4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم السبت

1 العراق بعد داعش: تحديات تهدد بمزيد من التشظي سلام السعدي العرب بريطانيا

تصدرت المشهد السياسي للعراق قوى سياسية ميليشياوية شديدة الطائفية ومتهمة بارتكاب جرائم حرب بحق شرائح واسعة من العراقيين وبعمليات تدمير متعمدة للمنازل وبالتهجير القسري.
تحديات كثيرة ما بعد داعش
مر عام على إعلان الحكومة العراقية هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وذلك بعد استعادة السيطرة على مدينة الموصل، معقل التنظيم وعاصمة خلافته المزعومة، وذلك في يوليو 2017. توقع البعض أن يكون العام الماضي، وقد تخلصت البلاد فيه من وطأة الحرب، فرصة مناسبة لالتقاط الأنفاس من قبل كافة الفرقاء السياسيين وفرصة للالتفات نحو إعادة الإعمار ونحو بدء عملية سياسية ذات مصداقية تعيد شيئاً من التماسك الوطني لبلد مفتت.
ولكن انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش، لم يقد إلى السلام، بل إلى تكثيف الصراع الداخلي على السلطة، وإلى بروز تحديات عديدة ستكون بانتظار الحكومة العراقية التي تنتظر تشكيلها قريباً.
في البداية، حاول الأكراد تكريس ما حصدوه من جراء انهيار الدولة العراقية عام 2014 والذي صاحب بروز داعش. ففي ذلك الوقت كانت قوات البشمركة قد استغلت فرار القوات العراقية أمام هجوم داعش للسيطرة على مدينة كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها. وبمجرد انتهاء الحرب المشتركة على داعش، برز الخلاف بين الأكراد والحكومة العراقية حول مدينة كركوك فقامت الأخيرة بشن هجوم عسكري سريع وانتزعت السيطرة عليها.
لم ينته الصراع عند ذلك بل تحول إلى صراع داخلي بين القوى السياسية الشيعية وخصوصاً مع بروز لاعب جديد هو ميليشيات الحشد الشعبي الذي تشكلت بدعم من إيران لقتال تنظيم داعش، وتحولت إلى القوة العسكرية الأكبر في البلاد ومن ثم تحولت إلى قوة سياسية بعد هزيمة داعش.
ويتضح من خلال نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة أن سنوات الحرب أثرت بصورة كبيرة على المستقبل السياسي للعراق، إذ حلت قائمة الفتح التي تمثل ميليشيات الحشد الشعبي في المرتبة الثانية بعد قائمة مقتدى الصدر في تلك الانتخابات.
هكذا، ستواجه الحكومة الجديدة حال تشكيلها تحديات يمكن تلخيصها بتحقيق استقرار سياسي واقتصادي في العراق يسمح بالتقاط الأنفاس والتخفيف من حدة الصراعات السياسية بما ينقل البلاد خطوة للأمام بعد كل ما مرت به من دمار وتشظ سياسي وأهلي. ولكن هل تتمكن الحكومة المرتقبة من تحقيق الاستقرار المنشود؟
يحتاج الاستقرار إلى إطلاق عملية سياسية جديدة تكون تشاركية إلى حد كبير تدمج القوى السياسية السنية في عملية صناعة القرار. أثبتت الحكومات العراقية دوما، بدعم إيراني ولامبالاة أميركية، أنها غير راغبة في مشاركة حقيقية بالسلطة مع مكونات غير شيعية. بل إن عمليات التزوير الواسعة التي جرت خلال الانتخابات الأخيرة توضح وجود أطراف سياسية لا تزال ترفض المشاركة الحقيقية بالسلطة حتى ضمن البيت السياسي الشيعي نفسه.
نتائج الانتخابات لا تشي بإمكانية تشكيل حكومة قادرة فعلاً على قيادة عملية سياسية وطنية جامعة. إذ حلت قائمة رجل الدين الشيعي المثير للجدل مقتدى الصدر في المرتبة الأولى، وتلتها قائمة الفتح التابعة لميليشيات الحشد الشعبي. بمعنى آخر تصدرت المشهد السياسي للعراق قوى سياسية ميليشياوية شديدة الطائفية ومتهمة بارتكاب جرائم حرب بحق شرائح واسعة من العراقيين وبعمليات تدمير متعمدة للمنازل وبالتهجير القسري. وقد أعلن الطرفان تحالفاً سياسياً سوف يؤدي، في حال تجسيده سياسيا، إلى حكومة هي أبعد ما تكون عن تحقيق وحدة وطنية. هذه وصفة جديدة للمظالم التي شكلت داعش بالأساس، وسوف تقود تالياً إلى بروز داعش جديد أو ما يشابهه.
كما يحتاج الاستقرار إلى عملية إعادة إعمار واسعة وتذليل مصاعب العيش التي تعصف بملايين العراقيين، وخصوصاً الذين نزحوا من منازلهم وعادوا ليجدوها مدمرة أو لم يتمكنوا من العودة.
هذه عملية عسيرة للغاية إذ لا يبدو أن تمويل إعادة الإعمار متاح حتى الآن ولا تبدي الحكومة العراقية اهتماما خاصا في ظل انشغال مكوناتها بالصراعات الداخلية وبالانتخابات. وبصورة عامة هنالك حاجة ماسة لتحقيق نقلة واضحة في الظروف الاقتصادية والمعيشية لجميع العراقيين وليس السنة فقط.
إن حلول قائمة مقتدى الصدر في المرتبة الأولى جاء بدرجة كبيرة بسبب تزايد التذمر الاجتماعي والاقتصادي لدى قاعدة عريضة من الشعب العراقي.
تحديات كثيرة سوف تواجه الكيان السياسي العراقي الجديد ما بعد الحرب على داعش. وعلى الفرقاء السياسيين العمل بسرعة من أجل حلها قبل أن يضاف إليها تحدٍ جديد بدأت تبرز ملامحه: عودة تنظيم داعش.
2 محاولات لركوب موجة مظاهرات البصرة د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

الوضع في العراق يتطور بصفة خطرة، وليس مستبعدا أن تشارك فيه المدن الغربية والشمالية في البلاد، فالطبقة السياسية العراقية، كما قال أحد المتظاهرين، وزعت ظلمها بالتساوي على العراقيين جميعا ولم تكن عادلة إلا في هذا التوزيع.
التذمر وأعمال المقاومة ليسا جديدين في جنوبي العراق وفراته الأوسط
بعد أن عمت المظاهرات الشعبية الساخطة مدينة البصرة واستجابت لها مدن الجنوب العراقي والفرات الأوسط والعاصمة بغداد، شرعت الطبقة السياسية العراقية في ترويج شائعة تقول إن هذه المظاهرات سببها تصفية حسابات بين السياسيين أنفسهم لتسقيط بعضهم بعضا، وحاول سياسيون آخرون ركوب موجتها متخلين عن خطابهم الطائفي ومستبدلينه بخطاب وطني، لكن هذا الخطاب بدا على ألسنتهم كما تبدو الكلمات الأولى، التي يجرب الطفل نطقها فيثير ضحك من حوله، واتهم بعضهم الآخر المتظاهرين بأنهم بعثيون، أو شيوعيون ممن لم يلتحقوا بالعملية السياسية وأدانوها في محاولة لصرف الأنظار عنها، ولكن الاتساع الكبير لهذه المظاهرات أسقط جميع هذه الاتهامات وأفشل جميع تلك المحاولات.
أصيب سياسيو العراق الجدد كلهم بالصدمة من هذه التظاهرات، ولكن أكثرهم صدمة كان السياسيون الذين يحسبون أنفسهم على الطائفة الشيعية، فها هي خدعتهم الكبرى تنكشف أمام العالم وتنفضح دعاواهم بأنهم جاؤوا لإزالة “مظلومية الشيعة”، وها هم الشيعة يتظاهرون ويعلنون أنهم لم يعرفوا مظلومية طوال تاريخهم كمثل الظلم الذي مارسه عليهم من جاء باسم مظلوميتهم المُدّعاة.
التذمر وأعمال المقاومة ليسا جديدين في جنوبي العراق وفراته الأوسط، لكن السياسيين الشيعة عملوا بكل طاقتهم وبذلوا أقصى جهودهم وسخروا ماكيناتهم الإعلامية كلها وجميع العمائم السائرة في ركابهم للتعتيم عليهما وخنق أخبارهما، ولكن حبل الكذب قصير.
ولهذه المظاهرات مقدمات كثيرة لعل أوضحها المقاطعة الشعبية الواسعة للانتخابات، التي كانت رسالة واضحة لكل من يبصر، مفادها أن العملية السياسية التي فرضت على العراقيين وكل من جاءت بهم من وجوه سياسية يراها العراقيون لأول مرة، بعد الغزو الأميركي لبلادهم واحتلالها، مرفوضة ومرفوض كل من جاء على موجتها وحتى من ركب هذه الموجة بعد حين.
وأقصى ما استطاع أن يحققه خداع السياسيين للعالم، هذه المرة، هو ادعاؤهم بأن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت 20 بالمئة، بمعنى أن الرافضين كانت نسبتهم 80 بالمئة، ثم عندما افتضحت لعب التزوير وشراء الأصوات تبين أن نسبة المشاركين لم ترق إلى 5 بالمئة، وقلنا وقتها، إن لنسبة الـ80 بالمئة استحقاقاتها، وإنها ستقول كلمتها بعد الانتخابات، وها هي ترفع صوتها منادية بتوفير خدمات لا تستطيع الطبقة السياسية، مع فسادها، توفيرها، حتى بعد عقود من الزمان، لأن هذه الطبقة بإهمالها البلاد وأهلها وانشغالها بالصراع على كراسي الحكم وبفسادها ونهب ثروات البلاد وتقديم الجزء الأعظم منها إلى إيران للتخفيف من أزماتها الخانقة، دمرت البنى التحتية للبلاد، التي تأسست على مدى 82 سنة هي عمر النظام الوطني منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921 وحتى احتلال العراق سنة 2003.
المقاطعة الشعبية للانتخابات، كانت رسالة مفادها أن العملية السياسية في العراق مرفوضة ومرفوض كل من جاء على موجتها
وإذا كان العراقيون قد بدأوا مظاهراتهم بالمطالبة بتوفير الخدمات، التي يعلمون أن الحكومة غير قادرة على توفيرها، فإنهم سيرفعون سقف مطالبهم إلى التغيير الشامل للنظام السياسي في العراق، وقد جاء هذا المطلب، الذي هو أساس الحل لأزمات البلاد على لسان متظاهرين كثيرين انتشرت مقاطعهم المصورة على شبكة التواصل الاجتماعي.
وفي محاولة لامتصاص النقمة الشعبية على الأداء الحكومي الفاشل، عقد مجلس الوزراء العراقي جلسة، الثلاثاء العاشر من يوليو الحالي، شهدت مناقشة موسعة لمشكلات أهالي البصرة وموضوع المياه ومشروع ماء البصرة وأصدر قرارات جديدة، منها: تشكيل وفد حكومي برئاسة وزير النفط وعضوية وزراء الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة والكهرباء والموارد المائية والنقل وهيئة المستشارين في رئاسة الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء وخلية الأزمة، يذهب إلى البصرة بصفة عاجلة ويتولى معالجة المشكلات، التي تواجهها المحافظة، وزيادة العجلات الحوضية الناقلة للماء الصافي لتوزيع الماء على المواطنين، وربط مشروع ماء البصرة في الهارثة بالخطوط الناقلة الحالية، ودراسة إمكانية ضخ الماء أثناء التشغيل التجريبي وتُقدم من استشاريي المشروع، وأن تنسق الهيئة التنفيذية لمشروع ماء البصرة مع الجانب البريطاني لغرض تخصيص المبلغ المطلوب للشركة الاستشارية.
لكن هذه الحلول العاجلة لا تكفي ولا تدوم لأن المشكلات أكبر، أو كما يقول المثل العراقي “الشق كبير والرقعة صغيرة”، فالماء ليس الوحيد الذي أثار غضب العراقيين على الأداء الحكومي. فإذا كانت البصرة هي الأكثر معاناة من مشكلة المياه الصالحة للشرب، فما بال المدن الأخرى والعاصمة بغداد لكي تتظاهر مع البصرة؟ ولذلك وبالحس الشعبي الواعي تندّر العراقيون على قرار مجلس الوزراء بـ”زيادة العجلات الحوضية الناقلة للماء الصافي لتوزيع الماء على المواطنين”، لأن مشكلة المياه، وخصوصا بعد تحويل إيران لمجاري أنهارها لكي لا يستفيد منها العراقيون وتعمدها إلقاء مياهها شديدة الملوحة في شط العرب ورمي فضلات مصانعها في مياه هذا الشط، تفاقمت بما لا تجدي معها الحلول الترقيعية.
أطلق العراقيون على مظاهراتهم الحالية أسماء كثيرة منها انتفاضة الجياع وثورة العشرين الثانية، في إشارة إلى ثورتهم على الاحتلال البريطاني في الثلاثين من يونيو سنة 1920، ومنهم من سماها ثورة الحادي والعشرين.
الوضع في العراق يتطور بصفة خطرة جدا، وليس مستبعدا أن تشارك فيه المدن الغربية والشمالية في البلاد لأن لهذه المدن مطالبها أيضا، فالطبقة السياسية العراقية، كما قال أحد المتظاهرين، وزعت ظلمها بالتساوي على العراقيين جميعا وأنها لم تكن عادلة إلا في هذا التوزيع.
3 مقاعد إيرانية وأميركية تحت قبة برلمان العراق حامد الكيلاني العرب بريطانيا
مهزلة النظام السياسي في العراق بعد الاحتلال يمكن قراءتها بعد أكثر من 15 سنة في ضوء التجاذبات الأميركية الإيرانية، فالديمقراطية الأميركية في العراق ينبغي لها أن تكون ديمقراطية بمواصفات نظام الملالي وقادة الحرس الثوري.
ديمقراطية بمواصفات نظام الملالي وقادة الحرس الثوري
مصطلح ازدواجية المعايير يمكن أن يفتح نافذة لفهم ووصف تباين المواقف الدولية أو تعاملات بمعنى أقرب إلى التناقض في وجهات النظر، بما يؤدي أحيانا إلى اتخاذ قرارات خطيرة ضد طرف ما، ثم في حالة مماثلة يتم مهادنتها مع طرف آخر والدفاع عنها أيضا.
الأكثر وضوحا في ازدواجية المعايير ما تصدره السلطات السياسية أو القانونية في قضية تتعلق بالشأن العام وتؤثر في حياة المواطنين، ثم بسبب متغيرات السياسة أو تبدل الشخوص تنقلب تلك الأحكام أو تلغى لتناسب توجهات الأحزاب الحاكمة أو السلطات الجديدة.
مفردة الازدواجية تلقي بظلالها على تاريخ طويل من الممارسات في معظم دول العالم من قضايا حساسة بلورت الفكر الإنساني في مجموعة ثوابت لا تتقبل وجها آخر لها، لأنها بحكم التجارب والتطور والمآسي نضجت وأصبحت من أبسط مقومات تعريف المجتمعات الحديثة.
لكننا في العراق اكتوينا بالمعايير المزدوجة، وباتت هذه العبارة تتكرر على مسامعنا في فترة الحصار إلى يوم الاحتلال، وما خلفته السنوات التالية من اشتباك المعايير في تأسيس الدولة والنظام الديمقراطي والبرامج الانتخابية، حتى ترفقت بنا “الازدواجية القديمة” بما تعنيه من قيمة العدد الحسابي في الوقوع بين فكين مفترسين أو كذبتين أو عصابتين أو احتلالين.
مازال العالم لا يكترث بالمجازر في العراق وسوريا وبلدان عربية أخرى تم سوقها إلى منطقة الذبح الإيراني وعلى أيدي الميليشيات التابعة للحرس الثوري، وما زالت دول في الإتحاد الأوروبي تتجاذب الحوار والأموال مع كيان يدعى إيران، رغم أن هذه الدول على علم بأنها تتعامل في أصولها المصرفية والاقتصادية والاستثمارية وبتجارة النفط مع دولة الحرس الثوري التي تدير الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط تحت مظلة الفتنة المذهبية الطاحنة.
دولة مثل ألمانيا تدرك حتما حجم المخاطر على أمنها أو أمن أوروبا والعالم من الإرهاب الإيراني الذي يراد له أن يكون بصفة الداعم المجهول لعمليات الإرهاب، خدمة لوقائع كسر الإرادات أو فرض إملاءات الصراع داخل حلف الناتو مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتعاطى، نقدا وانتقادا، مع التهرب الأوروبي من دفع استحقاقات الإنفاق على متطلبات الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي، أو عدم تكافؤ ميزان التبادل التجاري والضريبي بين أميركا وأوروبا.
وصل الرئيس الأميركي إلى قمة بروكسل تسبقه العقوبات المتنامية على النظام الإيراني وآخرها الحد من صادراته النفطية مع بداية نوفمبر، أو بإطلاق إدارته مداولة إصدار مشروع قرار يضع الحرس الثوري كليا أو جزئيا ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، مع تغريدة استفزت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لإشارته إلى صلة تمويلها لصفقة مد خط أنابيب لنقل الغاز من روسيا.
خبر محاولات سحب مبالغ نقدية كبيرة لنقلها إلى طهران من مصارف ألمانية بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أوروبا؛ أعاد إلى الأذهان ما أقدمت عليه إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عندما نقلت الأموال مستعجلة إيصالها إلى طهران لإثبات حسن النية مع توقيع الاتفاق النووي.
أوروبا على يقين من كون الاتفاق النووي هو اتفاق بالأساس بين أميركا وإيران، لذلك ظهر التعنت الأوروبي أو المكابرة على إدامة الاتفاق مع نظام الملالي، إضافة إلى ما ذكر من مصالح اقتصادية لا تحبذ أوروبا أن تخسرها في الانسحاب الأميركي من الاتفاق. فالتعنت أيضا لن يعدو إلا أن يكون سقفا للمزيد من كسب الوقت لانسحاب شركاتها، ومعظمها كما هو معروف شركات خاصة، من عقودها في إيران بطريقة مريحة تتجنب منها ردات الفعل غير المحسوبة للحرس الثوري في ظروف طوارئ قد تنجر لها البلاد بالانسحاب الجماعي من الاتفاق.
ازدواجية المواقف تنضح من فترة حكم الرئيس أوباما الذي قايض البرنامج النووي لأسباب داخلية أميركية بإطلاق الإرهاب الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، معتقدا أو متيقنا أنه يضرب أكثر من هدف بحجر واحد، منها تهدئة اللوبي الإسرائيلي بإيقاف أو تأجيل البرنامج النووي الإيراني، وتقديم خدمة تخريب وتهديم وعزل وإضعاف دول محيط الحزام الأمني لإسرائيل، وتلك مهمة تطابقت تماما مع صادرات ولاية الفقيه في إيران.
بديهي أن لا أسلحة من دون أموال، أي لا إرهاب من دون تمويل، واحتلال الموصل في يونيو 2014 إذا جردناه تماما لاكتشفنا كيف تعمل أجهزة الاستخبارات في كيفية إيصال التمويل لأعقد المهمات وأكثرها غموضا لتحقيق مساومات تتجه بعد انقضاء شوط طويل منها إلى منطقة أكثر وضوحا لا نستغرب معها الموقف الأوروبي الحالي من دولة الحرس الثوري في إيران.
مهزلة النظام السياسي في العراق بعد الاحتلال يمكن قراءتها بعد أكثر من 15 سنة في ضوء التجاذبات الأميركية الإيرانية. فالديمقراطية الأميركية في العراق ينبغي لها أن تكون ديمقراطية بمواصفات نظام الملالي وقادة الحرس الثوري، لذلك كانت الديمقراطية في إيران ضمن بعض محاججات النظام على انتفاضة رغيف الخبز والجوع والعطش والكرامة للشعوب الإيرانية. العنف الذي شهده العراق بمباركة المحاصصة الطائفية في السلطة والسياسة وإن كان بإرادة أميركية لمرجعية معارضة إيرانية، إلا أنه بالمحصلة كان صراعا للاستحواذ على مصير العراق بالكامل.
لذا “إسقاط العملية السياسية” للمحتل الأميركي بإرادة المحتل الإيراني تنازعته أشكال المقاومة وإثارة الفتن المذهبية والعرقية والتنافس على مقاعد أميركية وإيرانية داخل قبة برلمان العراق، بما أوصلنا بنهاية الأمر إلى انتصار ميليشياوي إيراني في الانتخابات الحالية يتماشى مع واقع العلاقة وتصاعد آثار العقوبات على نظام الملالي من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
المعايير المزدوجة غادرت مغزى وصلاحيات المصطلح، فمن يصف حالة النظام الإيراني عليه أن يضيف لفكرة الازدواجية ما يضاعفها عدة مرات لإيصال حقيقة أوجه السياسات الإيرانية وتخبطها في الداخل الإيراني أو الإقليمي أو الدولي، والتي يصبح معها الحديث عن قلق أوروبي من تدخلات إيرانية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ضربا من اختلال العقل الجمعي لدبلوماسية تصريف العلاقات بأقل الخسائر بين الدول.
تبقى الأقواس مفتوحة على معايير متروكة للزمن ليطلق لنا سراح الأجوبة لأسئلة تتصل بمدى علاقة الحرس الثوري وميليشياته بأجهزة الاستخبارات الدولية والمنظمات الإرهابية، وبمصادر تمويله التي تتراوح بين تلويحه بعصا الخروج من الاتفاق النووي، إلى نشاطاته الاقتصادية الخاصة إلى تجارة المخدرات وعملياته الإرهابية المتناثرة، إلى نسبة تمويله من دافعي الضرائب الإجبارية.
4 النزوح تحت القصف وليد الزبيدي الوطن العمانية

قبيل بداية الحرب على العراق مطلع العام 1991، غادر العاصمة العراقية عدد كبير جدا من سكانها، وكانت مخاوف كثيرة دفعت بغالبية العوائل الخروج من منازلها قاصدة مناطق قريبة من بغداد، لكن تلك التجربة أثّرت سلبا على الناس، خاصة أنهم لم يعتادوا النزوح والهجرة، وهنا نتحدث عن حقب سبقت طوفان الهجرة والنزوح والتشريد الذي جاءت به أميركا للعراق بعد الحرب في العام 2003.
لكن تلك التجربة لم تقف عائقا أمام عوائل كثيرة للنزوح من جديد، ولا بد من التأكيد على أن عملية النزوح بدأت مع اقتراب القوات الأميركية من بغداد وتحديدا بعد انتشار خبر سيطرتها على المطار الواقع في الضاحية الغربية من العاصمة، بدأ النزوح إلى مدن وقرى منطقة ديالى شرقا والطارمية والمشاهدة والراشدية وبلد وسامراء والدجيل شمالا، وأبو غريب والفلوجة والرمادي غربا. وبينما خرجت عوائل عديدة مع بداية الحرب، خشية من استخدام أسلحة محرمة دوليا ضد العاصمة، ولتفادي أي نوع من منع الحركة من وإلى بغداد، بعد أن سرت شائعات من هذا القبيل، إلا أن أكبر عملية نزوح خارج العاصمة حصلت عصر يوم الخميس الثالث من أبريل/نيسان 2003، بعد أن تناقل أبناء الأحياء البغدادية معلومات تشير إلى اقتراب القوات الأميركية من المطار، ووصول قوات أخرى إلى المناطق والأحياء الجنوبية شمال مدينة المحمودية وعلى مقربة من أحياء الدورة والسيدية.
أما صباح الرابع من أبريل/نيسان 2003، فقد شهد خروجا جماعيا للعوائل، ولكن اتجه جميع هؤلاء إلى طريق الراشدية المؤدي إلى مناطق محافظة ديالى، بعد أن ترددت معلومات تقول إن القوات الأميركية، سيطرت على الطرق الرئيسية المؤدية إلى سامراء، تكريت، موصل، الرمادي، حديثة، القائم قرب الحدود السورية في منطقة أبو غريب بالقرب من معمل الحليب، وهي منطقة دلالة معروفة للعراقيين.
في ساعات الصباح الأولى من يوم الجمعة، الرابع من أبريل/نيسان 2003، تزاحمت السيارات الصغيرة والكبيرة، في طريقها إلى العديد من المدن والقرى، وحملت العوائل الأفرشة والأغطية والمواد الغذائية، فلا أحد يعرف إلى أي أمد ستطول إقامتهم هناك، في ظروف غامضة، إذ إن هناك الكثير من التعتيم الإعلامي، الأمر الذي ترك حالة من عدم الوضوح لدى الكثيرين، ورغم حلول فصل الربيع، الذي صادف أول أيامه، مع ثاني أيام الحرب الأميركية على العراق، إذ يحتفل العراقيون به في الحادي والعشرين من مارس/آذار، إلا أن الأيام الأولى من شهر أبريل/نيسان، شهدت انخفاضا شديدا بدرجات الحرارة، لم يعهده العراقيون من قبل في مثل هذا الوقت، وأضافت البرودة الشديدة أتعابا أخرى على العوائل، التي وجدت أنفسها في العراء، ولجأ الكثيرون إلى المدارس والبنايات المهجورة.
كانت بداية النزوح الذي كان بآلاف البشر ثم ازداد فيما بعد لينزح ويهاجر ويتشرد الملايين من العراقيين وما زال المسلسل المأساوي مستمرا.