4 مقالات عن العراق في الصحف العربية عن العراق

1 في السيادة العراقية المسلوبة… عثمان الماجد
الايام البحرينية

عندما يجري الحديث عن العراق – وهو البلد الذي بالكاد أُرغم برلمانه على النجاح يوم السبت الماضي في اختيار رئيس له في انتظار اكتمال العمل في دهاليز المتحكمين في القرار العراقي على إعداد الطبخة الطائفية بحثًا عن الكتلة الأكبر التي سوف يسند إلى ممثلها رئاسة الحكومة، وبالمناسبة لا يفوتني التذكير بأن هذه الكتلة يحددها هي الأخرى ما يُطلق عليها تفاهمات طائفية – فإن لإيران مساحة واسعة في هذا الحديث، وحضورها فيه كثيف، باعتبارها فاعلًا مؤثرًا في تحديد هوية رئيس الحكومة، بل إن هذا التأثير يمتد إلى تحديد التشكيلة الوزارية برمتها. ومثل هذا الواقع الذي بات يحكم سياسة شؤون الدولة العراقية يجعلنا نتساءل إذا ما كان هذا التأثير أمرًا عاديًا للأمن العراقي قبل الأمن القومي العربي، أو إذا ما كان تهديدًا صريحًا له وبالتالي للعرب أجمعين؟
إن مثل هذا السؤال لم يكن مطروحًا من قبل في كل تاريخ الحكومات العراقية منذ تأسست الدولة العراقية في عام 1921، أي بعد ثورة العشرين مباشرة، وإنما هذا مستجد حضر مع حضور نظام المحاصصة الطائفية الذي تتبناه أحزاب الإسلام السياسي، وخصوصًا الأحزاب الشيعية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنظام ولاية الفقيه، وهي الأحزاب التي جاءت بها أمريكا إلى السلطة لتأسيس حكم «ديمقراطي»! ولهذا فإنه منذ العام 2003، لم يبارح الخطر العراق وارتفع منسوبه عندما أسقط نظام صدام حسين، واعتلت الأحزاب الدينية السياسية صهوة السلطة ومارستها بنهم وعطش جعل كل الأمراض الممكنة تسم الواقع العراقي بدءًا بالفساد الذي يعصف بالدولة وانتهاء بالاقتتال الطائفي الذي يؤذن بتفتيت ما كان مجمعًا في بلد أنهكته الدسائس والمؤامرات والأطماع، فغدا نهبًا مباحًا لجار إيراني وجد ضالته في أحزاب دينية وتشكيلات إجرامية رد بها الصاع صاعين لبلد لم ينس يوما أنه كان معه في حرب طاحنة لم تلتئم جراحها إلى حد الساعة.
لا أقارن في حديثي هذا بين نظام صدام حسين والنظام الحالي فالمقارنة هنا ستكون حتماً لصالح نظام صدام رغم المآخذ الجمة عليه والتي لا يجهلها أحد، كما أني لا أقول ذلك حبًا في نظام الأخير ولا حتى أنني أحاول أن أبرئ ساحته من المساهمة بطريقة أو بأخرى في كل الأخطار التي حاقت بالعراق والإقليم، ولكن دافعي هنا خوفي على هذا العراق ذي الحضارة والتاريخ الناصع بياضًا من المصير المجهول الذي يقتاده إليه حكم المحاصصة الطائفية الذي تتبناه أحزاب الإسلام السياسي، شيعية كانت أم سنية، والفساد الذي ينخر في جسم هذه الدولة، وتزايد النفوذ الإيراني مع الفقدان المتدرج والمخيف لاستقلالية القرار الوطني العراقي، مما يجعل الخطر قائمًا ويتهدد بشكل مباشر دول الخليج العربي جميعها؛ خاصة بعدما اتضحت للعيان خيوط المؤامرة القطرية الإيرانية في إسقاط أنظمة الحكم المدنية في دول مجلس التعاون تمهيدًا لابتلاعها جريًا على ما جرى في العراق الجريح.
الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، في ظل الحكم المخيف الجاثم على صدور العراقيين، حالة فريدة من نوعها بالمقارنة مع الحالة العامة لبلدان الوطن العربي تستلزم العلاج الفوري، وخصوصًا تلك البلدان التي لم تتخلص بعد من موبقات «الربيع العربي» وعفونة مترتباته الكارثية على مجتمعاته، ولعلي هنا أسمي سوريا التي تقع تحت خطر التأثير الإيراني الطائفي المباشر الذي جلبه بشار الأسد ظنًا منه أنه سيساعده في تثبيت حكمه، وتلك التي نجحت فيها إيران في استزراع كيانات حزبية مهمتها الرئيسة نخر الدولة من الداخل وضمان تمدد إيراني قوي فيها، وأسمي هنا لبنان الذي بات منذ زمن أسيرًا لعصابة حسن نصر الله، الإرهابي الذي يجهر بعدائه للعرب وبانحيازه الكلي مع تبنيه لنظام الولي الفقيه.
العراق اليوم في قبضة الأحزاب السياسية الدينية التي تدين بالولاء الكلي لإيران، وهذا الخطر الحقيقي على الحاضر وعلى مستقبل الأجيال القادمة. العراق اليوم لا يستطيع أن يعبر عن نفسه باللغة العربية، إن صوته مقموع ويوشك على أن يكون مقطوعًا! ولك أن تتصور كم أن حالة العراق اليوم غرائبية، فجائعية، ولك أن تتصور، أيضًا، أن زعماء لأحزاب طائفية كانت تحارب الجيش العراقي وتدافع عن النظام العبثي في إيران، واليوم هي التي تقود الجيش العراقي. ألم يكن نوري المالكي، وهو المسؤول عن كل ما يحتدم في المجتمع العراقي من المشكلات، قائدًا عامًا للجيش العربي العراقي؟ ثم ألا يُتداول على الألسن اليوم اسم هادي العامري رئيسًا للحكومة العراقية، وهو الذي حارب في صفوف الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات ضد الجيش العراقي؟ العراق اليوم يبحث عن من يخلصه من سطوة رجال الدين وتحكمهم في مفاصل الدولة العراقية.
فمن يكون هذا المخلص؟ وهل يمكن التعويل على رجال من نفس الأحزاب ذات النفس الإيراني والولاء المطلق لنظام الولي الفقيه؟ كلا، لن يأتي هذا الخلاص. فالخلاص لن يكون إلا بالابتعاد عن المحاصصة الطائفية، وإسناد تشكيل الحكومات إلى التكنوقراط من الذين لا يُدينون بالولاء للأحزاب الدينية السياسية أبدًا. في هذا الإطار يقفز السؤال الكبير الآتي: هل يستطيع العراق اليوم النأي بنفسه بعيدًا عن الأحزاب السياسية الدينية وسطوة زعمائها التي هي في الحقيقة تتغلغل في عمق المجتمع مع تراجع فكر التنوير وسيطرة الخرافة التي بواسطتها تحكم تلك الأحزاب؟! هذا السؤال أتركه لي ولك عزيزي القارئ لتخيل الإجابة عنه ضمن المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدولة العراقية ودول الخليج العربي.
2 طهران تُعاقب العبادي
مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
الموقف الصارم الذي أطلقته المرجعية الدينية الشيعية في النجف عشية الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في الشهر الماضي، بأن «المجرَّب لا يجرَّب»، فُسر على أنه موجّه ضد معظم الطبقة السياسية العراقية التي شاركت في حكم العراق بعد 2003، خصوصاً أحزاب الإسلام السياسي الشيعي التي فشلت في إدارة الدولة، وقد راهن كثيرون على أن يكون هذا الشعار فرصة لإحداث تغيير بات ضرورياً في الشارع الشيعي، خصوصاً بعد أزمة البصرة الأخيرة، لكن من الواضح أن هناك من خطط ليطبق شعار المرجعية على رئيس الوزراء حيدر العبادي فقط، الذي على الأرجح قد خرج من السباق على منصب رئيس الوزراء، لكن الأطراف الداخلية والخارجية التي استغلت شعار المرجعية وقامت باستهداف الدكتور العبادي لم يكن هدفها فقط إبعاده بوصفه شخصية سياسية عن تولي المنصب، بل أرادت إنهاء مسار سياسي داخلي وخارجي أسس له العبادي، ومنع تكراره أو حتى السماح لمن سيخلفه بمتابعته، وذلك لأهداف ومصالح تفرضها جهات عدّت أن المسار السياسي الذي قاده العبادي في العراق يُضر بنفوذها، لذلك قامت بإطلاق أدواتها الذين يتقنون لعبة التفاصيل رداً على محاولة بلورة شبه قرار سيادي عراقي ببعد شيعي أسس له التحالف الرباعي الشيعي: «الصدر – الحكيم – العبادي – علاوي» إضافة إلى النجيفي والمطلق، يرجح الشراكة الوطنية خارج المحاصصة الطائفية والعرقية، مما دفع بقوى عراقية مدعومة من طهران إلى القيام بانقلاب مضاد هدفه تعطيل هذا المسار الذي كاد ينطلق في 3 سبتمبر (أيلول) الحالي.
فمنذ ذلك التاريخ وإضافة إلى أحداث البصرة التي أعقبته، تخوض طهران معركة إعادة هيمنتها على العراق، بهدف قطع الطريق على أي محاولة عراقية تحاول خلق هامش وطني استقلالي يلبي طموحات ومطالب الشعب العراقي، خصوصاً في المناطق الشيعية، بعدما كشفت مظاهرات البصرة التي حرفت عن مسارها عن حجم الاحتقان الذي يسود الشارع الشيعي؛ حيث كادت تشكل البصرة موطئ قدم لوطنية شيعية عراقية مدركة لخصوصياته الجغرافية والديموغرافية واحتياجاتها الاقتصادية والعقائدية التي تتسبب بقلق استراتيجي طويل الأمد لطهران.
عملياً؛ بعد خراب البصرة اقتربت طهران من تحقيق «انقلاب قصر» داخل القوى الشيعية المهيمنة، وكسبت الرهان حين لجأت إلى فرض للحوار بين الأقوياء، وتمكنت مؤقتاً من إعادة تدوير خسارتها منطلقة من فكرة أن القوة التي يملكها أتباعها قادرة على تعطيل الكثرة المعترضة التي أفرزها الشارع، فقامت بتعطيل التحالفات وسَعَت إلى تحقيق ما يمكن تسميته «تفاهم الأقوياء (الصدر – العامري)» الذي رسخ مفهوم سلطة القوة لقوى ما دون الدولة.
لم تتمكن طهران من الدفع لإزاحة العبادي لولا تواطؤ عراقي داخلي عبرت عنه رغبة بعض القيادات الكردية في معاقبة العبادي على ما عدّته استخداماً للقوة، من أجل إفشال الاستفتاء على الاستقلال، إضافة إلى إخضاعه محافظة كركوك إلى سلطة الحكومة المركزية وعدم خوضه في تفاصيل الحل النهائي للمناطق المتنازع عليها. هذه الدوافع حملت جزءاً كبيراً من القوى الكردية على التصويت للمرشح المدعوم من «كتلة الحشد الشعبي» لمنصب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في وجه مرشح «كتلة الإصلاح» شريك العبادي في «تحالف النصر» خالد العبيد، فوصول الحلبوسي عبر أصوات من يمكن وصفهم بـ«اليمين الشيعي» و«اليمين الكردي» يعزز الشك بأن جزءاً من سُنّة العراق تواطأ مع طهران لمساعدتها في الالتفاف على المتغيرات السياسية والاجتماعية التي يشهدها الوسط الشيعي العراقي، التي كان من الممكن أن يتكئ عليها العبادي لو تمكن من الوصول إلى ولاية ثانية، في بلورة مشروعه الذي أعاد التوازن للعلاقات بين العراق وجواره وتمكن من إعادة بناء مؤسسات الدولة العسكرية التي تحولت إلى عامل يجمع العراقيين، فقد تمكن العبادي من حماية التحولات البنيوية التي شهدها الجيش، وإعادة إنتاج عقيدته القتالية التي حققت تماسكه وحولته إلى رمز للوحدة الوطنية.
خرج العبادي عن الطوق الإيراني فأخرجته طهران من المنافسة، عشية مواجهة مفتوحة مع واشنطن تريد تحويل العراق إلى ممر آمن للالتفاف على العقوبات، وهي تبحث عن من يلبي شروطها في مرحلة يصعب عليها فيها القبول بتسوية متعادلة مع واشنطن. ولكن الشروط التي رفضها العبادي لن يستطيع بديله تطبيقها، وإن قبل بها فستجعل العراق في موقع الخصم لواشنطن التي ستعدّه شريكاً كاملاً لطهران وستطاله عصا العقوبات، وسيصيبه ما سوف يصيبها، أما إذا رفض، فسيكون مصيره مصير العبادي.
3 مجلس السياسات مشرق عباس الحياة السعودية

المطالبة بتشكيل «مجلس السياسات الاستراتيجية» في العراق جاءت في هذا الموسم من «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بعد أن كانت مطلباً «سنياً» وجوهر صفقة تشكيل حكومة 2010، وفي ذلك الوقت كان اقتراح المجلس الذي يفترض أن يرسم خريطة سياسات الدولة العليا، يدخل في باب التسويات الحزبية، ولهذا سهل الطعن به دستورياً والتنصل عنه، بعد أن توقف الخلاف في نقطة صلاحياته وإذا كانت استشارية فقط أم ملزمة للحكومة.
ومع أن مبررات رفض هذا المجلس ما زالت مستمرة، وتستند إلى الدوافع نفسها التي طرحت عام 2010، فإن العودة إليه، وبحث إمكانيات تحقيقه اليوم، قد يكون ضرورياً، حتى لو تم الإقرار بصفته الاستشارية ولفترة موقتة يمكن أن تقتصر على 4 سنوات غير قابلة للتمديد، على أن يتحول إلى مجلس رسمي يجمع صناع الملوك في العراق الذين تحولوا إلى سبب رئيسي للأزمات، وعائق أمام تقدم الدولة.
إن «صناع الملوك» الذين تجتمع تحت زعامتهم قوى سياسية مؤثرة في المشهد، ومجموعات مسلحة جذرت وشرعنت حضورها في المشهد الأمني، وشركات حزبية صارت جزءاً أساسياً من الاقتصاد العراقي، وأيضاً ممثليات دينية وقومية ومناطقية، قد تزايد عديدهم، حتى أصبحت طبقة أوليغارشية غير معلنة تسيطر على القرار الحقيقي للبرلمان والحكومة والقضاء من خارجه، وتتسبب خلافاتهم في الأزمات التي مر بها العراق، كما أن امتناعهم عن تحمل المسؤولية الشخصية المباشرة، يفقد البلد فرصة اتخاذ قرارات مصيرية كبرى يشترك فيها ويتحمل مسؤوليتها الجميع، مثل تطوير المسار الاقتصادي، أو تعديل الدستور، أو إقرار قوانين ثورية في مجالات الاستثمار والعلاقات الخارجية والنهوض بالمجتمع والقضاء على الفساد.
وعلى رغم أن صناع الملوك في العراق يمتلكون مفاتيح القرار كما يمتلكون مفاتيح الاقتصاد والفساد، فإنهم «يختبئون» عملياً خلف كتلهم السياسية، ويشجعون بقصد أو من دون قصد الانغلاق السياسي، الذي لا يمكن تنفيسه من دون العودة إليهم لحسم القرارات المصيرية، ولهذا تحديداً لا نجد أن اجتماع زعماء كتل سياسية في البرلمان أو وزراء من أحزاب مختلفة في الحكومة، ذا قيمة واقعية لاتخاذ القرار، مقارنة بالاجتماعات النادرة التي تحدث بين المرجعيات السياسية لتلك الكتل.
على ذلك فإن «مجلس السياسات الاستراتيجية» المقترح لن يكون بحاجة إلى صلاحيات قانونية ملزمة للحكومة، شريطة أن يكون صناع الملوك الحقيقيين هم أعضاؤه، ولا يرسلون من ينوب عنهم، فقراراتهم سوف تمتلك قوة الإلزام مستندة إلى قوة تأثير أصحابها في المشهد السياسي.
المجلس يمكن أن يتكون من أعضاء الرئاسات الثلاث، إضافة إلى زعماء القوى السياسية الحقيقيين وهم اليوم يعدون بنحو 10 أشخاص، فيما اختصاصاته التي يمكن أن يتضمنها قانون إقراره، هي التأسيس لإعادة صوغ قواعد العملية السياسية، بما يشمل إكمال الاتفاقات على التعديلات الدستورية، وتحديد حزمة القوانين الرئيسية العالقة أو المقرة جزئياً أو المختلف حولها مثل قوانين «الانتخابات (المواد 20 و38 و49 من الدستور)، والأحزاب (المادة 39)، والمحكمة الاتحادية (المادة 92)، ومجلس الخدمة الاتحادي (المادة 107)، ومجلس الاتحاد (المادة 65)، وهيئة مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية (المادة 106)، وهيئة ضمان حقوق المحافظات والأقاليم (المادة 105)، وقوانين الضمان الصحي والاجتماعي (المادة 30)، واستعادة أملاك الدولة (المادة 27)، وقوانين جديدة لتشجيع الاستثمار والنهوض بالاقتصاد وحماية رؤوس الأموال والضرائب (المواد 24 و25 و26 و28)، وتأسيس النقابات (المادة 22) وتنظيم ازدواج الجنسية (المادة 18)، والعلم والنشيد (المادة 12) وتنظيم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية (المادة 9) والقضاء العسكري (المادة 99) ومجلس تمثيل الدولة أمام القضاء (المادة 101) وقانون النفط والغاز (المادة 112) وإدارة الجمارك (114) وعشرات من القوانين الضرورية الأخرى.
قد يعد البعض هذا المجلس خطوة لتكريس الزعامات السياسية، لكن الواقع يثبت أن هذه الزعامات ليست بحاجة إلى التكريس، فهي تفرض وجودها وتوسع نفوذها مستندة إلى فوضى التأسيس، وأن الضغط الشعبي كفيل بإجبار «صناع الملوك» على التصدي المباشر للمسؤولية في هذه المرحلة، وعدم الاختباء خلف الدولة الهشة لإنتاج دول الظل، وتالياً التمهيد لانسحابهم التدريجي والآمن من المشهد برمته لمصلحة الأجيال الجديدة.
4 «مُلاّ بُخْتيار»…رئيساً للعراق! محمد خروب الدستور الاردنية

سياسِي وعسكرِي ليس من طبقة الملالي،وبالتأكيد ليس رجل دين مُعمّم أو خريج مدرسة دينية، بل هذا اسمه «الحركي»عندما صعد جبال كردستان مُقاتِلاً في صفوف»بشمركة»الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، بعد مُغادرتِه»العُصبة الماركسية اللينينية الكردستانية»، التي التحق بها ولم يكن تجاوز سن السادسة عشرة من عمره (مواليد العام 1954)، مُلتحقاً بحزب»مام جلال»، الذي ما لبث أن أصبح أحد أبرز قادته العسكريين وفي سن مُبكرة مُبتَدِئاً مشواره السياسي بعد العام 1991 إثر فرض واشنطن منطقة الحظر الجوي بين خَطيَّ العرض 32-36, إلى أن غدا في العام 2001 عضواً في المكتب السياسي للاتحاد الوطني،ثُم رئيساً للهيئة العاملة في المكتب السياسي للاتحاد في العام 2010.
حظوظ حِكمَت محمد كريم (وهذا اسمه الحقيقي) في الجلوس على المقعد الذي شغله مام جلال طوال تسع سنوات (2005-2014) تبدو كبيرة وبخاصة بعد الاستبعاد غير النهائي لـ»بَرهم صالح»، القيادي السابق في الاتحاد الوطني الذي انشقّ عن»الاتحاد»وأسّس حزباً جديداً أطلَق عليه اسم»التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة»،وخاض انتخابات البرلمان العراقي الأخيرة في 12 أيّار الماضي ولم يحصل سوى على مَقعدَين. ليبقى في المنافسة على موقع رئاسة العراق، عديلا الرئيس طالباني..محمد صابر، ولطيف رشيد، كذلك الرئيس المُنتهية ولايته فؤاد معصوم، إذا ما واصَل المنافَسة، لكن يبدو إنسحابه مُؤكّداً، كون فرصته بالفوز.. ضئيلة.
موعد انتخاب رئيس العراق الجديد، تقرّر ان يكون في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وإذا ما انتُخِب»ملا بُختيار»رئيساً للجمهورية، والموقع كما هو معروف مضمون للكُرد وفق المحاصصة الطائفية والعِرقية التي فرَضها المُحتلّ الأميركي وارتضتها»النُخَب»السياسية والحزبية والدينية التي برزت بعد احتلال العراق، فإن مفارقة لافتة ستطبع ذلك الاستحقاق العراقي، الذي سيُنهِي نحواً من أربعة أشهر من الجدل والسجالات والمناورات والتحالفات التي تنشأ ثم لا تلبث ان ينفرط عقدها، في ماراثون البحث عن»مُكوّنات»الكتلة البرلمانية الأكبر، والتي خرج منها حيدر العِبادي خاسراً، بعد أن ظنّ ان بمقدوره الاعتماد على الدعم الأميركي، فإذا بأنصار إيران وحلفائها يُبعثِرون الأوراق الأميركية على قِلّتها ويرسلون رسالة لواشنطن، مُفادها..نحن ما نزال نتوفّر على نفوذ وقدرة في المشهد العراقي.
المفارقة هي أن فخامة الرئيس مُلاّ بختيار (إذا تم ترشيحه رسمِياً من قِبل حزبه، وأصرّ برهم صالح على عدم حلّ حِزبه) سيِتلقّى التهاني بمنصبه الجديد في الذكرى»الأولى»للإستفتاء الذي أصرّ عليه رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني في 25 أيلول 2017، وكانت عقابِيله كارثية، وبخاصة بعد فقدان الكرد السيطرة على مدينة كركوك، وعودة الجيش العراقي إلى المواقع التي كان عليها قبل العام 2003، فضلاً عن الخلاف العاصف وحملات التخوين والتشكيك التي اندلعت بين الحليفين (والمتنافِسَيْن) الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة كاك مسعود، حيث اتهم الأخير»الاتحاد الوطني»بالتواطؤ مع بغداد وتسهيل سيطرتها على كركوك بدون مقاومة تُذكَر. إلاّ أن العلاقات بين الحزبين الكبيرين عادت – في ما يبدو – إلى مجاريها، وإن كانت انتخابات برلمان كردستان في الثلاثين من الشهر الجاري ستُؤشِّر على مدى التفاهم والتوافق و»متانة»التحالف بينهما، وأيضاً إذا ما تبيّن أنهما طوَيا صفحة الخلاف حول تداعيات الاستفتاء الذي كان الاتحاد الوطني ومُلاّ بختيار شخصياً من مؤيديه وداعميه، وكان المؤتمر الذي عقَده الحزبان في أيلول 2017 وقبل أسبوعين على الإستفتاء تحت عنوان»الديمقراطية وحق تقرير المصير»، إشارة إلى أنهما لم يختلِفا كثيراً على مضامين وأهداف الاستفتاء، وإن كان الحذَر من قبل»بعض»كوادر الاتحاد الوطني قد برز للمشاركين، وكنّا كـ»وفد إعلامي أردني»نلحظ ذلك في حواراتِنا معهم أو ردودهم على مداخلات عديدة، حذَّرتهم من عواقِب توقيت الإستفتاء ناصِحة إياهم بالتريّث والتأجيل.
«مُلاّ بختيار»سيكون مكسباً للقوى الديمقراطية العراقية وداعِماً لها وإضافة نوعية للمشهد العراقي رغم احتقانِه وبؤس راهِنه، تُسعِفه في ذلك ثقافته الواسعة ودماثة خلقه ونظافة يده وتجربته السياسية والنضالية العميقة،وإيمانه الراسخ بالحوار والتعددية، وهو ما يلحَظه المرء في نِتاجه الفكري والأدبي والسياسي والبحثي، الذي ركّز مفهوم الديمقراطية وتطبيقاتها وخصوصاً في كِتابَيه»الديمقراطية بعد الحرب الباردة»و»الديمقراطية بين الحداثة وما بعد الحداثة»، وأيضاً كتابه «التمرّد على التاريخ» فضلاً عن كُتب عديدة ومتنوِّعة،لا تَتّسع المساحَة لِذكرِها.