1 المرجعية أسقطت العبادي وسقطت في فخ سليماني علي الأمين العرب ب ريطانيا
جذب “المرجعية” نحو مجاراة الموقف الإيراني في العراق، برز من خلال معاقبة كل من حاول الخروج على وصاية الدولة الجارة، لحساب تعزيز مشروع الدولة العراقية ومؤسساتها.
التخلص من حيدر العبادي قرار اتخذته إيران
انتقل فصل تسمية الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي إلى مرحلة جديدة، بعدما أعلنت المرجعية في النجف الأشرف أنها “لا تؤيد رئيس الوزراء القادم إذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية”.
انطلاقا من هذا الموقف يمكن اعتبار أن فرص إعادة تسمية رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي لتولي المنصب الحكومي الأول لولاية ثانية باتت مستبعدة تماما، رغم أن الأخير لم يتهم بملفات فساد، وتجمع الأطراف العراقية وعلى رأسها “المرجعية” أنه نجح في إدارة المواجهة في معركة القضاء على تنظيم داعش، وفي الحدّ من تداعيات المرحلة التي حكم فيها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، والتي تسببت بسقوط أكثر من ثلث الأراضي العراقية بيد هذا التنظيم، وهو نجاح تميزت به مرحلة حكم العبادي لا سيما أنها تلت مرحلة استثنائية من الفساد، الذي أفرغ خزينة الدولة من كل ما فيها نتيجة السياسات التي اعتمدها المالكي في إدارة شؤون الدولة وأدت إلى ما يشبه الانهيار. وتمدد واخترق البنية الأمنية والعسكرية العراقية، لكنه نجح في إدارة عملية بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية، وانتشلها من الدرك الذي وصلت إليه قبل توليه السلطة، وساهم في وضعها إلى حدّ كبير على سكة الدولة، بعدما كانت الميليشيات قد اخترقتها وتقاسمت النفوذ فيها، ولم تستثن هذه المحاصصة القوات المسلحة وهو ما أدّى إلى انهيار الجيش في الموصل بمواجهة تنظيم داعش قبل أربع سنوات.
التخلص من حيدر العبادي الذي انتصر على داعش ووحد العراق وأعاد بناء الجيش، قرار اتخذته إيران وعملت على تنفيذه بوسائل مختلفة، منها الضغط على أحد أعضاء المحكمة الدستورية من أجل إيجاد فتوى دستورية تتيح لأعضاء الكتل البرلمانية عدم التقيّد بقرار الكتلة لجهة تسمية رئيس الحكومة، وكان المقصود من ذلك تصديع “كتلة النصر” التي يقودها العبادي، ومن جهة ثانية عبر إطلاق حملة إعلامية تتهم العبادي بأنه رجل الأميركيين في العراق، واتهامه بأنه تهاون في مواجهة المعترضين على الفساد في البصرة وخاصة في خطوتهم إحراق القنصلية الإيرانية في المدينة.
ليس جديدا هذا السلوك الإيراني في مواجهة أي شخصية أو تيار في العراق يسعى إلى محاولة الحد من النفوذ الخارجي على مؤسسات الدولة، إذ إن قاعدة الدخول إلى النادي السياسي في العراق منذ نهاية نظام حكم البعث، لا سيما لدى المكون الشيعي، هي رضا قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وهذه القاعدة التي بدت أنها اهتزت خلال الانتخابات النيابية الأخيرة من خلال بروز تيارات متنوعة داخل المكون الشيعي، عملت إيران بقوة لإعادة استيعاب ما جرى وإعادة الجميع إلى الحظيرة السياسية التابعة لها التي تستطيع من خلالها التحكم والسيطرة.
قاعدة الدخول إلى النادي السياسي في العراق منذ نهاية نظام حكم البعث، لا سيما لدى المكون الشيعي، هي رضا قائد فيلق القدس قاسم سليماني
هذا السلوك الإيراني تجاه العراق والذي يقوم على التدخل في العملية السياسية العراقية لا يشكل استفزازا للأميركيين. ذلك أن القيادة الإيرانية تقدم نفسها في العراق للطرف الأميركي، باعتبارها هي من يستطيع أن يوفر متطلبات الوجود الأميركي ومصالحه في العراق من دون إزعاج، في مقابل أن تتيح واشنطن لإيران إدارة التفاصيل السياسية في بغداد، ومن هذه التفاصيل تحديد أسماء رئيس الحكومة والوزراء وغيرهم، أي أن طهران تعرض على واشنطن معادلة خذوا ما تريدون من العراق، لكن عبرنا وليس عبر العراقيين مباشرة. هذا السلوك لا يبدو أن واشنطن ترفضه، لذا لم نلاحظ أي استياء من المسؤولين الأميركيين حيال أي تغيير في أسماء المسؤولين سواء كانوا قريبين من إيران أو بعيدين عنها، طالما أن سليماني لا يخل بقواعد المصالح الأميركية في العراق.
هذه المعادلة التي ساهمت في تمدد الفساد في إدارة المؤسسات العراقية، تتعرض اليوم إلى اهتزازات، خصوصا أن الاحتجاجات الشعبية والمطلبية باتت أكثر من أي وقت مضى تصوب على دور إيران كطرف حاكم في العراق، بل الحاكم الأول في هذا البلد، وقد شجعت إيران أنصارها على ممارسة كل وسائل النهب للمال العام، ولم يعترض مندوبوها على سلوك الفساد لأي مسؤول عراقي من الموالين لطهران، بل إن العقاب الإيراني يطال من يخلّ بولائه لها، لا من ينهب ويفسد الدولة العراقية ومؤسساتها ونموذج المالكي هو الأشهر وليس الوحيد من الذين حمت إيران وجودهم وحالت دون محاكمتهم رغم تورطهم في ملفات فساد، وهذا يدل على أن الاستراتيجية الإيرانية في العراق ترتكز على بقاء الدولة ضعيفة وطبقتها الحاكمة مرتبط وجودها بالحماية الإيرانية.
بقيت المراهنة العراقية في اللحظات الصعبة على دور المرجعية في النجف لأن تكون حام وداعم لمشروع الدولة، الذي لا يستقيم من دون دعم نخبة عراقية وطنية من خارج الولاءات الخارجية، ولا سيما إيران، باعتبارها الأكثر تدخلا وتحكما في العملية السياسية، وفي هذا السياق يوجه بعض السياسيين العراقيين من المعارضين للنفوذ الإيراني ملاحظات على دورها السياسي، ومنها أن المرجعية التي يمثلها علي السيستاني التي ترفض لقاء السياسيين العراقيين، وهذا موقف قد يكون فيه حكمة لعدم التورط في مواقف سياسية لا تريد المرجعية أن تدخل في ما لا تعتبره من اختصاصها، إلا أن هذه الحكمة تفقد مبرراتها عندما تلتقي المرجعية بمسؤولين إيرانيين، أمنيين وغير أمنيين، لمناقشتهم في قضايا عراقية داخلية، وهذا ما أعلن جهارا قبل عشرة أيام من قبل الموقع الرسمي للمرجعية عن لقاء مع مندوب إيراني.
فلقاء مسؤولين إيرانيين ومقاطعة مسؤولين عراقيين أليس احتقارا للعراقيين؟ كما يتساءل أحد السياسيين العراقيين ويضيف “علما أن المسؤولين الإيرانيين الأمنيين الذين يلتقون المرجعية هم معروفون بأنهم يتدخلون في تفاصيل عمل الدولة العراقية من دون أن يستمعوا أو يستفهموا من مسؤوليها”.
ويغمز المسؤول العراقي من قناة المرجعية أن “العتبات المقدسة في العراق التي يديرها محيطون بالمرجعية والتي تدر مليارات الدولارات يتم تمويلها من الدولة العراقية، من دون أن يُسمح لوزارة المالية أو للأوقاف مثلا التدقيق بإيرادات العتبات ومصاريفها”،
جذب “المرجعية” نحو مجاراة الموقف الإيراني في العراق، برز من خلال معاقبة كل من حاول الخروج على وصاية الدولة الجارة لحساب تعزيز مشروع الدولة ومؤسساتها، ومن هنا فإن ما أراده سليماني من المرجعية لاستكمال عملية القبض على السلطة في العراق، هو استبعاد كل من كان رئيسا للحكومة وليس كل من كان متورطا بالفساد، فعادل عبدالمهدي الذي تردد أنه مرشح يحظى برضا المرجعية، هو الملقب بـ”عادل الزوية” بسبب فضيحة سرقة مصرف الرافدين في منطقة الزوية في بغداد والتي قام بها حرسه عام 2007 وتسببت بمجزرة قتل خلالها أحد عشر فردا من حراس المصرف وشرطة بغداد، هو نفسه من الذين تحوم حولهم شبهات الفساد في الوزارات “الدسمة” التي تقلدها في عهد حكومات المالكي وأهمها وزارتي المالية والنفط.
أما النائب فالح الفياض الذي أقاله العبادي من رئاسة الأمن الوطني والحشد الشعبي والذي تتبناه إيران كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة، فميزته الوحيدة أنه تابع لإيران وصديق للنظام السوري.
وكذلك هادي العامري وزير النقل السابق وزعيم “منظمة بدر” التي تتزعم الحشد الشعبي المدعوم من إيران، فإن فساده كوزير نقل أيام حكم المالكي وسوء استغلاله للسلطة لا يزال شاهدا على إنجازاته، ومنها فضيحة أمر مطار بغداد لطائرة الركاب اللبنانية في مارس 2014 بالعودة إلى بيروت لنقل نجل العامري الذي تأخر عن موعد إقلاع الطائرة في العاصمة اللبنانية، وقد ترافق هذا الحادث مع ذهول عالمي كشف حجم الفساد في المرافق التابعة لوزارته، واستهانته بمشاعر ومصالح العراقيين واللبنانيين معا.
فهل تنطبق شروط المرجعية التي تريد “وجوها جديدة” على ترشيح الوزراء والمسؤولين السابقين عادل عبدالمهدي وفالح الفياض وهادي العامري، أم أن تلك الشروط لا تنطبق إلا على رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لأنه بات رمزا لتحرير العراق واستقلال قراره السياسي؟
2 قراءة في أحداث العراق الأخيرة
حسين التتان الوطن البحرينية
نحن نأسف كل الأسف للأحداث الأخيرة التي ضربت محافظة البصرة بالجمهورية العراقية. إن الأحداث التي نتحدث عنها هنا لم تك وليدة اللحظة وإنما هي بسبب تراكمات سلوك الحكومة العراقية عبر أكثر من عقد من الزمن حين أهملت متطلبات الشعب العراقي وانشغلت بصراعات سياسية هامشية.
الأهم من كل ذلك هو انخراط وتورط غالبية المسؤولين العراقيين الكبار في قضايا فساد مالية وإدارية أزكمت أنوف العالم وليس العراقيين فقط، وبسبب هذا الفساد وتراكم الثروات في جيوب بعض النخب السياسية والدينية في العراق انتفض الشعب العراقي مطالباً بتحسين وضعه المعيشي، خاصة وهو يرى تردي أوضاعه الحياتية والاقتصادية أمام عينيه مقابل تمتع الساسة بكل الامتيازات الأخرى.
إن الحكومة التي لم تستطع توفير لقمة العيش لمواطنيها ولم تقدر على توفير الماء الصالح للشرب لهم فهي وبكل تأكيد سوف تكون غير صالحة للحكم. إن العراق الكبير يحتاج لإدارة واعية بمتطلبات المرحلة، كما يحتاج لرجالات دولة تتلمس هموم المواطن العراقي، هذا ناهيك عن تخبط الكثير منهم في إدارة الشؤون الخارجية للدولة العراقية بطريقة كارثية.
حين يتقاسم الحكم في العراق بين جهات أجنبية وجهات داخلية فاسدة فلا نستغرب وقتها عدم استطاعة الحكومة العراقية توفير الماء الصالح للشرب لمحافظة البصرة، وهذا أقل الأدلة وأوضحها على هشاشة الحكومة الحالية التي عجزت حتى الآن عن توفير الحياة الكريمة للمواطنين العراقيين في وقت يشاهد المواطن فيه مليارات الدولارات وهي تتسرب من خزانة الدولة لجيوب «الحرامية»، حينها سيكون من الطبيعي عدم قبول المواطن العراقي الغيور بهذه المهزلة والسرقة لأعظم البلدان العربية صاحبة الحضارة والتاريخ والثروة.
إن أحداث البصرة هي الريح التي كشفت عورات الحكم في العراق، كما أن تعامل السلطة هناك مع المتظاهرين بكل شراسة حتى سقط منهم من سقط وجرح منهم من جرح يعطينا مؤشراً على سوء إدارة الحكم للأزمات المحلية. كما تعطينا الأحداث الأخيرة بعض العلامات الصريحة على أن هناك أكثر من جهة تدير هذا البلد الممزق أصلاً، إضافة للبصمات الواضحة التي تركتها بعض الأيادي الخارجية في أحداث العراق الأخيرة وتوجيهها بالطريقة التي تخدم مصالح تلكم الجهات.
نصيحتنا للحكومة العراقية أن تتعامل مع أزماتها الداخلية بطريقة مستقلة، وأن تستمع لصوت العراقيين بدل ضربهم بالرصاص الحي حين يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية، وأن تتعامل مع أزماتها الخارجية من منطلق حسن الجوار والتعاون مع بقية الدول العربية لأجل استقرار بلد عربي عزيز على قلوبنا جميعاً.
3 أحزاب العراق ولبنان والحركة الدستورية والصبيح أحمد يعقوب باقر الجريدة الاردنية
في الدول المتقدمة تتنافس الأحزاب وتتعاون في الوقت نفسه لتحقيق مصلحة الوطن لا مصلحة الطائفة أو العشيرة أو الأصل أو الفصل، وهذا من أسباب نجاح تلك الدول وتقدمها، فالوطن هو الحاوية للنفوس والأعراض والأموال والأجيال. مؤسفة أخبار تشكيل الحكومة في العراق ولبنان، حيث تُمارس الأحزاب الطائفية والعشائرية والأممية الدور الأكبر في العمل السياسي، مما أدى إلى وضع مقزز تسوده المصالح الضيقة والتفرق والتخلف على كل المستويات. وكلما شاهدت اجتماعات هذه الأحزاب السابقة لتشكيل الحكومة في التلفاز تذكرت الفقرات الرائعة في المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي وهي تشرح لماذا اختار الآباء المؤسسون للدستور النظام الوسط بين الرئاسي والبرلماني، فقد فقالت المذكرة في نقد النظام البرلماني الذي تُشكَّل فيه الحكومة من الأحزاب في البرلمان: “ولعل بيت الداء في النظام البرلماني يكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية أمام البرلمان، فهذه المسوؤلية هي التي يُخشى أن تجعل من الحكم هدفاً لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب”.وهذا ما يحدث بالضبط في هذه الدول التي أفسدتها الأحزاب الطائفية والعشائرية والمتهمة بالتبعية لأمم أخرى، فبات تشكيل الحكومة عبارة عن صراع تضيع معه مصلحة الوطن والمواطن. أما في الدول المتقدمة فتتنافس الأحزاب وتتعاون في الوقت نفسه لتحقيق مصلحة الوطن لا مصلحة الطائفة أو العشيرة أو الأصل أو الفصل، وهذا من أسباب نجاح تلك الدول وتقدمها، فالوطن هو الحاوية للنفوس والأعراض والأموال والأجيال، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “من قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتِل دون حرِمه فهو شهيد”، فإذا ضاع الوطن ضاعت جميع هذه الضرورات.
وفي مختلف دول العالم فشلت الأحزاب الأممية عندما قدمت مواقف وتوجهات الحزب الأممي على مصلحة الوطن، ففي الخمسينيات والستينيات كانت الأحزاب الشيوعية تعتبر الاتحاد السوفياتي هو الوطن الأم للبروليتاريا الدولية، ولكن سرعان ما تخلت الاحزاب الشيوعية عن تبعيتها للاتحاد السوفياتي عندما طُلب منها الوقوف ضد أوطانها في الحرب الهندية الصينية وفي إيطاليا وفي أماكن أخرى من العالم، وعندما طلب الحزب الشيوعي الإسرائيلي من الشيوعيين الفلسطينيين الانضمام إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي بدلاً من الوقوف مع الإقطاعي أمين الحسيني (بزعمهم) رفض الفلسطينيون هذا العرض فتغلب أيضاً الشعور الوطني على الأممي. وأخيراً نأتي إلى الإخوان المسلمين في الكويت الذين تخلوا، حسب لقاء د. عادل الصبيح مع “الصندوق الأسود”، عن تبعيتهم الأممية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بعد الموقف السيئ لهذا التنظيم من احتلال الكويت، وأعلنوا إنشاء الحركة الدستورية، وأنا أعلم أن كثيراً من المتابعين لا يصدقون هذا الإعلان، ولكنه في حد ذاته يؤكد أن الانتماء الأممي لا يمكن الدفاع عنه إذا ما تعارض مع الانتماء الوطني.
والخلاصة أننا يجب أن نتعظ من تجارب الدول التي فشلت من حولنا، ولنحذر من قذف بلادنا في صراعات أحزاب طائفية أو عشائرية أو أممية فتضيع مصلحة الوطن.
4 هل قتل صدام الوزير الجزائري؟ عبد الرحمن الراشد الشّرق الأوسط السعودية
من سنوات قليلة فقط فتح الحديث عن مقتل وزير الخارجية الجزائري محمد الصديق بن يحيى، الذي أسقطت طائرته في منطقة كردية بين العراق وإيران وتركيا قبل 36 عاماً. كشف أنه حادث متعمد، وأن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين هو الفاعل. مصدر المعلومة كان صالح قوجيل، وزير النقل الجزائري الأسبق، والأهم أنه الذي تولى رئاسة لجنة التحقيق من الجانب الجزائري.
لكن الصدمة أكبر عندما أكدها قبل أيام خالد نزار، وزير الدفاع الأسبق ورجل الجيش القوي لفترة طويلة. لقد مرّت ثلاثة عقود ونصف العقد على تلك الحادثة، وخرج من المسرح والحياة، تقريباً، كل الأطراف ذات العلاقة، وبالتالي لا يوجد سبب للتشكيك في الرواية الجديدة. الجنرال المتقاعد، نزار، لا يجرم فقط صدام بل يتهم أيضا الرئيس الجزائري، حينها، الشاذلي بن جديد، بأنه أمر بالصمت والتستر على المعلومات الخطيرة التي تشير إلى تورط السلطات العراقية.
والرئيس بن جديد لم يكن محبوباً من العسكر، فقد كانوا يرونه مسؤولاً عن الفشل والفوضى، وتم عزله في أوائل التسعينات عندما سمح للإسلاميين المتطرفين بالنشاط السياسي ورافقه صعود جهاديين مثل بلحاج.
طائرة بو يحيى، كانت تقل أيضا 14 شخصاً ماتوا معه، واستهدفت بعد أن غادرت الحدود العراقية بمسافة قصيرة. وبحسب رئيس لجنة التحقيق الجزائرية، فقد عثروا في الحطام على بقايا الصاروخ الذي فجر الطائرة، وهو صناعة روسية، ورقمه التسلسلي يعود لمشتريات القوات العراقية. المعلومات المتوفرة كانت كافية للقول بأن في العراق من أطلق الصاروخ وأسقط الطائرة. وهناك بالطبع فرضية أنه حادث عرضي، أطلق بطريق الخطأ، إلا أن فظاظة صدام لم تعط الجزائريين فرصة للسؤال والبحث. وعندما زارهم صدام في الجزائر بعد فترة قصيرة من الحادثة لم تجرؤ السلطات على فتح الموضوع معه، بحجة أنه كان ضيفاً على البلاد. ثم أرسلوا وزير النقل إلى بغداد، وهو الآخر لم يجرؤ على مناقشة صدام؛ فقط سلمه ملف التحقيق في الحادث الذي يشير إلى أن العراق متهم بقتل الوزير. وكل ما تفوه به صدام للوزير: «عليكم أن تحسنوا العلاقات مع العراق»، وكأنه يقول مهدداً، نعم قتلته!
السؤال الأهم، لماذا يقتل صدام الوسيط الذي قبل وساطته لإنهاء الحرب بين العراق وإيران عام 1982، وقد مضى حينها على حرب الثماني سنوات، أقل من عامين؟ كان ينظر إلى الجزائر بريبة. فهي التي أنجزت اتفاق الخلاف الحدودي مع حكومة الشاه في السبعينات، الاتفاق الذي مزقه صدام عندما انقلب على أحمد حسن البكر، وأعلن الحرب على إيران، بعد سقوط الشاه وتسلم الخميني السلطة. ورأى صدام أن الجزائر كانت الوسيط الوحيد الذي نجح في إقناع الإيرانيين بالإفراج عن رهائن السفارة الأميركية. مع هذا لم يكن صدام مضطرا لقتل بن يحيى، حيث كان بمقدوره أن يرفض وساطته، لكن من يعرف الرئيس العراقي الأسبق يدرك أن هذه بصمته وطريقته في إرسال الرسائل إلى خصومه.
فقد اشتهر بحبه للعنف، وقتل المئات من رفاقه، ومن أقاربه، ومن أبناء عشيرته، ومدينته تكريت والآلاف غيرهم. قتل عدنان خير الله وزير دفاعه وابن خاله في حادث طائرة، وزوجي ابنتيه، ومحافظ بغداد الذي قلّده وسام الرافدين وأعدمه بعدها بأشهر، والعديد من وزرائه ورفاقه من قيادات الحزب بتهم مختلفة. لقد كان شخصاً مرعباً للحكومات والأفراد.
إنما لم تدوم الأمور وفق رغبات وخطط صدام، فبعد أشهر من إسقاط طائرة بن يحيى، بدأ يخسر المعارك مع الإيرانيين الذين تمكنوا من استرداد المناطق التي خسروها ودخلوا إلى جنوب العراق. وسارع صدام حينها يكرر دعواته لوقف الحرب، ويحث على الوساطات، معلناً استعداده للمصالحة والعودة لاتفاق الجزائر الذي مزقه، لكن الحرب استمرت ست سنوات أخرى بعد مقتل الوسيط بن يحيى.
5 الفيروس الإيراني في التشيع العربي جاسر الحربش الجزيرة السعودية
ما نعاني منه اليوم بعد الغزو الثلاثي للعراق وتدميره هو تمكن الفيروس الإيراني من السيطرة على التشيع العربي ومراجعه ومراقده، مما ساعد في انتشار الفيروس إلى سوريا ولبنان واليمن والبحرين وإلى حد ما إلى الكويت والسعودية.
التخلف الفكري والعلمي يضغط على المسلمين وتسارع العلوم الحديثة والمنافسة والتجديد في العالم تضغط كذلك، ولم يعد الزمن يسمح بتضييع الوقت على طاعة وتجارة المذاهب والطوائف والقبائل، ولعل أحداث البصرة الأخيرة تكون البداية لاستعادة العراق مكانه الحضاري التاريخي الصحيح.
حسب الوضع الحالي في العراق، جنود الجيش العراقي والحشود الشعبية والفيالق الشيعية يبدؤون كلهم طوابير الصباح بالبكائيات واللطميات وخبط الصدور وينهون مساءهم بنفس الطقوس. إن في ذلك دلالة على أن الفيروس الإيراني تغلغل في دماء السياسة العراقية. لم يكن هذا حال العراق عبر تاريخه الطويل حتى داخلته عدوى الولي الفقيه وتمكنت من مرجعياته وعتباته ومراقده. التشيع المذهبي في أصوله عربي سياسي اختلطت فيه الأطماع الشخصية والقبلية بالغلو الطقوسي وفوضى الخروج على الإجماع، ثم اختطفته شعوبية الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام إما متعايشين مسالمين، أو مرجئين كامنين بانتظار فرصة للوثوب والإجهاز.
تتكرر في المؤلفات والتصانيف الشيعية عن تاريخ العراق القديم ادعاءات قد استنكرتها منذ بداياتها مؤلفات وتصانيف السنة، ومنها فرية لعن الإمام على بن أبي طالب -رضي الله عنه- على منابر السنة وتأمين المصلين السنة على ذلك. كل منصف من الشيعة العرب أمكنه التعرف على المذهب السني وأهله عن معايشة وقرب يدرك أن لعن أي واحد من الخلفاء الأربعة يعتبر كفراً صريحاً يخرج اللاعن من الملة ويوجب كف لسانه وتعزيره، ولا فرق بين عمر وعلي ولا أبي بكر وعثمان.
في التاريخ العراقي الحديث لفترة حكم البعث مورس ترويج في الوسط السياسي الشيعي ومراجعه الدينية، يدعي أن طغيان حزب البعث كان موجهاً بالأساس ضد الشيعة، وأن السنة العراقيين كانوا أدواته الميدانية التنفيذية. هذا الادعاء لا يستحق سوى القول إنه كذب خسيس مع سبق الإصرار. القبضة الأمنية التنكيلية التي مارسها حزب البعث أصابت بالتساوي كل معارض بالقول أو الفعل من السنة والشيعة والكرد والتركمان. على المستوى الشعبي أيام البعث كان البيت العراقي يتعايش فيه السنة والشيعة في أسرة واحدة.
وللتذكير: العداء المذهبي السني الصريح والمعلن للهوية العربية كانتماء تاريخي عداء حديث بدأ مع تنظيم الإخوان المسلمين في الربع الأول من القرن العشرين ومن تفرعاته الحركية الجهادية الإرهابية. كل دولة قطرية عربية تحاول حسب إمكاناتها القضاء على هذا التنظيم وتحييد مخرجاته الإقصائية في مجتمعها الخاص. من هنا يأتي السؤال عن الطرف المذهبي الآخر، متى بدأ فيه الجفاء المذهبي للانتماء العربي والتحالف مع الجار الخارجي؟. هل تلك ظاهرة حديثة سببها حزب البعث، أم أنها بدأت من أيام استعانة الفرع الهاشمي العباسي بالفرس على الفرع الهاشمي الأموي، ثم تمت مكافأة الفرس بالوزارات والدواوين فكان ما كان حتى اليوم؟.
أتمنى على كل عربي وعربية من المذهب الشيعي تربى على خرافة العداء التاريخي من الطرف العربي السني إزاء الطرف العربي الشيعي أن يعيد قراءة التاريخ المحايد في مراجعه المختلفة ما عدا الإيرانية، ثم يقرر كيف يربي أولاده للمستقبل.
6 الذكريات والمسؤولية ! زهير ماجد
الوطن العمانية
من جملة ما كرره شاعرنا العربي العراقي محمد مهدي الجواهري هذا البيت من الشعر الذي يقول فيه “لم يبق عندي مايبتزه الالم/ حسبي من الملمات الهم والهرم”. لكني حين سألته وهو في الخامسة والتسعين من العمر، ماذا يؤلمك اكثر في هذه الايام رد فورا “الذكريات”.
هل صحيح انها تؤلم الى هذا الحد كلما انفتح بابها وابتدأت تداعياتها. اظن انه محق لأننا جميعا نعوم على ذكريات وخصوصا كلما تقدم بنا العمر، واكثر تخصيصا من هم في مواقع مؤثرة تتجمع لديهم اشياء واشياء مما يسمع ومما يتحدث. ومما يقرأ ويطلع على خصوصيات.
قال لي الجواهري احسد من هم في مواقع التأثير في الحياة، لايمكن لأية بنية قوية الا ان تتأثر .. كم تأملنا مثلا قادة كبارا وظننا ان بنيتهم الجسدية لن تتأثر او ستتحمل الاعباء الجسام التي يحملها. عندما التقى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو بكاتب اميركي معروف نسيت اسمه بعد خمس عشرة سنة من اللقاء الاول بينهما، وجده معافى ولم يتبدل فيه لاقامة ولا شكلا، فسأله من المؤكد انك تمارس الرياضة، فرد عليه اكثر ما أكره هو الرياضة التي لا امارسها على الاطلاق، اذن ما الذي يجعلك شابا حتى الآن سأله كاسترو، فأجاب عقلي مصفح ضد الخارج. نظر كاسترو الى وجهه في المرآة فرأى رجلا برزت على وجهه علامات الكبر، ثم ان جسده لم يعد ذاك الجسد الذي كان.
الذكريات اذن هم الكبير كلما تقدم به السن، فإذا اضيفت المسؤولية كما يقول علم النفس، لا يبقى من المرء سوى ان ينتظر متاعب جسده .. فنحن مثلا لا نعرف ماذا يجري في بيوت القادة، وكيف هي حياتهم، خاصة اولئك الذين تعايشوا مع الأحداث الجسام وتحملوا مصير وطنهم بأعصابهم الحامية وليس بعقل بارد كما كان كيسنجر الذي يبدو ان عقله البارد اوصله إلى المائة عام، فيما لم يتجاوز الرئيس السوري حافظ الاسد السبعين، وعبد الناصر الثانية والخمسين، ومن نراهم على الشاشات يمارسون خضورا مميزا، لا ندري ماذا يختبئ في اجسادهم، خصوصا وانهم في مواقع التراكم المعلوماتي الذي ينوء تحته الجسد مهما كان قويا. اعرف مثلا ان احد السياسيين كان يرمي كلامه شمالا ويمينا، فلما اجتمع مع مسؤول اكبر ومؤثر اخبره ان العمل السياسي يحتاج الى كتم ما نعرف وما نفكر واذا لا تستطيع ذلك فما عليك سوى العمل بالتجارة وهذا الانسب لك، ثم اردف قائلا، اقل الأمراض التي نعانيها هي السكري ووجع القلب من جراء المسؤولية والتراكم المعلوماتي التي تطن دائما كذكريات لا تنسى.
اذا كان الأمر كذلك، فكم كان المتنبي متحررا من كل قيد سلطوي واجتماعي وانساني حين قال ” انام ملء جفوني عن شواردها / ويسهر الخلق جراها ويختصم”. من لديه هذه القدرة على ممارسة ” المتنبوية ” سيقول ما قاله زهير بن ابي سلمي بان ” سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا ابالك يسأم”.
ومع هذا فنحن ضيوف على الكرة الارضية، بعضنا يرضى بما قسم له، والبعض تستفزه المسؤولية فيقع في اخطبوطها، ثم يمشي به الزمان فإذا هو مجرد ذاكرة تتحرك، كلما طردها طاردته، وكلما نسيها نقرت على دماغه فيجبر بفتح الباب لها، أليست هي هو وهو هي في النهاية.