ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | تحديات أمام رئيس الوزراء العراقي الجديد
|
محمد الرميحي
|
الشرق الاوسط السعودية |
بعد أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق (ثاني انتخابات بعد الانسحاب الأميركي ورابعها منذ سقوط النظام السابق)، وبعد شقاق طويل وخلاف على نتائجها، استطاعت النخب السياسية العراقية أن تتوافق على الرئاسات الثلاث (رئاسة مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء)، وهكذا جاء عادل عبد المهدي المكلف بتشكيل الوزارة، كما قيل، مرشحاً (توافقياً) بين تلك الأحزاب والجماعات السياسية العرقية والمذهبية، وبعضها مسلح والآخر آيديولوجي، وبعضها تابع لخارج الحدود، وكلها متنافرة إلى درجة أن المتابع يفقد القدرة على معرفة أيٍّ من تلك المكونات في لحظةٍ ما متحالف أو متنافر مع المكون الآخر. فبعد تاريخ طويل في العراق من حكم الحزب الواحد (الذي لا شريك حياً له)! إلى عدد لا يُحصى من التجمعات في كل المكونات – المكون الوحيد (الموحّد) هو المكون التركماني حتى الآن، ربما بسبب عدد التركمان الصغير نسبياً في العراق – إلا أن الاحتمال أن يطول الزمن قبل أن يصل عادل عبد المهدي إلى تكوين وزارته العتيدة، كما أن الاحتمال الثاني، هو أن الزمن سوف يقصر بها (إنْ ظهرت) فبقاؤها في الحكم سوف يكون قصيراً. العراق حتى الآن غير مهيأ (للمهدي) وما يمثله من أفكار أو توجهات في الحكم. من أجل هذه المقالة رجع الكاتب إلى ما تيسر مما كتبه السيد عبد المهدي، وكان بإمكاني أن أصل إلى شبه قناعة بأن هذا المتحول (من الفكر القومي إلى الإسلامي إلى الليبرالي) هو رجل أقرب إليه (الحلم) منه إلى قيادة مجموعات متنافرة ومتصارعة اسمها (النخب المسيطرة على السياسة في العراق اليوم). هو ترك انطباعاً أنه زاهد في المناصب، فلن يفاجأ أحد إنْ قَدِم عبد المهدي على رئيس الجمهورية (برهم صالح) في وقت قريب، وفي يده خطاب اعتذار عن عدم التكليف. إذا كان الأمر أخذ أكثر من خمسة أشهر لاختيار ثلاثة أشخاص، مرسومة انتماءاتهم في ذهن الجميع (سنّي وكردي وشيعي) فما بالك باختيار تقريباً خمسة وعشرين إلى ثلاثين شخصاً لإدارة البلاد! كل تلك القوى تقاتل من أجل وضع (رجالها) في السلطة من أجل الحصول على قطعة من الكعكة!
لفتني في كتابات عبد المهدي تنظيره لحقب الحكم الثلاث في تاريخ العراق الحديث: المرحلة الملكية، والتي كما قال (علة وجودها) التوافق الدولي عليها، والمرحلة الجمهورية، والتي كان علة وجودها حكم العسكر، وعندما تنتفي (علة الوجود) ينهار النظام ويتلاشى، والمرحلة الحالية والتي علة وجودها كما قال (الديمقراطية والانتخابات واللامركزية وإطلاق الحريات)! عجز القائمين على النظام الحالي عن الوفاء بتلك الشروط الأربعة ينفي حجة وجود (النظام) كما يُفهم من قول عبد المهدي! واضح أن كل ذلك (تنظير) يقبله المثقف الحالم، ولكنه لا يُطعم الجمهور خبزاً ولا يوفّر لهم وظائف ولا يمدهم بالكهرباء ولا يتيح لهم شرب ماء نظيف، وفوق ذلك لا يؤمّن لهم أمناً! في مقال آخر يبرر عبد المهدي ما هو موجود من (نظام) قائم اليوم في العراق، على أنه (على عكس ما يقول البعض) قد قَدِم على متن دبابة – هي الدبابة الأميركية – جاءت – كما يرى عبد المهدي – مستغلة لكفاح الشعب! من النادر في العالم أن ينجح سياسي وهو متعلق بالتنظير. بعضهم – وهم قلة – نجحوا، وأكثرهم فشلوا، وفي الحالة الموضوعية للعراق اليوم فإن النجاح بعيد المنال في التحليل العقلاني. يقول عبد المهدي في مكان آخر: «علينا جميعاً أن نراجع مفاهيمنا وثقافتنا وسلوكنا… فهي قبل غيرها سبب أزماتنا المتكررة، فنحن نراكم السلبيات ونضحّي بالإيجابيات»! وربما فات على السيد عبد المهدي أن تغيير الثقافة، خصوصاً السياسية، لا يأتي بمرسوم، فهي عملية طويلة المدى، كما أن الديمقراطية ليست نصوصاً ولكنها سلوك! أمام عبد المهدي أربع عقبات كؤود؛ الأولى ما يُعرف في العرف السياسي الحديث بـ(المرجعية)، التي هي في العراق شكل محسَّن من المرجعية الإيرانية، مع فارق مهم أن الثانية (إيران) لها سلطات واسعة، تحمل شيئاً من المسؤولية. أي أن الجمهور العام يمكن أن يلومها في حال الفشل! أما الأولى العراقية، فلها سلطات معنوية ضخمة ولكن بلا مسؤولية، وهي حالة من حالات الغموض السياسي المحير، حتى لا تستخدم مفاهيم أخرى توصف وضعها في بنية السلطة السياسية، كما أن مستقبلها مبهم بعد ذهاب سماحة علي السيستاني بعد عمر طويل، (هو اليوم في أواخر ثمانيناته)، ربما بعده تتعدد المرجعيات للأغلبية من المكونات، وتنتشر بين ولاءات مختلفة وأيضاً متضاربة! أما العقبة الثانية فهي علاقته بأميركا التي وقّعت معها الدولة العراقية مجموعة من المعاهدات متوسطة وطويلة الأجل. وهي، أي الولايات المتحدة، لها أجندة محددة في العراق وجوارها. أما الثالثة فهي إيران، وهنا يدخل عاملان؛ الأول طموحات إيران غير المنكَرة من سياسييها وقادتها في التسلط على مقدرات العراق، موارد وبشراً، والثاني التنافس بينها وبين الولايات المتحدة على أرض العراق، وهو تنافس في مرحلة سابقة – أي المرحلة الأوبامية – كان إلى حدٍّ ما منسجماً، أما اليوم في المرحلة الترمبية فهو متنافس إلى حدِّ الصراع. أما العقبة الرابعة والأخيرة فهي طموحات الناس (الجمهور العراقي) الذي يفتقر إلى الأمن وتتسلط عليه فوضى السلاح والفساد من جهة، ورغبة بعض المكونات في الانفصال تحت شعار (اللامركزية) من جهة أخرى. هذا الجمهور الذي تشعر غالبيته نتيجة ما مرّ به خلال أكثر من خمسة عشر عاماً، بأن هذه المرحلة قبلها كان أفضل مما هي فيها! تتعطل مطالبه الحياتية ويزداد نفوراً من جميع المكونات، وما أحداث البصرة إلا مظهر قد يتكرر في أكثر من مكان. هذه العبء الرباعي الكبير والمتشعب لن يفيد فيه كثيراً ترياق (الزهد في المناصب) ولا حتى (التفكير النظري) الذي يحمله السيد عادل عبد المهدي، ولا حتى تنظيراته في مقالاته بين (الثورة الفرنسية) التي عشق تطوراتها ومآلاتها و(الحالة العراقية)، وإن كان ثمة احتمال في التماثل فعليه أن يفكر في إبدال الشعب الفرنسي بالشعب العراقي! لتلك الأسباب مجتمعة فإن ظهور المهدي في بغداد جاء في تقديري قبل أوانه بكثير!
آخر الكلام: يتوجه العراق إلى نظام سياسي هجين، بين الإيراني (نفوذ رجال الدين) وبين اللبناني (المحاصصة الطائفية)، وزاده هجانة طلب السيد عادل عبد المهدي (عير المسبوق في كل تجارب العالم) أن مَن يرِد أن يعمل وزيراً فليقدم طلباً على الإنترنت!. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | برنامج عادل عبد المهدي
|
مشرق عباس
|
الحياة السعودية |
لا أحد يتوقع أن يكون عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي المكلف، حراً في اختيار كابينته الوزارية، لكن هناك من يأمل بأن يكون موضوعياً ومهنياً، كما أن أحداً لا يعتقد أن الرجل سيكون مطلق اليد في سياساته الداخلية أو الخارجية، بل أن المطلوب أن يكون ناجحاً وحازماً ومتوازناً، والأهم من كل ذلك أن يكون صادقاً في تعريف هذه المرحلة والتعامل مع استحقاقاتها في نطاق برنامج حكومي يتم إعلانه على المستوى الوطني قبل التصويت على الحكومة. وعلى أساس ذلك يجب أن يتم الحديث بوضوح عن مستوى التدخل الحزبي في كابينة عبد المهدي وفي برنامجه وسياساته المستقبلية، وإهمال الإعلانات التي ترد من معظم الأحزاب بأنها ستمنحه الحرية الكاملة في الاختيار. المشكلة التي لا نتمنى أن يقع فيها رئيس الحكومة المكلف، هو تعريفه «الحرية» فاختيار وزراء من بين 5 مرشحين يقدمهم كل حزب ليست حرية، بل إن الذهاب إلى فتح باب الترشيح الإلكتروني ليس حرية بدوره، وإنما التعريف يرتبط أساساً بتحمل رئيس الحكومة لنتائج خياراته وسياساته وتطبيق مفردات برنامج حكومته. إن الحديث الحزبي المتواتر عن فتح باب الاختيار لعبد المهدي، على رغم أنه يبدو للوهلة الأولى مشجعاً، خصوصاً بعد المخاطر التي كشف عنها الغضب الشعبي خلال الشهور الماضية، لكنه مقلق أيضاً، فلسنا أمام طبقة سياسية تقصد حقاً ما تقول، ولسنا في مواجهة مافيا فساد سياسية مختصة بنخر الدولة ومقاصدها وبناها والحدود ورمزيتها والمواطنة وقيمتها، تختار فجأة التوبة والذهاب طوعاً إلى الاصلاح. ومبرر في هذه الحال الخشية من محاولة القوى السياسية استخدام عبد المهدي كغطاء شامل لقسمة الغرماء، وتحميله لاحقاً مسؤولية أي تلكؤ وتقاعس واستعصاءات، والرجل المعروف بأنه من السياسيين الاكثر هدوءاً وتوازناً في سلوكه السياسي، قد يكون مكبلاً بالأساس بخطوط حمر يتعلق بعضها بكونه ابن منظومة الأحزاب العراقية المتنفذة، والغارقة في التنكيل بالدولة، ويخص الآخر عمره ونزعته غير الصدامية، ويقترب الآخر من منظومة علاقاته الشخصية مع زعماء القوى وشخصيات سياسية مؤثرة داخل العراق وخارجه تمتد لعقود وتفرض بدورها خطوطها وموانعها. وكل هذه المعطيات قد تكون بمثابة مفاتيح نجاح إذا ما استخدمت في نطاقها، واستثمرت لخدمة العمل الجاد لإصلاح النظام الإداري والقانوني العراقي الذي يمثل جوهر الفشل الحالي للدولة، تماماً كما ينبغي استثمار الغضب والسخط الشعبي كعامل دعم وإحراج ورافعة ممكنة للنهوض بالاداء الحكومي. لن تكون مهمة عبد المهدي سهلة، لكنه بحاجة ماسة إلى المصارحة مع القوى السياسية والشعب حول الواقع الحالي، والخطوات التي ينوي اتخاذها، وخريطة الطريق التي سيعمل عليها. خلال أقل من أسبوعين قد يكمل رئيس الوزراء المكلف كابينته، لكن دور عبد المهدي الأول هو إنتاج برنامج حكومته قبل شخوصها، والبرنامج يجب أن يكون عملياً ومباشراً وخالياً من الوعود الجوفاء والخطط الوهمية التي حفلت بها برامج الحكومات السابقة، وأن يعتمد نظاماً زمنياً لخطوات الإصلاح المنتظرة، مرصوفاً بالأولويات ومدياتها ابتداء من القوانين التي يحتاج البرنامج الى سنها أو تعديلها، والإجراءات التي يجب اتخاذها ضمن صلاحيات الحكومة، وصولاً الى آليات العمل. اغلب الظن أن عبد المهدي يقوم في هذه الأثناء بعملية إعداد برنامج حكومته لعرضه في ليلة التصويت على كابينته، وفي الغالب لن يعترض أحد عليه فالجميع مشغول بتمرير أسماء الحكومة، ومعظم المداولات التي يجريها المكلف في هذه الأثناء مازالت محشورة في زاوية الأسماء. لكن البرنامج الحكومي هو ما يحتاج إليه الشعب العراقي ونخبه بالفعل، ما يتطلب أن يعلن قبل مدة معقولة من جلسة التصويت لتتسنى مناقشته شعبياً، وربما تطويره أو تعديله، مع الاقرار بأن البرامج الحكومية في آخر سلم أولويات الأحزاب نفسها، لكننا نأمل بأن يكون في صدر اهتمامات عبد المهدي نفسه. |