1 صرخة النائبة العراقية وحكايتها هيفاء زنكنة القدس العربي
في «العراق الجديد»، وفي ظل واحدة من أكثر الحكومات فسادا، محليا وعالميا، هل يلام المواطن اذا ما انتابه الشك في سلوك الساسة المعششين منذ أكثر من 15 عاما، وهم يلتهمون أكثر مما يبلعون، ويتوقفون بين اللقمة واللقمة ليتبادلوا الاتهامات بالفساد والسرقة؟ آخر المهازل التراجيدية حدثت منذ أيام.
على حين غرة، ارتفع صوت سيدة صارخا، واستمر الصراخ لدقائق. تبين لمشاهدي البث التلفزيوني العراقي الحي وغير الحي، فيما بعد، ان الصارخة هي نائبة تدعى ماجدة التميمي، وان حالة الصراخ انتابتها اثناء جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب. لم يتمكن المشاهدون من فهم ما قالته النائبة الا ان عددا من القنوات التلفزيونية أوضحت أنها كانت تصرخ ببقية النواب قائلة «كافي سرقة اصوات الشعب العراقي». وهي مسألة بحاجة الى توضيح لمن لم يحالفه الحظ بمشاهدة الجلسة او سماع الصراخ، الذي بات، مع الاسف الشديد، سمة من سمات النائبات العراقيات بينما يفضل النواب اللكمات والتراشق بقناني المياه الفارغة. فقد سبقتها النائبة آلاء طالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني) وفيان دخيل (التحالف الكردستاني) التي جمعت ما بين الصراخ والاغماء. ولعل كثرة الضغط على النائبات، كونهن نساء، وعدم الاصغاء لما يتقدمن به من مقترحات او آراء، من بين الاسباب التي تدفعهن الى الصراخ كأسلوب لاجبار الآخرين على الاصغاء اليهن. وهو اسلوب لجأت اليه النائبة ماجدة التميمي يوم السبت الماضي، آملة ان يصغي لها النواب، أو إيصال صوتها الى ابناء الشعب، مستفيدة من معرفة ان جلسة البرلمان الخاصة هذه، التي تم التطبيل والتزمير لها عراقيا وعربيا ودوليا، على مدى شهور، ستبث تلفزيونيا. فهل حققت التميمي، كنموذج، ما ارادته من خلال ظهورها الاعلامي، لايصال رسالة محددة الى المواطنين فيما يخص المآسي اليومية التي يعيشونها، ودورها كنائب يفترض فيه تمثيل هموم وطموحات المواطنين، وتقديم برنامج مستقبلي؟ آخذين بنظر الاعتبار، انها ليست الوحيدة من بين النواب، ذكورا أو أناثا، ممن يعتاشون على الاضواء الاعلامية، مهما كان الثمن.
لا أظن ذلك، مهما كانت رغبة الناس بتصديقها، في حقبة، يجد فيها المواطن، نفسه، مستعدا للتشبث بأية قشه، توفر له العيش الكريم، وتبعد كابوس الطائفية السياسية ومحاصصاتها ومأسستها للفساد. اسباب اخفاقها عدة، لعل اهمها فشلها الفاضح في اختيار التوقيت الملائم اولا، وتناقض ممارساتها النيابية مع تصريحاتها، ثانيا وانتمائها السياسي، ثالثا. بالنسبة الى توقيت اطلاق الصرخة في جلسة التصويت على اختيار رئيس للمجلس، جاء التوقيت مفضوحا بابتذاله، اذ انه تزامن مع الجولة الاخيرة من الصراعات على منصب، ومع اعلان انتصار خصوم حزبها بالضربة القاضية. فكان الفائز من كتلة منافسة (مدعومة ايرانيا) للتحالف الذي تنتمي اليه التميمي. يبدو ان النائبة لم تتحمل الخسارة، أو لعلها افترضت ان حزبها هو «النزيه النظيف»، فوقفت صارخة لتفضح، ما وصفته بسرقة الاصوات. وهي محقة طبعا فيما يخص عمليات التزوير المعروفة للجميع لكنها تعامت عن حقيقة كونها واحدة من المنخرطين بذات البرلمان ومناورات «الكتل». فقد كانت التميمي عضوا في مجلس النواب السابق ـ اللجنة المالية، عن التيار الصدري، بقيادة مقتدى الصدر، لمدة أربع سنوات، ولاتزال في ذات التيار الذي غير أسمه الى «سائرون» بعد تحالفه مع الحزب الشيوعي بقيادة ذات الصدر.
وكانت قد تصدرت الاخبار منذ اسبوعين، في جلسة البرلمان الاستثنائية، يوم 8 أيلول/سبتمبر، للنظر بانتفاضة البصرة، حين قامت بتقديم مداخلة تفصيلية عن عقود الفساد، وهي الادرى بها، بطبيعة الحال، بحكم كونها عضوا في اللجنة المالية. وهي خطوة جيدة لولا انها واحدة من عديد (ان لم يكن كل) النواب الذين استباحوا عقول المواطنين بكثرة الحديث عن فساد «الآخرين» وتبييض وجوههم وايديهم الملوثة بالفساد. مدركين ان لا ضرر في ذلك، اطلاقا، في غياب المساءلة وانتشار الافلات من العقاب. بل ان مسؤوليتها أكبر من البقية لكونها مطلعة على تفاصيل كل ما يجري ولم تلجأ الى فضح الفاسدين الا في الاسابيع الاخيرة، في سيرورة الصراع السياسي الطائفي، الحاد، المعجون بالفساد، حول تشكيل ما يسمى بالكتلة الاكبر التي سيحق لها تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء. من بين «الحقائق» التي كشفت عنها في الجلسة «ان هناك أكثر من ستة آلاف مشروع وهمي ضمن موازنة 2014». السؤال الذي نكاد نسمع صرخته هو الآخر: لماذا لم تكشف هذه «الحقيقة» التي تعرفها منذ اربع سنوات؟ لماذا لم تعمل على تقديم ولو قضية فساد واحدة الى القضاء وهي العضوة المطلعة على التفاصيل في اللجنة المالية؟ ألسنا محقين اذا قلنا ان صمتها، على مدى سنوات عملها البرلماني، يثير من الشكوك حول اتهامها الآخرين، وان الصرخة تعالت للتغطية على الشكوك؟
بالاضافة الى الصرخة، قامت النائبة التميمي باجراء عدد من المقابلات لتوضيح موقفها، قائلة بانها رأت، بعينيها، كيفية تزوير التصويت وانها صورت الشخص المسؤول ويدعى أحمد الجبوري «ابو مازن» الذي قام باستلام توقيع النواب وتصوير اوراق التصويت ليتم الدفع لهم وفقها. وانها، تشعر بالخزي والعار لوجودها بين الفاسدين في هذا البرلمان. مما يدفعنا الى التساؤل: لماذا لا تستقيل؟ لماذا لا تتخلص من هذا الخزي والعار بخطوة بسيطة ستزيل عنها الاحساس بالعار وتربحها احترام الشعب، في الوقت نفسه، والاكثر من ذلك، انها ستكون قدوة في النزاهة واتخاذ الموقف المبدئي السليم لكل النواب نساء ورجالا، وعلى المدى البعيد، ستعيد للناس بعض الثقة بالنواب؟ ومن يدري، قد يقام لها، في المستقبل، نصبا، في احدى ساحات بغداد، تقديرا لنزاهتها وكونها أول نائبة تستقيل من البرلمان احتجاجا على الفساد؟
2 صفحة جديدة من الاحتلال الإيراني للعراق حامد الكيلاني العرب بريطانيا
ما يسجل على المقاومة العراقية انحسارها بعد الإعلان عن انسحاب القوات الأميركية وتركها العراق للاحتلال الإيراني، حيث فتحت حكومة المالكي الأبواب مشرعة للإرهاب وأجنداته الإيرانية.
تجارب إجبارية تخوضها أحيانا بعض شعوب العالم بحماسة بالغة من أجل لحظة تغيير تعتقد أنها ستصنع الفارق في نمط حياتها ومستقبلها، ثم تكتشف الخطأ الفادح الذي ارتكبته أو المطبّ الصعب مع ما يتبعه من تكاليف الخروج الباهظة لإنقاذ أجيالها وإعادة إمكانية حركتهم بعد ترميم خط سيرهم ولو من نقطة الصفر.
ولاية الفقيه في إيران، منذ استلامها للسلطة في فبراير 1979 وتحديداً بعد انقضاء الزفة وشهور عسل التهليل للثورة الإسلامية، حصلت فيها انتفاخات بطموحات النظام المبتدئ في عالم السياسة وبقيادة دولة بحجم إيران السكاني والاقتصادي والجغرافي والتاريخي، وأيضا بعد إسقاط هالة نظام الشاه الإمبراطوري، بما تعنيه من تقديم الأعذار للنظام ومبررات غروره الجامح المكتسب من التأييد الواسع واندفاع الأحزاب الإسلامية وعديد الشخصيات من المهتمين، إن من العرب أو الدول الإسلامية أو الجاليات الإسلامية من أوروبا والولايات المتحدة ودول العالم المختلفة، والأدهى سقطات بعض المثقفين في تمجيدهم للثورة من الذين كانوا يغدقون على بيئاتهم لغة التنوير والتقدّم.
سارعت تلك الفترة القصيرة في إنضاج الأهداف والغايات المسبقة لثورة الخميني على غير مواعيدها أو مراحل نموّها الطبيعية بعد تجربة السلطة، لأن الأجواء المحيطة بها مع مناخ الاستقبال، سرعت من رغبة عدم التأخير في تنفيذ المهمات المخطط لها لارتباط الثورة كليا بالفقيه وولايته، أي بتشريع حكومة القانون الإلهي، بما تعنيه من مغادرة الشؤون الخاصة بفقه المذهب والتوجه إلى تشريعات ونصوص تحتكم إلى الثورة وتطبيقاتها.
الخميني كان جاهزاً لاختصار الزمن في المنهج والأفكار والتوجهات واكتساب الصلاحيات، لذلك ذهب لتشكيل فصائل مسلحة باغتنام نشوة الاستعلاء القومي والانتصار للمذهب التي تكررت باستمرار مع عبارة “خروج المارد المذهبي من القمقم”، بما تعنيه هذه العبارة من كسر لأغلال المظلومية التاريخية وتحررها من حيّز حدود خدمة الفقه والتأليف والتدريس في الحوزات ورعاية المراقد والإشراف على ما ينظم الحياة الدينية للمقلدين ويجيب على أسئلتهم، إلى فضاء مفتوح وبضمانة مقومات الدولة الحديثة من علاقات وسفارات ووزارات وهيئات وأجهزة أمنية تقليدية وقوات وصنوف عسكرية خاضعة لوزارة الدفاع، بما أضيف إليها من حمايات خاصة وما ألحق بها تاليا من حرس ثوري وتوابع.
مع بداية سنة 1980 انتهى الاحتفال بالثورة إلى بداية العمل بالتبشير العقائدي وتحويل المهمات الدينية إلى زعامات سياسية وعسكرية لتجنيد المقاتلين، وصناعة الخلايا باستغلال فكرة التسامح السائدة في معظم شعوب أمتنا العربية ودول الخليج العربي، لقربها الجغرافي من إيران والتي احتضنت على مر السنين المقيمين الإيرانيين الذين تعاملت معهم كمواطنين في الحقوق والواجبات. ثورة الخميني لم تتوقف عند حدّ ما، بل اعتبرت كل المنتمين إلى المذهب الذي تنتمي إليه، من المواطنين العرب أو من المسلمين، أتباع محسوم ولاؤهم لها ويمكن تجنيدهم في مهماتها “المقدسة”.
من يعود بالتاريخ إلى سنة استلام الخميني للسلطة في إيران، لا تفوته تفاصيل دقيقة في كيفية نشوء الإرهاب وزيادة معدلات التطرف وبداية ظاهرة اللجوء أو النزوح، مع انكفاء العديد من المواطنين إلى التكتل في مجموعات متجانسة دينياً أو مذهبياً أو قومياً طلباً لدواع أمنية مجتمعية، وهو ما حصل بوضوح في العراق بعد الاحتلال الأميركي وتفرد الميليشيات الخاضعة لإيران بإشعال الفتنة والحرب الأهلية الطائفية.
منذ أربعة عقود والنظام الإيراني يراهن على احتلال العراق، ليطرحه نموذجاً لمشروعه العالمي التبشيري؛ فماذا جنى الإيرانيون من زرع النظام الفاشي لولاية الفقيه في إيران؟ كي يحصد العراقيون ثمار ديمقراطية الاحتلال الأميركي للعراق التي تركت غثاء سيل الملالي يستجمع مشروعه بالعملاء وأذنابهم.
التغيير الديموغرافي في بغداد وحدها، طال أكثر من مليوني مواطن، غالبيتهم من أطراف مذهبية ودينية وسياسية مستهدفة بغايات أبعد حتى من قضية الاختلاف مع سلطة عملاء الاحتلال الإيراني، لأنها غايات تتعدى إلى إفراغ بغداد والمدن العراقية من محتواها الحضاري والمدني.
يرادُ من المناصب السياسية في العراق أن تغفر لموزعيها ولمن ارتضى طي صفحة الماضي وتدمير مدن أهله، تحت مبررات التوافق والدخول في تحالفات تعيد تبييض الإرهاب الإيراني والفساد، للبدء بصفحة جديدة من المحاصصة، لكن على مقاييس دولة ميليشيات مستقرة ولها خط إنتاج واعد وفق التصميم الأولي لولاية الفقيه.
أول مظاهر الصلاحيات إعلان الحشد الطائفي تشكيل قوات التعبئة الاحتياطية، كوجبة أولى تتكون من عدة ألوية “لحماية البصرة والتصدي للأخطار المحتملة”، دون أن تنسى إضافة التطوع الاختياري في محاولة تسخير الشباب لمهمات مقبلة ومحتملة ضمن مناوشات الصراع الأميركي الإيراني أو لإخماد أي حركة احتجاج على أرض العراق.
ما يسجل على المقاومة العراقية، انحسارها بعد الإعلان عن انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأميركية وتركها العراق للاحتلال الإيراني، حيث فتحت حكومة نوري المالكي الأبواب مشرّعة للإرهاب وأجنداته الإيرانية، ألا يستحق شباب البصرة المجد والفخر، لأنهم أشعلوا بشجاعة نادرة وبدمائهم فتيل المقاومة ضد المحتل الإيراني.
3 من الملوك الخمسة الی البحار الخمسة .. وبعد أدلب ربطا بالبصرة.. ها هو شتراوس يطلب اللجوء السياسي في سوراقيا ديانا فاخوري
رأي اليوم بريطانيا
ينسب الی احد اباطرة الصين القدماء قوله: “الملوك خمسة، اوسعهم ملكا الذي يملك العراق لانه وسط الدنيا، والملوك محدقة به”.
اما البحار الخمسة فهي قزوين، والاسود، والمتوسط، والخليج العربي، والاحمر … فهل ترسم دمشق القدر وتربط البحار الخمسة لتلتقي الرياح والامواج السياسية بالامال الاقتصادية الكبری و تمنع بذلك التيه العربي قبل وقوعه في الصحاری وعلی ظهور الابل بعد نضوب النفط او نضوب الحاجة اليه ومع استشراس الذكاء الاصطناعي (AI)؟
تذكرون مشروع التعاون و التشبيك الذي اقترحه الرئيس بشار الأسد في مطلع العقد الأول من القرن الحالي (أبيض، أحمر، خليج، قزوين، أسود – منظومة البحار الخمس) استثمارا لموقع سوريا الجغرافي، ووضعها في مركز شبكة الطاقة والنقل الإقليمية.. مشروع يضم روسيا وايران وتركيا ومصر والسعودية والعراق وسوريا والجزائر واليمن تكاملا مع اوروبا المتوسطية .. أرادها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تعمل بالتفاوض لحل النزاعات وبالتعاون للتنمية والتقدم الاقتصادي ولضمان أمن الطاقة والملاحة .. مشروع يقوم على شراكة استراتيجية في الشرق الجديد!
وتعلمون ان الحضارات الكبرى، وحتى الديانات الكبرى، ولدت على ايدي السومريين، وان البابليين بنوا الحدائق المعلقة لاستضافة الآلهة، وان النظام البرلماني ظهر في بلاد ما بين النهرين قبل ثلاثة قرون من ولادة السيد المسيح .. اما سوريا، فصاحبة عبقرية الازل، لؤلؤة العرب و جوهرتهم، انتجت 6 اباطرة لروما ولن تنحني للاشد كفرا و نفاقا من شيوخ القبائل
او شيوخ الطرق!
و ما الجزيرة العربية الا امتداد لبادية الشام التي سكنها العرب بدوا و حضرا، و اسسوا فيها الممالك قبل الميلاد .. ولعل مملكة “لحيان” من اقدم ممالك العرب في القرن الرابع قبل الميلاد .. ومنهم قبيلة “كندة” في القرن الثاني قبل الميلاد .. اما بعد الاسلام فاكتفي بتذكيركم بحضارات دمشق و الاندلس و بغداد – حضارات غنية تمازجت مع الشعوب الاخری عبر حدود امتدت من فرنسا الی الصين و من اسيا الصغری الی السودان حيث شكلت واحدة من اكبر الامبراطوريات اتساعا في التاريخ!
اما إدلب، بمعاركها السياسية والعسكرية – بمناوراتها لعرض القوة، والاستعدادات – فستؤدي بالضرورة، وربطا بالبصرة، لسحق الإرهاب الامر الذي يفسّر التخبّط الذي تعانيه دول المحور الصهيواعروبيكي (تاملوا في غاراتهم الاستعراضية على مطار دمشق واللاذقية) ويؤكد تراجعها امام دول المحور الروسي الإيراني السوري العراقي .. انه التراجع التدريجي للجيوبوليتيك الأميركي في المنطقة: يريدون إيقافه فخسارة إدلب تشكل انكشافا عسكريا لاحتلال أراض سورية شرق الفرات (الأميركيون والأوروبيون) و شمال سوريا (الأتراك) .. مهزومون لا يريدون الاستسلام فيتوسلون حصار ايران ويعرقلون إتمام السيادة السورية، ومنتصرون من حقهم حصاد النتائج .. و
لعلهم جميعا باتوا يدركون أنّ مشروع الأسد للتعاون و التشبيك تحول من مجرد رؤية استراتيجية الى أمر واقع سيما بعيد قمة الأمس الثنائية بين بوتين واردوغان!
وفي هذا السفر (بفتح السين وألفاء) او السفر (بكسر السين وتسكين الفاء) لا بد من “اللاذقية” .. فبها و منها اطلق العرب الأمويون استراتيجيتهم العميقة: كيف نترك جزيرة قبرص وصياح الديكةِ فيها يُسمع في اللاذقية؟.. وبعد ان تمكن الأمويون من تحرير “بحر الروم” (“البحر الأبيض المتوسط” حاليا) في معاركهم ضد الرومان، أطلقوا عليه اسم “بحر اللاذقية”، وظل يعرف بهذا الاسم خلال السيطرة العربية على سواحله.
وبعد، هل جاءكم خبر شتراوس يطلب اللجوء السياسي في سوراقيا .. ودمشق وبغداد ترحبان؟ ها هو شتراوس يعكف على اعادة صياغة سمفونيته المعروفة “الدانوب الأزرق” لتصبح “بردى العائد، الفرات المشتبك، و دجلة الخير” .. ويصر شتراوس على المجيء الى دمشق ليرى “بردى” وهو يصب في الجنة فيدعو آدم و حواء الى ليلة عرس على ضفاف النهر فيتطهرا من الخطيئة!
فاخلع نعليك و كل لبوس القدم و انزع عقالك و كل غطاء الراس؛ انها بلاد العرب .. اما انت، يا شام، فمزقي خارطة الذل، وعلميهم فقه العروبة – اولست انت البيان والتبيين؟!
4 العراق: “حرب المناصب العليا والمبالغ المليارية “ عبد اللطيف الزيدي
راي اليوم بريطانيا
رب سائل يسأل والاستفسار حق عن سبب تأخر اختيار رئيس للبرلمان ونائبيه بعد انتهاء الانتخابات منذ أكثر من أربعة أشهر وخرق الدستور بعد عقد جلستين من غير إنهاء الاختيار، وحتى لا يتراوى لذهن القارىء أن هناك تعمداً في الكتابة عن منصب رئيس البرلمان فقط، بل نقول لا، فرئاسة الجمهورية والوزراء لا تزالان غير محسومتين من قبل القوى الفائزة ولها تحفظات وشروط على بعضها البعض فهي ليست أوفر حظاً ولا أحسن حالاً من غيرها من الكتل السنية.
لنأتي للب المشكلة وتاريخها ونقول بأن انتخاب الرئاسات الثلاث يأتي على أسس المحاصصة الطائفية وهذا ما اعتاد عليه البلد منذ احتلال البلاد عام 2003 وإلى الآن حيث أن رئيس الجمهورية كوردي والبرلمان سني والوزراء شيعي ، في الوقت الذي لم تحتو مواد الدستور على اي نص أو قانون يؤكد ذلك ولكن جرت الأعراف هكذا وباتت الأمور تسير بهذا الاتجاة، وبعد سلسلة الاحتجاجات الغاضبة التي عمت جنوب البلاد وراح ضحيتها قتلى وجرحى تبعتها اعتقالات لعدد من الناشطين ثم عقبتها جلسات طارئة للبرلمان الجديد والتي لم يتم التأكد من دستوريتها من عدمه، وتم استجواب العبادي وبعض من وزرائه ويقابلهم محافظ البصرة وعدد من المسؤولين ليعلو ضجيج المشاجرة والمشادة الكلامية بينهما العبادي وصار ما يشبه “المسرحية ” كما وصفتها بعض الكتل “الشيعية” حيث تم “تسقيط” العبادي فيها وإظهار المحافظ بالموقف البطولي الشجاع ليتم بعدها بدقائق مطالبة العبادي بالاستقالة من منصبه وكابينته الوزارية وهذا لم يحدث ولن يحدث.
اليوم وبعد ان تحتم على النواب إختيار رئيساً للبرلمان ونائبيه بدأ مزاد بيع المنصب بين الكتل الفائزة “السنية” وحدثت انشقاقات من الكتل الكبيرة وأولها تحالف المحور الوطني بزعامة الشيخ خميس الخنجر لينسحب السيد أسامة النجيفي ويبدأ سياسة الانسحاب للكتل الأخرى من غير التنسيق مع قيادات التحالف مقابل ضمانات من الكتل التي انضموا إليها وبدأ دعم أسامة لمنصب رئيس مجلس النواب العراقي ، وهنا بدأت المشكلة وتطورت لما لا نعرف أين ستكون نهايتها وبدأ التناحر بين قيادات الكتل السنية عن أحقية من سيتسنم المنصب والذي يعد أعلى سلطة تشريعية في العراق.
المثير للجدل والاستغراب أن غالبية المرشحين لرئاسة مجلس النواب متهمون بقضايا “فساد أو إرهاب ” ومَن رفع الدعاوى عليهم بالأمس همو من رشحهم اليوم وأعلن دعمهم، والمرشحون لرئاسة الجمهورية ليسوا بأحسن حال من البرلمان، ورئاسة الوزراء هي الأخرى بنفس المعضلة فالمرشحون للمنصب غالبيتهم متهمون “بالفساد” وممن تحوم حولهم تهم عدة وما سرقة مصرف الزوية ببعيدة.
تغريدة السيد مقتدى الصدر قبل يومين كانت صريحة وواضحة بمطالبته بحكومة تكنوقراط “مستقلين” وفي حال لم يتم تنفيذ ذلك سيتجه للمعارضة السياسية، وهذا ما أكدته كتل داخل تحالف النصر لكن توارد الأخبار وسرعة المتغيرات تنبأ بغير ذلك فعظمة السلطة وجمال “المال” يغير النفوس من حال إلى حال والمناصب والكراسي تغير الرأي بين لحظة وأخرى.
وتفعل مشروع البيع والشراء بالمناصب السيادية حتى وصل سعر كرسي رئيس البرلمان إلى 30 مليون دولار وما بين 15 و 20 مليون دولار مقابل التنازل من المتنافسين على هذا المنصب، الأمر الذي أشعل لهيب الشارع العراقي خصوصاً في الجتوب والوسط وبات لسان المواطن العراقي: ” كم سيحصل الفائز بهذا المنصب إذا كان ما سيدفعه لشراء المنصب يفوق مرتبات الآلاف من الموظفين ” .
تطورات كثيرة جاءت تباعاً خلال الأيام القليلة الماضية محاولة إنتاج تحالف يضم سائرون والفتح، بعد فشل المحاولة الأولى التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات، فالجميع يعلم أن لا إمكانية لتشكيل حكومة من دون مشاركة سائرون والفتح، والخلاف كان حول الكتلة الأكبر التي ستشكل الحكومة فكتلتا الفتح ودولة القانون، ومِن خلفهما إيران، كانا يريدان تشكيل تلك الكتلة لضمان رئاسة الوزراء من خلالها، وبالتالي تكون هي عماد هذه الحكومة، يقابله تحالف للعبادي وسائرون، المدعومين من الولايات المتحدة الاميريكية، اللتان باتتا بمحاولات إعادة النصاب والتفكير بعقلية اللاعب الإيراني، لكن الجميع، بما فيها الولايات المتحدة وإيران، على يقين بأنه لا يمكن تشكيل حكومة حقيقية من دون وجودهما معا، وقد عجلت إزاحة العبادي من سباق الترشيح لأول مرة، وبشكل عملي،
إعادة إنتاج هكذا تحالف بين سائرون والفتح، وبالطبع لا إمكانية لإقصاء حزب الدعوة من هكذا معادلة، وذلك من خلال ترتيب شبيه بترتيب سنة 2014، والتي تجمع كلا من المالكي والعبادي، وفي إطار هذه المعادلة ليس من خيار أمام الحكمة سوى الالتحاق، ففكرة المعارضة يمكن أن تنجح كشعار وبروباغندا، ولكن لا مكان لها في النظام السياسي العراقي، كما اوضح ذلك المحلل السياسي الدكتور يحيى الكبيسي وهو أقرب للواقع.
ما حدث وسيحدث يفرض واقعاً جديداً يجب التعامل معه والتفكير جدياً في التحالفات والتوجهات التي حكمها الاستقطاب القائم بين سائرون وحلفاؤها، والفتح وحلفاؤها، كما سيجعل الجميع يفكرون بذات قواعد اللعبة التي حكمت تشكيل الحكومات الثلاث السابقة في السنوات2006 و2010 و2014.
ما سيفرض على الفاعلين الرئيسيين في العراق، الولايات المتحدة وإيران، القبول بما تفرضه الوقائع على الأرض بعيدا عن التجريد الأميريكي، والعقائدية الإيرانية! .
وفي الأثناء ينتظر العراقيون واقعاً جديداً ووضعاً ينتشلهم مما هم فيه ولكن المتابع والمراقب للشأن العراقي يرى غير ذلك تماماً فمن يشتري ويبيع بمقعده البرلماني ويدفع الملايين لشراء منصب ما أو وزارة لا يمكن التعويل عليه بمستقبل أفضل لبلدٍ انهكته الحروب ودمره الفساد واغرقته الديون. ويبقى السؤال هو ما الذي سيقدمه السيد محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الجديد لأهله وناخبيه.
5 المشروع الإيراني في العراق..
وليد صبري
الوطن البحرينية
تحتدم المعركة الثانية بين أمريكا وإيران على بسط النفوذ والسيطرة على مفاصل الدولة العراقية، من خلال المنافسة على اختيار رئيس وزراء جديد، لاسيما بعد أن حسمت طهران المعركة الأولى لصالحها بانتخاب السني محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، وكان الأخير مدعوماً من «تيار الفتح» بزعامة هادي العامري، المقرب من إيران، وأحد الجناحين الفائزين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث حصل على 47 مقعداً في البرلمان، وحل ثانياً، خلف تحالف «سائرون» بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي حصد نحو 55 مقعداً في الانتخابات الأخيرة.
ويشكل انتخاب الحلبوسي ضربة قوية للمناهضين للنفوذ الإيراني في العراق، لاسيما وأن غالبية التحليلات ذهبت إلى أن تحالف «سائرون» بقيادة الصدر، سوف يسيطر على مقاليد السلطة في العراق في المرحلة المقبلة، في حين تمكن الحلبوسي من انتزاع المنصب السني من أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية، ووزير الدفاع السابق خالد العبيدي المدعوم من رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، حيث حصد الحلبوسي أصوات 169 نائباً من أصل 298 شاركوا في التصويت خلال الجلسة، من أصل 329 نائباً في البرلمان. وربما هذا ما دفع تحالف «البناء»، بزعامة هادي العامري ونوري المالكي إلى الإعلان عن أنه «يمثل الكتلة البرلمانية الكبرى التي ستقدم مرشحها لرئاسة الوزراء، واستدل التحالف على ذلك بقدرته على حسم منصب رئيس البرلمان الذي يحتاج أكثر من أصوات نصف المجلس، وذلك بعد خلافات استمرت أياماً مع تحالف «سائرون» بزعامة الصدر، بشأن الكتلة الأكبر»، وفقاً لما بثته مواقع إخبارية عربية ودولية.
ولا يمكن استبعاد مسألة تخلي الصدر عن العبادي قبل أيام على خلفية الاحتجاجات الشعبية الحاشدة في البصرة جنوب العراق، ما أدى إلى تفكك تحالف «الصدر العبادي»، حيث كان الأخير ضامناً للاحتفاظ بولاية ثانية وفوزه برئاسة الوزراء، لكن تفكك ذلك التحالف بسبب احتجاجات البصرة، فتح الباب على مصراعيه أمام التيار الموالي لإيران في العراق إلى أن يفرض نفوذه ويكسب المعركة الأولى بانتخاب سني مقرب من إيران رئيساً للبرلمان. وإذا كان الصدر يردد دائماً أنه يدفع باختيار رئيس وزراء مستقل يختار حكومة تكنوقراط، يبدو التنافس شرساً حتى وإن أعلن هادي العامري عدم ترشحه لرئاسة الوزراء، حيث أظهر انتخاب الحلبوسي مدى النفوذ الذي تفرضه إيران على العراقيين حتى وإن خرج شيعة البصرة يهتفون «إيران برا برا.. البصرة حرة حرة»، حيث تبقى للكتلة الأكبر في البرلمان الكلمة الفصل والأخيرة في اختيار رئيس الوزراء القادم. ويبدو أن قبضة كتلة الصدر تهتز داخل البيت العراقي خاصة بعد أن فشلت في إيصال مرشحيها السنيين أسامة النجيفي وخالد العبيدي لرئاسة البرلمان.
ويذهب محللون ومراقبون إلى أن انتخاب الحلبوسي، سيؤثر بشكل مباشر على اختيار رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية في المرحلة المقبلة، وليس أدل على ذلك، من تهنئة زعيم حركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي – أحد أبرز الموالين لإيران في العراق – للحلبوسي حيث وصف الأخير بأنه «مرشحنا» معتبراً أن «النتيجة تمثل انتصاراً على التدخلات الخارجية» في إشارة إلى أمريكا وحلفائها في العراق. ما يصب في نفس الاتجاه، تصريحات المحلل السياسي هشام الهاشمي لوكالة الصحافة الفرنسية، حينما ذهب إلى أن «قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني نجح في توحيد البيت الشيعي، والإيفاء بالوعود للسنة الذين انضموا إليه، فيما فشل المبعوث الأمريكي بريت ماكغورك في تقسيم الشيعة، وخسر وعوده للسنة بأن يصبحوا أقوى، وأيضا تهديده للسنة الذين اختاروا الالتحاق بالمعسكر الإيراني».
لكن الجديد بشأن اختيار رئيس الوزراء العراقي الجديد، يتمثل في اتفاق مبطن، غير مباشر، بين إيران، والمرجعية الشيعية في العراق، على مواصفات تلك الشخصية، حيث أعلنت الأخيرة أنها «لا تؤيد رئيس الوزراء القادم إذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية»، الأمر الذي يقلل من حظوظ رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، في حين يبرز في الواجهة عادل عبد المهدي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق ليكون الأقرب لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة الذي تنطبق عليه شروط المرجعية في العراق كونه لم يشغل هذا المنصب من قبل، وفي الوقت ذاته، لم تعترض إيران عليه حتى الساعة، في حين يبدو عبدالمهدي يحظى بثقة واشنطن والغرب حتى وقت مضى، لاسيما وأن إيران تدخلت بشكل مباشر لإقصائه من المنصب في انتخابات 2010، وحل محله نوري المالكي، وفي انتخابات 2014، تم اختيار حيدر العبادي، بعد الفشل الأمني الذريع لحكومة المالكي، غداة سيطرة تنظيم الدولة «داعش» على مساحات شاسعة من العراق بدءاً من يونيو 2014، قبل إعلان حكومة العبادي نهاية 2017، تطهير البلاد من التنظيم الإرهابي.
ووفقاً لما نشره موقع «روسيا اليوم» الإخباري الروسي عن مصدر سياسي وقيادي شيعي عراقي قوله إن «عادل عبد المهدي، هو الأقرب لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة»، مشيراً إلى أن «المنافسة كانت بين عبد المهدي وشخصيات أخرى، لكنّ هناك توافقاً كردياً شيعياً سنياً عليه»، مبيناً أن «عبد المهدي ينتظر موافقة مرجعية آية الله علي السيستاني ليعطي موافقته للكتل السياسية على تسلم المنصب»، حيث أبلغ عبدالمهدي الكتل السياسية بأنه لا يمكن القبول بالمنصب دون موافقة المرجعية التي قالت إن المجرب لا يجرب». ويبرز اسم عبد المهدي كمرشح محتمل لرئاسة الوزراء بعد تراجع حظوظ العبادي، بين عدة أسماء شيعية أبرزها، علي شكري وفالح الفياض والقائد في جهاز مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي، ورئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي.
* وقفة:
بون شاسع بين السخط الشعبي العراقي على إيران وبين النفوذ السياسي الذي تحظى به الأخيرة والدليل على ذلك اختيار السني محمد الحلبوسي المقرب من طهران لرئاسة البرلمان وسط تراجع حظوظ المناهضين لإيران في تولي رئاسة الوزراء!!
6 حُسين الجادرية وحُسين الغاضرية رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية
نُشرت لوحة وضعت عليها صورتا نوري المالكي، وهو يضع يده على صدره لاطماً، وتقابلها صورة محمد باقر الصَّدر (أعدم في 1980)، وبينهما قبة ضريح الإمام الحُسين. كُتب عليها: «يُقيم الحاج نوري المالكي مجلسه الحُسيني ابتداءً من الأربعاء إلى العاشر مِن محرم» والمكان «مجمع الأبرار في الجادرية». كأنها البداية بوجود حُسينين: حٌسين المكاتب وحُسين النَّاس، فالعزاء يُقيمه مكتب المالكي.
هل قُصد مِن هذا الإعلان الإمام الحُسين؟! وما الغرض من عرض صورة المالكي لاطماً؟! أسئلة قد تدور في ذهن المواطن الذي يعتقد أن المالكي مسؤول عن خيبة أمله في سنوات حكمه، وتحديداً أن يُقام مجلس المالكي على أرض يعتقد العراقيون، المحتجون والصامتون، أنها عقارات مغتصبة، وهي «الجادرية»!
كيف يُقحم الدِّين، في ماورد مِن الآية «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» التي علت اللوحة المذكورة، وهي خاصة بشعائر «الحج»، ووردت في سورة «الحج» ومناسكه، وليس اللطم، حيث ظهر المالكي لاطماً، وكأن الآية تشرح ماذا يفعل. لو كان الإعلان لشخص عادي، أو رجل دين، لا يلفت النظر، لكنه إعلان لرئيس وزراء سابق ونائب رئيس جمهورية حاضر، وحزبه، بشتى فروعه، يتربع على دوائر خطيرة.
أراد مكتبه القول في إعلانه، وبصفته الرَّسمية، إن اللطم رسمياً من شعائر الدَّولة، وإنها دولة الطّائفة، لكن أي طائفة، إنها الطائفة المقيمة على أرض الجادرية، أرض غناء تعد مِن أفضل أراضي العاصمة، أقيمت عليها جامعة بغداد، وداوئر الدَّولة المهمة، أما الطَّائفة الشيعية، فتجد أبناءها في تظاهرات البصرة وبقية مدن الجنوب والوسط، وعاشوراؤهم يقيمونه بالغاضرية.
وربَّ سائلٍ يسأل وما الغاضرية التي جعلتها تُقابل الجادرية؟! إنها أحد أسماء كربلاء، وردت في معظم كُتب التاريخ، مع قصة مقتل الحُسين (61هـ): «ودفن أهل الغاضرية مِن بني أسد جثة الحُسين، ودفنوا جثث أصحابه رحمهم الله، بعدما قُتلوا بيومٍ» (البلاذري، جمل مِن أنساب الأشراف). ذكرها ياقوت الحموي (ت622هـ): «الغاضرية منسوبة إلى غاضرة مِن بني أسد، وهي قرية مِن نواحي الكوفة» (معجم البلدان).
تداول اسم الغاضرية كثيراً في الأدب الحُسيني، ذكرها عضو المجمع العلمي العراقي ومحكمة التمييز الشَّيخ محمد بن طاهر السماوي (ت 1950) في مرثياته: «كم أقاحَ في الغاضرية أضحى/مِن دموعي شقائق النُّعمان»، وله أيضاً: «ثوى قتيلاً بشط الغاضرية ظمآن الفؤاد/ فلا ساغت مجاريها» (الطَّليعة مِن شعراء الشِّيعة). أشارت الحوادث إلى انطلاق مراسم العاشر من محرم (عاشوراء) مِن العراق، قبل تكريسها إبان العهد البويهي السنة 353هـ، بقرار رسمي. جاء في الرُّواية: إنه في «عاشر محرَّم أمرَّ معزُّ الدولة النَّاس أن يغلقوا دكاكينهم، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء، وأن يظهروا النَّياحة…»(ابن الأثير، الكامل في التَّاريخ).
ثم طعمتها الشعوب بما لديها من مظاهر الحزن، فدخل عليها ما دخل من ممارسات. لم يُختصر إحياء «عاشوراء» على الشِّيعة، فلسُنَّة العراق أيضاً، خارج المؤثر السياسي، طرائقهم في استذكار مأساة كربلاء، حيث الترنيم: «ابكربلا ماتوا جدودي/ ماسقوهم ماء جود/ يا دموع العين جودي/ على الحسين بن علي» (حمودي الوردي، عالم التَّكايا).
كذلك جاءت المبالغات بقضية الحُسين من فقهاء السُنَّة الكبار، فضلاً إلى مبالغات مؤرخي وفقهاء الشِّيعة، وهذه إشارة إلى أن الإمام الحُسين لا يُصنف شيعياً ولا سُنياً، مثلما يراد له في التعبئة الطَّائفية التي اجتاحت العراق، وجعلها رئيس وزراء العراق السابق صاحب مجلس الجادرية، حرباً مستمرة بين الحُسين ويزيد! فمَنْ كتب بخصوبة خيال، وتعصب للحسين، مِن فقهاء السُّنَّة الشَّيخ أبو البركات نعمان الآلوسي (ت 1899)، نجل صاحب «تفسير المعاني» أبي الثناء (ت 1854)، في فصل: «عاشوراء وقتل النَّفس المحرمة»، ورد: إن الجنَّ بكت الحسين، وأن جبرائيل عرف قبره ودلَّ عليه، وما حفظه الآلوسي من ندبِّ نساء الجنِّ: «أبكي قتيلاً بكربلاء/مضرج الوجه بالدِّماء» (الآلوسي، غالية المواعظ).
كان البويهيون عندما جعلوا عاشوراء رسمياً للدولة، والفاطميون، والصفويون بعدهم، انطلقوا من موقف إمبراطوري عابر للوطنية، لكن في ظل الدَّولة الوطنية، تُحدد مهمة المسؤول بالوطن، وتتُرك الخصوصية الطائفية للناس وليس للدولة، أي أن يبقى عاشوراء، عاشوراء «الغاضرية» وليس عاشور «الجادرية» الذي أُقيم تحت سطوة الحمايات، وغدق الأموال، بدا وكأنه معادل نقيض لعاشوراء الاحتجاج بالغاضرية، وعلى وجه الخصوص في الموسم الجاري. فقبل سنوات كان قادة الأحزاب الحاكمة يظهرون واقفين وراء القدور يوزعون الطعام على الجمهور، ويتلفعون القماش الأخضر رياءً، لكن بعد حين صار الجمهور يطاردهم، والبصرة شاهداً.
انطلاقاً من لوحة إعلان مكتب المالكي عن مجلسه الحسيني وهو يُمارس اللَّطم، نجد ساسة العراق الإسلاميين، لم يميزوا بين ماضٍ إمبراطوري ديني وحاضر وطني، فما عبرت عنه تلك اللوحة أن الطَّائفة حلت محل الدَّولة، لكن أي طائفة؟! إنها طائفة الجادرية. كذلك حسبوا خطأً بأن الحُسين معهم وهم في المعارضة ومعهم وهم في السُّلطة، ولم ينتبهوا إلى وجود حُسينين: حُسين الجادرية وحُسين الغاضرية!
7 الإعلان بين الترويج والابتذال شيرزاد اليزيدي الحياة السعودية
يظهر الخواجة الأوروبي الملامح بعيونه الملونة وهو يتذوق الطعام الصيني ليبادر إلى التعبير عن امتعاضه من مذاقه وليشرع في أداء حركات قتالية هستيرية في غمز من قناة كون بلدان جنوب شرقي آسيا معروفة عموماً بشيوع رياضات الكاراتيه وأخواتها مثل التايكواندو والجودو. بعدها يذهب إلى الهند ليشرع هذه المرة أيضاً في السخرية من الطعام الهندي الحاد واللاذع وليبادر إلى التراقص المتشنج المبتذل من شدة حدة الطعام في غمز هذه المرة من قناة الرقصات الشعبية الهندية ثم ينتقل إلى مصر ولا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب كما يقول المثل المصري الشهير.
وينتهي المطاف بصاحبنا إلى العراق وتحديداً إلى إقليم كردستان وفور تذوق الطعام الكردي والعراقي يبدأ في التطبيل والتزمير والإشادة بلذة الطعم والمذاق الفريد وليسأل حينها من حوله عن السر في هذه الجودة فيجيبه الناس عبر ذكر اسم شركة غذائية كبيرة تنتشر منتجاتها في الأسواق الكردية والعراقية. والمفارقة المضحكة أن تلك الشركة هي في الواقع تركية.
والسؤال المطروح هنا والذي يطعن في هذه السردية الإعلانية غير المقنعة المنتشرة كالنار في هشيم الفضائيات الكردية والعربية العراقية هذه الأيام: ما الذي يدفع بطل الإعلان إلى الانبهار بالمطبخ العراقي على عكس نفوره من المطابخ الصينية والهندية والمصرية طالما أن الرجل غربي والمطابخ الأربعة المذكورة شرقية بحتة.
لا شك في أن الإعلان والدعاية عموماً جزء محوري وركن ركين في عوالم ومنظومات التجارة والربح والتسويق بهدف العرض وكسب المستهلكين ونيل رضاهم، ولكن ليس عبر الحط من شأن السلع والمنتجات الأخرى، ناهيك عن الاستهزاء بشعوب وبلدان وثقافات وتقاليد مطبخية بأكملها تعتبر من أعمدة الهوية الجمعية والذائقة الوطنية. وإلا فما معنى التأفف والتقزز غير اللائق من النكهات الطعامية لهذا البلد أو ذاك؟ ليس هذا وحسب بل والقيام بحركات وتوريات تطاول تقاليد رياضية وثقافية وروحية يتميز بها هذا المجتمع أو ذاك.
نحن هنا حيال إسفاف وإهانة بحق نحو بليونين ونصف البليون من البشر على الأقل.
فالصين والهند ومصر مجتمعة تشكل نحو ثلث عدد سكان كرتنا الأرضية، الأمر الذي ليس خافياً على من أعد هذا السيناريو الدعائي غير الموفق، والذي يتضمن إهانة لبلدان وحضارات كبرى ضاربة في عمق التاريخ وموغلة في القدم والعراقة.
8 الحركات الإسلامية والمشروع السياسي محمد السعيدي الوطن السعودية
جميع الحركات التي أرادت بناء دولة إسلامية حديثة قد فشلت في النهاية وإن كانت قد وصلت لنجاحات جزئية كالسنوسية والمهدية، وبقيت الحركة السلفية في الجزيرة العربية الوحيدة التي كَتَب الله لها النجاح
في العصر الحديث ومطالِعه نشأ عدد من الجماعات الإسلامية جعلت على رأس أهدافها: إنشاء دولة عصرية على أسس دينية، حركة شاه ولي الله الدهلوي في الهند [1145هـ].
الحركة السنوسية في ليبيا [1259هـ].
الحركة المهدية في السودان [1289هـ]
حركة الإخوان المسلمين في مصر [1346هـ]
جمعية العلماء في الجزائر [1349هـ].
فأما حركة شاه ولي الله الدهلوي فتحقق على يديها العديد من النجاحات منها: التقدم نحو التصحيح العقدي لمسلمي الهند وإحياء علوم الحديث، بل نقل علم الحديث من العواصم العربية إلى الهند وبعثه من هناك، حتى أصبحت بلاد الهند هي محط أنظار طلاب هذا العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأعظم نجاحاتها كان في بعث روح الجهاد ومقاومة المستعمر البريطاني لدى مسلمي الهند، حتى أصبحت حركات المقاومة المسلحة للاستعمار معظمها من تلك المنتمية لدعوة الشاه الدهلوي أو المتأثرة بها، إلى أن قرر الاستعمار الرحيل عن شبه القارة الهندية سنة 1366هـ ومن ثَمَّ تقسيمها، وإسناد حكم الجزء الأعظم منها إلى البراهميين، بعد أن كانت القارة الهندية قبل الاستعمار البريطاني تحت حكم المسلمين السنة، وهي ما يعرف في التاريخ بدولة المغول في الهند، والتي عملت بريطانيا على إسقاطها بشتى الطرق، وكانت إحداها الاستعانة بملك إيران نادر شاه، الذي استولى على دلهي سنة 1151هـ، كما شجعوا فرق المراهتة والسيخ والزط على الخروج على الدولة، فكان الشر عظيماً محدقاً بمسلمي الهند من كافة الجهات، لذلك قصر الشيخ شاه ولي الله الدهلوي جهوده السياسية على العمل على إيقاظ همم ملوك دولة مغول الهند، ومحاولة إعادة دولتهم إلى ما كانت عليه في عهد الملك الزاهد أورنك زيب [تـ1118هـ]، والذي أدرك الدهلوي أربع سنوات من حياته؛ لكن محاولات الشيخ في إيقاظ همم أولئك الملوك باءت بالفشل فقد كانت الدولة مقبلة على الانهيار، الأمر الذي حمل الشيخ على التعاون مع بعض الوزراء على مكاتبة السلطان أحمد الأبدالي [تـ180هـ] سلطان بلاد الأفغان وحثه على إنقاذ دولة مملكة الهند وإعادة هيبتها، وبالفعل قدم السلطان الأبدالي وقضى على المراهتة في موقعة باني بت وهزم السيخ في البنجاب، ثم غادر الهند وقد تركها مهيأة كي تستعيد العائلة المالكة القوة فيها، إلا أن الترف الشديد والركون إلى الملذات قد فعلا في هذه العائلة فعلهما، حتى لم يعد فيها رجل قادر على تحمل أعباء المرحلة.
وبالمقارنة نجد أن منهج الشيخ الدهلوي في الإحياء العلمي ومحاولة إعادة القوة السياسية والعسكرية للدولة مشابه تماماً لمنهج شيخ الإسلام ابن تيمية [728هـ]في الأمرين معاً، وقد نجح الرجلان في البعث العلمي والعقدي إلا أن الدهلوي لم ينجح في مشروعه السياسي بسبب اعتماده على أسرة سياسية منهارة تماماً، لا توجد فيها شخصية واحدة قادرة على تحمل أعباء العصر، ومع ذلك فقد كان ما حققه من انتصارات على المراهتة والسيخ والزط أمراً عظيماً لو وجد من يستغله من ملوك المغول لإعادة بناء الدولة، وقد نجح الدهلوي أيضاً في إبقاء مشروعه قائماً به خلفاؤه حتى خروج الإنجليز من الهند.
أما الحركة السنوسية فلا شك أنها تأثرت بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب جملة لا تفصيلا، وذلك في أشياء من الإصلاح الديني وفي فكرة تكوين الدولة القائمة بالدين، إلا أنها حرصت على التصوف المقتضي للزهد والإيمان بالجبر واعتزال الدنيا، وبين المُلك المقتضي لإظهار الهيبة والمكانة وعز الدنيا وبين الجهاد المنافي لعقيدة الجبر واعتزال الدنيا؛ والحقيقة: أن الجمع بين هذه المتناقضات كان صعباً جداً، وفي رأيي أنه حال بشكل كبير دون تكوين قاعدة جماهيرية للدولة السنوسية، فبالرغم من تاريخها المضيء في جهاد المحتل الإيطالي إلا أن ذلك لم يحل بينها وبين السقوط على يد ضابط شاب هو معمر القذافي مسلح بدعاية قومية غاية في السخف، ومن أسباب ذلك أنها تخلت بشكل كامل عن ربط المجتمع والجيش الليبي بعقيدتها التي استحقت على أساسها ملك ليبيا.
أما الحركة المهدية في السودان فقد قامت على أساس استثارة الناس وجمعهم على فكرة دجلية وهي كون مؤسس الحركة هو المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وحين مات محمد المهدي [1317هـ] سقطت دعوته، ولم تتمكن هذه الدولة من العيش أكثر من أربعة عشر عاما.
أما حركة الإخوان المسلمين فقد قارب تاريخها المائة عام، وحتى اليوم لم تستطع النجاح في تحقيق أي شيء سوى المحافظة على وجودها جماعة سياسية ذات قاعدة لا يتناسب حجمها مع تاريخها وشعاراتها، حيث يقال إن عدد المنتسبين لها في مصر مكانِ نشأتها لا يتجاوز الخمسة ملايين، وهو عدد بالرغم من ضخامته إلا أنه يعني 5% فقط من سكان دولة المنشأ.
ويمكن تلخيص أهم أسباب فشلهم في استبقائهم على العمل وفق أفكار إستراتيجية اختطها الشيخ حسن البنا رحمه الله بعضها أثبتت التجارب خطأه، وبعضها ربما كان مناسباً في الظروف التاريخية والاجتماعية التي عاشها البنا وليست مناسبة لما بعده من عصور؛ فمن ذلك فكرة «نلتقي فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه»، كانت إلى حد كبير مناسبة في الدعوة إلى الله في مجتمع الثلاثينات والأربعينات الميلادية، حيث كان الإلحاد والجهل بالدين والانصراف عنه بالكلية هو سيد الموقف في مصر، وكان الدخول في التفاصيل قد يعيق الدعوة ويعطلها بالكلية؛ لكن الإخوان بعد البنا استمروا على هذا المبدأ لدرجة أنهم نَحَّو التصفية العقدية جانباً من مشاريعهم الدعوية، واقتصروا على اعتبار أمرين لا ثالث لهما: أصل الإسلام وأخلاقه والمشتركات الإنسانية فيه، والهم السياسي.
والاستمرار على هذا المبدأ أفقد الإخوان التميز الديني وجعل النفعية السياسية تنسحب عندهم حتى على أصول الدين وفروعه القطعية.
وتوفي البنا رحمه الله وهو يؤمن بفكرة التقريب بين السنة والشيعة، لكن الجماعة تجاوزت مسألة التقريب ووصلت إلى الوقوف التام مع دولة الملالي وقوفاً لم يستطيعوا العدول عنه حتى في ظل ما نراه من العدوان الإيراني على أهل السنة في العراق وسورية ولبنان واليمن.
وقد كان البنا يكره الحكومات الوراثية حتى لو كانت تقر الشريعة وتعمل بها، وقد تم قتل الإمام يحي إمام اليمن على أيدي المنتسبين إلى البنا فيما يعرف بثورة 17 فبراير، وذلك في حياة البنا وقد تم اغتياله بعد ذلك بعام، أي: في فبراير 1949، مع أن دولة الإمام يحي كانت تحكم بالشريعة وفق المذهب الزيدي الهادوي، لكنهم آثروا الفكر الثوري الذي لم تنل منه اليمن خيرا منذ ذلك التاريخ [1367هـ] وحتى اليوم.
واستمرت الجماعة تحمل هذا الفكر حتى ضد الحكومات الوراثية التي أحسنت لهم وآوتهم وقت التنكيل بهم، فوقفوا مع حزب البعث العراقي ضد السعودية ودول الخليج، بالرغم من إحسان هذه الدول لهم، الأمر الذي جعل الإخوان المسلمين في الكويت ينفصلون عن الاتحاد العالمي للإخوان، مع أن حزب البعث كان حزباً معادياً للدين، وقد قُتِل على يده قادة الإخوان في العراق كالدكتور عبدالعزيز البدري [1389هـ] وهُجر آخرون، إلا أن الإخوان نسوا كل ذلك من أجل عداوتهم الفجة للحكم الوراثي.
ومن أخطائهم التي قعدت بهم عن النجاح عدم قراءتهم للتاريخ وضعف إيمانهم بالمراجعة والتصحيح، والاستبداد الشديد فيما بينهم داخل الجماعة.
أما الجماعة الإسلامية في الجزائر فكانت ذات انتماء سلفي ونجحت نجاحاً عظيماً في الإصلاح العقدي وجمع كلمة الجزائريين وتوحيدهم ضد المستعمر الفرنسي، إلا أن ثمرة هذه الثورة تمت سرقتها منها وتسليم البلاد للأحزاب العلمانية والماركسية عام 1382هـ.
النتيجة من هذا السرد: أن جميع الحركات التي أرادت بناء دولة إسلامية حديثة قد فشلت في النهاية وإن كانت قد وصلت لنجاحات جزئية كالسنوسية والمهدية، وبقيت الحركة السلفية في الجزيرة العربية هي الدعوة الوحيدة التي كَتَب الله لها النجاح التام، فتأسست على مبادئها المملكة العربية السعودية التي نتفيأ ظلالها اليوم.
ومن أسرار نجاح الحركة السلفية في السعودية في تأسيس هذا الكيان السياسي الذي أقبل عمره على بلوغ الثلاثمائة عاما: صحة المنهج والصدق في حمل رسالة الإسلام، لذلك كان النصر حليف هذه الدولة في جميع أطوارها الثلاث، مصداقاً لقوله تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
وأيضا: صيانة المبدأ، مع المرونة التي لا تعود على الأصل بالنقض في حال الاضطرار.
وكذلك الواقعية في تصور القدرات الذاتية، فلم تكن الدولة تؤمن بالعنترية وادعاء القوة والدخول في مشاريع فوق الطاقة.
ومنها: النجاح في تطبيق المبادئ على أرض الواقع الأمر الذي جعلها محل إقبال من الجماهير وإكبار من المسلمين في العالم.
ومنها: الاستفادة المستمرة من التاريخ، فلا تكاد ترى تجربة مرت بها الدعوة والدولة في طورها الأول والثاني إلا وهو محل اعتبار في العمل في طور الدولة الثالث.
أدام الله عزها وأعز بها الإسلام والمسلمين وإن رغمت أنوف.