لم يبق من شواهد معارك الحرب العالمية الأولى على أرض العراق سوى صليب و421 قبراً، لجنود إنكليز، سقطوا في معركة طاحنة مع العراقيين والعثمانيين جرت في مدينة الكوت جنوب العراق. ومع تقادم الزمن، اندثر هذا المعلم التاريخي الذي علّم بلوحة صغيرة كتب عليها “ضحايا الحرب العالمية الأولى”.
ورغم أهمية هذا الشاهد تاريخياً، إلا أنَّه لم يعد سوى أطلال غير واضحة المعالم. فهذا الموقع وهو من ضمن 19 موقعاً في العراق، أنشأ فوقه سوق لبيع الملابس المستعملة،اللنكات لينهي على ما تبقى من معالمه.
وتعدُّ هيئة مقابر الحروب التابعة للكومنولث، هي المسؤولة عن حماية والمقبرة مع المواقع الأخرى داخل العراق، والتي لها أهميَّة تاريخية وثقافية.
وتضمُّ مقبرة الكوت رفات 418 جندياً من ضحايا الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مع رفات ثلاث ضحايا آخرين سقطوا أثناء أداء الواجب.
وتسعى منظمة الكومنولث لإعادة ترميم المقابر، ضمن برنامجها بإعادة صيانة مواقع الحروب لدول الكومنولث في العراق. وتؤكَّد أنه قد تم ترميم هذه المقبرة منذ وقت قريب، داعية المواطنين من أهالي الكوت بإبداء المساعدة اللازمة والتعامل مع الموقع، بما يتلاءم مع الأهمية التاريخية والدينية له. وكذلك التصرف بما يتلاءم مع قدسية المكان، وعدم الإضرار بمحتوياته أو استعماله لأغراض خاصة.
وتقع هذه المقبرة في وسط الكوت بـ”حي الجديدة”، أقدم حي في الكوت، إذا لم يكن أعرقها، تبلغ مساحة المقبرة 2000 م٢، تضمُّ رفات 421 جندياً إنكليزياً، يحيطها سور متهرئ تآكل بفعل الإهمال، حتى درست معالمه وسقط جله.
هذه المقبرة جاورها فيما مضى سجن الكوت القديم لفترة طويلة، ليتداعى هو الآخر، وتهدمه معاول الزمن.
ويؤكّد مؤرخّون، أنّ المقبرة دليلٌ على شراسة الحرب العالمية الأولى بين أعْتى قوتين آنذاك الإنكليز والعثمانيون. وتركت وراءها قبوراً وزعت في أرجاء العراق على تنوع المعارك، واختلاف أماكنها.
وتقع المقبرة على ضفاف نهر دجلة جنوب شرق بغداد بمسافة 180كم. ويقول أستاذ التاريخ في محافظة واسط، عبد الستار الشيخ، لـ”العربي الجديد”، إنّ “الجميع يعرف قصة الحرب بين الإنكليز والعثمانيين، حيث عاشت الكوت محنة حقيقية إبان الحرب العالمية الأولى، بعد أن دخلتها القوات البريطانية زاحفة من البصرة إلى بغداد فاحتلت المدينة، في 29 أيلول عام 1915. بعد أن تقدمت قوات القائد البريطاني، شارلز تاونسند، إلى بغداد. وتدخل معركة سلمان باك التي خسر فيها القائد البريطاني، شارلز تاونسند، 33% من قواته، لتعود متقهقرة إلى الخلف، وتحاصر في مدينة الكوت من قبل القوات العثمانية في عملية حصار مثير وغريب حيث لجأ الانكليز الى اكل لحوم الحيوانات. وكان أطول حصار حدث في الحرب العالمية الأولى”.
وتابع أنّ “القوات العثمانية ألحقت أكبر هزيمة شهدتها بريطانيا بعد الحصار الذي دام 147 يوماً، اضطر فيها 13 ألف عسكري بريطاني وهندي إلى الاستسلام للقوات العثمانية”، مضيفاً “ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فمن بين 13 ألف أسير لقي سبعة آلاف منهم حتفهم في طريق الأسر إلى اسطنبول، فيما قتل 23 ألفاً آخرون، خلال محاولات فاشلة لفك الحصار عن القوات البريطانية”. ويؤكّد مختصّون أنّه في حال استمر الإهمال لهذه المقبرة. فإنّها ستمحى من وجه الأرض مع تقادم السنين، حيث أنّ الأسواق تزحف عليها وتدرس معالمها شيئاً فشيئاً.
كما طلب البريطانيون المساعدة من الروس. الجنرال باراتوڤ، وقوته المشكلة من 20,000 من القوزاق كان في بلاد فارس آنذاك. بعد الطلب أرسل باراتوڤ الفصيلة 100 القوزاقية، بقيادة ڤاسيلي گامالاي، في 27 أبريل 1916لنجدة الحلفاء البريطانيين المحاصَرين في الكوت. وصل رجالها إلى البصرة في منتصف مايو إلا أنهم لم يستطيعوا فك الحصار العثماني. فعادت الفصيلة أدراجها عندما وصلته أخبار استسلام البريطانيين.[2] واقتصرت خسائر الفصيلة الروسية على تسعة عشر حصاناً لا غير.
رتب الجنرال تاونسند وقفاً لاطلاق النار في يوم 26، وبعد مفاوضات فاشلة، استسلم في 29 أبريل 1916 بعد حصار دام 147 يوماً. وقد بقي معه في الحصار على قيد الحياة 13,000 من جنود الحلفاء ليصبحوا أسرى. 70% من القوات البريطانية و 50% من القوات الهندية ماتوا إما بالأمراض أو على يد الحرس التركي أثناء الأسر. تاونسند نفسه، أخذ إلى جزيرة ملكي في بحر مرمرة، ليبقى هناك طيلة الحرب في حياة رغدة.
حفاظاً على كرامته الجريحة، قرر الجيش البريطاني أن يسمي حصار الكوت “الدفاع عن كوت العمارة