1 لعنة الطبقة الحاكمة فاروق يوسف العرب بريطانيا
احتكرت الطبقات السياسية الحاكمة السلطات كلها، فلم تعد في حاجة إلى مَن يرشدها. ولهذا يمكن القول إن العالم العربي صار مزرعة للطغاة الصغار.
الطغاة ينتشون بفكرة تخلي الشعب عن مسؤوليته في صناعة التاريخ
هناك دول عربية أصيبت بما يمكن أن يُسمى بـ”لعنة الطبقة الحاكمة”. وإذا ما عرفنا أن تلك الدول تقوم فيها الحياة السياسية على أساس ديمقراطي، فسيكون علينا أن نتوقع أن تلك اللعنة ستبقى قائمة تتوارثها الأجيال، من غير أن يكون هناك أمل في التخلص منها.
كان علي أن أضع مصطلح الديمقراطية بين قوسين، ما دامت نتائج تلك العملية لا تخرج من دائرة الإرث الحزبي والعائلي التي مهما اتسعت فإنها تظل محصورة في نطاق ضيق، عنوانه الحزب أو العائلة. وهو نفوذ مكتسب من خبرة في إدارة الأزمات والمؤامرات والصفقات السرية والفساد الذي غمر المجتمعات العربية بأبخرته.
هناك خبرة في قلب المفاهيم السياسية الحديثة من خلال قولبتها بما يقود إلى ضدها. تلك الخبرة أمسكت بالديمقراطية من قرنيها لتقودها إلى حظيرة الطائفية والقبلية والعائلية، وتدجنها وتدجن من خلالها الدولة والحكومة والنظام السياسي، ومن خلالهم الشعب الذي انتقل من موقع مصدر السلطات إلى مجرد شاهد، يمكنه أن ينتحل البراءة لنفسه من غير أن يكون متأكدا من أنه لم يرتكب أخطاء تاريخية قادته إلى ذلك الفخ.
لعنة الطبقة الحاكمة تبرز في لبنان أكثر من سواه من الدول العربية.
ولكن تلك اللعنة صارت لازمة عيش في العراق وفي تونس بطريقتين مختلفتين. ففي العراق يبدو استنساخ التجربة اللبنانية لافتا وقويا، وفي تونس تغطي أزمة الحكم على الأسباب الحقيقية للإخفاقات التي تواجهها الحكومات المتتالية، حيث امتزج العائلي بالحزبي لينتج صراعا لا علاقة له ببرامج الحكومة أو سياساتها الخدمية.
المفارقة في ظل استفحال تلك اللعنة أن الشعب أثبت أن في إمكانه أن يمارس حياته الطبيعية من غير الالتفات إلى ما يجري في المناطق التي صارت بمثابة مسرح لصراع، لو توفرت له مقومات وشروط الحياة السياسية السابقة لانتهى بانقلاب وبيان رقم واحد ومجلس لقيادة الثورة. غير أن الزمن تغير. ولأن عصر الانقلابات انتهى فقد صار لزاما على الإخوة الأعداء أن يتعايشوا في ما بينهم تحت سقف واحد وكل واحد منهم يخطط لتدمير الآخر في الوقت نفسه، لا لأسباب سياسية بل بسبب تصادم المصالح.
اللبنانيون برهنوا أن بإمكانهم الاستغناء عن سياسييهم واعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي وكانت الحياة تمر بطريقة سلسة. جربوا أن يكونوا من غير رئيس جمهورية. جربوا أن يكون مجلس النواب عاطلا عن العمل، وجربوا حكومات لتصريف الأعمال تحول وزراءها إلى ضيوف شرف. في كل تلك التجارب لم يقع شيء جلل، بل مرت الحياة من غير كلام فائض عن الحاجة.
العراقيون والتونسيون يضعون رؤوسهم على الوسائد اليوم ليستعيدوا وقائع الفيلم اللبناني الذي انتهى بكارثة حزب الله. وهو ما يجب عليهم أن يحذروه. ذلك لأن لعنة الطبقة الحاكمة في لبنان هي التي أنتجت هيمنة حزب الله على الحياة السياسية، بكل ما تنطوي عليه تلك الهيمنة من خضوع لإملاءات دولة أجنبية هي إيران.
الاحتكار هو أخطر ظاهرة يمكن أن تتعرض لها الحياة السياسية. فهي تنشئ طبقة طفيلية لا هم لها سوى أن تتمتع بامتيازات السلطة، من غير أن تخضع لمبدأ المساءلة القانونية الذي يجب أن تمارسه سلطة قضاء مستقلة. لقد احتكرت الطبقات السياسية الحاكمة السلطات كلها، فلم تعد في حاجة إلى مَن يرشدها. ولهذا يمكن القول إن العالم العربي صار مزرعة للطغاة الصغار.
لا أعتقد أن أولئك الطغاة يفكرون في التاريخ. إنه شيء أكبر منهم. غير أنهم ينتشون بفكرة أن يكون الشعب قد تخلى عن مسؤوليته في صناعة التاريخ. وهو ما يدفع بالأمور إلى مزيد من التدهور. ما يجب أن يعرفه التونسيون والعراقيون أن اللبنانيين ليسوا سعداء بما جرى لهم. لقد قهرتهم الطبقة السياسية وحولتهم إلى كائنات مذعورة تعمل على استرضاء تلك الطبقة من أجل أن يكون العيش ممكنا.
2 متفائل مع سبق الإصرار والترصد سلام سرحان العرب بريطانيا
رغم تقاطع النيران والصراعات على مستقبل العراق، إلا أن مجرد وجود مخاض جدي لخروج البلد من قبضة نفوذ إيران هو إنجاز كبير من الطبيعي أن تواجهه عقبات كبيرة.
يلومني الكثير من أصدقائي على استمرار تفاؤلي بقرب خروج العراق من حفرته العميقة التي سقط فيها منذ عام 2003. لكنني مصرّ على ذلك التفاؤل الذي لا ينطلق من فراغ ومن مجرد كوني شخصا متفائلا، بل يستند إلى تحوّلات نوعية كبيرة جرت في العراق والمنطقة والعالم وتجعل خروج البلد إلى مرحلة جديدة أمرا حتميا.
فرغم تقاطع النيران والصراعات الشرسة على مستقبل العراق، إلا أن مجرد وجود مخاض جدّي لخروج البلد من قبضة نفوذ إيران وميليشياتها هو إنجاز كبير من الطبيعي أن تواجهه عقبات كبيرة.
ليس سهلا أن يخرج بلد فاشل غارق في الفساد والمصالح القذرة، من هذه البئر العميقة ولا بد أن يكون مخاض الخروج منها بحجم الانحطاط الذي وقع في البلد.
ليتخيل أي منا حجم الورطة التي يمكن أن يقع فيها لو أنه هدد شخصا شريرا؟ فكيف تريدون أن يكون تهديد مصير ميليشيات تملك مئات آلاف المسلحين وتقف وراءها إيران المحاصرة، مجرد نزهة سهلة؟
جميع الأطراف المتصارعة على تشكيل الحكومة وضمنها تلك التي تنادي بإنهاء المحاصصة الطائفية، لديها درجات متباينة من الخوف من قرب نهاية مرحلة في العراق والمنطقة.الجميع يحاول تقليل خسائره ومغادرة السفينة التي تقترب من الغرق ويبحث عن سفينة أخرى يمكن أن تنجو من العواصف خاصة بعد الإنذارات التي أرسلتها احتجاجات وسط وجنوب العراق.
حجم المخاض وتداعياته الحتمية يفرض تنازلات تكتيكية لاجتياز المراحل تدريجيا دون أن يحدث انهيار شامل وقد حدث ذلك مرارا.
لا أستغرب أن الكثير من العراقيين ما عادوا يخشون حدوث انهيار شامل بعد كل الذي ذاقوه في الأعوام الماضية، باستثناء المحافظات التي دمرها داعش والحرب عليه، لأنهم وحدهم يعرفون معنى الدمار الشامل.
في الأشهر الماضية اشتعلت تهديدات الجهات الخائفة من انهيار مصالحها ونفوذ إيران بعد إعلان نتائج الانتخابات. وتم حرق صناديق الاقتراع وفرض إعادة العدّ والفرز وتمترس طرفا الصراع على حافة الهاوية.
كادت العملية السياسية أن تنهار لولا تقديم تنازلات لعبور مفصل حاسم هو تثبيت النتائج رغم أنها سيئة وشابتها عمليات تزوير تفوق كثيرا كل ما جرى الحديث عنه. وكانت للميليشيات وإيران مصلحة كبرى في إلغائها، لكن الطرف الآخر انحنى قليلا للعاصفة وتمكّن من عبور تلك المرحلة.
ثم جاءت مرحلة فاصلة أخرى حين تشكّلت كتلة أغلبية معارضة للمحاصصة ومصالح الميليشيات وإيران، فقاموا بتسميم مياه البصرة ودفعوا الاحتجاجات إلى عنف يهدد بإحراق البلد.
ليس صدفة أن تفقد العملة الإيرانية ربع قيمتها فور إعلان تلك الأغلبية، ثم تتوقف عن الهبوط حين تم قطع طريق تشكيل الحكومة. نعم سمموا المياه ولم يقوموا فقط بقطع الروافد القادمة من إيران وتوجيه مياه المنازل والمخلفات الصناعية. ولوحوا بإرباك صادرات النفط العراقية لإنقاذ صادرات إيران التي بدأت بالانحدار مع قرب قطعها نهائيا بحلول فرض المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية في نوفمبر القادم.
وبدأت رحلة أخرى من التطمينات من أجل عبور هذه المرحلة. كان منها انتخاب محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان من أجل تخفيف مخاوف رفع الحصانة عن الفاسدين، التي كانت ستكون أكبر لو تم انتخاب خالد العبيدي.
في كل الأحوال سيستمر المخاض الشاق لخروج العراق من نفوذ النظام الإيراني الذي يقترب من الانهيار. ولا أستبعد أن يحدث ذلك في أي لحظة قبل نهاية العام الحالي.
هذا الإصرار على عرقلة انتهاء نفوذ إيران في العراق هو دليل على أن الخطر حقيقي. وسينتهي حتما بتشكيل حكومة تبتعد ولو خطوات قليلة عن نفوذ إيران، وهي نقلة نوعية في إطار مخاض أكبر لدخول المنطقة في عهد جديد.
نعم أنا متفائل مع سبق الإصرار والترصد. التغيير قادم لا محالة وأتمنى ألاّ يكون بثمن باهظ.
3 جنازة الحجي قاسم سليماني المهيبة رومان حداد
الراي الاردنية
ذاع سيط اللواء قاسم سليماني باعتباره عراب مشروع التمدد الفارسي داخل الوطن العربي، وهو مشروع يشكل استكمالاً لمشروع تصدير الثورة الإيرانية الذي تبناه الإمام الخميني، وما يميز (الحجي) سليماني أنه يمتلك خبرة ميدانية كبيرة تطورت منذ بدايات الثمانينيات، خلال الحرب العراقية الإيرانية، ومن بعدها تقلد عدة مناصب ميدانية حتى صار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري.
من يجلس مع (الحجي) سليماني يكتشف أنه مؤمن بمشروعه القومي، ومؤمن بقدرته على تحقيقه، وهو يتعامل ببساطة الثوار وعمق السياسيين وخباثة الأيدولوجيين، وهو يتقن العربية، وقد يكون اتقانه للعربية ليس جزءاً من تدينه ولكنه ببساطة تطبيقاً لقاعدة (كي تعرف عدوك عليك أن تتعلم لغته)، وهو في هذا المجال يتقاطع مع الصهاينة.
انتصارات سليماني العسكرية في الساحات المختلفة التي حارب فيها لواء القدس من العراق إلى سورية إلى تدريب حزب الله ودعم الحوثيين وحركة حماس حولته من مجرد قائد عسكري ميداني إلى أيقونة لفكرة التمدد الفارسي، وصار هو العنوان الرئيس لهذا المشروع، وهو ما أعطاه قوة أكبر بكثير من قادة عسكريين أقدم منه، وصار رقماً صعباً ضمن المعادلة الإيرانية الداخلية والإقليمية والدولية.
حين أفكر في قصة سليماني فإن نهاية واحدة تخطر لي دائماً، وأسأل إن كان هو في خلواته الذاتية بين صولاته الكبرى يفكر فيها، وهي جنازة مهيبة بعد تصفيته بالتعاون مع حلفائه داخل نظام الملالي الإيراني، فهو الشهيد الحي كما أطلق عليه آية الله خامنئي ذات فذلكة ثورية.
لماذا أتوقع غياب سليماني خلال العامين القادمين بمشهد تصفية جسدية أو اغتيال سياسي؟
ببساطة لقد أصبح الرجل أكبر من مشروعه، وحين يتضخم الرمز ليكون أكبر من مشروعه فإنه يسير إلى حتفه تماماً، خصوصاً لدى الأنظمة أو التنظيمات التي تدعي تمسكها بالأيدولوجيا ولكنها في الحقيقة تدرك واقعها السياسي، ففي يوم قريب ستضطر طهران الفارسية للتنازل عن حلمها بالتمدد الإقليمي، وستضطر أيضاً للمساومة على حلفائها، وهو أمر مستبعد بوجود عقائدي كالحجي، حينها يمكن استبداله بنعش مبجل وذاكرة جميلة ومرثيات عديدة، لكي يبقى نظام الملالي قائماً على أمل الحصول على فرصة أخرى لتحقيق الحلم الفارسي.
في التاريخ العديد من الحكم، وقصص تروى عن كيف تحول الرمز إلى جثة كي يعاد صناعة المخطط من جديد، فـ(ليون تروتسكي) أحد الزعماء الشيوعيين وصاحب المدرسة التروتسكية في الشيوعية، وقائد الجيش الأحمر ومؤسسه (يش الاتحاد السوفييتي)، حين أصبح أكبر من مشروعه، انقض عليه ستالين، ورغم هروب تروتسكي للمكسيك، بعث ستالين إليه شخصاً وقتله. ومن ضمن المنظومة الشيوعية نرى كيفية تخلي فيدل كاسترو عن رفيقه (التشي) جيفارا في ثورته الدائمة، حتى قتل التشي في بوليفيا برصاص جندي بوليفي وبإهمال رفيقه الكوبي، الذي خشي من رمزية جيفارا، فأراده ميتاً ليزين بصوره ساحات هافانا.
وليس بعيداً عن الحجي سليماني، يمكن تذكر قائد عسكري شيعي، ورمز كبير، وهو عماد مغنية، مهندس العمل العسكري الخاص بحزب الله، والذي تم اغتياله على أراضي الحليفة دمشق، بمفخخات إسرائيلية ومعلومات من حزب الله، حيث رأى حسن نصر الله أن مغنية صار أكبر من مشروعه، وبعد موته خرج لينعاه ويهدد إسرائيل بحرب مفتوحة وصواريخ تصل تل أبيب وأبعد من تل أبيب، دون أن رصاصة واحدة أطلقت بذلك الاتجاه منذ ذلك الوقت.
سليماني دخل بوهج قوته مرحلة الأفول، وسيتمدد جثماناً مقدساً قرباناً لمرحلة جديدة، لا ينفع فيها وجود أيقونات أثقل من حامليها، أو رجال أكبر من مشروعهم، فعش أيامك المتبقيات شكراً وتأمل سقوطك المدوي المبلل بدموع من خانوك، ولا تلمهم، لأنك أصبحت أثقل من أن يحملوك.