1 هل يستطيع عادل عبدالمهدي تنفيذ إصلاحات في العراق د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا
أثار تعيين عادل عبدالمهدي رئيساً لوزراء العراق موجة من الاحتجاج عبرت عنها مقالات بأقلام كتاب معروفين، وأقلام أقل منها بكثير دافعت عن رئيس الوزراء الجديد، من بينها قيادي بعثي كبير انشق عن الحزب وأصبح معارضاً للرئيس الراحل صدام حسين، هو صلاح عمر العلي، الذي كان مسؤوله الحزبي، أيام كان عبدالمهدي بعثياً قبل أن يتقلب تقلباته المعروفة، التي انتهت به إلى أن يكون قياديا في المجلس الإسلامي الأعلى، ثم مستقلاً بانتظار تقلب آخر. أعادت تلك المقالات إلى الأذهان جريمة مصرف الزوية، التي لفلفت حينها ولم يردّ عليها عبدالمهدي إلا ببيان من كلمات مقتضبة.
والحقيقة أن الواقع العراقي منذ الاحتلال سنة 2003، تظهر فيه كل يوم جريمة سياسية، ظاهرة للعيان أو خفية، المتورط فيها سياسيون. وكل جريمة سياسية تُرتَكَب في العراق، تصبح أكثر بشاعة من الأخيرة لتزيحها بذلك من “عرش” الفساد في العراق، لكن جريمة سرقة مصرف الرافدين في منطقة الزوية ببغداد في أغسطس 2009 بقيت “أمّ الجرائم”، لأن الحكومة العراقية نفذتها ضد نفسها، وكان تمهيد الطريق لتنفيذ الجريمة (سحب سيارات الشرطة من مسرح الجريمة قبل وقوعها) تم من قِبل الدولة، وكان منفذو الجريمة يعملون في الدولة، ورئيس العصابة التي نفَّذت العملية (جعفر شكاية خضير التميمي) ضابط في الدولة برتبة نقيب (عرضت وزارة الداخلية صورته)، وضحايا الجريمة (حراس تم إعدامهم أمام حائط في قبو المصرف وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم) كانوا موظفين في الدولة، والآليات المستعملة في تنفيذ الجريمة تابعة للدولة، والأموال المسروقة تابعة للدولة، وقد نُقِلت الأموال المسروقة إلى مقر جريدة “العدالة” (يا للصدفة) التابعة لمسؤول كبير في الدولة.
هذه المعلومات مُستقاة من تصريحات مسؤولين في الدولة: وزير الداخلية في حينه جواد البولاني، والناطق باسم الوزارة اللواء عبدالكريم خلف وغيرهما. وبعد نشر هذه المعلومات، أصدر عبدالمهدي بياناً مقتضبا كرد على ورود اسمه في الجريمة، جاء فيه “إننا ننأى بأنفسنا عن الدخول في مماحكات”، هكذا بكل بساطة.
لم يفند عبدالمهدي التهم الموجهة إليه لضلوعه في هذه الجريمة بعد إسناد رئاسة الحكومة إليه ولم يرد عليها، في استخفاف واضح بالشعب، كما درج المسؤولون الذين نصبهم الاحتلال، منذ البداية.
عند وقوع جريمة مصرف الزوية أُصيب العراقيون بصدمة كبيرة، بعضهم وصف الجريمة بأنها بمنزلة “زلزال” سيطيح برؤوس كثيرين من بينهم رئيس الوزراء، في حينه، نوري المالكي، وعادل عبدالمهدي، ووزير الداخلية، بل بكبار رؤوس حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى (باعتبار المالكي الشخص الثاني في حزب الدعوة، وعادل عبدالمهدي الشخص الثاني في المجلس). لكن الزلزال لم يحصل ولم يُطح برؤوس مدبري العملية ومنفذيها، سواء الكبار منهم أم الصغار، وطويت الجريمة بأكملها، مثلما طويت المئات من سابقات لها ولاحقات تورط فيها كبار المسؤولين من رؤساء وزارات إلى وزراء ونواب وقادة في الجيش.
ولماذا يرد عادل عبدالمهدي على اتهامه بالضلوع في هذه الجريمة بعد مضي أكثر من تسع سنوات على ارتكابها؟ لماذا يرد الآن، وهو لم يعبأ حينها بالصدى الذي أحدثته وما تضمنته من إزهاق أرواح أبرياء كانوا ينفذون واجبهم؟ لماذا يرد الآن على الاتهامات وهو لم يرد عليها عندما كان يُقال وقتها إن زلزالا سيقع في العراق بسبب بشاعة الجريمة؟ لماذا يرد الآن على تهمة لم تصل في وقتها إلى مرتبة رفع دعوى قضائية رسمية ضده؟ لماذا يرد إذا كانت الدولة المسروقة راضية؟ وإذا كانت عائلات الحراس الشهداء ساكتة أو قبلت بتعويض؟ لماذا يُذكِّر الناس الآن بجريمة بشعة وهو يدخل مبنى رئاسة الوزراء رئيسا؟ هل يستطيع عبدالمهدي، بعد هذا كله، تنفيذ إصلاحات في العراق وهذه المفسدة معلقة في رقبته؟
ثم إذا غضضنا النظر عن هذه الجريمة، كيف يمكنه تنفيذ إصلاحات وتقديرات الأمم المتحدة تقول إن العراق يحتاج إلى تريليون دولار لإعادة بناء بنيته التحتية وقاعدته العلمية، وتغطية حاجياته من المدارس والمستشفيات والمعاهد، ليعود مثلما كان قبل احتلاله في 9 أبريل 2003.
إن الفساد يجلب الميليشيات، والميليشيات تجلب السرقة والسطو والاختلاس والرشى والخطف والتصفيات والمحاكم خارج إطار الدولة والقتل خارج القانون وعدم الاستقرار… إلخ، وعادل عبدالمهدي هو ابن ميليشيا منظمة بدر، وابن العقلية التي أسست الفوضى في العراق عقب احتلاله وتعاونه مع الدولة المحتلة. إذن كيف ينفذ إصلاحات من بنى فساداً وميليشيات؟
في عهد عبدالمهدي سيظل الفساد يمد لسانه ساخراً من كل شيء وسيبقى ويتمدد، ولن توقفه إلا ثورة العراقيين على هذا الواقع الفاسد.
2 العراق: قررت أن اكون مجنوناً د. غالب الدعمي
راي اليوم بريطانيا
تصيبنا نزلات جنون أشبه بنزلات البرد، ففي يوم سالف في ظل حكومة الرئيس صدام حسين قررت أن أرشح لمنصب رئاسة الجمهورية منافساً للسيد الرئيس استنادا على دعوة الرئيس نفسه بفتح الترشيح للعراقيين جميعا للمنافسة على المنصب، معتقداً أن الأشياء تدار بطريقة عقلانية والحمد لله لم تتم عملية الترشيح لأن الرئيس أعلن في حينها نفسه رئيسا أبديا لجمهورية العراق بقرار انفرادي منه، وفي نزلة أخرى كتبت رسالة إلى المرحوم الأستاذ مؤيد البدري منتقداً فيها تولي عدي صدام حسين أكثر من خمسة مناصب، وكلي قناعة أن المرحوم البدري قرأها وضحك كثيرا ودندن مع نفسه أن صاحب الرسالة يسكن مستشفى المجانين في الشماعية، ونزلات أخرى أصابتني لا تقل جنوناً مما ذكرت، حتى بت أعتقد أني فعلا مجنون، وراجعت أحد الأطباء النفسيين وشرحت له الموقف فقال لي بعد أن وجه لي بعض الأسئلة: إننا جميعاً نصاب بهذه النزلات، لذا اطمئن لغاية الأن أنت سليم وغير مجنون ولم تتجاوز النسبة المقبولة، ولكن أن تكررت معك هذه النزلات مرة أخرى عليك مراجعتي فوراً، ومن وقتها وأنا أعتقد أن في عقلي نسبة من الجنون وأن تلك النزلات تتكرر بين الحين والآخر.
تذكرت هذا الشريط من الذكريات وأنا أطلع على ما أعلنه المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء المكلف المرتبط بقبول ترشيحات الوزراء عن طريق البريد الإكتروني، وأيقنت أني لست المجنون الوحيد في هذا العالم فهناك مجانين كثر يشاركوني هذه الصفة، ومنهم من اقترح هذه الطريقة لقبول الترشيحات، ومنهم صدقها ووافق على اعتمادها، والأكثر جنوناً هو من بعث اسمه من دون أن تبلغه جهة سياسية معينة بذلك، وللحقيقة حاولت أرسال اسمي لكن تذكرت نصيحة ذلك الطبيب وعدلت عن هذا الأمر حفاظاً على ما تبقى من عقلي.
مجانين لاننا نصدق الرؤساء، ومجانين لاننا نعتقد أن الأشياء تسير وفق نظام ديمقراطي سليم، ومجانين لأننا نعتقد أن المصلحين الذين يدعون ذلك هم فعلا مصلحون، ويسهرون الليل والنهر من أجلنا، وتيقنت أنهم جميعا شرفاء كشريف روما، ومجانين لاننا نعتقد أن ثمة أمل في تغيير المعادلة السياسية في المدى القريب، ومجانين لأننا لم نزل على قيد الحياة، ولم نقتل في إحدى سفارات بلدنا التي تعج بالاغبياء والأميين أسوة بجمال خاشقجي، وبعدها تعلن زوجاتنا أننا انتحرنا لتأنيب الضمير لتقصيرنا في حب الرئيس.
3 ملابسات انتخاب الرئيس العراقي محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
على مدى ثلاث دورات انتخابية منذ العام 2006 سيطرت تقاليد المحاصصة عرقياً ومذهبياً على المشهد السياسي العراقي، والتي مُنح من خلالها حق إشغال الرئاسات الثلاث لمرشحي المكونات الثلاثة الرئيسية في المجتمع العراقي، الشيعة والسنة والكرد، وأصبحت رئاسة الجمهورية من حصة الكرد. وفق هذا السيناريو توافق الزعيمان الكرديان البارزان مسعود البارزاني وجلال الطالباني في سياق ترتيب البيت الكردي على أن تكون رئاسة الإقليم من حصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني ورئاسة الدولة من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة الطالباني.
إلا أن هذه التحاصصات ليست حقوقاً مطلقة لهذه المكونات فأياً من المرشحين لهذه الرئاسات الثلاث ينبغي أن يحظى بالقبول من قبل الأطراف الأخرى لأنه سيصبح خياراً عراقياً للمنصب الذي يشغله، ومن هذا المنظور يصبح المرشح الكردي للرئاسة رئيساً لكل العراقيين.
الجديد في الدورة الانتخابية الرابعة لعام 2018 هو التصدي الجاد لهذه القاعدة والعمل على كسرها، فامتداداً للتقاليد المتبعة رشح الاتحاد الوطني الكردستاني الدكتور برهم صالح للرئاسة، وهو ما لقي اعتراضاً شديداً من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي رشح بدوره الدكتور فؤاد حسين. ففي ضوء التغير الذي حدث في الإقليم واستقالة الرئيس مسعود وتوزيع صلاحياته على مؤسسات الإقليم يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن التوافق السابق مع الاتحاد الوطني الكردستاني لم يعد قائماً وأن رئاسة الدولة ينبغي أن تكون من نصيبه لأنه صاحب العدد الأكبر من النواب في البرلمانين العراقي والكردستاني، وهو ما عمق الخلافات داخل البيت الكردي المتخم بالخلافات.
إلا أن ذلك ليس الجديد الوحيد في هذه الدورة الانتخابية، فقد بلغ عدد المرشحين لمنصب الرئيس ثلاثون مرشحاً من الحزبين الكرديين الرئيسيين ومن أكراد مستقلين ومن تركمان وعرب، معظمهم على بينة بأن لا حظوظ لهم أمام مرشحي الحزبين الكرديين الرئيسيين، إلا أنهم صمموا على الانخراط في التظاهرة الرافضة والمتمردة على أسس النظام السياسي القائم سواء أكان الرفض كردياً ضد هيمنة الحزبين الكرديين على حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، أم رفضاً عراقياً ضد مبدأ المحاصصة العرقية والمذهبية. وقد انسحب بعض المرشحين قُبيل البدء بالتصويت ليصبح عدد من خاضوا الانتخابات في جولتها الأولى تسعة عشر مرشحاً، في سابقة ربما لم يشهدها أي بلد في العالم.
إحدى الظواهر الجديرة بالتسجيل هي ترشح النائبة الكردية المستقلة سروة عبد الواحد لرئاسة العراق في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم العربي، وقد جاءت بالمرتبة الثالثة بعدد الأصوات التي حصلت عليها في الجولة الأولى. هذه النائبة كانت رئيسة كتلة التغيير في الدورة الانتخابية السابقة في البرلمان العراقي إلا أنها دخلت في خلافات شديدة مع كتلتها النيابية إثر تصريحات جريئة وقوية أدلت بها انتقاداً للفساد في الإقليم وانتصاراً لعوائل شهداء البشمركة ورفضاً لممارسات قيادات كتلتها.
وقد سبق للعراق أن كان له دور ريادي ناحية الإصلاح الاجتماعي واحتضان طموحات المرأة وحقوقها على مختلف الصعد في العالم العربي، فقد كانت الحقوقية صبيحة الشيخ داود أول امرأة تشغل منصباً قضائياً في محكمة الأحداث عام 1956 وكانت الدكتورة نزيهة الدليمي المرأة الأولى التي شغلت منصباً وزارياً عام 1960.
ويأتي ترشح النائبة سروه عبد الواحد في ظروف خاصة يمر بها البلد حيث يُستهدف الحضور النسوي البارز سواء أكان سياسياً أم اجتماعياً أم فنياً عبر سلسلة من الاغتيالات نفذتها جهات ظلامية لم تتضح بعد هويتها.
وعلى العموم اتسم المشهد السياسي العراقي عشية الإطلال على الدورة الانتخابية الرابعة بتعاظم إرهاصات التغيير والتمرد على ما هو قائم من أعراف وتقاليد سياسية، وتحدٍ لقواعد اللعبة التقليدية التي غُرست مع التغيير عام 2003، والتي تكرس الالتزام بالهوية الانتمائية الضيقة والولاء لها. فقد شهدنا، في سياق اختيار المرشحين للرئاسات الثلاث، تشظياً شيعياً وآخر سنياً وثالث كردياً، تشظيات تصب في صالح تعزيز الهوية الانتمائية الأوسع، هوية الانتماء للعراق، فلم تعد مواقف نواب هذه المكونات طوع بنان «أمراء الطوائف» الذين باركوا المحاصصة وأتقنوا لعبة توازن المصالح في فضاءاتها، ولم يعد الاصطفاف العرقي أو المذهبي الخيار الوحيد أمام النائب. هذه الظاهرة صحية بجميع المقاييس لصالح نهوض العراق من كبوته رغم أنها لم تتمخض في نهاية المطاف عن جديد يتخطى بالكامل قواعد اللعبة التحاصصية المرسومة رغم قوة التحدي لها.