1 متى وأين سيرد الحشد الشعبي على الغارة الإسرائيلية؟ افتتاحية القدس العربي
أعلنت «هيئة الحشد الشعبي» العراقية أن قصفاً أمريكياً على أحد مواقعها قرب مدينة البوكمال، شرق سوريا، أسفر عن مقتل 22 وجرح 12 من أعضائها. وطالب البيان السلطات الأمريكية بتوضيح هذه الواقعة، «خصوصاً وأن مثل تلك الضربات تكررت طيلة سنوات»، وهدفها «تمكين العدو من السيطرة على الحدود».
من جانبه سارع النظام السوري إلى توجيه الاتهام إلى التحالف الدولي الذي «يعمد بين الفترة والأخرى إلى استهداف مواقع الجيش في محاولة يائسة لرفع معنويات التنظيمات الإرهابية المنهارة»، معتبراً أن «واشنطن تقدم مختلف أنواع الدعم لتنظيم داعش لمنعه من الانهيار والاستمرار في استثماره كأداة لإبقاء قواتها بشكل غير شرعي داخل الأراضي السورية».
والتحق بجوقة الاتهام موقع القاعدة العسكرية الروسية في مطار حميميم، على الساحل السوري، فأعلن أن «الغارة الجوية الغادرة» تتحمل مسؤوليتها «قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن»، وأنها «عمل عدائي يهدف إلى إفساح المجال لمقاتلي تنظيم داعش الإرهابي للتمدد في المنطقة من جديد».
لكن المفاجأة أتت من الجانب الآخر، حين نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر أمريكي مسؤول أن لدى الولايات المتحدة أسبابا للاعتقاد بأن الضربة كانت إسرائيلية، كما أعلن الكولونيل شون رايان المتحدث باسم التحالف الدولي أن «التحالف الدولي لم ينفذ أي ضربات بالقرب من البوكمال في سوريا، غرب نهر الفرات». وفي المقابل، كان رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكد خلال جلسة مجلس الوزراء أن إيران «يجب أن تنسحب من كل أنحاء سوريا»، مشدداً على اتخاذ إجراءات «سواء كان قرب الحدود أو في عمق سوريا».
وهكذا فإن المؤشرات ترجح أن الغارة كانت إسرائيلية، وأن تقويض الوجود العسكري الإيراني في سوريا لا يعرف أي محرم في عقيدة الردع الراهنة التي يعتمدها نتنياهو. لقد تم قصف مواقع «حزب الله» وقوافل التسليح المتجهة من داخل سوريا إلى لبنان، كما استُهدفت وحدات «الحرس الثوري» الإيراني ذاتها في مناطق مختلفة، وحان الآن أوان استهداف الميليشيات الشيعية العراقية ذات الولاء الإيراني في أقصى شرق سوريا على الحدود مع العراق.
الجديد هذه المرة أن الطائرات الحربية مجهولة الهوية التي أغارت على منطقة «الهري»، حيث مركز قيادة إحدى مجموعات «الحشد الشعبي»، كانت على الأرجح تتمتع بتغطية روسية، في مستوى الإعلام على الأقل، بدليل ذر الرماد في العيون الذي لجأ إليه موقع قاعدة حميميم حين اتهم التحالف الدولي بتنفيذ الضربة.
كذلك لا يخفى على كل ذي بصيرة أن نتنياهو أعطى الأوامر بقصف «الهري» متكئاً على تفاهماته الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول «ضرورة خروج إيران من جميع الأراضي السورية» حسبما أعلن بنفسه، وأن النفي الأمريكي كان يتعمد إبلاغ إيران بأن الضربة إسرائيلية بالفعل، وقواعد الاشتباك لا تحدها حدود.
والسؤال الآن هو ذاته الذي يتكرر طرحه عند كل غارة إسرائيلية داخل العمق السوري: متى وأين يرد النظام، أو ترد إيران، أو ميليشياتها وأحزابها وحشودها؟
2 العراق الذي لا أعرفه فاروق يوسف
العرب بريطانيا
عراق الفساد هو العراق الذي لا أعرفه، ولا أظن أن هناك عراقيا شريفا يمكنه أن ينسج عراقيته من خيوط ذلك العراق.
عراق اليوم هو صنيعة استعمارية لا علاقة لأبنائه بها
لا يمكنني باعتباري عراقيا أن أصدق أن الشعب الذي أنتمي إليه هو المسؤول عما آلت إليه أوضاعه من انهيار على كل الأصعدة. فما من شيء مما يجري هناك يمتُّ بصلة إلى ما أعرفه. حين أقول العراق فأنا أقصد العراقيين.
تميّز العراق بقسوته وبعنفه وبخيلائه الفارغ، غير أنه كان دائما عفيفا وكريما ومتسامحا وأبيا ونظيف اليد، أبيضها. يغضب بانفعال، غير أن كرامته تنتفض لكلمة طيبة تخترقه مثل رصاصة. كان كريما بسذاجة ولم يكن يرضى لنفسه أن يقع في شبهة الكذب.
الفساد الذي شهد العراق تصاعد نسبته في ظل حكومة حزب الدعوة عبر اثني عشر عاما لم يعرفه العراقيون من قبل. سمم ذلك الحزب وجبات العراقيين اليومية بوصفاته الفاسدة. فسد المطبخ العراقي حين اقتحمته روائح الطعام العفن الذي يطبخه الجيران. وكما يبدو فإن حزب الدعوة، وهو عميل إيراني، قد قرر أن يتفوق على حزب البعث الذي كان بمثابة ولد العائلة الشقي في عزل الشعب العراقي عن حقيقته التاريخية وعن سمو قيمه الأخلاقية.
عام 2003 كانت هناك حرب على العراق، سعى مروّجو ثقافة الاحتلال من العراقيين أن لا يظهروها بشكلها الحقيقي باعتبارها حربا على العراقيين، وهو ما يمكن أن يضع العراق على ضفة، والعراقيين على الضفة الأخرى.
الحرب من وجهة نظرهم كانت على العراق وليست على العراقيين.
لذلك صار ممكنا أن نتحدث عن عراق من غير عراقيين وعراقيين من غير عراق. مسألة شائكة من ذلك النوع، كان حلها يسيرا من خلال تمكين أشخاص لا يعرفون العراق وشعبه من حكمهما والاستيلاء على ثرواتهما وتفريقها بين مواليهم ودعم قطاع الطرق في مشاريعهم الميليشاوية. فحزب الدعوة الذي حكم العراق اثنتي عشرة سنة هو حزب أجنبي لا تنتمي سياسته إلى ما يصبو إليه العراقيون من حياة كريمة، يسودها العدل والأمان والمساواة في ظل القانون.
أعضاء ذلك الحزب هم من العراقيين السابقين الذين لم يعرفوا العراق على حقيقته. غادروا العراق في العشرينات من عمرهم، وعادوا إليه وقد أصبحوا شيوخا. لقد وقع العراق ضحية تلك الفجوة.
عراقيون هم ليسوا عراقيين صاروا حكاما على عراق، يقيم شعبه في مكان آخر. هو المكان الذي لم يكلف نظام البعث نفسه بتأثيثه بمقومات بقائه. لقد ترك المجتمع العراقي للقدر منذ هزيمة العام 1991 حين وقعت حرب تحرير الكويت. غاب العراقيون يومها، وحضر العراق الضعيف في خيمة صفوان. وكما يبدو فإن الأحزاب التي كُلفت من قبل المحتل بحكم العراق قد استهوتها فكرة العراق الضعيف. وهو ما حرصت على تكريسه، دعما لفكرة الوصاية الإيرانية.
عراق ضعيف لن يكون وفيا لأبنائه. عراق اليوم هو صنيعة استعمارية لا علاقة لأبنائه بها. وهو ما يجعلني مطمئنا إلى وطنيتي حين أقول “إنني لا أعرفه”. ذلك العراق الذي انحاز إلى إيران بظلامية وليّها الفقيه ليس هو العراق الذي يشرفني الانتماء إليه. إنه عراق آخر صنعه حزب الدعوة والميليشيات الإيـرانية والمرجعية الدينية بكل مكرها ودهائها وحيلها التي تأخـذ شكـل فتاوى. هو ليس عراق العراقيين الذين أنا واحد منهم.
لا أحاول هنا تبرير الأخطاء التي وقع فيها الشعب العراقي. ولكنني على يقين من أن هناك في العراق شعبا حيا. وهو ما لا يرغب الوافدون مع المحتل في النظر إليه بشكل جاد.
فبعد أن حوّلوا البلاد إلى ثكنة لقطّاع الطرق من مشعلي حرائق الطائفية، صاروا لا يرون في العراقي إلا واحدا من اثنين. إما أن يكون فاسدا، لا يهمه مستقبل العراق، وإما منبوذا عاجزا عن إطفاء نار غيرته الوطنية في مواجهة ما لا يفهمه من دعم أممي لحكومات، أجمعت كل منظمات الشفافية في العالم على أنها الأكثر فسادا في التاريخ.
عراق الفساد هو العراق الذي لا أعرفه، ولا أظن أن هناك عراقيا شريفا يمكنه أن ينسج عراقيّته من خيوط ذلك العراق.
3 إليسو التركي.. رمز جفاف العراق!
رشيد الخيّون
الاتحاد الاماراتية
«إلى أن يجف الفرات مِن منبعه إلى مصبه، ويجري دجلة خارج مجراه، إلى أن تجف جميع المياه في البحار، وفي الجداول والأَنهار والعيون والآبار بعدها». وردت هذه العبارة المفزعة في كتاب الصّابئة المندائيين «الگنزا ربا» تعبيراً عن يوم القيامة. فيا تُرى ستحقق الحكومة التُركية هذه النُّبوءة، فحسب أهل الاختصاص، في الرَّي، إذا استمرت السّدود التركية تتزايد فهذا ما سيحصل عام 2040، إذا لم يكن أقل مِن ذلك.
شيدت تُركيا اثنين وعشرين سداً تحجز الماء عن العِراق، وآخرها وليس أخيرها «إليسو» العملاق، الذي ما أن أُفتتح في الأول من يونيو 2018 إلا وظهرت الفاجعة على مناسيب دجلة، وقامت حملة وطنية عراقية، لا الحكومة ولا الأحزاب، لكن ليس هناك مَن يدعمها، لأن الدَّولة العاجزة عن منع الجيش التُّركي عن دخول أراضيها بعمق25 كيلومتراً، لا يُرجى منها حفظ حقها بالماء الجاري منذ آلاف السنين.
إن في ضمائر السَّاسة التُّرك- العِلمانيون منهم والإسلاميون- العِراقَ جزءاً مِن تاريخهم الإمبراطوري، لا ينظرون لعربه وكُرده إلا عبر الجنسية العثمانية، وبتعصب عتيق، فما زالت الموصل غصةً، التي لولا البريطانيون والاستفتاء، بمساهمة الكُرد بقوة، لكان مصيرها مصير الإسكندرونة محتلة.
تعتقد تركيا أنها تملك الماء لوحدها، ولو كان الأمر كذلك لجفت بقاع الأرض كافة، فأغلب أنهار العالم تنبع وتجري عبر دول متشاطئة بالماء، مِن النِّيل إلى الدانوب وسيحون، فالماء ملك الجميع، ومع أن الإسلاميين يحكمون تركيا، فالمفروض هم الأقرب إلى التَّفكر في الحديث: «النَّاس شُركاء في ثلاث: الماء والكلا والنَّار»(ابن سلام، الأموال)، وآخرون يروونه: «المسلمون…»(الماوردي، الأحكام السُّلطانية). أ كان «النَّاس» أو «المسلمون» لهم حقهم التَّاريخي بالماء، لا تجعل تركيا منه «عاشوريةً» على أهل العِراق.
قبل أن يصل أجداد زعماء تركيا إلى منابع دجلة، ويحكمون بقية البلدان لخمسمائة عام، وتقوم مذبحة الأرمن، ثم تركوها جرداء مِن سراب رخاء، كان دجلة جارياً، مِن «آثور الموصل» إلى «عبدان البَصْرة»، والكلام بما يخص حدود العِراق لأبي الحسن المسعودي(ت 346ه) في «الإشراف والتَّنبيه»، وغيره مِن البلدانيين. كانت بغداد، التي أنشأها دجلة، مِن قبل تأسيسها عاصمة على يد أبي جعفر المنصور(ت158ه)، مِن توابع بابل، اسمها «بغدادو» (أسماء الأمكنة العراقية)، وقبلهم قامت حضارة نينوى الآشورية بعشرات القرون، فالمدن بالعادة والحضارات الكبرى تنشأ على الماء. نُسب لإخوان الصَّفاء(ق 4 هجري) قولهم: «إن المدن تبنى على الماء والمرعى والمحتطب والحصانة»(البيهقي، تاريخ الحُكماء).
شاع أن تُركيا نبهت العراق، قبل سنوات، عن افتتاح «إليسو» وخطورته، كي يتدبروا موسم العطش القادم مِن الجار الجنب، وكتب البعض معتبراً التحذير فضيلة تُركية، وصبَ اللَّوم على العراق وحكومته! مع أن تركيا تعلم والعالم بأجمعه يعلم أن أمر العراق صار: «داعش» أمامكم والعطش التركي مِن ورائكم! وقوافل المسلحين تعبر الأراضي التُّركية والسُّورية بلا احتراز، ناهيك عن عبث الجار الشَّرقي بأمر العِراق بحرية تجارة المخدرات ودعم الميليشيات(الوقحة). فأي تنبيه وتحذير سيتدبره العراقيون، وفي هذه الظُّروف؟! عملت تركيا بمنطق الاستقواء، تدخل العراق عسكرياً متى تشاء، وتحجز الماء متى تشاء أيضاً، فهي عضو الأطلسي المدلل.
لم يُسمع للأميركان موقف، وكذلك للإيرانيين، وهما يتقاسمان أمر العراق، على الرَّغم مِن خلافهما، فإذا التزمت بريطانيا المحتلة للعراق، في العشرينيات من القرن الماضي، بإسقاط الحُجج التُّركية الباطلة في مطالبتها بالموصل، فعلى أميركا المحتلة للعراق(2003) ومازالت تمتلك عهدةً عليه، أن تحفظ حصته مِن الماء، وأراضيه مِن الغزو التركي وعبث الجار الإيراني.
يعني ماء العراق تاريخ هذه البلاد ووجودها، فدجلة والفرات منذ الأزل يجريان على أرضها. قال بشار بن برد(قُتل161ه): «الرّافدان توافى ماء بحرهما/إلى الأبلة شرباً غيرَ محضور» (التنبيه والإشراف). لغزارة الماء شاهد ابن حوقل (ت نحو367ه) بالبَصْرة: «مياه الأنهار مفترشة… فربما رأيت في مقدار رميةٍ سهمٍ عدداً من الأنهار صغاراً تجري في جميعها السّمَيْريات، ولكلِّ نهر اسم»(صورة الأرض). فاسم «البَصْرة» منحوت مِن «بيث صري» أو «باصري» أي بيت القنوات (بابو إسحق، مدارس العراق قبل الإسلام).
نعم، إن وراء تحقيق توقعات عطش بلاد الرَّافدين دولاً وجيوشاً، مع ضعف عراقي وفساد لم يشهد التَّاريخ مثله، وإلا فبيد حكومته أكثر مِن سلاح، وأوله وقف التَّعامل التّجاري مع تركيا، وتقديم قضية الماء إلى الأُمم المتحدة، والتدخل لدى الدول التي تمون تلك السُّدود، سدود تجفيف العِراق، فإذا كان «إليسو» صار إنجازاً لأردوغان فهو رمز لتصحر العِراق.
عودة على بدء، يُخيل لي أن هجرة المندائيين الكبرى عن العِراق، وطقوسهم معتمدة على الماء الحيّ، بحثاً عن ضفاف أنهار، بعيداً عن تحكم «إليسو» الجبار بمصائر الملايين مِن العراقيين، فنبوءة كتابهم، على ما يبدو، قيد التَّحقق، لاقتران الجفاف بالقيامة.
4 العراق عشية 14 من آذاره مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
شكّل إعلان التحالف السياسي ما بين كتلتي «سائرون» بزعامة السيد مقتدى الصدر، و«الفتح» التي تضم فصائل الحشد الشعبي، ضربة سياسية ومعنوية للحراك المدني العراقي، الذي راهنت بعض أطرافه على نتائج الانتخابات البرلمانية لتشكيل تحالفات سياسية تحت قبة البرلمان، تعكس أحجام مكوناتها وبرامجها داخل تركيبة الحكومة العتيدة، فقد قطع تحالف «الفتح – سائرون» الطريق على إمكانية تشكيل أغلبية وطنية عابرة للطوائف، وأعاد الأمور إلى المربع الطائفي المتمسك بالمحاصصة. فالعودة إلى تفاهم المكونات الطائفية والعرقية عبر الكتل الطائفية أو القومية الكبرى، ضربة موجعة لدعوات إصلاح مؤسسات الدولة من الداخل، عبر حكومة أغلبية وطنية مطعمة بشخصيات تكنوقراط أو خبراء، تشكل البديل المُلِح للعراق والعراقيين، بعد سنوات من فشل حكومات التوافق الوطني المتعاقبة في إدارة البلاد سياسياً، وأمنياً، واقتصادياً. وعليه، فإن الأوساط المدنية والعلمانية واليسارية والشيوعية، وحتى الإسلامية المعتدلة (السنية والشيعية) تمرّ بخيبة أمل جرّاء التحولات في مواقف بعض الأحزاب والتيارات السياسية، التي انضمت في السنتين الأخيرتين إلى الحراك المدني، وتبنت الشعارات التي رفعها الحراك بوجه أحزاب السلطة، وأيدت مطالبه بعملية إصلاح ومحاسبة واسعة، وعلى الأرجح فإن الموقف الحرج الذي تعرضت له النخب المدنية واليسارية المؤثرة في صناعة الرأي العام العراقي، سيدفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها، استعداداً لمواجهة صعبة ومكلفة مع أغلب أجنحة السلطة التي نفذت عملية اغتيال معنوي للحراك المدني، الذي لم ولن تتناسب مطالبه الإصلاحية مع مصالح أطراف السلطة وارتباطاتها الخارجية. ففي اللحظة المناسبة أظهر الخارج المتمسك بوصايته الكاملة على العراق قدرته على الحسم، واستخدم أساليبه الخاصة في احتواء الأطراف المشاكسة التي حاولت أن تتبنى حركة الاعتراض، مبرراً موقفه بصعوبة المرحلة غير المناسبة للقيام بخطوات جريئة يطالب بها الشارع العراقي، نظراً للظروف الإقليمية والدولية التي تهدد مصالحه الجيوسياسية واستقرار نظامه، وترهيب الداخل العراقي بفوضى تطيح بما تبقى من العملية السياسية.
في حسابات الحقل، نجح عقل الهيمنة الإيرانية في إخضاع العراق وربطه استقراره السياسي بمستقبل صراعات المنطقة، التي ستنعكس تطوراتها مباشرة على الوضع العراقي، ربما بما لا يناسب طهران، التي تتصرف كأنها تلعب الآن ورقتها الأخيرة في بغداد، من خلال فرض حكومة عراقية على قياساتها الخاصة، دون الأخذ بعين الاعتبار مجموعة متغيرات داخلية وخارجية كبيرة. تصرفات طهران تعيد إلى الأذهان سياسة التعنت التي مارسها نظام بشار الأسد في لبنان بعد 11 سبتمبر (أيلول)، واحتلال أفغانستان والعراق، عندما قرر فرض تمديد ولاية الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود، في تحدٍ مباشر لرغبة محلية ودولية في انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، رافقه الاستخفاف بالإمكانات اللبنانية الذاتية التي أسس لها في ذلك الوقت بيان المطارنة اللبنانيين الشهير سنة 2001، حول الوجود السوري في لبنان، إضافة إلى بروز تجمع سياسي مسيحي معارض ومنظم سُمي لقاء قرنة شهوان، الذي نسج تعاوناً سياسياً عميقاً مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، حيث بدأ الإعداد لنواة جبهة معارضة وطنية بوجه الوصاية السورية على لبنان. فقد شكل تاريخ 14 فبراير (شباط) 2005 يوم الاغتيال الكبير، موعداً تأسيسياً لما عُرف بعد شهر بانتفاضة الاستقلال الثاني، نهار 14 مارس (آذار)، كرد فعل وطني على جريمة اغتيال الحريري التي أدت تداعياتها إلى إنهاء الوصاية السورية، وانسحاب جيش الاحتلال السوري من لبنان.
عملياً، قررت طهران اغتيال الحراك المدني العراقي الذي يحظى بقاعدة شعبية واسعة، وبتأييد سياسي قوي، قبل أن يشكل حالة وطنية جامعة بوجه وصايتها، لذلك قامت بما يشبه عملية تصفية سياسية له قبل أن يشتد عوده بعد وصول ممثلين له إلى البرلمان عبر التحالف مع التيار الصدري، وحصوله على غطاء مرجعية النجف التي رفعت شعار «المجرب لا يُجرب» الذي يمكن تفسيره بأنه يطال الطبقة السياسية العراقية التي فرضتها طهران منذ 2003.
تاريخ العراق الحديث مليء بالمحطات المفصلية، من انقلاب بكري صديق، إلى الوثبة، والفرهود، و14 يوليو (تموز)، و14 رمضان، والانقلاب على الانقلاب في 30 يوليو، إلى قاعة الخلود، حتى 9 أبريل (نيسان) 2003، تاريخ سقوط البعث في العراق، والإيذان بخروجه من لبنان، كجزء من التداعيات العالمية لاعتداءات منهاتن، ما يعني أن الاحتياطات الإيرانية في العراق، كما السورية في لبنان، لن تنجح في الحفاظ على امتيازاتها في حال وقوع تحولات دولية لها تداعيات إقليمية، تتسبب بانتقال المبادرة إلى يد القوى العراقية المدنية وبعض السياسية، التي باتت تترقب حدثاً مفصلياً سيُحدد تداعياته موعد الرابع عشر من مارس بنسخته العراقية.
5 الجوع… أقسى الأزمات الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية ديفيد بيزلي * المدير التنفيذي في «برنامج الغذاء العالمي» الأممي الحياة السعودية
انحسر عدد الجائعين في أصقاع المعمورة في العقود الماضية من بليون نسمة قبل 25 عاماً إلى 777 مليون جائع في 2016، في وقت عدد سكان العالم يتزايد. وهذا خبر سعيد. والفقر المدقع والجوع الحاد انحسرا من 90 في المئة قبل مئتي عام إلى حوالى 10 في المئة اليوم. ولكن، وللمرة الأولى منذ وقت طويل، عاد الجوع وسوء التغذية الى الارتفاع، وزادت أعداد الجائعين في عام واحد من 777 مليون نسمة إلى 815 مليون جائع. وتعاظم كذلك عدد حالات الجوع المستشري الناجمة عن النزاعات والهجرات القسرية، وارتفع العدد هذا من 80 إلى 124 مليون نسمة في سنة واحدة. ولكن، ما وراء الزيادة هذه؟ لا ريب أن ثمة حصة للتغير المناخي في هذه الزيادة، ولكن حصة الأسد في المجاعة تعود إلى أعمال الإنسان، أي الى حروب البشر. و60 في المئة من الجوعى في العالم، ومجمل عددهم يبلغ 815 مليوناً، يعيشون في مناطق نزاع. و80 في المئة من موازنة برنامج الغذاء العالمي مخصصة لمناطق الحروب. وأكثر من 50 في المئة من المساعدات الإنسانية الشاملة في 2017 ذهبت إلى 4 دول: سورية، العراق، اليمن وجنوب السودان. وهذه الدول في حال حرب، وهي تستنفد أموال المساعدات كلها على حساب مناطق في أصقاع المعمورة تحتاج حاجة ماسة الى الإغاثة والمساعدة، على غرار دول الساحل الأفريقي. ويقتضي بلوغ المجتمع الدولي (الأمم المتحدة) أهدافه في القضاء على الجوع في 2030، طيّ الحروب وإنهاءها. ولكن ما هو في المتناول فحسب هو القضاء على المجاعات وسوء التغذية الناجمَين عن الفقر وغياب التنمية في 2030. والحق يقال، القضاء على النزاعات مستبعد. ولسان حالي مع المسؤولين: أنتم أمام خيارين: إما تضعون حداً للحروب، أو تمنحوننا مبالغ أكبر لمكافحة المجاعات، ودعم التنمية.
وفي ما خلا الدول التي تنهشها الحروب، الجوع مدقع في منطقة الساحل الأفريقي ومحيطها. وأخشى أن يتسلل تنظيم «داعش» في وسط المهاجرين الى الساحل الأفريقي، بعد خسارته في سورية والعراق، من طريق شبكات وثيقة الارتباط بـ «بوكوحرام» أو «القاعدة». فالتنظيمات الإرهابية تنتهج مقاربة استراتيجية في المنطقة هذه: التوسل بالجوع أداة تجنيد في مناطق النزاع والمناطق المتضررة من التغيرات المناخية، وفي الدول الأكثر فقراً. وحلم التنظيمات الإرهابية مفاده النفخ في موجات أكبر من المهاجرين نحو أوروبا والتسلل إلى صفوفهم. والمحرومون من الغذاء هم في حال هشة. ففي كل مرة ترتفع فيها نسبة الجوع، تتجاوز نسبة المهاجرين 1 في المئة إلى 2 في المئة. ولا شك في أن رد المجتمع الدولي على الأزمة هذه أمني، ولكن لا مفر من التنمية المستدامة في القضاء على الجوع. وليس الاكتفاء بتوزيع المساعدات الغذائية حلاً معقولاً. وحيثما يتسنى لنا، يصل عمال الإغاثة وجيوبهم مليئة بمال لا يوزعونه على أصحاب الحاجة، بل يبذلونه على مشاريع إنتاج وسائل العيش. فيقابلون الطحانين، في وقت أول، ثم الفلاحين الذين يوظفون العمال، وهكذا دواليك. ونوزع الغذاء المنتج على يد هؤلاء على الأكثر فقراً، والجوعى. فيشعر الناس بالكرامة حين يملكون مورد عيش وينبعث الأمل في أوصالهم حين يرون أن حاجة أولادهم الى الهجرة انتفت.
وحري بالأوروبيين إدراك أن عليهم الاستثمار في التنمية. فالسوريون والأفارقة لا يريدون ترك منازلهم! والمهاجرون لا يستسيغون الانتقال الى أوروبا. وقصدت فرنسا لأتكلم مع القادة الفرنسيين على منطقة الساحل. فحين توفير الأمن الغذائي، يقل عدد المجندين في صفوف المتطرفين، ويتقلص عدد المهاجرين. ولكن في فرنسا الكلام على التعاون في أفريقيا وفير، في وقت الأموال شحيحة. ولا يستخف بتجربة فرنسا التاريخية في الساحل الأفريقي، ولا مناص من مساعدتها في توفير الغذاء والتعليم وتنمية القطاع الخاص. وهي مدعوة إلى إرسال معلمين الى الساحل، وهي منطقة فرنكوفونية.
وأنا مقرب من دونالد ترامب، والرئيس الأميركي هو رجل أعمال. وحين يرى واقع الأمور، يتخذ القرار المناسب. لذا، أعلن زيادة المساعدات الغذائية العام الماضي. ولا أوفر علاقاتي بالمسؤولين الأميركين لتفادي تقليص حصة بلادهم من تمويل برنامج الأغذية العالمي. وأسعى مع غيري إلى جعل عمل الأمم المتحدة أكثر نجاعة.
والجوع هو اليوم أمضى الأزمات الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وحريّ بالإنسانية أن تدرك الواقع هذا وتستيقظ من سباتها، فملايين البشر بطونهم خاوية ويلفظون أنفاسهم. وألم طفل واحد، هو صنو معاناة البشرية كلها. وأزمة الجوع في سورية هينة قياساً على المأساة التي بدأت نذرها تلوح في أفريقيا. وحري بقادة العالم التفاهم والإجماع على سبل طي حروب مثل الحرب في سورية أو اليمن، والاستثمار في تنمية أفريقيا وتطويرها وإلا رجحت كفة المتطرفين ووسعهم إضرام نيران نزاعات جديدة وتوليد موجات هجرة جديدة.
6 العراق: ديموقراطية أم تواطؤ لتقاسم السلطة؟ حميد الكفائي الحياة السعودية
لم تكشف الانتخابات المتلاحقة في العراق عن فهم عميق لمعنى الديموقراطية الحقيقي، ألا وهو تحقيق مصالح الناخبين وصيانة الحريات العامة وحقوق الأفراد وسيادة القانون، بل بقيت خاضعة لأمزجة شعبوية وأنماط علاقات تنتمي إلى عهود سحيقة، دينية كانت أم عرقية أم طائفية أم قبلية.
في الانتخابات الأولى عام 2005، هرع الشيعة والأكراد بملايينهم وصوتوا على أسس طائفية وعرقية، ولم يفكر سوى القليل بالمصالح الاقتصادية أو تماسك الدولة والمجتمع، فجاءت الجمعية الوطنية بمجموعة أفراد ادعوا أنهم يمثلون الشعب، لكنهم كانوا غرباء عنه، فلم تكن أسماؤهم مألوفة ولم يرَ الناس حتى صورهم إذ اختبأ كثيرون منهم خلف صور المرجع الشيعي علي السيستاني. لقد صوت الناخبون الشيعة لمن ظنوا أنهم يمثلون الطائفة، بينما صوت الأكراد لمرشحين اختارهم «الزعيمان التاريخيان» مسعود البارزاني وجلال الطالباني. أما السنّة، الذين لم يُبقِ لهم صدام زعيماً خارج حلقته الضيقة، فقد قاطعوا الانتخابات حتى شكَّل انخفاض تمثيلهم مأزقاً للنظام الجديد.
وفي الانتخابات الثانية انضم السنّة إلى الركب «الديموقراطي» وساروا على نهج الشيعة والأكراد فانتخبوا ممثلين للطائفة، معظمهم حديثو العهد بالسياسة لكنهم بزوا الشيعة والأكراد تطرفاً وتعصباً. انتخب ممثلو الشيعة الشيخ جلال الصغير رئيساً للكتلة البرلمانية الشيعية، بينما انتخب السنة الشيخ عدنان الدليمي. كان الدليمي يعترف على رؤوس الأشهاد، بأنه طائفي وكان يشير إلى الشيعة بـ «الصفويين والقرامطة». أما الصغير فهو اسم على مسمى، إذ كان متناهياً في الصغر ولا يرى أبعد من أنفه. أخبرني نواب بأن عيون الشيخين الجليلين لم تلتقِ طوال عملهما في البرلمان، فكلما تكلم الصغير، أشاح الدليمي بوجهه إلى الجانب الآخر، وكذلك فعل الصغير، الذي واصل موقع إلكتروني تابع لمسجد يديره، نشر الأكاذيب التي لا تصلح مادة حتى للأفلام الهندية الموغلة في الخيال.
كنت مرشحاً في الانتخابات الأولى والثانية ورئيساً لقائمة انتخابية آلت على نفسها أن تكون مستقلة عن أحزاب الطوائف والأعراق، وكان خطابها يهدف إلى إعادة الناس، الذين اختطفهم المتطرفون، إلى مناقشة القضايا المهمة، من خدمات متدهورة وبطالة منتشرة وأمن غائب وتماسك اجتماعي مفقود ودولة قانون ومؤسسات غير موجودة سوى في الأحلام. جُبتُ البلاد طولاً وعرضاً، في وقت كانت فيه احتمالات التعرض للقتل والاختطاف عالية جداً، وقد تعرضت فعلاً لمحاولات اغتيال وخطف نجوت منها بأعجوبة، حتى قال عني سياسي مخضرم إن أهم إنجاز حققته هو «البقاء على قيد الحياة»! قتل الآلاف في تلك الفترة حتى من قادة الأحزاب والميليشيات، وكنت أتوقع القتل في أي لحظة، فلم تكن لي حماية حقيقية ولم تكن آرائي محبذة لدى معظم الناس، فلا أحد يريد أن يسمع رأياً عن المصالح الوطنية والدولة والقانون والمؤسسات والحريات المدنية، والخطاب الرائج هو مظلومية الطائفة والقومية والمنطقة. ظل الشيعة خائفين من السنة والسنة من الشيعة والأكراد من العرب والتركمان من الأكراد والمسيحيون من الجميع. وفي هذه الأجواء المشحونة بالكراهية والجنون، حزمت حقائبي ورحلت بعيداً عن العراق، إلى أوروبا ثم أميركا ثم أفريقيا.
أدرك الناس بعد فوات الأوان أن «أبطال» الطائفية والقومية والمناطقية ليسوا أبطالاً حقيقيين، إنما هم محتالون وانتهازيون، همهم الأول هو الكسب المادي وملء المناصب بالأتباع والأقارب وسرقة الأموال العامة باسم الطائفة والديموقراطية. وبدلاً من أن يقدموا خدمة للمساكين الذين انتخبوهم، أوغلوا في الفساد وتعيين الأقارب والأتباع في مواقع ليسوا أهلاً لها. امتلأت دوائر الدولة بالجهلة والمتملقين، وعُيِّن مئات المديرين والمستشارين والضباط والسفراء والوزراء من دون خبرة أو مؤهلات، وأُضيعت أموال النفط على الهبات والعمولات والتحويلات الخارجية والشركات الوهمية. لم تتحسن الخدمات، بل تدهورت إلى حدودها الدنيا، وساء الأمن إلى درجة أن كل فرد أصبح مسؤولاً عن أمنه! فأصبحت الشوارع تعج بمواكب المسؤولين والمتنفذين وأتباعهم المدججين بالسلاح، وأضحى منظر الشوارع المغلقة بجذوع النخيل وكتل الكونكريت منظراً مألوفاً وأخذت كل عائلة أو مجموعة عائلات على عاتقها نصب مولدة لتزويد المنازل بالكهرباء، بينما اضطر كل من يصاب بمرض خطير إلى أن يبيع أثمن ممتلكاته ليجمع ما يستطيع من مال ويبحث عن العلاج في الهند وإيران. هاجر مئات الآلاف من الشباب عبر زوارق مكتظة بهم تمخر عباب البحار أو في ناقلات الفواكه مختبئين بين صناديق البطيخ والخيار أو بطرق أخرى أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، فمات من مات ووصل من وصل عبر طرق مبتكرة سلكوها للهجرة بعيداً عن بلادهم «الديموقراطية».
أصبحت الانتخابات إجراءً روتينياً يعيد تدوير الأشخاص أنفسهم، فرئيس الوزراء الفاسد يكافأ بمنصب نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الفاشل يصبح وزيراً للمالية! وأحياناً يُستجاب لـ «ضغط الشعب» فيؤتى بوزير «تكنوقراط» خبير في الخرافات وقصص «المركّبات الفضائية السومرية»، بينما يتفاقم الفشل في كل مرافق الحياة. في الانتخابات الأخيرة احتدم التنافس بين الوجوه القديمة الفاشلة نفسها، ولكن تحت مسميات جديدة، فلم يخرج الناس للتصويت لأنهم لم يعودوا يثقون بأصل العملية السياسية، فانتهى الأمر إلى مزيد من التشرذم، فأكبر كتلة برلمانية لديها 54 مقعداً فقط بينما يتطلب تشكيل الحكومة 165 نائباً كحد أدنى.
صفقة الأجهزة الإلكترونية التي جهزتها شركة «ميرو» الكورية تحوم حولها شبهات فساد حتى قبل استخدامها في حساب النتائج، وقد نبهت الأمم المتحدة إلى هذه الحقيقة قبل الانتخابات. ويرى خبراء أن مزورين يعملون لمصلحة جماعات سياسية فاسدة قد استخدموها لتزوير النتائج وأن هذه الجماعات حصلت على تمثيل لا يتناسب مع حجمها الحقيقي. كان عراقيون كثر يأملون في أن بقية شرف أو حكمة سوف تدفع المشتغلين في السياسة إلى الإدراك بأن الإيغال في الفساد والتزوير سوف يؤدي إلى غرق المركب. لكنهم على ما يبدو لا يتمتعون بالحد الأدنى من الوعي البشري، فعادوا إلى أساليبهم الملتوية كي يبقوا في السلطة ويحموا أنفسهم من المساءلة. العراق الآن في مأزق كبير، فلم يعد أحد يثق بالعملية السياسية، وحتى لو أعيد حساب الأصوات يدوياً، فإنه لن يعيد الثقة المفقودة. التوازنات الدولية في عصر دونالد ترامب لا يمكن التنبؤ بها، بينما إيران، التي تدعم بعض الكتل «الفائزة»، هي الأخرى تمر في ظروف غامضة.
7 دوري المجموعات العراقي مشرق عباس الحياة السعودية
بلا حماسة مشجعين أوفياء لأعلام بلدانهم، ومن دون تحكيم عادل، وبغياب تغطية إعلامية شفافة، وبسقف زمني قد يمتد لشهور قادمة، تخوض القوى العراقية منذ أسابيع ما يمكن أن يطلق عليه «دوري المجموعات» في مسابقة تشكيل الحكومة العراقية، أملاً بترشح كل منها إلى المراحل المقبلة من المسابقة التي يصادف أنها تتكرر كل أربع سنوات أيضاً.
ناورت الفرق كثيراً قبيل بدء البطولة، ورفعت من سقف توقعات الجمهور، وتداولت شعارات «الأغلبية السياسية» و «الحكومة الأبوية» و «التكنوقراط»، و «الدولة الحديثة» و «المدنية» و «الأجيال الجديدة»، واتفق الجميع على «اللعب النظيف»، لكن جولة التصفيات كشفت خشونة المشهد، وانقلب الحديث إلى تزوير النتائج، وشراء الحكام، وفساد الاتحاد المشرف على اللعبة، حتى أن القضية أحيلت برمتها إلى محكمة الملعب للبت فيها.
دوري المجموعات بدأ مع ظهور نتائج المترشحين، وركز في مرحلته الأولى على جس النبض، فشهدت لقاءات بين الجميع، وآمال عريضة بقرب حسم المنافسة، حتى أن اللاعبين الكبار ظهروا للمرة الأولى بقمصان مختلفة عن السائد، فسجلوا نقاطاً على بعضهم داخل كل مجموعة، فمثلاً المجموعة الأولى التي ضمت العبادي والصدر والحكيم، شهدت منافسة صامتة لكنها شرسة حول تزوير الانتخابات، وصلت أحياناً إلى عدم تبادل المدربين التحية بعد نهاية كل مباراة، أما مجموعة المالكي والحشد فعلى رغم ما يشاع أن مدربها واحد، إلا أنها شهدت كسر عظم بشأن حرق الصناديق، أما مجموعة علاوي والخنجر والكربولي فقد حيرت الخبراء والمدربين، بعد أن شهدت ظاهرة تبادل اللاعبين، وصار بالإمكان للمرة الأولى مشاهدة انتقال لاعب بين فريقين خلال المباراة نفسها، واستمرت المجموعة الرابعة محسومة بسيطرة القطبين الكرديين، وسط شكوى صغار الفرق من استمرار التزوير والتحيز التحكيمي بحقها.
ولأن اتحاد اللعبة في العراق فريد من نوعه، فهو لا يشترط خروج الخاسرين من المسابقة، بل إن الفرق تنتقل إلى الدور الثاني بعد أن تدمج معها الفرق الخاسرة، فتشكل فريقاً جديداً يحمل اسماً مبتكراً، كأن تتحد المجموعتان الأولى والثانية لتشكيل فريق «التحالف الوطني» الذي يتوقع في هذه الدورة تغيير اسمه بعد فضائح تناول «منشطات» طاولت لاعبيه في الدورات السابقة، إلى «الاتحاد الوطني» أو «الفضاء الوطني»، والأمر ينطبق على المجموعة الثالثة، التي ليس من المتوقع أن ترتدي قميص «تحالف القوى» وربما تستبدله باسم «فضاء القوى»، لكن الرابعة متمسكة مع استمرار الدورات باسم «التحالف الكردستاني» حتى بعد أن اتهم لاعبوها بعضهم بعضاً بالخيانة وبيع المرمى للفريق الخصم.
السخرية المرة، أن البطولة العراقية تبدأ وتنتهي في كل مرة إلى النتائج نفسها، فالفرق تخوض في المباراة النهائية صراعاً حاداً ليس لغرض الفوز، بل لمنح كل فريق حصته من المنتخب النهائي الذي سيحمل كأس الحكومة بعد أن يتم اختيار كابتن الفريق الذي صممت البطولة نفسها من أجل اختياره، فنظام النقاط العراقي ليس فيه خاسر، بل الجميع يحصل على جائزته بما ناور وتآمر واشترى وباع، ليستعد لخوض البطولة المقبلة.
التساؤل الذي بدأ الخبراء بطرحه يتعلق بانحسار الجمهور والمشجعين، وقد كان الملعب شبه فارغ منهم خلال التصفيات، ويبدو أكثر وحشة في دوري المجموعات، والخشية أن تخاض المباراة النهائية بملاعب خالية تماماً إلا من «التراس» الأحزاب وأصوات أبواقهم المرتفعة، ما دفع إلى انطلاق مناشدات بتغيير قوانين اللعبة التي فقدت بريقها بعد أن فقدت صدقيتها.