1 أحداث البصرة في ذمّة الصدر… وسليماني يتهيأ للرد علي الأمين العرب بريطانيا
تراجع حالة الرهاب من إيران لدى النخبة الشيعية العراقية نقطة فارقة للنفوذ الإيراني في البلاد.
شيعة العراق: دعم إيران لم يغننا من جوع
ظلت إيران جاثمة على صدر العراق على مدى 15 عاما؛ فما الذي صار اليوم، ليثور العراقيون، في البصرة، ويحرقوا العلم الإيراني ويعلنوا العصيان على نخبة “الولي الفقيه” الحاكمة. ما حدث هو أنّ صبر العراقيين نفد، فهم لم يكونوا يبحثون عن “وليّ فقيه”، بل كانوا صابرين يتطلّعون إلى وضع حياتيّ أفضل على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإلى “وطن”، اكتشفوا أن إيران احتلته سياسيا وعسكريا. وصل العراقيون إلى مرحلة الانفجار بسبب الجوع والعطش والبطالة والتهميش والإرهاب والفساد ومصادرة الحق في العيش الكريم، وبالتالي وجبت محاسبة من أسس لتلك المآسي.
أحداث البصرة التي شهدها العراق مؤخرا، أطلقت العنان لسؤال مركزي برز بوضوح في كل السجالات والتعليقات التي رافقت هذه الأحداث وتلتها، سواء كانت المواقف والتعليقات متطابقة أو متعارضة، والسؤال هل بدأ العراقيون، لا سيما المكون الشيعي، يعبّر عن رفضه للنفوذ الإيراني في العراق؟
لا شك أنّ البارز في أحداث البصرة، كان مشهد الاعتراض الشعبي على سوء الخدمات على أبسط المستويات أي الماء والكهرباء بالدرجة الأولى، فهذه المدينة التي تسكنها غالبية شيعية، هي الثالثة بعد العاصمة بغداد ومدينة الموصل من حيث الحجم وتعداد السكان، وهي الأولى من حيث الأهمية الاقتصادية، فهي تحتضن ميناء تصدير النفط العراقي، وهي المدينة العراقية الوحيدة المطلة على الخليج العربي، وتعتبر المصدر الأول للنفط وللموارد المالية للخزينة العراقية.
لهذا السبب، ولكونها كانت المدينة الأهم في العراق من حيث التنظيم المدني وتوفر الخدمات فيها، منذ تأسس العراق الحديث، ولأنّها المعبر الأساسي للنفط العراقي نحو الخارج، ومقر للعديد من الشركات النفطية والصناعية المرتبطة، تميزت هذه المدينة بكونها من المدن العراقية التي تتميز بنوع من الرفاهية مقارنة ببقية المدن العراقية.
تركز انفجار الاحتجاجات في البصرة بدرجة أساسية على عناوين إيران في المدينة، فضلا عن المحافظة الغائبة إلاّ عن الفساد والتي تمثل سلطة الدولة وتتحمل مسؤولية عدم التجاوب مع مطالب المواطنين المحقة، فحرق القنصلية الإيرانية ليس هو الحدث البارز فحسب في مسلسل الأحداث الذي سقط فيه خلال أيام أكثر من خمسة عشر قتيلا وعشرات الجرحى من المحتجين، بل حرق مقرات الميليشيات الشيعية لا سيما تلك المعروف ارتباطها الوثيق بإيران كمنظمة “بدر” و”عصائب أهل الحق” و”الدعوة” جناح نوري المالكي وغيرها من المقرات، كشف إلى حدّ بعيد أنّ موجة الغضب في البصرة تركّزت ضدّ مظاهر النفوذ الإيراني بالدرجة الأولى.
محاولة إيران التملص من مسؤولياتها حيال الدرك الذي وصل إليه العراق، لم تعد تقنع العراقيين، وهو ما أظهرته ردة فعل المحتجّين في البصرة من سوء الخدمات وانعدامها
ودفع هذا الماكينة الإعلامية التابعة لمحور إيران إلى ربط الأحداث بتدخّلات خارجية، فأحالت أحداث حرق القنصلية والمقرّات الحزبية إلى تحريض دول معادية على إيران، أي السعودية والإمارات، وصولا إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولم يغب عن لائحة الاتهامات كل من يندرج في إطار ما تسمّيه القوى التابعة لإيران، القوى الصهيونية والتكفيرية.
سواء كانت التدخلات الخارجية صحيحة أو غير صحيحة، فإنّ العراقيين عموما، وأهل البصرة على وجه الخصوص، يدركون أنّ المآسي التي يعيشونها، والإهمال الذي يُقابل مطالبهم المحقّة به، ليست إلا نتاج سلطة عراقية كانت إيران الطرف الداعم لتولّيها، إذ لا يمكن الحديث في العراق عن حكومة تشكلت منذ الغزو الأميركي في عام 2003 حتى اليوم، لم تكن برضا الولايات المتحدة وإيران، فطهران هي الطرف الذي يقرر أو يوافق على اسم رئيس الحكومة والوزراء الشيعة، وبعد ذلك توافق واشنطن أو تعترض، فالمعادلة التي جمعت الأميركيين والإيرانيين في مقاربة قضية السلطة في العراق، تقوم على قاعدة أنّ طهران هي من يسمي المسؤولين العراقيين في الحكومة ولا سيما الشيعة منهم، مقابل التزام القيادة الإيرانية بضمان عدم المس بمتطلبات واشنطن وبرامجها.
من هنا، فإنّ محاولة إيران التملص من مسؤولياتها حيال الدرك الذي وصل إليه العراق، لم تعد تقنع العراقيين، وهو ما أظهرته ردة فعل المحتجّين في البصرة من سوء الخدمات وانعدامها، التي استحضرت إيران كطرف مسؤول عن أزماتهم.
غضب عراقي من ممارسات إيرانغضب عراقي من ممارسات طهران
وفي هذا السياق تؤكد مصادر متابعة من داخل العراق أنّ الغضب الإيراني غير المعلن يتركز على اتهام السيد مقتدى الصدر بأنّه هو الذي أوعز لمناصريه في البصرة باستهداف المراكز الإيرانية، خصوصا أنّ مقرات ومكاتب التيار الصدري لم تتعرض لأيّ اعتداء أو إحراق في البصرة، فضلا أن الأحداث جاءت بعد تطور لافت لم يعلن عنه، تمثل في رفض الأمين العام لحزب الله لقاء مقتدى الصدر خلال وجوده في بيروت قبل نحو عشرة أيام، لا سيما أنّ الصدر كان يأمل إيجاد صلة وصل مع القيادة الإيرانية من خارج نافذة قائد فيلق القدس قاسم سليماني وفريقه في العراق، بسبب توتر العلاقة معه، وثبت لدى الصدر أنّ الإيرانيين لا يريدون بناء علاقة متوازنة تراعي الخصوصية الوطنية العراقية. وغادر بيروت إلى بغداد الأسبوع الماضي، لتنطلق الأحداث في البصرة غداة وصوله.
الصفعة التي تلقتها السياسة الإيرانية في العراق، ساهمت أيضا في إطلاق حملة شعواء على رئيس الحكومة حيدر العبادي، وبحسب المعلومات، فإنّ القيادة الإيرانية تعتبر أنّ العبادي تساهل في مواجهة الاحتجاجات.
من هنا، فإنّ غضب إيران لن يمر من دون عقاب. ويبدو في الظاهر أنّ العبادي هو من يستحق العقاب الإيراني بإخراجه من السباق الرئاسي، لكن ما هو مسكوت عنه في العلن هو الهدف الحقيقي، أي مقتدى الصدر. لكن ما يجعل الصدر محصّنا هو أنّ القيادة الإيرانية لم تجد آذانا صاغية لهذا التوجه لدى مرجعية النجف، التي لم تعط أي إشارة يمكن أن يستفاد منها إيرانيا للنيل من الصدر.
وبعد انقشاع المشهد الميداني برز بوضوح أنّ إيران لم تكن هذه المرة طرفا قادرا على التواري مقابل أصوات والمحتجين العراقيين، بل انكشفت كطرف لا يمكن تفاديه حين المطالبة بأبسط الحقوق، وهذا إنّ دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّ إيران لن تكون بمنأى عن الاحتجاجات التي ستخرج مستقبلا من المدن الشيعية في العراق، وذلك لقناعة باتت راسخة لدى معظم العراقيين بأنّ أيّ نهوض بالدولة العراقية لا يمكن أن يكون بمنأى عن تراجع النفوذ الإيراني في هذا البلد.
ما يجعل مقتدى الصدر محصّنا هو أنّ القيادة الإيرانية لم تجد آذانا صاغية لهذا التوجه لدى مرجعية النجف، التي لم تعط أي إشارة يمكن أن يستفاد منها إيرانيا للنيل منه… والصدر الأقدر على تحريك الشارعما يجعل مقتدى الصدر محصّنا هو أنّ القيادة الإيرانية لم تجد آذانا صاغية لهذا التوجه لدى مرجعية النجف، التي لم تعط أي إشارة يمكن أن يستفاد منها إيرانيا للنيل منه… والصدر الأقدر على تحريك الشارع
في المقابل فإنّ الكتل البرلمانية العراقية ولا سيما الشيعية، لم تستطع بعد استيعاب ما جرى، فهي تدرك أنّ المواجهة مع إيران ليست مضمونة النتائج، بل إنّ لدى إيران من الأوراق حتى مع الأميركيين من أجل مقايضة نفوذها بتقديم تنازلات لواشنطن، لكن ما يمكن أن نسميه حالة الرهاب من إيران لدى النخبة الشيعية العراقية، تراجع لصالح بروز مساحة أوسع لتحرك هذه النخبة في الحيّز الوطني.
من هنا، فإن تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان دخل في مرحلة جديدة عنوانها إعادة خلط الأوراق الذي دفع الصدر عبر كتلة سائرون إلى العمل على جذب قوى جديدة للحلف الذي عقده مع كتلة النصر التي يرأسها العبادي، والإغراء الذي يقدمه الصدر لهؤلاء بشرط استبعاد نوري المالكي هو فتح الباب أمام إعادة الاتفاق على خيار جديد بالنسبة لتشكيل الحكومة ورئاستها بالتوافق. ومنها قائمة الفتح التي يرأسها هادي العامري.
يبقى أنّ مقتدى الصدر الذي نالت قائمته في الانتخابات النيابية المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، يشكل اليوم التحدي الأبرز لإيران داخل البيئة الشيعية، ذلك أنّ الصدر هو الأقدر على تحريك الشارع، وهو بتحالفه مع العبادي والحكيم أصبح يمتلك شرعية شعبية عراقية صافية ليس لإيران أي دور فيها، بخلاف بقية القيادات التي برزت أسماؤها خلال وجودها في إيران أو بسبب علاقتها القوية مع القيادة الإيرانية في العراق.
يدرك الصدر، بغريزته السياسية، أنّ مصدر قوته يكمن في عدم الاقتراب من إيران، لكن ليس إلى الحدود التي تجعله طريدا لسليماني بعدما كان طريدا لحاكم العراق الأميركي بول بريمر قبل عشر سنوات.
2 العودة الى موضوع حكم الشيعة في العراق ادهم ابراهيم راي اليوم بريطانيا
في وقت سابق كتبت مقالا عن حكم الشيعة في العراق . وقد قلت في مقدمته
عندما كنا شبابا ، كنا نقرأ عن اليمين واليسار في الاسلام . وقد تأثرنا بالافكار اليسارية للمسلمين الاوائل ، مثل ابو ذر الغفاري وسلمان المحمدي وحبيب بن مظاهر ، وغيرهم حتى اوشك ان يرتبط الفكر الشيعي باليسار واليسارية ، وكنا مع كل الثورات اليسارية او هكذا كان يحلو لنا ان نسميها ضد الظلم على مر التاريخ . كما اعجبنا بجرأة المفكر علي شريعتي المتوفي غيلة عام 1977 في ايران ، والذي ربط التشيع باليسار حتى قال بأن كل نص قرآني به لفظ الله يعني الشعب ، لان الله مع الشعب ضد الاستبداد والاستغلال
وقد ربطت بين هذا الفكر وواقع حال حكم الاحزاب الاسلامية في العراق ، وكم اصبنا بخيبة الامل من البون الشاسع بين الفكر الاسلامي المنفتح العادل وبين واقع حال الحكم في العراق . والادهى من ذلك والامر فان الفساد السياسي واستغلال اموال الدولة ارتبط بهذه الاحزاب التي توصف بالاسلامية
الموضوع غير متعلق بالفقه الشيعي ولاعلاقة له بالطوائف وانما يأتي من باب الادعاء بالمظلومية والتي اصبحت مجرد شعار للوصول الى السلطة ، واستلاب الجماهير الفقيرة تحت ادعاءات ومسميات عاطفية
ونجد الان كثير من المقالات تتحدث عن اختلاف الكتل والاحزاب الحاكمة فيما بينها ، وتحذر من ضياع فرصة تاريخية للحكم قدمت لهم على طبق من ذهب . وبالرغم من انه يمثل واقع الحال الا اننا لايمكن القبول بهذا المنطق لان الاحزاب الحاكمة قد انشغلت بنهب اموال الدولة واهملت المواطنين رغم ادعائها بانها تمثل غالبية الشعب وكان يتوجب عليها تقديم نموذجا للحكم الرشيد العادل ، واذا ما اطلعنا على اوضاع العراق الان فاننا نقف على ابواب ثورة شعبية تقوم على اكتاف نفس الاغلبية التي تدعي الاحزاب الحاكمة انها جاءت لانصافها ، واذا تحدثنا عن الحكم العادل فاننا نهدف الى رفع المظلومية عن كل ابناء الشعب العراقي سنة وشيعة وكرد وليس التاييد المطلق لحفنة من السياسيين الفاسدين بدعوى حماية حكم الطائفة
ان فشل الاحزاب الاسلامية الشيعية في ادارة الحكم في العراق لايعني فشل الشيعة بالتاكيد ، ولكنه يعني فشل حكم الاسلام السياسي بغض النظر عن الطائفة التي تديره . لقد قدم الحكم عندنا نموذجا للفشل وسقوط الشعارات المضللة التي خدع بها الشعب بدعوى الاسلام تحت اية مظلة كانت شيعية ام سنية . وسيدرك الجميع بان حكم العراق لايمكن ان يستقيم بطائفة واحدة او قومية واحدة . ان من يريد الاصلاح ينبغي عليه تبني مبادئ العدل وليس التحزب الطائفي
ان الانشقاقات الشيعية الشيعية هي صراعات على الامتيازات والنفوذ وليست خلافات مبدأية او عقائدية ، وهي في ذلك لاتختلف عن الصراعات السنية السنية او الكردية الكردية في ظل هذه العملية السياسية المشبوهة منذ الاساس . ومن الخطل التحيز الى اي جهة خلافية او طائفية او محاولة لملمة صفوفها ، لان كل المشاركين في مايسمى العملية السياسية هم اصحاب مصالح وامتيازات ، ولاتستثني منهم احدا ، فما بال البعض يتباكى على حكم فاسد فاشل لينفخ فيه الروح بدافع العصبية المذهبية الجاهلية ، وكان المفروض به التبرؤ من كل اولئك الذين يديرون الحكم لانهم فاسدون فاشلون مصلحيون طفيليون عبيد الاجنبي . وهاهم الان يقومون باكبر عملية ذبح جماعي في مناطق الجنوب الثائرة وخصوصا البصرة الصامدة . ان المثقفين كل المثقفين مدعوين لفضح هؤلاء السياسيين لا التغطية عليهم تحت ذريعة حماية حكم الطائفة
لايمكن اعتبار الشخص مثقفا اذا لم يكن له بعد انساني . . فالثقافة ليست كتبا نقرأها ولااسماء مؤلفين نحفظها عن ظهر قلب . الثقافة فكر وسلوك حضاري قبل كل شئ ، ولاينبغي للمثقف ان ينتصر للجائر الباغي لمجرد نزعات عصبية فهذا منطق لا انساني وغير عادل
3 حُكّام العراق مِن البصرة.. فرح مرقة
راي اليوم بريطانيا
السياسيون ليسوا وحدهم من يشكلون “ظَهراً وسنَداً” لراغب علامة أو غيره في العالم العربي. فوفقاُ لرجلٍ كبير بالسنّ قرّر أن يشرح أزمة البصرة التي باتت دموية والعراق بشكل عام.
الرجل تحدّث بلهجةٍ عراقيّة محببة وعميقة وموجعة بذات الوقت من “البصرة القديمة” على قناة دجلة العراقية، بالقول:” عمّي اللي يحكمون العراق ثلاثة: الأحزاب ورئيس العشيرة وأبو العمامة، الأحزاب تقتِل، ورئيس العشيرة يفصِل، وأبو العمامة يحلّل ويحرّم”.
الرجل قال المفيد بالنسبة للعراق وهؤلاء أخطر بالضرورة على العراق من كل التدخلات الخارجية، فهؤلاء تحديداً وكلاء وسماسرة الخارج بالداخل (حتى لو كان الخارج هو الشيطان والمصالح الشخصية) في كل العالم العربي، وحتى في الدول التي لا يوجد فيها حياة حزبية فلَهُم نُظراء.
كلنا في العالم العربي نعرف انهم (أي الحزبيين وشيوخ العشائر ورجال الدين) الكارثة، ولكننا جميعاً اليوم في حيرة واسعة عنوانها “كيف نتخلّص من الثلاثة ومن يوازيهم ممن صعدوا على أكتافنا”؟.
4 شيعة البصرة ضد إيران!! وليد صبري الوطن البحرينية
جاءت الاحتجاجات الشعبية الحاشدة لسكان البصرة جنوب العراق لتقلب الطاولة على إيران والأحزاب والجماعات والميليشيات المسلحة الموالية لها، ولتعيد النظر في الحسابات السياسية القائمة بين الأحزاب، خاصة بعد معركة خلط الأوراق، لا سيما مع الصراع القائم على تشكيل الحكومة والسعي للظفر بمنصب رئيس وزراء العراق.
ولعل أكبر المتضررين من احتجاجات البصرة، إيران في المقام الأول، ثم حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي في المقام الثاني، الذي ربما تقلص تلك الاحتجاجات من حظوظه في توليه منصب رئيس الوزراء وسعيه لتشكيل الحكومة المرتقبة، خاصة بعد أن أصبح في مواجهة مباشرة مع تحالف «سائرون» بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي دعاه إلى الاستقالة في جلسة البرلمان الأخيرة التي خصصت لمناقشة تدهور الأوضاع في البصرة.
وإذا كان مؤيدو إيران في العراق قد ذهبوا إلى أن «الصدر هو من حرك المتظاهرين لكي يحرقوا القنصلية الإيرانية في البصرة، ويرددوا هتافات معادية لإيران، وبينها «إيران برا برا.. البصرة حرة حرة»، وإشعال المتظاهرين العراقيين لصور قائد الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني، والمرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، وهو ما لم يقدر عليه تنظيم الدولة «داعش»، طوال نحو 4 سنوات»، على حد تفسيرهم، إلا أنهم لم يدركوا أن السخط الشعبي ضد إيران وحكام البلاد من شيعة العراق في أحد المعاقل الشيعية الرئيسة في العراق لم يكن وليد صدفة، بل نتيجة تراكمات تسبب فيها تجاهل مطالبهم الرئيسة على مدار سنوات، وهذا ما يفسر التلاسن والمشادات الكلامية التي جرت في البرلمان العراقي بين رئيس الوزراء حيدر العبادي ومحافظ البصرة أسعد العيداني، من ناحية، وبين العبادي ونواب المحافظة في البرلمان من ناحية أخرى.
وربما جسدت تلك الاحتجاجات الشعبية لشيعة العراق ضد إيران في البصرة مدى السخط الشعبي الشيعي ضد نظام طهران وضد حكام العراق، حيث عبر شيعة البصرة عن رفضهم للهيمنة الإيرانية وكان الاحتقان والغضب الشعبي قد بلغ أشده لمرحلة غير مسبوقة من العنف بإقدام محتجي البصرة على حرق القنصلية الإيرانية في المحافظة واقتحامها وتدميرها من الداخل.
وتعيش البصرة حالة من الاحتقان والاستياء والغضب الشعبي منذ نحو شهرين نتيجة تردي الأوضاع الاجتماعية والخدمية في المحافظة الشيعية الغنية بالنفط، والتي من المفترض أنها تدر مبالغ خيالية تصب في ميزانية العراق، ومن ثم فإنها تعود بالنفع والخير على المواطن الشيعي البسيط في المحافظة، لكن فساد السلطة الحاكمة كان الشرارة التي دفعت العراقيين إلى الانتفاض ضد الفساد والظلم والاضطهاد والاتجاه نحو العنف ضد أي رمز لتلك السلطة الحاكمة حتى ولو كانت إيران. ولذلك لم يتردد المتظاهرون في الإقدام على حرق مقرات الأحزاب والجماعات والميليشيات الشيعية الموالية لإيران في المحافظة قبل أن يستهدفوا المباني الحكومية في المحافظة وبلغ الغضب ذروته باستهداف إيران وحكامها من خلال قنصليتها في البصرة.
وفشل ساسة العراق على مدار نحو شهرين في احتواء الغضب الشيعي في البصرة، حيث خرج عشرات الآلاف في المحافظة، ثم شمل الغضب كامل البلاد للتنديد بالفساد والبطالة وانعدام الخدمات الاجتماعية العامة، وكان آخرها الأزمة الصحية غير المسبوقة التي تسببت في معاناة عشرات الآلاف الذين تسمموا بمياه ملوثة، فيما تسببت المواجهات الدامية بين المتظاهرين وقوات الأمن العراقية في مقتل نحو 27 متظاهراً، بينهم 12 متظاهراً قتلوا خلال أقل من أسبوع، إضافة إلى إصابة المئات، نتيجة عنف قوات الأمن العراقية في مواجهة المحتجين.
ويجد العبادي وتحالفه في موقف لا يحسد عليه، لا سيما بعدما طالبت القائمتان الرئيسيتان – تحالف «سائرون» بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتحالف «الفتح» بقيادة هادي العامري – اللتان فازتا في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، باستقالة العبادي، في أعقاب جلسة استثنائية للبرلمان لمناقشة الأزمة القائمة في البصرة، وفقاً لما بثته وسائل إعلام محلية، حيث انقلب تحالف الصدر على العبادي، حينما طالب الأول باستقالة الأخير، ووجد العبادي نفسه في موقف صعب، تتقلص على أساسه حظوظه نحو تولي منصب رئيس الوزراء، وتسميته لولاية ثانية، بعدما تخلى عنه الصدر، في أول اختبار حقيقي كشف انقلاب الطاولة وخلط الأوراق السياسية بين حكام العراق، حيث وضعت احتجاجات الشيعة في البصرة الصدر في أول مواجهة حقيقية مع العبادي.
ولا يمكن تجاهل تحذيرات العبادي من اندلاع صراع مسلح بين المؤيدين والمعارضين لإيران في العراق، لا سيما وأن ميليشيات «الحشد الشعبي» دخلت على خط الأزمة وحاولت الاستفادة منها عسكرياً دفاعاً عن ملالي طهران، حينما لوحت بالنزول إلى الشارع قبل أن يستفيد منها سياسياً تحالف «الفتح» بقيادة هادي العامري والذي يعد الذراع السياسية للميليشيات الشيعية المسلحة، حينما طالب العبادي بالاستقالة، وهذا ما يفسر الهجوم اللاذع الذي شنه نائب قائد «الحشد الشعبي» أبومهدي المهندس، على العبادي حينما قال في مقابلة تلفزيونية إنه «ليس للقائد العام للقوّات المسلّحة حيدر العبادي أي دور في إحراز النصر على «داعش»، وإنما تمّ ذلك نتيجة استبسال الجندي العراقي وأبطال «الشرطة» الاتّحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وتلاحمهم مع إخوانهم في «الحشد الشعبي»».
* وقفة:
ينذر الغضب الشعبي والاحتقان غير المسبوق لشيعة البصرة بتحوله إلى صراع مسلح لا سيما بعد تلويح ميليشيات «الحشد الشعبي» المقربة من إيران بالنزول إلى الشارع في محاولة يائسة لإنقاذ انهيار شعبية ملالي طهران في العراق!!
5 غضبة البصرة العراقية فريد أحمد حسن
الوطن البحرينية
ملخص ما قاله المتظاهرون العراقيون في البصرة هو «يا إيران بره بره.. البصرة حرة حرة»، أما ملخص ما فعلوه فقد رآه العالم كله عبر الأخبار والصور والفيديوهات التي تناقلتها وسائل الإعلام والتي عبروا من خلالها عن غضبهم من تحكم النظام الإيراني في العراق وتعمده توصيل العراقيين إلى الحال التي هم فيها اليوم والعمل على إفقارهم أملاً في تركيعهم وتحويلهم إلى مجرد أدوات يمكنه استخدامها وقت ما شاء.
ما يجري في العراق اليوم وقبل اليوم، سببه الأول والأخير هو النظام الإيراني الذي يعتبر العراق مستعمرة تابعة له، تماماً مثلما أن ما يجري في لبنان وسوريا واليمن سببه هذا النظام الذي افتضحت غاياته، ولهذا فإن أحداً لن يدهش من حصول تحركات ضده في هذه الدول مثلما هو حاصل اليوم في العراق وتحديداً في البصرة التي رغم أنها توفر أغلب عائدات النفط العراقي إلا أنها لا تزال – بسبب هيمنة النظام الإيراني على الحكم في العراق – تعاني من نقص في الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وصار إنسانها في أسوأ حال.
ما جرى ولا يزال يجري في البصرة هو النتيجة الطبيعية لهيمنة النظام الإيراني وتحكمه في مفاصل هذا البلد العربي الأصيل، فالعراقيون خرجوا إلى الشوارع غاضبين بعدما ضاقوا ذرعاً بما آلت إليه أحوالهم وبما صاروا فيه، وخروجهم هنا ليس خروجاً ضد النظام الإيراني وحده ولكنه أيضاً خروج ضد الحكومة العراقية التي وصلوا إلى قناعة بأنها تابعة للنظام الإيراني ولم تخدم الشعب العراقي ولا تستطيع أن تخدمه لو أرادت طالما أن النظام الإيراني هو الذي يتحكم في كل شيء.
ولأن النظام الإيراني وصل مرحلة صار يعتبر فيها الشعب العراقي مهجناً وطيعاً بما فيه الكفاية لذا قال مسؤولوه تعليقاً على ما حصل في الأيام الأخيرة في البصرة بأن عناصر تخريبية تسللت بين المتظاهرين ونفذت عمليات حرق المباني ومنها مبنى القنصلية الإيرانية، فهذا النظام وصل إلى قناعة بأن ما قام به في العراق يفترض أنه أوصل الشعب العراقي إلى الحالة التي يريده فيها فلا يفعل أموراً من ذلك القبيل، والأكيد أنه مقتنع بأن كل فعل خارج هو من فعل الخارج، وهي إشارة واضحة إلى الدول التي تعتبرها منافسة لها كالسعودية على سبيل المثال.
التفسير الأسهل للنظام الإيراني بالنسبة لأحداث البصرة هو مزاعم بأن عناصر تعمل بمقابل من أجل مصلحة السعودية ومن معها هي التي قامت بأعمال التخريب بغية اتهامه بأنه هو السبب وراء ما حصل والقول بأنه هو الذي يقوم بعلميات التخريب والحرق، لكن لأن الأمور – بالنسبة للعراقيين على الأقل – واضحة لذا فإن أحداً لا يمكنه أن يصدق مثل هذا الكلام، خصوصاً والعالم كله يرى ما تسعى إليه السعودية ومن معها في كل المنطقة وعنوانه خير المنطقة وخير أبنائها.
بناء على هذا يسهل القول بأنه من غير المستبعد أن يكون النظام الإيراني هو الذي أوعز لعناصره للقيام بعملية حرق مقر القنصلية الإيرانية وتخريب مقر الحشد الشعبي وحرق وتخريب مبانٍ ومقرات أخرى، فمثل هذا الفعل يكفي لتبرير تدخله بشكل علني في أحداث البصرة وغيرها من مدن العراق الجريح، فهو بهذا «يدافع» عن نفسه ويعبر عن «التزامه الأخلاقي» تجاه الحكومة العراقية!
كل من تابع تطورات الأحداث في العراق وكل من هو على دراية بالعقلية الفارسية وطريقة تفكير النظام الإيراني يبصم بالعشرة بأن ما حدث في البصرة أمر طبيعي، فهو نتيجة منطقية للتدخل الإيراني ولسيطرته على مفاصل الدولة العراقية التي وصلت حداً صعباً وأوصلت نتيجة لذلك الشعب العراقي إلى مرحلة لا يملك فيها غير خيار الثورة على ما صار فيه.
6 إيران برة برة.. البصرة تبقى حرة
سوسن الشاعر
الوطن البحرينية
نديم قطيش شيعي لبناني كتب تغريدة تحت هاشتاغ # البصرة _ تنتفض يقول فيها «إن شيعة إيران وشيعة العراق أدركوا النتائج المرعبة لحكم آيات الله.. عسى يدركها شيعة لبنان».
على فكرة شيعة العراق لم يدركوا هذه الحقيقة قبل خمس عشرة سنة، بل أدركها قبلهم شيعة الأحواز، لكنهم كذبوهم، ولم يصدقوا الأحوازيين حين أكدوا لهم أن إمامهم ووليهم ومرجعيتهم التي يظنون أنها معصومة ستظلمهم ستتركهم يتألمون ويعانون.
شيعة الأحواز هم العرب الأوائل الذين ذاقوا مرارة الحال تحت حكم آيات الله الإيرانيين منذ أن احتلتها إيران، أدركوا قبل أي شيعي عربي أن حكم الإيرانيين وآيات الله تحديداً حكم مرعب، حكم يودي بهم للهاوية، حكم بشري بصبغة ربانية، شيعة العراق كانوا يعتبرون شكوى الشيعة الأحوازية شكوى من «ناكر للجميل» أو أنها شكوى مدفوعة من قبل «الوهابيين» كما يروج لهم ملاليهم، إلى أن وقعت العراق تحت النفوذ الإيراني، وتولى حكمها حزب الدعوة لخمسة عشر عاماً، هنا أدرك شيعة العراق صدق الشكوى الأحوازية.
بعد خمسة عشر عاماً ضاق شيعة العراق بحكم الملالي من إيران التي هي المتنفذ الأول والأخير في العراق، فآيات الله في طهران هم من يعينون رئاسة وزراء العراق ومن يشكل حكوماتها ومن يشكل جيشها وحشدها، وها هي العراق تنحدر على جميع الأصعدة، تعليماً وصحةً وبيئةً وإسكاناً وضماناتٍ اجتماعية وحريةً وأمناً، ها هي العراق أكثر الدول فساداً وتلوثاً وأوبئة، وها هي إيران تقتل وتسمّم العراقين، ها هي من أطلق كلاب داعش في الموصل على العراقيين وهي من سلبهم مواردهم وباعها عليهم.
الآن أدرك شيعة العراق أن عراقاً ضعيفاً مدمراً هو هدف إيراني بامتياز، ولا يعني لأي من الملالي أي عراقي، شيعياً كان أو سنياً أو كردياً، الآن أدرك العراقيون كم كانوا على خطأ في ظنهم بأن من يدعون العصمة ويدعون التدين لم يكونوا سوى حفنة لصوص نهبوهم وأفقروهم واستكثروا عليهم الماء النظيف.
يتمنى نديم قطيش على شيعة لبنان أن يفيقوا من غفوتهم وأن يستوعبوا الحقيقة كما استوعبها العراقيون الشيعة، بأن إيران لم ولن تفيدهم أو تخدمهم أو تحسّن من وضعهم، إيران خلقت طبقة من الزعامات البلطجية في لبنان يزرعون الحشيش ويتاجرون به وبالدعارة من أجل تمويل عملياتهم في بلد آخر غير لبنان بحجة حماية المراقد، يأخذون خيرة شباب لبنان ويرمون بهم في أحضان الموت خدمة للطريق البري الإيراني الممتد من طهران للبحر الأبيض المتوسط، هذا ما تفعله إيران بالشيعة اللبنانيين.
وهذا ما فعلته بشيعة اليمن من الحوثيين الذين عزلتهم خليجياً وأصبحوا شوكة في ظهر أهل الخليج وكشفوا لأهل الخليج جانباً لم يكن ليعرفه أهل الإمارات أو حتى أهل اليمن عن التبعية العمياء لجماعات خليجية يمنية أو بحرينية أو سعودية لولي فقيه إيراني ألّبهم على وطنهم وتبعوه.
فهل لا بد أن تحكمهم إيران مباشرة كما حدث لأهل البصرة كي يدركوا كم كانوا مخدوعين؟
هل يجب أن يجرّبوا بأنفسهم أن إيران لن تولّي عليهم سوى اللصوص والمرتزقة والأفّاقين والكذّابين وستنهب ثرواتهم وتترك لهم الذل والمهانة والحسرة؟
نتمنى أن يفيق كل الشيعة العرب الذين مازالوا يؤمنون بولاية الفقيه أن تلك النظرية اخترعت كي تجند من خلالها إيران جماعة من العرب وتعزلهم عن أوطانهم وتحوّلهم لخدم لها وعملاء ولا علاقة لتلك العقيدة بالدين.
نتمنى أن يدرك اللبنانيون مثلما تمنى نديم قطيش ويدرك بقية العرب لا العراقيون فحسب حقيقة نتائج حكم آيات الله المرعبة ويدركوا أن ما فعلته إيران بهم جريمة وخديعة كبرى.
ننتظر أن نرى «إيران برة برة» تخرجها العقول التي مازالت منغلقة على وهم الحلم الفارسي التي تظن بإيران ولياً فقيهاً عادلاً رحوماً بها، نتمنى أن تتفتح البصيرة وتتفتح القلوب وتتفتح العقول.
7 نكبة البصرة.. ودلالاتها احمد يوسف الاتحاد الاماراتية
ليست البصرة وأهلها وحدهم مَن يعاني من تردى الأوضاع في العراق، وإنما تمثل معاناتهم مفارقة جسيمة بحكم مكانة المدينة باعتبارها مستودع الجزء الأكبر من ثروة العراق النفطية التي كان يُفترض أن تكون سبباً في رخائه ورخاء مدنه. وكما بينت الاحتجاجات الأخيرة فإن المعاناة قديمة ومتجذرة في أوضاع سياسية وإدارية فاسدة، وإن كانت تهديدات الإرهاب الفادحة ومناورات السياسة الانتهازية وإشكاليات التدخل الخارجي الكثيف، قد غطت عليها لسنوات إلى أن وصلت الأمور نقطة الانفجار عندما اجتمعت على أهل البصرة كل مبررات السخط بعد أن صارت مقومات الحياة الآمنة مهددة أو حتى غائبة؛ فمياه الشرب ملوثة ومالحة، وخدمات الكهرباء قاصرة، ودرجة التلوث البيئي عالية.. ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتردية. وكالعادة، يسارع أصحاب المصالح والأهواء إلى تفسير انفجار الشارع البصري إما بعناصر شغب مأجورة أو بمخططات خارجية.. لكن المؤكد أن الانفجار لم يكن ممكناً لولا تردي الأوضاع الداخلية.
ولا شك أن دلالات ما جرى ويجرى في البصرة عديدة أختار منها الثلاث التالية.
أما الدلالة الأولى فتتعلق بجوهر أزمة النظام السياسي العراقي، ومن المسلمات أن محتواه الطائفي يمثل هذا الجوهر. فمن المعروف أن ميزان القوى الطائفي قد تغير بعد الغزو الأميركي للعراق لمصلحة شيعته على حساب سنّته بعد أن تحالفت أحزاب شيعية مع القوى الغازية، ومن هنا تولّد شعور السنّة بالاضطهاد الذي استغلته التنظيمات الإرهابية في استقطاب عناصر سنّية للانضمام إليها وتأييدها أو على الأقل السكوت عنها، غير أن أحداث البصرة تثبت أن جوهر الأزمة شيء آخر، لنقل إنه يتعلق بالفساد المستشري في أوصال آلة الحكم بكل مستوياتها وبانعدام الكفاءة الإدارية بحيث أن موارد العراق لم تُسَخر لمصلحة أبنائه وإنما لمنفعة فئة محدودة من المتنفذين، وفي هذا يستوى الشيعة والسنة في العراق في تعرضهم لتداعيات هذا الوضع تماماً كما كان العراقيون سواسية في التعرض لاستبداد صدام حسين الذي لم يُفَرق بين سني وشيعي. وهكذا ثار أهل البصرة (الشيعة) على نظام يُفترض أن الشيعة يمسكون بزمام الأمور فيه مقدمين الدليل على أن المسألة وطنية بامتياز.
وتتعلق الدلالة الثانية بالمعضلة الديمقراطية؛ ذلك أننا بالتأكيد لسنا إزاء ديمقراطية حقيقية في العراق، مع أنه يعرف الآليات الانتخابية، وتظهر الخبرة أن العبرة في الديمقراطية ليست بإجراء الانتخابات فحسب، وإنما ثمة جوهر للديمقراطية لا توفره هذه الانتخابات بالضرورة، والدليل على ذلك أننا نشهد انتخابات دون أن تتلوها ديمقراطية، وذلك لأن لها مقوماتها الغائبة وأهمها الثقافة الديمقراطية التي تُعَود المواطنين على تقبل الهزيمة، والقدرة على تكوين ائتلافات، والبنية المجتمعية التي توفر مناخاً صحياً لذلك، والمستوى التعليمي الذي يُمَكن المواطنين من حسن اختيار ممثليهم في المجالس النيابية.. وهكذا، وبدون توافر هذه المقومات لا معنى للحديث عن الديمقراطية، بدليل ما نتابعه منذ شهور من تعثر لعملية تشكيل الحكومة في لبنان رغم وضوح نتائج انتخاباته.
أما الدلالة الثالثة فتتعلق بالهوية العربية لشيعة العراق، ومعلوم أن ثمة أفكاراً سطحية تخلط بين الانتماء المذهبي والانتماءين الوطني والقومي، وتعتبر بناءً على ذلك أن شيعة العراق كافة إيرانيو الهوى، وهو قول أبعد ما يكون عن الواقع. وهنا نذكر أن جيش صدام حسين الذي تصدى لإيران طيلة ثماني سنوات كانت أغلبية جنوده من الشيعة، وأن رجالاته كانوا يضمون نسبة معتبرة من الشيعة، ومن الواضح أن التلاصق الجغرافي بين إيران والبصرة قد جعلها مرتعاً للإيرانيين، وعادة فإنه عندما تزداد كثافة الاتصالات الإنسانية، فإن ذلك يرتب مشاكل في التفاعلات بين البشر، وتكون هذه التفاعلات مختبراً لمدى التجانس ونوازع الهيمنة وغيرها. ويكشف الهجوم على القنصلية الإيرانية في البصرة زيف المطابقة بين الانتماء الشيعي والولاء لإيران، ويؤكد من ناحية أخرى أن العراق، رغم كل ما حدث بعد الغزو الأميركي الذي قدّم بلاد الرافدين لإيران على طبق من ذهب، مازال متمسكاً بعروبته عصياً على التبعية لإيران.
8 عمار يا البصرة صلاح الساير الانباء الكويتية
كتبت قبل أيام عن فقر فنزويلا في أميركا الجنوبية رغم الثروة النفطية التي في جوف أراضيها. وأشرت إلى أن الحكم الرشيد هو الثروة الحقيقية للدول لا الموارد الطبيعية فيها. فإذا كانت الدولة تملك مناجم الذهب والألماس وعقول المسؤولين فيها مصنوعة من كرتون ولديهم ضمائر معطوبة فلن تستفيد الدولة الغنية من الذهب وان ثقلت موازينه، ولا الألماس وإن تبارق في العيون. فلا الفوسفات ينفع ولا النفوط ولا سائر الثروات الطبيعية. فالتفكير الفقير لا يفضي إلى ثراء أو رفاهية بعكس التفكير الثري والحكم الصالح الذي يصنع من المستحيل حقائق ثابتات وأبراج شاهقات.
***
في الأزمنة القديمة كان الكويتيون يعودون من البصرة وهم يدندندون طربا مرددين «عمار يا البصرة.. ماؤك حلو وبقلك على السيف» والبقل هو نبات «الكراث» أما السيف «بكسر السين» فهو شاطئ البحر. والعبارة تعكس الحال العامر والمزدهر في البصرة الواقعة على شط العرب، حيث الخضار والزروع والثمار الكثيرة وحيث يلتقي نهري دجلة والفرات فتتوافر المياه وتزدحم الأسواق في هذه المدينة العربية التاريخية الشهيرة. والعبارة السالفة شهادة حقيقية عن الحياة الرغيدة في البصرة.
***
أعود إلى غياب الحكم الصالح الذي يؤدي إلى فقر البلد الغني ونرصد حال مدينة البصرة هذه الأيام حيث البؤس يدق أبواب البيوت، والحزن يجول في الطرقات، والمياه إما شحيحة يتسابق الناس للحصول على بعض قطراتها. أو مياه ملوثة مهلكة يتراكض الناس هربا منها كي لا تصيبهم الأمراض. وأهل البصرة وكأن على رؤوسهم الطير يتساءلون كيف بلغت بهم الأحوال المتدهورة وهم الذين يعيشون فوق بحيرة نفط وتعبر أراضيهم الخصبة مياه الأنهار لتصب في بحر الخليج العربي. فأمسوا شهودا على دمار البصرة بعد عمارها.
9 هل البصرة… البداية؟! صالح القلاب صحيفة الجريدة الكويتية
ليست البصرة وحدها، ولا العراق دون غيره، بل مدن ودول عربية أخرى، عبارة عن قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وكل هذا الذي يجري في ليبيا واليمن وسورية يدل على أنّ هناك “تكوينات” غير صحيحة لتشكل دول ما بعد انهيار الدولة العثمانية، وبعدما تقاسم البريطانيون والفرنسيون إرث هذه الدولة، وإرثاً آخر؛ إنْ في غربي الوطن العربي أو فـي شرقـه… والأيام قادمـة وسنرى مـا الـذي سيحدث فـي هـذه المنطقـة… والله يستر!
كانت الخطيئة التي ارتكبت في العراق في عام 1958 هي أن اللعبة الدولية التي انطلت على العراقيين كانت إسقاط نظام غير دموي، من المفترض أنه تم الإجماع عليه، مع مجيء فيصل الأول، الذي خلفه أولاً الملك غازي ثم الملك فيصل الثاني، واستبداله بحكم جنرالات كانت أصابتهم عدوى الانقلابات العسكرية مبكراً، ولعل ما دفع ثمنه العراقيون لاحقاً أن أحدهم قد حُسب على الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي، في حين أن الذي خلفه بانقلاب عسكري أيضاً قد اعتبر “قومياً”! وحُسب، وإنْ لفترة قصيرة، على الحكم الناصري في مصر، وخلفه شقيقه بعد تفجيره بطائرة “ملغمة”، وإنْ لفترة عابرة قصيرة، وقام بدوره بتسليم “الأمانة” لانقلاب جديد كان مجرد حلقة في سلسلة طويلة.
وهكذا، فإن العراق، الذي كان قد دخل هذه الدائرة النارية مبكراً، إلى أن حصل في هذا البلد العظيم ما حصل في عام 2003، قد عاد إلى “صفويين” جددٍ أسوأ كثيراً من “صفويي” مرحلة تاريخية كانت ظلامية بالفعل، مما فرض عليه تشرذماً طائفياً ومذهبياً مفتعلاً. كل هذا في حين أن الحقيقة هي أن بلاد الرافدين العربية قد أصبحت تحت احتلال فارسيٍّ بغيض، ربما أنه من بين أسوأ الاحتلالات التي عرفها التاريخ!
وهنا، فلعل ما لا نقاش فيه أن هذا هو الذي يجري في سورية “قلب العروبة النابض”، وهو الذي يجري في اليمن.. وهو الذي بات يعانيه لبنان، وإنْ بأشكال متعددة ومختلفة، ثم إنه غير مستبعد أن نكتشف ذات يوم قريب أو بعيد أن هذا هو الذي يجري في ليبيا… اللهم إلا إذا ساعدت هذه الصحوة القومية العراقية على إسقاط هذا النظام الإيراني، الذي يحلم “أصحابه” باستعادة “أمجاد” فارس القديمة!
ويقيناً، ورغم كل هذا الظلام الدامس الذي بات يغشى هذه المنطقة بمعظمها، إن لم يكن يغشاها كلها، فإنه يمكن اعتبار أن هذا الذي جرى في البصرة، هو في حقيقة الأمر بداية واعدة بالنسبة إلى العراق العظيم، بلد المفاجآت السارة دائماً وأبداً، وهو أيضاً صحوة قومية عربية، إذ كانت «ذي قار» الخطوة الأولى نحو القادسية، وكانت «مؤتة» الخطوة الأولى نحو اليرموك، وكان عبور البحر نحو الأندلس الخطوة الأولى نحو «بواتيه»… ولعل ما يجب أن أقوله في النهاية أنني «حالم» بالفعل، ولكن ما العيب في هذا، مادامت حركة التاريخ كلها عبارة عن سلسلة أحلام بعضها جميل وبعضها مرعب!
10 بصرة العراق وبرقة ليبيا
جبريل العبيدي صحيفة الشرق الاوسط السعودية
بصرة العراق وبرقة ليبيا ليست أحرف الهجاء المشتركة (الباء والراء والتاء) ما جمعهما، بل جمعهما الكثير من التاريخ والجغرافيا، لكونهما كانا مصدر قلق لنظامي صدام والقذافي زمن الديكتاتوريات العربية، والانتفاضات المتكررة فيهما كادت تسقط النظامين في أكثر من مرة، كون البصرة وبرقة تتربعان على أكبر مخزون احتياطي نفطي.
التهميش والفقر، والانتفاضات على الظلم والضيم، معاناة تاريخية جمعت الإقليمين لتؤكد أن سياسة التهميش التي مارستها الأنظمة الديكتاتورية سابقاً، ولا تزال تكررها ديمقراطيات «الربيع» العربي لا تختلف إلا في الزمن والتواريخ، ولو أننا لم نرَ مثل هذا التهميش الكارثي في البصرة والذي سببته إيران، أو بالأحرى نظامها الخطير.
التهميش يجعل المواطن في حالة عسر في تسيير الحياة اليومية، دون أي عدالة في توزيع الثروات حسب نسب التمثيل التي تعتمدها دول العالم، وفق العوامل الرئيسية الثلاث لكل منطقة أو إقليم حسب معيار (المساحة والسكان والثروة)، بينما تتمركز الثروات في أماكن بعينها رغم أنها ليست منبع الثروة، ويحرم منها الأطراف.
فالبصرة مثلاً التي تتربع على مخزون نفطي كبير تشتعل ليس بزيوت البترول، ولكن بغليان شارعها الذي سئم من الناهبين لأموال العراق لتقدمها للولي الفقيه الفارسي القابع في طهران يصرفها على تصدير الإرهاب باسم تصدير الثورة الخمينية، وإلا فأين ذهب هذا المال الذي كان تحت أقدام البصريين؟! وكذلك برقة تتربع على 70 في المائة من احتياط النفط الليبي، وهي الأخرى شهدت انتفاضات متعددة سقط فيها العشرات من الضحايا للسبب ذاته نتاج السياسة المركزية، سوء توزيع الموارد بشكل غير عادل والخدمات من رعاية صحية وتوظيف وخدمات العامة.
احتجاجات البصرة تمخضت عن إحراق المتظاهرين لمقرات أحزاب الإسلام السياسي (منظمة بدر، المجلس الأعلى الإسلامي، حزب الدعوة، الحزب الإسلامي، تيار الحكمة، كتائب سيد الشهداء، حزب الفضيلة، عصائب أهل الحق، حركة إرادة، حركة النجباء، حركة الخراساني، أنصار الله الأوفياء، حزب الله، حركة ثأر الله، البدلاء) ليتأكد رفض الشارع في البصرة لوجود هذه الكيانات الكرتونية، التي ما هي إلا امتداد وواجهة لمنبع واحد هو إيران، وإن اختلفت التسميات.
احتجاجات البصرة شهدت تحليلات مختلفة منها الحديث عن أن هناك «خطة» إيرانية تستهدف شركات نفط الجنوب العراقية، وتستغل «ثورة الجنوب الشيعي» رغم أن المحتجين الغاضبين في عمومهم لا انتماء لهم للمشروع أو الخطة الإيرانية، ولكن هذا لا يمكن تجاهله باعتبار أن المحافظة شهدت احتجاجات سابقة، كان لإيران وعملاء إيران دور فعال في توجيه مسارها والتحكم فيها بعد التسلل إليها، وخصوصاً أن أغلب الاحتجاجات والمظاهرات المطالبة بتحسين الخدمات والظروف المعيشية في الغالب ليس لها قيادة سياسية محنكة، مما قد يسهل اختراقها متى توفرت الظروف والخطة والخديعة والتي لا تعوزها خطط المخابرات الإيرانية ونظام ولاية الفقيه فيها لتستغل جوع وعطش سكان البصرة.
البصرة التي تشهد ضعف الخدمات رغم أنها ثاني كبرى مدن العراق، والتي شهدت الكثير من الانتفاضات، من الانتفاضة الشعبانية في عام 1991 وكانت انتفاضة شعبية كبيرة ضد النظام. وفي عام 1999، حدثت في مدينة البصرة وبعض مدن جنوب العراق انتفاضة أخرى لأيام وجميعها كانت بسبب نقص في الخدمات، وإن اختلف العنوان والشرارة التي أطلقتها البصرة والتي تسببت الملوحة فيها في فقدان المحافظة 87 في المائة من أراضيها الزراعية، وتحولها إلى محافظة منكوبة في ظل فساد حكومي واضح وتجاهل، هما امتداد لسنوات طويلة وليسا وليد اليوم.
مظاهرات البصرة قد تكون مقدمة لانتفاضة جديدة، في ظل وجود توقعات بأن تتسع رقعة المظاهرات، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة، رغم محاولات الحكومة عدم الاحتكاك المباشر مع المتظاهرين، بعد سقوط ضحايا برصاص الشرطة، ولكن يبدو أنه كان بعد خراب مالطا.
11 فجر البصرة… مجرد بداية لتغيير إنقاذي
إياد أبو شقرا
صحيفة الشرق الاوسط السعودية
لبضعة أشهر خلت، ما كنت متفائلاً بأي انتفاضة شعبية في العراق، وتحديداً، في جنوبه. وعلى العكس تماماً، كان أحد أعز أصدقائي العراقيين يحاول جهده أن يقرأ من كتاب التفاؤل.
تفاءل كثيراً بالأداء الجيد لمرشح مستقل في كربلاء قبل بضع سنوات، ورأى في أدائه مؤشراً طيباً لحراك ما في معقل له إرثه الديني مثل مدينة كربلاء. بينما من جانبي، كان تشاؤمي مبنياً على التجربة مع نموذج حزب الله في لبنان، وعلى فهم عادتَي العمل الصامت الدؤوب والاستثمار الطويل الأجل… المتأصلتين في الشخصية الإيرانية.
كانت معركة إيران لإسقاط صدام حسين أمثولة تستحق الدراسة والإعجاب. وقبلها كان الملالي قد تقبلوا «نكسة» الحرب العراقية – الإيرانية وتعلموا منها أن «الاستثمار بالفتنة المذهبية» سلاحاً لتحقيق الهيمنة الإقليمية باسم الدين… أضمن وأفضل وأقل استعداء للآخرين من شن حروب مباشرة تجمع كل هؤلاء الآخرين ضد إيران!
وعلى هذا الصعيد، كان تأسيس حزب الله، أداة ومثالاً، في بلد تعدّدي مثل لبنان، متاخم لإسرائيل، وخارج للتوّ من حرب أهلية – طائفية، نموذجاً يحتذى. كان نموذجاً يستحق الاستثمار فيه على امتداد المناطق المستهدفة بمشروع إيران الكولونيالي – الثأري الجديد القديم. وكان، وما زال، الوسيلة المثلى لإزالة الثقافة السياسية المستقلة ونزع الهوية القومية عن الشيعة العرب، وتحويلهم إلى أتباع يؤمرون بتدمير مجتمعاتهم وقتل أهلهم وإسقاط أوطانهم عبر «التكليف الشرعي».
العمل على طمس الهوية وتشويه الفكر، ومصادرة القرار، وزرع الشقاق، واستنهاض أحقاد وثارات مزعومة عمرها 1338 سنة، بتكلفة مليارات الدولارات وأنهار من الدماء ليس مسألة اعتباطية. وسيكون من السذاجة التوهم بأن مَن سار في هذا الطريق، وجنى حتى الآن ثلاثة أرباع الثمار المرجوة، يمكن أن يتراجع بسهولة.
ثم إن القوى التي لا يجوز اعتبارها «حليفة» أو «صديقة» لنظام طهران، وجدت عبر العقود، ومن واقع التجارب على الأرض، مصلحة كبرى لها في بقاء هذا النظام. ولعل نظام طهران يدرك هذا الواقع جيداً، منذ صفقة «إيران – كونترا» إلى الاتفاق النووي الأخير، ولذا يمارس لعبة الرقص على الحبال ببراعة. وإذا كان لنا سرد ما يسوّغ هذه الاعتبارات، فهنا بعض النقاط:
أولاً، نظام الملالي نظام مذهبي – قومي، معادٍ بطبيعته إما قومياً أو مذهبياً، لجيرانه الترك والكرد والعرب. وهذا عامل مهم لمن يريد أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة تشتت وتقسيم ونزاعات وعداوات إلى ما شاء الله.
ثانياً، أن النظام يعمل على ترويج مذهب إسلامي بعينه، في دول هي إما تعدّدية المذاهب وإما يشكل أهل السنة والجماعة الغالبية العظمى من السكان فيها، وهو ما يعني أن مآل جهوده إما تفجير الحروب الأهلية داخل هذه الدول، أو استفزاز فئات سُنّية وإثارتها لتواجه التطرف بالتطرف، والإلغاء بالإلغاء. وهذا بالضبط ما يحصل في المنطقة التي يزعم الحرس الثوري أنه بات يسيطر على عواصم 4 من دولها.
ثالثاً، أن النظام بعيد جغرافياً عن حدود إسرائيل والدول الأوروبية إلا… أي عبر أتباعه من العرب. ومن ثم، فإنه في موضوع أمن إسرائيل وهجرات النازحين غير المرغوب فيهم بأوروبا، ناهيك من زُمَر الإرهاب والتطرف، يمسك بيده مفتاح المساومات والابتزاز، فيكسب من دون تبعات على أمنه الداخلي.
رابعاً، إيران شريك عالمي في الثروة النفطية، إنتاجاً واحتياطاً، فضلاً عن أن سوقها (البشرية) سوق استهلاكية ضخمة وسريعة النمو تقارب الـ90 مليون مستهلك. ومن هنا يمكن فهم المواقف الأوروبية المتخاذلة في الموضوع النووي، على الرغم من أن القوى الأوروبية تتابع عن كثب ما تفعله طهران في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن.
خامساً، في الجانب الإسرائيلي، لم تخدم أي دولة في العالم مشاريع الليكود المتطرفة الهادفة إلى إسقاط أي تسوية سلمية، بما فيها «حل الدولتين»، بجانب الولايات المتحدة… مثل إيران؛ ذلك أنها تولّت مباشرةً، وبالتعاون مع نظام دمشق، شقّ الوحدة الفلسطينية، ثم رعت عملياً على الأرض شق قطاع غزة عن الضفة الغربية، ووفّرت للتطرف الإسرائيلي – عبر الجماعات المرتبطة بها – الذرائع للتبرير والتصعيد في كل مرة وجد نفسه فيها مهدداً بالعزلة. وخارج الأراضي الفلسطينية يكفي النظر إلى اتفاق «أمن جنوب الليطاني» مع حزب الله، مقابل إطلاق يده في تدمير حمص وحلب وغوطة دمشق ودرعا.
عودة إلى العراق وانتفاضة البصرة، تلقيت قبل أيام شريطاً، لا أدري مدى صحته وموثوقيته، وإن كان في مضمونه لا يختلف إطلاقاً عن اتهام نوري المالكي «الدواعش» الذين غزوا مدينة الموصل بأنهم «أحفاد يزيد بن معاوية» (!).
في هذا الشريط يردّ أحد معمَّمي «الولي الفقيه» على أسئلة المشاهدين، ومنهم مشاهد انهال عليه الشيخ المعمَّم باللوم على «التظاهر من أجل الماء والكهرباء بينما لم يتظاهر تضامناً مع فاطمة (ر) في وجه أبي بكر الصديق (ر) وعمر بن الخطاب (ر)». وهاجمه على قبوله بمواصلة اعتماد اسم الزبير بن العوام (ر) على المدينة المجاورة للبصرة.
أمثال هذا، و«حوثيي» مرّان، وأولئك الذين دمّروا مدن سوريا تحت الرايات الطائفية… استثمرت إيران في «تفخيخهم» داخل أوساط أهلنا وإخوتنا الشيعة العرب لسنين. وسيكون من العبث توقع تخليها عنهم بسهولة. فهؤلاء معاول هدم داخل مجتمعاتنا العربية.
مع هذا، اعتراض ابن كربلاء بالأمس، وانتفاض ابن البصرة اليوم، مؤشرات قد تبدو بسيطة… لكنها كسر لـ«حالة استسلام» أخذت تفتك بالبيئة الحاضنة التي كانت إيران تزعم الدفاع عنها وحمايتها.
وليس في العراق وحده أخذت الحالة المطلبية تفرض نفسها ببطء على جو الاستقطاب الطائفي في ظل تيار طهران، الذي كان قد وظّف «داعش» لابتزاز الشارع الشيعي وتهديده وإخضاعه… فالحجة نفسها استخدمها، وما زال يستخدمها، حزب الله الذي «يمنّن» اللبنانيين بحمايتهم من «داعش»، مع أنه هو الذي تفاوض معه على الإفراج عن مسلحيه ونقلهم بالحافلات المكيّفة.
صحيح نحن أمام مجرد بداية، ولكنها بداية لا بد منها…
12 جدار البصرة
سمير عطا الله
صحيفة الشرق الاوسط السعودية
رأت موسكو السوفياتية أن إقامة اتحاد غير قابل للسقوط تقتضي أولاً فرض آيديولوجيا واحدة في جميع الجمهوريات التي يتألف منها؛ سواء كانت في آسيا أو في أوروبا؛ إسلامية أو مسيحية. لكن الآيديولوجيا وحدها لا تكفي، فلا بد من مراقبتها. لذلك، زرعت الروس في كل مكان، وأعطتهم المناصب الحساسة، وغيرت البرامج الدراسية، و«غسلت» العقول، وألغت تاريخ الجمهوريات ولغاتها وتقاليدها، وفرضت الروسية لغة واحدة. وروى رزيارد كابوشنسكي أنه كان طفلاً عندما أصبحت قريته تحت السلطة السوفياتية، وعندما ذهب إلى المدرسة طلب منه المدرِّس أن يتلو الـ«ألف باء»، فوقف وبدأ: «ألف باء سي. ABC». غير أن المدرس قاطعه قائلاً: الأبجدية هنا تبدأ بحرف السين: ستالين.
عندما انهار الاتحاد السوفياتي، تفكك كل شيء في يوم واحد. أصبح الروس في الجمهوريات السابقة أقليات خائفة لا دور لها. وعادت المساجد والكنائس المهجورة، ولم يعد ذكر الله محظوراً. وعادت الأبجدية تبدأ بحرف الألف. ولا ينسى مشهد ميخائيل غورباتشوف يخاطب الناس في ساحات دول البلطيق، ببلاغته وأناقته وليونته، داعياً لإعطاء الشيوعية الفرصة. لكن الناس لم تكن ترفض شيوعيته، بل أبجدية حرف السين.
خرج السوفيات من الجمهوريات السابقة بلا أثر. وكان أول ما فعله بعض حلفائهم الانضمام إلى حلف «الناتو» بعد عقود في حلف «فرصوفيا».
تحاول إيران أن تنسخ التجربة السوفياتية حرفاً حرفاً: الآيديولوجيا والتغيير الديموغرافي، وفرض اللغة الفارسية، وزرع الإيرانيين، خصوصاً الرقباء منهم، في الجيوش والمدارس.
تهيأ لطهران أن التجربة قد نجحت… ها هو اللواء سليماني يتفقد قواته في كل مكان، والعراق بكل شعبه ومساحاته ومياهه العذبة، يتحول إلى مجرد محافظة ثمينة، وسوريا بقيت جغرافيتها، لكن أهلها أخرجوا.
…ثم فجأة، تبدأ علامات الانهيار. في سوريا ليست إيران هي الفريق الأول، بل ثمة من يحدد أماكن وجودها. وفي العراق تبدأ الثورة من البصرة ويحدث ما لم يحدث من قبل: المعارضون لا «يفجرون» القنصلية الإيرانية، بل يقتحمونها… أي إنهم يجاهرون بهوياتهم ولا يخفونها، بحيث يسهل الحديث عن مؤامرة.
الأفضل للجمهورية الإسلامية أن تراجع التجربة السوفياتية: ليس كيف بدأت؛ بل كيف انتهت. تصبر الناس على الأجنبي طويلاً، ثم تتفجر مرة واحدة، وبأيديها تقتلع حجارة جدار برلين. البصرة مشاعر عراقية لا مؤامرة أميركية. وإن كان ذلك يفرح الأميركيين.
13 ثورة في البصرة أم كارثة؟
حازم الأمين صحيفة الحياة السعودية
«ثورة في البصرة». هل يكفي ذلك لكني نغبط أنفسنا نحن الذين أدمتنا الثورات لشدة انجذابنا وحماستنا لها؟ ثم إن الثورة هناك على من؟ على الفساد؟ ما هو الفساد ومن هو الفاسد في العراق؟ وما هي القوى غير الفاسدة التي من المفترض أن تكون الوعاء الذي سيحول الثورة إلى شرطٍ سياسي؟
لقد فشلت الثورات العربية، والاستثناء التونسي له شروطه غير المتوافرة في كل البلدان العربية. وإذا كان الفشل نصيب الثورات في سورية واليمن وليبيا، فأسبابه في العراق مضاعفة. ففي تلك البلدان قامت الثورات وفشلت وكان خصمها واضحاً وكانت مهمتها أيضاً واضحة، ومن كان يجب إسقاطه كان نظاماً على رأسه ديكتاتور وسلطة محددة وعلاقات فاسدة. في العراق لا يبدو أن شرطاً واحداً من هذه الشروط متوافر. من هو المستهدف بالثورة؟ إيران؟ القوى الطائفية؟ لا شيء واضحاً. وبهذا المعنى فإن الفشل الذي كان نصيب الثورات في تلك البلدان متوافر في العراق على نحو مضاعف، ولهذا أيضاً يبدو التصفيق لـ «الثورة في البصرة» ضرباً من العماء وجدنا أنفسنا منجرين إليه، نحن عبّاد «الشعوب»، ومنزّهي الثورات، والمتعامين عن الحروب الأهلية التي تختبىء خلفها.
هاجم المتظاهرون القنصلية الإيرانية في البصرة، اذاً هي ثورة ضد النفوذ الإيراني! هنا علينا أن نضاعف تصفيقنا للمتظاهرين. لكن المدينة أعطت أصواتاً كثيرة لحلفاء ايران في الانتخابات النيابية التي جرت قبل أشهر قليلة. هاجم المتظاهرون مراكز الأمن والمقرات الحكومية، وهذه على رأسها اليوم رجل لا تريده إيران هو حيدر العبادي! فكيف يستقيم ما اعتقدناه، لجهة أن الثورة في البصرة ضد إيران؟
ثم إن على المصفق لـ «الثورة في البصرة» أن يسأل نفسه فعلاً عن احتمال انتصار الثورة وعن النصاب السياسي الذي سيعقب هذا النصر. فلنطلق لخيالنا العنان ولنفترض أن ثورة البصرة تحولت إلى ثورة في كل العراق، وأسقطت هذه السلطة! فهل من قوى سياسية واجتماعية يمكن أن تحل محل السلطة الراهنة؟ وهل هي من خارج المشهد الطائفي والقومي الذي يعصف بالعراق ويوزعه مغانم على قادة المذاهب والعشائر والقوميات؟
الثورات العربية نجحت في إسقاط الأنظمة وفي تهديدها. حتى في سورية، نجح الناس في القول إنهم لا يريدون هذا النظام. المشكلة الرئيسة في فشل هذه المجتمعات وفي عجزها عن إنتاج قوى حاملة لهذا التغيير ومحولة إياه إلى إنجاز «وطني». وإذا كان الإخوان المسلمون هم أفق الفشل الذي لاح في معظم بلدان الثورات، فإن هذا الأفق على رغم بؤسه غير متوافر للعراق. فالمشهد الاجتماعي والمذهبي هناك منعقد على نحو مختلف والبحث عن «إخوان شيعة» سيفضي بنا إلى «حزب الدعوة»، والأخير هو الآن في السلطة ولا يعقل أن يُعاد تنصيبه بعد ثورة عليه.
في لبنان انخرطنا بما توهمنا أنه ثورة على احتلال النظام السوري بلدنا في العام ٢٠٠٥، فأخرجنا الجيش السوري وأحللنا مكانه «حزب الله»، بعد أن تولى قادة الطوائف زمام «ثورتنا».
الانقضاض على الثورات مهمة أسهل من الثورات أنفسها في مجتمعات الحروب الأهلية التي نعيش في ظلها. والثورة على السلطة الفاسدة والقاتلة يجب أن تسبقها ثورات على البنية الاجتماعية التي كانت شريكاً في إنتاجها. «حزب الدعوة» هو بديل «حزب الدعوة» في العراق، تماماً مثلما كان «المؤتمر» هو بديل «المؤتمر» في اليمن، أو في أحسن الأحوال «الإصلاح» (الإخوان المسلمون) هم البديل. في سورية أيضاً قفز الإسلاميون إلى صدارة المشهد فمثلوا البديل، ما سهّل القضاء على الثورة، وفي مصر حصل ما هو موازٍ!
يجب أن نتمهل قبل أن نبدأ بالتصفيق لـ «الثورة في البصرة». لا يكفي أن نكره هذا النظام وأن ندرك حجم ارتهانه وفساده لكي نؤمن بثورة عليه. ماذا لو كانت نتيجة تفكيرنا بأن نظام ما بعد الثورة سيكون أسوأ، أو سيكون حرباً أهلية هائلة؟
العراق يحتاج إلى خطوات كبيرة يجب أن تسبق الثورة، هي السبيل إلى تفادي تحول الثورة إلى كارثة.
14 هزائم إيران.. البصرة أنموذجاً!
جميل الذيابي
صحيفة عكاظ السعودية
لم يعد هناك طريق للالتفافات الإيرانية، بحثاً عن أزقة معتمة لتمرير مؤامراتها الشريرة التي تستهدف استقرار البلدان وأمنها.
فقد تم إحباط رهانات الملالي على زعزعة أمريكا الجنوبية وأفريقيا. إذ لم تعد أمريكا الجنوبية منجماً لتهريب الكوكايين لمصلحة «حزب الله» الإرهابي، فيما لم تسمح حكومات أفريقيا لإيران بِنَشر «التشيع»، والحقن الطائفي لنسف الوحدة الوطنية لشعوب القارة السمراء.
وفي اليمن.. كان وقع الصفعات مدوياً، إلى درجة أن تعليمات طهران للحوثي ألا يرسل وفداً لمشاورات السلام الأممية في جنيف. فقد خسر الحوثي أكثر الممرات البحرية والموانئ التي تتيح له تلقي السلاح وقِطع الصواريخ من نظام الملالي. وبدأ يفقد وجوده على الأرض، فيما تكسب قوات الشرعية بإسناد من «التحالف» العربي الذي تقوده السعودية محافظات ومدن وقرى كانت ترزح تحت نيران الاستعمار الفارسي. وفي سورية لم تعد إيران طليقة اليد كما كانت سابقاً.
غير أن المفاجأة التي لم تحسب لها إيران جاءتها في البصرة القريبة من حدودها. وهي التي كانت تخطط لتغيير تركيبتها الديموغرافية بالكامل، فتفوز بنفط العراق، ومينائه الاستراتيجي (أم قصر). فقد فاجأها أهل البصرة، سنّة وشيعة، باقتحام قنصليتها هناك، كما أضرموا النيران في مقار الميليشيات التي تستخدمها واجهةً لمحاولة بسط نفوذها، لاستعمار العراق والاستئثار بمقدّراته وثرواته.
فقد قرر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، منذ أكثر من عام أن الوجهة الصحيحة لانتشال بلاده من الكوارث التي جعلتها مشلولة تتمثل في استعادة الانتماء العربي للعراق، وليس الاتجاه به إلى الفرس. ومن هنا جاءت زيارة العبادي الشهيرة للرياض في 2017، وإبرامه اتفاقاً مع السعودية لإنشاء لجنة عليا مشتركة لتحديد مسارات التعاون الثنائي، خصوصاً الاستثمارات، والبنية الأساسية، والاستفادة من الثقل السعودي والعربي في المحافل الإقليمية والدولية لمصلحة العراق.
ولعل آخر القرارات التي أصدرها العبادي أخيراً، وأثارت ضيق إيران، قراره الإطاحة بقائد ميليشيا الحشد الشعبي، وتوليه توجيهها بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية.
وخاضت إيران معركة الانتخابات العراقية بكل الإغراءات للناخبين العراقيين، غير أن النتائج لم تأت في مصلحة تعزيز نفوذها. ولم يتسن لإيران أن تتمكن حتى من تجميع الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، لضمان عودة ضفدعها المدلل نوري المالكي لرئاسة الحكومة، واطلاق يد مرتزقها الآخر قائد ميلشيا فيلق بدر هادي العامري.
وتتمثل أهمية احتجاجات البصرة، في أنه أول إجماع شعبي عراقي على مواجهة التدخلات الإيرانية في بلادهم، منذ الحرب مع إيران التي قادها الرئيس العراقي السابق صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي، لأسباب مماثلة. وهي الحرب التي انتهت بتجرع الملالي السم وهزيمتهم وتكبيل دور عميلتهم الدوحة التي تصفهم بـ «الشريفة»!.
تبدو إيران عاجزة عن تحقيق أي اختراق لمصلحة مشاريع الهيمنة التي تحلم بها، بعد أن تم كشف مخططاتها وفضح عملائها ووكلائها، يعود الدور الكبير للجهود السعودية الحازمة تجاه التدخلات الإيرانية الإجرامية، ولا تزال في خصام مع الولايات المتحدة، بل تضاعفت تلك الخصومة في عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب. وهي لا تستطيع مواجهة السعوديّة إلا عبر جواسيسها وأذنابها. كما أنها غير قادرة على ضم لبنان وسورية وغزة إلى فلك نفوذها لأنها غير قادرة على تجييش القوة العسكرية اللازمة لمواجهة القوى الدولية التي تفرض هيمنة النظام العالمي المستقر في تلك البلدان.
الأكيد أن متظاهري البصرة تنادوا إلى الساحات والشوارع ليقولوا كلمتهم في ما يريده العراق: «إيران بَرّه بره.. والبصرة حُره حره». وهو هتاف يختزل الحكاية الكاملة في الرغبة العربية في التصدي للنفوذ الفارسي، أياً تكن نتيجة تلك المواجهة مع ملالي طهران وقم وعملائها.
15 البصرة.. أسسها صحابي وسرقها الملالي !
محمد الساعد
صحيفة عكاظ السعودية
تبعد مدينة البصرة نحو 90 كلم عن أول منفذ حدودي بين العراق وإيران، وعن أقرب مدينة إيرانية 100 كلم، وتعد البصرة – ضمن التعريف السياسي والديموغرافي الذي نتج أعقاب الغزو الأمريكي للعراق العام 2003 – أكثر مدينة ترزح تحت النفوذ الإيراني، لدرجة أنها تحولت بسبب الأحزاب الدينية والميليشيات الموالية لها إلى مجرد ضاحية إيرانية، بل إن اللغة الفارسية والعادات الإيرانية تكاد تكون طاغية في المشهد ومختفية معها عروبة المدينة ومجدها العراقي التليد.
يقول تقرير نشر في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 10 يوليو 2016 تحت عنوان «إيران احتلت البصرة عن طريق مؤسساتها وميليشياتها» ما نصه:
تعاني محافظة البصرة المنفذ المائي الوحيد في العراق، من احتلال إيراني لكل جوانب حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، حيث تنتشر مئات المراكز الثقافية والمدارس والمؤسسات التي تحمل مسمى «خيرية» في الظاهر لكسب التأييد، في حين تحكم الميليشيات المسلحة قبضتها على الشارع.
ولا يتكلف زائر عناء ليستوعب تجذر الاحتلال الإيراني للبصرة، فبالإضافة إلى انتشار «الفارسية»، تبرز صور تحمل صور الملالي، إلى جانب شوارع تحمل أسماء بعضهم وفقا للأهالي، الذين أوردوا أيضا أن هناك حملة تشيع تدفع إلى تهجير سكان المدينة الأصليين، ومن ثم استقطاب آخرين من قرى شيعية قريبة. «انتهى النص».
مع ذلك كله تعمدت إيران إهمال تلك المدينة الصابرة المحتسبة حتى تحولت إلى مردم للنفايات، أهلها مسحوقون يئنون من وطأة الاستبداد والفقر وقلة الحيلة وكثرة الجوعى وانعدام التنمية.
كل ذلك دفع البصريين «للكفر» بإيران وثقافتها وميليشياتها وكل ما يأتي منها، لدرجة أن المحتجين تعمدوا إحراق قنصليتها وإنزال علمها ورفع العلم العراقي مكانه، في رمزية تؤكد أن العراقيين أيقنوا أن ما تفعله إيران هو احتلال يرفضونه ولا يقبلون به.
يلح عليّ سؤال بعد كل ما شهدناه وسمعناه عن البصرة خلال الأسابيع الماضية، فمنذ العام 79 وإيران تحاول تصدير ثورتها للعالم العربي وإقناع العرب باستقبال مدها الثوري وتبني رأيها وفكرها السياسي، وعندما جاءتها الفرصة لتقديم نفسها بصورة «إنسانية حضارية» في العراق وبالأخص في البصرة نسيت كل كلامها الرخيص وتذكرت عنصريتها العجمية وشعوبيتها ضد عرب البصرة وأذاقتهم جراء ذلك سوء العذاب.
دعونا نستعرض تاريخ هذه المدينة العربية الخالصة لنعرف من أين أتى كل هذا الحقد الفارسي الأعمى وهذه البغضاء العابرة للحدود.
أسس البصرة الصحابي الجليل عتبة بن غزوان – رضي الله عنه -، وفِي ترجمته تقول المصادر: هو من السابقين إلى الإسلام، إذ كان سابع من أسلم من الصحابة، شارك في الفتوحات الإسلامية في العراق؛ حيث أرسله عمر بن الخطاب إلى «الأُبُلَّة» ليفتحها ويُخرج الفرس منها، ففتحها الله على يديه، وطهرها من الفرس، ليختطَّ مدينة البصرة ويؤسسها.
إذن رمزية البصرة تأتي من كونها أول مدينة يختطها عرب الصحراء في العراق، بعدما أتموا هدم وسحق الإمبراطورية الفارسية، ولذلك تحمل إيران للبصرة وأهلها كل تلك العداوة والكراهية وتعمل على قتلها وتهجير سكانها، وتريد استئصالها من الجسد العراقي وربما غيرت اسمها ذات يوم.
هل ما يفعله الإيرانيون مصادفة، بالتأكيد هو عمل ممنهج يمثل السياسة الإيرانية الحقيقية على الأرض وليس على قناة الجزيرة والعالم والميادين، القائمة على التهجير والتغيير الجغرافي والتاريخي والثقافي والفقهي، وتحويل الواقعين تحت سيطرتها لمجرد «عبيد» بلا هوية.
لننظر للبنان التي تسلل إليها التغول الإيراني بداية الثمانينات الميلادية، كيف تحولت بسبب حزب الله من سويسرا الشرق إلى أكبر مزبلة في تاريخ البشرية، دولة معاقة متجمدة لا حول لها ولا قوة إلا بعد أن تأتيها الإشارة من الضاحية الجنوبية في بيروت، وكيف قضت طهران على أمن ومستقبل اليمن وسورية وغزة، فما بالنا بالعراق الذي أُجبر أن يكون مجاورا لها، مجرد خيال دولة تموت وأنهر الماء والنفط تحت أقدام شعبها.
ما قامت به إيران في البصرة هو مثال بسيط لما ستقوم به في أي أرض عربية تقع تحت سيطرتها، فالقضية بالنسبة لها هي انتقام لمعركة القادسية الكبرى التي أسقطت كسرى انو شروان ومجد فارس، مهما تلبست بثياب الثورة وعودة «الإمام الغائب» والانتصار للمظلومية.
16 لواصق العراق وجراحه رمزي الغزوي
صحيفة الدستور الاردنية
يكاد يكون لغالبية الأسماء الشائعة في العراق كنية موحدة، تتداولها الأوساط الشعبية منذ زمن بعيد. فمثلاً يُنادى الرجل الذي اسمه محمد بأبي جاسم، وأحمد ينادونه: أبو شهاب، وخالد: أبو الوليد، وعلي يكنونه بأبي حسين، أما العسكري فيكنونه (أبو خليل)، والشرطي (أبو اسماعيل)، أما الرجل الذي لم يولد له ولد بعد؛ فيقولون له: أبو غايب!.
نحن نسمي الوزغة (أبو بريص)، والعراقيون لديهم نفس التسمية أيضاً. والوزغة هي الحيوان الزاحف الصغير الذي يعيش في البيوت، وربما كني بأبي بريص، لأن جلده شفاف، ومرقط بعض الشيء، ويشابه مرض البرص المعروف، ولهذا الكائن قدرة هائلة على تسلق الجدران بمهارة وسرعة، وباستطاعته أن يمشي منقلباً على بطن السقوف.
قبل فترة وجيزة طوّر باحثون من جامعة نورث ويسترين في ولاية إيلينوي الأمريكية مادة لاصقة من خلال الاستعانة بخصائص (أبو بريص)، وتتميز المادة المطورة بقدرتها على لصق الأشياء بكفاءة عالية ومتانة عجيبة، سواء كان ذلك في وسط مائي أم جاف، ويتوقع استخدام هذه المادة الجديدة المسماه «جيكيل» لتعليق وإلصاق الأشياء بشكل مؤقت على السطوح المختلفة، وكذلك في عملية إغلاق وكتم الجروح المفتوحة ولصقها.
الباحثون بيّنوا أن «أبو بريص» يستطيع تسلق الجدران والسطوح العمودية بفضل قدميه اللتين تلصقانه بالسطح بشكل متين، ولفترة مؤقتة، قبل أن يرفع قدمه من جديد ليواصل تقدمه نحو الأعلى أو هبوطه إلى الأسفل.
كان العراقيون يتداولون نكتة طريفة على شكل سؤال بسيط مفاجئ: أبو بريص قبل أن يتزوج. (شنو كان اسمه)؟؟!، وهنا لا بد أن تقول: كان يُسمى أبا غايب. واليوم وبعد ظهور بثور لانتفاضة شعبية في البصرة، جراء ما يعيشه العراق من تجاذبات وتقاذفات وظلال قوى الشد والشد العكسي.
بعد هذا، أراني أتساءل بحزن وأسى: هل يستطيع العالم بجل اختراعاته وقوته وأدويته أن يلصق جراح العراق المفتوحة على كل الأوجاع والآلام والمآلات؟ هل ستلتئم جراحه حتى لو استخدامت لاصقات الوزغة الجديدة؟!.
لا جواب. إلا ما تلقاه شاعرنا السياب: الصدى ولا شيء إلا الصدى. ولهذا يخنقني السؤال المر العلقم، الذي يلتصق بسقف لساني منذ وجع طويييييييييييل: إلى متى نظل على قارعة انتظار هذا (الغايب) ليعم بلاد الرافدين. متى يبزغ السلام في دار السلام؟!.