4 مقالات عن العراق يوم الاربعاء في الصحف العربية

1 هذا ما يفعلونه بالرجال… فكيف النساء؟ هيفاء زنكنة
القدس العربي بريطانيا

نقتبس، أحيانا، حين تصادفنا وقائع واحداثا، نجد ما يماثلها تاريخيا، مقولة كارل ماركس «التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة». لكن مراجعة عدد من الكتب والمذكرات والتقارير حول كيفية معاملة المعتقلين، بالعراق، منذ تأسيس الدولة، في عشرينيات القرن الماضي، وحتى اليوم، تشعرنا بأن مقولة العم ماركس بحاجة الى مراجعة. ولعل الاصح القول بأن التاريخ يعيد نفسه في المرة الثانية كمأساة أكبر. فخروقات حقوق الانسان، الموثقة، تكاد تصرخ بوجوهنا، تفاصيل مرعبة لممارسات لا انسانية، يرفض العقل تصديقها مما يدفع الانسان العادي، حماية له أو تهربا من المسؤولية واتخاذ موقف ما، الى التوقف عن قراءتها او حتى تكذيبها باعتبارها مبالغات لا تستحق الانتباه. وهي أفعال مورست طوال عقود، بلا استثناء، بدءا من حكومات الاحتلال البريطاني وحتى الحكومات الحالية، وليدة الغزو والاحتلال الانكلو ـ أمريكي وتشابكاته، الحالية، مع جمهورية إيران الاسلامية.
المأساة تتكرر كمأساة بالنسبة الى المعتقلين، ويزيد في عمق جروحها، انها تنفذ بحزمة مسميات «التحرير وحقوق الانسان والعراق الجديد»، وتحت مظلة تدعى «الديمقراطية» التي تنفذ الينا من بين ثقوبها، أحيانا، تقارير مخيفة، عن التعذيب الوحشي الى حد القتل. آخرها تقريران أصدرتهما منظمة «هيومان رايتس ووتش»، الاول بعنوان «العراق: وكالة استخبارات تعترف باحتجاز المئات» الصادر في 22 تموز/ يوليو 2018، والثاني في 19 آب/ أغسطس 2018، والمعنون»العراق: شهادات مرعبة حول تعذيب معتقلين وموتهم». يستند التقرير الاول الى شهادة عالم الآثار فيصل جبر (47 عاما) الذي أعتقل في موقع أثري في شرق الموصل، وأقتيد إلى منزل من طابقين بالقرب من مكتب الأمن الوطني في الموصل. رأى جبر في الطابق الأرضي من المنزل 4 غرف تُستخدم كزنزانات لاحتجاز السجناء، فيها ما لا يقل عن 450 سجينا احتُجزوا معه، بحسب تعداد الأشخاص اليومي. احتُجز جبر48 ساعة، تحدث خلالها مع 6 رجال وصبي في الزنزانة معه، وأخبروه أن الجهاز احتجزهم لمدة تتراوح بين 4 أشهر وسنتين بتهمة الانضمام الى داعش. نفت وكالة الاستخبارات وجود المعتقلين عندما راسلتها المنظمة الا ان الوكالة اعترفت بعد ذلك في رد مكتوب بأن «الجهاز الامني يحتجز المعتقلين في مركز واحد في الموصل بموافقة «مجلس القضاء الأعلى» في نينوى، وأن جميع المعتقلين يُحتجزون بموجب أوامر توقيف قضائية، ويمثلون أمام قاضٍ خلال 24 ساعة من الاعتقال، ويُنقلون إلى سجون وزارة العدل عند الحكم عليهم». وهي عملية تفندها شهادات المعتقلين.
أما التقرير الثاني فيضم شهادات معتقلين أتهموا بالانضمام الى «الدولة الاسلامية» وأطلق سراحهم بعد اشهر من التعذيب بدون توجيه تهمة. من بينهم محمود البالغ من العمر 35 عاما.
سلم محمود نفسه إلى مسؤولي الاستخبارات في الموصل في كانون الثاني/ يناير، بعد أن أخبره صاحب العمل أن الاستخبارات قد أصدرت مذكرة توقيف بحقه. احتُجز 4 أشهر، لأنه اشتُبه في انتمائه إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». أحتجز في زنزانة مساحتها حوالي مترين بثلاثة أمتار، مع 50 إلى 70 رجلا، احتُجز العديد منهم لعام كامل. تم تعليق محمود في وضعية «البزونة» (القطة) 6 مرات على الأقل أثناء احتجازه طوال ساعات. وخلال 4 مرات على الأقل، فقد وعيه قبل أن يتم إنزاله. في بعض الأحيان كان العناصر يدلقون الماء عليه قبل أن يعاودوا ضربه بكابلات معدنية. قال إنه عندما استعاد وعيه كان مستلقيا على الأرض، ورأى معتقلَين آخرَين، كليهما عاريين، راكعين في وضع «العقرب» وكانت أيديهما مربوطة خلف ظهريهما. مرة أخرى، أحضر الحراس 3 سجناء آخرين، وبدأ رجال الأمن بضرب اثنين منهم، ثم قاموا بتعليقهما من أيديهما، التي كانت مقيدة خلف رأسيهما، على خطافين بجوار نافذتين صغيرتين في الغرفة. كان واحدا بملابسه الداخلية، والآخر عاريا. بعد فترة من الوقت، أمر الضابط الأعلى رتبة في الغرفة رجال الأمن الآخرين بربط قنينة ماء بسعة لتر إلى خيط وتعليقها بقضيب كل منهما.
«بعد مرور 3 أشهر على احتجازي، ثبت أحد رجال الأمن كتفي، وأمسك آخر ساقي، والثالث الذي كان يرتدي قفازات أمسك مسطرة معدنية صغيرة تم تسخينها على موقد الشاي ووضعها على طول قضيبي. انتفضت من الألم، فحرقني رجل الأمن للمرة الثانية على خصيتي. أحرقوا المعتقل الآخر مرة واحدة على قضيبه أيضا. ذهبت إلى الطبيب بعد أن خرجت لأني ما زلت أعاني من ألم شديد، لا أستطيع ممارسة الجنس أو القيام بأي شيء، ولست متأكدا إذا كنت سأتحسن».
من يقرأ شهادة محمود، سيلاحظ صعوبة ان يحافظ الانسان على انسانيته في ظروف لا انسانية، وان كان لايزال قادرا على الاحساس بانحداره نحو هاوية قد تصنع منه جلاد المستقبل. يقول محمود: «أشعر بالخجل من الاعتراف بأنني بدأت أشعر بالحماسة كلما رأيت سجناء جدد يصلون، لأن ذلك كان يعني أن رجال الأمن سيكونون مشغولين معهم، ويتركوني وشأني». وحين مات احد المعتقلين بعد اعادته من جلسة تعذيب ورفض الحارس فتح الباب ونقل الجثة « عندما أدركنا أنه توفي، قمنا بشيء جعلنا نشعر بأننا لم نعد بشرا، حيث جردناه من ملابسه وأخذناها، لأننا كنا جميعا بحاجة ماسة إلى الملابس».
تسعة رجال ماتوا في زنزانة محمود نتيجة التعذيب. كان من بينهم رجل « ظل يقول لعناصر الأمن إن ليس لديه أي صلة بداعش، لكنه تزوج من امرأة ثانية، مما أغضب زوجته الأولى فبلغت عنه قائلة إنه ينتمي إلى التنظيم. بعد اربعة ايام من التعذيب أعاده حارس إلى الزنزانة، ولم يستيقظ في الصباح».
كان هناك 3 زنزانات، إحداها زنزانة للنساء المحتجزات، وقد عرف محمود ذلك من أصواتهن. السؤال الذي يتبادر الى الذهن حال قراءة هذه الجملة هو: اذا كانوا يعاملون الرجال بهذه الطريقة… فما الذي تلقاه النساء؟ ولدى المنظمة، الآن، أسماء أربعة من المسؤولين عن التعذيب والجلادين وتم الابلاغ عنهم الى الحكومة. الا انها لم تتخذ أي اجراء ولو للتحقيق في تعذيب وقتل الابرياء. فهل سيكون من المجدي، لحث اعضاء البرلمان، باعتبارهم ممثلين للشعب، على المطالبة بالتحقيق ووضع حد لتعذيب المعتقلين، ولو من باب من يدري، قد يتم القاء القبض على أحدهم للتحقيق مستقبلا، وضع شاشة كبيرة خلف منصة جلوس رئيس البرلمان، بمواجهتهم تماما، لعرض شهادات المعتقلين وصور اجسادهم المشوهة، بشكل مستمر، على مدى تواجدهم بالبرلمان يوميا؟.
2 العراق: الأغلبية والأقلية البرلمانية… المطب الكبير محمد توفيق علاوي راي اليوم بريطانيا

من الطبيعي لدول العالم المتقدمة ان يتشكل برلمانها من اغلبية تشكل الحكومة واقلية تمثل المعارضة؛ فهل يمكننا ان نحقق في العراق ما حققته تلك الدول بتجميع بعض الكتل لكي تشكل الأغلبية البرلمانية ويقابلها أقلية تشكلها الكتل الأخرى؟
للأسف هذا الامر لا يمكن تحقيقه اليوم في العراق؛ ولا اقصد هنا انه لا يمكن تحقيق هذا السيناريو فهذا يمكن تحقيقه بكل سهولة؛ ولكن ما اقصده انه مثل هذا البرلمان سوف لن يكون له اي دور ايجابي في تطوير البلد.
فالمجتمعات التي تفرز برلماناً به اغلبية برلمانية حاكمة واقلية برلمانية معارضة في الدول المتقدمة تتمتع بجنبتين اساسيتين مفقودة بشكل شبه كامل في العراق؛
الاولى: المواطنون في تلك الدول لا تنتخب احزاباً بسبب تركيبها العرقي او الطائفي او انها تمثل طبقة او مجموعة اجتماعية او غير ذلك؛ بل تنتخب احزاباً انطلاقاً من برامجها الانتخابية وبالذات سياساتها الاقتصادية ويمكننا في هذه الحالة ان نضرب مثلاً بالانتخابات البريطانية خلال فترة القرن والنصف السابق:
منذ اواسط القرن التاسع عشر حتى اواسط القرن العشرين اي اكثر من مئة عام وبالتحديد حتى عام 1979 لم يفز اي من الاحزاب الاساسية الحاكمة هناك بمفرده ( وهي ثلاث احزاب رئيسية: المحافظون والاحرار والعمال ) لأكثر من دورتين اي ثمان سنوات؛ ولكن حدث تغير جذري حينما تبنى حزب المحافظين سياسة اقتصادية مميزة عام 1979 احدثت نهضة اقتصادية كبيرة، فتم انتخابه لتشكيل الحكومة بمفرده لأربعة دورات متتالية امتدت لفترة ثمانية عشر عاماً، بحيث ان الاعلام هناك بدأ يتحدث نهاية عن حزب العمال وعدم امكانية انتخابه مرة اخرى؛ فما كان من حزب العمال إلا ان يتخلى عن سياسته الاقتصادية التي تبناها لعشرات الاعوام وتبنى نفس السياسة الاقتصادية لحزب المحافظين وتمكن على اثر ذلك اول مرة في تأريخه عام 1997 من الفوز لثلاث دورات متتالية لفترة ثلاثة عشر عاماً.
اما في العراق؛ فإن البرنامج الانتخابي هو عبارة عن برنامج انشائي لا يتجاوز كونه حبراً على ورق، فالمواطن الشيعي ينتخب الشيعي والسني ينتخب السني والكردي ينتخب الكردي ولا تجد اي منهم يطلع على البرنامج الانتخابي او السياسة الاقتصادية المعدومة اصلاً لأي من الاحزاب والكتل الانتخابية فالسياسة الاقتصادية للأسف لا وجود لها على ارض الواقع منذ عام 2003 لا للحكومة ولا لأي من الاحزاب السياسية حتى يومنا الحالي.
الحكومة الفائزة في بريطانيا تحتاج إلى اغلبية برلمانية لتتمكن من تنفيذ برنامجها السياسي وسياستها الاقتصادية؛ ام في العراق فليس للأغلبية البرلمانية ان كانت تمثل الحكومة اي دور في تبني اي سياسة اقتصادية لا وجود لها اصلاً، بل ستتبنى الدفاع عن وزراء الحكومة لأنهم من كتلتهم؛ والخطورة في هذا الامر انه إذا تم كشف فساد أحد الوزراء من قبل الاقلية البرلمانية المعارضة فإنها لن تقدر على ازاحته بسبب وقوف الاغلبية البرلمانية الى جانبه. لذلك اقر وبكل ثقة كما ذكرته سابقاً ان مثل هذا البرلمان سوف لن يكون له اي دور ايجابي في تطوير البلد بل على العكس سيزيد الفساد وسنشهد تدهوراً وتراجعاً ودماراً كبيراً للبلد خلال السنين الاربعة القادمة ان تم تبني مبدأ الاغلبية البرلمانية في تشكيل الحكومة على هذا الاساس.
الثانية: وهو امر مرتبط بطبيعة مجتمعنا الذي تتحكم به العواطف، في حين ان المجتمعات المتحضرة يتحكم فيها المنطق والعقل؛ واضرب مثلاً كذلك بالانتخابات البريطانية؛ لقد فازت بريطانيا في الحرب العالمية الثانية بقيادة رئيس وزرائها في ذلك الوقت ونستن تشرشل، ولم يتوفر لبريطانيا في تأريخها شخص نال التأييد الشعبي الواسع والغير مسبوق كونستن تشرشل، حيث انه حاز على تأييد 83٪ من الشعب البريطاني.
انتهت الحرب العالمية الثانية في الشهر الخامس عام 1945، وجرت الانتخابات بعد شهرين، في الشهر السابع عام 1945، وخسر تشرشل خسارة فادحة حيث لم يحصل على ثلث مقاعد البرلمان، وفاز حزب العمال فوزاً ساحقاً بحصوله على حوالي ثلثي مقاعد البرلمان؛ وكان تعليق البريطانيين الذين لم ينتخبوا تشرشل في ذلك الوقت ( نحن نحبه ونفخر به ونعتقد ان سياسته كانت سبب نجاحنا في الحرب، انه رجل حرب وليس بالضرورة رجل الحرب سيكون قادراً على بناء البلد )؛ للأسف ابناء شعبنا على النقيض، ونحتاج إلى فترة طويلة من الزمن لكي نفكر بهذه العقلية المجردة والمنطقية؛ لقد انتخب اكثر الناس في العراق في السابق وحتى الآن انطلاقاً من حبهم لشخص معين بسبب قناعات معينة، للأسف لم يتم تبني معايير الكفاءة والنزاهة والقدرة على البناء والتطوير إلا بمقدار محدود؛ لذلك وللأسف الشديد فالأغلبية ليست بالضرورة متمتعة بالكفاءة والاخلاص وقادرة على بناء البلد والنهوض به.
3 العراق: الدم مقابل الوظيفة! خالد الناهي راي اليوم بريطانيا

النفط مقابل الغذاء والدواء، هذه المقايضة التي كنا نسمع بها ونعيشها، خلال سنوات الحصار، التي فرضت على الشعب العراقي، عانى الشعب خلالها ما عانى، من اجل الحصول على قوت يومه.
اليوم وبعد خمسة عشر عام، على رفع الحصار عن الشعب، برزت الينا معادلة جديدة، ربما تكون معادلة ” النفط مقابل الغذاء” أقل قسوة منها، لأن هذه المعادلة تقوم على أساس الدم، اسمها ” الدم مقابل الوظيفة”.
لأنك بالعراق، ان اردت ان تحصل على وظيفة، امامك خيارين، الاول ان تكون لديك واسطة” مو أي واسطة”، والثاني ان يكون لديك اخ مستعد ان يسفك دمه، مقابل حصولك على الوظيفة ” هسه ما نعرف الوظيفة غالية جدا؟ لو الدم رخيص جدا؟!”، اعتقد الدم رخيص، لأن الشعب منذ عشرات السنين دمه يسفك، دون ان يلتفت له أحد من الحكام، السابقين او الحاليين.
قبل ثلاث سنوات، قتلت القوات الأمنية في شمال البصرة، شاب كان يتظاهر، مطالبا بالخدمات، لكن قتل هذا الشاب فتح أفاق رحبة لأخوته، حيث تم تعيينهم في دوائر الدولة” وهسة هما خير من الله” .
الأن وفي هذه المظاهرات ايضا قتل مجموعة من الشباب، وأصبح تعين ذويهم مضمون” هسه احتمال كثير من الاخوان، من يطلع اخوهم للمظاهرات، يصعدون على السطح ويندعون، يارب كون تضرب أخوي طلقة ويموت، حتى انه اتعين!”
تعودنا مشاهدة الدم، في كل مكان في بلدي، والقاعدة الاقتصادية تقول، كلما كثر المعروض، قلت القيمة وبالعكس. لكون الدم متوفر، والوظيفة غائبة، أصبح الدم أرخص من الوظيفة! ” ويا خوفنة يصير كل شهيدين بوظيفة وحدة لذويه، حسب قاعدة العرض والطلب”.
تعلمنا من الدين الاسلامي والاديان الاخرى، فضلا عن القيم والمثل، التي تربينا عليها، ان أغلي شيء في هذا الكون هو الأنسان، بل خلق هذا الكون وسخر من أجل البشر، وجعل كل شيء بخدمته وطوع امره.
ما تعلمناه غير موجود على ارض الواقع، فكل شيء مسخر لأشخاص محددين، وان تجرأت وطالبت بما هو حقك، لن تحصل عليه دون مقابل ” واي مقابل”.
نحن اليوم كفلاح لديه بستان، فيه انواع الفاكهة، لكنه يمنع عائلته من الدخول اليه، او الأكل من خيراته، من جانب أخر، هذا البستان مفتوح على مصراعيه، للجميع غير ابناءه، تجد السراق والمنتفعين وحتى الطير، لذلك كلما حان وقت القطاف، يأتي فيجد البستان خالي من الثمر.
لا نعلم متى خيرات البلد، ينعم بها سكان البلد؟! متى ما حصل ذلك، حينها لا نحتاج لشراء الوظيفة بالدم.
4 لا يوجد إصلاح جاد في العراق من دون النساء لينا الخطيب الشرق الاوسط السعودية

من المقرر أن يستضيف العراق اليوم (الثلاثاء)، اجتماعاً لمجلس الوزراء لمناقشة الشؤون المدنية في محافظة البصرة.
يأتي ذلك في وقت لم يقم فيه العراق بعد بتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو (أيار). اجتماع مجلس الوزراء حول البصرة مهم لسببين. الأول هو أن البصرة، التي تنتج ما يقرب من 80 في المائة من نفط العراق، تعاني من التلوث الذي جعل مياه الشرب فيها غير آمنة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة من جانب الحكومة. والثاني هو أن أعضاء البرلمان الـ25 الذين يمثلون البصرة أعلنوا أنهم سيصوتون ضد أي حكومة جديدة ما لم يتم وضع خطة لحل مشكلات المحافظة المدنية.
إن المطالب التي قدمها نواب البصرة تتماشى مع قضية أوسع تواجه العراق اليوم، وهي الاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء البلاد من قبل المواطنين الذين يطالبون بتحسين الخدمات العامة، وخلق الوظائف، وإجراءات مكافحة الفساد الحكومي. كما يجري تقديمها بينما لم تصل الأحزاب السياسية والقادة في البلاد إلى اتفاق حول تشكيل الحكومة.
كانت هناك تغطية إعلامية مهمة لهذه التطورات في العراق منذ أعلنت الحكومة الحالية النصر على «داعش». لكن ما هو غائب في هذه التغطية هو الدور الذي تلعبه المرأة العراقية على المستوى الاجتماعي والسياسي. إن إلقاء نظرة فاحصة على أنشطة المدافعات عن حقوق المرأة في العراق لا يؤكد أهمية عملهن فحسب، بل إنه يشكل أيضاً عنصراً ملموساً في الحياة الاجتماعية – السياسية في العراق يحتاج الإصلاحيون في البلد إلى الاستفادة منه إذا كانوا جادين في الإصلاح. الحياة السياسية في العراق بحاجة ماسة للتجديد. وهذا لا يمكن أن يحدث ما دام أن التحديات ونجاحات المرأة مجزأة باعتبارها خارجة عن البيئة السياسية السائدة.
النساء في طليعة حركة الاحتجاج في العراق. فالناشطة النسوية الشهيرة في البلاد، هناء إدوارد، هي واحدة من أصوات حركة الاحتجاج. وفي خطاب طويل ومفصل ألقته الشهر الماضي في المركز العام لاتحاد المؤلفين والكتاب العراقيين، أكدت كيف أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 لا تعطي أهمية كافية لحقوق الإنسان، وأحياناً تعطل عمل منظمات المجتمع المدني، مؤكدة أن المعركة من أجل الحقوق في العراق تتطلب الصبر والمثابرة.
واليوم، تقوم الناشطات لحقوق المرأة بالضغط من أجل المشاركة رفيعة المستوى في المناصب الحكومية. هناك نظام مقتبس في العراق يضمن انتخاب النساء أعضاء في البرلمان. ما تطالب به الناشطات الآن يتجاوز نظام الحصص، قائلات إن مجرد وجود النساء على المستوى الوزاري لا يكفي. وأملهن هو أن تكون للحكومة الجديدة امرأة في منصب نائب رئيس للوزراء.
مثل هذا الطلب ليس خيالاً. قبل عامين، برر زعيم الائتلاف الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان العراقي اليوم (سائرون) وهو السيد مقتدى الصدر، الاجتماع مع هناء إدوارد على أساس أنهما يشتركان في أجندات إصلاحية ووطنية. واليوم يواجه الصدر التحدي المزدوج المتمثل في تشكيل حكومة وحدة وطنية، لأن حزبه السياسي لم يفز بما يكفي من المقاعد لتأمين تشكيل حكومة، كما أنه على الطرف المتلقي لمطالب المواطنين بالإصلاح، وهو ما يعني بشكل فعال، أن العراقيين يريدون إثباتات جادة لشعاراته الإصلاحية. إن اختيار امرأة ذات كفاءة لتكون نائب رئيس الوزراء كجزء من عملية التفاوض من شأنه أن يبعث برسالة قوية حول التفكير خارج نطاق الوجوه المعتادة في الوسط السياسي العراقي.
لكن هذه الخطوة تواجه عقبات خطيرة. في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نجحت الناشطات في مجال حقوق المرأة مثل فيان الشيخ علي وينار محمد ومنظمات مثل رابطة المرأة العراقية وشبكة النساء العراقيات، في الضغط من أجل عدم تطبيق ما يعرف بالقانون الجعفري في العراق.
مشروع القانون الجعفري الذي قُدم إلى البرلمان كان سيسمح لقوانين الأحوال الشخصية في العراق – التي هي مدنية في الوقت الراهن وتنطبق على جميع العراقيين بالتساوي بغض النظر عن الخلفية الدينية – بالتغيير لاستيعاب قوانين الأحوال الشخصية الدينية. كان من شأن هذا التغيير أن يسمح بزواج الفتيات دون السن القانونية. استخدم هذه القضية الدعاة لقانون الجعفري، الشيعة والسنة على حد سواء، لحشد الناس في الفترة التي سبقت انتخابات مايو 2018، قائلين إنه إذا فاز المرشحون الذين كانوا يدافعون عن القانون الجعفري، فسوف يسعون إلى تقديم مشروع تغيير القانون المدني للنظر فيه من جانب البرلمان مرة أخرى. ناشطات حقوق المرأة اليوم يتأهبن لمواجهة جديدة محتملة في هذا الصدد.
كما تواجه المرأة العراقية تحدي معالجة الحكومة للمشكلات الخطيرة بطريقة غير كافية.
وقد ذكرت إحدى الناشطات في مجال حقوق المرأة التي تحدثت معها، مدى صعوبة الحصول على معلومات عن حالات مثل الاغتصاب في مخيمات اللاجئين في مناطق مثل صلاح الدين والموصل ودهوك من قبل مديري المخيمات، وهو ما نفته قوات الأمن المحلية المسؤولة عن المخيمات. كما أشارت إلى التعويض الضئيل الذي منحته الحكومة المركزية للنساء اللاتي كن احتجزن من قبل «داعش»، والذي يقتصر على مبلغ 120 دولاراً أميركياً فقط بعد حملة مستمرة من قبل مجموعات نسائية.
توضح هذه الأمثلة شيئاً يجب أن يكون بديهياً: إن التحديات التي تواجهها المجموعات النسائية في العراق تتماشى مع مخاوف المجتمع الأوسع التي تدفع الاحتجاجات الحالية، والتي تركز على الافتقار، إلى الشفافية والمساءلة. على هذا النحو، لا يجب اعتبار نشاط المرأة منفصلاً عن حركة الاحتجاج الأوسع. وبالمثل، تشكل نجاحات المدافعات عن حقوق المرأة في التصدي للممارسات المعادية للنساء مكسباً مهماً للإصلاحيين العراقيين التي يمكن استغلالها بشكل إيجابي في عملية تشكيل الحكومة.