4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 إيران تعيد العراق إلى عصر ما قبل الزراعة
حامد الكيلاني العرب بريطانيا

بعد 15 سنة من احتلال العراق وتشكيل الحكومات المتتالية، تتجه الأنظار إلى تشكيل حكومة جديدة تمضي بالأحزاب المركزية أو بنظام المحاصصة الطائفية والسياسية إلى بر آخر للأمان، يضمن لها دورة من أربع سنوات بذات المعايير والمناهج والزعامات المفرطة أو المعتدلة بولائها لولاية الفقيه التي تريد أن توصل إلى جمهورها، المتكتل حولها، ما تجود به من إرشادات بدائية عن الوطن وكيفية إدارته.
الوصول إلى بر الأمان الخاص بحكومات الاحتلال يتطلب الإبحار بمركب العملية السياسية، أي بالدولة والقرار السياسي والحكومي والنيابي والعسكري وقدرة التعبئة حسب الطلب والمهمات، وكذلك بما تستحوذ عليه من إعلام، وحتى ما يتصل بها من شائعات تعتبر في المغزى العام الشغل الشاغل لها، لحجم ما تحصده من ترويج يمدد من إطالة أمد الوضع القائم الذي يسعى فيه النظام السياسي إلى إعادة وتدوير وتنشيط مدخراته التنظيمية والأيديولوجية قاصدا طرحها كأسهم استثمارية في شركات فرعية ناشئة وبعناوين عريضة وجديدة.
عناوين تصب خواتيمها في المشروع الأساسي الذي تتوسع فيه مساحة الاهتمام بالنظام على حساب هامش ازداد انحسارا إلى درجة ضاغطة، بدت فيها أوضاع شعب العراق متردية وخانقة لا تنفع معها الإسعافات السياسية وإجراءات المناقلة مع ما رافقها من ضجيج تعالت فيه الأصوات، أحيانا، للتنبيه إلى احتمالات تمرد الهامش كرد فعل للإحباط المتناهي واليائس من انتظار صحوة الإصلاح وبناء دولة على مقياس ذاكرة وطن مازال أبناؤه، على الرغم من كل أشكال التردي والانحطاط العام، يدركون مكانته التاريخية والعلمية والإنسانية مع ثقتهم بما يتوفر له في حاضره من ثروات طبيعية.
لكن ذلك لا يمكن استثماره إلا في بيئة منتجة ومستقرة ومواكبة ومتقبلة لاستراتيجيات العلوم والمعارف في التجارب العالمية المطروحة كسوق مفتوح للتبضع لمن أراد امتلاك رؤية التغيير.
مغزى أي بناء لن يكتمل ثم يستمر وينمو ويتعاظم إلا بأرضية فكرية صالحة وتخطيط يعتمد على تراكم الخبرات وتكامل التوجهات والإرادات نحو الهدف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتعويل على عمل مشترك ومتفان لتجاوز الخلافات والجدل حول الاستحقاقات التي تجري على مقربة من عاصفة أسرفت في إنذاراتها ودخلت مرحلة الذروة.
العراق، ومن قريب ذاكرته، تلقى من وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق جيمس بيكر تهديدا وتحذيرا بإعادته إلى ما قبل العصر الصناعي، لكن الحقائق في احتلال العراق بعد 13 سنة من تلك المقولة وبأثرها في السياسة الدولية، أدت إلى انعطاف خطير على صعيد إشهار إزالة دولة العراق وترحيلها من العصر الحديث إلى قرون مضت.
إلا أن 15 سنة بعد الاحتلال الأميركي كانت حقبة زمنية لدور الاحتلال الإيراني الذي تسلل في وضح النهار من بين الأصابع الأميركية المتواطئة والمتراخية، أعيد فيها العراق إلى ما قبل العصر الحجري الحديث، أي إلى ما قبل معرفة الزراعة والاستقرار. ذلك ليس سخرية أو تهكما من الأدوات الإيرانية المحتكرة لمصير السلطة في العراق، بل هو وقائع تضافرت على صناعتها الحكومات المتعاقبة لحزب الدعوة، مع عناصر عشوائية أخرى من أحزاب أُصيبت أساسا بعدوى الانقسام الطائفي.
الأحزاب الطائفية وجدت في استيلاء الخميني على السلطة في إيران دافعا، وبمشروعه المبني على احتلال العراق غاية لها، والأكثر تحديدا احتلال كربلاء والنجف وباقي الأوقاف المذهبية.
احتلال يعتبر بالنسبة لملالي طهران بداية تنطوي على الاستيلاء على وقود الفتنة الكبرى، لخلق مفاضلة عددية في الزيارات الدينية ترسيخا للتفرقة وتعميقا لمشاعر الخلاف المذهبي بين المسلمين.
عواصف من الفساد تشيع المزيد من التصرفات المضطربة في ظواهر لا صلة لها بالإرهاب، لكنها بالأرقام والإحصاءات تسجل حضورا في إسقاط أي دولة وتحويلها إلى ما صار إليه العراق من مرتع خصب للعصابات والميليشيات وتجار الدم والحروب الصغيرة والنزاعات الخفية والتربص للآخر
وما يتصل بذلك الاحتلال المتحقق من أهداف سياسية معادية للعرب في العراق، نجحت ولاية الفقيه في تسويقها بالحرب الأهلية سنة 2006، أو بالاستهداف الديني المعلن للمملكة العربية السعودية لتقويض الأمن خلال مواسم الحج وبإثارة الفتن المذهبية تحت أغطية سياسية في دول عربية أخرى.
الأرض الطيبة، تكالب عليها الجراد الأصفر الذي لا هم له سوى قضم الثروات والتعامل مع أبناء وادي الرافدين كأعداء، إما لكونهم قاتلوا ضد العدوان الإيراني والكثير من هؤلاء تعرضوا للتصفيات الجسدية والتهميش والتخوين أو الإهمال على أقل تقدير، وإما على أساس التمييز بالولاء المذهبي، والأخطر توجسهم من الدماء العربية في ما يعتقدونه ضمانة لمعسكر فتنتهم الطائفية التي انتقلت في السنوات الأخيرة إلى مشروع إرهاب عالمي، إلا أنهم أصيبوا بالصدمة من انتفاضة أهلنا في الجنوب وما جرى في مدينة البصرة من أحداث من بينها إحراق القنصلية الإيرانية.
العديد من دول العالم لا تريد رؤية حقيقة انهيار الدولة في العراق وتراجعها إلى حدود ومقتربات عصر الصيد بأنواع الأسلحة مع كواتم الصوت والخوف المطلق، حيث نصف الزراعة ألغي بسبب شح المياه مع ارتفاع درجات الحرارة إلى أعلى معدلاتها عبر تاريخ الطبيعة المنتجة للحياة.
هجرة ونزوح لأسباب بيئية، انقراض أنواع متعددة من الطيور والأسماك، نفوق للثروة الحيوانية بمعدلات استثنائية، تلوث مياه واسع يحتاج إلى تدخلات دولية وإغاثية عاجلة، إبادة للنباتات والمراعي الطبيعية، إضافة إلى تراجع الصناعة والقطاعات الحكومية والخاصة وتراجع الثقة بالمصارف وما تبقى من مقومات التعليم والصحة.
عواصف من الفساد تشيع المزيد من التصرفات المضطربة في ظواهر لا صلة لها بالإرهاب، لكنها بالأرقام والإحصاءات تسجل حضورا في إسقاط أي دولة وتحويلها إلى ما صار إليه العراق من مرتع خصب للعصابات والميليشيات وتجار الدم والحروب الصغيرة والنزاعات الخفية والتربص للآخر، أيا كان في متاهة من العائديات القومية والدينية والمذهبية.
إصرار في العراق على تشكيل ذاكرة انتقام متبادل لا تتوقف عند حدود ما حصل من خسائر، إنما تكرر دورتها بالاستئثار بالقوة والسلطة، نزولا إلى صيغة أقليات مسلحة وسرقات وأتاوات حتى في المدن المدمرة كالموصل، بما يعيدنا إلى الأجواء السائدة ما قبل احتلال تنظيم داعش لها.
ماذا تبقى من العراق، حتى يصار إلى تأهيل النظام والعملية السياسية للمحتل، بشخصيات انتهت إلى مأساة فكرية عندما ارتضت أن تضع تحصيلها العلمي في قبضة التعصب للمذهب، وسمحت لنفسها أن ترفع السلاح “ببطولة” ضد وطنها الأم، وتسمح لنفسها كذلك بأن تلتقي بزعماء الميليشيات لتبحث معهم وبهم بناء العراق الذي يحتفل دائما بالمستقبل على طريقة العزاء.
2 قواعد إيرانية ثابتة ومتنقلة في العراق د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

كل عام، ومع المناسبات الدينية الشيعية، يتخذ الاستيطان الإيراني الجديد في العراق شكلا جديدا، ولكن أبرزها كان تدفق الزوار الإيرانيين لزيارة كربلاء بمناسبة أربعينية الإمام الحسين في العام 2016 من دون تأشيرات دخول رسمية، وما جرى هذا العام من تدفق اتخذ شكلا رسميا تحت غطاء تقديم إسعافات أو إغاثة أو خدمات أخرى.
شاهد العراقيون في شوارعهم هذا العام، سيارات شرطة وإسعاف وهبطت على العراق طائرات إيرانية تقل إيرانيين بذريعة تلك الزيارة، في صورة أكدت تنامي النفوذ الإيراني في هذا البلد الجريح، ولإشعار العراقيين بأن مدنهم أضحت جزءاً من إيران، فلا احترام لسيادة العراق، ولا حساب لمشاعر العراقيين.
الإيرانيون القادمون لزيارة العتبات المقدسة من إيران تحت أغطية عديدة هم، في رأي المراقبين، قواعد متنقلة، إذا حسبنا الميليشيات التي دربتها وتمولها إيران قواعد ثابتة، وهي كذلك فعلا.
التدفق الذي حدث في العام 2016 عبر المنافذ الحدودية لزيارة كربلاء، دخل خلاله مئات الآلاف من الإيرانيين، ومن كل ألف يدخل يخرج 800 ويمكث 200 منهم في العراق، وهناك الآن، في العراق ما يزيد على 150 مؤسسة إيرانية متعددة الأغطية والواجهات من بين أعمالها رعاية أمور هؤلاء الماكثين.
هناك تنسيق معلن بين قوة القدس والحشد الشعبي (حرس المرجعية المقدس)، وفي البصرة يزاحم الإيرانيون العراقيين في العمل ولا يستبعد أن يكون قطع المياه الواردة من الأنهار الإيرانية إلى شط العرب يندرج ضمن هذا المخطط الجهنمي، إذ هجر إلى الآن سكان 25 قرية شرقي محافظة ذي قار، المجاورة للبصرة، قراهم خلال صيف العام الحالي جراء الجفاف الذي تعاني منه مناطقهم جراء تفاقم أزمة شح المياه، حسب علي رداد قائممقام قضاء الإصلاح (شرق مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار)، فيما يهدد تلوث الماء وشحّه البصريين بهجرة محافظتهم، فما الذي يحدث في البصرة التي تعاني من شح أشد وأقسى في المياه؟
أضحت البصرة مثالا حيا، فكامل محافظة البصرة ثارت على الوجود الإيراني، وقد ووجهت ثورتها بقمع غير مسبوق، وانخرط الإيرانيون الآن، في أعمال (مستشارية) وأمن خاص وشركات في البصرة نفسها.
رأى الدكتور عبدالستار الراوي، أستاذ الفلسفة الخبير بالشؤون الإيرانية، في حوار دار بيننا، على شبكة التواصل الاجتماعي (الواتساب)، أن الذي يحدث في العراق الآن هو اجتياح سكاني وتثبيت قواعد عمل تجاه المعارضة في الداخل، والمعارضة هنا تعني رفض الوجود الإيراني، والقواعد في العراق تمتد إلى معسكرات على مشارف الصحراء: السماوة وكربلاء مثالاً، وهذه القواعد موجهة في إعدادها وتدريبها وخارطة أهدافها ضد المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، وقد تمتد إلى البحرين والإمارات على نحو كتل إرهابية.
الغريب، وحديثنا مازال عن تدفق الزوار الإيرانيين إلى العراق، أن هؤلاء الزوار يمارسون سياحة دينية، لكن سياحتهم لا تكلفهم شيئا كما تكلفهم في دول أخرى، فالعراق بستان لا سور يحميه، فهم يأتون من دون دفع رسوم أو سمات دخول ويهيئ لهم العراقيون أفخر أنواع الطعام مجانا ويقيمون مخيمات لسكنهم مجاناً ويتلقون حصص تدليك لأبدانهم مجاناً، ويخرجون من دون أن تستفيد الدولة منهم برسوم دخول ولا المطاعم والفنادق، بينما تفرض على العراقي الذي يزور إيران الرسوم ويدفع مقابل أكله وشربه وإقامته أكثر ما يدفع سائح آخر، وفوق ذلك يتلقى معاملة سيئة من رجال الحكومة الإيرانية وبعض الإيرانيين.
في سنة 2016، قال محافظ كربلاء عقيل الطريحي “لقد هيأنا وسائل النقل والسكن والأمن، ونحن متعودون على إدارة مناسبات أكبر مثل زيارة الأربعين، لذا فنحن قادرون على إدارة هذه الزيارة”. فما عدا مما بدا، ولماذا الشرطة الإيرانية تحمي الزوار الإيرانيين هذا العام وتجوب سياراتهم مدن العراق؟
وفي سنة 2016، ناشد الشيخ عبدالمهدي الكربلائي وكيل المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني في كربلاء في خطبة الجمعة “الرحمة والأخوة واحترام الآخر ونبذ التعصب وتجنب الصراعات غير المبررة”. ودعا الكربلائي إلى “قبول كل منا الآخر والعمل معه سوية، وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا لولا أن الهوى والتعصب صار هو الغالب والسائد حتى بات العالم الإسلامي موطن الصراعات الدموية والاحتراب المقيت”.
وهذه إشارة إلى العراقيين بوجوب الاعتناء بالإيرانيين وبذل الجهود وتقديم الخدمات لهم، وإذا كانت هذه الخدمات مجاناً فثوابها عند الله أعظم.
وفي سنة 2016 أيضاً، أكدت مصادر مطلعة في السوق المالية المحلية في كربلاء إدخال زائرين إيرانيين عملات مزيفة إلى أسواق البلاد.
وقال ممثل شركة الطيف للتعاملات المالية “إن محاولة نشر العملات الإيرانية المزيفة في العراق تعد سابقة خطيرة ومضرة بالاقتصاد العراقي، مؤكدا أن الذي يقف خلف هذه العمليات هم عصابات ومافيات مال متخصصة”.
ودعا جميع أصحاب مكاتب الصيرفة والمواطنين إلى توخي الحذر في التعامل مع العملات الأجنبية كافة، وفي حال وجود عملات مزيفة عليهم إبلاغ الجهات المختصة على الفور. وكانت الجهات الإيرانية قد نصبت عدداً من الصرافات الآلية في مناطق متفرقة من محافظة كربلاء خدمة لزائريها خلال زيارة الأربعين.
نحن لسنا ضد أن يزور الإيرانيون العتبات المقدسة في العراق، إذا كانت هذه الزيارة لا تتخطى سيادة العراق ولا تمس بمشاعر العراقيين وتحترم القوانين العراقية كما يحترم الزائر العراقي القوانين الإيرانية لدى زيارته لإيران.
ويبقى سؤالنا الكبير: ما هي تداعيات دخول إيرانيين كل عام إلى العراق بصفة غير رسمية ومكوثهم في العراق؟ وماذا سيخلق وجودهم من مشكلات سياسية واجتماعية؟
3 مهمة صعبة تنتظر عبد المهدي
د. محمد عاكف جمال البيان الاماراتية

أخيراً وبعد ما يقرب من مرور خمسة شهور على الانتخابات التشريعية العراقية، التي أجريت في مايو نجحت الكيانات السياسية في وضع الملامح الرئيسية للمرحلة المقبلة، فقد تم انتخاب الدكتور برهم صالح رئيساً للجمهورية وتكليف الدكتور عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة، على أن ينجز ذلك خلال ثلاثين يوماً حسب ما ينص الدستور.
الدكتور حيدر العبادي من موقعه رئيساً للوزراء أسهم كثيراً في إطفاء الطائفية، إذ لم يسجل موقفاً لإدارته حول ذلك، كما حقق نجاحات مميزة في الحرب على داعش عبر سعيه لتقوية الجيش العراقي، وعمل على تحسين العلاقات مع المحيط الإقليمي، إضافة إلى قضايا أخرى تحسب له، إلا أنه من جانب آخر ورغم وعوده وتكرارها لم ينجز شيئاً يذكر في القضايا التي تتعلق بملفات الفساد وبملفات الإعمار والبناء وحصر حيازة السلاح بالأجهزة الأمنية للدولة رغم أنه كان ينادي بكل هذه، ورغم أنه قد حصل على ميزة هامة وهي دعم محلي له وإقليمي ودولي لم ينجح تماماً باستثماره.
التوافق على ملامح المرحلة المقبلة يدخل في باب التسويات المؤقتة، فقد تركت عملية انتخاب رئيس المجلس النيابي ورئيس الجمهورية بعض الندوب على المشهد السياسي تجعل مهمة رئيس الوزراء ليست هينة، فالخلافات الحادة بين جناحي الكرد، التي اشتعلت في سياق انتخاب رئيس الجمهورية ستترك بهذا الشكل أو ذاك تداعياتها على المشهد السياسي الكردي وعلى عموم العراق.
كما أصبحت العلاقة بين بغداد وأربيل أكثر تعقيداً مما كانت قبيل انتخاب رئيس الجمهورية وهو ما يضع عقبات أمام رئيس الوزراء لرأب الصدع بين بغداد وأربيل، الذي ترتب على إجراء الاستفتاء الذي أجرته حكومة الإقليم في سبتمبر 2017. وقد أجمع كتاب عديدون تناولوا أوضاع العراق الحالية بالدراسة والتحليل من زوايا مختلفة على صعوبة المهمة، التي يتصدى لها عبد المهدي.
الظروف المحلية التي جاءت بعبد المهدي إلى رئاسة الوزارة تختلف عن تلك التي جاءت بسلفه قبل أربع سنوات، فدور المرجعية الدينية لم يكن في الدورات النيابية السابقة بالوضوح الذي بدا به في هذه الدورة.
عبد المهدي تسلم رئاسة مجلس الوزراء بتركة أقل ثقلاً مما استلمها سلفه العبادي، وهو من هذا المنظور لن تُقبل منه أعذار في التلكؤ في مواجهة الإصلاحات خاصة أن هناك ما يساعده على ذلك هو قدر من الرخاء المالي مع ارتفاع أسعار النفط.
ملفات عديدة تطرح نفسها بقوة، أبرزها إصلاح النظام السياسي والاقتصادي وإجراء التعديلات الضرورية في الدستور الذي بانت عيوبه وثغراته على مدى الدورات الانتخابية الثلاث السابقة. أما على المستوى الآني فالمطلوب من حكومته مقاربة ملفات الفساد والخدمات وانتشار السلاح بشكل أكثر جدية خاصة في المناطق الأكثر تضرراً وفي مقدمتها محافظة البصرة.
الدكتور عبد المهدي سياسي مخضرم على بينة أكثر من غيره في النخب السياسية حول تعقيدات المشهد السياسي العراقي بحكم ممارسته شخصياً أنشطة سياسية فعالة ومتنوعة واختزانه تبعاً لذلك لتجاربها السياسية والفكرية مما يجعله مقبولاً لديها ومتفهماً لمواقفها، فهو على بينة بأن المهمة التي يقوم بتحمل أعبائها ليست سهلة ولن تكون قراراته سالكة بالسهولة التي ربما يأملها، فمبدأ التوافق لا يزال حاضراً وفعالاً يفرض نفسه بقوة خاصة أن ليس لديه كتلة برلمانية تسنده بعددها أو تحالفاتها، فهو مهدد بمواجهات تنذر بالتفجر إن لم تكن متفجرة.
المجلس النيابي في انتظار سماع بيان عبد المهدي الوزاري إلا أن العيون مسلطة على الشخوص الذين سيختارهم، فهل سيتمكن من فرض رؤيته في معايير الاختيار بعيداً عن الاستحقاقات الانتخابية أم سيضطر في النهاية إلى الرضوخ للضغوطات وتكرار ما يحدث كل أربع سنوات، فالكيانات السياسية تتحدث عن الاستحقاقات الانتخابية وترجمتها في الكابينة الوزارية.
أبرز ما سيواجه عبد المهدي هو نفوذ «الدولة العميقة» وهي الدولة التي تعمل على إبقاء مفاتيح اللعبة السياسية في حوزتها، فبعد مرور ثلاث عشرة سنة من حكم حزب الدعوة أصبحت هذه «الدولة» قوية لا يستهان بها وفي ضوء خسارة هذا الحزب لرئاسة الوزراء ليس من المتوقع أن يُستقبل عبد المهدي وكابينته الوزارية بالترحاب.
4 ندفع لهم يجزوننا شتائم وحقداً وحسداً…! حسن علي كرم السياسة الكويتية

نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح بصفة تبعية الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية لإدارته، ورد في ردٍ على سؤال برلماني عن معاناة الصندوق ازاء القروض التي تتخلف بعض الدول المقترضة عن تسديدها واصفاً بان عددها قليل بالنسبة لعدد الدول المقترضة.
الوزير الخالد حاول قدر الإمكان التقليل من اهمية القروض المتأخرة السداد، الا ان الواقع لدى العارفين ليس الامر كذلك، فهذه القروض لم يتم الاتفاق مع الصندوق على جدولتها او تأجيل السداد، لكن هناك ما يشبه التجاهل.
والغريب وفقا لمصدر مطلع وعارف بمسائل القروض الحكومية هو ان غالبية القروض المتأخرة في مقدم تلك الدول تأتي الدول العربية، و هو ما يعني ان اتفاقيات القروض التي يوقعها الصندوق مع تلك الدول في نظر حكوماتهم حبر على الورق!
فهل يجوز استمرار مهزلة القروض واستنزاف الأموال الكويتية، وهي أموال عامة عائدتها للأمة التي أودعت ثقتها بالمسؤولين عن الصندوق، ويفترض الا تكون أموال الصندوق عرضة للعبث والتلاعب والتهاون والاستسهال وعدم المساءلة والمراجعة؟
ان الغزو العراقي الغاشم على الكويت كان ينبغي ان يكون الحد الفاصل، والاختبار الذي يكشف لنا وجوه الأعداء من الأصدقاء، ومن معنا ومن ضدنا، ومن الصادق معنا ومن الكاذب، ومن يلتزم المواثيق والمعاهدات، ومن يرقص على حبل المواثيق والمعاهدات لتحقيق مآربه، رغم ان علاقات الدول لا تسيرها الاخلاقيات انما المصالح، فالغزو كشف عرب الاحقاد وعرب الأنداد، والذين ساندونا وحرروننا ليس خوفهم على ضياع الكويت، او من اجل سواد عيون الكويتيين الذين تشردوا في أصقاع الارض، او الذين رزحوا تحت مذلة ونير الاحتلال، لكن كان الهاجس الاول والاخير ان غزو الكويت الخطوة الاولى لغزوات أوسع، فالكويت لم تكن الا “سندويش” على الماشي او بوابة مرور الى ما هو ابعد من الكويت!
في كل الاحوال ليس حديثنا هنا عن الغزو ومآسيه، انما عن مآلات قروض الصندوق الكويتي الذي تذهب امواله لجهات لا تستحقها، الامر الذي يجعل استمرار منح القروض الى تلك الأطراف، ان كانت بلداناً او مؤسسات، ضرب من السفاهة ولا حماقة، ألامر الذي يقتضي اعادة النظر بوضع الصندوق من حيث السياسات والتوجهات، ففي الاخير أموال الصندوق أموال كويتية، بمعنى أموال عامة ترجع في الاخير للأمة الكويتية.
لقد شرع الصندوق منذ تأسيسه في ستينيات القرن الماضي والى هذا اليوم سياسة ثابتة، رغم المتغيرات التي شابت العالم، والاوضاع الاقتصادية والمالية في الكويت وغيرها من البلدان، والمجاميع الاقتصادية وانشاء صناديق مالية مماثلة، واذا كان الصندوق الكويتي الأعرق والأقدم على صعيد المنطقة، لكن يبقى جمود سياساته اغلب الظن هو احد أسباب تنصل بعض المقترضين من سداد قروضهم، وهو ما يعني مراجعة تلك السياسات البالية، و تأسيس سياسة تناسب الاوضاع المالية العالمية الحالية، وما استجد على الافتصاد العالمي، مع تأكيدعلى مصالح الكويت الاقتصادية والسياسية.
ان مقولة الصندوق الذراع السياسية لوزارة الخارجية، يمكن ان نفهمه اذا كانت الكويت دولة عظمى، او دولة تحمل اجندة سياسية او فلسفية تسعى لنشرها.
عندما تأسس الصندوق كانت هناك اعذار فرضت سياسة كسب الأصدقاء، لكن اليوم وبعد ضمان امننا وحدودنا دولياً، ماذا الذي يجعلنا نستمر بضخ أموالنا “للي يسوى وللي ما يسوى”، ولا نتلقى منهم غير الحقد والحسد، بينما تعاني ميزانيتنا العجز السنوي، و تأخر الخدمات والبنية التحية بذريعة عدم توافر المال الكافي؟
ان تباهي قيادات الصندوق اعتماده على ذاته الامر، فالمؤكد ليس ذلك عائد من فوائد القروض، والتي ما بين واحد الى واحد ونصف في المئة، و التي اذا روجعت فلا تغطي حتى رواتب الموظفين، ومصروفات الصندوق، انما تلك العائدات تعود لأنشطة استثمارية، لذا نعتقد انه ينبغي مراجعة سياسات الصندوق الاقتراضية، و تغيير أنشطته من مؤسسة أقتراضية الى مؤسسة استثمارية مستقلة، مع استمرار نشاط الاقتراض، لكن بضمانات ورهونات مؤكدة.