5 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 الأزمة الإيرانية في العراق خيرالله خيرالله العرب بريطانيا

تستطيع إيران أن تهدم. تستطيع تغيير طبيعة مدن ومناطق عراقية عن طريق عمليات تطهير ذات طابع مذهبي. تستطيع الاستعانة بداعش كي تقضي على مدينة عريقة مثل الموصل. لكن ذلك كله لا يعني أن لديها مستقبلا في العراق.
ايران غير راضية عن نتائج الانتخابات التشريعية
باستثناء ثابت واحد، لا أحد يستطيع الإجابة عن سؤال في غاية البساطة: ماذا يجري في العراق؟
الثابت الوحيد أن إيران غير راضية عن نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في الثاني عشر من أيّار – مايو الماضي وهي مصرّة على أن يكون العراق مستعمرة تدارُ من طهران، على الرغم من أن ذلك مخالف للطبيعة بكل المقاييس. نفذت إيران انقلابا على نتائج الانتخابات العراقية بغية تحقيق غرضها. يعود ما نشهده اليوم من فوضى على كلّ صعيد إلى أن فصول الانقلاب الإيراني تتوالى بسرعة، وصولا إلى البحث في تمديد ولاية مجلس النواب الحالي. هذا يعني صراحة فشلا ذريعا للنظام السياسي القائم الذي أسس له الاجتياح الأميركي في العام 2003. أكثر من ذلك، لم يستطع الاجتياح الأميركي تحقيق أي هدف من الأهـداف المعلنة التي تحدّث عنهـا الرئيس جورج بوش الابن وكبار المسؤولين في عهده، على رأسهم ديك تشيني الذي نظّر لقيام عراق جديد على أنقاض النظام الذي كان قائما. فبعد مرور خمسة عشر عاما على سقوط نظام صدّام حسين، لا يزال العراق يبحث عن نفسه. لم يطرأ أي تحسن على الوضع العراقي في غضون خمسة عشر عاما. كل ما هو مطروح في الوقت الراهن، منذ بدأ التشكيك بنتائج الانتخابات بما في ذلك إحراق قسم من صناديق الاقتراع، يؤسس لحرب أهلية وليس لقيام دولة المؤسسات التي وعد بها الأميركيون. أطلق المسؤولون في إدارة بوش الابن كل أنواع الوعود في سياق تبريرهم للحرب على العراق التي بدأت في آذار – مارس 2003 وتوجت بإسقاط تمثال صدّام في التاسع من نيسان – أبريل، ثم بفرار الرجل واعتقاله في مخبأ تحت الأرض وصولا إلى إعـدامه من منطلق مذهبي ضيّق مرتبط برغبة “حزب الدعوة الإسلامية” في الانتقام. وعدت الولايات المتحدة بأن يكون العراق نموذجا لما يفترض أن تكون عليه دول المنطقة، أي دولا ديمقراطية لا تمييز فيها بين مواطن وآخر. تبيّن مع مرور الوقت كم كانت أميركا وشريكتها في الحرب، بريطانيا، تجهلان ما هو العراق. كان الاعتقاد السائد أن بريطانيا تعرف كلّ شاردة في جنوب العراق، خصوصا التركيبة العشائرية في تلك المنطقة التي وضعت تحت إشرافها. ما كشفته طريقة تصرّف البريطانيين في جنوب العراق أنهم لا يعرفون شيئا لا عن تلك المنطقة ولا عن مدى التغلغل الإيراني في العراق. ليس الانقلاب الذي نفذته إيران في العراق، على نتيجة الانتخابات تحديدا، سوى تعبير عن رفضها الاعتراف بالواقع المتمثل في أن العراق لا يمكن أن يُحكم من طهران. تبدو إيران في الوقت الحاضر أقرب إلى طفل انتزعت منه لعبة أو دمية كانت بين يديه. هذا ما يفسّر إلى حد كبير تلك التصرفات الصبيانية التي في أساسها رفض الاعتراف بأن العراق هو العراق وإيران هي إيران. لم تقبل إيران واقعا متمثلا في أن العراق لا يمكن أن يكون لعبة لديها، أو مجرّد دمية، وذلك على الرغم من أنّها كانت المنتصر الوحيد في الحرب الأميركية التي اتخذ بوش الابن قرارا بشنّها استنادا إلى مبررات أقل ما يمكن أن توصف به أنّها واهية. حسنا، لم يكن صدّام حسين قدّيسا. كان ديكتاتورا بكلّ معنى الكلمة. كذلك لم يكن معروفا أن لديه أي ثقافة سياسية من أيّ نوع، باستثناء ثقافة القمع وإلغاء الآخر والجهل التام بموازين القوى الإقليمية والدولية. من لديه الحدّ الأدنى من الوعي السياسي لا يذهب إلى احتلال الكويت، ثمّ يسعى إلى التفاوض مع الولايات المتحدة من منطلق أنّه في مركز قوّة. لكن ما لا بدّ من الاعتراف به أن قسما لا بأس به من العراقيين يترحّم حاليا على نظام صدام. هذا هو للأسف الواقع الذي لا مفرّ من الاعتراف به من دون مواربة، على الرغم من كل ما ارتكبه الرئيس الراحل من أخطاء. ترتقي أخطاء صدّام إلى مستوى الكارثة، وذلك بدءا بعدم معرفته بأنه كان لا بد من إيجاد طريقة لتفادي الحرب مع إيران في العام 1980 بدل الذهاب بعيدا في الردّ على استفزازات نظام يحتقر جيرانه العرب من منطلق مذهبي. إنه نظام كان يتمنى أصلا مثل هذه الحرب كي يبعد الجيش عن داخل المدن. في كل الأحوال، تحصد إيران حاليا في العراق ما زرعته بعدما اعتبرت أن أميركا خاضت حربا من أجلها. صحيح أن الإدارة الأميركية سلّمت العراق على صحن من فضّة إلى إيران، لكنّ الصحيح أيضا أن إيران لم تعرف ما تفعله بانتصارها. ظهر بوضوح أن العراق ليس لقمة سهلة يمكن ابتلاعها على الرغم من كل التسهيلات الأميركية التي مهدت للانتصار الإيراني. جاءت هذه التسهيلات في عهد بوش الابن عندما قرّر بول بريمر حلّ الجيش العراقي، ثم إقامة مجلس الحكم على أسس مذهبية وطائفية. استكمل باراك أوباما مسلسل التسهيلات عندما قبل الانسحاب عسكريا من العراق وتثبيت رجلها نوري المالكي رئيسا للوزراء للمرّة الثانية إثر انتخابات العام 2010 التي حلت فيها قائمة إياد علاوي في المرتبة الأولى. لم يعد العراق كما كان في الماضي القريب مصدرا لتمويل الميليشيات المذهبية التي ترعاها إيران في كل أنحاء المنطقة. كشفت الانتخابات الأخيرة أن البلد ليس مفلسا فحسب، بل أن لا أحزاب سياسية فيه أيضا قادرة على أن تكون في مستوى الأزمة الداخلية التي يعاني منها العراق. لا يمكن حلّ الأزمة الإيرانية في العراق بتحالف مخالف للمنطق بين مقتدى الصدر وهادي العامري، وذلك كي تتمكن إيران من القول إنّ في استطاعتها استيعاب نتائج الانتخابات ومرحلة ما بعد الانتخابات. كذلك، لا يمكن لإيران أن تجد لنفسها مخرجا عبر نسف كلّ ما نتج عن الانتخابات. فإذا كان من معنى للتقدّم الذي حققته قائمة “سائرون” التي تزعمها مقتدى الصدر، فإن هذا المعنى يكمن في وجود رغبة لدى العراقيين في الخروج من تحت الهيمنة الإيرانية، حتّى لو كان ذلك عبر دعم مقتدى الصدر بكل ما يمثله ماضيه على صعيد التعاطي مع إيران وتنفيذ مآربها. فوق ذلك كلّه، لا وجود لإدارة أميركية على استعداد لمساعدة إيران في العراق، خصوصا بعد إعلان دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. في ظلّ هذه المعطيـات، انكشفـت إيران في العراق. تستطيع إيران أن تهدم. تستطيع تغيير طبيعة مدن ومناطق عراقية عن طريق عمليات تطهير ذات طابع مذهبي. تستطيع الاستعانة بـ“داعش” كي تقضي على مدينة عريقة مثل الموصل. لكن ذلك كله لا يعني أنّ لديها مستقبلا في العراق… هذا إذا كان للعراق مستقبل ما غير الذهاب إلى حرب أهليـة. ستقضي مثل هـذه الحرب على ما بقي من بلد كان في يوم من الأيّام، أي قبل العام 1958 ومجيء العسكر ثم البعث إلى السلطة، يمثل حالة فريدة في المنطقة. كان يمثل ذلـك بفضل النسيج الاجتمـاعي في مدنه وما يمتلك من ثروات… وبفضل جامعاته التي كانت من بين الأفضل في المنطقة كلّها.
2 الفساد في بلاد الرافدين حازم الأمين الحياة السعودية
علق الصديق كاميران قرة داغي على فضيحة تسريب أسئلة امتحانات التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية في العراق بالعبارة التالية: «يتعين تشكيل مفوضية عليا مستقلة في العراق للإشراف على الامتحانات منعاً للغش والتزوير وتسريب الأسئلة وبيعها».
وعلى رغم ما تنطوي عليه العبارة من خفة، إلا أن المأساة ليست بعيدة من هذه الكوميديا السوداء، ذاك أنه أينما وليت وجهك في العراق فستجد فضيحة مولدة لمأساة. فضيحة التزوير الهائل في الانتخابات، وفضيحة إحراق الصناديق، وها هي فضيحة جديدة تنضم إلى حلقة الفساد المعلن في دولة ما بعد العام 2003 في العراق. ما تسرب هو أسئلة امتحان مادة التربية الإسلامية، ولهذا دلالة رمزية على هوية الفساد، ذاك أن التسريب في هذه الحال هو فعل «درامي» وظيفته تجريد جماعات الإسلام السياسي من أي ادعاء أخلاقي. الهوية الدينية هي جزء من هذا الخليط الهائل الذي يؤلف عناصر الانهيار، والقوى الدينية هي في صلبه، لا بل هي مادته الأولى. لا شيء في العراق في منأى من الفساد. الأمن والاقتصاد والتعليم والنفط والعلاقات الطائفية والإثنية والجيش والحشد والكهرباء والماء! المسألة في هذا الحال متصلة بجوهر الأشياء لا في طريقة أدائها واشتغالها. والفساد ليس حكراً على الحكومة (الشيعية)، ذاك أن تجربة الفيدرالية الكردية يعمها الفساد أيضاً، والجماعات السنية، الموالية منها والمعارضة، تعيش على فتات فساد الحكومة المركزية وتنعم بخيراته. في الموصل، عشرات من قادة الحشود العشائرية من الذين يرسلون قوائم بمقاتلين وهميين يتقاضون من الحكومة رواتبهم من دون أن يكون لهم أثر في تشكيلاتهم، وهؤلاء أطلق عليهم اسم «الجنود الفضائيون».
الفساد في بلاد الرافدين هو جزء من دورة الحياة السياسية، وهو فعل مباشر وليس فعلاً التفافياً. هو بمعنى ما جزء من البرامج الانتخابية التي يكاشف فيها السياسي ناخبيه شارحاً قدرته على اجتراح أشكاله. التمسك مثلاً بالحشد الشعبي بصفته قناة علاقة أهلية ومذهبية مع الحكومة، هو جزء من هذا الفساد الجوهري، ذاك أن رواتب الحشد التي تدفعها الحكومة يتم تصريفها مناصفة بين مقاتلين غير شرعيين وبين زعماء طائفيين صار لهم ميليشياتهم الممولة من الحكومة. الفساد في الانتخابات شكل إحدى الذروات. شراء الأصوات لم يكن الوسيلة الوحيدة، فثمة محطات انتخابية تم شراؤها بالكامل. أنت هنا لا تشتري صوتاً خارج مركز الاقتراع، إنما تشتري الصناديق بأكملها، على ما جرى في انتخابات الخارج مثلاً.
العراق هو بلد نفطي فقير. قد تكون إيران أيضاً بلداً نفطياً فقيراً، لكن نفط العراق أكبر من نفط إيران، وسكان العراق هم أقل من ثلث سكان إيران، ثم إن الوظيفة الأيديولوجية للثروة الإيرانية وما تسببت به من إفقار للإيرانيين لا أثر لما يوازيها في العراق. إفساد يستنزف فعلاً الثروة الوطنية في بلاد الرافدين، وهذا مستوى من الفشل لا يقل فداحة عن الفشل السياسي والفشل الأمني، لا بل أنه يرفدهما ويرفدانه.
هذه المرة وصل الفساد إلى منطقة جديدة! التلامذة، ممن يفترض أنهم ما تبقى من أمل في مستقبل مختلف. وهذا مؤشر جديد إلى أن ثمة من يستثمر في احتمال انتقال الفساد إلى قيمة تربوية، وإلى احتمال إخراجه من تعريفه بصفته قيمة سلبية. فأن تُنشأ الأجيال على حقيقة أن الفساد متاح وأنه جزء من جريان الحياة العادية، فإن ذلك يعني أنه صار في صلب القناعات، وشرطاً للارتقاء ولبلوغ الأهداف، لا بل صار جزءاً من الطموح العادي في أن يبلغ المرء مبتغاه.
3 من يحمي أموال العراق من الفاسدين؟ احمد صبري الوطم العمانية

”.. بدلا من تعزيز قدرات القوات المسلحة وتنويع سلاحها وتأهيل منتسبيها هدرت الأموال بصفقات سلاح مشبوهة كما أن قسما منها ذهب إلى جيوب اللصوص ومن يوفر الغطاء السياسي لهم، وتحول العراق بفعل هدر أمواله وفشل مؤسسته العسكرية إلى ساحة للصراع وملاذ للمتطرفين وأجندتهم التي تقاطعت من إرادة العراقيين ومشاغلهم واحتياجاتهم الحياتية.”
في مفارقات محبطة تعكس حال التردي وهدر المال العام ووضعه في غير المكان الذي يسعد العراقيين، كشف مؤخرا عن هدر نحو 145مليار دولار على تأهيل وتسليح وتطوير المؤسسة العسكرية العراقية خلال ولايتى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وأصيب الرأي العام بصدمة من تبذير هذا الأموال الطائلة على مؤسسة لم تنهض بدورها وإخفاقها في تلبية حاجة العراقيين إلى الأمن وفرض القانون.
والغريب في الأمر أن هذه الأموال الضخمة لم تستطع أن تمنع الانهيارات الأمنية لاسيما بعد سقوط الموصل والرمادي وتكريت وكذلك لم تمنح العراقيين الأمان والاستقرار.
فبدلا من تعزيز قدرات القوات المسلحة وتنويع سلاحها وتأهيل منتسبيها هدرت الأموال بصفقات سلاح مشبوهة كما أن قسما منها ذهب إلى جيوب اللصوص ومن يوفر الغطاء السياسي لهم، وتحول العراق بفعل هدر أمواله وفشل مؤسسته العسكرية إلى ساحة للصراع وملاذ للمتطرفين وأجندتهم التي تقاطعت من إرادة العراقيين ومشاغلهم واحتياجاتهم الحياتية.
ولم يشهد بلدهدرت أمواله وضاعت مثل العراق فالأموال المهدورة والمنهوبة منذ احتلال العراق وحتى الآن بضمنها الرقم المعلن تقدر بنحو 700 مليار دولار من دون أن يلمس العراقيون تغيرا في حياتهم ولم يسعدوا بتلك الأموال المتأتية من عوائد النفط ناهيك عن فقدانهم الأمن المنشود.
فتلك الأموال سرقت أو ذهبت إلى جيوب اللصوص بفعل الفساد والرشا على مشاريع وهمية أو بفعل صفقات مشبوهة لقوى نافذة وجدت في حال عدم الاستقرار والفوضى التي عمت العراق بعد احتلاله مناسبة للسطو على ثروات العراقيين.
فالاحتلال الأميركي هو من فتح الأبواب مشرعة للصوص ومبددي المال العام عندما شرع حاكم العراق بول بريمر بالتصرف بثروة العراقيين وهدرها ما شجع اللصوص الذين كانوا يتحينون الفرص للانقضاض على تلك الأموال فيما وفر نظام المحاصصة الطائفية الحماية لسراق المال العام.
ومايعانيه العراق من أزمة مالية إلى حد استقطاع نسب معينة من رواتب الموظفين والمتقاعدين وتوقف مشاريع التنمية هي نتيجة حتميه عن ضياع تلك الأموال التي كان من المفترض أن تحمي العراق من أي أزمة طارئه. إن من دون رقابة صارمة وايادي مخلصة تحمي أموال العراق فإنها ستكون كسابقتها أهدرت وضاعت وذهبت إلى غير مقاصدها وبالتالي حرمان العراق من الاستفادة من أمواله.
وعلى الرغم من تصاعد الدعوات لملاحقة سراق أموال العراق ومن يقف وراء الصفقات الوهمية التي أهدرت مليارات الدولارات فإن الواقع يشير إلى أن حيتان الفساد وداعميهم من القوى النافذه غير آبهين بهذه الدعوات ومصرين على مواصلة نهجهم الذي وضع العراق في ذيل قائمة الدول التي تعاني من الفساء والتخلف الأمر الذي سيفشل أي محاولة للإصلاح والتغيير ووقف نزيف هدر المال العام.
ونخلص إلى القول أن نظام المحاصصة الطائفية والسياسية هو من أدخل العراق بالمجهول وحمى اللصوص والسراق ومن دون معالجة هذا الخلل فان العراق سيبقى أسير هذه المظلة التي توفر الأمن والحماية لسراق المال العام التي حرمت العراقيين من التمتع بثرواتهم ومنعت سعادتهم.
4 التكهنات والواقع في الحروب وليد الزبيدي الوطن العمانية

ارتباط الجميع بمعركة بغداد، التي انتظرها الكثيرون خلال الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 ، وما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد بأسرها في ضوء نتائج هذه المعركة الحاسمة، لم يأت اعتباطاً، وإنما جاء نتيجة طبيعية لما اعتمدته القيادة العراقية في خطابها السياسي، الذي يستند إلى الخطة العسكرية، وهو ما ركز على معركة بغداد، وعدها المفصل النهائي في الحرب الأميركية على العراق. إلا إن ذلك الرابط، الذي بدأ يتهاوى شيئاً فشيئاً، خاصةً بعد غياب الأخبار المرتقبة عن معركة بغداد المنتظرة، سرعان ما أخذ بالتشتت، ويمكن القول، إن أول أشارة إلى عدم حصول معركة بغداد، جاء من خلال دعوة الرئيس العراقي صدام حسين في السادس من أبريل/نيسان 2003، التي وجهها إلى جميع المقاتلين، ودعاهم فيها إلى الالتحاق بالوحدات القريبة من سكناهم، التي بإمكانهم الالتحاق بها، إذا تعذر عليهم الالتحاق بوحداتهم. وهذه الدعوة، بقدر ما تهدف إلى الإبقاء على خيط الارتباط قائماً بين المقاتلين والمنظومة العسكرية، إلا أنه في الوقت نفسه، أعطى حرية للتسرب على أوسع نطاق. كما أنه أوحى بأن معركة حاسمة لن تحصل، لا في بغداد ولا في أماكن أخرى.
أن مثل هكذا حال، لابد أن ينعكس على الروح المعنوية للمقاتلين، ويؤثر سلباً في شد أزرهم، ويمكن القول، إن الجيش والأجهزة الأمنية والحزبية قد بدأت خطوتها الأولى في فراغ ومجهول ما يعني زعزعة الطمأنينة، ويصف مثل هكذا حال الباحث العسكري البرت هولشتيتر، بقوله (إن الطمأنينة القلقة لا تفيد الدفاع).
وسط هذا النوع من الطمأنينة، والقلق الذي أخذ مساراته إلى أماكن حيوية في نفوس العراقيين، خاصةً المقاتلين منهم، الذين مازالوا يمسكون بالأسلحة في معسكراتهم البديلة، سرعان ما جاء وقعه كالصاعقة، يقول الخبر، إن طائرة نقل عسكرية من نوع سي 130، قد هبطت للمرة الأولى في مطار بغداد الدولي، وكانت القوات الأميركية قد أبدلت اسم المطار من (مطار صدام) إلى مطار بغداد. ولم يكن سهلاً تصديق مثل هذا الخبر الذي بثته الوكالات في (6/4/2003) وهو ذات اليوم الذي صدرت فيه دعوة الرئيس العراقي إلى المقاتلين بالالتحاق بوحداتهم القريبة من أماكنهم. إلا إن جميع المعطيات والأحداث المتسارعة، قد أسهمت بقوة في إرباك القناعات السابقة، التي تأسست على رؤى وأفكار واستراتيجية حرب، اعتماداً على الطروحات والخطاب السياسي. وفي مثل هذه الأجواء، يأتي خبر مثل هذا، يؤكد على هبوط طائرة نقل عسكرية، دون أن يحصل ضدها أي شيء ولم تطلق صوبها اطلاقة واحدة ، فأن ذلك يشير بوضوح، إلى إن القوات الأميركية، باتت تسيطر على مناطق واسعة في محيط المطار وداخله، وأن لا وجود لأي قوات عراقية، بما في ذلك الدفاع الجوي، الذي لابد أن يكون فاعلاً ومؤثراً في أية معركة مرتقبة. بدأ التحول يأخذ اتجاهات خطيرة منذ تلك الساعات الحرجة.
5 المطلوب اعادة العراق للعراق محمد كعوش الراي الاردنية
المشهد العراقي معقّد مربك ومرتبك منذ الغزو الأميركي واحتلال بغداد حتى اليوم. هناك مشكلة عميقة لم يستطع النظام الجديد حلها ، ولا اعتقد انه سيكون قادرا على حلها في المستقبل القريب ، لأن ممثل ادارة الاحتلال بريمرتلاعب بنسيج ومكونات المجتمع العراقي وعمل على « لبننة « العراق وقاده الى فخ الفوضى المستدامة عبر المحاصصة الطائفية والعرقية ، التي تحولت الى مصيبة مزمنة ، ساعدت على انتشار الفساد وعرقلة كل خطط التنمية والتقدم في بلاد الرافدين.
لذلك لا أعتقد أن تغيير الحكومة ، ولا انتخاب مجلس نواب جديد ، او تعيين رئيس جمهورية اكثر حيوية ، يحمل الحل لأزمة العراقيين الذين يشكون من الحرمان ، لأن العراق من شماله الى جنوبه ما زال يعاني من انقطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب وتطوير البنية التحتية التي ما زالت على حالها منذ اليوم الأول لاحتلال بغداد ، لذلك يردد العراقيون دائما عبارة :» ماكو كهرباء ، ماكو ماء ، آكو فساد « !!
المدهش ان اركان النظام الجديد يعرفون الحل ولكنهم يرفضونه بعدما أخذتهم العزة بالاثم ، رفضوا ، وما زالوا ، المصالحة الوطنية ، كما رفضوا مشاركة معظم أطياف ومكونات الشعب العراقي الواحد في السلطة ، فانفردوا بالحكم ، بدعم اميركي مقصود ، فطاب لهم الوضع الراهن الذي منحهم وحدهم امتلاك قوة السلطة وخزائن المال ، اضافة الى انهم سمحوا بتغوّل المليشيات الطائفية المسلحة ، حتى اصبحت أقوى من الدولة ، وصارت مشكلة صعبة شكلت اول التحديات واهمها التي تواجهها حكومة بغداد اليوم. هذا بالنسبة للواقع العراقي الداخلي بتعقيداته وتحدياته ، ولكن هناك عناصر وعوامل خارجية مؤثرة يحسب العراقيون لها الف حساب ، وفي مقدمتها الهيمنة الأميركية والتدخل المباشر في الشأن العراقي ، اضافة الى تنامي النفوذ الأيراني داخل العراق ، الذي تعتبره طهران مجالها الحيوي ، خصوصا بعد تبلور مشروع أيران التي اصبحت رقما صعبا على الصعيد الأقليمي تؤثّر وتتأثر بالأحداث الجارية.
وعند الحديث عن الدور الأميركي في العراق من الواجب أن نشير الى تصريحات وأقوال الرئيس ترمب خلال حملته الانتخابية ، وهو الحريص على تنفيذ كل فكرة قالها أو شعار رفعه في تلك الحملة. ترمب قال: «العراق غني بالنفط وهو يملك ثاني أكبر مخزون احتياطي من النفط في العالم ، وهذا النفط لنا « !!
لذلك ما زال الوجود العسكري الأميركي متوفرا داخل العراق بحجة محاربة الأرهاب ،أو التدريب ، ولكن الهدف الحقيقي هو استمرار التواجد على مقربة من آبار النفط ، والتحكم بالقرارات السياسية والاقتصادية العراقية ، ولا اعتقد ان الادارة الأميركية تنوي الانسحاب ، فهي قوة انتداب هدفها مواصلة نهب ثروة العراق النفطية ، خصوصا أن سيد البيت الأبيض يدير الشؤون الأميركية بعقلية تاجر أو رجل اعمال جشع ، يسعى الى امتلاك كل مصادر الثروة العربية.
وعندما ندقق بالتطورات التي تلت احتلال العراق نجد ، دون ادنى شك ، أن الولايات المتحدة اعتبرت احتلال العراق خطوة اولية على طرق تنفيذ المشروع الأميركي الأكبر الساعي الى تفكيك الدول العربية المحيطة باسرائيل ( دول الطوق ) واقامة الشرق الأوسط الجديد ، على قاعدة عرقية وطائفية ، وأعني اقامة دويلات عرقية وطائفية تحافظ على ديمومة وجود الكيان الصهيوني.
واذا كانت الولايات المتحدة قد غزت العراق واحتلته بجيوشها ، فهي اغرقت مصر والأردن ولبنان بازمات اقتصادية ، وقامت بتدمير سوريا التي كانت دولة مكتفية ذاتيا على الصعيد الاقتصادي وستحولها بعدما فشل مشروع تفكيك الدولة وتقسيم الأرض والشعب ، الى دولة مقترضة مديونة.
مواجهة كل هذه التحديات التي تواجه الأمة العربية يجب ان تبدأ من العراق ، وباستقرار العراق ، ففيه كانت البداية وعليه ان يفرض النهاية ، لذلك ننصح العراقيين الخروج من عقدة الماضي والتحرر من شهوة الانتقام واعادة النظر بصياغة مستقبل العراق بشكل أفضل يعيد العراق الى العراق.