مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 لغة الثأر مرة أخرى مشرق عباس الحياة السعودية

ليس أمام العراقيين فرص مفتوحة، فكل مرة تمنحنا الأقدار فرصة ما، يتم إهدارها على أيدي دعاة العنف وطالبي الانتقام والعاجزين عن فهم حقيقة الدولة. المناسبة أن ألماً عاماً أصاب العراقيين وهم يتأملون جثث مخطوفين على يد تنظيم «داعش» بعد يومين من انتشار نداءات مؤثرة لأطفالهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي… صدمة الجثث فجرت مشاعر منفلتة كما كل صدمة سابقة، وخلفت ضغوطاً شعبية وسياسية، انتهت إلى إعلان للحكومة بإعدام عدد من المحكومين به. واقع الحال، أنه ليس في العراق من يطلب بعد بحور الدم التي سالت على يد تنظيم «داعش» بكل ما حمله من إجرام وتمزيق وتشويه، بالتساهل في محاكمة المتورطين في التنظيم وإعدامهم، لكنّ ثمة فرقاً جوهرياً بين المحاكمة والإعدام للمذنبين في نطاق قاموس الدولة، أي دولة منذ أن بدأ التعريف، وبين تحويل الإعدام إلى مناسبة للتخفيف من الضغوط ومشاعر الثأر. المشكلة مركبة إلى درجة أن المستعدين لطعن الدولة التي تحاول النهوض مصانة بدماء الآلاف من العراقيين وتضحياتهم خلال معركة التحرير من براثن «داعش»، لا يفهمون الدولة باعتبارها راعية القصاص القانوني، كأداة لإرضاء تعطشهم لإخماد عواطف الثأر المنفلتة، وعلى ذلك كان قرار الإعدام كأنه إرضاء كاف لتلك النزعة العاطفية. وبالتأكيد، لم يعد بعد رؤية المشانق معلقة، مهماً السؤال عن هويات المعدومين، ولماذا يكون إعدامهم رد فعل، بديلاً عن أن يكون سياقاً قانونياً واضحاً، ولا البحث عما يعيق نظام العدالة في العراق، وما يحيط بالمحاكمات وظروفها، ولا ما يتعلق باحترام الدولة وسياقها والحرص على ألا تنهار مرة أخرى. لنتذكر معاً أن الدولة العراقية، بعد صحوتها الجزئية من نكسة الحرب الأهلية 2006 – 2008، بدت أنها على الطريق الصحيح لمعالجة الأخطاء التي صاحبت بناء مشوهاً واعتباطياً عام 2003، وحينذاك كان الحكماء يتحدثون عن ضرورة أن تتم معالجة ذلك الخطأ الأساسي، بالعودة إلى آليات العدالة الانتقالية الضرورية. إنها فرصة في متناول اليد، لكن «شطحت» الدولة الهشة فجأة، وانفعلت أمام إجرام منظم انفلت في انفجار مهول لوزارة الخارجية عام 2009، وتفاقم على شكل أيام سود متكررة، جلبت الحزن من جديد، وأطلقت الغضب، إلى درجة أن نحو 20 عملية عسكرية حملت مصطلح «الثأر» ومهدت في شكل مريب لظهور تنظيم «داعش» كنسخة أكثر دموية. لحظة اندحار «داعش» كانت بمثابة حدث استثنائي، فللمرة الأولى منذ سنوات يفهم العراقيون حربهم، وللمرة الأولى تبدو لغة الدولة كأنها مفهومة، وتتصاعد معها عبارات الاحترام لمعنى أن يكون المجتمع العراقي بتنوعاته المختلفة مستعداً لإبرام عقد اجتماعي جديد، يضمن الاحتفاظ بوحدة البلاد، ويقر السلم الأهلي والتوازن في العلاقات الخارجية، والتوجه إلى بناء ما خربته سنوات الارتباك والتخبط. لم يكن هناك نية سياسية لتحديث عقد السلطات مع المجتمع، وتم إهمال النصائح بأن العراق في حاجة إلى تسوية كبرى، تتيح الإجابة عن الأسئلة المعلقة منذ سنوات حول الدستور والخلافات والصلاحيات والمساواة الاجتماعية وتكريس المواطنة. من الغريب أن يكون موسم الانتخابات موسم خراب، لا يأمل أحد بتحويل احتفال ديموقراطي إلى موعد متجدد لتوقع الأزمات والنكسات، لكن هذا يحدث في العراق مراراً، وهذا ما تفهمه القوى السياسية، المنكبة على انتظار ضرب الأمن، أو المساهمة فيه حتى، ليكون في الإمكان تحسين موقفها التفاوضي.
ظهر ذلك جلياً في التعامل مع أزمة الرهائن، فأبواق الأحزاب، كانت مستعدة لهدية «داعش» وربما كانت تتمناها، فهي مناسبة ليخرج من يقول من جديد، أن الجيش الذي خرج من الموصل على أناشيد النصر، ضعيف، وفاسد ومنهار، وأن الحل يجب أن يتم بتسليم مجموعات مسلحة عقائدية، ملف الأمن! ربما يجدر القول مجدداً أن من يتولى حكم العراق اليوم أو غداً، وما ستحصل عليه القوى السياسية المتصيدة في الأزمات من مكاسب، لن يكون لها معنى إذا أضاع العراقيين من جديد إيمانهم بالدولة مرة أخرى، فالفرص ليست مجانية، والدول لا تبنيها الانفعالات، ولا تحركها أهواء المنفعلين.
2 قلق في زمن الحرب وليد الزبيدي الوطن العمانية
لا يعرف حجم القلق الذي يتصاعد في دواخل الناس أثناء الحروب إلا من كابد وجع الحروب وعاش دقائق المجهول فيها، لدرجة يمكن وصف حالهم كما قال الشاعر المتنبي (قلق كأن الريح تحتي)، نظرا لخطورة الموقف وتطور الأحداث المتسارعة، والغموض الشديد الذي يسيطر على الأجواء العسكرية والسياسية، ورغم أن العراقيين قد عاشوا أجواء حروب عديدة إلا أن أيام وساعات ودقائق الحرب الأميركية في ربيع العام 2003 تختلف تماما عن الحروب السابقة، إذ اقتصرت حرب السنوات الثمانية مع إيران ( 1980- 1988) على قتال شرس في جبهات الحرب وأحيانا قصف بعض المدن القريبة من الحدود بما فيها العاصمة بغداد ، وحرب العام 1991 اقتصرت في غالبيتها على القصف الجوي، ولم تكن هناك مخططات معلنة للغزو والاحتلال كما هو في حرب 2003 ، لذا سيطرت أجواء القلق الكبير على الكثير من العراقيين منذ أولى ساعات الغزو، فقد كان المجهول يقترب وليس ثمة من يقرأ بدقة من يقف وراء المجهول، وكان القلق الأوسع قد بدأ يتصاعد في الأسبوع الثالث من الحرب ، فالقوات الأميركية لم تحسم الموقف، رغم أن الجنرال الأميركي تومي فرانكس، قد تحدث عن معركة بغداد، وفي اليوم السادس من أبريل/نيسان رفض البنتاجون تسمية الهجوم الأخير، (بمعركة بغداد)، رغم تمكن القوات الأميركية من تأمين هبوط أول طائرة نقل عسكرية من طراز سي 130. وقال مسؤول بالبنتاجون، إن العملية العسكرية الأميركية الجارية الآن في بغداد، هي إظهار للقوة، وليس بالضرورة أن تكون “معركة بغداد”.
مازاد من قلق الناس أن الكثير من مناطق العراق قد أصبحت خارج سيطرة الحكومة المركزية بعد أن خلت من الأجهزة الأمنية والحكومية، ولم يعد هناك أي وجود للسلطة في جميع المدن الواقعة في جنوب العراق، بعد أن زحفت القوات الأميركية بسرعة صادمة نحو العاصمة بغداد التي تقع في وسط البلاد، في حين كان وجود السلطات الحكومية في المدن العراقية الأخرى في حال من القلق والارتباك بعد انتشار أخبار تقدم القوات الأميركية بسرعة ووصولها المطار في بغداد ، كما تم إخلاء الكثير من المقار العسكرية بسبب شدة القصف الجوي الذي استهدفها على مدار الساعة منذ ساعات الحرب الأولى، كما أن غالبية هذه المقار قد تم تدميرها.
ورغم جميع التطورات العسكرية في الميدان، إلا إن القادة العسكريين في وزارة الدفاع الأميركية، تعاملوا بحذر شديد مع هذا الموضوع، لما يشكله من حساسية كبيرة، وابقوا الأبواب مشرعة على الكثير من الاحتمالات، ومن هذا المنطلق، قال متحدث باسم البنتاجون أن تسميتها “معركة بغداد هو غلو غير مناسب في هذه المرحلة”.
لكن على الطرف الآخر في العاصمة العراقية، اختفى الحديث عن هذه المعركة، التي كثفت بغداد الحديث عنها، أيام الحرب الأولى، فمع وصول القوات الأميركية إلى أطراف بغداد، ودخول دباباتها إلى وسط العاصمة، فأن الخطاب السياسي والعسكري العراقي، أخذ يتحاشى الإشارة إلى معركة بغداد الفاصلة، وركز على حشد القوة، والتأكيد على ضرورة التماسك وشد الأزر، لإلحاق الهزيمة بالقوات الأميركية.