل عملية سياسية طائفية، وفي ظل احزاب وكتل فاسدة حتى النخاع؟. ثم من قال لكم بان التيار الصدري والملتفين حوله يريدون القضاء على الطائفية؟ اليس هم من عاشوا في ظلها وتنعموا بخيراتها ونالو الجاه والسلطة بفضلها؟. ثم اليسوا هم انفسهم من اختار عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة، ونزهوه من كل شائبة ووصفوه “بالشخصية الوطنية المستقلة والمستقيلة من الفساد والفاسدين”؟ الم يصبح رائد فهمي الامين العام للحزب الشيوعي، وجمعة الحلفي عضو مكتبه السياسي سماسرة لعادل عبد المهدي والترويج لحكومته على انها “حكومة وطنية مستقلة”؟
نذكر كل ذلك ونشدد عليه للتاكيد على حقيقة واحدة مفادها، ان المحتل الامريكي وحلفائه من دول الجوار، وفي المقدمة منهم ايران سيتمسكون بهذه الحكومات، ولن يسمحوا باجراء اي تعدليل على الالية التي تهتدي بها، ولا المساس باي ركن من
الاركان التي تستند عليها، وخاصة المحاصصة الطائفية والعرقية. وهذا ما يفسر اصرار امريكا على ان تكون الراعي الرسمي للعملية السياسية، التي شرعنتها بدستور ملغوم، واسندتها بمؤسسات فاسدة، ودعمتها بقضاء مرتشي، ووضعت على راسها قادة لا يتقنون غير سرقة المال العام واشاعة الفساد، وفسحت المجال امام المليشيات المسلحة لاسكات اي صوت يطالب بالاصلاح، سواء من داخل العملية السياسية او خارجها.
اذا كان ذلك صحيحا، ترى هل اصبحت هذه العملية السياسية قدرا مكتوبا على جبين العراقيين الى يوم يبعثون؟ ام ان هناك امكانية لاسقاط هذه العملية على يد الشعب العراقي، وطرد المحتل واعوانه، خاصة ملالي طهران، سواء عن طريق الانتفاضات الشعبية السلمية، او عن طريق الثورات المسلحة؟
في تاريخ الشعوب وتجاربها، لم يقدم لنا التاريخ مثلا بان شعبا، مهما كان صغيرا، استسلم لمثل هذه الاقدار، بل على العكس من ذلك، فان قوى الاحتلال، ومهما بلغت من قوة، هي التي استسلمت امام ارادة الشعوب المستعمرة واصرارها على تحرير نفسها. وقد اثبت شعب العراق هذه الحقيقة، فهو قد رفض الاستسلام للمحتل الامريكي العملاق، وشرع في مقاومته منذ اليوم الاول لاحتلال بغداد، والحق به هزائم نكراء اجبرته على سحب معظم قواته العسكرية من العراق، رغم امكانات الشعب العراقي المتواضعة والاسلحة البسيطة التي قاتل بها. واذا تراجعت المقاومة لاسباب لامجال للحديث عنها، فان الانتفاضات الشعبية التي وصلت الى عقر دارهم في المنطقة الخضراء، وهروب سكنتها كالجرذان المذعورة، كفيلة بانجاز هذه المهمة الوطنية النبيلة.
الارادة والعزيمة والاصرار اقوى من الطائرة والدبابة والمدفع.