1 «غوانتنامو»… ويسألون لماذا يكرهوننا؟ هيفاء زنكنة القدس العربي
إذا كان العالم مشغولا، هذه الايام بمطالبة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باطلاق سراح أطفال المهاجرين، ومعاملتهم بإنسانية، فان هناك حملة مطالبة أخرى، موجهة إلى ذات الادارة، وان لم تكن هي المسؤولة عنها. ففي هذا الشهر من عام 2002، تم افتتاح معتقل غوانتنامو. ولايزال بعد مرور 16 عاما وخمسة أشهر «رمزا للظلم وسوء المعاملة وتجاهل سيادة القانون»، حسب « اتحاد الحريات المدنية الأمريكي». وتعتبر الاوساط الحقوقية هذا المعتقل بداية انحراف مريع في سير العدالة والقانون، في أغلب بلدان العالم، كما على مستوى الشرعية الدولية. لذلك يرون التعامل معه رمزا، أيضا، لاسترجاع المسيرة الحضارية.
يطالب الاتحاد، ومعه العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، باغلاق المعتقل الذي افتتح بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول. كان هدف اقامة المعتقل، في جزيرة غوانتنامو خارج الأراضي الأمريكية، أن يكون «خارج القانون»، بمعنى، احتجاز المشتبهين بالإرهاب، الذين تم بيع معظمهم إلى وكالة المخابرات المركزية، من قبل ميليشيات افغانية، مقابل «جوائز مالية»، ونقلهم للتحقيق، اولا، إلى سجون سرية تابعة للوكالة، في العديد من البلدان، من بينها تايلاند وأفغانستان وبولندا والمغرب، دون وجود ما يثبت مشاركتهم بعمليات إرهابية، واستجوابهم، واخضاعهم للتعذيب والمعاملة الوحشية، وابقاؤهم محتجزين بلا تحديد.
منذ افتتاح المعتقل في عام 2002، أحتجز فيه 800 رجل وصبي، كلهم بلا استثناء من المسلمين، دون تهمة أو محاكمة، حيث قضى العديد منهم ما يقارب العشر سنوات في أقفاص وزنزانات، وتعرضوا، جميعا، للتعذيب الوحشي المهين، من بينه الاغتصاب، والايهام بالغرق الذي تبنته الادارة الأمريكية برئاسة جورج بوش، كأسلوب مقبول للتحقيق، في تحدٍ للقوانين والمعاهدات الدولية التي تنظم معاملة السجناء.
وعلى الرغم من أن المحكمة العليا منحت المعتقلين حق السجناء، بمقتضى الدستور في حزيران/يونيو 2008، إلا أن هذه الحقوق تم إلغاؤها بقرارات من محكمة الاستئناف في الفترة بين عامي 2009 و 2011، مما جعل عملية الاحضار امام المحكمة بلا معنى، بل وزادت من معاناتهم، فالرحلة من وإلى قاعة المحكمة صعبة للغاية، ولا يستطيع الكثيرون الجلوس، لفترات طويلة، بسبب أشكال التعذيب الجنسي الحادة التي تعرضوا لها، حسب تقارير الاتحاد. فحين سمح باجراء عملية جراحية في المستقيم عام 2016 للمعتقل مصطفى الهوساوي، تبين أنه بسبب تعرضه للاغتصاب بشدة بعد اعتقاله في باكستان عام 2003، «كان عليه، عندما يكون لديه حركة أمعاء، للتغوط، أن يعيد إدخال أجزاء من المستقيم عبر فتحة الشرج مرة أخرى إلى تجويفه مما يسبب له نزيفا، وآلاما مبرحًة».
واذا كان تقرير اللجنة الخاصة بمجلس الشيوخ الأمريكي قد وثق بعض أساليب التعذيب التي تعرض لها المعتقلون، فانه لم يذكر التفاصيل كلها، كما تدل شهادة المعتقل الباكستاني ماجد خان التي جمعها محاموه، بعد ان وقع، بعد تعذيبه، على اعتراف بارتكابه خمس تهم، واستعداده للتعاون مع وكالة الاستخبارات. يقول خان ان الوكالة استخدمت أساليب من الاعتداءات الجنسية وأشكال تعذيب اخرى، حيث ابقى المحققون خان معلقا من يديه، عاريا ومغمورا في أحواض من الماء المثلج. «اعتُدي عليه جنسيا وهو معلق عارياً من السقف. هدد المحققون بضرب رأسه وهددوا بالاعتداء على أخته الصغيرة. عاش ماجد في ظلام دامس طوال معظم عام 2003، وفي الحبس الانفرادي من 2004 إلى 2006».
أما المعتقل الموريتاني محمد ولد صلاحي فقد تمكن من تدوين ما مر به، ونشره في كتاب «يوميات غوانتنامو»، موثقا بذلك عشر سنوات من احد أوجه «الحرب الأمريكية على الإرهاب». من بين ما تعرض له الحرمان المستمر من النوم، ومنعه من الصلاة، والانتهاكات الجنسية، والاغتصاب لتلقينه درسا في «الجنس الأمريكي».
واحتجز الصحافي سامي الحاج مدة ستة اعوام ونصف، بالمعتقل، تعرض خلالها لأساليب مختلفة من العذاب «ضرب، أمور جنسية، إهانة ديننا، الحرمان من النوم… من كان يرفض تناول الطعام أو كان يرفض الإجابة على سؤال ما أثناء الاستجواب كان يعاقب. أحيانا يضعون المعتقلين في الماء، حتى يظنوا بأنهم سيموتون… أحيانا مع كلاب… أو مع مخدرات. بعض المعتقلين تم حقنهم بحقن تحرمهم من النوم وتجعلهم يهلوسون». وتزداد المعاملة قسوة إذا ما اضرب المعتقل عن الطعام. حيث يجبر، حينئذ، على التغذية القسرية عن طريق الشرج «لابقاء المعتقل على قيد الحياة»!
اليوم، لا يزال في معتقل غوانتنامو الذي افتتحه وبارك اساليب التعذيب فيه، الرئيس الأسبق بوش عام 2002، 41 محتجزا، ورثهم الرئيس ترامب من سلفه الرئيس اوباما الذي كان واحدا من وعوده الانتخابية اغلاق المعتقل، الا انه لم ينفذ وعده. أطلق ترامب سراح معتقل واحد وهناك تسعة، صدر قرار الافراج عنهم، منذ سنوات، الا انه لم ينفذ حتى الآن. أما البقية، فانهم مصنفون كـ»سجناء إلى الابد». وهو تصنيف جديد خارج طريقة التعامل القانوني « لحرمان فرد من حريته: إما كمشتبه به جنائي، ليتم محاكمته في محكمة فدرالية ؛ أو أسير حرب، محتجز حتى نهاية الأعمال العدائية»، حسب اتحاد الحريات. ولايمكن اطلاق سراحهم الا حسب مزاج الرئيس، أو تغيير قانوني من قبل الكونغرس الأمريكي، أو قرار قضائي تاريخي. ولا يبدو ان أيا من هذه الاحتمالات متوقع تحت ادارة ترامب في الوقت الحاضر.
تركز الحملة الحالية على مطالبة ترامب على توجيه الاتهام أو إطلاق سراح أولئك الذين ما زالوا محتجزين، ومن ثم اغلاق المعتقل. اذ ان «كل يوم يظل غوانتنامو فيه مفتوحًا، هو علامة سوداء ضد فكرة أمريكا عن نفسها كدولة تقوم على سيادة القانون»، وان استمرار الحكومة الأمريكية في إدامة أسطورة «حرب بلا نهاية»، كمبرر مفترض لاحتجاز السجناء إلى أجل غير مسمى، من دون تهمة أو محاكمة « سياسة لا مبرر لها خاصة بعد ان اثبتت فشلها الكارثي على عدة جبهات». ويكفي ان ننظر إلى ما حدث في أبو غريب، وفي معتقلات التعذيب بالنيابة، المنتشرة كالبثور في الدول التابعة لسياسة الحرب الأمريكية على الإرهاب، حتى ندرك حجم العواقب على العالم وعلى أمريكا نفسها، جراء سياستها الخارجية، المتمثلة، بين أمثلة أخرى، بغوانتنامو وبدلات معتقليه البرتقالية.
2 تقييم حركة مقتدى الصدر العراقية كمال مجيد راي اليوم بريطانيا
ظهرت حركة مقتدى الصدر مباشرة بعد احتلال العراق سنة 2003 وخاضت معارك سلمية ومسلحة ضد الاحتلال ومرتزقته من امثال اياد علاوي وابراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي في مدينة الثورة في بغداد وفي النجف والبصرة. لقد استخدم هؤلاء الدين بل الطائفة لوصف مقتدى بـ ” الدجال ” او ” الابليس″ وهو الذي رد عليهم وعلى شاشة التلفزيون بـ (( فشل الحكومة الدينية. ))
وبمرور الزمن اعترف العراقيون والاستعماريون بكون حركته جماهيرية ضرورية ظهرت وترعرت لحاجة العراقيين اليها. ولهذا السبب بالذات اختص الاعلام العالمي والعراقي بنشر العديد من التحاليل حولها. منها، مثل مجلة نيوزويك الامريكية، تعادي الحركة بشدة ومنها ما تمدحها. وبعد حصول ائتلاف ” السائرون ” بقيادة مقتدى الصدر على المرتبة الاولى في الانتخابات العراقية الاخيرة من الضروري القيام بتقييم هذه الحركة باسلوب موضوعي معتمدا ًعلى المصادر المتوفرة. فمثلا ً كتب البروفسور العراقي ميثم الجنابي يقول: (( نشأت هذه الحركة من صلب الواقع العراقي وزمن الانحطاط الشامل فيه. من هنا احتواءها على كل متناقضات الوجود التاريخي للعراق المعاصر. لكنها تناقضات تحتوي في أعماقها على صعود الحالة المتصادمة لنفسية وذهنية “الداخل” و”الخارج”، بوصفها الحالة الوجودية لتيارات مصطنعة لكنها فعلية بسبب سيادة الزمن التوتاليتاري والدكتاتوري. فقد صنع هذا الزمن مقدمات التجزئة والانحطاط، بحيث جعل من سيادة الأطراف والهامشية والأقلية في تاريخ العراق الحديث والمعاصر أمرا ممكنا. مع ما ترتب عليه من إضعاف وإنهاك لفكرة المركز الثقافي والمركزية الدولتية، وبالتالي صعود الغرائز وأولوية العائلة والقبيلة والجهة، أي كل أشكال البنية التقليدية، ومختلف أشكال الصراع الهمجي.
ولعل “أعلى” النماذج “المتسامية” لهذه الظاهرة يقوم في بروز صراع وتناقض “الداخل” و”الخارج” في الفكرة الوطنية. لكنه صراع واقعي، وذلك بسب طبيعة الانقطاع في الفكرة الوطنية وتهشم الفكرة العامة في ظل الإحكام المطبق للدكتاتورية وقمعها الشامل. فقد كان اللاضم الفعلي للكلّ هي قوى القهر والإجبار. لكنها قوى لا تصنع في الواقع غير آلية التجزئة. وحالما تستحكم في بنية السلطة، فإنها تتحول إلى “سياسة” تشمل كل شيء. أما النتيجة فهي الغربة والاغتراب ، التي واجهها العراق ، عارية كما هي.
فقد كان إسقاط السلطة الصدامية بالنسبة للولايات المتحدة جزء من إستراتيجيتها الخاصة ومصالحها الكونية. من هنا استحالة تناسق العملية الاجتماعية والسياسية لإعادة بناء الدولة والأمة مع الخطة الأمريكية المتقلبة من البحث عن “أسلحة الدمار الشامل” إلى “الإطاحة بالدكتاتورية” إلى “بناء الديمقراطية” و”نموذج الدولة العصرية في الشرق الأوسط”..
فقوى الداخل هي كمية من الاغتراب الاجتماعي الهائل، بينما قوى الخارج هي نوعية الاغتراب الشامل. من هنا استحالة الاتفاق والاتحاد وما شابه ذلك. ولم يكن بإمكان هذه الحالة أن تنتج بعد سقوط الدكتاتورية المفاجئ غير مختلف نماذج الهياج اللاعقلاني. وبدأ ذلك بنهب وسرقة وحرق كل ما كان يواجه أو يعترض الجسد الفردي والجماعي، ومطاردة كل ما كان يثير في الغريزة شهوة الاندفاع حتى النهاية.
من هنا تحول اندفاع قوى “الخارج” صوب مراكز القوة والسلطة والمال ومن ثم تصنيع نفسية الغنيمة، بينما كان اندفاع قوى “الداخل” يعادل صيرورة التكون والنشوء والنمو العاصف. وهي عملية كانت تعي نفسها وتتحسسها على أنها مواجهة وتحد واستمرار لقيم التضحية، مع ما يرافقها من شعور “متسام” للانتقام والثأر. وشأن كل تناقض واختلاف من هذا القبيل له مقدماته المشوهة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، الذي أعطى له الاحتلال الأمريكي طابع الهجوم الكاسح.
لقد تحول رجوع قوى الخارج المعارضة إلى رجوع قوة مغتربة وكاسحة من اجل السلطة، بينما كان صعود قوى الداخل أشبه ما يكون ببركان هائج. من هنا سرعة الاتهام الواضحة لمعارضة “الخارج” تجاه قوى “الداخل”. لقد وجدت قوى “الخارج” نفسها بمكان العائلة الصدامية وقصورها وثرواتها وسطوتها. من هنا احتقارها للقوى التي نشأت من رحم الحياة العراقية. وهي الصيغة الجلية في نمط ونوعية الازدراء السياسي والاحتقار للصدر والحركة الصدرية وغيرها من حركات العراق الفعلي.
لقد كان تناقض قوى “الداخل” و”الخارج” هو تناقض بين نفسية الغنيمة وذهنية التضحية. فالغنيمة هي الصفة الملازمة لهجوم الأقلية المحكومة بنفسية وذهنية السرقة، بينما التضحية هي التزام الأغلبية تجاه نفسها بمعايير المستقبل. ومن الممكن تأمل ورؤية هذه العملية الطبيعية في كل التحولات العاصفة للدول. إضافة لذلك أنها العملية الوحيدة القادرة على إرساء أسس الرجوع إلى مكونات الدولة والأمة. وشأن كل عملية معقدة ومتناقضة لا يمكن حلها إلا بصعود فكرة الأغلبية. وفي ظروف العراق الحالية لم يكن بإمكانها أن تظهر الا بصورة الأغلبية الشيعية. من هنا يمكن فهم سرّ الصعود المفاجئ والعنيف للحركة الصدرية.
لقد كانت الحركة الصدرية، حركة الأغلبية المهمشة، وقوى الداخل العراقي. فقد بدت هذه الحالة غريبة بالنسبة لأعين القوى السياسية التي تعودت على التعامل مع العراق وواقعه في “جلساتها” و”مؤتمراتها” في القصور والفنادق المدفوعة الأجر من جانب الدول الأجنبية وأجهزتها الأمنية واستخباراتها العسكرية. إذ لم يكن بإمكانها توقع “منافسة” اجتماعية سياسية، لأن السياسة بالنسبة لها هو تحزب لا علاقة له بالمجتمع. وليس مصادفة أن تتحول شخصية الصدر والحركة الصدرية إلى ميدان كل التجارب الممكنة للصراع العقلاني واللاعقلاني. وتكمن أسباب هذه الظاهرة في كون الحركة الصدرية هي تيار الداخل، وتيار المواجهة للمحتل.
فقد أثارت الأبعاد الذاتية للحركة الصدرية بوصفها تيار الداخل العراقي، ردود الفعل الظاهرة والمستترة لقوى الخارج التي حاولت كل بمقدار ما فيها من “نقص عراقي” تبرير بقاياه المقلقة للعقل. فالأغلبية تتفق وتتحد على عدائها المبطن والعلني للحركة الصدرية. والجميع تحس بحكم الغريزة والتجربة بالجذور العراقية الأصيلة للحركة الصدرية. من هنا استغرابهم من ظهور شخصية مقتدى الصدر والحركة الصدرية المفاجئ، وتحولهما إلى قوة عارمة ورمز من رموز التيار العراقي العام، بحيث أصابت بالحيرة اغلبهم. من هنا عدم رؤيتهم فيها شيئا غير كونها “حركة تخريبية” وقوة معرقلة “للديمقراطية”، أي أنهم لا يريدون “منافسا” و”معارضا”!! لكن إذا كانت الأدوار والقدرة لا تناط بالرغبة، فان الصدر والحركة الصدرية أخذت تمد جذورها وتمتد في أصقاع العراق، وتمتص رحيق وجودها من وجوده المهمش والخرب. وهي حالة متناقضة ومشوهة لحد ما، لكنها جلية جلاء الحركة وأتباعها.
فقد استغربت قوى “الخارج” إمكانية نشوء حركة “بين ليلة وضحاها”، وبروز مقتدى الصدر ذو الثلاثين عاما بإمكانياته “العلمية المحدودة”، على خلفية “كوكبة من السياسيين العراقيين المعروفين بتاريخهم النضالي”. وهي عبارة تحتوي فيما يبدو على استمرار مبطن يطابق بين “التاريخ النضالي” والمعرفة! ولكي لا تكون هذه العبارة محل استهزاء وسخرية من هنا عادة ما يجري إلصاق الجهل بالصدر من اجل إبراز “العلم” المبطن لشخصيات لا تتعدى حقيقتها في أفضل الأحوال وصف “أنصاف المتعلمين”.
وبما أن السياسي في العراق لا يتفاخر بالعلم والمعرفة بسبب قدرتهما على إثارة الشكوك، من هنا يقين “تيار الخارج” بان سرّ الصعود الفعلي للصدر والحركة الصدرية ينبغي البحث عنه في “الخارج”. والمثير في هذا “الدليل” هو اشتراك القوى المناوئة جميعا على اعتبار إيران هي المصدر! بعبارة أخرى لقد وجدت قوى الخارج في إيران مصدر العصا السحرية التي جعلت حركة من كان لا شيء كل شيء! وتعكس هذه النتيجة تاريخ “تيار الخارج” الذي تعود على استمداد قوته من الخارج!
فقد ارتبطت هذه القوى من الناحية التاريخية والسياسية بقوى خارجية عديدة، اغلب الأحزاب الشيعية بإيران، والشيوعيون بالاتحاد السوفيتي أولا و”بالامبريالية” الأمريكية لاحقا! أما الحركات الكردية فقد كان حبلها السري وما يزال مرتبطا بجذور ضعفها الذاتي والاستعداد السافر للارتماء بأحضان القوى الخارجية. من هنا تنوع سجلها الكبير، من الاتحاد السوفيتي إلى إيران، ومنهما إلى تركيا وسوريا، ومن وراءهما جميعا إلى إسرائيل والموساد، وأخيرا إلى ارتماء عبودي مطلق تحت أقدام الولايات المتحدة. ليس هذا فحسب، بل أن جميع هذه القوى جاءت إلى سدة الحكم بفعل الغزو الأمريكي وعلى حرابه ودباباته وتحت غطاء نيرانه “الصديقة”! من هنا غرابة الاتهام “الديمقراطي” و”الليبرالي” للحركة الصدرية بارتباطه بإيران! ولنفترض أن الأمر له نصيب من الصحة، فلماذا يصبح الارتباط بالخارج معقولا ومقبولا لهم وغير معقول لغيرهم!!
فقد كانت وما تزال “قوى الخارج” مدعومة وممولة بقوة السلاح والمال الأمريكي، الذي تبدو “المساعدات الإيرانية” أمامه شيئا زهيدا وتافها.
إن “قوى الخارج”، أي قوى الغنيمة العابرة تعجز عن رؤية إمكانية العراق الذاتية. من هنا شكوكها بما فيه، ويقينها بعقمه الذاتي! كما لو أن الوليد “الشرعي” الممكن و”الوحيد” هو أما دكتاتورية الأطراف الهامشية أو “نيازك” “المناضلين” المتساقطة في ظلماء الزمن الخرب للعراق! وما عداها “نغل” الدعم الإيراني!! أنها رؤية العقول المرعوبة ! لقد تعودت على “مساعدة” الخارج، من هنا عجزها عن رؤية البدائل الممكنة من داخل العراق، كما لو أن تاريخه الحقيقي هو تاريخ “الخارج”.
لقد نشأت الحركة الصدرية وظهرت من تحت ركام مدن العراق المهمشة والخربة والأرياف التالفة، وعقود الزمن الدكتاتوري، والعنف الاجتماعي، والعوز الاقتصادي، والحروب الداخلية والخارجية، والحصار، والظلم والضيم والشقاء والبؤس المادي المعنوي. فهي المصادر الفعلية، أو العصا السحرية لصعود التيار الصدري. وفيها أيضا يكمن سرّ كونه تيار المواجهة للمحتل. وهي المواجهة التي تحسستها قوى الاحتلال فيما يسمى بمقتل عبد المجيد الخوئي، التي بلغت ذروتها المكشوفة بعد عام من الاحتلال، في مجرى معركة النجف الكبرى في أواسط شهر مايس عام 2004. وفيها تكشفت طبيعة وحجم الخلاف “المستقبلي” بين الحركة الصدرية والاحتلال الأمريكي.
وليس مصادفة أن تتراكم الصورة “البشعة” للصدر في المخيال السياسي الأمريكي، الذي وجد انعكاسه النموذجي في مانشيت أسبوعية نيوزويك الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 5 ديسمبر 2006 التي رسمت على غلافها صورة لمقتدى الصدر تجعله اقرب إلى الخيال الشعبي المشبع بنماذج الكليشات الأمريكية المسطحة عن القتلة والمجرمين. ولم يكن عنوانها “أخطر رجل في العراق”، سوى المظهر النموذجي لرؤية “الخطر” الكامن والقادم بالنسبة للمشاريع الأمريكية في العراق. وقد حددت هذه الرؤية في اغلب جوانبها الدعاية الأمريكية والمواقف العملية من الحركة الصدرية من حيث كونها إحدى القوى العراقية الكبرى المعادية للاحتلال. وليس مصادفة أن تجري المطابقة بين “فرق الموت” و”جيش المهدي”. رغم الخلاف الجوهري بين الاثنين. ففرق الموت هي لعبة أمريكية، بينما “جيش المهدي” فكرة عراقية. من هنا سخافة الفكرة الأمريكية التي ترسم ملامح “جيش المهدي” بمعايير العصابات والمافيا من خلال مطابقة مهمته مع نماذج الابتزاز المميز لعمل المافيات الصغيرة، مثل جباية الأموال مقابل توفير الحماية الشخصية للمواطنين (مثل أن يدفع أحد الأشخاص 13 دولارا في الشهر مقابل حمايته!! إضافة إلى استيلائه على محطات الوقود واسطوانات الغاز والخمس التي تجمع في المساجد!) وتتسم هذه الصورة بقدر كبير من السذاجة المدبجة للقارئ الأمريكي. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن “شركات الحماية” الأمريكية (شركات المرتزقة ومحترفي القتل) تدفع وتستلم المليارات مقابل الابتزاز الدائم للدولة والسلطة والمجتمع والمستقبل العراقي!
غير أن الدعاية الأمريكية المحكومة بالسياسة العملية الهادفة إلى إضعاف الجميع عادة ما تبرز بعض الجوانب اللاعقلانية المتأججة في مجرى الصراع الدموي واستعماله عند الحاجة تجاه هذا الطرف أو ذاك. وقد كانت الحصة الأكبر من هذا النمط الدعائي السياسي موجه ضد الصدر والحركة الصدرية. بحيث جرى تحويل الصدر من ممثل التيار الوطني العربي العراقي العام إلى ممثل “التطرف الشيعي الطائفي” في مواجهته “للسّنة”. رغم أن ردود فعل التيار الصدري كانت في اغلبها محاولة لتحجيم التيار التكفيري والأصولي المتطرف والإرهابي المسلط على رقاب العزل والمواطنين العاديين. وقد خاض هذه الحرب على جوانب المجرى العام للفكرة الصدرية التي تضع أولوية العداء للاحتلال، وجوهرية القرار الوطني العراقي المستقل. وليس مصادفة فيما يبدو أن يشترك التيار الأصولي التكفيري الإرهابي ومختلف نماذج الطائفية السياسية “السنّية” في التقييم العام والخاص للحركة الصدرية مع المواقف الأمريكية وتقييمها. والسرّ يكمن في أن الحركة الصدرية كانت من حيث شروط ظهورها التاريخي والسياسي تمثيلا نموذجيا لما أسميته بتيار الانتقام التاريخي، أي تيار الانتقام والثأر التاريخي من الطائفية السياسية للدكتاتورية الصدامية وزمن الإجحاف التاريخي لفكرة الدولة والأمة والمواطنة، أي كل ما وجد انعكاسه في ظهور وتبلور نفسية وذهنية الأقلية الحاكمة والمتسلطة والأغلبية المحكومة والمقهورة. ومن ثم لم يكن تقييم وممارسات الطائفية السياسية السنية بمختلف نماذجها العلنية والمستترة سوى الصيغة الأيديولوجية لفقدان السلطة والسطوة. من هنا أولوية وجوهرية عدائها للحركة الصدرية. فالعداء للاحتلال الأمريكي هو مجرد شكل من أشكال المراوغة والمزايدة العلنية. لكنها مزايدة بدون رصيد وطني واجتماعي فعلي. من هنا طابعها الدموي التخريبي والمعادي للفكرة الوطنية والعربية الجامعة.
فالتقييم والصور التي تتفنن بها الطائفية السياسية “السنيّة” في موقفها من الصدر والحركة الصدرية عادة ما تعدو حذو النعل بالنعل لما ترسمه الدعاية الأمريكية مع تلوين فاقع! ولكن من خلال إبراز ما تدعوه بالدور الإيراني. وهو “دور” عادة ما يتخذ صيغة الهوس الأيديولوجي، بحيث جرى تركيب مختلف السيناريوهات الهادفة إلى شيء واحد – الاتهام والشتيمة! بل جرى رفع إيران والدور الإيراني إلى مصاف القوة العملاقة الوحيدة القادرة على إدارة شئون الحرب والسلم في العراق!
بعبارة أخرى لقد حولوا إيران إلى شيطان العبث الشامل في العراق، بحيث تبدو الولايات المتحدة مقارنة بها ملاكا صغيرا. أما الدول العربية، فإنها مجرد أقزام عليلة أو هباء منثور! وهي صورة شنيعة لا مخرج لكمالها بغير البحث عن الأصول الإيرانية لمقتدى الصدر! وقد كانت تلك صيغة اقرب ما تكون إلى المواقف العنصرية المعجونة بطائفية سياسية تتعارض من حيث الجوهر مع فكرة العراقية والقومية العربية الثقافية.
أما من الناحية السياسية، فان تضخيم الدور الإيراني ما هو في الواقع سوى الوجه الآخر لفقدان السلطة الطائفية. فالعدو الجوهري من وراء هذه الاتهامات والمواقف الأيديولوجية هو شيعة العراق، أي القوى التي “صادرت” سلطة الطائفية السياسية “السنّية”. وبالتالي لا تعني فكرة القضاء على “الصفوية” في العراق سوى استعادة السلطة المفقودة. بمعنى أن محركها لا علاقة له بالوطنية والقومية والدين. على العكس أنها تقف في تعارض شامل مع هذه المكونات. الأمر الذي جعل من مواقفها تجاه الحركة الصدرية اقرب ما يكون إلى خليط غريب للنزعة العنصرية والطائفية. من هنا لم يكن بإمكانه صناعة شيئا غير مسخ الكراهية العمياء والانجرار وراءها، كما نراه في نوعية وكمية الأساليب الإرهابية التي جرى “ابتداعها” وتنفيذها ضد الأحياء والأموات أيضا!
إن تحول الحركة الصدرية إلى هدف التجريح والتشويه، والنقد والاتهام، والشتيمة والحقد، والابتزاز والمؤامرة، والمواجهة والصراع، والقتل والإبادة، يعكس ما أسميته بتمثلها لتيار التضحية الوجدانية والاجتماعية. ويستمد هذا التمثل مقوماته من واقع العراق وتاريخه العريق.
وليس مصادفة أن تتصدر “بؤرة” التشيع التقليدي في “حوزتها العلمية” ومؤسساتها التابعة موجة المعارضة الخفية ضد الحركة الصدرية، عندما انطلقت من ألف باء “العلم” باتهامها الصدر بمختلف الأوصاف المبتذلة، وانتهاء بحبك مختلف المؤامرات الصغيرة والكبيرة ضده. وبدأت هذه المؤامرات بإصدار منشور يسعى لتحصين الإرث التقليدي للعائلات الدينية المتسيدة، باسم “أبناء النجف الشرفاء”!! يتناول تحديد حدّ وحقيقة “جيش المهدي” بوصفه تطاولا على إرثها المقدس! وقد ورد فيه العبارات التالية “يتألف (جيش المهدي) من عناصر مشبوهة لفوا رؤوسهم بخرق بيضاء وسوداء لإيهام الناس على أنهم رجال دين بينما هم في الواقع مجرد شياطين… الإمام المهدي لا يحتاج إلى أي جيش من اللصوص، النهابين، والمنحرفين تحت قيادة أعور الدجال”.
لقد تحول “جيش المهدي”، أي شباب الأرياف والمدن المسحوقة إلى لصوص ونهابين ومنحرفين! أما قياداته الوسطى فمجرد “عناصر مشبوهة” لفت على رؤوسها خرق بيضاء وسوداء! بينما تحول قائدها إلى “دجال اعور”! وهي توصيفات وتشبيهات لها دلالتها السياسية والثقافية والاجتماعية. فقد كان يشق على المؤسسة التقليدية رؤية هؤلاء المهلهلين يتطفلون على “علومها” وموقعها وتأثيرها الروحي والسياسي والاجتماعي. فقد وجدت البنية التقليدية للمؤسسة الدينية الشيعيةوعائلاتها في الجموع لصوصا، وفي قيادتها شياطين، وفي قائدها دجالا اعور! وهو عين التقوقع السياسي والاجتماعي والثقافي عمن تتهالك المؤسسات التقليدية لتقديم نفسها بوصفها ممثلهم الشرعي الحقيقي الوحيد! وتعكس هذه الظاهرة ما يمكن دعوته بالصيغة “الروحية” الملطفة والعادية لنفسية وذهنية الدكتاتورية المتغلغلة في كل مسام الوجود العراقي. من هنا تخوفها وهلعها من صعود “الغوغاء” وظهور “الدجال”، أي من القوة القادرة ليس فقط على مشاركتها زكاة الروح والجسد، وخمس الأعمال والنيات، بل واحتمال استبدالها بطور وجيل آخر. لاسيما وأن ملامح هذه الفكرة كانت تلوح في العبارة المقتضبة للحركة الصدرية التي وجدت في نفسها ممثلة “الحوزة الناطقة”، أي النفي العملي “للحوزة الصامتة”.
لقد بدت الحركة الصدرية كما لو أنها عنقاء الثورة التي أخذت تنافس من خلال تمثلها وتمثيلها “للحوزة الناطقة” و”المهدي المنتظر” مختلف مؤسسات وأشخاص “المرجعية الدينية”. إذ وجدت هذه المؤسسات والأشخاص في الحركة الصدرية منافسا شاملا لها هو عين “الدجال الأعور”! وليس مصادفة أن يبدأ الصراع بين الحركة الصدرية وتيار “المرجعيات” التقليدية بعد يوم من سقوط السلطة الصدامية وبروز شخصية عبد المجيد الخوئي وعلي السيستاني. فقد كان الأول “ليبرالي” الخارج الموالي للسيطرة الأمريكية، بينما كان الثاني سليل البنية التقليدية الهادئة وتقاليد التقية. من هنا ابتداء الصراع بمقتل عبد المجيد الخوئي، الذي جرى توجيه أصابع الاتهام فيه للحركة الصدرية. وسوف يقتل لاحقا الكثير بما في ذلك “شهيد المحراب”. بعبارة أخرى، أنها ظاهرة لا علاقة للحركة الصدرية بها بقدر ما أنها كانت تشكل بعض مظاهر التضحية الحتمية “للانتقام التاريخي”، أي احد مظاهر البركان الاجتماعي الهائج. فعندما جرى قتل الخوئي في 10 نيسان 2003 ، فان الأعين “الفاحصة” للاتهام المبتذل توجهت صوب البحث عن “أسراره” في “الصراع حول قبر الإمام علي وسرقة محتوياته”! وقد لا يخلو هذا الواقع من صواب نسبي، لكنه لا علاقة له بحقيقة المجرى العام للاندفاع العارم للأغلبية من اجل تجسيد نفسها بأسرع وقت في ظل الفراغ الهائل الذي استتبع سقوط الدكتاتورية الصدامية. وهو فراغ ملأته قوى “الخارج” المندفعة شأن السيول وقت الأمطار العاصفة.
وشأن كل انتقال من الخراب إلى العمران، لا يمكن لعمارته أن تكون نموذجية. على العكس! أن أنموذجه الضروري يكمن في إشراك الجميع بالحركة والبناء. وقد تجسّدت هذه الحالة بصورة نموذجية في صعود الحركة الصدرية وأمثالها في ظروف العراق الجديدة. وذلك لأنها كانت تتمثل بصورة تلقائية عملية التحول العاصف. وهو السبب الجوهري الذي أثار لغط الحديث وسفاهة الاتهام وابتذال التقييم حول “سرّ” و”لغز″ الحركة الصدرية. لكنه لغز يمكن فهم أسراره في ظاهرة التقاء بقايا السلطة الصدامية ومعارضة الأمس المتربعة على سدة الحكم في العداء للحركة الصدرية، أو الاستهجان المشوه من جانب مختلف الحركات المناهضة للاحتلال والنظام السياسي الصنيع في ظروف العراق الحالية التي لا ترى في الحركة الصدرية شيئا غير أداة من أدوات السياسة الإيرانية في العراق، أو يدها الضاربة في معاركها الجانبية مع الولايات المتحدة.
ومن الممكن العثور على إحدى الصيغ النموذجية لهذا النوع من التحليل في المقالات والأبحاث التي حاولت وتحاول تحديد مواقفها وتقييمها للحركة الصدرية بمعايير الرؤية “الجيوسياسية” الإستراتيجية، أي تلك التي تحاول تحديد مضمون الحركة الصدرية بوصفها لعبة أو أداة بيد “المحافظين الإيرانيين” في صراعهم مع الولايات المتحدة. بينما تشطب هذه المقدمة مسبقا كل خصوصية الواقع العراقي وتاريخه السياسي والاجتماعي الحديث والمعاصر. وارتباط كل ذلك بطبيعة ومستوى وحجم الصراع الإقليمي والعالمي الذي خاضه العراق على امتداد تاريخه الحديث. إضافة إلى عدم أخذها بنظر الاعتبار خصوصية الحركات الإسلامية في العراق وكيفية تشكلها وطبيعة تراثها الروحي والعقائدي والاجتماعي. باختصار، أن الرؤية التي تجعل من صعود الحركة الصدرية وآفاقها جزء من احتراب “المحافظين الإيرانيين” مع الولايات المتحدة هي مجرد تبسيط فج وتسطيح مفتعل للأحداث بمصطلحات “الجيوسياسة”. إن كل التناقضات المميزة للحركة الصدرية هي جزء من تناقض العراق وانحلال مرجعياته الوطنية والاجتماعية والثقافية والسياسية في مجرى سيطرة واستحكام التقاليد الراديكالية بشكل عام والدكتاتورية الصدامية بشكل خاص.))
أما في الواقع، فأن “لغز” الحركة الصدرية هو جزء من “لغز” العراق الحالي، أي من كمية ونوعية التناقضات الهائلة فيه، التي تجعل من الصعب تحديد ما يجري فيه بطريقة “منطقية”. وسوف تبقى هذه الظاهرة والحالة لفترة زمنية طويلة نسبيا. لكن مسارها العام يتوقف على طبيعة التحولات اللاحقة في بنية الدولة والسلطة والمجتمع والاقتصاد والثقافة، وكذلك على طبيعة التحول المحتمل في الحركة الصدرية نفسها. فهي المعادلة المعلقة على آفاق المستقبل. بمعنى أن إمكانية تعليقها على كعبة البدائل يتوقف على كيفية كتابة وغناء أبياتها. وحالما تكتمل قصيدة الحركة الصدرية، حينذاك يمكن معرفة ما إذا كانت معلقة حقيقية أو مجرد كلام منظوم من قاموس اللغة، بلا وجدان ولا عرفان!)) بهذه المناسبة اود ان ابعث شكري الجزيل للأخ البروفسور ميثم لدراسته القيمة.
3 مستجدات خارطة التحالفات السياسية في العراق احمد صبري
الوطن العمانية
بعد اجتماع استمر لنحو ثلاث ساعات، بين الصدر والعبادي أعلن الطرفان في مؤتمر صحفي مشترك عن تشكيل تحالف بين كتلتيهما، وهو تحالف عابر للطائفية والإثنية للإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة يستند على نقاط ومبادئ مشتركة بما يضمن مصلحة الشعب العراقي.”
وضع التحالف الجديد بين زعيم التيار الصدري ورئيس الوزراء حيدر العبادي اطراف العملية السياسية امام مشهد جديد قد يقلب المعادلة الانتخابية ويعيد رسم الخارطة السياسية.
التحالف بين مقتدى الصدر ورئيس الوزراء حيدر العبادي كسر الجمود الذي رافق العملية السياسية منذ تصويت مجلس النواب على تعديل قانون الانتخابات وما تبعها من مواقف للمحكمة الاتحادية التي رأت أن القانون صحيح.
وبعد اجتماع استمر لنحو ثلاث ساعات، بين الصدر والعبادي أعلن الطرفان في مؤتمر صحفي مشترك عن تشكيل تحالف بين كتلتيهما، وهو تحالف عابر للطائفية والإثنية للإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة يستند على نقاط ومبادئ مشتركة بما يضمن مصلحة الشعب العراقي.
وكان تحالف الصدر قد تحالف مع الفتح برئاسة هادي العامري قبل خطوة الصدر الأخيرة المنفتحة على العبادي.
ويأمل العبادي الاحتفاظ بمنصبه وهو ما ترفضه الكتل الأخرى الفائزة بالانتخابات الا ان تحالفه مع الصدر انعش اماله بتجديد ولايته.
واستغرب مراقبون من عدم الإشارة الى تحالف سابق بين الصدر وتيار الحكمة وائتلاف الوطنية في أي بيان صادر عن الصدر خلال تحالفيه مع العامري ومن بعده العبادي ووسط هذا الغموض، يمكن لتلك الكتل التي تحالفت مع الصدر إذا ما اجتمعت، جمع 183 مقعدا، بما يضمن لها غالبية نيابية في البرلمان بعدد 329 نائبا، ما يسمح لها بتسمية رئيس الحكومة الجديد.
. وفي معرض تبريره لتحالفات الصدر قال مصدر في التيار الصدري ان كلّ الاتفاقات السابقة المعلن عنها سارية ونافذة، وأكملتها خطوة تحالف النصر وسائرون وأن الأبواب مفتوحة لمن يؤمن بالإصلاح، وسيتم الإعلان عن الكتلة الاكبر قريبا لتشكيل الحكومة المقبلة.
من جانبه أعلن ائتلاف النصر الذي يتزعمه العبادي، أن التحالف جاء تتويجاً لحوارات ومساعٍ وتفاهمات عميقة، معرباً عن أمله بأن يكون نواة صلبة للكتلة الأكبر.
وقال مصدر مخول في ائتلاف النصر إن التحالف الذي أعلن بين النصر وسائرون جاء تتويجاً لحوارات ومساع وتفاهمات عميقة، ونأمل ونعمل على أن يكون نواة صلبة للكتلة البرلمانية الأكبر ، وطبقا لهذا الفهم لمسار تحركات الصدر تجاه الأطراف السياسية الفائزة بالانتخابات فان التحالف بين العبادي والصدر سيكون بمثابة الرافعة السياسية بعد أن تم التفاهم على معالم وأسس المرحلة المقبلة وان الانفتاح والحوار قائم مع جميع الكتل لبلورة الصياغات النهائية لأسس وهياكل المرحلة السياسية بما فيها إدارة فعل الدولة وملفاتها.من جهة أخرى، فأن ائتلاف النصر يرى أن مشروع قانون تمديد عمر مجلس النواب فيه خلاف دستوري، ولنا في عام 2010 سابقة، حيث انتهت مدة البرلمان واستمرت الحكومة تسعة أشهر من دون غطاء برلماني، وقد اتفق الجميع حينها على عدم دستورية تمديد عمل البرلمان،وأن المحكمة الاتحادية هي الفيصل في قضية مشروعية التمديد من عدمه
ومابين المسافة بين تحالفات الصدر مع الأطراف الأخرى يقف العبادي منتظرا ماستؤول اليه تحركات الصدر ليقرر الخطوة التالية أما الانخراط معه للظفر بولاية جديدة أم يتحول الى معارضا مدعوما من القوى السنية التي مازالت لم تحسم موقفها من التعاطي مع أي طرف من هذه التحالفات.