3 مقالات عن العراق في الصحف العربية في الصحف العربية

1 المقاومة عن طريق الاتجار بالمخدرات فاروق يوسف العرب بريطانيا
الحزب الذي تكفل بتمويل فعالياته عن طريق الاتجار بالمخدرات لن يقوى على الصمود طويلا، ولن يكون سندا للجمهورية الإسلامية في إيران التي هي في طريقها إلى الأفول.
تجارة المخدرات مهنة حزب الله الأصلية
في حالة إحكام الحصار الاقتصادي على النظام الإيراني سيضطر حزب الله الملقب مجازا باللبناني إلى تمويل نفسه بنفسه.
الرواتب التي تشدّق حسن نصرالله بأن أفراد عصابته يستلمونها مباشرة من إيران ومنها راتبه الشخصي سوف لن تصل.
ولأن حزب الله لا يملك مصانع ولا مؤسسات نفعية في لبنان تدرّ عليه إيرادات تكفي لسدّ حاجته من الأموال، فإنه باشر في تنشيط تجارة المخدرات التي هي مهنته الأصلية في ظل خلوّ معجم الحلال والحرام من فتوى تضع المخدرات في قائمة الممنوعات الإسلامية.
كما أن تلك التجارة تهدف إلى هدم مجتمعات الاستكبار العالمي. وهو ما يعزز فكرة المقاومة القائمة على الصمود والممانعة ومباغتة العدو من الجهة التي لم يتوقعها والتي توجعه.
يفعل حزب الله اليوم ما كانت تفعله سيدته الخمينية إيران.
فالكميات الهائلة من المخدرات وحبوب الهلوسة التي يجري الإعلان عن ضبطها في المنافذ الحدودية العراقية ليست إلّا جزءا صغيرا مما يجري إدخاله إلى العراق من إيران. وهي تجارة رابحة صار العراقيون يلمسون آثارها في حياة الآلاف من الشباب العاطلين، اليائسين، المهدمين ثقافيا واجتماعيا.
حرب المخدرات لا تتعلق إذاً بدول الاستكبار وحدها. فالعراق ليس من تلك الدول. وهي فكرة تعزز حملة حزب الله الإيمانية التي تهدف إلى تحقيق اختراق سياسي عالمي من خلال المخدرات.
يعتقد حسن نصرالله من منطلق خيلاء الدعم الإلهي أنه في ذلك إنما يردُّ الفضل لإيران في أزمتها العصيبة المقبلة. فهو لا يقل أهمية في ذلك عن نوري المالكي الذي وضع ثروة العراق بين يدي الولي الفقيه أثناء فترة حكمه التي استمرت ثماني سنوات. ولكن لبنان ليس العراق. فهو بلد فقير بموارده الطبيعية.
سيضحك نصرالله من جهلنا كعادته حين يعلن عن تفوقه في الفهم السياسي. لبنان الذي يعـرفه غني بثرواته التي يمكـن أن تكون سلاحا مزدوجا. فهي من جهة تجلب للبنان ومن ثمّ إيـران الكثير من الأمـوال، وهي من جهة أخرى تضرب دول الاستكبار العالمي من الداخل حين تنهك شبابها بالمخدرات.
في اللحظة عينها تبدو الدولة اللبنانية غائبة عن الوعي كما لو أنها لحست شيئا من تجارة نصرالله. ما يريده حزب الله يمكن أن يؤدي بلبنان إلى أسوأ النتائج.
لبنان حزب الله الذي أعلن قاسم سليماني عن ولادته ستحلّ به كارثة العقوبات العالمية. وهو ما سيدفع ثمنه لبنان الرسمي والشعبي على حدّ سواء.
لن تنفع في مواجهة العقوبات الدولية خطابات نصرالله العصماء في شيء. مثلما أن إيران لن تستطيع إخلاء سبيل نوري المالكي إذا ما تمّ إلقاء القبض عليه بتهمة إيداع مليارات الدولارات في المصارف الإيرانية. ومن وجهة نظري فإن المشهد سيكون كئيبا في القريب العاجل.
لقد سبق لتجّار المخدرات اللبنانيين أن احتفوا بقدوم الرجل الذي أنقذ إيران من العقوبات الاقتصادية وهو نوري المالكي من خلال تعليق صوره على الطريق التي تصل مطار رفيق الحريري ببيروت، فهل سيتعلمون من اختفائه درسا ينفعهم في ما تبقى من أيامهم في خدمة النظام الإيراني؟
المؤكد أن حزب الله سيتصرف بطريقة انتحارية. لن تنفعه تجارة المخدرات التي تمت السيطرة عليها دوليا.
ليس أمامه سوى أن يهدد بالانتحار بلبنان. في حقيقته فإن حزب الله هو أشبه بالشخص الذي يلف على خصره حزاما ناسفا.
ليس من الصعب تخيّل أن حزب الله مستعدّ لنسف لبنان كله إذا ما شعر بالخطر. ذلك هو رهانه الوحيد. ليس في حربه ضدّ إسرائيل فحسب بل وأيضا في دفاعه عن إيران التي يعتبرها جبهته الأخيرة.
لذلك يمكن القول إن لبنان الذي اختطفه حزب الله سيكون في خطر.
وكما أرى فإن الحزب الذي تكفّل بتمويل فعالياته عن طريق الاتّجار بالمخدرات لن يقوى على الصمود طويلا، ولن يكون سندا للجمهورية الإسلامية في إيران التي هي في طريقها إلى الأفول.
2 زرت الموصل.. واليكم شهادتي عن يوم القيامة فيها ياس خضير البياتي
راي اليوم بريطانيا
لاتحدثني عن طائفتي وقوميتي وديانتي ،عندما اكتب عن مدينة موصلية عراقية ،ابيدت عن آخرها ،وبقيت مجرد أنقاض وذكرى ومواقف تشهد على فعل فاعل حاقد مع سبق الاصرار،وعلى بربرية لامثيل لها في التاريخ ،وحقد شعوبي مستورد ،وديانة مبتكرة لتشويه اصل الدين ، هي حكاية طويلة ليس لها زمن محدد،فهي تمتد لقرون واعوام وأشهر من الحقد والتآمروالتدمير والموت.نعم لاتحدثني عن اسم عشيرتي وطائفتي وقوميتي لانني اكتب عنها بهويتي العراقية الوحيدة ،مثلما افعل مع البصرة والعمارة وبابل والانبار وديالى وصلاح الدين واربيل ،وباقي المدن العراقية،واذا قيل لي ماهو خيارك الأوحد:سأقول عراق ..ليس سوى العراق .
واذا كان هناك من هو مهووس بالطائفية ،وبالاموات التي يحكمون عقولنا ومصائرنا،ومصدر موتنا وأقتتالنا وتخلفنا ،فأنني خارج هذه التغطية الجاهلية التي تفرق بين مدننا وانساننا،وتحاول رفع الخيمة العراقية من على رؤوسنا لتكون قادرة على اصابتنا بقذائف الطائفية ،وتقسيمنا الى مذاهب وطوائف وعشائر وقوميات ،ليصبح العراق هامشا بلا لون وطعم ،وخارج العقل والوجدان!
مهما كان الوصف والصور من خارج القيامة الكبيرة للموصل ، فلن تكن موضوعيا وشاهدا حقيقيا ، الا وان تكن في وسط نارها وسحبها السوداء وانين الناس الاحياء والاموات ،واحلامهم البسيطة . كنت أصرخ من بعيد كلاما على الورق ، واحتجاجا لااجد الا صداه يرجع كسراب ليس له معنى ،وكان السياب صادقا في حنينه للوطن: صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى : عراق كالمدّ يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون،الريح تصرخ بي عراق،لذلك كان القرار صعبا أن اقطع الاف الاميال من اجل (عمرة )احج فيها فقراء بلادي ،واتقاسم معهم بلاءهم ودمارهم وموتهم وعشقهم واحلامهم ،واكون شاهدا لقيامتهم الكبيرة يوم عرفاء والعيد .
لاتقل لي كيف كانت الموصل ،ناسها ونهرها وشوراعها وأحياءها ومبانيها ،لانني لم ارى الا مدينة أخرى لاتشبهها تاريخا ،مدينة اشباه ازيلت عنها كل مقومات الحياة ، وسلبت منها تاريخها ،وطمست معالمها الحضارية ،وأختفت (ام الربيعين) الواقع والحلم ،لتظهر على أنقاضها أحياء مدمرة بالكامل مع ساكنيها ،وشوراع متهالكة ،وتلال من أكداس النفايات ،وروائح لجثث مازالت تحت الانقاض ، ونسمات لهواء مثقل بروائح المجاري والسواقي ، ومع ذلك تجد صور لقادة ميليشيات وأحزاب ، ومرشحين للأنتخابات ،ورايات سود وخضر وصفر ، يتنافسون بلا خجل ويتابهون على مدينة أنقاض بلا حياة ،وشعارهم العراق يتقدم..!!
لكن الجانب الآخر المضيئ في حياة هذه المدينة المدمرة التي لن انساها ،ان ناسها يتألقون في ابداع اعادة الحياة لمدينتهم وأحياءهم ومدارسهم وجامعاتهم بطريقة تسر القلب ،بعيدا عن الدولة المشغولة بتوزيع حصص احزابها ،وتقاسم النفوذ والمال ،وتقزيم الحصص التمونية ورواتب العباد .لقد تاسست في هذه المدينة بعد هذه القيامة الكبيرة قواعد سلوك جديدة للموصلي العراقي ،هو التلاحم الاجتماعي الذي قل نظيره ،فقد برزت بقوة (نكران الذات ) ،وارتفع منسوب ( التضامن الاجتماعي ) الى اعلى مستوى ،وشاعت ثقافة (التطوع ) بين الشباب بين الاحياء والمدينة ،وابدع الناس في ابتكار صناعة الوجود ،حتى لتشعر أن هناك مدنا جديدة ستظهر بعد الانقاض ، وان حياة جديدة ستبزغ من بين هذه المأسأة .وهذا هو تاريخ العراق ، وتاريخ الموصل . ما زلنا هنا وما زلنا أحياء!
وقيل من يريد تعلم الحياة ، عليه ان يقرأ التاريخ، فالموصل تختلف عن مدن عربية اخرى في تسمياتها العديدة ، فهي (الموصل) لأنها كانت توصل بين الشام وخورستان يعني بلاد الشمس بالكردية التي فتحها العرب المسلمين من بعد. وهي (الحدباء) لأن فيها منارة للمسجد الكبير وهي منارة منحنية وأيضا لتحدب مسار نهر دجلة فيها ،وهي( أم الربيعين) لأن الخالق عز وجل وهبها ربيعين إثنين في السنة فخريفها هو الربيع الثاني والزاهي بعذوبة هواءه. ومنذ ان كانت الموصل قرية زراعية في الالف الخامس من قبل الميلاد ، وسكنها الاشوريون ،ثم سقوطها بيد الكلدانيين ،ودخول المسلمون لها عام 643،ثم حكمها السلاجقة 1096،ودخول المغول عام 1262،حيث قتلوا معظم أهلها ، وهدموا أكثر من نصف مبانيها ، ثم الصفويين الذي لم يدم طويلا، وحصارهم لمدينة الموصل، وصمود المدينة وسورها ضد مدافع الصفويين وانكسار الحملة عام 1743م بانتصار أهل الموصل ، وأخيرا احتلال العثمانيون عام 1535 .لم تسلم من الحصار والحروب والتدمير ،لكنها خرجت بأمتياز أكثرقوة وارادة على حب الحياة ،وأستنهاض مجدها عبر انسانها العصامي الكادح والمثقف والعالم والمبتكر والعسكري.
اما (المدينة القديمة ) في الموصل ،فأنها تحمل عبق التاريخ ، حيث يبدو الطراز المعماري التاريخي هو الطاغي ، فهناك بيوت من الحجر والجس ، وشوارع ضيقة ذات كثافة سكانية عالية تقطنها قبائل عربية معروفة ، وبيوتات موصلية عريقة،وكانت قبل قرن من اليوم هي مدينة الموصل وتمتد داخل سور الموصل التاريخي الذي يعود بنائه الأولي الى سنة 699 م،وقد هدم السور أكثر من مرة ، وجعله الصفويين اداة حصار قاتلة لأهلها بحملة الشاه الصفوي نادر شاه،لكن السور لم يصمد امام تحديث وعصرنة الحياة ، حيث قررت بلدية الموصل ازالته على مراحل متعاقبة ابتداء من القرن العشرين،مع بقاء الاحياء على نسقها التاريخي القديم ،وبشوارع جديدة ابرزها شارع (فاروق )الي يخترق قلب المدينة القديمة ويوصل الى ابرز معالم المدينة الاثرية جامع النوري الكبير ومنارة الحدباء الشهيرة .اما اليوم فلا تقل لي ان هناك مدينة اسمها ( المدينة القديمة)،انها مجرد تاريخ من الماضي،وقصص حب قديمة،ومورثوات شعبية زائلة ،ومآذن وكنائس مهدمة ،واطفال يبتسمون للحزن ،وامهات صابرات يحلمن بعودة ابناءهم الاحياء والاموات على السواء . مدينة انقاض تزدحم بذكريات الاباء والاجداد ،وتنتظر حلم التاريخ والانسان والنهر.
لم يتبقى من هذه المدينة الا شهادات متأخرة من قيامة الموصل القديمة ،فالاهالي قالوا:لسنا من قبيلة (داعش) كما يقول البعض ،انما ارغمنا على العيش معهم تحت حراب السلاح الابيض ،وقطع الرؤوس، وتعليقنا على اعمد الكهرباء لعدة ايام،وأبادتنا بالقهر والذل .كما لم نكن حاضنة لهم ،فقد جاءوا من خارج الحدود بالمئات القليلة ،ودخلوا الموصل وفيها فرق الجيش والشرطة واسلحتهم الحديثة ،ومع ذلك تم اقتحامها بساعات قليلة ،وكأن امرا كان معدا له من حكومة المالكي .كما لم نكن من (الدواعش) التي تم رفعهم بطائرات امريكية خاصة اثناء القتال والحصار امام ناظرينا وتركونا لوحدنا، بل كنا جبهة امامية لرفد الجيش بالمعلومات عن تواجد وتحركات (الدواعش) ، حتى ان البعض تم نحرهم لانهم تم اكتشافهم . لقد رأينا صور رائعة لبطولات الجيش وشجاعة الشباب الذي امتزجت دماءهم بدماء أبناء الموصل ،وانسانيتهم في تقديم العون للعوائل بطريقة رائعة تصل الى حد التضحيات بأنفسهم ،بالمقابل وجدت من انتقد طريقة الخطة العسكرية وطريقة الاقتحام ،وتذكر احد القادة العسكريون القدماء المشارك في معركة المحمرة وتحريرها ، وطريقة الجيش في أقتحامها من بيت للبيت دون ان يكون هناك تضحيات في البشر والعمران ،وأردف مستغربا : ان الحرب على المدينة القديمة كانت تعتمد على سرعة الحسم على حساب ارواح الناس وممتلكاتهم !
وقالت لي انجليا جولي الممثلة العالمية سفيرة النوايا الحسنة التي تزامن وجودي معها ،بأنها تشعر بالخجل والمهانة كانسانة ان ترى هذه الصور الرهيبة والمفزعة من صنع البشر،وهذه السادية الوحشية التي تتلذ بتخريب وتدمير الحياة ،مستغربة من وجودي الشخصي فقط ، ومعلقة بأن ما شاهدته يصلح ان يكون مزارا للحكومات والمنظمات والافراد ليكون شاهدا على بربرية من فعل بهذه المدينة التراثية من اقتلاع لجذورها التريخية !مثلما انا شخصيا مستغربا أن لاتكون هذه (القيامة) موضوعا انسانيا للكتاب والادباء والفنانين في اعمالهم ،وان تكون لطلبة المدارس والجمعات درسا عمليا بليغا لتحصينهم من التطرف والارهاب،وحب الحياة ،وشهادة حية للتاريخ الذي يقول لنا دائما :أقرأوا مني وتعلموا الدرس الجديد.
ام اننا مازلنا أمة تنسى احداث التاريخ الكبيرة ،ونتلذذ بالدم الذي نشاهده يوميا ،ولم يعد لدينا مناعة الحياة والمقاومة والتذكر ،وكأننا اصبحنا نردد مع محمود درويش :ايها الاحياء تحت الارض عودوا فأن الناس فوق الارض قد ماتوا !
3 إلا الدستور!
مشرق عباس
لا عجب أن يرفع زعماء الطوائف هذه الأيام أوراق الدستور العراقي على رؤوسهم ومن خلف خنادقهم وبنادقهم وصناديق اقتراعهم، فيتبارون في تفسير نصوصه ويتجادلون في الحفاظ على قدسيته، ويتباكون على خرق تعاليمه والتنكر لمبادئه، كما لا عجب في أنهم ضمناً يستعدون في لحظة الغضب المنتظرة لشق رؤوس العراقيين بكتيبات الدستور نفسه قبل التوجه إلى استخدام الرصاص.
عندما يتعلق الأمر بالدستور العراقي، فإن ثمة إجماع عراقي على ضعف العديد من نصوصه وتخبطها وغموضها وتضاربها، وأنه دستور طيّع أمام التأويل قد تحول مع مرور الوقت إلى معبر مرة للتفرد بالسلطة، ومرة للسرقة والفساد، ومرات لضرب السلم الاجتماعي.
لكن الرأي العام يذهب أيضاً إلى أن الدستور الذي مرر عام 2005 بتواطؤ وضغط أميركي وإيراني، ووسط جدل حول تزوير الاستفتاء حوله، يمثل الوثيقة الوحيدة الممكنة على علاتها ونواقصها التي قد يجمع عليها العراقيون يوماً، لإيقاف دوامات العنف المستشرية بينهم.
المشكلة الأساسية أنه لو أتيحت فرصة كتابة دستور جديد للعراق، وهو الأمر الذي كانت تنادي به القوى المدنية، بعد حرب «داعش» وقبل المضي إلى انتخابات برلمانية، فلن يمكن لزعماء الطوائف مهما حاولوا الاتفاق على نص موحد له، بدليل أن الخرق الدستوري الأكبر أقدمت عليه الأحزاب مجتمعة عندما فشلت في تطبيق المادة 142 منه التي الزمت أول برلمان تشكّل عام 2006 تقديم تعديلات شاملة على نصوصه خلال ستة شهور فقط، وأن يتم عرض التعديلات على الاستفتاء خلال شهرين إضافيين. ومنذ ذلك التاريخ باتت رزنامة العراق تسجل الخروقات الدستورية في شكل يومي، مثلما أن كل المحاولات لحض القوى المتصدية للمشهد السياسي على إكمال القوانين التي فرض الدستور إكمالها لغرض تأمين الحدود الدنيا من متطلبات الدولة الطبيعية، تم صم الأسماع عنها، وتجاوزها، والسخرية من المطالبين بها. ساهمت القوى السياسية التي تذرف الدمع اليوم على قدسية الدستور في تمزيق صفحاته، بمليشياتها، وأعمال القتل والتخريب التي ارتكبتها، والحروب الأهلية التي تسببت بها واستفادت منها، وبسرقاتها وفسادها ونخرها لبنية مؤسسات الدولة وتجاوز القانون وتزوير الانتخابات، وهي اليوم تهدد العراقيين مرة أخرى بالدستور، فتتحدث عن حروب أهلية جديدة إذا لم يتم الالتزام بتفسيرها الحصري المختلف عليه لنصوصه. ليس الأمر أن جلسة البرلمان الأخيرة التي عدلت قانون الانتخابات شرعية دستورياً أم لا، وليس مهماً حقاً إذا كان تفسير المحكمة الاتحادية للقانون دستورياً أم لا، ولم يعد كافياً الحديث عن سابقة خطيرة بتمديد عمر البرلمان العراقي، وحتى تزوير الانتخابات وحرق صناديق الاقتراع ليس أمراً جوهرياً، فالأصل أن من يدافع عن شرعية جلسة البرلمان ومن يرفضها هم أنفسهم من منعوا أجراء التعديلات الدستورية، وتغاضوا عن القوانين الأساسية، ورفضوا إقرار مجلس الاتحاد، وهيئة الرقابة على إيرادات الدولة، ومجلس الخدمة، ومن تقاعسوا عن تمرير قانون محكمة اتحادية جديد، وقانون انتخابات عادل، وقانون استثمار نزيه، مثلما تمنعوا أمام تنفيذ قانون الأحزاب، وقانون صلاحيات المحافظات، والمادة 140 والقائمة تطول بما يصعب حصرها. الأكثر مرارة أن من يدافع عن نزاهة العملية الانتخابية، ومن يطعن فيها، هم أنفسهم من زوّر الانتخابات عام 2005 و2010 و2014 وهم أنفسهم من زوروها عام 2018 أيضاً، أو ربما لم تتسن لهم فرص التزوير هذه المرة. ومن وجهة نظر القوى المتصارعة نفسها، فان الفوضى والتهديدات بحرب أهلية جديدة قد تسمح بتسويات سياسية تضمن مصالحها، بعد الصداع الذي تسببت به مطالب إصلاح الدولة. إن وعي الشعب العراقي بضرورة إحداث تغيير في صميم تشكيل الحكومة، وتصاعد لهجة العداء للمحاصصات الحزبية والطائفية والقومية، وتحميل من يدافع عن طريقة تقاسم مؤسسات الدولة حزبياً، مسؤولية الفشل والعجز والأزمات الاقتصادية والأمنية، بل وحديث الناس عن قانون الانتخابات الذي فصلته الأحزاب على مقاس قدراتها على تزوير إرادة الناخبين، هو الخطر الوجودي الأكبر الذي باتت تخشاه قوى التزوير والتدليس. الوعي الشعبي أكثر أهمية من الدستور، وهو ما يتم التباحث في الكواليس لكسره.