1 العراق… انتفاضة لتنظيف الجحيم الارضي؟ هيفاء زنكنة القدس العربي
■ خلافا لما أشاعته الحكومة العراقية، لم يعد المتظاهرون والمعتصمون منذ شهر حزيران ـ يونيو، في مدينة البصرة، جنوب العراق، إلى بيوتهم بعد انحسار موجة الحر أو بعد ان تعبوا من النوم في اماكن الاعتصام. بل بقي المعتصمون، واستمر المتظاهرون، وبقيت مطالبهم الاساسية، التي تشكل قاعدة هرم حقوق الانسان واحتياجاته اليومية، ملحة ليس لأنها تشكل قيمة انسانية لا يفهمها الفاسدون من الحكام، بل لأنها، أيضا، حقوق مشروعة، في ملكية الثروة الوطنية العامة لواحد من بلدان النفط الغنية، بالعالم، الذي وصلت استهانة الحكومة به حد حرمان سكانه من المياه الصالحة للشرب. حرمان مستمر يؤدي، يوميا، إلى زيادة عدد المصابين بالتسمم وامراض المياه الملوثة، بأنواعها، حتى تجاوزت الآلاف، وان أصرت وزيرة الصحة، في ردها على المتظاهرين، بانهم يبالغون في رسم الصورة وان «هناك 1500 حالة تسمم واسهال، فقط، في المستشفيات»! ولم نسمع من الوزيرة بعد عن منع الكويت، استيراد وحظر المواد الغذائية من العراق، اضافة إلى منع المسافرين العراقيين من الدخول للكويت «كإجراء احتزازي بسبب انتشار مرض الكوليرا في العراق». وكانت مفوضية حقوق الانسان قد حذرت، في الاسبوع الماضي، من انتشار مرض الكوليرا في البصرة نتيجة زيادة الملوحة والتلوث المائي.
هذه التطورات دفعت المتظاهرين إلى اتخاذ خطوات جديدة، بعد ان ادركوا ان لا جدوى من الاعتصام امام مركز المحافظة الذي يضم اعضاء فاسدين، وأمام مكاتب الاحزاب، التي تضم اعضاء فاسدين. وبعد ان ادركوا عبثية الاصغاء إلى وعود الساسة وهم أساس الفساد، أو النواب وممثليهم، وهم جزء من تشكيلة الفساد المستشرية من قمة النظام إلى أصغر موظف فيه.
أدرك المتظاهرون، ان مطالبة الفاسدين بوضع حد للفساد، يعني، عمليا، مطالبة الفاسدين بالتخلص من أنفسهم، فكيف يحدث ذلك؟.لذلك، قرروا، بعد اسابيع من المظاهرات ومحاولة الاحزاب الهيمنة عليها، كما فعلت مع مظاهرات ساحة التحرير، ببغداد، بقطع الطرق الرئيسية، وآخرها قطع طريق رئيسي في منطقة كرمة علي بالبصرة، لمنع الشاحنات من عبور الحدود. والاعتصام، وهذا هو الاهم، امام المدخل الرئيسي لحقل نهر بن عمر النفطي، والتهديد باقتحام الحقل النفطي إذا لم ترد الحكومة على مطالبهم. يبين التهديد مدى اليأس من الوعود الحكومية خاصة فيما يتعلق بخريجي هندسة ومعاهد النفط العاطلين عن العمل في بلاد النفط. حيث يساهم قطاع النفط بـ 65٪ من إجمالي الناتج المحلي حالياً، إلاّ أن عدد العاملين به لا يتجاوز 1٪ من العدد الكلي للقوى العاملة في البلاد، حسب تقرير الامم المتحدة. وهذه طامة كبرى يحاول المسؤولون طمرها لئلا يمسوا مصالح الشركات الاجنبية.
إن الوضع الحالي الذي يعيشه المواطنون، في ارجاء العراق، وليس البصرة وحدها، مأساوي في تفاصيله التي تتطلب حلولا آنية سريعة بالاضافة إلى التخطيط الاستراتيجي. فنقص مياه الشرب بحاجة إلى علاج فوري لانقاذ حياة الناس، عموما، والاطفال والحوامل، بشكل خاص. وايجاد فرص عمل للشباب ليس مستحيلا، فيما لو توفرت النية الصادقة، وأكتفى الساسة بسرقة خمسين ٪ من الثروة النفطية، فقط، بدلا من بلعها كلها، وأبقوا النصف للاستثمار الاستراتيجي والتنمية، مما سيؤدي إلى توفير العمل للخريجين.
من الناحية البيئية، يشكل نقص الماء والكهرباء وبقية الخدمات الاساسية، اعراض موت بيئي بطيء يعيشه البلد، منذ عقود، جراء الحروب وسنوات الحصار والغزو الانكلو ـ أمريكي وتخريب «الدولة الإسلامية»، وقصف «قوات التحالف»، المدن بحجة تحريرها، الامر الذي سبب تدمير البنية التحتية واختلاط مياه المجاري بمياه الانهار.
وتشير تقارير الامم المتحدة حول البيئة إلى ان 30٪ من الأسر، فقط، موصولة مع شبكة الصرف الصحي العامة، فيما تلجأ بقية الأسر إما إلى استخدام خزانات الصرف الصحي (40٪) أو المجاري المغطاة للتخلص من الفضلات.
ولاتزال مخلفات الحرب السامة، بلا تنظيف، بل وتشهد البيئة تدفق مستويات عالية من الإشعاع والمواد السامة الأخرى. وتبين تقارير علمية عديدة ان استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب، وهو معدن ثقيل مشع وسام، من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، خلال حربي 1991 و2003، وأطلاقه في أكثر من 1100 موقع، بما في ذلك في المناطق المكتظة بالسكان، لايزال واحدا من الاسباب الرئيسية في زيادة نسب الاصابة بامراض السرطان وولادة الاجنة المشوهة، على الرغم من الانكار الأمريكي والصمت الرسمي العراقي المتواطئ معه.
تذكر بعض التقارير ان تعرض بيئة العراق لضرر كبير ناجم عن السياسات الخاطئة للحكومة بشأن السكان وإدارة الموارد، بينما الاصح الذي تختار التقارير عدم ذكره هو ان الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الغزو عام 2003 لم يكن همها، اطلاقا، الاهتمام او التخطيط او وضع سياسة حول البيئة، أو حتى الاهتمام بالشعب. همها الاول والاخير، كان ولايزال، هو نهب الاموال بأقصى سرعة ممكنة، وابقاء الشعب ضعيفا، بكل الطرق الممكنة، تستهلكه وتستنفد قواه الحاجات اليومية الملحة، لأنهم يعرفون جيدا، انه بمجرد ان يمتلك قواه الجسدية وقدرته على التفكير، سيثور عليهم ويقوم بتنظيف البيئة منهم.
تشير التقارير، أيضا، إلى إن سياسة الدول المجاورة في بناء سدود مخالفة للقوانين الدولية، كما فعلت تركيا، وسياسة إيران في تجفيف الانهار، مخالفة للقوانين الدولية، وشحة المياه هي احد اسباب مشكلة الملوحة والتصحر، الا ان ما لا تذكره هو الحاجة الماسة للتعامل السياسي الحكيم مع هذه السياسات، والتركيز عليها، لوحدها، يجب الا يعفي الحكومات العراقية من مسؤولية الفشل الهائل في الاهمال، وانعدام التخطيط، والانشغال بالفساد، والاكثر من ذلك كله التبعية السياسية لدول لا ترى في العراق غير ساحة لحل نزاعاتها. لذلك ليس عبثا ان تصف منظمة ادارة البيئة بالامم المتحدة العراق بأنه البلد الاكثر تلوثا بالعالم. ولأن الدول الخارجية المتنازعة لا تحتاج حلبات صراع، مكتظة بسكان، قد يسببون لها المشاكل، يبدو من المنطقي ابقاء العراق على حاله ملوثا، يموت سكانه ببطء وصمت وهم يعلمون «ان قضيتهم ستنسى»، حسب إيريك سولهايم، رئيس إدارة البيئة في الأمم المتحدة.
2 مشروع عراق أميركي جديد
فاروق يوسف
العرب بريطانيا
بعد الاحتلال الأميركي أشاعت وسائل الدعاية الناطقة باسم سلطة الاحتلال أو الموالية لها تسمية العراق الجديد. وهي تسمية تضمر، في ما تضمر، طمس ذلك العراق التاريخي الذي عرفناه. أن لا تلتحق بذلك العراق الجديد فذلك معناه أنك تفضل أن تتحول إلى كائن تاريخي، مكانه المتحف الذي لن تسمح مساحته الضيقة لك في أن تكون جزءا من العالم الحي الذي صار مهندسو ثقافة الاحتلال يبشرون بقرب الاندماج به.
مضت كما هو معروف 15 سنة من عمر العراق الجديد مليئة بالمؤامرات والحروب الأهلية من غير أن يرى العراقيون شيئا من ذلك العالم الحي إلا من خلال شاشات التلفزيون التي لم تكن مضيئة دائما بسبب خلل أصيب به التيار الكهربائي.
كان العراقيون وقد ضللتهم الآمال في انتظار ولادة العراق الأميركي، فإذا بهم يصبحون ويمسون في ظل عراق إيراني، خيم على العقول بظلمته وعلى القلوب بيباس عاطفته. العراق الجديد الذي بشر به غلاة المتحمسين للاحتلال كان إيرانيا إذن. لقد استسلمت الولايات المتحدة المسؤولة عن كل ما جرى للعراق للطبقة السياسية التي صارت تحكم بتفويض منها وبحماية إيرانية.
لم يؤثر في شيء أن يُعلن العراق دولة فاشلة تقف في مقدمة الدول المضروبة بجرثومة الفساد التي تقف حائلا دون قيام دولة المواطنة. لم تظهر الولايات المتحدة أدنى اهتمام بمصير العراق الذي احتلته من غير تفويض دولي، وحطمت دولته من غير أسباب قانونية، وأبادت جزءا من شعبه من غير أن تفكر بتعويضه أو الاعتذار منه.
كان واضحا أن موقف الولايات المتحدة إنما يقوم على مبدأ الهروب من المسؤولية. حتى الديمقراطية التي وعد الأميركان بها صارت جزءا من العهدة التي سلموها إلى إيران. أدار الإيرانيون الانتخابات في العراق بما يتناسب مع مصالحهم.
اليوم بعد كل ما شهده العراق من كوارث وفواجع ومآس يعود الأميركان إليه بفكرة عن عراق جديد. عراق سيكون أقل إيرانية مما مضى. ذلك لأن الطبقة السياسية الحاكمة التي تلذذت بتقبيل يد الولي الفقيه لا تزال ممسكة بمفاتيح الحكم. وهي الطبقة الفاسدة ذاتها التي لا يمكن أن يثق بها أصغر خبير في شؤون الجريمة الاقتصادية.
لا شيء مما تفكر فيه الإدارة الأميركية يمكن أن يأخذ طريقه إلى التطبيق. لأن فك ارتباط العراق بإيران يتطلب إسقاط الطبقة السياسية الفاسدة لتي ارتبطت جرائمها بالغطاء الإيراني. كانت إيران المستفيدة الأولى من انتشار الفساد في الدولة العراقية.
لولا ذلك الفساد لما قاومت إيران العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
ما يجري اليوم في العراق إثر التدخل الأميركي في مسألة تشكيل الحكومة لا ينبئ بخير. وبالأخص على مستوى تخليص العراق من الهيمنة الإيرانية. الراعي الأميركي لا يزال مصرا على النظر بعين واحدة.
ليس نافعا أن يكون العراق الأميركي الجديد أقل إيرانية بالنسبة للعراقيين. النظرية الأميركية لن تتقدم خطوة بالعراقيين. فأن يكون العراق أقل إيرانية، حسب تلك النظرية، فذلك لا يعني بالضرورة أن حكومته المقبلة ستكون أفضل من الحكومات السابقة على مستوى الأداء الوظيفي، ما دامت التسويات بين الكتل السياسية قائمة على أساس تقاسم الغنائم والعمل على تمرير الصفقات وتبادل المصالح.
ما تقدمه الولايات المتحدة اليوم هو نسخة معدلة عن ذلك العراق الهش والمفكك والهزيل والمريض والمتناقض والقابل للانهيار الذي بدأت في صناعته عام 2003 وكان بؤرة لفساد وخراب عظيمين.
3 المدير الدكتاتوري والمدير الديمقراطي واقع عراقي.. لماذا يزداد عدد المترحمين على صدام حسين هذه الأيام؟ جمال الكندي
راي اليوم بريطانيا
في علم الإدارة يتم تدريس أكثر من إتجاه في إدارة المؤسسات التجارية الربحية أو الخدمية ، ومن بين هذه الاتجاهات ما يسمى “بالمدير الدكتاتوري يقابله “المدير الديمقراطي” ، الأول هو الذي يحمل فكراً واحداً في طريقة العمل الإداري، وكيفية التعاطي مع أفراد المؤسسة ، وغالباً يكون من فكر القائد العام لهذه المؤسسة ولا يقبل النقاش فيه، لذلك سمي “المدير الديكتاتوري”، ومن خلال هذا الفكر ترسم الخطط والاستراتيجيات.
في الطرف الآخر يوجد “المدير الديمقراطي” هو عكس الأول يقوم بأخذ المشورة من باقي أفراد العائلة الإدارية إن صح التعبير، ويقبل بتعدد الأراء .
من هنا نحن نقف وقفة مقارنة بسيطة، ونقول هذا النظام ينفع وذلك ينفع ، وكلاهما له بيئته الحاضنة التي تأهله للسير بهذا الاتجاه أو ذاك، وهذه التفاصيل نجدها في علم الإدارة .
ولكن هل هذا المشهد ينسحب على السياسية؟، وهل له علاقة بأزمة العراق الحالية في تشكيل الحكومة القادمة ؟
قبل الإجابة والدخول في تحليل سياسة التجاذبات العراقية لتشكيل الحكومة القادمة ، والتي إن سمح لنا العراقيون فإننا نحللها من عيون عربية خالصة تريد للعراق الكبير أن يكون كبيراً كما عهدناه، مؤثراً لا متأثرا بما يجري في محيطه الإقليمي .
فلقد قرأت قبل عدة أيام مقالة منشورة لكاتب عراقي ، شدتني كثيراً بعنوان ( صدام كان يجب أن يعدم ) هذا الكاتب كان معارضاً لنظام الرئيس العراقي الأسبق “صدام حسين” يذكر الكاتب في مقالته مقارنة لما يحدث اليوم للعراق وما كان من قبل النظام العراقي السابق، وكان يركز وهذا هو المهم على الجانب الذي فقده العراقيون اليوم وهو الجانب الخدمي الذي يهمهم بالدرجة الأولى ، وفقده في ظل ( المدير الديمقراطي) وقد أسهب الكاتب بسرد الحقائق الحياتية بين النظاميين ، وخلاصة مقالته كما فهمتها: بأن المدير الديكتاتوري عمل شيئا ملموسا للعراقيين في متطلباتهم الحياتية جعلهم اليوم وبعد كل هذه السنيين يترحمون على الأيام الخوالي لنظام دكتاتوري حكم العراق بالحديد والنار كما يقال.
أنا هنا كما قلت أنظر بعيون عربية، ولست متخصصاً بالشأن العراقي ، وأعلم أن كثيرا من العراقيين عانى من النظام السابق ،ولكن ليسأل العراقيون أنفسهم لماذا الترحم على النظام السابق في ظل “مدير ديمقراطي” تعددي يقبل بالأخر؟! هنا سأعود إلى علم الإدارة ومقدمة المقال بأن البيئة هي الحاكمة للتوجهات “الإدارية والسياسية” ولا اقول هي حتمية بل أقول: إصلاح المعطى العام سواءً كان بالنظام الأول أو الثاني، وبأن يكون التوجه وطنياً خالصاً خالياً من شوائب المؤثرات الخارجية.
المشهد ينسحب هنا على التجاذبات السياسية العاصفة التي نراها اليوم في الشأن العراقي ، بعد انتهاء نظام الرجل الواحد، فالبيئة العراقية كانت مؤهلة لتبني مؤسسة “المدير الديمقراطي” من وجود وعي سياسي لدى الشارع العراقي، وأكثر من ذلك الاستعداد النفسي لتقبل الآخر في المشاركة السياسية في إدارة الدولة تحت مبدأ الوطنية التي تذوب فيها كل الانتماءات الأخرى، خصوصاً أن الأحزاب السياسية العراقية كانت في خندق واحد ضد النظام السابق، وترفع شعار الحرية السياسية ومبدأ تداول السلطة.
ولكن السؤال المهم المطروح اليوم لدى العراقيين وغيرهم لماذا على الأرض لا نرى إلا التجاذبات السياسية المغلفة بالتأثيرات الخارجية في المشهد العراقي ؟ ولماذا المواطن العراقي البسيط لا يرى أي تطور خدمي في الجغرافيا العراقية؟ والذي يؤدي حتماً إلى المقارنة بين المدير الديكتاتوري والديمقراطي من حيث الجانب الخدمي وحتى الجانب السيادي في الكلمة السياسية التي تخرج ولا تبلي بهذا المحور أو ذاك ، المهم أنها عراقية المنشأ والتوجه.
ما يشهده العراق اليوم من مناكفات سياسية لها أبعادها الخارجية، هي ثمرة محصول نظام المدير الديمقراطي، وهذا التأخر في الإصلاح الاقتصادي والخدمي، وما نراه من مظاهرات مطلبية في البصرة ستخلق أقلاماً تقارن بين النظامين ، فالمواطن العراقي البسيط يريد أن يرى ما بشر به أصحاب مشروع “المدير الديمقراطي” نتائج تكون ملموسة على الأرض تحاكي المطالب المشروعة للعراقيين، وإذا لم يتحقق ذلك وانشغلت الحكومة بالصراعات الحزبية وتنازلاتها للخارج سنجد مقالات من نوعية مقالة من كان يعارض النظام العراقي السابق واليوم يتغنى بنظام المدير الديكتاتوري ويتمنى رجوعه.
العراق بذل الدم لينال الحرية في إدارة بلاده ، هذا الدم لابد أن يحترم ويقدر ، واحترام هذا الدم بأن يكون من أجل العراق فقط “لا شرقية ولا غربية ” نريدها عراقية بحتة، وأي كيان سياسي يحكم العراق اليوم، ولا يأخذ بهذا الاعتبار، ويقع تحت الضغوط الخارجية سوف يسمح للمقارنات أن تلعب دورها وتأجج الداخل العراقي .
العراق يريد الديمقراطية ، ولكنها لابد أن تكون بغلاف الوطنية، العراق يريد الديمقراطية ، ولكن لابد للقائميين عليها أن تكون توجهاتهم عابرةً للطائفية والحزبية، ومن دون تحيز مناطقي . العراق يريد الديمقراطية، ولكن لابد أن تكون بعيدة عن المؤثرات الخارجية أينما كانت وتنظر فقط للمصلحة العراقية وعنوانها العراقيون أولا وثانيا وأخيراً . العراق يريد الديمقراطية ، ولكن لابد أن تكون متسامحة لا تحمل النفس الطائفي البغيض .
إذا أدرك العراقيون ذلك سنرى حكومة توافقية وطنية تنهي أزمة من هي الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي ، وتتكاتف في بناء العراق من جديد تحت سقف الوطنية فقط لا غير .
4 بغداد… «انقلاب 3 أيلول» مصطفى فحص الشرق الاوسط بريطانيا
فتحت الجلسة الأولى المقتضبة للبرلمان العراقي الجديد، يوم الاثنين الفائت، سجالاً سياسياً داخلياً بين القوى العراقية المتصارعة على السلطة، وكشفت عن نوايا جدية لأطراف سياسية مؤثرة في الطلاق مع الماضي، وإمكانية الخلاص من تجربة فاشلة عمرها 15 سنة أدير فيها العراق بعقلية طائفية لم تُراع المصالح الوطنية.
تحت قبة البرلمان ظهرت ملامح انقلاب سياسي على كل التجربة الماضية بعدما نجح الثلاثي الشيعي العبادي والحكيم والصدر في تشكيل الكتلة الأكبر التي قطعت الطريق على مشاريع المحاصصة والاستحواذ الطائفي والمناطقي، ففي جلسة الثالث من سبتمبر (أيلول) أصبح من الممكن الرهان على تسويات وطنية تقلل من احتكار الكتل الشيعية لاختيار رئيس وزراء، ومن الممكن أيضاً أن تسمية رئيس الجمهورية لم تعد وظيفة الأكراد لوحدهم.
أما رئيس مجلس النواب السني فقد بات اختياره يمر عبر تحالف عابر للطوائف في إطار ما تتفق عليه مكونات الكتلة الأكبر التي من المفترض أن تمهد لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، تفرض عليها التطورات الإقليمية والدولية وضع مصالح العراق فوق كل اعتبار، وهو ما عبرّ عنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عشية انعقاد جلسة البرلمان، حيث قال: «لن نجازف بمصالح شعبنا إرضاء لإيران أو غير إيران».
رفض العبادي الصريح للتدخل الخارجي في شؤون العراق الداخلية، الذي عاد وكرره في خطابه أمام البرلمان، رسالة واضحة لطهران بأن عليها احترام قواعد الديمقراطية العراقية حتى لو كانت متعثرة، وأن تلتزم بمقتضيات حسن الجوار المحكوم بثوابت جغرافية وارتباطات عقائدية ودينية كانت تاريخياً سبباً مباشراً للصراع على العراق، وهذا ما يصعب على طهران تقبله، فليس من الوارد أن تتراجع طهران أمام صعود الوطنية الشيعية العراقية التي أيقنت أن تشيعها لا يصطدم بعروبتها، وأن مصلحتها في سيادة عراقية بعيدة عن الهيمنة تحت شعارات مذهبية، وأن علاقتها المتوازنة مع جوارها تضمن استقرار سلطتها، خصوصاً أن تجربة ما بعد 2003 أضرت بشيعة العراق أكثر مما أضرت بغيرهم، نتيجة الاستحواذ الإيراني على قرارهم السياسي، ومحاولة الهيمنة على موقعهم العقائدي، وهو تصرف مخالف للسياقات التاريخية التي بنيت على أساسها العلاقات الروحية ما بين العراق وإيران، والتي ساعدت في منح العراقيين تاريخياً فترات من الاستقرار السياسي والاجتماعي النسبي.
ويعود الفضل في هذا الاستقرار إلى «معاهدة قصر شرين» المعروفة أيضاً بـ«اتفاقية زهاب»، ما بين العثمانيين والصفويين سنة 1639، التي أنهت صراعاً بينهما على العراق استمر أيضاً 15 سنة، حيث تنازلت الدولة العثمانية عن عاصمة أرمينيا يارفيان للصوفيين مقابل تنازل الأخيرة عن العراق، إلا أن السلطان مراد الرابع خان راعَى الروابط الروحية ما بين الإيرانيين الشيعة والأماكن الشيعية المقدسة في العراق، فمنحت التسوية حينها، التي أقرت بأن يكون العراق تحت سلطة العثمانيين سياسياً، دوراً اجتماعياً وعقائدياً للصفويين في العراق، الذين نجحوا نسبياً عبر داعيتهم منذ تلك الفترة في الربط ما بين الصفوية التوسعية والتشيع.
وقد استفادت إيران تاريخياً من العلاقة المتوترة ما بين سلطات بغداد والمرجعية النجفية التي تعرضت في عدة مراحل إلى حصار وإضعاف كانت إيران المستفيد الأول منه، حيث ساعدها حصار النجف في نقل جزئي للمرجعية الدينية الشيعية إلى قُم، ولكن مع سقوط نظام صدام استعادت النجف تأثيرها الذي أدى إلى تباين بينها وبين طهران حول كيفية إدارة شؤون العراق، حيث عارضت المرجعية النجفية الوصاية الإيرانية على العراق ما تسبب بفتور في العلاقة بينهما، هذا الفتور انعكس سلباً على علاقة طهران أيضاً بالثلاثي الشيعي العبادي والصدر والحكيم الذي أمنت له النجف غطاءً شرعياً لخياراته الداخلية والخارجية التي أزعجت طهران المصرة على الإهمال المتعمد للحساسية الشيعية العراقية، ودفاعها عن استقلالية هويتها الوطنية والعقائدية، ورفضها المطلق للاستحواذ الإيراني على العراق.
وعليه، فإن إيران التي حكمت وأدارت العراق من 2004 حتى 2014، ثم عادت وتقاسمت مع واشنطن حكمه، ولكنها حاولت التفرد بإدارته ما بين 2014 و2018، بدأ نفوذها يتراجع نتيجة حضور واشنطن الكثيف داخل مؤسسات الدولة العراقية، خصوصاً العسكرية والأمنية.
لقد باتت واشنطن تمارس دوراً يشبه دور إسطنبول ما بعد «اتفاقية زهاب»، فيما يستعد الثلاثي الشيعي لاستكمال عملية انقلابه التي بدأها في الثالث من سبتمبر، التي بدأت في تشكيل الكتلة الأكبر التي تحولت سياسياً إلى الصفعة الأكبر لطهران في العراق منذ 2003، حيث من الصعب التكهن بحجم ردة الفعل الإيرانية الانتقامية على هذه الصفعة.
5 العراق خارج هيمنة الملالي افتتاحية اليوم السعودية
سيظل العراق بخير وعافية طالما انعتق من الهيمنة الإيرانية على مقدراته ومصيره وحرية شعبه، فالكتلة الأكبر في هذا البلد الشقيق سوف تتمكّن من تشكيل حكومة قوية وصلبة قادرة على إزالة آثار الطائفية التي حاول الإيرانيون زرعها في سائر محافظات ومدن العراق، وقادرة كذلك على تجاوز الخلافات الهامشية ومواجهة بذور الشر التي زرعها النظام الملالي الإرهابي في بلد يتوق إلى العودة لحظيرته العربية والإسلامية والدولية، وينعتق تمامًا من سيطرة حكام طهران على صوته الجهوري للعودة إلى بناء الدولة وفقًا لتطلعات مستقبلية طموحة محفوفة بإرادة العراقيين للتغلب على أزماتهم والارتفاع فوق خلافاتهم الجانبية.
ويبدو واضحًا للعيان أن العراق سوف يستعيد عافيته بتشكيل حكومة جديدة تحرص على مصالح العراقيين والسعي إلى تسوية كافة أزماتهم العالقة، فالأزمة السياسية القائمة حاليًا سوف يُصار إلى حلحلتها إذا ما تمّ التخلص نهائيًا من الضغوطات الإيرانية المكشوفة التي أدت إلى التحكّم المباشر في اختيار رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء، وتلك ضغوطات لابد للكتلة الأكبر، وهي تقوم بتشكيل الحكومة الجديدة، أن توقفها عند حدودها، فهي التي أدت إلى دخول العراق في أزمات متفاقمة كبرى بما فيها الأزمة السياسية الخانقة التي ما زال العراقيون يعانون منها الأمرّين.
التدخل الإيراني السافر في شأن العراق أدى إلى التحكّم في مفاصل العمل السياسي ومحاولة إنهاكه، وأدى في الوقت نفسه إلى زعزعة أمن العراق واستقراره وسيادته، وأدى إلى تحركات فصائل إرهابية عديدة تريد أن تعيث فسادًا وخرابًا وتدميرًا في هذا البلد، وعلى رأسها منظمة داعش الإرهابية، ومَن لفّ لفها، وهذا يعني أن الأمن العراقي سوف يراوح في مكانه، وسوف يواجه بتلك التحركات الإجرامية لاسيما في ظل سهولة امتلاك السلاح، وتفشّي ظاهرة الفساد في دهاليز حكومة لابد من إعادة النظر في تشكيلها من جديد؛ لتجاوز مختلف الأزمات العالقة.
الشعب العراقي لا يزال قلقًا من أسلوب إدارة السياسيين للبلاد، وهو قلق له ارتباط جذري بضغوطات النظام الإيراني على العمل السياسي برمته، بيد أن تشكيل الحكومة الجديدة المقبلة التي يهمّها مصالح العراقيين وتغليب المصالح العليا للعراق قادرة على التغلب على تلك الضغوطات والتخلص من أمراض الطائفية وبذور الفتن، والعمل على محاربة الفساد، وتعزيز سلطة القانون، ومنع وجود السلاح خارج سيطرة الدولة ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله ومسمياته وأهدافه الشريرة، بما في ذلك إرهاب الدولة المتمثل في النظام الإيراني الدموي.