1 العراق ليس له حل!
محمد واني جريدة الجريدة الكويتية
لا يمر يوم في العراق دون أن نسمع عن بلاد «الأربعين حرامي» شيئاً ما يعكر المزاج ويطير العقل من الدماغ، ويجعل الحياة أكثر قتامة وبؤساً… الأحداث تتوالى على رؤوسنا بسرعة مدهشة منذ سقوط النظام البائد، أحداث ساخنة غير عادية من العيار الثقيل، كل حادث منها يكفي ليقصم ظهر أصلب رجل فينا، فما إن نخرج من أزمة حتى نقع في أخرى أسوأ وأتعس.
ما زلنا نحن العراقيين نواصل تأثيرنا وسحرنا على العالم، وكما كنا نفعل دائما وندهشهم بمغامراتنا وحكاياتناالعجيبة عن «ألف ليلة وليلة»، ونجعلهم يتعاطفون مع شهرزاد ضد الملك شهريار، ونأخذهم في رحلات السندباد البحرية التي لا تنتهي عجائبها ونصحبهم مع علي بابا في مغامراته مع «الأربعين حرامي»، وغيرها من القصص والروائع الأسطورية الجميلة التي كان لها الفضل في إثراء الثقافة الإنسانية، اليوم نكرر نفس حكايتنا «العجيبة» للعالم، ولكن بحبكة درامية جديدة، باهتة وغير مؤثرة وعلى قدر كبير من السماجة والتزييف، ليس فيها المتابعة والتشويق، ولا البراعة في الصياغة والتأليف، وينعدم فيها الذوق والحس الفني الجميل وبشخصيات «كارتونية» هزيلة لا تحمل الصفات «الكارزمية»للسندباد البحري، ولا تتمتع برشاقة وخفة ظل علي بابا، ولا حتى بشغف وإصرار الملك شهريار في الوصول إلى الحقيقة والمعرفة، مليئة بالحقد وغارقة في العقد النفسية العميقة.
وإذا كنا قد أبهرنا العالم بمواهب فذة من نسج الخيال وشاركنا بها في الفعل الحضاري، فإننا اليوم نقدم لهم من الواقع المُر شخصيات ضربت أروع الأمثلة في الاستهتار بالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان، بدءاً بالزعيم «الانقلابجي» عبدالكريم قاسم ومرورا بأبي المعارك والحروب الطويلة البائسة وسيدها من غير المنازع، قائد الأمة صدام «القومجي»، وصولاته المعروفة وجولاته المعهودة في قصف المدن بالكيمياويات، ودفن الناس أحياء في مقابر جماعية، وانتهاء بالمغامرين الجدد أبطال الطائفية المقيتة والوطنية «المصلحية»المزيفة… ومساعيهم المفضوحة للوصول إلى السلطة.
لا يمر يوم دون أن نسمع عن بلاد «الأربعين حرامي» شيئاً ما يعكر المزاج ويطير العقل من الدماغ، ويجعل الحياة أكثر قتامة وبؤسا… الأحداث تتوالى على رؤوسنا بسرعة مدهشة منذ سقوط النظام البائد، أحداث ساخنة غير عادية من العيار الثقيل، كل حادث منها يكفي ليقصم ظهر أصلب رجل فينا، فما إن نخرج من أزمة حتى نقع في أخرى أسوأ وأتعس، لا نكاد نتخلص من «بلاوي» العروبيين حتى نتعرض لتفاهات الطائفيين، دائمي التنقل من حفرة إلى حفرة، ومن مصيبة إلى أخرى ألعن وأتعس، والله وحده يعلم ماذا نخبئ للعالم من مفاجآت غداً؟!… حروبنا شرسة وقاسية وسلامنا ذل ومهانة، عندما نحارب، نقتل بالآلاف وبكل الأسلحة، المحرمة منها وغير المحرمة، ولكن عندما نتهاوى ونندحر «نبوس الجزم» ونستسلم دون قيد أو شرط، فلا حروبنا تشبه حروب الآخرين ولا سلامنا يشبه سلام الآخرين.
بعد أن أنجانا الله من حزب عروبي عنصري فاشي عام 2003 وقلنا سنشكل دولة ديمقراطية للجميع ليكون الكل سواسية أمام القانون وكتبنا دستوراً، سرعان ما رحنا نشكل ميليشيات طائفية وفرق موت، يقتل بعضنا بعضا على أساس الهوية عبر حرب أهلية، ديمقراطيتنا بخلاف ديمقراطيات العالم، تعطي مساحات واسعة لحرية السرقات المنظمة والقتل على الهوية وتوزيع المناصب العامة بحسب القرابة الحزبية أو الطائفية أو العائلية، فالأقربون كما هو معلوم أولى بالمعروف… كل الشعوب في حالة إبداع وتطور دائمة، وشعوبنا مثل الثور المعصوب العينين يدور في رحى الشعارات البالية والمبادئ الفارغة التي عفا عليها الدهر وفاتها قطار الحداثة والمعاصرة.
2 عادل عبد المهدي… المهمة شبه المستحيلة لؤي عبد الإله الشرق الاوسط السعودية
وفق الأسطورة الإغريقية، كان على هرقل أن يقوم باثني عشر عملاً بطولياً خارقاً ليحقق لنفسه الخلود. ولعل المهمة الخامسة هي الأصعب على الرغم من أنها لا تستلزم شجاعة وقوة بدنية ومهارات قتالية فوق بشرية، بل تتطلب عنصرين فقط: الحنكة والقدرة على تنفيذ خطته.
كانت هذه المهمة عبارة عن تنظيف إسطبلات الملك «أوجياس» التي تراكمت على أرضيتها طبقات الروث العفن سنة بعد سنة إلى الحد الذي أصبح التخلص منها مستحيلا، لسعة هذه الحظائر ولعدد الماشية الهائل فيها، وكان الوقت الممنوح لتحقيق هذا العمل يوماً واحداً.
كان على هرقل أن يتبع طريقة غير تقليدية لإنجاز هذه المهمة دون أن يستعمل أيا من أسلحته الفتاكة.
فحسب الأسطورة دك البطل الإغريقي جزءاً من جدار هذه الإسطبلات وحرَفَ بقدرته الجسدية الفائقة مسار نهرين فتدفقت مياههما بتيار قوي داخل طبقات الروث فأزالتها ودفعتها لتخرج بها من فتحة على الجانب الآخر من الجدار، عملها هرقل نفسه. حال إتمام المهمة أعاد الأخير كل شيء إلى مكانه، النهرين إلى مجراهما الأصلي والجدار إلى ما كان عليه.
وكم تبدو لي مهمة السيد عادل عبد المهدي مشابهة لمهمة هرقل هذه، فطبقات الفساد التي تراكمت داخل مؤسسات الدولة ابتداء من أعلى كياناتها المتمثلة بالبرلمان العراقي وحتى أصغر دائرة حكومية خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة جعلت العراق يحتل المرتبة الأولى عالمياً في حجم الفساد وكثافته، وأفضل وسيلة لقياسه هو المقارنة بما كسب العراق من مدخولات مالية ريعية ناجمة عن بيع النفط خلال هذه الفترة وحجم المعاناة التي ظل أغلبية المواطنين يعيشونها نتيجة الحرمان من الخدمات الأولية الأساسية من ماء نظيف وكهرباء وتعليم وصحة. ففي الوقت الذي يقدر كثير من الخبراء أن ما دخل العراق من بيع النفط خلال الخمس عشرة سنة يزيد عما كسبه ابتداء من أول برميل باعه العراق في أواخر الأربعينات من القرن الماضي وحتى عام 2003.
ولعل السبب الأساسي لهذا الفساد يكمن في مبدأ المحاصصة الطائفية الذي سمح لنخبة سياسية تضم كل المكونات المجتمعية من الاستئثار بخيرات هذا البلد وتحويل الوزارات إلى «غيتوهات» تضم هذا الوزير أو ذاك، فيها موظفون من أبناء عائلته وعشيرته وطائفته، وهذا على حساب العمل الخدماتي الذي تأسست هذه الوزارة أو تلك لتنفيذه لصالح المواطن أيا كان.
والآن وبعد مشاركة أقل من 20 في المائة من المواطنين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات النيابية الأخيرة، كشفت نتائجها عن أنه ليس هناك أي طرف سياسي قد حقق الأغلبية التي تمكنه من الحكم وحده. ولذلك أصبح أمام النخبة السياسية التي وصل ممثلوها إلى البرلمان خياران: إما الاستمرار بصيغة المحاصصة الطائفية – الاثنية التي تعني استمرارا في استشراء الفساد وتدهور الخدمات الأولية أكثر فأكثر أو العثور على صيغة أخرى تمكنها من الاستفادة مما أنجزته في الانتخابات الأخيرة، وفي الوقت نفسه المراهنة على عودة نظام المحاصصة من الشبّاك بعد إخراجه من الباب. ومن هنا جاء اختيار السيد عادل عبد المهدي لهذه المهمة.
لا بد من الإشادة أولا بالمرشح عبد المهدي فهو أفضل من يمثل العراق من حيث التيارات السياسية التي حددت شكله ومصيره، فهو في عمر مبكر انتمى إلى حزب البعث ثم في أواسط فترة شبابه انتمى إلى الحزب الشيوعي بتياره الأكثر ثورية، ثم بعد الثورة الإيرانية إلى التيار الديني الشيعي.
قد يسمح هذا التاريخ الشخصي السياسي لعادل عبد المهدي بمد الجسور بين الطوائف والإثنيات وبين الأطراف المنتمية إلى أي من هذه التيارات، أي قد يساعد على عودة المواطنة والانتماء إلى الوطن قبل الانتماء إلى الحزب والطائفة والإثنية، وقد تسمح له خلفيته الأكاديمية وإقامته في بلد غني بحياته السياسية مثل فرنسا، بامتلاك رؤية عصرية لمفهوم الوطن والمواطنة وما تقتضيه هذه الرؤية من مقاربات عصرية وعلمية للمشكلات المطروحة أمامه.
كذلك، كانت الشروط التي وضعها السيد عبد المهدي للقبول بمنصب رئيس وزراء جيدة، فهو اشترط عدم تدخل الأحزاب الفائزة بمقاعد في المجلس النيابي باختياره للوزراء، ثم طلب من كل الأفراد الذين يرتأون في أنفسهم الصفات المؤهلة كي يصبحوا وزراء أن يقدموا طلباتهم إلكترونيا. وهذه مقاربة لم يسبقه أحد إليها في العالم.
غير أن للضرورة أحكامها، فهو إجراء يهدف إلى اختيار أفضل ما في العراق من كوادر بعيداً عن الأشخاص الذين احتلوا مناصب خلال الخمس عشرة سنة من دون أي مؤهل مناسب، فبفضل نظام المحاصصة دخلت أعداد كبيرة من الأفراد الذين يفتقدون الخلفية الأكاديمية والخبرة المهنية في حدودها الدنيا إلى سلك الدولة ليحتلوا أعلى المناصب فيها وليعيثوا فيها فساداً.
لا أستبعد أبدا أن يختار عادل عبد المهدي أكثر الأفراد كفاءة لتقلد مناصب وزارية هدفها سيكون – ولأول مرة بعد 15 سنة عجاف – خدمة المواطن وتحسين مستواه الحياتي وتحقيق نظام قائم على المواطنة والمساواة والعدالة.
غير أن الرهان على نجاحه يظل قيد الشك إذا أخذنا بنظر الاعتبار حقيقة أن مرشح الأحزاب الفائزة في مقاعد البرلمان سيكون بشكل أو بآخر رهينة تحت يد الكتل الأكبر، فإن هو أراد على سبيل المثال أن يحيل موظفا ما عليه أدلة قاطعة بالاحتيال للقضاء فسيهب في وجهه الطرف الذي ينتمي إليه هذا الموظف ويعرقل قراره.
وهذا سينطبق أكثر إذا أراد رئيس الوزراء المقبل أن يضم كل فصائل الحشد الشعبي إلى مؤسسات الجيش والشرطة، وجعلها محكومة بالأنظمة نفسها التي يخضع لها رجال الشرطة والجيش، فإنه سيلاقي صداً قوياً من ممثلي هذه المنظمات شبه العسكرية التي برزت تحت ظروف طارئة (وكان حرياً بعد انتهاء هذه الظروف أن يُدمَج أفرادها بمؤسسات الدولة الأمنية مع ضمان مكافأتهم على دورهم الكبير في إنقاذ العراق من (داعش) ومكافأة أولئك الذين استشهدوا في ميادين القتال ضد وحوش ما عرف بـ«الدولة الإسلامية»).
أن يكون الرئيس التنفيذي لنظام برلماني من دون أغلبية تمثله في البرلمان، بل حتى من دون قوة سياسية واحدة تمثله، فذلك يجعله أشبه بقصبة تحت الريح.
في هذه الحال سيكون أمام عادل عبد المهدي خياران: إما السعي لإرضاء الائتلافات والتنظيمات (ذات الطابع الطائفي – الإثني) وتجنب إغضابها (أي أن يظل محكوماً بقواعد المحاصصة سيئة الصيت) أو المواجهة معها، وهذا سيؤدي بعد فترة قصيرة إلى الإطاحة به.
وإذا أضفنا الضغط الشعبي الذي سيتصاعد لحل الأزمات الحياتية المتراكمة، فإن الوقت الذي سيمنحه الناس لعادل عبد المهدي سيكون قصيراً جداً مثلما هو الحال مع هرقل: أن يحقق المعجزة خلال أربع سنوات فقط.
هناك بارقة أمل قد تتحقق إذا طرح مرشح رئاسة الوزراء برنامجاً تفصيلياً يعالج فيه بوضوح الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ويعالج مسألة المنظمات المسلحة غير الحكومية، وتفاصيل تحقيق الإصلاح الإداري، والخطط التي ستتبعها حكومته لتحسين الخدمات الأولية للشعب من توفير ماء صالح للشرب إلى كهرباء إلى تعليم قريب لما كان سائدا خلال السبعينات من القرن الماضي إلى ضمان صحي وغير ذلك. وفي حالة موافقة الأحزاب والتكتلات البرلمانية بذلك والتزامها بالموافقة والتوقيع على هذا البرنامج، يصبح بإمكانه آنذاك أن يضع أول خطوة في طريق الإصلاح الطويل والشاق في آن.
أن يكون رئيساً تنفيذياً لنظام برلماني فذلك يعني أن يكون عادل عبد المهدي رجل الدولة الأول القادر على إصدار القوانين (بعد مصادقتها من البرلمان) ومتابعة تنفيذها حتى النهاية. فهل سيربح الرهان في وضع استثنائي كهذا؟
كل شيء ممكن في العراق. وهذا ما يجعلني مصراً على خيط الأمل مهما كان ضعيفاً.
3 نفط العراق: التحديات والإمكانات
وليد خدوري الحياة السعودية
تواجه حكومة رئيس الوزراء العراقي المكلف عادل السيد عبد المهدي تحديات كثيرة لإصلاح الأوضاع في العراق، بعد الفساد والخراب الذي ضرب البلاد منذ عام 2003. ويشكل القطاع النفطي أحد أبرز القطاعات التي تتطلب مسيرة إصلاح طويلة، لأن النفط هو عماد اقتصاد العراق حتى إشعار آخر، ولاهتمام عبد المهدي بالصناعة النفطية كوزير سابق للنفط، ولإلمامه بآثار النفط في المجتمع العراقي واقتصاده وأبحاثه. وأظهرت سنوات الحكم الأخيرة أن زيادة الإنتاج من مليوني بريمل يومياً إلى 4.5 مليون، أدى في جو الحكم الفاقد للشفافية والمحاسبة، إلى نهب وسرقة المال العام، وفقدان مئات بلايين الدولارات، جزء كبير منها من القطاع النفطي، أو من خلال تفشي الفساد في معظم دوائر الدولة، بسبب التوسع في البطالة المقنعة واعتماد فرض الخوات على المواطنين لإنجاز معاملاتهم، إلى جانب تضخيم قيمة العقود لجني الأرباح من التلاعب في قيمتها الفعلية.
وسيشكل القضاء على الفساد الذي تفشى في أجهزة الدولة، التحدي الأول للسياسة الإصلاحية لعبد المهدي ورئيس المجموعة الأكبر في البرلمان بزعامة مقتدى الصدر الذي يدعم الإصلاحات للحدّ من الخراب ونقص الخدمات الأساس في العراق. وعبّر الشعب في تظاهرات البصرة وفي الانتخابات التشريعية عن مآسي العراق من فقدان مياه الشرب وانقطاع الكهرباء وسوء الخدمات الصحية والتعليمية. ومن دون سياسة تواجه بسرعة وبحكمة هذا الفساد والفشل، سيكون من الصعب جداً، كي لا نقل من المستحيل، استعادة ثقة الشعب في جدوى التعاون مع النظام الإصلاحي الجديد.
ونظراً إلى مركزية النفط في اقتصاد العراق، وبما أن العصابات المدعومة من الأحزاب الحاكمة ورؤسائها توغلت في عمليات التهريب والفساد، يتوجب مواجهة هذه القوى السياسية ووضع حد لتجاوزاتها، على رغم الصعوبات التي ستواجهها الحكومة في هذه الحملة التي تشكل المطلب الأول للعراقيين الآن.
ويشكل نفط العراق أحد الاحتياطات العالمية الكبرى، إلا أن نشوب الحروب والإهمال الإداري أديا إلى تخريب الكثير من المنشآت البترولية، خصوصاً في قطاع الغاز وتصدير النفط، وفي الجنوب تحديداً، حيث الاحتياطات العملاقة. واقتصرت الطاقة التصديرية من البصرة على نحو 3.2 مليون برميل يومياً، على رغم أن إنتاج العراق الحالي فاق 4.50 مليون برميل يومياً. وعلى رغم سعة الطاقة التصديرية الحالية، يتوقع ازدياد الإنتاج قريباً، فهناك مثلاً 150 ألف برميل إضافية متوقع بدء إنتاجها من حقل حلفايا في آذار (مارس) المقبل، إضافة إلى زيادات من حقول جنوبية أخرى.
ورُفعت الطاقة التصديرية منذ العام 2012 من نحو 3 ملايين برميل يومياً، ويجري حالياً توسيعها التصديرية من خلال أنبوب بحري بطاقة مليون برميل يومياً. ولكن توجد تحديات أخرى، إلى جانب زيادة الطاقة النفطية التصديرية، إذ يتوجب إعطاء الأولوية لقطاع الغاز ليزود محطات الكهرباء المحلية بالوقود اللازم بدلاً من حرقه، ناهيك عن تصدير الفائض منه، في حال توفره. ويتوجب إيلاء أهمية أكثر للصناعة الغازية وتحقيق الهدف العالمي في عدم احراق الغاز بتاتاً. ويعتبر العراق رابع أكبر دولة ملوثة عالمياً بسبب حرق الغاز المصاحب، الذي تزداد كميته مع زيادة إنتاج نفط الجنوب.
وهناك الأهمية الجيواستراتيجية لتنويع مصادر التصدير نظراً إلى الأخطار المحتملة من الاعتماد فقط على الخليج لتصدير النفط العراقي. وهناك إمكانية إعادة تشغيل الخط الاستراتيجي ليصبح من الممكن تصدير نفط الجنوب عبر تركيا أو العكس، ونفوط الشمال من الخليج. وهناك خط الآنابيب عبر سورية، الذي دُمرت محطات الضخ فيه خلال حرب عام 2003. وتوجد دراسات قديمة/ جديدة لتشييد خط أنابيب عبر الأردن والتصدير من ميناء العقبة، ويجب أن ينوع العراق مصادر التصدير. ولا يجب أن يقلل الاهتمام بالصادرات من أهمية توفير المنتجات البترولية للسوق المحلية، إذ إن فقدان السلع الأساس في السوق المحلية، خصوصاً البترولية منها، زادت من أعباء حياة المواطن اليومية ومشاكلاتها.
وعلى رغم أهمية البترول للعراق، يتوجب العمل على تشييد الطاقات المستدامة من من الشمس والرياح، فالعراق متأخر جداً عن بقية الدول الإقليمية في هذا المجال. والولوج في مشاريع بترولية وطاقوية قريباً، يعني ضرورة الاعتماد على الكوادر الوطنية والشركات العراقية، إما وحدها إذا كانت مؤهلة لذلك، أو عبر التعاون مع شركات دولية معترف بها إذا اقتضت الضرورة. ويقودنا هذا الأمر، كجزء من سياسة الإصلاحات، إلى ضرورة الاهتمام بإعادة الكادر الوطني المتخصص، الذي أثبت تفوقه الاكاديمي في دراساته وتم ابتعاثه على حساب الدولة إلى أهم الجامعات العالمية، ولكن اضطر عدد كبير منهم إلى الهجرة لأسباب أمنية أو معيشية. ومشاركة هذه الكوادر بخبراتها في العراق سابقاً وفي الشركات العالمية حالياً، سيوفر دعماً مهماً للتنمية.
وتعكس الخلافات في محافظة كركوك، نموذجاً لما يواجهه العراق من صراعات حالياً، منها صعوبة التعايش بين الاثنيات والأديان والمذاهب المتعددة. وهناك أيضاً الخلاف النفطي بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، كما أن محاولة تسوية النزاعات في كركوك قد تشكل مدخلاً لمعالجة ما يؤخذ بتسميته «المكونات» العراقية، ولتسوية للنزاع النفطي بين بغداد واربيل.
وواجه الحكم الفيديرالي منذ عام 2003 مشكلة في طريقة توزيع الصلاحيات الإدارية بين بغداد والمحافظات. والأمر لا يتعلق فقط بالإدارة، بل أيضاً بتوزيع الموارد المالية، وحجمها وصلاحية استعمالها. وهناك الفرق بين المحافظات ذات الإنتاج البترولي، وتلك التي لا تتمتع باحتياطات بترولية وتلك في الإقليم أو خارجه. ويصاحب هذه المشكلات غياب الشفافية في الموازنات والمحافظات، إذ سيطرت أحزاب فاسدة على مجالس محافظات عدة.
وتتحمل رئاسة الوزارة الحالية أعباءً جسيمة لا تحسد عليها، فهناك التوازن الدقيق في العلاقات بين الدولتين المهيمنتين على العراق، أي الولايات المتحدة وإيران. وهناك ضغوط الأحزاب الدينية للحفاظ على مصالحها، وكل هذه مهام سياسية صعبة، ناهيك عن الإصلاح وإعادة الإعمار. ومن ثم، من المهم إنجاح هذه الفترة الانتقالية ليجتاز العراق نفق عام 2003 المظلم.