1 الولي الفقيه ليس مبدعا
باهرة الشخلي العرب بريطانيا
يتضح أن نظام الولي الفقيه الايراني لم يبدع في منهج ولم يجترح أسلوبا أو وسيلة خارجة عن اساليب الصفويين، نظام الولي الفقيه اتبع في نشر التشيع اسلوب الترهيب الصفوي الذي لا علاقة له لا بالاسلام ولا بالتشيع.
نظام الولي الفقيه الإيراني لم يبدع في منهج ولم يجترح أسلوباً أو وسيلة خارجة عن أساليب الصفويين
تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر مجموعة من الشيعة الإيرانيين تلطم قرب السيدة زينب في ريف دمشق، ومع المقطع تعليق يقول “هذا في دمشق، التي بدت غريبة شكلاً ومضموناً بتصاعد اللطميات والتغلغل الإيراني في مناطق سوريا بحجة زيارة الأماكن الشيعية”.
والواقع أن هذا التغلغل وصل إلی منطقة دير الزور واكتسح منطقة البوكمال، القريبة من الحدود العراقية، وما يهم الفرس هو زرع مثابات هي عبارة عن أضرحة مختلقة تتحول إلى أماكن مقدسة، بمرور الأيام، ليدّعوا، يوماً، أن إمبراطوريتهم تمتد إلى كل منطقة فيها مكان مقدس لدى الشيعة أو قبة شيعية، فيسيّرون إليها قوافل حجاج ويفرضون عليها حراسة مشددة من المواقع العسكرية الموجودة قربها، والتي تضم عسكريين إيرانيين وعراقيين وأفغانا.
هناك عين ماء موجودة تسمی عين علي، حوّلها أتباع الولي الفقيه الإيراني، بعد نشر القصص والخرافات حولها، إلى معلم مقدس في نظر الشيعة الإيرانيين وتم بناء ضريح قربها، وفي منطقة دير الزور استغل الإيرانيون بعض الوجهاء في المدينة لكسبهم، مثلما استغلوا فقراء المنطقة وأرسلوهم إلى مدينة قم الإيرانية لإدخالهم دورات تعليمية يعودون، بعدها، أذرعاً لنظام الولي الفقيه الإيراني، وبنت منظمة جهاد البناء الإيراني دوراً ووزعتها مع سلال طعام في هذه المدينة.
هي الأساليب نفسها في الترغيب، التي اتبعها الصفويون لنشر تشيّعهم الخاص، الذي حولوه إلى دين جديد لا علاقة له لا بالإسلام ولا بالتشيع، كما اتبع نظام الولي الفقيه في نشر التشيع الإيراني أسلوب الترهيب الصفوي، وإلى هذا أشار الباحث بشير نافع عندما قال “إن الشيعة لم يكونوا أكثرية في القرن الخامس الهجري في أي من المدن الإسلامية سوى الكوفة والري (قرب طهران اليوم)، فتوجه إسماعيل الصفوي بجيش كثيف إلى بغداد، ودخلها سنة 941هـ (نحو سنة 1535)، وفتك بأهلها وأهان علماءها وخرّب مساجدها وجعلها اصطبلات لخيله، . فاضطر السلطان سليمان القانوني إلى وقف زحفه في أوروبا، وعاد بقسم من الجيش لمحاربة الصفويين وتأديبهم. لكن الشاه عباس الصفوي انتهز تغلغل العثمانيين في أوروبا وحروبهم مع النمسا والمجر، فعاد إلى مهاجمة بغداد، ودخلها سنة 1033هـ 1623.
يقول الباحث الاجتماعي الدكتور علي الوردي متحدثاً عن الشاه إسماعيل الصفوي “يكفي أن نذكر هنا أن هذا الرجل عمد إلى فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة، وجعل شعاره سبّ الخلفاء الثلاثة. وكان شديد الحماس في ذلك سفاكاً لا يتردد أن يأمر بذبح كل من يخالف أمره أو لا يجاريه. قيل أن عدد قتلاه ناف على ألف ألف نفس”.
تتجمع لديّ نصوص كثيرة من كتاباته حول الأساليب، التي اتبعها الصفويون في نشر تشيعهم الخاص، بعضها من البشاعة بحيث لا يناسب ذكره هنا.
وحذت الميليشيات الطائفية الإيرانية حذو الأسلوب، الذي اتبعه الشاه إسماعيل، في المناطق السنية العراقية بعد احتلال العراق سنة 2003.
وكانت هجرة رجال الدين الشيعة الإيرانيين وعدد آخر من جماعات السكان إلى العتبات قد جاء نتيجة لانهيار الدولة الصفوية. وظلت هذه الهجرات تتوالى حتى نشأة الدولة الحديثة في العراق، كما يقول فرهاد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية بجامعة برلين في كتابه “الطائفية السياسية في العالم العربي”، في حين أن انتشار التشيع في جنوب العراق قد تم تحت سمع الدولة العثمانية وبصرها، وبموافقة رجالها في معظم الأحيان. إذ أنه منذ أن وصل العثمانيون إلى العراق، أتم سليمان القانوني بناء الحضرة الكاظمية، وزار المقامات السنية والشيعية، وأمر بحفر نهر الحسينية لإيصال المياه إلى مدينة كربلاء. وتحت الدولة العثمانية انفصل الفضاء الشيعي في العراق مديراً شؤونه بقدر كبير من الاستقلال، ولأن الدولة العثمانية كانت صوفية، وبسبب التداخل بين التشيع والتصوف في آسيا الصغرى في العصور الإسلامية الوسيطة المتأخرة، فقد احتلت الرموز الشيعية والولاء لآل البيت موقعاً بارزاً في الثقافة العثمانية المبكرة. وكان الولاة حنفية متصوفة تشوب تصرفاتهم “مسحات شيعية” فكانوا يعتنون بمراقد الأئمة في بغداد والنجف وكربلاء.
يتضح من هذا أن نظام الولي الفقيه الإيراني لم يبدع في منهج ولم يجترح أسلوباً أو وسيلة خارجة عن أساليب الصفويين ووسائلهم.
2 الميليشيات الإيرانية تشد الأحزمة حول العراق حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
نظام ولاية الفقيه بدأ بشد أحزمة الميليشيات لتسلق السلطة واحتوائها تماما في العراق، وفي سوريا يعاد تجديد ولاء النظام للحرس الثوري والأذرع الميليشياوية التابعة له.
النظام الإيراني يحكم الشعوب المنتفضة بقوة ضد وجوده وممارساته الإرهابية
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمره الصحافي مع وزير خارجية النظام في سوريا وليد المعلم، يوجه نقداً إلى الولايات المتحدة الأميركية لما انتهت إليه حماقة الاحتلال الأميركي للعراق ويصفها بـ”التجربة”، موجهاً الأنظار إلى الدمار الشامل الذي أصاب العراقيين في نسيجهم الاجتماعي ووحدتهم الوطنية وفي سقوط نظامهم السياسي والاقتصادي والصحي والتعليمي والبيئي.
لافروف اختصر بمفردة “الاحتلال” والمثال العراقي لتبريره احتلال روسيا لسوريا مدافعاً عن تواجد قواعد بلاده العسكرية وقواتها المتعددة وما تسببت به من تدمير شامل أيضاً للمدن السورية بدعم مهمات النظام الحاكم في إبادة الشعب تحت ذريعة الإرهاب وتواجد تنظيمات مسلحة بأعدادها المتباينة للإجهاز على الآلاف والملايين من المدنيين، كما حدث في حلب والغوطة الدمشقية وامتدادات المأساة السورية إلى استحضارات الهجوم على إدلب.
وزير الخارجية المعلم يبدو أنه تذكر بعض المفردات المنسية من قاموس الشعب السوري في سياق ما حققه النظام من سيطرة على الأرض، فتحدث عن الوطن وبناء المستقبل وعودة اللاجئين للمساهمة في الإعمار دون خوف من المساءلة والتدقيق في ولاءاتهم، وهو في ذلك لا يبتعد عن أسلوب المدرسة الإيرانية وسلوك زعماء حزب الدعوة في العراق عندما “يتوعدون” الشعب بمستقبل زاهر ونظام حكم وطني بقيادة الميليشيات وحشدها.
المعلم في مؤتمره الصحافي مع لافروف ترافع عن حق نظامه في إبرام الاتفاقية الدفاعية لضمان تواجد إيراني في سوريا تحت غطاء مسيرة تاريخية للعلاقات بدأت مع استلام الخميني للسلطة في سنة 1979.الاتفاقية بمضمونها لا تعني شيئاً، لأنها معمول بها ومطبقة بفاعلية، لكنها تأتي في توقيت يسعى فيه النظام الإيراني لتنشيط تحركاته في المنطقة وتثبيت وجوده في سوريا بغطاء رسمي من نظام الأسد، لتكون لزيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي لدمشق وقع العلاقات الدبلوماسية بين الدول؛ إيران وصفت الاتفاقية الإيرانية في ظل التهديد الإسرائيلي بأنها لتعزيز الاستقرار وإعادة الإعمار.
شرعية النظام السياسي في سوريا لا تختلف عن شرعية النظام الإيراني في حكم الشعوب الإيرانية المنتفضة بقوة ضد وجوده وممارساته الإرهابية الممتدة إلى التدخل في الحياة السياسية لعديد الدول العربية، والمجتمع الدولي تثبت من إرهابه وتسخير سفاراته والحصانة الممنوحة لدبلوماسييه للقيام بأعمال التجسس والتخريب وتمويل العمليات الإرهابية وحماية المخططين لها.
روسيا تمرر احتلالها لسوريا بذات الغطاء من البروتوكولات الشكلية مع النظام بمقاسات “خيال المآتة” الذي يمنع عن الاحتلالين الروسي والإيراني مآخذ ما يجري من تعويم لنظام متوحش وتواجد لقواعد روسية معلنة باتفاقيات بعيدة المدى، تضطر معها روسيا إلى الذهاب بعيداً في تسويف مقررات جنيف والقرارات الدولية، أو في ترويض فصائل المعارضة السورية السياسية والمسلحة، مع ترويجها لدستور يتم التطرق إليه كحوار سوري – سوري لإنتاج نظام ديمقراطي وفترة انتقالية يتوقف عندها الوزير المعلم بحدة عندما يشير إلى استحالة تحقيق المآرب السياسية للمعارضة السورية حيث فشلت في الاستحواذ عليها في ساحات وميادين الصراع المسلح.
هل يعوّض النظام الإيراني انهياراته في طهران بالبحث عن مخرج لسياساته في الدول التي فرطت بشعوبها وربطت مصيرها بمصير ولاية الفقيه حيث مناورات السياسة الدولية والإقليمية وتوازنات القوى العسكرية التي لن تعيد للشعوب ما فقدته من حقوقها.
عودة الولايات المتحدة وفرنسا للتلويح بعدم إمكانية بقاء الأسد في السلطة؛ يفتح للروس اتجاهاً آخر للتوغل في مسافة معاناة ومناورات مع الولايات المتحدة تتعلق بورقة عودة اللاجئين، وهي ورقة ساذجة تؤكد مدى تبسيط وتسخير حياة الشعب السوري لخدمة السياسات الروسية والمساومات الدولية. حرص روسيا على مصير الشعب السوري مفارقة إنسانية لحجم الانتهاكات المرتكبة تحت ذريعة السباق لمكافحة الإرهاب.
الحقائق دائما بسيطة ولا تحتاج للتذكير بها لمن يتعايش معها، فالإرهاب لم يعد مرتبطاً بمجموعة أيديولوجية متطرفة تعرف دروب المراوغة والعلاقات السرية وأسلوب التخادم والتحاور والمناقلة؛ ولكل هذا ليس من الإنصاف في السياسة والإعلام أن يجرد النظام الإيراني وحرسه الثوري وعملائه في السلطة الحاكمة للعراق من أحزاب وميليشيات، أو النظام الحاكم في سوريا، أو التنظيمات الإرهابية بتسمياتها المتعاقبة، أو الجماعات والأحزاب الإيرانية الصرفة في تمويل والتجهيز والتدريب والتسليح والتهريب من توصيف الإرهاب، أو أن يجرد النظام من مفهوم الإرهاب الواسع الذي ينتهي عادة بما اتفق العالم على محاربته.
لكن من أين يبدأ هذا الإرهاب ويولد وينمو، فذلك ما لا يجب أن نتفاجأ به عندما يرفع الستار عن تحقيقات أميركية تعود للعام 2007 مع زعيم ميليشيا العصائب لتؤكد التمويل والتدريب الإيراني وصولاً إلى الفوز بمقاعد في برلمان العراق المقبل؛ توقيت الخبر أهم من الخبر ذاته لأن الإعلان عن الكتلة الأكبر أقرب للإرادة الإيرانية.
الرئيس حسن روحاني بعد استدعائه إلى البرلمان حاول التقرب إلى الحرس الثوري رغم أن خامنئي سبق وأن قدّم له دعمه غير الحاسم؛ وفي الجلسة تأكد أن النظام الإيراني يتجه إلى التضحية بالشعب الإيراني من خلال اتهام المتظاهرين بتضليل الرأي العام العالمي والإساءة للنظام السياسي والمرشد خامنئي بما وفر القناعات لدى الإدارة الأميركية لاعتبار المحتجين قاعدة بيانات استندت إليها في الانسحاب من الاتفاق النووي.
بهكذا تحليل تكون الاحتمالات قائمة في تخويل الحرس الثوري وملحقاته لتبرير المواجهات المقبلة وتفويضه بإدارة العنف والقمع بحدوده القصوى، لكن ربما دون المجازفة بإسقاط حكومة روحاني للاحتفاظ بردات فعل دبلوماسية مرنة مقابل متطلبات واحتياجات الداخل الإيراني من تحديات المرشد وجملة تصريحات متشددة.
أما في حالة التعثر والتدحرج إلى قاع المواجهة حيث نقطة اللاعودة والإقدام على الانسحاب من الاتفاق دون التلويح به لمزيد من الابتزاز الإيراني للاتحاد الأوروبي، فإن الاختيارات المؤجلة بعد 4 نوفمبر لمعالجة الانفلات المجتمعي ستحدد طبيعة الإدارة الإيرانية حيث المهمة الملقاة على عاتق الحرس الثوري وكبار المتشددين.
لا غرابة في اغتنام سمعة القادة الميدانيين لتوصيل رسائل لا هوادة فيها مع الشعب، ولتصريف أعمال دولة في حالة حرب اقتصادية وتقشف وسياسة شد الأحزمة أكثر فأكثر على البطون. هل سنرى مثلاً أحد قادة الحرس الثوري رئيساً للجمهورية؟
نظام ولاية الفقيه بدأ بشد أحزمة الميليشيات لتسلق السلطة واحتوائها تماماً في العراق، وفي سوريا يعاد تجديد ولاء النظام للحرس الثوري والأذرع الميليشياوية التابعة له؛ وفي لبنان يتفاخر بعدد نوابه وتجاوز صلاحيات الدولة؛ والحوثيون في اليمن تحت حمايته ويتنقلون في بغداد وبيروت بحفاوة وتجديد عهود ومواثيق.
هل يعوّض النظام الإيراني انهياراته في طهران بالبحث عن مخرج لسياساته في الدول التي فرطت بشعوبها وربطت مصيرها بمصير ولاية الفقيه حيث مناورات السياسة الدولية والإقليمية وتوازنات القوى العسكرية التي لن تعيد للشعوب ما فقدته من حقوقها.
3 أمريكا تريدها حكومة طوارئ والعراقيون يقلبون الطاولة! هشام الفاخر
راي اليوم بريطانيا
يبدو ان الولايات المتحدة الأمريكية قد فشلت في تحقيق أي تقدم في المفاوضات التي أجرتها مع الأكراد والسنة والأقطاب الشيعية لرسم تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر وفق مزاج سيد البيت الأبيض.
منذ ان وطأت قدما مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون التحالف الدولي بريت ماكغورك ارض العراق في (28 آب 2018) وهو يمارس “دون حياء” الضغط العلني على مختلف الإطراف والشخصيات السياسية بالوعيد والتهديد والاحتجاز في مقر السفارة تارة وبالترغيب والكلام المعسول المنمق تارة أخرى لإقناعهم بتشكل الكتلة البرلمانية الأكبر وملامح الحكومة المقبلة وفق مقاسات الإدارة الأمريكية ومصالحها.
مراقبون عدوا تحركات الولايات الأمريكية في العراق استهدافا للإجماع الوطني والعملية السياسية وتدخلا سافرا في مفاوضات تشكيل الكتلة الأكبر، وتسعى لفرض واختيار شخصيات محددة لتولي المناصب القيادية، بما يسمح مواصلة الهيمنة على مقدرات وثروات البلاد.
الشارع العراقي لم يهضم تلك التحركات المريبة للمبعوث الأمريكي، لذلك عمد العشرات من المواطنين الى الخروج بتظاهرة أمام بوابة المنطقة الخضراء وسط بغداد (مقر الدولة)، منددين بما أسموه “التدخلات” الأمريكية في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
اما الإطراف السياسية السنية، فألقت “قنبلة” بوجه ماكغورك، عندما أبلغته رفضها الرضوخ للاملاءات الخارجية، وأكدت مضيها بالتحالف مع من يحقق مطالبهم.
وبحسب رواية تناقلتها الأذرع الإعلامية الكردية فان الحزبين الكرديين لم يجاملا هذه المرة البيت الأبيض، وعبرا عن رفضهما الصريح لطلب مبعوث ترامب بالانضمام الى تحالف النواة المتكون من (سائرون – الحكمة – النصر – الوطنية)، وعدم التوجه صوب تحالف (الفتح – القانون)، حتى وصل الحال بمسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الى الانزعاج الحاد، وقال له بالحرف الواحد “لا تتحدث أمامي بهذه الطريقة”.
يبدو ان ماكغورك تأخر بعض الشئ، لان دولة القانون وبحسب مقربين فقد كشفت عن حسم تحالفهم مع الفتح لتشكيل الكتلة الأكبر بإرادة عراقية خالصة والإعلان عنها خلال الساعات المقبلة، يأتي ذلك بعد إقناع جزء كبير من نواب النصر والمحور الوطني والحزبيين الكرديين بالانضمام لهم.
المبعوث الأميركي بريت ماكغورك والسفير الأميركي لدى العراق دوغلاس سيليمان يحملان في أجنداتهما خياران لا ثالث لهما، اما ترتيب الجبهة التي تنتج عنها الكتلة الأكبر وفق رؤية البيت الأبيض او دفع بغداد باتجاه تشكيل حكومة طوارئ.
لم يبقَ على جلسة البرلمان سوى ثلاثة ايام، حينها يرى العراقيون والعالم عن كثبت اللوحة المعلقة على جدران مجلس النواب في دورته الجديدة، ويعرفون نوع الريشة والفنان الذي خط معالمها سواء كان امريكا او عراقيا خالصا.
4 إطلالة على المشهد السياسي العراقي محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
بعد ما يقرب من أربعة شهور على إجراء الانتخابات التشريعية العراقية في مايو المنصرم كشفت اللقاءات التي عقدتها الكيانات السياسية الفائزة عن شدة الانسدادات في مسالك الخروج من أزمات العملية السياسية مع ظهور إرهاصات العودة لنقطة البداية وإعادة إنتاج عوامل الإعاقة الأساسية «المحاصصة». إذ لا يتداول الحديث عن الكتلة الأكبر وعن من يتبوأ منصب رئيس الوزراء سوى قيادات محسوبة على مكون معين من المجتمع العراقي وهو ما ينطبق على من يتداول أسماء من يتبوأ المنصب الرئاسي للدولة وعلى من يتداول أسماء من يتبوأ منصب رئاسة مجلسها النيابي.
العدد الأكبر من الكيانات السياسية حسمت موقفها في خندقين أي منهما لا يمتلك من الأصوات ما يسمح له بتشكيل الحكومة، الخندقان في انتظار ما تقرره الكتل السنية والكردية التي تأخرت عن بقية الكيانات في تقرير موقفها وهي تُقارب المفاوضات مع الآخرين بحذر شديد وتعمل على صياغة شروط وتطالب بضمانات على تحقيقها خاصة أن كلاً من المكون السني أو الكردي أصبح بمثابة بيضة القبان في تقرير مصير العملية السياسية.
للمرة الأولى قد يكون هناك ما هو إيجابي في العملية السياسية وهو أن الحكومة القادمة ليست توافقية يشترك فيها الجميع إذ سيكون هناك كيانات مستبعدة ستجد نفسها في موقع المعارضة نأمل أن يكون دورها إيجابياً.
لا نكشف سراً حين نقول بأن التوافق الأمريكي الإيراني على مدى الدورات الانتخابية السابقة هو الذي يحسم تسمية رئيس الوزراء، ففي المشهد السياسي العراقي يقوم بريت ماكغورك ممثل الرئيس الأميركي بزيارات مكوكية لبعض أطراف العملية السياسية ويقوم قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني هو الآخر بمثلها في عملية لي أذرع اشتدت حدتها بعد تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات التشريعية. واشنطن لا تخفي انحيازها نحو الكيان الذي يضم العبادي وإيران كذلك لا تخفي انحيازها للكيان الذي يضم المالكي.
إلا أن من الصعب القول بأن التوافق الذي استدامه الطرفان الإيراني والأميركي حول مسارات الأحداث في العراق سوف تديمه إدارة الرئيس ترامب التي لا تقيم علاقاتها مع الآخرين وفق مبدأ التكافؤ بل وفق مبدأ الانفراد في صناعة القرار. فمن المستبعد في ضوء ذلك أن يكون لإيران ما كان لها في المرات السابقة من دور في تحديد مسارات العملية السياسية في العراق.
الولايات المتحدة لا تشكو من شح الخيارات السياسية في التعامل مع الشأن العراقي فهي قادرة على الدخول في المناورات المعقدة وإدارتها باقتدار بحكم ما يتوافر لديها من موارد متعددة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية واستخبارية وخبرات متنوعة في إدارة الأزمات في مناطق متعددة من العالم.
فهي قادرة على إيصال أي توافق يتعارض مع رؤاها إلى حالة الجمود والفشل خاصة أن تشكيل الحكومة العراقية شديد الصلة بالموقف الأميركي من إيران التي سبق لها أن استفادت من البوابة العراقية المشرعة أمامها للتخفيف من العقوبات المفروضة عليها قبل التوقيع على الاتفاقية النووية عام 2015.
الإعاقة التي نشهدها في تشكيل الحكومة ترجع إلى طبيعة العملية السياسية وإلى ممارسات نخبها، فعلى خلاف ما ألفه العراق في الانقلابات العسكرية من مجيء قيادات جاهزة تتولى مقاليد الحكم منذ الساعات الأولى، جاء التغيير في 2003 بمشروع سياسي من نوع مختلف جوهره الاستئناس برأي الشعب في عملية انتخابية فشل أي من الداخلين في حلبتها أحزاب وأفراد على مدى الخمس عشرة سنة في الحصول على قناعة شعبية واسعة بأهليته، نزاهة وكفاءة، للقيادة لأسباب عديدة بعضها ذاتي يتعلق بالكيان السياسي وقادته وبعضها موضوعي يتعلق بالتعقيدات الناشئة عن تعدد المرجعيات في المجتمع العراقي وهو مما سمح بظهور عشرات الكيانات السياسية.
في ضوء ذلك نستطيع تفهم الصعوبات التي تعترض تشكيل الحكومة، فكثرة الكيانات السياسية تفسر ظاهرة لجوئها إلى التحالفات والدخول في مساومات وتوافقات قد لا يعلن عن بعضها، وهي ظاهرة أصبحت متأصلة في الحياة السياسية في العراق في حين أن اللجوء للتحالفات ظاهرة طارئة في معظم الدول الديمقراطية يُركن إليها في حالة الأزمات فقط.
أمران يشغلان بال المواطن العراقي ويأملهما من الحكومة القادمة أولهما أن يكون نهجها عراقياً بعيداً عن التأثيرات الخارجية وثانيهما الذي لا يقل أهمية هو انحيازها نحو نبض الشارع المنتفض عن حق في عرض مطالبه التي لم تلق حتى الآن ما تستحق من اهتمام.