مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الجمعة

1 خذوا الحمل واتركوا لنا الجمل
د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

أليس من حق العراقيين أن يثوروا على طبقة سياسية ومعممين وشيوخ عشائر وأحزاب غرقت في الفساد حتى عجزت عن إصلاح نفسها وإجراء الإصلاح الذي طالما وعدت به العراقيين ولم تخط فيه خطوة واحدة.
إلى متى؟
“من النادر أن تجد مواطنا عراقيا، سواء ممن يقيمون في العراق، أوفي أي مدينة من مدنه أو قرية من قراه، أو ممن تلقفتهم المهاجر، القريبة منها أو البعيدة، إلاّ ويتحدث بكل ألم عن خراب بلاده، ومنهم من يفصح عن يأس من تجاوز هذا الخراب، وآخرون ما زالوا يتوقعون التغيير وينتظرونه”.
وسبب هذا الخراب واليأس من تجاوزه، وعدم حصول الإصلاح والتغيير، كشف عنه روائي عراقي هو علي العذاري وسط جمع حاشد من المتظاهرين في البصرة، بقول يحمل وعيا حادا: إن الفساد تحميه وتضمن استمراريته وبقاءه ثلاثية لعينة هي: شيخ العشيرة والحزبي في العشيرة والمعمم.
ويوضح أنه كتب رواية عنوانها “الجمل وما حمل” استعرض فيها أثر هذه الثلاثية في استمرارية الفساد وبقائه وفي إفقار الناس، فشيخ العشيرة يطلب قتل فلان من الناس مثلا، متعهدا بأنه يُخرج القاتل من السجن ويدفع دية القتيل، والأحزاب تحمي القاتل والشيخ المحرض على القتل، والمعمم يصدر الفتاوى لصالح شيوخ العشائر والأحزاب ليضمن مصلحته.
يقول العذاري، في الكلمة، التي ألقاها في متظاهري البصرة، لو أنهم أخذوا الحمل وتركوا لنا الجمل نحن نتولى إصلاح بلادنا، فالعبادي وسواه من الطبقة السياسية لا يمكن أن يشعروا بمعاناة المواطن، فهو مثلاً، عندما يزور البصرة ينزل في قصور الأثرياء والميسورين، الذين تتوفر لديهم مكيفات الهواء والماء الحلو الصالح للشرب، ولا يمكن أن يزور بيت علي العذاري المثقف، على الرغم من أنه حصل على أكثر من جائزة والذي يقرأ 6 ساعات في اليوم، والذي تشكو له ابنته فاطمة أنها لا تستطيع غسل وجهها بالماء لأنه مالح، مشيراً إلى أن هناك الكثير ممن يتخرجون ولا يجدون فرصة عمل سوی في شركات أهلية، إن وجدوها.
ويقسم أن الماء الذي يستعملونه في البصرة ليس صالحاً للاستعمال البشري، ومع ذلك يحارون هل يستعملونه أو يسقون به الزرع!
ولم يعد خافياً أن الطبقة السياسية التي جاءت بعد احتلال العراق أهدرت في سنوات، مليارات تفوق المليارات، التي أنفقتها الأنظمة العراقية من سنة 1921 حين تأسست الدولة العراقية إلى احتلال العراق سنة 2003، وقد أجملت ذلك النائبة عن التيار الصدري الدكتورة ماجدة التميمي بالأرقام، عندما بينت أن الدولة العراقية أنفقت حتى الاحتلال الأميركي للعراق 220 مليار دولار، فيما أنفقت من سنة 2003 إلى سنة 2018 أكثر من 862 مليار دولار، مبينة أن الـ220 مليار دولار بُنيت بها دولة خلال 97 سنة، فيما هدمت هذه الدولة بمبلغ الـ862 مليار دولار على مدى 15 سنة.
إن هذه المبالغ الطائلة ابتلع الفساد معظمها، وذهب القسم الآخر رواتب ومخصصات وامتيازات للطبقة السياسية في الرئاسات الثلاث، ولحماياتهم المبالغ بها، ولما سموها الخدمة الجهادية، وهي رواتب لأعضاء أحزاب السلطة، الذين لم يثمر جهادهم عن شيء أبداً لأن الأميركان احتلوا العراق وسلموه لهم على طبق من ذهب، ولا ننسى الرواتب الطائلة للاجئي رفحا الذين هربوا إلى السعودية إبان حرب الخليج الثانية، ولمن ادعى أنه كان سجينا سياسيا، ومعظم هؤلاء لم يكونوا سياسيين، بل كانوا من المختلسين والسراق والهاربين من الخدمة العسكرية والمتهمين بجرائم أخلاقية أو اقتصادية.
وهم لم يكتفوا بذلك، بل أطلقوا على أموال العراق في الخارج مصطلح أموال صدام حسين ونظامه، لتسهل عليهم سرقتها.
يقول الدكتور يونس الحاج، على صفحته في فيسبوك “بعد زيارة مسؤول الأمن اللبناني إلى العراق منذ نحو أسبوع، وكشفه عن عصابة عراقية لبنانية مشتركة لسحب ما سمي بـ’أموال صدام في المصارف اللبنانية’ لصالحهم.. أخذ يتردد كثيرا في الإعلام مصطلح ‘أموال صدام في لبنان’”.
يوضح أن الرئيس الراحل صدام حسين لا أموال خاصة له لا في لبنان ولا في أي بلد آخر، وأن الأموال المودعة في البنوك والمصارف اللبنانية هي أموال عائدة ومودعة لصالح الدولة العراقية، ومنذ سنة 2003 ولغاية اليوم تحرك حزب الدعوة وسياسيوه الكبار وباقي الأحزاب والشخصيات الموالية لإيران، لسحب هذه الأموال من تلك المصارف وبمساعدة حزب الله اللبناني ونفوذه، وتمكنوا فعلاً، من سحب بعض الودائع بموجب أوراق مزورة، مستغلين الضعف الأمني وتقديم الرشاوى لأصحاب المصارف اللبنانية، وبعد ازدياد هذه الحالة مؤخراً، في لبنان واشتراك العشرات من العصابات في التزوير لغرض سحب الأموال، شرعت الحكومة اللبنانية بالتنسيق مع الجانب العراقي بشأنها.
والمشكلة أن الحكومة العراقية أطلقت ومازالت تطلق على هذه الأموال تسمية “أموال صدام ونظامه”، لغاية معروفة، وهي أن لا تنسب إلى الدولة العراقية لتسهل على أحزاب السلطة سرقتها بالتنسيق مع حزب الله اللبناني.
ولو أطلقنا العنان لأنفسنا في إيراد أمثلة على الفساد والتخريب والنهب وأوجه الإنفاق غير المشروعة في العراق لاحتجنا إلى مجلدات ومجلدات، ولكننا نكتفي بهذا القدر، ونسأل: أليس من حق العراقيين أن يتظاهروا، بل أن يثوروا على طبقة سياسية ومعممين وشيوخ عشائر وأحزاب غرقت في الفساد حتى عجزت عن إصلاح نفسها وإجراء الإصلاح الذي طالما وعدت به العراقيين ولم تخط فيه خطوة واحدة؟
2 واشنطن وطهران.. حوار طرشان د. عبدالله العوضي الاتحاد الاماراتية

تسع مرات يحاول ترامب، وفي فترة زمنية قصيرة فرض العقوبات الصارمة والحازمة حتى إيصال إيران إلى الصفر في تصدير النفط. ما هي متلازمة السياسة الراهنة التي تربط المصالح الأميركية والإيرانية في فتح أميركا ذراعيها بلا شروط لضم إيران في حضنها فجأة، وضرب ظهر إيران بسياط ولهيب العقوبات تلو الأخرى.
ما هو الموقف الإيراني من هذا العرض المفتوح على مصراعيه؟ الجواب نأخذه من «ظريف» وزير الخارجية الإيرانية منذ أيام، حيث نفى وجود خطط لعقد اجتماع مع مسؤولين أميركيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال مسؤولون إيرانيون كبار: «إن بلادهم لن ترضخ بسهولة لحملة أميركية جديدة تهدف إلى وقف صادرات إيران النفطية الحيوية. ويشكل النفط قرابة 40% من إجمالي الناتج الإجمالي لإيران، وهي نسبة لا يستهان بها، وهي التي تعاني هذه العقوبات منذ قرابة أربعة عقود، وكان أمل النظام معقوداً على نجاح الاتفاق النووي، ولكن أميركا ترامب خيب آمالها بجرة قلم لتعود مشكلة إيران نووية غير سلمية إلى نقطة البداية، بعد أن ضاعت عشرة أعوام من عمر المباحثات في (5 + 1) أدراج الرياح الأميركية.
من غرائب السياسة التي يمكن أن تقع على رأس بعض الدول في عصرنا هذا هو الحوار بين «الشاتم والمشتوم»، سياسياً بالطبع منذ أربعة عقود تقريباً، والنظام الإيراني الطائفي غير الطبيعي أجبر الشعب بدعوى الدفاع عن القومية الإيرانية التي تمثل فقط قرابة الـ 30% من إجمالي القوميات الأخرى التي تعد أغلبية ساحقة مقارنة بالعرق الفارسي الذي يتحكم بمصير شعب بأكمله تعداده يقترب من 100 مليون مجبرين للعيش تحت جحيم «الإثنا عشرية» التي تبنت نهج المغامرات في تصدير الثورة الخمينية للشعوب المستضعفة، وفق هذا المفهوم المنصوص عليه في الدستور.
قرابة أربعين عاماً من عمر الثورة التي لا تنهيها إلا ثورة مضادة أخرى، وإن كان الضغط الاقتصادي عنوانها العريض، إلا أن الداخل المعتم سيكون له كلمة الفصل في التخلص من هذا النظام وفق المعادلة الإيرانية ذاتها، والتي أزاحت النظام الشاهنشاهي الذي حكم الشعب بقوة «السافاك»، والذي لا يختلف «الباسيج» عنه في شيء، بالإضافة إلى «الحرس الثوري» الذي سطوته وسلطته أكبر من الجيش النظامي الذي لم يتعد حدود إيران إلا في حرب الخليج الأولى مع العراق لمدة ثماني سنوات عجاف لم تتعاف منها الدولتان حتى الساعة الأدهى.
فيما الجيش في داخل الحدود، بينما الحرس الثوري الإيراني بقيادة سليماني يسرح ويمرح في لبنان بلا استئذان، وفي العراق يضعون الميزان، وفي سوريا يخشون الاقتراب من الجولان، ويبتعدون عنها أكثر من 80 كم، وكان المطلوب منهم أقل من ذلك، وقد أثبتوا بذلك حسن نواياهم تجاه إسرائيل، وقد بُحَّ صوت نجاد الرئيس السابق، وهو يزمجر بمسح العدو الأول بـ «الأستيكة» من خارطة الوجود.
وفي اليمن يدفعون بـ «الحوثيين» نحو إغراقه في وحل الطائفية العرقية، ولو قاموا بتقطيع أوصال اليمن إرباً.
وبناء على هذا الوضع تتساءل مجلة «نيويورك»، لماذا توافق إيران على التخلي عن الممارسات التي يستخدمها منافسوها وأعداؤها بشكل روتيني، وأن مخاوف إدارة ترامب من دعم إيران للمنظمات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط مشروعة تماماً.
ومع ذلك، يفاجئ ترامب العالم أجمع ويعلن عن استعداده للحوار رغم أطنان اللعنات التي يتردد صداها إلى الآن عن «الشيطان الأكبر» ،«والموت لأميركا»، لا بأس من تكرار تجربة كوريا الشمالية مع العدو الإيراني اللدود، لعلَّ ترامب في زهوه يستطيع تحويل إيران إلى الصديق الودود، إلا أن المرشد الإيراني هو الذي بيده الخيط والمخيط والحل والربط، وليس كما قد يظن البعض من مناورات روحاني مع دول الاتحاد الأوروبي لكسر شوكة وحدة العقوبات الأميركية على طهران.
وقد حسم خامنئي الأمر عندما حظر إجراء أي محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد حمَّل الحكومة الإيرانية ذاتها مسؤولية سوء الإدارة في البلاد، والذي أضر بالاقتصاد أكثر من العقوبات الأميركية. هذا الذي تريد أميركا ومعها الغرب اللعب السياسي والاقتصادي لتغيير بوصلة النظام لتعديل سلوكه عبر حزمة جديدة من العقوبات.