لم تحدث منذ سنوات!17 مقالا عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 البصرة: تدخل أمريكي أم صراع شيعي ـ شيعي؟ هيفاء زنكنة
القدس العربي

انتفاضة البصرة هي الحدث الاول الذي يشغل بال العراقيين الآن. فهي المركز الذي تقع على هامشه بقية الاحداث، منذ اندلاعها في 11 تموز/ يوليو للمطالبة بتوفير الخدمات وأهمها الماء الصالح للشرب والكهرباء، وتمثلت الاستجابة الاولية باطلاق النار على المتظاهرين مما ادى الى مقتل 12 متظاهرا واصابة العشرات.
غطت الانتفاضة، مع ازدياد عدد شهدائها وجرحاها، ومع انتشار الاصابة بالتسمم جراء تلوث مياه الشرب، على العديد من الامور المهمة التي تمكن الساسة من تمريرها، في غفلة من الناس المنشغلين بالمطالبة بايجاد حل آني، سريع، لانقاذ حياتهم وحياة عوائلهم. وبينما كان المتظاهرون والمعتصمون يواصلون الاحتجاجات، ويشعلون فتيل الغضب العارم، بمدينة البصرة وضواحيها، تمكنت الاحزاب وميليشياتها من تمرير نتائج الانتخابات المزورة ومأسسة هيكلية غريبة لنمط الحكومة المقبلة. فالمعروف، عادة، ان الاحزاب تؤسس منظمات وميليشيات كأذرع وملحقات تابعة لها، مهمتها تنفيذ سياستها، بشكل غير مباشر. الا ان الوضع الحالي، بالعراق، يشهد تغييرا جوهريا في هيكلية الاحزاب والميليشيات، انقلبت فيه الآية فأصبح الحزب ذراعا للميليشيا، يأتمر بأمرها، ويسير وفق ولائها لمن يزودها بالمال والسلاح.
ان التكهن بما ستقود اليه انتفاضة البصرة صعب، خاصة، ونحن نستعيد كيف تعاملت حكومة حزب الدعوة الإسلامي، برئاسة نوري المالكي، مع متظاهري الفلوجة والرمادي وعموم الانبار والموصل، حين تم قصفهم بالبراميل الحارقة. كما نستعيد التعامل الوحشي مع متظاهري ساحة التحرير، ببغداد حين تم اعتقال وتعذيب وقتل العديد منهم. وكانت النتيجة، أينما خرج المواطنون للمطالبة بحقوقهم، استغلال دماء الشهداء من قبل جهات في العملية السياسية تتبنى إعلاميا هذا الحراك الشعبي كالتيار الصدري وعشائر المحافظات الغربية، للمقايضة بمناصب ومحاصصة سياسية وعقود نفط وسلاح.
الا ان صعوبة التكهن بما سيحدث لا يمنع من رؤية ما حققته الانتفاضة حتى اليوم. وهي انجازات بالغة الاهمية. الانجاز الاول هو التخلص من «المقدس» والتبعية له، سواء كان رمزا دينيا طائفيا عراقيا او إيرانيا، حيث مزق المتظاهرون غشاء القدسية وحرقوا صور وهياكل التبعية الطائفية. الانجاز الثاني هو كسر حاجز الخوف من الاحزاب والميليشيات التي تتخذ من طائفية الدين عباءة ترتديها وعمامة تمنحها «العصمة» لارتكاب ما تشاء ضد بقية البشر. فأحرقت مقرات ميليشيات «منظمة بدر» و«حركة إرادة» و«عصائب أهل الحق»، و«حركة النجباء» و«انصار الله الأوفياء» و«كتائب حزب الله» و«سرايا الخرساني» بالاضافة الى مقرات «حزب الدعوة» و«حزب الفضيلة» و«المجلس الأعلى».
الانجاز الثالث هو اجبارها كافة قادة الميليشيات والأحزاب ورجال الأعمال على الهرولة الى استديوهاتهم (فلكل ميليشيا قناتها التلفزيونية ولكل رجل اعمال قناته) اولا لادانة الفساد، وان كانوا هم أنفسهم أجنة رحم الفساد وثانيا لتقديم أنفسهم كشخصيات نزيهة، غير طائفية، تبذل جهدها لخدمة المواطنين. هنا اكتسبت الانتفاضة خواص الكلور المعقم ولو الى حين. ولها يعود الفضل في تغيير الخطاب والمواقف. وهنا يأتي دور الانجاز الرابع للانتفاضة الذي أجبر المرجعية، التي كانت سعيدة بالقاء موعظة اسبوعية على الملأ عبر وكلائها، ان تسارع، بعد حرق صورها، الى ارسال وكيلها السيد الصافي، يوم الجمعة الماضي، مؤكداً أن «السيد السيستاني أمرنا بشراء مضخات المياه من أموال المرجعية الدينية العليا». مع العلم ان «اموال المرجعية الدينية» مستخلصة من ابناء الطائفة ومنهم المتظاهرون انفسهم، وكان من الواجب صرفها عليهم، بدون منية، وقبل ان يدفعوا حياة ابنائهم ثمنا لها.
الانجاز الخامس هو إبلاغ الميليشيات واحزابها الفاسدة بان استخدامها السلاح الطائفي الذي طوق رقاب الشباب بنير الدولارات الشهرية المغموسة بقدسية الطائفة والترهيب من «الآخر» لم يعد بذات الفاعلية السابقة. مما جعلها تعمق اتهاماتها بالإرهاب والاندساس من قبل قوى خارجية، وتلويث صورة المتظاهرين اعلاميا. صارت النبرة الاعلى هي تخويف اهل البصرة من «المندسين» وما سيجلبونه على اهل البصرة «المعروفين بطيبتهم». محاولين بذلك عزل المتظاهرين عن بقية السكان وترسيخ صورتهم كغرباء. وهو اسلوب استعماري قديم، غالبا ما يستخدم لاشاعة التفرقة واضعاف الحركات الثورية والانتفاضات الشعبية. هكذا، فجأة، وبعد 15 عاما، من حكم الاحزاب الطائفية التي تدعي تمثيل أهل البصرة، ومع عدم تنفيذ أي انجاز يضع حدا للذل اليومي لاهل مدينة النفط، أصبح كل الساسة والميليشيات يتسارعون للتباهي بانتمائهم الى أهل البصرة ووجوب مساعدتهم.
مقابل هذه الانجازات تصاعدت، حملة الساسة وقادة الميليشيات باضفاء طابع الوطنية على انفسهم، وربط المتظاهرين بأجندات خارجية غير وطنية. فكثر المحذرون من التدخل الأمريكي على الرغم من الوجود الأمريكي الدائم المتمثل بما يزيد على 7000 «استشاري ومدرب»، باستثناء المتعاقدين الأمنيين والمرتزقة، حسب اعلان البنتاغون في الأسبوع الماضي، بانهم سيبقون الى ان «يستقر الأمن»، ولا يحتاج قرار بقائهم موافقة البرلمان لأنه ينفذ وفق المعاهدة الاستراتيجية.
هناك، أيضا، متبرعون بالتخويف من الاحتلال الإيراني، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع ان العراق محتل إيرانيا وانه ورقة تستخدمها إيران لتسوية نزاعها مع أمريكا. وتنبري جهة ثالثة للتخويف من التدخل التركي واقامتها معسكرات تدريب بعثية لقلب النظام «الديمقراطي». في ذات الوقت الذي تقصف فيه تركيا شمال العراق وتتدخل، متى شاءت، بحجة حماية أمنها من « الإرهابيين» الاكراد.
وأصدرت قيادة مليشيا الحشد الشعبي بيانا باسم «حركة النجباء»، يوم 9 سبتمبر، وصفت فيه ما جرى بانه «ليلة فتنة سوداء هدفها حل الحشد» متهمة القنصلية الأمريكية، بالبصرة، بادارة الاحداث وسقوط القتلى والجرحى. وان المليشيا لديها «الادلة القطعية بان القنصلية تدير الاحداث منذ عام 2013» وان ما تريده «هو اظهار صراع شيعي شيعي»، وهددت المليشيا بانها ستعمل «بحزم لإيقاف أي تآمر».
وبطبيعة الحال، ليس من المستبعد وجود تدخل أمريكي ضمن صراعها القائم مع إيران، لا في البصرة فقط بل في جميع ارجاء العراق، الا ان هلوسة الحشد تثير تساؤلات عديدة، اهمها لماذا لم يثر الحشد مسألة التدخل الأمريكي قبل الآن خاصة وانه يدعي قيامها بذلك منذ خمسة أعوام؟ هل سكت الحشد لأنه كان متعاونا مع أمريكا تحت مظلة «التحرير»؟
ان مظاهرات واعتصامات اهل البصرة ومن قبلهم الفلوجة وبغداد وكربلاء، وكل المدن العراقية، على مر سنوات الاحتلال، ودفعهم الثمن غاليا، هي وجه آخر من أوجه المقاومة والتغيير العضوي المنبثق من داخل البلد نفسه، في مسيرة تحقيق الاستقلال الوطني ـ الاقتصادي، الشامل لكل المواطنين، بعيدا عن التقسيم الديني والطائفي والعرقي. ومع ادراكنا انها، قد لا تؤدي الى تحقيق ذلك كله في المستقبل القريب، الا انها، بالتأكيد، سببت من التغيير ما يعيق عودة الاوضاع الى سابق عهدها.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 ما الذي يجري في العراق؟
فاروق يوسف
العرب بريطانيا

لم تقدّر الأحزاب الحاكمة في بغداد ما تنطوي عليه احتجاجات البصرة من أخطار على وجودها في السلطة إلا بعد أن تمّ حرق القنصلية الإيرانية.
ضربة قوية
ليس في العراق ما يدعو إلى الاطمئنان إلى مصيره. على السطح هناك دولة فاشلة لا تقوى على القيام بوظيفتها في تصريف شؤون مواطنيها بطريقة عادلة، وتحت السطح هناك أحزاب دأبت منذ خمس عشرة سنة على رعاية مصالحها بعد أن أتيحت لها فرصة السيطرة بشكل مطلق على ثروات البلد لتعتبرها بمثابة تعويضات عن سنوات الإقصاء من السلطة.
لقد علا منسوب الفساد ليرافقه انخفاض لافت في مستوى الخدمات التي صارت تلتهم ما تبقى من البنية التحتية المهدمة حتى وصلا بها إلى مرحلة الاندثار النهائي، فظهرت الفضيحة جلية من خلال ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وانقطاع التيار الكهربائي وتدهور الأوضاع الصحية وانهيار نظام التعليم والعجز عن توفير المياه الصالحة للشرب.
لم تقع تلك الكوارث مجتمعة إلا بسبب الغياب الكلي لمشاريع التنمية. إذ اعتمدت الدولة الجديدة التي اخترعها المحتل الأميركي بما يناسبه من مقاسات على ما ورثته من الدولة التي تم إسقاطها من إنجازات على مستوى البنية التحتية ولم تهتمّ بتحديث تلك البنية، بما يحفظ قدرتها على تلبية حاجات المجتمع الذي لم يكن متطلبا ولا استهلاكيا.
كان الإجهاز على البنية التحتية في بلد مرت عليه حروب عديدة متوقعا، وهو ما لم تنظر إليه الأحزاب الحاكمة في العراق بطريقة جادة، ولم تكن ترى في عواقبه ما يمكن أن يشكل خطرا على استمرار وجودها في السلطة. فهي مطمئنة إلى أن ذلك الوجود مكفول من قبل الولايات المتحدة التي لم تظهر استياءها من قبل في وجه الحماية الإيرانية التي تمتعت بها تلك الأحزاب التي أعفت نفسها من المساءلة القانونية.
لقد تصور رعاة الفساد أن انهيار البنية التحتية لا يمكن أن يهدد دولتهم الفاشلة بالانهيار. وهو تصوّر لم يكن في محله. فبقدر ما يكشف ذلك التصوّر عن سذاجة سياسية، فإنه يؤكد تمكّن الطمع من أولئك الفاسدين بما أصابهم بالعمى الذي حال بينهم وبين رؤية الشعب بحجمه الحقيقي. كان الشعب بالنسبة لهم مجرد حشود قطيعية يمشون بها في المسيرات الجنائزية التي صارت بمثابة مواعيد لإذكاء نار الفتنة الطائفية.
الشعب الذي قال كلمته من خلال حرق القنصلية الإيرانية بعلمها سيكون قادرا على نسف العملية السياسية التي يستظل بها الفاسدون الذين اكتشفوا مضطرين أن الخطوط الحمراء التي رسموها من أجل بقائهم في السلطة قد تمّ تجاوزها من قبل الشعب
لذلك لم تقدّر الأحزاب الحاكمة في بغداد ما تنطوي عليه احتجاجات البصرة من أخطار على وجودها في السلطة إلا بعد أن تمّ حرق القنصلية الإيرانية. وهو حدث مفصلي لا على مستوى تعبير الشعب العراقي عن رفضه للهيمنة الإيرانية فحسب، بل أيضا على مستوى قطيعته مع إملاءات الأحزاب الحاكمة التي سخرت الطقوس الدينية في خدمة مشاريعها المناهضة لكل مقومات الحياة.
كان حرق القنصلية الإيرانية بمثابة صفعة وجهها شباب البصرة للطبقة السياسية في بغداد التي كانت منغمسة في إعادة توزيع الحصص بين أفرادها، تمهيدا للاستمرار في حكم العراق لأربع سنوات قادمة، ستكون حاضنة لأنواع جديدة من الفساد.
لقد أربك الشباب المحتجون المعادلة التي كانت قائمة على طرفين يغذي أحدهما الآخر بأسباب بقائه. دولة فاشلة لا شأن لها بوظيفتها في خدمة مواطنيها من جهة. ومن جهة أخرى أحزاب متنفذة، صارت على خبرة بطرق ووسائل نهب ثروات العراق، بما لا يسمح بخروج دولار أميركي واحد إلى مناطق لا تقع تحت نفوذها.
تلك المعادلة صارت جزءا من الماضي. فالشعب الذي قال كلمته من خلال حرق القنصلية الإيرانية بعلمها سيكون قادرا على نسف العملية السياسية التي يستظل بها الفاسدون الذين اكتشفوا مضطرين أن الخطوط الحمراء التي رسموها من أجل بقائهم في السلطة قد تمّ تجاوزها من قبل الشعب.
ما يجري في العراق هو انعكاس للخلخلة التي أحدثتها احتجاجات الشباب في البصرة. كانت الضربة قوية بما أدّت إلى أن يتخلى البعض عمن كان يعتبره سندا له في مستقبله. صار كل فريق يفكر في نجاته بعيدا عن الأطراف الأخرى. لذلك انتهت العملية السياسية إلى طريق مسدود.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 البصرة تدفع ثمن التقارب العربي مع العراق
حامد الكيلاني العرب بريطانيا

إيران بنظامها الإرهابي قررت كعادتها الانتقام والثأر من كل ما هو عربي ورافض لمشروع ربط البصرة والعراق تماما بالمشروع الإيراني.
طهران تتعامل مع النظام السياسي في العراق بواقعية الاحتلال
مجلس الشورى الإيراني استخدم مفردة “يجب” في مقدمة قرار أصدره لمعاقبة من وصفهم بـ”المخربين” الذين أقدموا على إحراق القنصلية الإيرانية خلال الاحتجاجات الغاضبة لجماهير البصرة؛ أما لماذا نطلق على التصريح أو البيان الصادر عن مجلس الشورى صفة القرار، فلأن المضمون موجه بصيغة الأمر إلى جهة تنفيذية.
مؤكد أن الجهة التنفيذية المعنية ليست وزارة الخارجية الإيرانية بوظيفتها الدبلوماسية الظريفة مع وزارة خارجية العراق؛ فمهمات من هذا النوع بين الدول تتطلب العديد من الإجراءات وتوزيع الصلاحيات وزيارات ومساعٍ لوفود وتعاون أمني واستخباراتي وتحقيقات على أعلى المستويات، قد تستغرق وقتا طويلا.

طهران تتعامل مع النظام السياسي في العراق بواقعية الاحتلال، أو بواقعية التكامل في مصالح السياسة والوجود؛ لذلك فإن الأوامر لا تتحرك على الورق بل تنطلق في شرايين حرسها الثوري- فرع العراق، لتجد لها طريقا سريعا إلى البصرة، وبدفعات ميليشيوية جاهزة بأسلحتها وأيديولوجيتها وأفراحها بشعارات لافتاتها ابتهاجا بانتهاء التظاهرات والاحتجاجات والغضب.
سرت الأوامر بخبرة مكتسبة في تحويل الاحتجاجات ضد أنظمتهم إلى خدمات مجانية، أي بتحوير النتائج لصالح مشاريعهم ومحاورهم السياسية والاقتصادية والميليشيوية؛ فزعماء الحشد الطائفي صعدوا من ردود فعلهم تجاه إحراق القنصلية الإيرانية في البصرة وباقي مباني الأحزاب أو غيرها من التي كانت هدفا للمحتجين الذين وضعوها في سلة واحدة، سلة كشفت عن رؤية هؤلاء الشباب لموضوعية أسبابهم وتشخيصهم الدقيق لدور الأحزاب الطائفية وميليشياتها في الاستيلاء على خيرات البصرة والعراق.
تفاعل النظام الإيراني وميليشياته وأحزابه المغمسة بالفتنة والطائفية وكراهية كل ما هو عربي، مع الشباب في البصرة وعموم العراق، على أنهم خارجون عن وصاية المرشد
الحرائق بحد ذاتها لم تكن تخريبا قاصرا نتيجة ردة فعل أو حماسة شباب طائش عاطل عن العمل، رغم ما يشوب التظاهرات من مداخلات وتأويلات لقوى سياسية تريد قطف ثمار شجرة الدماء الوارفة بالشهداء والجرحى، إنما الحرائق رسالة لما هو أعظم من رفض الشباب لاندثار العراق وسحقه تحت عجلة الاحتلال الإيراني بأساليبه في تغيير هوية البلاد التاريخية بالوعيد والتهديد بعصا الحشد والفصائل الميليشيوية والأحزاب التي احترفت تهريب النفط وفتح الأبواب للمخدرات، وطمس معالم أكبر السرقات للمال العام وبعمل يومي وضريبي مستتر ومعلن في الموانئ والنقاط الحدودية بمواردها ومصادرها المتعددة.
شباب بعمر الزهور هانت عليهم دماؤهم لإيصال رسالة إلى العالم بأن البصرة على خطى إبادة الموصل، وأن إهمال مطالبها متعمد وعن سبق إصرار لإخماد صوت العراق العربي، وأن إيران بنظامها الإرهابي قررت كعادتها الانتقام والثأر من كل ما هو عربي ورافض لمشروع ربط البصرة والعراق تماما بالمشروع الإيراني، وأن الترويض بالتهجير السكاني لأجزاء حيوية من القبائل والأصول العربية من البصرة ومعهم بقايا أهلنا من المسيحيين الذين استقروا تحديدا في أحد أحياء البصرة والذي شيّد منذ عقود بعيدة للعاملين في شركات النفط، عدا عن الآخرين الذين استوطنوا البصرة من أديان وقوميات متنوعة لازدهار الموانئ بحركة البضائع التجارية أو لكونها محطة للسفر إلى دول العالم عن طريق الخليج العربي.
البصريون في أعماقهم لا يندهشون من موت شط العرب لأنهم بفطنتهم العروبية لا تغيب عن ذاكرتهم، حتى التاريخية القريبة منها، مدى رغبة نظام ولاية الفقيه في إعدام شط العرب، لأنه يذكرهم بكل ما هو عربي ويعيد إلى أذهانهم عروبة البصرة وعروبة العراق وجذور عروبة أهل الأحواز وأصول قبائلهم وعشائرهم وبيوتهم العربية العريقة.
شط العرب بتوابعه القانونية والجغرافية، كان سببا في توقيع العراق لاتفاقية الجزائر مع الشاه بحضور الرئيس هواري بومدين عام 1975، وكان إلغاؤها من طرف العراق ضربة استباقية لإنذار النظام الجديد في إيران من مغبة عدائه السافر وتلويحه باحتلال العراق منذ اليوم الأول لاستلام الخميني للسلطة، وأيضا كرد فعل تجاه التشهير الإيراني بالاتفاقية الذي وضع توطئة ثورية ضد الشاه لإبرامه لها مع العراق، وقبل أن يبادر الجانب الإيراني بإلغائها، قرر العراق حفظا لكرامته وسيادته إلغاء الاتفاقية واعتبار الإلغاء تبليغا عن اضطرار العراق لتوقيعها نتيجة للظروف حينها بما يتعلق بالورقة الكردية والتمرد في الشمال.
لكن إلغاء الاتفاقية من جانب العراق أثار حفيظة الملالي الذين وجدوا فيها تحديا يصب في خدمة أهدافهم ومشروعهم؛ دون أن يلتفتوا إلى قراءة وتأمل يعيدان النظر في العلاقة بين البلدين للدخول في مفاوضات جديدة حول شط العرب على ضوء القانون الدولي وحسن الجوار المفترض.
خط التالوك، وهو أعمق نقطة في شط العرب، طالما دفعتها إيران بوسائلها باتجاه الضفة العراقية لأن ذلك يوفر لها أراضي جديدة غنية بالنفط، إضافة إلى تحجيم الشط العربي وتقليص المسافة ودمجها.
الحرائق رسالة لما هو أعظم من رفض الشباب لاندثار العراق وسحقه تحت عجلة الاحتلال الإيراني بأساليبه في تغيير هوية البلاد التاريخية بالوعيد والتهديد بعصا الحشد والفصائل الميليشيوية
لكن الهدف كان دائما اغتيال عنوان الشط وتحويله إلى مرمى أهداف ذات مغزى عنصري، وذلك ليس ببعيد على من يدرك تفاصيل التكوين العقائدي والنفسي لهذا النظام الإرهابي المتخلف؛ يكفي أن نتطلع إلى مآلات شط العرب لنتعرف على مخططاتهم.
دفعت البصرة أيضا ثمن الاستقبال العفوي الذي عبر عن شوق البصريين والعراقيين للعرب عند افتتاح ملعب “جذع النخلة” لكرة القدم في البصرة بمباراة ودية بين منتخب العراق وشقيقه منتخب المملكة العربية السعودية، إيذانا برفع العقوبات عن الملاعب العراقية. لا نحتاج إلى سرد الحفاوة وما رفعته الجماهير من لافتات حب للأشقاء السعوديين في بلدهم، وما أدت إليه من تقارب طبيعي وارتياح في الإعلام والسياسة بين الأشقاء وعلى كافة المستويات، متبوعة بهدية من جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الجمهور الرياضي في العراق ببناء واحد من أكبر الملاعب في عاصمة العروبة بغداد.
تفاعل النظام الإيراني وميليشياته وأحزابه المغمسة بالفتنة والطائفية وكراهية كل ما هو عربي، مع الشباب في البصرة وعموم العراق، على أنهم خارجون عن وصاية المرشد؛ بما تطلب جهدا مضاعفا وإجراءات متأنية، نتج عنها إهمال وعقاب جماعي أدى إلى المزيد من البطالة وشح المياه والتلوث وإطلاق النار على شباب الثورة.
القادم أمرّ في ملاحقة الناشطين والتهديد بمتابعتهم وتصفياتهم بما ظهر منها على السطح في تناغم توصيفهم بـ”المخربين” من طهران أو “العصابات” على لسان قادة الحشد، والتي تجاوزت أوصاف الاتهامات المتداولة عن المندسين بين التظاهرات؛ ذلك لأن الأهداف تغيرت وفق الأوامر الإيرانية بمعاقبة هؤلاء الغاضبين من شباب البصرة الذين أوصلوا رسائلهم عندما استجمعوا غضبتهم وأحرقوا القنصلية الإيرانية ومبان أخرى، باعتبارها أوكارا لعملاء الاحتلال الإيراني.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4 إيران وهي تنهب وتسرق الثروات.. البصرة والأحواز مثالا..
إبـــراهيـــم الشيــــــــخ
اخبار الخليج البحرينية

ما حدث في مدينة البصرة العراقية طوال عشرة أيام، شهدت خلالها انتفاضة عارمة ضد الفساد الطائفي المتعمّد الذي استهدف هذه المدينة منذ بداية الاحتلال، يستدعي الوقوف عنده مليا.
هذه المدينة التي بنيت في 636 ميلادية، تقع جنوب العراق وبالتحديد على نهر شط العرب، حيث تعتبر المنفذ البحري الوحيد في العراق.
إحصاءات 2017 تذكر أن عدد سكانها 2.15 مليون نسمة، يتعايش فيها السنة والشيعة اجتماعيا وتجاريا بصورة جميلة، ولكن قبل الاحتلال الأمريكي والإيراني!
كما تعتبر البصرة أغنى المناطق العراقية؛ حيث تنام على 60% من الاحتياطي النفطي العراقي.
ما فعله الاحتلال الأمريكي وأكمله الإيراني، هو تصنيفها بأنها منطقة سنيّة، ترعى (الإرهاب)، وهم يقصدون مقاومة الاحتلال.
كما تعمد الإيرانيون والحرس الثوري بمليشياته وعصاباته العراقية، تدمير معالم المدينة بمساجدها وآثارها، وإفقار أهلها، وتدمير بنيانها الاجتماعي والعوائلي عبر الخطف والقتل والاغتصابات والتهجير الجماعي لأهل السنّة فقط لا غير، وذلك لإحياء النزعة الطائفية والإذلال والانتقام.
عندما انفجر أهل البصرة، وقف السنة والشيعة مع بعض، وكان أول ما قاموا به هو حرق وتدمير المقرات الإيرانية الرسمية، والمتلبسة بلباس المليشيات العراقية، لأنهم يعلمون أن تلك المقرات لم تكن إلا مراكز استخباراتية إيرانية، كانت تدير تدمير المدينة بصورة ممنهجة، فلا ماء ولا كهرباء ولا طعام، فضلا عن انتشار الأمراض.
ما سبق كان يحدث تحت سمع وبصر الحكومات العراقية المتعاقبة بمحافظيها، الذين كانوا طرفا فيما حلّ بالبصرة وأهلها وغيرها من المدن العراقية.
فهم يعلمون كغيرهم الثروة التي في مدينتهم، كما يعلمون كيف سرقها الساسة العراقيون، أهل الغدر والسرقة والخساسة، من نوري المالكي وأشباهه.
وأنا أقرأ عن البصرة، استذكرت الأحواز العربية، التي يسكنها أكثر من 5 ملايين عربي، وتعتبر الضفة الشرقية لخليجنا العربي، وكان للبريطانيين الدور التآمري في تسليمها إلى شاه إيران في عام 1925، ليغيروا اسمها من «عربستان» إلى «خوزستان»، وهو اسمها الفارسي.
وجه الشبه بين بصرة العراق وأحواز «عربستان» إيران، أنهما من أغنى المناطق ثروة، لكن أهلهما يعانون من التهميش والإقصاء والحرمان من الانتفاع ولو بالجزء اليسير من خيرهما.
ذكرنا سابقا عن ثراء البصرة، أما إقليم الأحواز فلا يقل عنه ثراء، إذ يلتهم نحو 85‏% من الغاز والنفط الإيراني‏، كما يضم 35% من المياه في الأراضي الإيرانية، ‏لذلك تعد أراضيه من أخصب الأراضي في منطقتنا العربية.
وجه الشبه بينهما، أن الإجرام الإيراني قد طالهما نهبا وسرقة، كما تعمّد إفقار عربهما من سنة وشيعة، وتهجير أهلهما عبر نظامه الدموي.
النظام الإيراني مازال يمارس الإعدامات في الأحواز، أما مليشياته فمازالت تُمارس القتل والتهجير والاختطاف في البصرة.
أما عن ثروات البصرة والأحواز المنهوبة، فلا تسأل أين تذهب؟ وكيف تُستغل؟ وكيف يقوم العملاء والطوابير الإيرانية بتسهيل نقلهما إلى إيران.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
5 البصرة مدينة الانتفاضات ظافر محمد العجمي الوطن البحرينية

قبل أن يموت في المستشفى الأميري في الكويت «1964»، كتب بدر شاكر السياب رائعته «غريب على الخليج» فقال: جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج.. إلى أن يقول.. صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق.. ثم يتفجر السياب مجدداً: الريح تصرخ بي عراق. والموج يعول بي عراق، عراق، ليس سوى عراق. لكن «شاعر المطر» يموت ولا يعود للبصرة التي ولد فيها. لكن البصرة الوفية بنت له تمًثالا «1971»، على شط العرب، فيطاله العبث الأيديولوجي والطائفي كغيره من رموز البصرة، وحين رمم مؤخراً، وبدل إحاطته بسور من الزهورأاحيط بسياج حديدي وكأن السياب سجين وهو تمثال.
وقبل أن ترفع الحياة الكلفة مع أهل البصرة، وقبل أن يصل الطغاة إلى سدة الحكم في العراق، كانت البصرة منتجعاً فخماً للخليجيين ولها ارتباط وثيق بهم. لذا لم نتقبل أن تقفز البصرة إلى أعلى قائمة الأخبار مؤخراً فقط بعد حرق القنصلية الإيرانية، وكأن القنصلية هي أهم ما في البصرة. فبروز خبر حرق القنصلية لا يظهر تغلل إيران بالعراق فحسب، بل أظهر كيف ضاق «الزلم» العراقيين ذرعاً بالشادور الإيراني الذي ألبسوهم إياها فلا هم يرون النور ولا هم يظهرون كرجال قادرين على صناعة مستقبلهم. إن ما يحدث مؤشر لرفض العراقيين للخضوع التام للفساد القادم من الشرق والذي نفذه رجال المنطقة الخضراء عبر مشاريع التنمية التي لا وجود لها على الأرض. فالعراق العظيم ليس هشاً ضعيفاً ليسودها رعاع الطائفية. فللبصرة أمجادها التي ستستقي منها الصمود كصمودها في الحرب مع إيران والثورة الشعبانية، ووقفوهم في وجه صولة الفرسان الأمريكية – المالكية.
إن من المحزن أن يتساقط القتلى بنيران الأجهزة الأمنية وتدمر المدينة وتقطع الطرق ويموت الأبرياء. فالساسة لاهون في المنافسة على تولي رئاسة الوزراء. بل إن الأشد إيلاماً هو غياب السيد آية الله السيستاني، إلا من دعوة ألقيت بالنيابة عنه في خطبة الجمعة تدعو إلى «إصلاح الوضع السياسي في بغداد ووقف العنف بحق المتظاهرين السلميين» في مدينة البصرة. ففي البصرة مدينة الانتفاضات ظهرت المرجعية في حماس أقل من حماسها حين أفتت بتشكيل الحشد الشعبي، فهل يكون مصير مدينة الانتفاضات كمصيرها المظلم بعد كل انتفاضاتها الماضية!!
نحن في الكويت والخليج أولى بالاهتمام بما يجري في البصرة، فهي بوابة مآسينا، منها لعلع غازي، وحشد قاسم، وغزانا صدام. لذا يجب أن تكون البصرة سداً أمام جنون العراق لا ثغرة يتسرب منها. فخراب البصرة هو خراب للخليج كله فهي الجسر البري بين حضارتين متحديتين لبعضهما.
* بالعجمي الفصيح:
حتى لا يكون مصير مدينة الانتفاضات كمصيرها المظلم بعد كل انتفاضاتها الماضية، علينا أن نساعد في إطفاء حرائق البصرة وكأنها دولة خليجية وأن نطالب بقمة عربية ومبادرة عربية لاستقرار البصرة المطلة على الخليج وعلينا.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
6 مفاجأة في البصرة
فراس الزوبعي الوطن البحرينية

في الساعة الخامسة والنصف من عصر يوم 23 يونيو 1921 وصل طراد إلى ميناء البصرة يحمل على متنه الملك فيصل الأول وحاشيته قادماً من الحجاز لينصب ملكاً على العراق، البصرة كان مستعدة لاستقبال الملك الجديد وأقواس النصر منصوبة في الشارع العام، وجمهور البصريين يرحبون بالملك.
عندما نزل الملك فيصل من الطراد تفاجأ بلوحة كبيرة كانت مرفوعة على مدخل نهر العشار مكتوب عليها «لتحيا الجامعة العراقية» ولوحة ثانية بمدخل مدينة البصرة مكتوب عليها «لتحيا البصرة جزءاً من العراق».. تبين فيما بعد أن سبب هذه اللوحات عريضة موقعة من 4500 شخص من أهالي البصرة – وهذا العدد كبير بذاك الزمن- مقدمة للمندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس قبل مجيئ فيصل بفترة قصيرة يطالب فيها الموقعون بفصل البصرة عن العراق أو عدم اعتبارها جزءاً من العراق، لأن العراق قبل الغزو البريطاني لم يكن معروفاً باسم العراق بهذه الحدود إنما كان اسمه على عهد الدولة العثمانية «الخطة العراقية» والخطة العراقية كانت تضم ولاية الموصل وولاية ببغداد وولاية البصرة التي بقيت بعد الغزو البريطاني أكثر من سنتين تحت السيطرة البريطانية وخارج السيطرة العثمانية، فلما بدأت إعادة تشكيل ممتلكات الدولة العثمانية وتقسيمها إلى دول صدر هذا الطلب من قسم من أهل البصرة، لكن المندوب السامي ردها بقوة وقسم من أهل البصرة عارضها والمعارضين كتبوا هذه القطع ورفعوها حتى يقوون موقفهم.
هذا الطلب لم يأت من فراغ وأحد أسبابه أن البصرة بين فترة وأخرى كانت تمر بفترات فوضى وتسيب.. منها في بداية القرن العشرين بحدود 1903-1904 إذ دبت في البصرة حالة من التسيب والفوضى لا توصف ولا تطاق وفقد الأمن وساد في البصرة قانون الغاب وصار الوضع كأن لا حكومة ولا قانون، بحيث يدخل «الميلحون» إلى المدينة في وضح النهار ويسطون على محلات «الصيرفيين» ويفتكون بهم وهم يرددون الأهازيج ويرمون إطلاقات النار ويمشون، ما ساعد العصابات على هذه الأعمال قرب الحدود الإيرانية التي كانوا يدخلونها بعد تنفيذ أعمالهم، وكذلك كان الشيخ خزعل الكعبي عامل مساعد على هذه الفوضى لأنه كان يملك بساتين في البصرة ويستخدم هذه البساتين لحماية بعض الأشقياء والقتلة وإذا زاد الخطر يلجأون إلى المحمرة عنده، وسبب هذه الفوضى ناتج عن سوء الإدارة دوماً، ووالي البصرة في السنوات الأخيرة كان يخضع لوالي بغداد كونه القائد العسكري العام للجيش العثماني بالخطة المذكورة.
للأسف استمر سوء الإدارة يطارد البصرة عشرات السنين فالبصرة صارت ساحة حرب خلال الحرب العراقية الإيرانية وأحرق نخلها وتهدم قسم من بيوتها واضطر أهلها للهجرة منها بشكل متكرر وطالها القصف الإيراني، وبعد احتلال العراق للكويت كانت أول من دفع الثمن وصارت ساحة حرب لقوات التحالف، ولما غزت أمريكا العراق كانت أول من داستها الدبابات الأمريكية والبريطانية، وبعدها صارت مسرحاً لأجهزة الأمن الإيرانية وعملائها وميليشياتها، وشهدت موجة تهجير جديدة لأهلها، وبسبب انتاجها ومخزونها النفطي وموانئها صارت مركزا لصراع الميليشيات عليها وعلى خيراتها، وكذلك بسبب موقعها الاستراتيجي لإيران صار هذا الصراع أقوى والحاصل ما نراه اليوم في البصرة من قتل وإرهاب للناس وسيادة قانون الغاب مرة ثانية مع سوء للإدارة.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7 الصدر وإيران.. علاقات تقطع لا قطيعة سعيد الحمد
الايام البحرينية

متوترة إلى حدٍ ما، هذا صحيح، متقطعة لكنها ليست قطيعة.
هي العلاقة بين مقتدى الصدر والنظام الإيراني بأسبابٍ يأتي في مقدمتها محاولة مقتدى الصدر الابتعاد عن المحسوبين على ايران من كتل وأحزاب، والنأي بالنفس عن إملاءات المندوب السامي الإيراني في العراق «قاسم سليماني» الذي انقطعت علاقاته مع مقتدى والذي يحمّل سليماني تبعات ابتعاد الكتل العراقية من حلفائه عن ايران.
مقتدى بحكم التربية طوال سنوات تكوينه وإعداده في البيت الإيراني والولائي لا يريد القطيعة، وإن كان يسعى للتقاطع مع ايران في بعض المفاصل والظهور بمظهر المستقل عن أوامر طهران، وهي معادلة يصعب على مقتدى اللعب بين أرقامها الصعبة، كما يصعب على طهران القبول بها، فهي تريد علاقة وصاية من جانبها وتنفيذ دون نقاش من جانب الآخرين في القوى والتنظيمات والأحزاب والمليشيات العراقية.
مقتدى يزور لبنان باستمرار للعلاج والمتابعة مع أطبائه هناك في آخر زيارة له انتهت منتصف الأسبوع الماضي لم يتصل بحزب الله، ولم يحاول حزب الله الاتصال به، وهي إشارة الى ان التقطع في العلاقة مع ايران انعكس على علاقته بحزب حسن وبعلاقة حزب حسن مع مقتدى.
حزب اللات والذي كان يستقبل مقتدى كلما زار لبنان، ويضع له المرافقين الذين يسهلون له برنامج الزيارة، لاشك انه «شاور» إيران فأمرته بعدم الاتصال بمقتدى وبعدم الاهتمام بزيارته وبه.
وبالتأكيد فهم مقتدى أن «صدود» حزب اللات عنه بأوامر طهران التي تتهم مقتدى اتهاماً مذهبياً صرفاً بـ«تفتيت البيت الشعبي العراقي»، وهي تهمة مذهبية الهدف منها تأليب شيعة العراق ضد مقتدى بما فيهم أنصاره.
وأنصار مقتدى «أنصار بالوراثة» عن والده، وبالتالي لن تؤثر في ولائهم الوراثي هذه التهمة، بل قد تتحول إلى نقمة على طهران وربما على قم مركز الولي الفقيه الايراني.
مساعدو مقتدى الذين يخططون ويرسمون استراتيجية تياره، فهموا أن عودة زعيمهم من لبنان دون أن يلتقي بحزب الله وقيادته تعني ان ايران متمسكة باستراتيجية مندوبها السامي قاسم سليماني بغض النظر عن عثرات وصدمات هذه الاستراتيجية التي ليست في أحسن أحوالها هذه الأيام، فقد تمرد عليها المقربون.
وقاسم سليماني يعامل جميع العرب بعقدة الاستعلاء الفارسي ما ينعكس على الحلفاء شعوراً بالدونية أمامه وإلزاماً والتزاماً بأوامره ونواهيه التي لا تخلو من غطرسة وغرور.
هذه الغطرسة الفارسية المستحضرة في نفسية سليماني من عهودٍ بعيدة وجد فرصته للتنفيس عنها الآن مع خضوع الأحزاب والقوى العراقية الولائية لأوامره، كانت سبباً من أسباب ابتعاد مقتدى الصدر والعبادي.
صحيح أننا كمراقبين لا نراهن على هذا الابتعاد، فهو تقطّع لا قطيعة كما أشرنا من قبل، لكنه في النهاية يشكل كوابح أمام الأطماع الفارسية في تفريس العراق.
حتى الآن حزب اللات يمارس الصمت عن المجريات وتحولات الأخوة الأعداء عن المركز الايراني، لأن الأوامر العليا من قُم لم تصدر له بالحديث والهجوم على مقتدى والعبادي وجماعاتهما.
ووصول وزير داخلية خامنئي إلى بغداد لاشك انه محاولة ترويض للعبادي تحديداً حتى يجد مقتدى الصدر نفسه وحيداً في مواجهة طهران فيختار المهادنة ومن ثم العودة إلى بيت الطاعة الإيراني مجبراً فتُملى عليه شروط الهزيمة إملاءً قاسياً.
إذن هي محاولة ايرانية لتفكيك تحالف «مقتدى العبادي» على حساب مقتدى حتى لا يعود إلى تلويحاته بالتمرد على قم وطهران مستنداً إلى حجم مناصريه ومؤيديه بالوراثة.
فهل يرث الوارث «مقتدى» وريثاً آخر من أشقائه أو أقرب أقربائه؟؟ سؤال لا يبدو غائباً عن الثعلب الايراني، وهو يتشبث بلحم العراق بعد ان دانت له الفريسة سنيناً.
الوضع العراقي الآن مفتوح على جميع الاحتمالات وواردة جميع التوقعات، لكن المؤكد الذي لا يحتاج إلى جدال أو نقاش هو أن شعب العراق ضحية الصراع.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8 هلا تذكَّرتِ يا طهران شكوانا؟
رشيد الخيّون
الاتحاد الاماراتية

ليس حريصاً مَن يريد العداء لإيران، وليس منصفاً مَن ينكر عليها جمال طبيعتها، وعلى شعبها التَّاريخ العريق في الثقافة والأدب والفن. كانت قبلة للسائحين والدَّارسين، لأهل العِراق خصوصاً، فالجوار يمتد لألف ومئتي كيلو متر، مِن أقصى السليمانية إلى أقصى البصرة. فأي عراقي يحب لعراقه الاستقرار والعيش الرَّغيد يريد لهذه المسافة الطويلة، من الحدود، أن تبقى خطوطاً ملتهبةً؟!
حتى بعد الحرب الطَّاحنة بين البلدين، فما إن مالت السِّياسة إلى الاعتدال، تبادلت الدولتان الوفود، وانقلب ما كان يبثه إعلام الدولتين مِن سموم، إلى تقديم المصالح، بعد أن وجد القادة الإيرانيون في إدامة الحرب انتحاراً، وبعد وفاة الخميني(1989)، الذي اعتبر موافقته بإحلال السَّلام جرعة سم، انتهى الحلم بدولة إسلامية ملحقة، بعد أن كان يراها مِن شبابيك الثَّورة قاب قوسين أو أدنى.
كنا نأمل مِن إيران، التي مدت يدها للنظام السَّابق، تمد اليد الحُسنى لما بعده، فخيره خير لها. لكن سرعان ما حشدت الحشود وأعلنت من أرض العراق الحرب على العالم. باشرت بالإعداد لمرحلة جديدة، فأرسلت رجالها (من العراقيين) لقيادة ما سموه بالمقاومة، مع أن العراقيين بعد حصار دام ثلاث عشرة سنة، ليسوا بقادرين على مجاراة طموحاتها الثورية.
بعد (2003)، أعادت إيران حلم الخميني، فالأحزاب التي شغلت السَّاحة هي أحزابها، وكلما رفعت صورة المرشد بساحات بغداد زاد الغرور غروراً، حينها فتحت البوابة السورية لإدخال المقاتلين، ودخل مفجرو السفارات العراقية، والقائمون بأعمال إرهابية، نصرة لإيران خلال الحرب مع العراق، ليصبحوا قادة ومتنفذين.
اعتقدت إيران أن سفيرها (قمي) هو الحاكم بأمره ببغداد، لذا تجرأ أن يقرر مَن يكون رئيس وزراء ومَن لا يكون، حتى جاء قاسم سليماني ليكون له مكتب ومنزل. فتجرأ ساستها بإعلان ضم العراق إلى محور ممانعتها، وأن بغداد عاصمةً لإمبراطوريتهم، وتجرأ هدهد الولي الفقيه، علي أكبر ولايتي، وِمن داخل بغداد، أنه غير راغب بفوز هذه الجماعة أو تلك.
لم تكتف إيران بإدخال الميليشيات، وتوزيع السائرين في ركابها، من المعممين والأفندية، للهيمنة على الاقتصاد العراقي، عبر بنوك ومؤسسات وهمية وحوزات دينية، إنما أخذت بتفريخ الميليشيات، وتجنيد الشَّباب للحرب في الجبهات التي يُحددها جنرالات الحرس الثَّوري.
نعم، كل دول العالم تتدخل في الشأن العِراقي، الصغيرة والكبيرة منها، ولكن وجود إيران ليس تدخلاً وإنما استباحة، اتضح ذلك مِن كثرة الخطباء الذين طالبوا بتعويض إيران عن خسائر الحرب، حتى توهمتُ أن مسجد «براثا» مثلاً يقع بطهران وليس ببغداد. وبالهيمنة الإيرانية صار خادم الحسينية محافظاً، والعامل في مقر حزب أيام المعارضة مدير إدارة رئاسة الوزراء، وصاحب الدُّكان وزيراً للمال، وبائع الحلويات مسؤولاً عن الأمن، وكل هذه الشخصيات خطوط حمر عند إيران، ناهيك عن تكاثر مكاتب دعاة ولاية الفقيه، ولكي تُحفظ هذه المصالح، راح خامنئي يحث كل مسؤول عراقي يزوره على تقوية الحشد الشَّعبي، لأنه مشروع حرس ثوري، فلا ثقة عنده بجيش يُعرف بالجيش العراقي.
إلا أن خمسة عشر عاماً، من وجود المارد الإيراني وبنموذجه المتغطرس؛ لم تحتسب إيران للغضب العراقي حساباً، وهو المعادل للغضب الإيراني الذي أتى بالخميني حاكماً. فصارت المصالح الإيرانية، ورموزها السفارة والقنصليات، هدفاً، لأنها في أذهان الغاضبين رمز لدولة محتلة تحتمي الأحزاب والشَّخصيات الفاسدة، حتى صار الاعتقاد راسخاً أنه يوم تغير الأحوال بإيران ستختفي هذه الجماعات. كان حرق القنصلية بالبصرة مفاجأة صادمة لإيران، وذلك لكثرة الأحزاب والمراكز والعمائم التي تمتلكها داخل العراق. إنه فعل غير متوقع لها، ومَن يتهم الغاضبين بأنهم «دواعش»، فليرجع إلى الملفات التي كُشف عنها مؤخراً، عن علاقة إيران برجال «القاعدة» والجماعات الإرهابية. إنها ملفات أسامة بن لادن(قُتل2011).
يُذكر صراخ المسؤولين الإيرانيين على أثر تدمير قنصليتهم بالبصرة وحرق العلم الإيراني، بعد رفع اسم الجلالة منه، بصراخ باريس عندما احتلتها ألمانيا، التي نست أنها احتلت ودمرت بلداناً وشعوب. احتلت دمشق1920، ثم احتلت ألمانيا باريس1940. فالتقط الشَّاعر السوري محمد سليمان الأحمد المعروف ببدوي الجبل(ت1981) المفارقة، فقال: «يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا/رقّ الحديد وما رقّوا لبلوانا/خلّ العتاب دموعاً لا غناء بها/ وعاتب القوم أشلاء ونيرانا/سمعتُ باريس تشكو زهو فاتحها/هلاّ تذكّرتِ يا باريس شكوانا»(الديوان، قصيدة أني لأشمتُ).
أقول: عندما ناشد النَّجفي محمد بحر العلوم(ت2015) مسؤولاً إيرانياً كبيراً للكف عن إدارة العنف بالنَّجف والعراق، العام 2004، تحت غطاء المقاومة ومِن قِبل رجلها أبي مهدي المهندس وآخرين، أجابه المسؤول: «لا يهمني عراق أنا يهمني نظام جمهوري» (أمالي طالب الرِّفاعي). لسنا مع حرق القنصلية الإيرانية بالبصرة، إنما مع علاقات طيبة متكافئة بين البلدين، لكن العراقيين تعبوا مِن الشَّكوى ولم يُسمعوا، فمِن حقهم القول بلا شماتة: «هلاَّ تذكَّرتِ يا طهران شكوانا»؟!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
9 البصرة… ودوامة المؤامرات!
. سليمان ابراهيم الخضاري صحيفة الراي الكويتية

لا أدعي إطلاقا سعة في الاطلاع على تفاصيل المشهد السياسي في العراق، فسياسيو هذا البلد العظيم تجاوزوا قدرة الانسان العادي على متابعة تطورات خلافاتهم ومشاكلهم، وما أفرزته الساحة السياسية في العراق من أحزاب وتكتلات «تفرخ» أحزاباً وتكتلات أخرى مع سرعة تكرار تبدل التحالفات بين تلك التيارات والأحزاب، وصلت مدى يتحدى إمكانية معظم المحللين السياسيين على رسم خارطة منطقية للوضع السياسي هناك، ناهيك عن إمكانيتي أنا… وأنا الفرد البسيط المهتم أساساً بالشأن المحلي!
في البدء لا بد من ديباجة أراها مفروضة عليّ، بسبب حالات الاستقطاب التي يتم بها التعامل مع المشاكل الكبرى -كالتي تحدث حالياً في البصرة- فلا يكاد ذو عقل يرفض نظرية المؤامرة بالمطلق، والمؤامرة هنا بالمعنى المبسط هي في تدخل الكثير من القوى الخارجية في أحداث البصرة واستغلالها لتحقيق مآربها التي لا تهتم بحقوق الانسان العراقي بقدر اهتمامها بالسيطرة على هذا البلد الكبير بمجمله وإعادة رسم خارطة التوازنات بما يخدم مصالح تلك القوى الخارجية، والقوى هنا هي ليست دولة بعينها، فالعديد من الدول والمحاور الإقليمية والدولية تمارس دوراً ما في الواقع العراقي ويهمها أن يدور العراق في فلكها لأهداف شتى!
هذا كله مفهوم تماماً، لكن المؤسف أن الكثيرين -ولأسباب مختلفة معظمها طائفية- يقفزون على الواقع المأسوي لمعظم فئات الشعب العراقي ومدنه التي عانى الانسان البسيط فيها من فساد النخبة السياسية وتدني -أو انعدام- مستوى الخدمات الأساسية كتوفير الكهرباء والماء -تخيلوا!- والازدياد المخيف لمعدلات الفساد السياسي والمالي والإداري والمصاحب لارتفاع مستوى الفقر ووصوله لدرجات لا يتخيلها معظمنا ممن يشاهد ما يحدث في العراق من على شاشات التلفاز متمتعاً بالتكييف ووجبات الطعام الفاخرة بينما يصب جام غضبه -ولأسباب فئوية وأيديولوجية في الغالب- على تحركات أناس «أكثرهم» يتحرك بدافع من غبن حكومته وأجهزتها!
هذا الإهمال والتغافل عن حقوق الشعوب والتركيز على المؤامرات الخارجية هو أمر مارسته العديد من الشعوب العربية لعقود طويلة ولدرجة الابتذال أحيانا، وهو أمر مريح تماماً لنفوسنا المهووسة بالآخرين ورغباتهم بالسيطرة علينا وعلى ثرواتنا، ويريحنا من التفكير الجاد في أسباب تأخرنا الذاتية وما فعلناه في أنفسنا حتى سهلنا للآخرين السيطرة علينا واتخاذ دول ساحة لتصفية صراعاتهم ومشاكلهم وحروبهم التي قمنا بها بالوكالة عنهم أحيانا… وضد أنفسنا!
باختصار… نعم هنالك مؤامرة خارجية على العراق، ولكن المؤامرة الأكبر هي في ما تقوم به معظم تياراته السياسية من فساد على حساب المواطن العراقي البسيط.
ومن دون اعتراف بذلك… سنظل نفكر بعقلية تآمرية مفادها…لا صوت يعلو على صوت المعركة.
ولا أظنني أحتاج أن أذكركم بنتائج التفكير وفق هذه العقلية… العبقرية!
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
10 لماذا صواريخ إيران؟!
صالح القلاب صحيفة الجريدة الكويتية

المفترض أنه لا خلاف، كردياً أو عراقياً، ولا عربياً، ولا بالنسبة لأي مراقب في الكون والكرة الأرضية، على أن الصواريخ التي أطلقتها إيران على كردستان العراقية كانت من قبيل استعراض القوة، ومن قبيل تحذير الأميركيين من أن دولة الولي الفقيه لديها ما ترد به على تهديداتهم، ولديها ما تقوله للعراقيين الذين أكدت “انتفاضة” البصرة الأخيرة أن الالتزام القومي (العربي) بالنسبة إليهم له الأولوية على “التمذهب” والطائفية، وعلى كل هذه الألاعيب والمخططات الإيرانية.
لقد استهدفت الصواريخ السبعة، التي أطلقها حراس الثورة على العراق وخرقوا من خلالها السيادة العراقية، مقراً للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي هو نسخة إيرانية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، الذي يقوده الزعيم مسعود بارزاني، والحقيقة أن هذه الصواريخ قد استهدفت الحس القومي للعراقيين، عرباً وكرداً، وأنها جاءت كتحذير استعراضي للأميركيين، على غرار ما يفعله مسافر الصحراء ليلاً، الذي بدل أن يصمت، صمت الموتى، يبدأ بـ”الحداء” بصوت مرتفع للتغطية على مخاوفه وعلى ضربات قلب مرتجفٍ نتيجة الخوف والهلع.
كنا نقول لأشقائنا في القيادات الكردية – العراقية إن مشكلتهم ليست مع العرب، بل مع الأتراك والإيرانيين، وإنه لا يجوز أن يكون لديهم كل هذا الكره للأمة العربية كأمة، لا كأنظمة وحكومات، وذلك في حين أنهم، وفي كل المراحل والعصور السابقة، كانوا شركاء في المسيرة الحضارية لهذه الأمة، وكانوا شركاء، وعلى قدم المساواة في هذه المسيرة، والدليل أنّ صلاح الدين الأيوبي قاد الأمة الإسلامية في مرحلة من أخطر مراحلها، وأنه لا يزال يعتبر حتى في كتب أطفالنا بطلاً كردياً بقدر ما هو بطل عربي وإسلامي.
لقد كان الكرد شركاء أساسيين ورئيسيين في العراق سابقاً ولاحقاً وحتى الآن… حتى بعدما تعاظمت النزعة الكردية القومية، الانفصالية أو الاستقلالية، وهذا ينطبق على سورية التي شغل موقع رئاسة الجمهورية فيها أربعة من أبنائها الكرد، وينطبق أيضاً على الأردن، وعلى المسيرة النضالية الفلسطينية، وهنا فإنه لابد من التأكيد على أن هذا لا يعني، ويجب ألّا يعني، أنه لا يحق لهؤلاء الأشقاء فعلاً أن تكون لهم دولتهم المستقلة، في إيران وتركيا أساساً، لأنهم في هاتين الدولتين يشكلون الأكثرية الكردية، ثم بعد ذلك في كل أماكن وجودهم العراقية والسورية.
وهكذا، فإن المعروف أن دولة مهاباد الكردية في عام 1946 تآمر عليها شاه إيران (الأول) مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وأن أول إعدامات بالجملة نفذتها الثورة الإيرانية، بعد انتصارها، استهدفت أكراد كرمنشاه الإيرانية، وأن الإيرانيين هم الذين أحبطوا استفتاء كركوك، وأنّ الأكثرية الكردية في تركيا، التي يقال إن عددها يتجاوز الثلاثين مليوناً، بقيت تتعرض لمذابح متلاحقة.
كل هذا، بينما بقي العرب ينظرون إلى أشقائهم الكرد، وبخاصة في العراق وسورية، نظرة احترام وتقدير، وأن من حقهم أن يكونوا متساوين معهم في الحقوق والواجبات.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
11 من شب الفوضى في البصرة؟
عبد الرحمن الراشد
صحيفة الشرق الاوسط السعودية

أولاً نتساءل من هو المستفيد من تخريب الأمن في البصرة؟
رداً على دعاوى الإيرانيين فإنه ليس لدول الخليج، بما فيها السعودية، مصلحة. عدا أنها محافظة مجاورة حدودياً، وأمنها من أمن الخليج مباشرة، أيضاً محافظة البصرة منطقة نفطية وفي حال عطلت الفوضى إنتاجها سترتفع الأسعار وهو ضد سياسة هذه الدول التي تسعى لتثبيت السعر. وكذلك الأميركيون متضررون في حال تسببت الفوضى في رفع أسعار النفط، لأن اقتصادهم سيدفع الثمن. المشتبه به الوحيد هو الحكومة الإيرانية، فهي تعلن صراحة بأنها تريد للأسعار أن تصعد بشكل قياسي، وأن تعم الفوضى أسواق النفط العالمية. إيران ترى في ارتفاع الأسعار سلاحاً للضغط فيضطر الغرب للسماح لها بالتصدير، والتفاوض معها وفق شروطها. أيضاً، في الشهر الماضي كانت الشركات البترولية العراقية الرسمية قد وقعت عقداً كبيراً مع شركة شيفرون الأميركية لتطوير حقول النفط في المحافظة مما أغضب طهران.
ولولا أن الجميع منشغل بإدلب، ومعركتها الكبيرة في سوريا، وإلا لاحتلت البصرة اهتمام العالم. 12 من أهالي المدينة قتلوا لأنهم احتجوا على أوضاع المياه، الشح والتلوث. واحتجاجات أهاليها في حد ذاتها انفجار طبيعي، لأنهم منذ سنوات يشتكون من الفوضى وانتشار الميليشيات والعنف والبطالة والآن المياه التي لم تعد تصلح حتى للحيوانات لأنها مالحة، وفوق هذا معظم الصيف عاشه الناس في حرّ رهيب نتيجة انقطاعات الكهرباء. وجاءت نتيجته الاحتجاجات الأخيرة، والتي عوملت بشكل شرس وسيئ، لتنقلب ضد الميليشيات العراقية المحسوبة على إيران، حيث حرق الأهالي مقاراً للأحزاب السياسية، واستهدفوا قنصلية إيران، التي تمثل للناس رمز كل شر في محافظتهم. فهم يعتقدون أن أزمة المياه نتيجة عملية سحب المياه المشتركة من الأهوار وعلى الحدود حتى صار شحيحاً وماؤها لا يصلح للاستخدام الآدمي. أما لماذا القنصلية الإيرانية، فلأن التواجد الإيراني الرسمي في البصرة منتشر بوضوح أكثر من بقية المناطق في العراق.
الماء المالح والملوث فجر مشاعر الناس المعروفة سلفاً ضد الأحزاب الدينية السياسية العراقية، وضد إيران. وليس جديداً أن تظهر مشاعر العداء نحو هذين القطبين وتحديداً في البصرة. فهي المدينة الثانية الأهم في العراق، وهي التي حملت هذه الأحزاب على أكتافها للحكم، وهي أكثر من وعد ومنى بمستقبل أفضل، لكن منذ خروج الأميركيين ووضع البصرة يسوء. فالماء قشة جبل من الشكاوى، إضافة إلى أن البصراويين في ضيق من ميليشيات إيران التي حولت المدينة إلى مزرعة لمصالحهم وحكموها بالحديد والنار. ولا ننسى أن البصرة، تنتهي فيها سهول الرافدين، كانت إلى فترة قريبة مصدر «الرز والدخن والحنطة» لكل المنطقة، والآن لا تستطيع أن تشرب من مياهها نتيجة التحويلات المائية.
والمياه، مثل بقية الخدمات السيئة، مشكلة في عموم العراق، لا البصرة وحدها، لكن لأن هذه المحافظة هي محفظة الحكومة المالية وميناؤها الوحيد، فقد أخافت الفوضى الحكومة التي تخشى أن تصبح مثل منطقة الهلال النفطي الليبية، التي جلبت الفوضى والحرب إلى كل ليبيا، وتقلق دول الجوار، وتحديداً الكويت والسعودية المحاذيتين.
وبعيداً عن التلاوم ورمي التهم فإن الحكومة العراقية، ونظام الحكم السياسي في بغداد، مطالب بأن يتحرك في محافظة البصرة ككل لتصبح خالية من الميليشيات والسلاح والتدخلات الإيرانية. ونعرف أن إيران ستقاوم محاولة إخراجها من البصرة، ومع هذه الفوضى والاحتجاجات فإن السلطات مضطرة لإنهاء الوضع القديم وتحويل المدينة والمحافظة إلى مركز يمد بغداد بالاستقرار وليس النفط وحده.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
12 العراق عشية اغتيال رفيق الحريري
مصطفى فحص
صحيفة الشرق الاوسط السعودية

من البصرة تلقت طهران الصدمة، وقساوة الرسالة فرضت عليها خيار المواجهة، رغم أنها تمر بمرحلة تحتاج فيها إلى تفادي الصِدامات الجانبية، والتقليل من الخصومات، بهدف التفرغ لمواجهة الضغوط الخارجية التي تلاحقها، ولكن بين حرق القنصلية وبين شعارات المحتجين الذين طالبوا بإخراجها من العراق، وبإقصاء أتباعها عن السلطة في بغداد، لمست طهران هذه المرة مستوى التذمر عند شيعة العراق، ورفضهم أن يتحول بلدهم إلى رهينة بيدها تستخدمه للمقايضة عندما تستدعي الحاجة.
حتى خراب البصرة لم تُعر طهران أي اهتمام للأصوات غير الشيعية التي كانت تطالبها بوقف هيمنتها على العراق، ولكن بعد خرابها بدأت مرحلة جديدة من الاعتراض على نفوذها من داخل البيئة الشيعية العراقية التي انفجرت فجأة كافة حساسياتها التاريخية، فأدركت طهران سريعاً خطورة أن يعيد شيعة العراق تعريف موقعهم العقائدي والاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي سيضعهم في مواجهة مباشرة ومفتوحة معها. في السابق اطمأنت طهران إلى أن الأصوات غير الشيعية المطالبة بوقف تدخلها في العراق ستبقى دون أي تأثير ما لم يكن لها صدى داخل الشارع الشيعي، الذي إن تحرك من الممكن أن يتسبب في ضربة قاسمة لوجودها بالعراق. وأمام خطورة المشهد وصعوبة احتوائه، بقيت طهران المسكونة بعقل الهيمنة مُصرة على ممارسة الأخطاء السابقة ذاتها، ودفعت أتباعها إلى تهديد العراقيين، خصوصاً الشيعة، ووضعهم أمام خيارين؛ إما طهران وإما الفوضى، خصوصاً إذا كانت الفوضى مدروسة ومسيطر عليها، لدرجة تمكنت من إخراج مظاهرات البصرة على أهدافها، بعد قيام مجهولين بترهيب المدنية وتهديد استقرارها إلى مستوى لامس الحرب الأهلية.
لم تتوقف الفوضى المفتعلة في البصرة إلا بعدما ارتفع دخانها الأسود فوق بغداد، محذراً من أن الصراع على تفسير الكتلة الأكبر قانونياً أصبح أقرب ليكون صراعاً مسلحاً على السلطة داخل البيت الواحد، وتأكيداً على أن الأطراف مستعدة لتجاوز الخطوط الحمر، عادت صواريخ «كاتيوشا» وقذائف «المورتوز» لتتساقط على المنطقة الخضراء باسم المقاومة العراقية التي أعلنت أنها تخوض معركتها بوجه المشروع الأميركي، رغم أنها كانت تُروج دائماً أنها هزمته في العراق والمنطقة منذ سنوات.
ومما لا شك فيه أن فوضى البصرة ساعدت طهران على استعادة جزء من توازنها عبر مجاميعها المسلحة، لكنها من المستحيل أن تستطيع استعادة زمام المبادرة، رغم تمكنها من عرقلة تشكيل الكتلة الأكبر، وإصرارها الكيدي على استبعاد ترشيح رئيس الوزراء حيدر العبادي لولاية ثانية.
فطهران المصابة بحمى «البعث» الأسدي تكرر الأخطاء السياسية نفسها التي ارتكبتها في لبنان، حيث كان بإمكان الأسد الابن سنة 2004 تجنب الضغط الدولي عليه، وعدم التجديد لإميل لحود لولاية ثانية مخالفة للدستور، إلا أنه أَجبر المعارضة اللبنانية الرافضة لوصايته على لبنان تحت تهديد السلاح على إعادة انتخاب لحود رئيساً للجمهورية، لكن تعنت الأسد انتهى بنكسة جيوستراتيجية كبيرة، ودفع النظام السوري ثمنها عندما أجبر على الخروج من لبنان مهزوماً بعد اغتيال الرئيس الحريري، وإطلاق انتفاضة الاستقلال الثاني في 14 مارس (آذار) التي أدت إلى إنهاء وجوده في لبنان، بعدما تعالت الأصوات الإسلامية إلى جانب المسيحية في رفض نفوذ نظام الأسد وإنهاء وصايته على لبنان، متأثرين بتداعيات 11 سبتمبر (أيلول) وحرب تحرير العراق سنة 2003، وأمام تداعيات العقوبات الأميركية في ظل إدارة تتربص بطهران ومستعدة للرد على أي هفوة إيرانية غير محسوبة تشبه تلك التي اقترفها الأسد الابن في لبنان قبل 15 سنة، فمن المرجح أن تحاول إيران خلط الأوراق من جديد، وأن تطالب بإعادة رص الصفوف وإنهاء فكرة الأكثرية الوطنية حفاظاً على ما تصفه بـ«وحدة الصف الشيعي»، الذي سيقابله دعوة لوحدة الصف السني والكردي فيعود العراق إلى مربع المحاصصة الحزبية والفساد، ما يجعل الأزمة ما بين طهران وبعض الأطراف الشيعية الرافضة للصيِّغ القديمة مستمرة ومفتوحة، وهذا ما يفسر إصرار شركاء طهران من شيعة وسنة وأكراد على رفض التجديد للعبادي حفاظاً على امتيازات المحاصصة التي تمنحهم نفوذاً يقف العبادي ومعه الصدر والحكيم في مواجهته.
من الصعب أن تستسلم طهران، وأن تقبل كنظام دمشق أن تخسر حديقتها الخلفية، لذلك هي غير مستعدة للتنازل، وهي الآن تريد أن تقطع الطريق على العبادي، إلا أنها تحاول فرض مرشحها، ولأن شيعة العراق كمسلمي لبنان طالبوا بإنهاء وصايتها عليهم، فإن ردة الفعل الإيرانية لن تكون أقل من رد فعل الأسد ونظامه، لذلك باتت طرقات التشكيل والتأليف من بيروت إلى بغداد مزروعة بألغام سياسية ونوايا عقابية أشبه بعشية اتخاذ القرار باغتيال رفيق الحريري.
ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
13 البصرة… جريمة لا تُقيد ضد مجهول
داود الفرحان
صحيفة الشرق الاوسط السعودية

خدعوك فقالوا إن الحكومة العراقية لم تخصص في ميزانياتها المليارية السنوية منذ الاحتلال الأميركي حتى اليوم، أرقاما هائلة لإعادة إعمار العراق وبناء مشروعات جديدة في البنى التحتية المنهارة.
نعم، الحكومة فعلت ذلك، لكن العبرة ليست في التخصيصات، وإنما في التنفيذات. أين ذهبت تلك المليارات؟ من استباحها؟ وكيف؟ ولماذا ظلت البصرة وغير البصرة، حتى العاصمة بغداد، تشكو نقصا فادحا دائما في الكهرباء والمياه والصرف الصحي والخدمات، من المستشفيات والتعليم والإسكان إلى الزراعة والصناعة والتجارة والنقل، حتى وصلنا إلى فشل مفضوح في سوء الحكم والإدارة؟
لذلك نقول إن حلقات الفساد متصلة ومترابطة ومتجانسة حتى أصبحت التنمية متوقفة في هذا البلد العريق، الذي خاض حروبا متصلة على مدى عقود من دون أن يجد أي بارقة أمل في حياة أفضل. ووصل العراقيون إلى الاعتراف بأن دولتهم فاشلة وفاسدة بعد أن عاد غول الأمية والجهل يلتهم قرونا من المعرفة والحضارة والتنوير. وإلا كيف نُفسر أن بلدا ثريا مثل العراق الخصيب يلجأ إلى الاستجداء في مؤتمرات إقليمية ودولية لإعادة إعمار ما دمره تنظيم داعش الإرهابي؟
نحن نفهم، ونتفهم، أن تطلب السلطة الفلسطينية من العالم تمويل إعادة إعمار غزة والمدن والقرى الفلسطينية المدمرة. ونفهم، ونتفهم أن النظام السوري يدعو إلى تمويل عملية إعادة إعمار المدن السورية التي دمرها طرفا الحرب الأهلية طوال 6 سنوات دامية. لكن لا نفهم، ولا نتفهم، بل نخجل من أن العراق ذا الميزانية المليارية يمدّ يده إلى دول العالم ليستجدي قروضا ومنحا سرعان ما تتحول إلى حقائب الفاسدين والمفسدين الذين لا يشبعون.
المسألة ليست تخصيصات مالية يتم العبث بها والسطو عليها على أيدي لصوص الأجهزة التنفيذية والبرلمانية جهارا نهاراً، لكنها نظام الحكم الذي يسمح بالفساد ويتسامح مع المفسدين. وما النتيجة؟ النتيجة هي ما نراه في البصرة اليوم، وقبلها في الموصل وتكريت والفلوجة والرمادي والناصرية حتى كربلاء والنجف.
لسنا في معرض تسمية أشخاص ولا فضح مؤهلات مزورة وجدت في مناخ الاحتلال الأميركي المغرور والمتعجرف والمرتبك، ثم الاحتلال الإيراني المكشوف والجاهل والحاقد، ما يسمح بأن يتحول العراق إلى «حارة كلمن إيدو إلو» كما وصفها الكاتب السوري الساخر الراحل محمد الماغوط منذ 4 عقود. الوضع الآن ليس «كلمن إيدو إلو» فقط، وإنما «كلمن رجلو إلو» أيضا وأيضا وأيضاً.
لا أحد يعرف بالضبط أين ذهبت مليارات الدولارات التي جناها العراق من عائدات النفط في ظل الاحتلال الأميركي. لقد تبخرت فعلاً. فلا أثر لها ولا قيود مالية ولا سجلات ولا وصولات.
في بداية الاحتلال دخل مسؤولون عراقيون إلى مطار بغداد على طريقة النشالين، ونشلوا ملايين الدولارات نقداً، وقيدت الحادثة ضد مجهول! وتكررت الحادثة، سبحان الله، مرات أخرى، وواحدة منها على الأقل في حضور وزير المالية العراقي الأسبق وعلمه. والتزمت الحكومات العراقية المتعاقبة خلال سنوات الاحتلال الصمت عما حدث.
إلا أن المفتش العام الأميركي السابق ستوارت بوين قرر كشف المستور قبيل جلاء المحتلين، وقال إنه يتتبع الملايين وربما المليارات من الدولارات التي سرقها اللصوص المحليون الذين كانوا يحكمون العراق، وليس اللصوص الدوليون الذين يتحكمون فيهم، ولديه دلائل وشواهد أن أموالا طائلة سُرقت من العراق. وحين سُئل في مقابلة كم الرقم؟ قال: «من المستحيل معرفة الأرقام ولكني أعرف من حديثي مع العراقيين وخلال رحلاتي إلى العراق، وقد ذهبت إلى هناك 30 مرة، إن مئات الملايين، إن لم تكن المليارات، من أموال تنمية العراق سُرقت من قبل مسؤولين كبار في الحكومة العراقية لمصالحهم الشخصية الخاصة».
ولا تشمل مهمة المفتش العام تتبع عشرات المليارات التي أرسلت من البنك الفيدرالي الأميركي في نيويورك إلى الحكومة العراقية، بعد ما وصف بتسلم السلطة في عام 2004 أرصدة عراقية كانت محجوزة ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، ثم زعم بول بريمر السفير الأميركي الأسبق في بغداد أن 9 مليارات دولار منها تمت سرقتها من قبل مجهولين!
ويقول المفتش السابق إنه يأمل أن تتعلم الولايات المتحدة درسا حسابيا أساسيا من تجربة العراق، هو أن سكب النقد السائل بمئات الملايين من الدولارات السائلة في منطقة حرب أمر غبي، لأنه سوف يستخرج النزعات المنحطة في بعض الناس، ما يؤدي بهم إلى ارتكاب السرقة.
لقد حدث هذا الأمر في عام 2004 حين كانت موارد العراق النفطية والدولية تحت تصرف سلطة الاحتلال حصرياً. وللقارئ أن يتصور ماذا حدث بعد أن تمت مسرحية نقل السلطة والسيادة إلى السياسيين العراقيين القادمين مع دبابات الاحتلال، حيث ظل العراق لأكثر من 5 سنوات يُصدّر النفط إلى الخارج بلا عدادات ولا سجلات، وكأنه يُصدّر «بطيخاً»! المشهد الآن، سجلات حسابية مفقودة أو محروقة، ومليارات تبخرت على طريقة سلسلة أفلام «أوشين 11» الأميركية… والفاعل مجهول… لكنه معروف!
بعد عاصفة الأيام الأخيرة، فإن المتربصين برئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، وأبرزهم حليفا إيران نوري المالكي وهادي العامري، وجدوا في غضب البصرة فرصة العمر الذهبية للإطاحة بالعبادي والكتلة البرلمانية الكبرى التي تضم مقتدى الصدر وعمار الحكيم وإياد علاوي وحيدر العبادي وأعدادا من العلمانيين واليساريين.
ها هي عجلة لعبة «الروليت» تدور مرة أخرى لتحديد الرقم واللون الفائز برئاسة الوزراء، بعد أن تقلصت فرص العبادي، وارتفعت فرص غيره من المقامرين بحاضر ومستقبل العراق. أمامنا، في أغلب الظن 4 سنوات عجاف أخرى.
14 البصرة إذ تمتحن العراق… وإيران معاً
نديم قطيش
صحيفة الشرق الاوسط السعودية

لا يسمح العراق باستنتاجات سياسية سريعة، لا في البصرة ولا في غيرها. إحراق القنصلية الإيرانية في المدينة الشيعية الأكبر، وإحراق مقار الميليشيات الموالية لإيران، له معانيه الاحتجاجية على إيران بلا شك، بوصفها الوصي السياسي على جزء كبير من المشهد الشيعي السياسي في العراق. وهو احتجاج يثبت بلا أدنى شك فشل إيران في أن تكون جزءاً من أي إنجاز ثابت ومستقر في العراق، أو جزءاً من أي نجاح للشيعية السياسية التي رعتها في هذا البلد. لكن لا ينبغي التغافل عن أن المحتجين كادوا يحرقوا أيضاً القنصلية الأميركية لولا الإجراءات الأمنية المانعة، ما يعطي التطورات معاني تتجاوز الموقف من إيران حصراً.
فجذر الاحتجاج الشعبي في البصرة، أسبابه حياتية ومعيشية أولاً وقبل كل شيء، تجلت أخيراً في مياه شرب قاتلة تُدخل أكثر من 1200 حالة تسمم إلى المستشفيات يومياً.
وهو تطور شعبي هز عموم البيئة السياسية الشيعية في العراق بكامل أطيافها كونه بدا قابلاً للتمدد إلى محافظات ومدن أخرى والتحول إلى انتفاضة شاملة في مواجهة عموم الطبقة السياسية. والحال، دُفعت كل المكونات الشيعية إلى إعادة حساباتها وخلط أوراقها مجدداً، وإعادة التموضع والتحالفات في معركة تشكيل الحكومة.
المفارقة أن مشهد البصرة الذي بدا في الإعلام موجهاً ضد إيران، شكل فرصة للتقارب بين رجل إيران في العراق، هادي العامري، زعيم كتلة «الفتح» البرلمانية ورئيس ميليشيا منظمة بدر، ومقتدى الصدر زعيم كتلة «سائرون»، الأكبر في البرلمان العراقي، والحليف «السابق» لرئيس الوزراء حيدر العبادي والسياسي العراقي الذي يحاول بناء هوية وطنية عراقية مستقلة تحديداً عن إيران.
قبل أحداث البصرة كان تحالف الصدر والعبادي وعمار الحكيم وإياد علاوي، يسعى لأن يستمر العبادي رئيساً للحكومة الجديدة، لينقلب الصدر باتجاه معاكس تماماً، بادئاً البحث عن تفاهمات مع جماعة إيران.
ما الذي حصل؟
بالنسبة للصدر، ما كان ممكناً تحييد العبادي عن كونه أحد المسؤولين عن الفشل المشكو منه في البصرة، من موقعه كرئيس للحكومة، وكان لا بد من تقديمه كبش فداء بغية ضبط الشارع وإدارة الكتلة الغاضبة.
وما سهل الاتجاه (غير النهائي) للتضحية بالعبادي أنه لم ينجح في الحفاظ على كتلته المنتخبة، والتي عانت من انسحابات واستقالات أضعفتها وأضعفت معها الجبهة التي يراهن الصدر عليها. كان آخر التشققات الجدية في كتلة العبادي، خروج مستشار الأمن القومي ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض منها، ما دفع العبادي لإقالته من رئاسة الحشد ومحاولة عرقلة طموحه لتولي منصب رئاسة الوزراء. كما أن العبادي، من وجهة نظر الصدر، بالغ في الالتصاق بالموقف الأميركي في العراق، وكان آخر مواقفه الإعلان عن التزام بغداد بتطبيق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران.
بهذا المعنى يبدو الصدر أقرب للتخلي عن العبادي، في لحظة ضعف الأخير، متلقفاً في المقابل إقبال حلفاء إيران عليه، واستعدادهم لقبول تصوره للحكومة المقبلة. ففي أول رد فعل على المظاهرات الصادمة لإيران في البصرة، بعث العامري برسالة للصدر قال فيها إنه «مستعد لاعتماد شروط المرجعية في تسمية رئيس الوزراء المقبل، وسحب ترشيحه مقابل عقد اتفاق بين «الفتح» (العامري) و«سائرون» (الصدر) يفضي لتسمية مرشح تنطبق عليه شروط المرجعية».
بالطبع تسعى إيران لتحويل أزمة البصرة إلى فرصة. فهي تغري الصدر بالتجاوب مع مشروعه للحكومة المقبلة وشروط المرجعية لتشكيلها من «غير المجربين» وممن هم خارج دائرة التحاصص الحزبي، مقابل أن تنتهي كلياً من حيدر العبادي.
في المقابل يسعى الصدر لانتزاع مساحة استقلال أكبر عن إيران في الحكومة العراقية وفي سدة رئاستها. ففي مقابل مساعدة أحزاب إيران على امتصاص صدمة البصرة، قد ينجح في إيصال من يريد إلى رئاسة الحكومة، وهذه نتيجة عظيمة بالنسبة له ولو كان ثمنها التضحية بالعبادي.
مناورة الصدر بالغة الخطورة، فيما لو ضحى بالعبادي ولم ينتزع الحد الأقصى من شروطه لتشكيل الحكومة، وهي الابتعاد عن منطق المحاصصة الحزبية والفساد في تشكيل الحكومة، واختيار شخصية لرئاستها من خارج النادي السياسي التقليدي منذ 2003. فشل المناورة سيحولها إلى فرصة لإيران لالتقاط أنفاسها وتحسين موقفها وموقعها في العراق، بعد تراجعات متتالية أصابتها منذ خروج رئيس الحكومة السابق نوري المالكي من الحكم وحتى الآن.
وهنا ملاحظة لافتة، تنسجم مع واقع أن التناقضات ليست جديدة على تجربة الصدر. فشروطه وشروط المرجعية الشيعية، السيد علي السيستاني، لرئاسة الحكومة، لا تنطبق على العبادي، وهو الحزبي في حزب الدعوة والسياسي غير التكنوقراطي وأحد أبناء النادي المُجرب، فكيف كانت الأمور قبل البصرة تسير باتجاه إعادة ترشيحه؟
هل كان الصدر يضمر منذ البداية إطاحة العبادي لصالح مشروع حكومة جديدة شكلاً ومضموناً تنقذ العراق، وتأخذه نحو مسارات جديدة بالتفاهم مع المرجعية وربما أبعد؟ كل جواب متسرع عن هذا السؤال هو جواب خاطئ بالضرورة.
امتحان البصرة وما بعدها سيحمل الجواب..
15 البصرة… غزيرة النفط شحيحة المياه
مينا العريبي
صحيفة الشرق الاوسط السعودية

طفح الكيل. لم يعد بإمكان أهل البصرة السكوت عن عقود من الظلم، وخرج الآلاف للتظاهر ضد ما عانته الفيحاء من عدم حصولها على أبسط الخدمات. أغنى مدن العراق الغزيرة بالنفط والمتكئة على الخليج العربي والشاهدة على التقاء دجلة والفرات تعاني العطش، تعاني من شحة المياه الصالحة للشرب أو حتى تلبية أبسط الاحتياجات.
سقط خلال المظاهرات 15 قتيلاً والعشرات من الجرحى -بينهم شباب ورجال أمن. وقد سقطت آمال الملايين من العراقيين بالخروج من الأزمات المتتالية. كان من اللافت تزامن المظاهرات مع المشاورات السياسية في بغداد حول تشكيل الحكومة -والفارق الكبير بين هموم الشارع وهموم الساسة. لم تكن تلك المشاورات حول كيفية تأمين المياه الصالحة للشرب، أو معالجة البطالة، أو وضع خطة شاملة للاقتصاد، أو تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبلاد. بل كانت عن «الحصص» وأسماء المرشحين لشغل المناصب. حلقة جديدة من مسرحية «الكراسي» التي تتبادلها الأحزاب السياسية وتساوم عليها.
وفشل البرلمان العراقي في تسمية رئيسه يعكس فشل ممثلي الشعب في تلبية احتياجاتهم. والآن هناك مطالبات باستقالة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي من دون تحديد البديل المناسب. كالكثير من التصريحات السياسية في العراق، الغرض من المطالبة رفع الحرج عن المتورطين في أزمة البلاد من دون أن تؤدي هذه الخطوة إلى نتيجة ملموسة. القضية لا تُختصر على تسمية رئيس الوزراء الجديد، بل قضية سوء إدارة الدولة لسنوات طويلة، وعدم تقديم المصلحة العامة على المصالح السياسية والشخصية.
قد لا يصدق القارئ أن العراق لديه وزارة كاملة اسمها وزارة الموارد المائية -وزارة بميزانية لا بأس بها ووزير يتمتع براتب ضخم وحمايات وصلاحيات. إنها الوزارة المسؤولة عن بلد شهد خلال الأشهر الستة الماضية جفاف أحد أهم مصادر المياه العذبة للعراق (نهر دجلة) وشهد تلوث مياه أهم مدنه، البصرة، ما أدى إلى تسمم أكثر من 20 ألف مواطن. زادت معاناة الملايين خلال أشهر الصيف القاسية. وعندما عقد البرلمان العراقي جلسته الطارئة حول أزمة البصرة، قال الوزير حسن الجنابي إن «مياه الشرب والمياه المعالجة تخضع لاختصاصات أخرى»، أيْ خارج نطاق عمل الوزارة. وأضاف أن «حادث التلوث لم يحصل في منظومة المياه الخام». وأعطى تبريرات لعدم مسؤوليته في شهادته أمام البرلمان، بدلاً من السعي إلى إعطاء مقترحات والعمل على حلول تحدّ من معاناة الشعب. وهذا دليل بسيط على انعدام المسؤولية عند الغالبية من الساسة، ونتيجة لعدم محاسبة المفسد أو المقصر. عدم محاسبة المسؤولين، والسماح بالفساد المستشري، أدّيا إلى أزمات متلاحقة في العراق. التمادي الذي تشهده البلاد نتيجة مباشرة لعدم محاسبة أي مسؤول من الصف الأول خلال السنوات الماضية. كلما كانت هناك قضية تخص المال العام، وفتح تحقيقات لمحاسبة مسؤول عراقي، النتيجة كانت واحدة -هروب المتهم إلى دولة أخرى وفي أحيان قليلة سقوط كبش فداء من المسؤولين الصغار. لم يُسجن أو يعاقَب مسؤول من الصف الأول على سلسلة من الجرائم في حق الدولة: من تهريب الآثار، إلى صفقة السلاح بقيمة 4.2 مليار دولار عام 2012، إلى سقوط الموصل في أيدي «داعش» عام 2014، وتسمم أكثر من 20 ألف مواطن في البصرة… اللائحة تطول، والتفاصيل مختلفة ولكن النتيجة واحدة «حاميها حراميها».«المحافظة» يتحمل جزءاً غير قليل من اللوم. بموجب النظام السياسي العراقي بعد 2003 المحافظات لديها صلاحيات ومسؤوليات أوسع بكثير من السابق. وبينما مجلس المحافظة يلوم العاصمة على التقصير، بغداد ترد بأن مجلس المحافظة فشل في أداء مهامه. الفيدرالية عندما تكون ناجحة تكون أفضل أداة لإدارة دول متنوعة في هويات سكانها واحتياجات محافظاتها. ولكن عندما تصبح الفيدرالية سبباً آخر في تهرب الأطراف المحلية والاتحادية من المسؤولية، تكون كارثية. بين تارة وأخرى، نسمع عن أطماع ساسة في إقامة «إقليم البصرة»، خصوصاً أن البصرة تتمتع بثروة نفطية وزراعية طائلة. وقد عادت تلك الأصوات خلال هذه الأزمة، ولكن مرة أخرى تأتي ممن يريد المنفعة السياسية من دون إيضاح كيف يمكن لأهل البصرة الاستفادة من هذا المشروع. فالفساد محلي مثلما هو اتحادي، وعدم وضع الآليات لحماية المال العام، مثل تقوية العمل الرقابي والقضائي، يعني تكرار الأزمة على كل الأصعدة.
لقد وُجهت تهديدات بالقتل إلى المتظاهرين وتم اعتقال العشرات، كما حاول بعض الأطراف أن تخطف التحرك الشعبي. وذلك أدى إلى تراجع المظاهرات، ولكنه لا يعني أن الناس قبلوا بالوضع أو أنهم لن يثوروا ثانية. وهناك دلائل على تورط بعض الميليشيات وبعض العناصر الموالية لإيران بالوقوف وراء التهديدات. كان غضب المتظاهرين تجاه طهران واضحاً ومبرراً. ورفع العلم العراقي بدلاً من العلم الإيراني دليل على رفض الشعب لأن تكون لإيران اليد الطولى في البصرة.
بالطبع، لا يمكن الترحيب بمهاجمة ممثلية دبلوماسية تحت أي ظرف. ولكن عندما تصبح الممثلية رمزاً للتدخلات السلبية في البلاد وتساهم بالضرر، من غير المستبعد الغضب الموجه إليها.
لقد رفض الشارع العراقي تكراراً أكذوبة الطائفية. ومرة أخرى نرى أن محافظة ذات أغلبية شيعية مطلقة لم تستفد بشيء من تولي أحزاب إسلامية تدّعي أنها تمثل الشيعة السلطة في البلاد. ولهذا نرى الأحزاب هذه في حالة ارتباك حقيقي.
خطورة الموقف الحالي تتعلق بأهمية البصرة اقتصادياً واستراتيجياً للعراق، بالإضافة إلى أنه يعكس مدى الرفض الشعبي للوضع السياسي الراهن.
لا توجد قوة شاركت في الحكم خلال السنوات الماضية يمكنها أن تدّعي أنها لم تخطئ أو تشارك ولو نسبياً في تدهور الأوضاع. مع هذا، من الضروري الاعتراف بوجود قلة من المسؤولين سعوا لخدمة الشعب، ولكنهم كانوا يعملون ضد تيار قد استشرى من الفساد والتفريط بالمصلحة العامة. هؤلاء ومعهم مجموعة من النواب الذين يدخلون البرلمان للمرة الأولى أمامهم فرصة ملحة للقيام بمهامهم والنهوض بعمل جاد.
لا بديل عن العمل السياسي والبحث عن حلول مجدية من خلال الآلية السياسية. وإلا ما شهدناه من تحرك الشارع البصري يمكن أن يصبح بداية انتفاضة شعبية واسعة في كل العراق بعد أن طفح الكيل.
16 انتفاضة البصرة تهز قواعد إيران و… العبادي
جورج سمعان صحيفة الحياة السعودية

أطلقت أحداث البصرة مرحلة جديدة في الصراع السياسي. لم تنتظر القوى والأحزاب، لا سيما الشيعية، خمود النار، أو تحقيق بعض مطالب الناس. سارعت إلى توظيف الانتفاضة. تسابقت على ذم الحكومة وهي جزء منها ومن الحكومات التي سبقت. وشنت هجوماً على الأميركيين الذين ركبت دباباتهم للوصول إلى بغداد وإسقاط نظام صدام حسين. حملت حيدر العبادي ووزراءه المسؤولية. والتقى «شريكه المفترض» مقتدى الصدر مع خصمه هادي العامري زعيم كتلة «الفتح» التي تضم فصائل «الحشد الشعبي» على مطالبته بتقديم استقالته والرحيل. ولم تتأخر رموز المرجعية في النجف أيضاً في تحميل المسؤولية لأهل الحكم والنظام. فيما لم يجن المتظاهرون شيئاً، كما في كل مرة. لم تترك رسائلهم النارية أثراً كبيراً في الطبقة السياسية التي كان يتوقع منها أن تسارع إلى التزام المهل الدستورية والتفاهم على اختيار الرؤساء الثلاثة للجمهورية والبرلمان والحكومة. اكتفى المتسابقون على مقاعد الحكم، ورعاتهم في الخارج، بتبادل الاتهامات. لم يلتفتوا إلى الحراك الذي انطلق من البصرة مطلع تموز (يوليو) الماضي احتجاجاً على انعدام الخدمات وبلوغ البطالة في هذه المدينة مستوى غير مسبوق (نحو 65 في المئة). وقد تصاعد الأسبوع الماضي بعد تسمم أكثر من ثلاثين ألفاً من الأهالي بسبب المياه الملوثة. وهاجم المتظاهرون مبنى المحافظة وإدارات رسمية وكل ما يعتبرونه رمزاً للسلطة التي يتهمونها بالفساد. وطاول غضبهم مقار فصائل «الحشد الشعبي». وكذلك أضرموا النار في القنصلية الإيرانية في البصرة. فهم يتهمون طهران بالهيمنة والمسؤولية عن شح المياه الذي ضرب مدينتهم بسبب تحويلها مجرى أنهر كانت تغذي دجلة، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة والتلوث.
«انتفاضة البصرة» لم تكن الأولى. شهدت مدن جنوب العراق طوال العام الماضي تظاهرات كانت تشتعل حيناً وتخفت أحياناً، احتجاجاً على غياب الخدمات وفرص العمل… إلى أن انفجر الوضع في الأيام الأخيرة في حركة شعبية عفوية كشفت يأس الناس ووضعهم المأسوي، وتبرمهم من الأحزاب الدينية، ورفضهم التدخلات الخارجية، خصوصاً من جانب إيران. وكان أهل المدينة التي تساهم بثروتها النفطية في تمويل الخزينة العامة بنحو ثمانين في المئة من الدخل، رفعوا الصوت مراراً مطالبين برفع الحيف والإهمال عنهم. علماً أنهم لم يخفوا، منذ إقرار الدستور الجديد للبلاد إثر الغزو الأميركي عام 2003، رغبتهم في تحويل المدينة ومحيطها إقليماً، على غرار إقليم كردستان. هم كانوا وراء الانتفاضة، وإن كثر «المندسون» المخربون والسياسيون. لم ينظمها أو يطلقها طرف من أطراف الصراع الداخلي أو الخارجي. وإن «اندس» هؤلاء وتبادلوا الاتهامات بالمسؤولية عن تحريك الشارع من أجل الضغط والتعجيل في اختيار الحكومة الجديدة وحسم مسألة الكتلة الأكبر في المجلس النيابي. وكان واضحاً أن جميع المنخرطين في الأزمة السياسية الحالية في البلاد يسعى كل منهم إلى توظيف هذه الانتفاضة لمصلحته. وما ساهم في رفع درجة التوتر والخوف من صدامات أهلية وسقوط البلاد في الفوضى أن الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية تتسابقان للفوز بسدة الحكم بخلاف التجارب السابقة التي كانت تنتهي، عبر وسطاء محليين أو غير محليين، إلى التفاهم على تسمية رئيس الوزراء وتوزيع الحصص. كان الكرد، خصوصاً الرئيس الراحل جلال طالباني، وقوى إقليمية أخرى، يؤدون دوراً في هذا المجال. ولم تكن واشنطن، كما هي اليوم، ترفع شعار مواجهة طهران، وتفرض عليها عقوبات هي الأشد والأقسى، وتسعى إلى إقامة تحالف واسع في الإقليم لمحاصرتها ودفعها إلى تبديل سلوكها. كذلك لم تكن الجمهورية الإسلامية قبل سنوات تمر في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة كما هي حالها هذه الأيام. بل لم يكن الصراع السياسي بين تياريها المحافظ والمعتدل بمثل هذه الحدة والانقسام اللذين يهددان النظام برمته.
حلفاء إيران هاجموا رئيس الوزراء العبادي. ولحق بهم السيد مقتدى الصدر الذي يفترض أنه ورئيس الوزراء شريكان مع آخرين لإعلان أكبر كتلة نيابية لتولي تشكيل الحكومة الجديدة. لكن يبدو أن السيد يريد كعادته أن يركب موجة الاعتراضات هذه، في ما يبدو أنه سباق لملء الفراغ الذي تخليه الأحزاب الدينية. وهو ما يسعى إليه أقطاب المرجعية في النجف التواق أيضاً إلى رفع يد طهران عن السلطة والحكم وإدارة البلاد. ولكن من المبكر التزاحم على وراثة هذا النفوذ أو اقتلاعه، ليس في جنوب العراق بل في البلد كله. ومن المبكر الجزم بأن واشنطن قادرة على تغليب دورها في بلاد الرافدين على سواه من الأدوار. صحيح أن العراقيين الذين عبروا في مناسبات عدة، وفي الانتخابات البرلمانية قبل أشهر عن مزاج معاد لإيران، أكدوا الرسالة ثانية بوضوح في تظاهرات البصرة بالهتافات المعادية لها وبحرق قنصليتها ومقار الفصائل الموالية لها. لكن الصحيح أيضاً أن «الحشد الشعبي» بفصائله المتعددة الرأس ليس هو المشكلة أو العائق وحده في وجه المنادين بـ «إيران برا برا». إن غالبية القيادات الشيعية المتناحرة اليوم على موقع رئاسة الوزراء هي التي هيأت الساحة للجمهورية الإسلامية، ولا تزال تساهم في تسهيل تدخلها في الشؤون العراقية. فلا عجب مثلاً في أن تعلو الأصوات، محذرة من عودة حزب البعث وبقاياه، أو من «مندسين»، في كل مرة تتعرض الجمهورية وميليشياتها لشعارات معادية أو اعتداءات. وهي أصوات تكاد تكون كافية لاستنهاض القوى الشيعية لمواجهة «الخطر المحدق».
والواقع أن سياسة التوسع والهيمنة التي تنهجها طهران في المنطقة العربية كلها يساعد في انتشارها وحمايتها طائفة واسعة من الشيعة الذين يرون إلى أنفسهم مهددين كأقلية في بحر السنة الواسع في الإقليم. لذلك، لا يجدون غضاضة في الاستقواء بها واللجوء إليها صمام أمان. كما أن القيادة الإيرانية لا تعدم وسيلة في اللعب على التوازنات داخل أحزاب هذه الطائفة وقواها. ولا يضيرها في النهاية غياب أشخاص وبروز آخرين إذا ضمنت بقاء القيادة في أيدي هذه القوى… وكانت بعد انتخابات 2014، ضحت بنوري المالكي، أحد أبرز حلفائها، لمصلحة العبادي، وراعت رغبة المرجعية تحاشياً للصدام معها، مثلما راعت رغبة القوى الشيعية المناهضة لزعيم «دولة القانون».

الهدوء على جبهة البصرة قد لا يطول. فلا شيء يشي بأن السلطة قادرة على استجابة مطالب الناس بعد إهمال طويل، وفي ظل الصراع السياسي الداخلي والخارجي المحتدم، وتوزع مراكز القوى المتقاربة الحجم، والتهديدات المتبادلة بإسقاط أي حكومة لا تراعي هذا الفريق أو ذاك، لا توجد قوة راجحة الكفة تشكل مرجعية صالحة يلتف حولها المظلومون واليائسون والمهمشون الذين عبروا صراحة عن رفضهم النظام السياسي القائم منذ الغزو العراقي لبلادهم. فلا الولايات المتحدة باتت معنية بنظام ديموقراطي كما وعدت قبل عقد ونصف العقد. بل قد تكون معنية بفتح كوة في جدار العلاقة مع إيران إذا صحت تصريحات الرئيس حسن روحاني عن رغبة الرئيس دونالد ترامب في فتح حوار بين البلدين. ولا طهران معنية بترسيخ صيغة تعمم الهدوء والاستقرار والتوازن بين المكونات المختلفة مذهبياً وعرقياً وطائفياً بقدر ما هي مهتمة بتعميق حضورها في عاصمة الرشيد. ولا تبدي مرونة في التعامل مع أزماتها ومع الجيران. وآخر هذه الهجمة على روحاني وتياره في الداخل، ورفض الحوثيين حلفائها التوجه إلى محادثات دولية في جنيف قبل أيام.
الهدوء قد لا يطول. بل هناك من يحذر من صدامات وفوضى، خصوصاً أن الصراع على «الكتلة الأكبر» قد يطول. فللمرة الأولى منذ 2003، يشهد العراق هذا التجاذب الحاد بين إيران والولايات المتحدة، والتي تساهم في تعميق الانقسامات في صفوف مكوناته. فالشيعة شيع والكرد أحزاب وقوى تناهض الحزبين الكبيرين العليلين أيضاً. والسنة موزعون كتلاً وجماعات هنا وهناك يطلبون الحماية من الداخل والخارج بعدما استعصت عليهم وحدة الصف. وللمرة الأولى، يقيم أهل كردستان في محطة الانتظار. لا يريدون ترجيح كفة فريق على آخر. اكتووا بنار المالكي أيام حكومتيه، ولم تكن حالهم أفضل أيام العبادي. حتى بريت ماكغورك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لم يتمكن من دفعهم إلى عربة العبادي وحلفائه. ولا قاسم سليماني و «حرسه» قادرون على إقناعهم بالتحالف مجدداً مع «دولة القانون» و «كتلة الفتح»، مع أنهم قادرون على هز الاستقرار في الإقليم بتحريك قواتهم لملاحقة الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني في كردستان العراق. الكرد ينتظرون أن يوافق أحد الطرفين على إعادة ما خسروه بعدما خسروا الرهان على استقلال كردستان بعد استفتاء العام الماضي. أضف إلى ذلك أن كتلة «سائرون» الموالية للسيد الصدر تبدل تحالفاتها بين ليلة وضحاها. وهي لا ذراع عسكرية لها لمواجهة أعوان إيران، كما أن لا رغبة لديها في مثل هذه المواجهة الميدانية. بل أكد ناطقون باسمها إثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن علاقات التيار الصدري بطهران «ثابتة»، على رغم توجه السيد إلى أهل الخليج خصومها اللدودين في الإقليم. كما أن هذا التيار لا نية لديه لتجديد المواجهة مع الأميركيين.
هذا الاستعصاء يعقد الخروج من المأزق السياسي والأمني. فلا حكومة موالية لإيران يمكن أن ترضي الشارع الذي قال كلمته في البصرة وغيرها في رفض نفوذ طهران والقوى المتحالفة معها. ولا حكومة موالية للولايات المتحدة يمكن أن تحكم البلاد وتديرها في ظل تهديد الفريق المناوئ لها باسقاطها في الشارع. فمن ينقذ العراق إذا ظل الصراع رهن هذا الشارع وذاك؟
17 بدعة إيران حرق السفارات
د. فهد الطياش
صحيفة الرياض السعودية

أسست الثورة الإيرانية منذ أربعين عاماً لممارسات إرهابية وفوضى لا يزال العالم المتحضر يدفع ثمنها، فمنذ الاعتداء على السفارة الأميركية في طهران وخطف الدبلوماسيين واحتجازهم لمدة طويلة كان الإعلام الأميركي يعدها بالأيام. نعم كان يعدها بالأيام وكانت حلقات البرنامج الإخباري الشهير «نايت لاين» مع تيد كابل وضعها كمؤشر يومي ليبقى في ذاكرة المواطن الأميركي.
وهذا من الممارسات المفصلية في الإعلام الأميركي حتى تبقى ذاكرة المواطن حية تجاه قضايا الوطن. ولم تسلم العديد من الدول من هذا الفكر الإيراني الإرهابي فتواصل الاعتداء على السفارات والقنصليات ومنها الاعتداء الشهير على السفارة السعودية والقنصلية أيضاً. ولم تقتصر تلك الثورة على تصدير أفكارها بل صدرت جرائمها التي طالت الكثير من السفارات حول العالم.
ولقد عانت الكثير من السفارات من هذا الفكر والإرهاب الإيراني المباشر أو غير المباشر. وهناك من يحصي تلك الاعتداءات المتكررة. ولكن اللافت للأمر أن الاحتجاجات العارمة في جنوب العراق هذه الأيام وخاصة في البصرة أيقظت بصيرة العراقيين حول الأيدي الإيرانية التي عبثت وستعبث بالعراق وتجعله منطقة صد عسكرية أو بيئة لتصدير المشكلات أو في كل الأحوال ممراً لتلافي العقوبات الدولية على دولة الإرهاب والتطرف.
نعم قام العراقيون بحرق القنصلية الإيرانية في البصرة ولكن كان يكفي طردهم وتحجيمهم وتعريف العراقيين بخطرهم، الأهم تعريف العراقيين بمخاطر أذنابهم التي هي أكثر من مخاطرهم. فهي التي جرت العراق إلى الوراء وتعمل على تحويله إلى مكب للنفايات السياسية الإيرانية. والعراق لن يكون كذلك مهما حاول الفرس، فهو البوابة الشرقية وسيظل وإن اختلفنا مع من يحكمه لفترات متقطعة. فالتوافق القادم والأقرب من الاختلاف وهو الأصل وليس الخلاف. فالعرب تقول «الظفر ما يطلع من اللحم». فأتمنى أن نتعلم من درس تاريخ إرهاب إيران في حرق السفارات لبدء حملة تثقيف دولية تتولاها الأمم المتحدة لحماية السفارات والدبلوماسيين من إرهاب الأنظمة المارقة.