العراق رهين محبسين د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

العراق رهين محبسين د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
أسوأ ما في المحاصصة أنها جعلت أحزاب السلطة أوعية لاحتواء أكبر قدر من الحصص الوزارية، وما يتبع ذلك من استثمار الجهاز الحكومي من أجل المصلحة الحزبية.
سيظل العراق رهين محبسين بين بول بريمر وقاسم سليماني، ولن يستطيع عادل عبدالمهدي المكلف بتشكيل حكومة الـ20 بالمئة كما يسميها العراقيون، الإفلات من أي محبس من المحبسين.
استقبل العراقيون، بمن فيهم الـ20 بالمئة الذين صوتوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التشكيل الجزئي المعلن للحكومة الجديدة بمزيج من النقد اللاذع والسخرية المرة والتهديد بتظاهرات عارمة، فقد رأوا أن الوزارة بهذا التشكيل المحاصصاتي، هي وزارة التخريب النموذجية، التي فاقت مثيلاتها السابقات في شبهاتها وهي ليست أكثر من عربة قديمة تحمل الميليشياويين والفاسدين وغير المعروفين للشعب والمجرب الذي طلبت المرجعية الشيعية ألا يجرب، وغالبيتهم من حاملي الولاءات الأجنبية وهم عراقيون بالنسب فقط لا صلة لهم بالمواطنة، وليس بينهم واحد يمكن أن يجتمع عليه العراقيون، وهي تشكيلة مصممة بـمحاصصة واضحة.
وهكذا ستبقى المحاصصة والرشاوى والتزوير وبيع الكراسي في مزاد الأحزاب الدينية، وستبقى القوى السياسية المعتمدة على الميليشيات مسيطرة على المشهد.

زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، أعلن في وقت سابق، في تغريدة على حسابه بموقع تويتر، رفضه العديد من الظواهر في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، مهددا بأنه سيلجأ إلى المعارضة في البرلمان العراقي إذا تحققت أي من هذه الظواهر. وقال الصدر “لن نعود للمربع الأول، فلا عودة للمحاصصة ولا عودة للطائفية ولا عودة للعرقية ولا عودة للفساد ولا عودة للهيئات الاقتصادية ولا عودة لخلطة العطار”.
وأضاف الصدر “إن عادوا فلن نشاركهم ولن نشركهم، بل سنعارضهم عبر قبة مجلس النواب بل حكومة ذات قرار عراقي تخدم المواطن عبر وزارات تكنوقراط”. فأين نجد ما قاله الصدر في تشكيلة الحكومة الجديدة، بل أين العدالة الانتقالية التي تحدثوا عنها؟
تقول الكاتبة العراقية هيفاء زنكنة عن “مفهوم العدالة الانتقالية” إن “مما يثير تساؤلات جوهرية عديدة حول مفهوم العدالة الانتقالية، أنها لا تمس فقط انتهاكات حقوق الإنسان في حقبة محددة هي الانتقال من نظام دكتاتوري إلى ديمقراطي، لكنها تمس بشكل مباشر، في حالة العراق، ساسة الحكومة المنتخبة حاليا، استنادا إلى سؤال أكثر تحديدا وهو: هل بالإمكان تطبيق العدالة الانتقالية في بلد محتل؟ وهل بالإمكان تنفيذها بشكل مستقل وشفاف من قبل ساسة تعاونوا مع الاحتلال ويتحملون مسؤولية الخراب المتراكم؟ إلى أي حد سيكونون قادرين على كشف الحقيقة وقد انخرطوا بطمسها بدرجة أو أخرى، متغاضين عن الجريمة الأكبر، قانونيا وأخلاقيا، في جميع بلدان العالم، أي التعاون مع المحتل؟”.
إن المحاصصة بوصفها مشرّعة دستوريا، ستبقى تحكم المشهد ولن يجد أي رئيس حكومة جديد فكاكا منها، وإن كان المشفقون على حاضر العراق ومستقبله يأملون أن تتمكن السلطة الجديدة من تجاوز هذه التحديات، وإزالة العراقيل والمعوقات كلها أمام إعادة إطلاق العراق نحو المستقبل، ولكن حساب الواقع شيء وحساب الأمنيات والآمال شيء آخر مختلف تماما.
لقد قزّمت المحاصصة تقدم العراق، ومنعته من العودة إلى نفسه بلدا لجميع العراقيين، ولم يحد عنها كل من جاء إلى حكم العراق بعد سنة 2003، إما بحجة أن الدستور نص عليها، وإما بدعوى أنها من مكتسبات المذهب، كما يردد شيعة السلطة، وأسوأ ما في المحاصصة أنها جعلت أحزاب السلطة أوعية لاحتواء أكبر قدر من الحصص الوزارية، وما يتبع ذلك من استثمار الجهاز الحكومي من أجل المصلحة الحزبية، والمنفعة الشخصية، والتحيز الطائفي في الخدمات، وكما قال أحد العراقيين إن “عادل عبدالمهدي سوف يعاني الأمرّين من أجل تشكيل حكومته المرتقبة، وها نحن نسمع عن ترشيحات ورفض وأسماء عادت من الموت لتجلس بأبدانها على كرسي الوزارة”.
لكن هذا الانتقاد اللاذع للتشكيلة الوزارية سيتحول، كما يتوقع الجميع، إلى تظاهرات عارمة قد تهدد مجيء عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة العراقية، وستكون هذه التظاهرات رسالة أخيرة من العراقيين إلى من يحكم المنطقة الخضراء عسى أن يفهموها ولعلهم يرعوون ويبدأون في استيعاب ما يريده 80 بالمئة وأكثر من العراقيين الذين لم يعطوا أصواتهم لأحد وقاطعوا الانتخابات في بادرة تنم عن وعي بما أصاب العراق من خراب بسبب المحاصصة المقيتة.