1 تساؤلات عن انتفاضة جنوب العراق شفيق ناظم الغبرا القدس العربي
في زيارتي القصيرة لبغداد في مؤتمر القمة العربي المنعقد في 2012 فوجئت بغياب أي حالة من حالات إعادة البناء لكل ما له علاقة بحرب 2003 والعقوبات المفروضة على العراق منذ عام 1990. كان سائق المركبة التي أخذنا كل يوم للمؤتمر وأعادنا للفندق في المنطقة الخضراء يعلق على أوضاع العراق بأسلوب ساخر:
«انظر إلى هذه الطرق، لم يغيرها احد لم يجددها أحد منذ حرب 2003. هذا الشارع لم يرمم منذ داسته الدبابات الأمريكية في 2003. أنظر للأبنية هنا وهناك لا مشاريع ولا تجديد، هذا بلد منهوب ونحن ضحايا».
اسمع ما يقوله السائق المنتمي لجنوب العراق وللمذهب الشيعي ثم أعلق قائلا: «لكن المستقبل مفتوح بعد أن تغير الوضع في 2003، ها أنتم تعقدون مؤتمر قمة عربيا هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام صدام». يرد بسرعة:
«لن يعود علينا هذا المؤتمر بالنفع، الكل هنا مشغول بكل شيء إلا ما يتعلق بنا نحن الناس البسطاء والعمود الحقيقي للعراق. هناك قوى أكبر منا لا تريد لنا أن نقف على أرجلنا، لقد وقعنا في فخ كبير».
حاولت ان أهدأ من تصاعد لغة الحديث ليبقى مركزا على الطريق أثناء قيادته للمركبة:
«هذه حالة حرب، اعرف كم هي صعبة، لكن يبدو أن من جاءوا من الخارج كانوا مفصولين عن العراق».
وإذا بالشابة الكردية التي كانت ترافقنا نيابة عن الخارجية العراقية:
«شخصيا عدت للعراق الجديد لأبني العراق، لكني وجدت نفسي أبني مناطق الأكراد، كل شيء هناك مختلف، كل ما تراه في بغداد من دمار ستجد عكسه في كردستان العراق حيث الطرق الناشئة والمشاريع الجديدة والبناء الحديث. أنصحك بزيارة كردستان العراق لتشعر بالفارق بين ما تراه هنا وما ستراه هناك. تعال عنا وشوف الجدية».
ولفهم وضع العراق منذ 2003 يقع اللوم الأول على الولايات المتحدة التي دمرت مشروع الدولة العراقية. إن تدمير الولايات المتحدة للدولة العراقية عبر تفكيكها وحل الجيش تدمير الأجهزة السيادية العراقية ساهم بخلق فراغ كبير نجحت إيران في تعبئته فيما بعد. لهذا أصبحت إيران بعد 2003 الأكثر تحكما بالحياة السياسية العراقية. لكن إيران منذ بداية سيطرتها سعت لأن يبقى العراق ضعيفا تتحكم به احزاب مرتبطة بها. هذا يشبه في جانب سياسة سوريا الأسد في لبنان منذ ثمانينيات القرن العشرين. لم تكن إيران تريد ان يتحول العراق لحليف قوي، بل أرادت إيران ان يكون جارها العراقي مكانا يسوده الضعف و يسهل التحكم به. لقد خضعت التيارات العراقية القريبة من إيران للسقف السياسي الإيراني، مما حول مشروعها لمشروع سلطة وامتيازات عوضا عن أن يكون مشروع بناء دولة وتجديد. وهذا بدوره يفسر طبيعة الغضب الذي يسود اليوم جنوب العراق والموجه للدولة وللأحزاب المسيطرة كالدعوة وتيار الحكيم والقوى المرتبطة بإيران.
لقد ادت السيطرة الإيرانية في العراق وخاصة في الجنوب لدعمها لكل تيار أو مكتب أو حزب حتى لو كان هزيلا وبلا ادنى شعبية. هذه السياسة من قبل إيران جعلت القوى الجنوبية الحية والايجابية والرافضة للفساد والمؤمنة بعروبة العراق (عروبة عشائر الجنوب) غير قادرة على التعامل مع هذا الوضع. لقد أخافت هذه السياسات الجيل العراقي الحريص على مستقبل العراق، كما ارعبت المرجعية الدينية في النجف وعلى الأخص مرجعية السيستاني التي رأت العراق يزداد هزالة بينما يفتقد لشروط البقاء.
لقد إعتقد النظام في بغداد منذ ما بعد 2003 بأن دعمه للمواكب الدينية واحتفاله بعاشوراء والرموز الدينية كاف لإنهاء التميز ضد أهل الجنوب. وبالفعل لبت الاحتفالات الدينية بعدا دينيا سبق وان حرم منه الجنوبيون في زمن النظام السابق. لكن ذلك لم يحل أي مشكلة تتعلق بالحياة والعمل والبطالة والتعليم والصحة. بل كانت البطالة ترتفع وتتضاعف و الفقر وسوء الخدمات ونقص الحياة الكريمة يتراكم. المواطن العراقي في الجنوب بدأ يحِّمل هذه التيارات المسؤولية من خلال دورها في الحكومة، كما أنه حملها مسؤولية الفساد الذي انتشر بفجاجة في العراق، فقد أدت سياسات الأحزاب المرتبطة بإيران للتراجع الاقتصادي والبطالة. ولقد تحول مؤخرا عدم توفر الكهرباء لساعات تصل لتسعة في اليوم بالإضافة لعدم توفر المياه في المنازل لسبب رئيسي في انفجار الغضب الجنوبي على شكل مظاهرات وانتفاضة ضد الطبقة السياسية العراقية. كان من الطبيعي ان تأتي المظاهرات في الجنوب من خارج القوى السياسية المسيطرة.
لقد فات النظام في العراق بأن حربه ضد داعش منذ سقوط الموصل في 2014 إعتمدت على فقراء الجنوب من المذهب الجعفري. ومنذ نهاية الحرب ضد تنظيم داعش {الدولة الاسلامية} في 2017 تم تسريح عشرات الآلاف من أعضاء الميليشيات من المقاتلين الجنوبيين ممن اصبحوا بلا عمل او مأوى او حقوق. لقد رفعت الحرب ضد داعش آمال الجنوبيين بمستقبل تنموي، لكنهم إكتشفوا بعد هزيمة داعش بأن الدولة الاسلامية كانت تعبيرا عن مشكلة اعمق في النظام السياسي.
إن الأوضاع التي جعلت قوات داعش قادرة على إسقاط الموصل ثاني مدن العراق بالإضافة لمناطق كثيرة في شمال العراق خلال ساعات وايام، قادرة بنفس الوقت، على إسقاط الجنوب بأيام. هذا دليل على مدى ضعف الدولة العراقية وهشاشتها. الشمال والجنوب يعانون من ذات الاشكال، ففي الشمال السني تهميش ما بعده تهميش وفي الجنوب الشيعي تهميش في ظل الفساد وضعف الدولة وإنحراف التمثيل. ان تأثير الانتخابات الأخيرة في العراق والتي سادها الكثير من الفساد كحوادث حرق صناديق لمنع الفرز اليدوي، دفع الناس في الجنوب للاعتقاد بأن صوتها لن يسمع إلا إذا نزلت للميادين والشوارع.
ان الانتفاضة القائمة في العراق تؤكد بأن قيام مشروع سلطوي جديد في العراق على انقاض مشروع صدام السلطوي لن يقدم استقرارا للعراق. فمع الديكتاتورية تتعمق التبعية للخارج ويقع التراجع تلو التراجع. المواطن اكان سنيا أو شيعيا يريد حقوقا واضحة واقتصادا منتجا وعملا مثمرا وتعليما مفيدا. إن حراك الجنوب دليل جديد على طبيعة المجتمع العراقي الباحث عن المستقبل والحقوق، لكنه دليل على أن مواطني العالم العربي لم يعودوا قادرين على تحمل الفساد والنهب والتسلط أجاء هذا الفساد والتسلط بغلاف سني أم بغلاف شيعي، بغلاف ديني أم بغلاف علماني. أن السلطة في البلدان العربية تزداد توترا بسبب وقوعها بين مطرقة الإنجاز ومطرقة الشارع الذي يزداد جرأة في طرح مطالبه.
2 طاعة المرشد الإيراني لن تكون فريضة على العراقيين
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا
استعراض الفعاليات السياسية والدينية ومهازل الإرهاب والفساد والكراهية لن يبني دولة، وطاعة المرشد لن تكون فريضة على العراقيين الذين كسروا حاجز الخوف والانقياد الأعمى وتعلموا الدرس من كارثة الموصل.
نقطة ضعف الأحزاب الحاكمة تبعيتها للولي الفقيه
لو أعدنا مراجعة مقالات الكتاب العراقيين بعد الاحتلال الأميركي في أبريل 2003 وحصرا في فصل الصيف وتحديدا في شهري يوليو وأغسطس، لتبين لنا أن تظاهرات المواطنين واحتجاجاتهم متواصلة، وكذلك العنف ضدها ومشاهد الدماء والغضب وتغييب الناشطين وتشييع الضحايا، وكذلك وعود النظام السياسي بالإصلاح وتوفير الخدمات، لتهدأ بعدها التظاهرات وتذوب في مداخلات ومحاذير المندسين بما تروّجُ له الأحزاب وأصحاب الغرض لحماية مكاسب السلطة.
عند قراءة تلك التحليلات نصل إلى أن العراقيين يعيدون إنتاج ذات الانفعالات على مدار السنة وفي مواضعها الزمنية والمكانية، ومع مناسيبها تطبعت أخلاق المنطقة الخضراء ومناهجها في إطلاق سراح الهياج الجماهيري وفق معايير اللحظة المطلوبة، أو لجمها عند حدود وغايات طائفية أو سياسية أو انتخابية.
ممارسات تعدت أحيانا إلى ركوب موجة المندسين الجاهزة لتكون حلا في قمع تظاهرات سلمية واعتصامات لمجموعات نطلق عليها أحزاب المتنبي نظرا لسماتها في الوعي وإيمانها بدور الثقافة والفن في رسم مدنية الدولة، وهي من الحالمين بمبتكرات ديمقراطية حضارية تعرض فيها أساليبها وشعاراتها التي تصطدم دائما بمندسين فاعلين من الأحزاب الطائفية والجماعات الميليشياوية، وجريمة طعن الشباب المعتصمين ليلا بالسكاكين والهجوم عليهم بالعصي وإزالة الخيام من تحت نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد رغم تواجد الشرطة، ماثلة في الذاكرة.
تكررت تلك الأحداث في محافظات الجنوب أيضا، مثل الجرائم الكبرى في فض الاعتصامات بعـد خلق مبرراتها وأسبابها ثم تنميتها بالتهديدات وعدم الاستجابة لمطالب الإفراج عن النساء المعتقلات، للضغط على الموقوفين لانتزاع اعترافاتهم تحت التعذيب.
أدت هذه التصرفات إلى تنفيذ مخططات لم تعد غامضة الأهداف، وإن كانت في بعضها بلا ملامح حتى الآن، فالأيام كفيلة بسرد دوافع المجازر والإبادات التي تعرض لها العراقيون بمختلف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وإن تفاوتت بحجم كوارثها بما يتناسب مع ما رصد لها من نزيف دم وإهانة وتوصيل رسائل معقدة، تقف خلفها أجندات فكرية وطموحات تنسج على منوال الأداء السياسي في إدارة الدولة.
أكثر من 15 سنة وأزمة الكهرباء تجتر ميزانية العراق وتستهلك الوزراء والشركات والتعاقدات وسوء الاختيارات الفنية للمنظومات في سلسلة تجارب استهلكت بقايا الثقة بين الدولة والمواطن، كما استنفدت الصبر وطاقة التحمل.
كان الهدف ربط العراق ومستقبله الاقتصادي بنظام الملالي في طهران، والحقيقة أن النظام السياسي لعمالته المفرطة ولقصر في رؤيته ارتهن مصيره بتاريخ علاقة أحزابه أو بالأحرى ميليشياته بذلك النظام في توقيت حرج كانت فيه رحى الحرب الإيرانية العراقية تدور بكل تداعياتها ودمويتها وبسلوكها المشين ضد بلادها.
نقطة ضعف الأحزاب الحاكمة هي تبعيتها للولي الفقيه، تبعية عقائدية تتجاوز الوطن وتجاهر بالاستسلام لمشروعه الطائفي في المنطقة، ليس من باب رد الوفاء لإيوائها فقط، بل لإيمان هذه الأحزاب بإمكانية تحويل العراق، أرضا وشعبا، إلى ملحقية تابعة للسفارة الإيرانية في بغداد.
قطع إمدادات الكهرباء بقرار إيراني وضع حزب الدعوة والأحزاب الطائفية أمام فقرة المساءلة عن أسباب سوء الأداء وتراجع سقف إنتاج الولاء للمرشد، في فترة أحوج ما يكون فيها إلى تثبيت إرادته وتجارته وميليشياته وخروقاته للعقوبات المقبلة على نظامه وتمدده الإرهابي.
تؤكد المصادر أن فائض إنتاج الكهرباء في إيران يقترب من 15 ألف ميغاواط، بينما استهلاك العراق من تلك الطاقة 1200 ميغاواط، لهذا يكون عدم التسديد بالعملة الصعبة أحد الموجبات المنطقية لقرار القطع، لأنه في المحتوى يدلل عن خلل في طبيعة العلاقة التقليدية بين النظام الإيراني وميليشياته الحاكمة في العراق، وهي خطوة تنفيذية في استجابة صريحة للتبليغات الأميركية وما يتعلق منها بالعقوبات رغم ما في عقود الكهرباء مع إيران من صفقات فساد سياسية واقتصادية تعمدت إضفاء الشرعية القانونية على تزويد إيران بأموال تعادل إنشاء محطات توليد طاقة كهربائية تغطي حاجة العراق بأكثر من الضعف.
قطع إمدادات الكهرباء من إيران بمثابة تبليغ رسمي مقابل للولايات المتحدة بعدم السماح لأي تململ أو تغيير يطرأ على جوهر العملية السياسية؛ وباتجاه آخر تصبح المعادلة مفتوحة على كل الاحتمالات في إبقاء العراق ضعيفا ومنهارا وهامشيا وخاضعا للإملاءات الإيرانية، إن في إثارة الشارع أو الانتقام منه، لأن شعب العراق هو من قاتلهم ومنع احتلالهم لأراضيه، لذا مقولة إن القادة والضباط والطيارين هم فقط على لائحة الانتقام والثأر لم تعد تفي بتنفيذ لائحة أهدافهم.
ما لا يغتفر للعراقيين ما قامت به الجماهير المنتفضة من حرق لصور الخميني في إشارة تلقفتها ميليشيات الحشد الشعبي وزعماء حزب الدعوة وغيرهم من عملاء إيران، وكذلك القيادة في طهران، ورغم أنهم تجاهلوا إعلاميا الخوض في الآثار الجانبية، إلا أنهم سارعوا إلى ترميم الصور واللافتات بما ينذر بتصعيد ردة الفعل تجاه التظاهرات أو بواجبات المندسين فعلا من الميليشيات المتمرسة على خلق مبررات العنف.
استعـراض الفعاليات السيـاسية والدينية ومهـازل الإرهـاب والفساد والكراهية لن يبني دولة، وطاعة المرشد لن تكون فريضة على العراقيين الذين كسروا حاجز الخوف والانقياد الأعمى وتعلموا الدرس من كارثة الموصل وانتفاضة الشعوب الإيرانية على نظام الملالي المتخلف بما تسبب به من جوع وفقر وعطش وقمع مستمر طيلة 40 سنة.
محاولة دهس المتظاهرين بالعجلات العسكرية من قبل سلطة الوقت الضائع في مدن العراق، تهور يشبه ما قامت به القوات الأمنية عند مهاجمتها لمعسكر أشرف للمقاومة الإيرانية قرب مدينة الخالص، بما يؤكد نوعية الأوامر ومصادرها وتدريبها وما تنبئ به الأيام القادمة من استنفار في سلاح الميليشيات لمواجهة تظاهرات الصيف أو الشتاء.
3 عبقرية المايسترو علاء مجيد
كمال مجيد راي اليوم بريطانيا
كل الدلائل تشير الى ان العراق مقبل على حرب اهلية ذاة نهاية مؤذية ومخيفة . في احسن الضنون سوف تأكل هذه الحرب الاخضر واليابس الى درجة أننا سوف نحّن لفترات كل الحكام الشرسين ، بما في ذلك حكم الاحتلال الحاضر واعوانه الحرامية من اياد علاوي، الى ابراهيم الجعفري، الى نوري المالكي وحتى حيدر العبادي الذي لا يخجل من فشله بل يتوقع ان يحكم مرة ثانية. لقد وصل عراقنا مرحلة ظهرت فيه ، ولأول مرة، اصوات غريبة فقدت الامل بالدجلة والفرات وتفكر بالانهزام من ريل وحمد لمظفر ومن سفح دجلة الخير للجواهري بل حتى من نجومنا من امثال سعدي يوسف وعبدالوهاب البياتي والرصافي والزهاوي ومن اصوات القبنجي وناظم ويوسف عمر وحسن خيوكة وسليمة باشا وزهورة حسين ولميعة توفيق وياس خضر و فؤاد سالم ونوادر عراقية اخرى لا يمكن الاعتداء عليها عن طريق النسيان او الثورة او الهزيمة.
في مثل هذه الظروف الصعبة برز عراقي اصيل، طبعا ً لا في عراق الاحتلال، بل في السويد! ليقول لحكامنا : (( تبا ً للعنف)) . عراقي يؤمن بالابداع الموسيقي. انه المايسترو علاء مجيد. احلف لكم انني لم اسمع باسمه بل اؤمن بالعنف وكتبت كتابا ًاسمه ((العنف، كمال مجيد، دار الحكمة، لندن، 2002 ) وليس لي اي اختصاص بالغناء العراقي سوى انني احب ان اسمع (( هذا مو انصاف منك)) بين الحين والآخر.
قرر علاء، اود ان اتكلم عنه مستخدما ً اسمه الاول لأنني اعتبره صديقا ً لكوني استمع الى منتجاته كل يوم عن طريق الانترنيت، اقول قرر ان يحارب العنف بجمال الاغاني التراثية العراقية ولكن مستخدما ً قابلياته الابداعية العظيمة. قبل كل شيئ انه لاحظ ان الفرق الاوروبية الكلاسيكية تشكل احيانا ً مجاميع غنائية (( الكورس)) . ولكن اكتشف عدم وجود العدد الكافي من العراقيين او العراقيات لتكوين فرقة غنائية كاملة. فقرر ان يجمع ما يقارب من 40 امرأة عراقية ليست لهن اية خبرة في الموسيقى ولكنهن يكرهن العنف ويرغبن التركيز على ايجابيات الحياة والغناء احسنها. فقام بتدريبهن الى درجة الكمال تقريبا ً. اذن كان الكورس انتاجه الاول، اقول هذا بالرغم من ((فرقة الانشاد)) التي ولدت سابقا ً في بغداد ثم ماتت تحت شعوذة رجال الدين واقدام المحتلين الامريكان في سجن ابو غريب.
بعد نجاح متواضع، وذلك بفضل صالح الكويتي وليلى خلف في اغنية ((هذا مو انصاف)) وبعد ان تكون لدى علاء ثقة متواضعة بالنفس قرر ان يوسع موهبته الى خارج السويد فأخذ بالكورس الى مهرجان الكويت بل وسع المجموعة باضافة فرقة عشتار اليها في اغنية ((نخل السماوة.))
لم يكن علاء انعزاليا ً او بخيلا ً بل ادرك ضرورة انفتاح فرقته ليشمل المواهب العراقية الواسعة من امثال الموسيقار البارع نصير شمة ومدرس المقام العراقي حسين الاعظمي والريادي في الغناء حسين نعمة واستاذة المقام فريدة محمد علي الى درجة ان فرقة ((طيور دجلة )) اصبحت تمثل التراث العراقي في اوروبا.
قرر علاء خلق الاسطورة في الموسيقى عن طريق دمج الغناء الشرقي بالسمفونية الغربية. فاقنع الاوركيسترا السويدية ان تشارك طيور دجلة في انتاج مزدوج لاول مرة في التأريخ في اغنية ((اتدلل علي ّ اتدلل.)) لرضى علي تبعتها مجموعة ممتازة من الشراكة السويدية – العراقية.
وفي المحيط العربي ايضاً ابدع علاء حين قرر اشراك المغنية المصرية مادلين في فرقة طيور دجلة لتغني ((يا بدع الورد)) لفريد الاطرش .
ما زلنا نتوقع من الفنان البارع علاء مجيد ان يستمر في ابداعه الذي نجح بتفوق وخاصة في توحيد الفن العراقي الاصيل مشاركا ً صندوق امين البصرة مع هه ر بزي لشمال صائب الى هه ي نيرغز (ليليان) والى جمال السومرية ودخيل ألله لا تقولوا وحمام العليل مع مشاركة وفاء عايش وحنان
نيسان والجميلة ليلى خلف في (( قلبك صخر جلمود. )) وهكذا نعيش وسيتحطم الاستعمار المحتل واذنابه الحرامية.
4 العراق.. بين الفساد الداخلي والتدخل الإيراني ماجد العصفور الوطن الكويتية
تكشف الحالة التي يشهدها العراق حاليا مع استمرار الاحتجاجات بشكل يومي في مدن الجنوب على الأخص عن معضلة حقيقية لوضع معقد جدا يمر به هذا البلد العربي الكبير في رقعته الجغرافية وفي موارده الطبيعية الضخمة.
فما بين الفساد الداخلي الذي استشرى منذ سقوط حكم صدام حسين والتهم مليارات الدولارات من خيرات البلد على مدار ال١٥سنة الماضية ولا زال مستمرا وبين تدخلات إيرانية مباشرة بالداخل العراقي من خلال أحزاب وحركات ومتنفذين تخدم الأهداف الإيرانية من خلال أجندات سياسية أصبحت مكشوفة للجميع حيث أصبح الخروج من المأزق الداخلي الحالي للشعب صعبا للغاية.
إن خروج حراك إجتماعي عراقي ومن مختلف الأطياف وقوده فقدان مقومات الحياة الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها ومصحوبا بفساد غير مسبوق لم تستطع الحكومات المتعاقبة السيطرة عليه أو حتى الحد من حجمه جعل العراقيين البسطاء يخرجون في احتجاجات ساخطة ضد الفساد بمدن الجنوب ولسان حالهم يقول : متى تتوقف هذه السرقات ومتى نستطيع أن نتمتع بخدمات مقبولة ونحصل على وظائف؟
ولكن من الواضح أن الوضع لا يخلو من تجاذبات إقليمية تستغل الوضع الداخلي جيدا لصالحها لممارسة سياسات تخدمها وبالأخص إيران التي لاتفوت أي فرصة وخاصة بعد أن جاءت نتائج الإنتخابات العراقية الأخيرة مخالفة لحساباتها بصعود رجل الدين الشيعي مقتدي الصدر المعارض لها للواجهة بحصول أنصاره على أصوات كبيرة مقابل الأحزاب التي تدعمها إيران وهو ما أعطى هذه الانتخابات زخما آخراوإتجاهات جديدة رغم فوز الأحزاب المدعومة من طهران أيضا بمقاعد في البرلمان العراقي تضعها في مقدمة أي مفاوضات لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
إن نتائج إنتخابات ١٢مايو كشفت عن عمق الأزمة السياسية التي يعاني منها العراق ، فالإنتخابات برمتها قائمة على الاصطفافات الطائفية والعرقية وعلى التدخلات الخارجية خاصة من طهران ،والأحزاب التي خاضت غمار هذه الانتخابات دخلت بأكثر من قائمة للحزب الواحد أحيانا وكان مثالا صارخا على ذلك حزب الدعوة الذي نزل بقائمتين متنافستين الأولي هي قائمة “النصر “ويرأسها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي والثانية هي قائمة “إئتلاف دولة القانون “بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق وحليف طهران القوي. وهذا مايكشف عن عمق الانقسامات حتى لدى المكون الشيعي الذي شهد نزول قائمة أخرى للعامري هي “الفتح”تمثل الحشد الشعبي المكون من تنظيمات وميليشيات حاربت تنظيم داعش المتطرف ولكنها كقائمة موالية تماما للنظام الإيراني وكذلك للمالكي أيضا.
والأمر كذلك ينطبق على من خاضوا الانتخابات من الأكراد والسنة حيث شهدت نزول أكثر من قائمة لنفس الأحزاب أو نزول قوائم منافسة نكاية بأخرى وهو ما كشف عن هشاشة الوضع السياسي العراقي وحجم الاختلافات بين الطبقة السياسية العراقية .
من المؤكد أن إيران تمتلك اليد الطولى داخليا في العراق سواء بمنح الضوء لأي تحالفات لتشكيل الحكومة أو عرقلة هذه الجهود وهذا مانشاهد فصوله حاليا فتارة شهدنا مقتدى الصدر يتفق مع العبادي والحكيم لتشكيل إئتلاف حاكم وتارة نراه في طريق مغاير تماما ويتحالف مع العامري لتشكيل بعد تعرضه لضغوط من طهران !
إن مثل هذه الخارطة الانتخابية المعقدة لن تمكن بكل الأحوال أي قائمة من تشكيل الحكومة بمفردها أوتجعل منها مركز ثقل كقائمة لبناء إئتلاف أغلبية برلمانية ناجح يستطيع أن يقود البلد ويخفف من حدة السخط الشعبي الذي يسود الأجواء بالعراق وحتى العبادي نفسه والذي حصلت قائمته “النصر” على المرتبة الثالثة لن يستطيع أن يشكل تحالفا مع القوائم الأخرى بعيدا عن النفوذ الإيراني المهيمن داخليا على العراق بصورة واسعة وبقبضة حديدية تجعل من الطبقة السياسية الشيعية بإختلاف أنواعها وتشكيلاتها تتخوف من غضب وإنتقام إيران القاسي إن تعارضت مصالحها السياسية معها.
فلا المالكي ولا العبادي ولا الصدر أو الحكيم أو العامري وجميعم من المكون الشيعي السياسي يستطيع الفكاك من براثن الغول الإيراني بعراق مابعد صدام حسين والذي يبدو أن الرهان الأمريكي عليه في بناء الديمقراطية آخذ اتجاها مغايرا لما خططت له واشنطن.
فإحياء الطائفية والمحاصصة نجحت إيران فيهما بإمتياز ولا عزاء للعراقيين البسطاء حيث يستمر مسلسل تدهور الخدمات والفساد الداخلي وحيث يزداد التغلغل الإيراني المنظم في الشؤون السياسية لبلادهم يوما بعد يوم وإلى حد يجعل من العراق مجرد تابع لإيران وأطماعها التوسعية بالشرق الأوسط.
5 قبل خراب البصرة! حسن عبدالله جوهر الجريدة الكويتية
الحراك الشعبي الذي شهده جنوب العراق بدءاً بمحافظتي النجف وكربلاء وانتهاءً بمحافظة البصرة، حيث ثاني أكبر المدن العراقية، عكس حالة الغضب غير المتحمل الذي بلغ أدنى مستويات المعيشة بما في ذلك المياه الصالحة للشرب الآدمي، بحسب رأي المتظاهرين.
قد لا تكون الانتفاضة البصراوية عارمة رغم محاولة الاستغلال الإعلامي وسعي البعض إلى تهويلها عبر الأخبار المضللة في الاستيلاء على حقول النفط والمنافذ الحدودية مع الكويت، واحتلال المباني الحكومية، وحتى الإعلان عن سقوط النظام، إلا أنها كانت في حجمها ومضامينها كافية لهز أركان الحكومة التي سعت لأول مرة إلى تقبل رسالة المحتجين، وأرسلت بعض المساعدات العاجلة، وأعلنت تخصيص مبالغ ضخمة لمشاريع مستقبلية في نسخة مكررة لسلوك معظم النظم العربية التي تخاف ولا تخجل من شعوبها.
محافظات الجنوب وخصوصا البصرة تمثل العشائر العربية الأصيلة، وتجسّد صورة نموذجية من التعايش الوطني السلمي والمتوارث، إذ تضم أكبر القبائل وأكثرها اندماجاً مذهبياً بعيداً عن أشكال التعصب الديني، كما يشهد لأهاليها أنهم مسالمون إلى أقصى الحدود، رغم انفجار هذا الهدوء في حالة الظلم، كما حدث في وجه العثمانيين ومن بعدهم الإنكليز في انتفاضة 1920 .
البصرة أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، وهي شريان الحياة الذي يضم معظم حقوله النفطية، ومنذ سقوط صدام حسين كانت أكثر المناطق أمناً، ولم تخترقها عصابات التكفير وجماعات «داعش» الإرهابية، وكانت الأرض المثالية وذات الطبيعة الجميلة وجغرافيتها المميزة للبدء بإعادة إعمار عراق جديد على مدى عقدين من الزمن، ورغم ذلك تحولت إلى محافظة منسية، وعلى الرغم من تضحيات أهالي البصرة وتلبية أبنائها نداء الواجب في قتال «داعش» فإن ذلك لم يشفع لها، فازدادت فقراً وحرماناً طال حتى التمثيل السياسي في حكومات المحاصصة الطائفية والعرقية المتعاقبة.
قد يكون من أسهل طرق ضرب وتشويه هذا الحراك اتهامه بالمندسين، ولكن إذا كان المندسون في نهاية المطاف يصطادون في المياه العكرة، ويتسلقون على آلام الناس وطموحاتهم، ويركبون موجة المطالبة الواسعة بحقوقهم، فإن من قام بتعكير المياه وتسبب في آلام الناس ومهّد لانفجار الغضب الشعبي هو من أعطى الفرصة لهؤلاء المندسين والمتسلقين ليستغلوا الموقف، فلم يكتفوا بتحريض الناس على إتلاف ممتلكاتهم الوطنية، بل سعوا من خلال بعض الممارسات والشعارات الرخيصة إلى إحياء روح الاستعداء تجاه جيرانهم، ومنها الكويت التي تكنّ للعراق وشعبه عموماً والبصرة خصوصاً كل تقدير واحترام لعوامل موضوعية؛ منها الامتداد القبلي، وتداخل الكثير من العوائل بين البلدين من جهة، وتشابك المصالح ووحدة مفاهيم الأمن الوطني في بعديه الفردي والإقليمي بينهما من جهة أخرى، لذا نتمنى من المسؤولين الاتعاظ من درس الجنوب وغضب البصرة في رسالتها الأولى حتى يتقوا شر خرابها، لا سمح الله!
6 حيدر العبادي والرسالة الإيرانية الياس حرفوش
الشرق الاوسط السعودية
لم يغب العراق يوماً عن واجهة الأخبار منذ الحرب التي أطاحت بصدام حسين وما تلاها من غزو واحتلالات. لكن العراق يتصدر الأخبار هذه الأيام، ليس من باب الحرب على «داعش» أو من باب الصراع بين القوى السياسية على تشكيل حكومة جديدة، بل من باب الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها مناطق الجنوب العراقي، والتي طالب المتظاهرون خلالها بتوفير الحد الأدنى من الحاجات اليومية للناس، من ماء وكهرباء وخدمات أساسية، في موسم صيف حار تتجاوز الحرارة فيه درجة الخمسين.
ليست هذه المرة الأولى التي تشهد البصرة ومدن الجنوب العراقي احتجاجات من هذا النوع ترفع نفس المطالب. الشيء نفسه حصل عام 2015. وفي ذلك الوقت دعم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر تلك المظاهرات التي ارتفعت فيها أصوات ضد الفساد الحكومي والبطالة وسوء الخدمات. وقيل آنذاك إن دعمه هذا هو الذي عزز موقعه الشعبي بين الشيعة العراقيين.
غير أن الاحتجاجات الأخيرة كانت أكثر اتساعاً وحمّلت حكومة حيدر العبادي مسؤولية تدهور الخدمات، فيما العراق غارق في أزمة حكومية بعد الانتخابات الأخيرة التي أدت إلى فراغ حكومي وشلل سياسي، حيث يستمر الجدل حول النتائج وتوزيع القوى السياسية، وبالتالي حول صاحب الحق في تشكيل الحكومة الجديدة.
ومن الطبيعي أن يشكو أهل البصرة وسائر مدن الجنوب من نقص الخدمات. فالبصرة، التي كان يطلق عليها في زمن ما «بندقية شط العرب»، تمثلاً بالمدينة الإيطالية الشهيرة، هي المدينة ذات الأكثرية الشيعية التي دفعت أثمان كل الحروب التي مرت بالعراق من عهد صدام حسين وحروبه مع إيران إلى اليوم. وهي المدينة التي تعوم على النفط في بلد يمثل النفط فيه 95 في المائة من إيرادات الدولة، فيما يشكو سكانها من العمل في جمع النفايات ليتمكنوا من إطعام أطفالهم من فضلاتها. أحدهم يقول: نسمع نحن أهل البصرة عن نفط العراق وموارده الهائلة لكننا لم نستفد أبداً من مميزاته.
لذلك لم يكن مستغرباً أن تتسع المظاهرات لتصل إلى حقول النفط والغاز في محافظة البصرة. كما أغلق المتظاهرون ميناء أم قصر قبل أن تتوصل السلطات المحلية إلى اتفاق معهم على إعادة العمل بالميناء. واقتحموا مطار النجف وأوقفوا حركة الملاحة فيه قبل إعادة فتحه، فيما عمدت إيران إلى تحويل مسار الرحلات المقررة إلى النجف باتجاه بغداد. حاول حيدر العبادي احتواء الاحتجاجات على عدة اتجاهات. اتهم «مندسين» بارتكاب أعمال الشغب والاعتداء على الأملاك العامة وأعلن أنه لن يتساهل مع من يقومون بها. وأقال مسؤولين عن الأجهزة الأمنية في المحافظات التي شهدت اشتباكات وسقوط قتلى وجرحى. كما وعد بصرف 3 مليارات دولار على مشاريع في البصرة لتوفير فرص عمل ومساكن ومشاريع لتحلية المياه وتحسين إمدادات الطاقة الكهربائية. غير أن محاولات التطويق الحكومية لم تمنع توجيه الانتقادات إلى حزب «الدعوة» الذي ينتمي إليه العبادي. أحد المحتجين (وهو عاطل عن العمل) قال: حزب الدعوة يحكم العراق منذ 15 عاماً. وقادته لم يتمكنوا من الوفاء ولو بوعد واحد من الوعود التي قطعوها. ونقل مراسل صحيفتنا عن متظاهر آخر قوله: «منذ سقوط صدام عام 2003 حتى اليوم الشيء الحقيقي الوحيد الذي يقوله الساسة الشيعة هو أكاذيبهم. ما زلنا نشرب مياهاً قذرة، ونسينا ماذا يعني تكييف الهواء خلال فصل الصيف».
من الصعب فصل الجانب المطلبي في مظاهرات الجنوب العراقي عن الجانب السياسي وعن الضغوط الإيرانية التي تمارس على حيدر العبادي. من الصعب أيضاً عدم التوقف عند توقيت هذه المظاهرات التي انطلقت بعدما قررت إيران وقف إمداد العراق بالكهرباء في عز موسم الصيف الحار، ما ساهم بشكل مباشر في إشعال الاحتجاجات الأخيرة. والأكيد أن المسؤولين الإيرانيين كانوا يدركون أو يتوقعون وقع هذا القرار على أهل الجنوب الذين صب أكثرهم غضبهم على الحكومة العراقية، فيما قام آخرون بإحراق مقرات لميليشيات مثل «منظمة بدر» المحسوبة على إيران، وذكرت تقارير صحافية أخرى أن متظاهرين أحرقوا صوراً للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومكاتب سياحة إيرانية في الجنوب. وبالطبع ليس بسيطاً حصول تحركات من هذا النوع ضد رموز إيرانية كبيرة في منطقة يشيع الإيرانيون أن ولاءها محسوم لهم.
في ظل موجة الغضب هذه على الدور الإيراني في العراق وعلى فساد المسؤولين الموالين لطهران، عمد بعض هؤلاء، وخصوصاً من جماعة «الحشد الشعبي» وأنصار رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، إلى اتهام أبناء الفلوجة والرمادي بالمسؤولية عن إشعال المظاهرات، في خطة تهدف إلى إبعاد تهمة الفساد عن إيران وأنصارها، وتحويل الصراع إلى وجهة طائفية، بحيث يتجه المتظاهرون إلى اتهام حزب البعث وقيادات العشائر السنية بالمسؤولية عن أعمال العنف التي وقعت. حتى أن البعض اتهم رغد ابنة صدام حسين بدعم المتظاهرين!
في الوقت ذاته عمد قادة «الحشد الشعبي» إلى الدخول على خط قمع المظاهرات بالقوة، في مخالفة لتعليمات رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي منع قوات الأمن من المواجهة المسلحة مع المتظاهرين. مثلاً، هدد قيس الخزعلي الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» بـ«قطع يد المتورطين» في الهجمات على مقرات «الحشد»، فيما تحدثت مصادر أخرى عن اعتقالات قامت بها «العصائب» في صفوف المتظاهرين وعن معتقلين أكدت مراكز الشرطة أنها لا تعلم شيئاً عنهم ولا عن مصيرهم.
وبالطبع لا يقتصر سوء الخدمات في العراق على محافظات الجنوب. فالمناطق ذات الغالبية السنية تعاني الوضع نفسه وأسوأ. غير أن أبناءها يتخوفون من نتائج الاحتجاج أو الخروج في مظاهرات، كي لا يتهموا بدعم «الإرهاب» أو مناصرة تنظيم داعش.
لكن المهم في ردود الفعل كان وقوف قيادات شيعية رئيسية مثل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني ومقتدى الصدر وآخرين ضد هذه الاتهامات ودعوتهم إلى الوحدة الوطنية والدفاع عن مطالب المحتجين، ما يفترض أن يصب في مصلحة العبادي الذي يسعى إلى تطويق المظاهرات بأقل قدر من الخسائر السياسية. فهو يجد نفسه في وضع صعب. إذ إنه مضطر للتعامل مع المتظاهرين ومطالبهم بالحسنى كي لا ينفجر الوضع في وجهه بشكل أوسع، لكنه في الوقت نفسه غير قادر حالياً على اتخاذ قرارات حاسمة تسمح بتلبية المطالب أو بعضها، لأن ذلك يتطلب الاتفاق على إنفاق أموال لتلبية الخدمات الأساسية التي يريدها المحتجون، مثل الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، وحل مشكلة البطالة المرتفعة.
في كل الأحوال، يدرك حيدر العبادي أن قرار إيران بقطع الكهرباء عن العراق في هذا الوقت هو رسالة تعني قطع الدعم السياسي عنه وفتح الباب أمام قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» لاستغلال النقمة على العبادي وفرض رئيس حكومة جديد على العراقيين.
7 الإعلام العربي ومظاهرات العراق وليد الزبيدي الوطن العمانية
يتساءل الشارع العراقي وعلى نطاق واسع عن دوافع الإعلام العربي بتجاهله لموجة كبيرة وواسعة من المظاهرات التي ما زالت متواصلة في الكثير من المدن العراقية، يرى البعض أن هذا التجاهل المتعمد من قبل مختلف وسائل الإعلام العربي يدلل على أن مشروع غزو العراق واحتلاله والذي أفضى إلى تدمير هذا البلد وتخريبه ما زال مستمرا وبذات الضراوة والهمجية، وأن هذا الاحتلال الذي حظي للأسف الشديد من الدول العربية ووسائل إعلامها بدعم منقطع النظير، ما زال قائما رغم اعتراف الجميع بالنتائج الكارثية للاحتلال وما أنتجه من عملية سياسية مشوهة وحكومات جاءت بكل أنواع الخراب والدمار والدماء للشعب العراقي.
تعود ذاكرة العراقيين إلى بدايات الغزو الذي دعمته غالبية العرب أو صمتت إزاءه، ولم تحرك جامعة الدول العربية ساكنا للوقوف ضد الغزو، وسارعت هذه الجامعة بارتكاب الإثم الأكبر بحق الشعب العراقي عندما اعترفت فورا بما سمي مجلس الحكم في العراق الذي أسسه المحتلون الغرباء الغزاة، وأصبح للأسف الشديد من يمثل العراق وشعبه وتاريخه العريق شخصا يتبع الغزاة المحتلين، ولم نسمع اعتراضا واحدا من الدول العربية على هذه الإهانة التي لم تقف عند حدود العراق المحتل، وإنما شملت الجميع وبدون استثناء.
قال البعض مفسرا هذا السلوك السيئ بأن “العصا الأميركية” مسلطة على رقابهم، وطالب الكثيرون بدعم التجربة الأميركية في العراق لأنها تمثل العصا السحرية التي ستنتقل بالعراق إلى مستوى الدول المتقدمة، وأن هذه التجربة ستجلب الرخاء والسلام للمنطقة بأسرها، لكن الذي حصل أن العراق يسير نحو الأسوأ في كل يوم، وبعد أن فاض السوء بهذا البلد بدأ شرره يتطاير وأخذت جدران الأمة بالانهيار، وبعد سنوات على تجربة الاحتلال المدعوم عربيا ودوليا بدأت الأوضاع تسوء وتتدهور أحوال البلاد والعباد، وبدلا من الرخاء في المنطقة وازدياد الأمن راحت الفوضى تعم البلدان، وأخذ الكبار والصغار يرددون لقد انهار العراق فبدأ الانهيار الأوسع.
لقد تماهى الكثيرون مع العصا الأميركية وانحنوا لها تحت قناعات زائفة تردد أن تجربة العراق سيشار لها بالبنان، لكن الصورة أصبحت معلومة تماما، وأن لا فائدة ترتجى من عملية الاحتلال السياسية ودستورها الزاخر بالألغام والقنابل، ولا يستطيع شخص عاقل واحد يذكر إيجابية واحدة لهذه التجربة ولا لحكوماتها المتعاقبة منذ العام 2003، وهذا الأمر يفرض على داعمي حكومة بغداد التوقف عن ذلك واتخاذ الموقف السليم والسوي، لأن ما يجري في هذا البلد يفوق الخيال ولا يمكن لإنسان عاقل أن يقبل به، كما أن تجربة العقد ونصف أكدت وبما لا يقبل الشك أن جسد العملية السياسية في العراق وأدواتها منخورة بمرض لا يمكن الفكاك منه.
رغم كل هذه الحقائق التي لا تخفى على أحد يلتزم الإعلام العربي الصمت على غضب العراقيين الذي انفجر بقوة هائلة، وأن أغلب وسائل الإعلام تلك تحاول “تجميل” صورة الذي يقتل المتظاهرين السلميين.
8 العراق عند درجة الغليان احمد صبري الوطن العمانية
إن انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية من البصرة، وامتداد رقعتها إلى مدن كربلاء والنجف وذي قار وبابل والمثنى والعمارة وواسط، تشير إلى عمق الأزمة السياسية التي يشهدها العراق، خصوصا أن الغضب الشعبي انطلق من معاقل الأحزاب المتنفذة التي تحكم العراق منذ عام 2003 وفشلها في تلبية حاجات وتطلعات العراقيين في الأمن الخدمات الضرورية كحق مشروع.
وضعت الاحتجاجات الشعبية الطبقة السياسية أمام مشهد جديد عكس عمق وخطورة أزمات العراق، وفشل القائمين على إدارة شؤونه منذ عام 2003 وحتى الآن في تلبية الحاجات الأساسية للعراقيين، وخصوصا الكهرباء والماء، ومحاربة الفساد، وتوفير فرص العمل للعاطلين.
هذه المطالب التي رفعها المتظاهرون هي مطالب مشروعة، وغير قابلة للمساومة وحتى التأجيل؛ لأنها تقع في صلب عمل وبرنامج أية حكومة تتولى إدارة العراق، ناهيك عن تراكم هذه الأزمات، الأمر الذي فجر حركة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عقر دار الأحزاب المتنفذة التي تحكم العراق.
وتوقيت التظاهرات جاء في وقت حرج، مع انتظار النتائج النهائية لعملية العد والفرز اليدوي الجزئية لصناديق اقتراع انتخابات أيار ـ مايو الماضي قبل التمكن من تشكيل حكومة جديدة.
ولم تكن حركة الاحتجاجات الشعبية مفاجأة، وإنما سبقها مقاطعة العراقيين للانتخابات كعقوبة للطبقة الحاكمة من خلال الإحجام الكبير عن التصويت في الانتخابات التشريعية التي شهدها العراق مؤخرا.
وكانت الانتخابات، وهي الرابعة منذ احتلال العراق، قد شهدت أدنى نسبة مشاركة منذ 15 عاما، ورافقتها شبهات واسعة بمحاولات تزوير وتلاعب في الأصوات.
وسلّط الغليان الشعبي الضوء على أداء رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يسعى لولاية ثانية، ما وضعه في دائرة المساءلة من خصوم يتربصون به، لا سيما اندلاع الاحتجاجات بتوقيت قد لا يخدمه في سعيه للفوز بالمنصب مرة ثانية.
وفي موقف يعكس غضب المحتجين إزاء دور السياسيين، حيث هاجموا مقار مختلف الأحزاب السياسية في كل المحافظات الجنوبية، حيث أحرقوا بعضها أو أنزلوا صورا علقها السياسيون أنفسهم.
وفي إجراء لاحتواء الأزمة، كلف رئيس الوزراء حيدر العبادي لجنة من ستة وزراء يرأسها وزير النفط جبار اللعيبي. ووعدت اللجنة بتوفير فرص عمل للذين يعيشون في المناطق المحيطة بآبار النفط، وإعلانها تخصيصات لمشاريع طارئة، وبالأخص مشاريع المياه والكهرباء. غير أن الانطباع السائد أن اللجنة ستنتهي مهمتها بعد تراجع حدة الاحتجاجات الشعبية من دون أن يتحقق أي من مطالب المتظاهرين.
وفي معرض تبرير استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، اتهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ـ بعد سلسلة اجتماعات مع الوزراء والمسؤولين الأمنيين ـ أشخاصا مخربين يستغلون مطالب المواطنين لإحداث ضرر بممتلكات الشعب، وإخراج التظاهرات عن سياقاتها بحرق بنايات مؤسسات الدولة وقطع الشوارع، والاعتداء على القوات الأمنية، ما يمثل محاولة لإرجاع البلد إلى الوراء، فهناك جهات من الجريمة المنظمة تهيّئ لإحداث حالة فوضى.
إن انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية من البصرة، وامتداد رقعتها إلى مدن كربلاء والنجف وذي قار وبابل والمثنى والعمارة وواسط، تشير إلى عمق الأزمة السياسية التي يشهدها العراق، خصوصا أن الغضب الشعبي انطلق من معاقل الأحزاب المتنفذة التي تحكم العراق منذ عام 2003 وفشلها في تلبية حاجات وتطلعات العراقيين في الأمن الخدمات الضرورية كحق مشروع.
كما كشفت التظاهرات هشاشة النظام السياسي وفشله في إدارة الحكم، وتبديده ثروات العراق، والتستر على السراق والفاسدين وإدخال البلاد في أزمات تتراكم يوما بعد يوم، حتى وصلت إلى حد لا يمكن القبول به شعبيا، ما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية كرد فعل طبيعي رافض لأداء الطبقة السياسية، وابتعادها عن هموم الجمهور الذي انخدع بشعاراتهم التي أوصلت العراق إلى المأزق الذي يتخبط به من دون أمل بالخروج منه.