8 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 قائمة “يائسون” العراقية
د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

الصدر لا يمكن أن يحيد عن خط إيران، فكما أنقذ العملية السياسية في الماضي من الغضبة الجماهيرية وجيرها لصالح إيران، فلا يستبعد أحد أن يجير حكومة الـ20 بالمئة المنتظرة للصالح الإيراني أيضا.
لا خروج عن نهج إيران
قال أحد الخبثاء سمع بتحالف “سائرون – الفتح”، الذي كان مفاجأة صعقت من فكّر بنحو حالم، في أن مقتدى الصدر يمكن أن يغرد خارج السرب الإيراني “نحن الآن بنا حاجة شديدة لقيام قائمة جديدة بعنوان يائسون”، مشيرا إلى أن أغلبية العراقيين يائسون من أن تعطي العملية السياسية ثمرة مفيدة للأوضاع التي يعاني منها العراق.
والواقع، أن أكثر من 80 بالمئة من العراقيين، الذين قاطعوا انتخابات مايو الماضي، هم من اليائسين من أي إصلاح في هذه العملية السياسية المصممة على مقاس شخوص فشلوا في تقديم أي شيء للعراق سوى الفوضى المستديمة، فعلى الرغم من أن زعيم التيار مقتدى الصدر اجترح مصطلح “الفضاء الوطني”
إلا أن العراقيين باتوا متأكدين أن العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية لا يمكنها الطيران في الفضاء الوطني الذي اجترحه الصدر، وتأكد لهم ذلك تماما عندما أعلن الصدر تحالف قائمته “سائرون” مع قائمة “الفتح”، عميقة الصلة بالولي الفقيه الإيراني، وهم كانوا على يقين، ومن خلال التجارب السابقة المريرة مع الصدر أنه سيقدم على طبق من ذهب، الأصوات المنادية بمدنية الدولة إلى دعاة الدولة الدينية المرتبطة بولاية الفقيه الإيراني، وأن أي محاولة لإصلاح الأوضاع في العراق لن يُكتب لها النجاح في ظل وجود الطبقة السياسية الحالية المتمسكة بطائفيتها بعدما ربطت مصيرها بالمصير الإيراني.
والتساؤل الذي طرحه الدكتور طاهر البكاء وزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة إياد علاوي على صفحته في فيسبوك، مثال آخر على اليأس الذي نتحدث عنه، فقد كتب ما نصه “أقول في الجود: هل سيضحي زعماء الأحزاب وقادة الكتل بمواقعهم وامتيازاتهم من أجل العراق، أم نضحي بالعراق وأهله من أجلهم؟”.
ما كان يثير مخاوف العراقيين أن تقوم في بلادهم حكومة ميليشيات، وتأكدت مخاوفهم عندما تحالف مقتدى الصدر صاحب ميليشيا سرايا السلام مع هادي العامري صاحب ميليشيا بدر، والتي تضم قائمته قيس الخزعلي صاحب ميليشيا عصائب أهل الحق، ومن سينضم إليهما من القوائم الشيعية ليتشكل منها البيت الشيعي على أسس جديدة، وليصبح الفضاء الوطني الذي يتبجح به الصدر محض أكذوبة ينخدع بها بعضهم وليس جميع العراقيين.
من هنا كانت المقاطعة الشعبية للانتخابات خطوة حكيمة، جعلت العملية السياسية عارية تماما، لكن لهذه المقاطعة الواسعة استحقاقات كبيرة، فالمقاطعون لن يسكتوا على استمرار الخراب في بلدهم والنهب لثرواته، وقد بدأت بوادر عدم السكوت بقيام حركات شعبية معارضة أخذت تعلن عن نفسها، كما أن نبرة العداء للنفوذ الإيراني بدأت تتصاعد في الشارع العراقي، مع وعي بأن إيران بدأت تنكفئ إلى الداخل الإيراني مع إحساس بأن مواجهتها مع الولايات المتحدة أضحت وشيكة، وأنها تعمل على ترتيب الداخل العراقي لصالحها عبر الموالين لها من سياسيين ليكون العراق خط الصد الأول في المواجهة الأميركية الإيرانية.
إن الطبقة السياسية العراقية بدأت تشعر بمزاج الشارع العراقي وتحاول أن تداريه عبر تصريحاتها، فقد وقف النائب السابق فتاح الشيخ وسط المنطقة التي دمرها التفجير في مدينة الصدر وصاح بأعلى صوته “ستترحمون على صدام وعلى البعثيين”.
خلاصة القول إن الصدر لا يمكن أن يحيد عن خط إيران، فكما أنقذ العملية السياسية في الماضي من الغضبة الاحتجاجية الجماهيرية وجيّرها لصالح إيران، فلا يستبعد أحد أن يجير حكومة الـ20 بالمئة المنتظرة للصالح الإيراني أيضا، مع فارق كبير واحد هو أنه سيكون للـ80 بالمئة، التي قاطعت الانتخابات، كلمة هذه المرة.
2 تفكيك المفكك.. تكوين قاعدة لمن لا قاعدة له صباح علي الشاهر راي اليوم بريطانيا

سيظل البحث عن مفهوم التغيير الذي أريد إحداثه من خلال إحتلال العراق مثار جدل بالنسبة للبعض، رغم أنه لم يعد مقبولاً إعتبار ماحدث يوم التاسع من نيسان عام 2003 تحريرا، خصوصاً بعد أن أعلنت أمريكا أن العراق أصبحت بلداً محتلاً ، وأن من حقها التصرف معه على هذا الإساس، لكن الذين تدربوا في برامج التدريب في أوروبا وغيرها على النظر على ما سيحدث لاحقاً بأنه تحريراً، ظلوا سادرين في غيهم ، لايريدون الإنتقال من خانة “الفضيحة” إلى خانة “االخديعة”، لقد إرتضوا أن يكونوا عن قناعة “مفضوحين” من أن يكونوا “مخدوعين” ، ولله في خلقه شؤون !
كان من بين من تعاون مع المحتل أدباء وشعراء ، ومثقفين يساريين وقوميين ، عرف عنهم سابقاً عداءهم للإستعمار والأمبريالية ، لذا كان ظهورهم مؤيدين ومساندين لقوات الاحتلال عامل سيضاعف الحيرة والإضطراب، وسيسهل تمرير الأفكار التي عمل عليها بتخطيط مُحكم، خصوصاً وأن المتغيرات التي حصلت عالمياً ، وإنهيار الشيوعية والمعسكر الإشتراكي ، وتخلي العديد من الحركات اليسارية عن اليسار ، بزعم التجديد، قد أحدث حيرة لا مثيل لها ، ليس بالنسبة لمحدودي الثقافة والوعي بل بالنسبة لمتعمقين فيهما أيضاً ، فكيف يكون الأمر بالنسبة لأجيال إنقطعت عنها وسائل الإتصال ، وإنحصرت أغلب معارفها في ما يبثه تلفزيون الشباب ، أو ما يُعلن ويُذاع عن الذي إذا قال قال العراق .
لقد حضر هؤلاء محملين بمشاريع ورؤى لم تكن من بنات أفكارهم ، وإنما هي جزء مما أملي عليهم في الدورات إياها، بعضهم كانوا محترفين إعلاميين وإقتصاديين وعاملين في الحقل السياسي ، وبعضهم مجرد هواة لم يقيض لهم العمل في أي وسيلة إعلامية وما كان لهم خبرة في أي عمل سياسي أو إداري سوى تلك المعلومات الأولية التي زودوا بها على عجل ، المفارقة أن كل الذين كانوا يمتلكون خبرات في شتى الحقول ، سرعان ما غادروا البلد بالترافق مع مغادرة بريمر أو بعده بقليل، لقد إكتفوا بالتقاعد المجزي الذي حصلوا عليه بعد خدمة لا تتجاوز العام إلا قليلاً، وبعضهم إبتعد عن السياسة وبلاويها ، لكنه ظل ينقنق بمعارضة فارغة من كل مضمون .
إنتهت مهمة هؤلاء بعد أن أسسوا ما طُلب منهم تأسيسه ، مؤسسات إعلامية ، ومواقع للتواصل الاجتماعي ، ومواقع ألكترونية ، وصحف ، ومنظمات مجتمع مدني، مُنحت إدارة هذه المؤسسات والمنظمات لأسماء جديدة ، مجهولة غالباً إلا ما ندر، وتوزعت خدماتها على كل القوى السياسية التي أصبح عليها العمل الآن في إطار ما سُمي بالعملية السياسية ، توزعوا على القوى السنية والشيعية والكرد ، وكل الأقليات، وبعضهم حتى سمح له بالنقنقه ضد الاحتلال، ولكن ليس الاحتلال الأمريكي الفعلي، وإنما الإحتلالين الأمريكي والإيراني، من دون إغفال الصراخ ضد هيمنة رجال الدين، وأصحاب العمائم واللحى، والتركيز على الدعوة إلى المدنية والليبرالية ، وتسخيف النضال ، والعروبة ، والتحرر الوطني ، والسخرية من مفاهيم السيادة ، والدعوة بلاهوادة للخصخصة ، والتخلص من القطاع العام الذي لاتطور للبلد إلا بتحويله إلى القطاع الخاص، وقد أفلح مستشارو بريمر الإقتصاديون والسياحيون، في تحويل أبرز الفنادق والمنشآت إلى القطاع الخاص ، بعد بيعها بأثمان بخمسة وبعمولات كبيرة ( كومشن ) ، أما المؤسسات الاقتصادية التي لم يتم بيعها فقد عُمل على تدميرها ، ومنع إعادة تشغيلها ، وجعلها عالة على الدولة مما يسمح لهم بالقول ( إنظروا هذا هو القطاع العام ) !
أما المستشارون في المجال العسكري فقد كان إنجازهم هائلا ، حيث أفلحوا في إنهاء وجود الجيش برمته ، وأنهوا تماماً التصنيع العسكري، بحيث لم يعد العراق قادراً على إنتاج رصاصة بندقية أو مسدس ، ولا حتى سكين مطبخ ، وتم تدمير كل المواقع العسكرية، ومثلما أراد بيان 91 لم يبق في العراق لا طائرة أو بارجة ، خل عنكم ولا صاروخ، وحولت الأسلحة الثقيلة إلى خردة تناهبها الإقليم والجيران، وعندما أريد تسليح الجيش الجديد الذي تشكل من كل العسكريين القدامى الذين أعلنوا عن إستعدادهم للتعامل مع المحتل ، بعد أخذ تعهدات منهم ، فإن الذين كلفوا بعقد صفقات التسليح عمدوا إلى الإحتيال ، بحيث سرقوا المليارات من دون أن يسلحوا الجيش ولا ببندقية ، وكانت هذه الأفعال تجري في ظل السيطرة المباشرة للمحتل وتحت إشرافه .
شكى لي أحد المتعاونين مع المحتل ، وكان يسكن دولة أوروبية ، بأنه دخل العراق ومعه معدات إذاعة كاملة ، لكن الطائفيين لم يسمحوا له بالعمل . سألته : كيف أدخلت هذه المعدات وعن أي طريق؟ ، قال : ساعدني الأمريكان على إدخالها، وهي من أحدث الأنواع وأكثرها تطوراً ( ملاحظة لابد منها ، أنا أعرف أن هذا الشخص ما يملك شيئاً ، وهو يعيش على الإعانة الاجتماعية ). فيما بعد عرفت أن هذا الشخص أسس إذاعة بالفعل، وكلف أشخاصاً بإدارتها، وعاد أدراجه ، وأمثال هذا كثر ، نفذوا ما أريد منهم ، وتركوا البلد لا بسسب كونهم قد إختلفوا مع المحتل، وإنما لأن الوضع كان خطراً، وعملاء المحتل مستهدفون من قبل الرافضين للإحتلال .
قلة قليلة من الذين كانوا يعيشون في الخارج عادوا وإستقروا في البلد بعد الاحتلال، وهؤلاء القلة لم يكن لهم أي رصيد في المجتمع ، لذا منح المحتل البلد لهم ، كي يستغلوا كل مصادره ، ثم ينفقونها على تشكيل أتباع ومريدين، وهكذا اسسوا أحزابا وتنظيمات، وكتل، شيعية ، وسنية، وكردية، بعد أن وضعوا أيديهم على كل المرافق العامة تقريبا.
3 تحالف السيد الصدر مع الفتح لا يحتاج إلى توضيح وشرح! أحمد بودستور
الوطن الكويتية

يقول المثل الشعبي ( الحي يقلب ) فقد لحس السيد مقتدى الصدر وعوده في السعي لتشكيل حكومة غير موالية للنظام الايراني وذلك برفض التحالف مع تحالف ( الفتح ) المدعوم من إيران وبذلك هو ينقلب على مبادئه ويغير جلده ويؤكد أن ليس هناك مبادئ في عالم السياسة ولكن توجد مصالح .
ان هذا الانقلاب المفاجئ في المواقف لايحتاج إلى توضيح وشرح فهناك مهلة لتشكيل الحكومة وعندما قربت هذه المهلة على الانتهاء ولم يجمع السيد الصدر العدد الكافي من النواب لتشكيل الحكومة ولأنه لا يريد هذه الفرصة أن تضيع منه قرر التحالف مع تحالف ( الفتح) الذي يمثل ميليشيا الحشد الشعبي الذي طالب السيد مقتدي الصدر بحله ونزع سلاحه ولكن اليوم بسبب كرسي رئاسة الوزراء الذي يملك الصلاحيات الواسطة للحكم وإدارة شؤون العراق والطريق لهذا الكرسي هو التحالف مع قائمة الفتح لأنه يملك أكثر من 44 صوتا كافية لتشكيل الحكومة العراقية لو لم ينهار تحالفه مع القوائم الأخرى.
أيضا هناك ضغوط هائلة من النظام الايراني تمارس على السيد مقتدى الصدر خاصة أنه كانت له علاقات جيدة مع أقطاب النظام الايراني وكذلك مرشد الثورة السيد خامنئي بحكم إقامته في إيران فترة طويلة
الجدير بالذكر أن عدد أعضاء مجلس النواب العراقي هو 328 والتكتل الذي يريد تشكيل الحكومة عليه أن يمتلك 165 صوتا وهي الأغلبية في المجلس وهو مايسعى إليه السيد مقتدى الصدر وطبعا في حالة فشله سوف تعطي الفرصة لتكتل آخر حتى يحاول تشكيل الحكومة وقد يكون البديل هو تحالف ( النصر ) الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي يتطلع لدورة ثانية في منصب رئيس الوزراء العراقي .
ان المشهد العراقي السياسي لازال مرتبكا فهناك طعون أمام المفوضية العليا للانتخابات تطعن في نتائج الانتخابات العراقية ولابد من الانتظار حتى يصدر حكما بقبول أو رفض هذه الطعون ولازال المشوار طويلا أمام تشكيل حكومة عراقية جديدة وقد يترتب على هذا الانتظار الطويل دخول العراق في فراغ سياسي مما ينذر بنتائج خطيرة من عدم الاستقرار السياسي.
السيد مقتدى الصدر عبر في تصريح سابق عن مخاوف من انزلاق العراق في مستنقع حرب أهلية وعودة تنظيم كلاب النار داعش وهناك أطراف تسعى إلى إشعال حرب أهلية في العراق وفي مقدمتها النظام الايراني الذي يعيش على الحروب الأهلية من خلال أذنابه في العراق وغيرها من البلدان فهو لايمكن أن يستمر في بلد ينعم بالاستقرار والأمن ولايحتاج إلى دعم خارجي يسيطر على قراره الوطني كما هو وضع العراق الآن.
أيضا هناك مخاوف من إمكانية تحالف تيار سائرون الذي يقوده السيد مقتدى الصدر مع قائمة دولة القانون التي يرأسها رئيس الوزراء السابق وحليف النظام الايراني نوري المالكي ولو حصل ذلك فهو حتما يعتبر عودة الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي وهناك رفض لهذا الوضع خاصة من المكون السني وهنا تبرز المخاوف من انزلاق العراق في مستنقع الحرب الأهلية.
4 الخوف قبل 1990 واليوم مظفّر عبدالله جريدة الجريدة الكويتية
حل الخلافات والنأي بمنطقة الخليج عن مسببات الحروب التي اكتوت بها ٣ مرات مُدمرة يُعد على رأس أولويات المستقبل لشعوب لا تريد سوى السلامة.
أول العمود: تخيلوا كل موجة التدين التي نزلت علينا في رمضان- وهي مقبولة- لم تمنعنا من التساهل والسكوت عن انتشار أطفال يبيعون البطيخ داخل المناطق السكنية في عز الظهيرة!! من هؤلاء؟ ومن وراءهم؟ سؤال لمجلس الوزراء الموقر.
عشت حالة من الخوف على بلدي أيام انعقاد المجلس السُّبة في تاريخ الكويت السياسي، الجهاز المسخ المسمى “المجلس الوطني” الذي أدى دور مُشرِّع الزور وعرض مسرحيات الهزل السياسي، ولأنه كائن سياسي هبط علينا بلا ترخيص ومباركة من الشعب بسبب تعليق الدستور فقد كان موضوع “شهية” صدام حسين في الكويت ليس من بين أحاديث أعضاء ذلك المجلس. وبعدها دخل صدام غازيا بلداً عربياً! وربما كانت تلك الحادثة محدودة في أسبابها ولاعبيها، لكن حالنا اليوم يختلف تماما عن عام ١٩٩٠، اليوم الخوف مضاعف، ويردد الكثير منا علناً بأننا الزبون التالي على كرسي حلاق التحالفات الدولية، نحن كخليج عربي!
عندما حدثت تظاهرات الأردن الأخيرة هبَّت دول الخليج لتمويله، الناس امتعضت من هذه السيمفونية المملة ولسان حالهم يقول: إلى متى هذا الموال؟ لكنه الخوف من المجهول، فنحن مهددون اليوم بشكل أشرس من عام ١٩٩٠، اليوم الخليج بأكمله مهدد وليس دولة واحدة منه.
أمامنا إدارة أميركية تمارس التخويف علنا وتطالب بالتمويل لأي جهد حمائي للمنطقة وبلا اتفاقات أمنية! هكذا حسب الحالة، وأمامنا أيضا الحرب في اليمن، وملف الأزمة الخليجية- الخليجية، والتهديدات الإيرانية، وخطر التنظيمات الإرهابية. مشهد أسود ومخيف لا يمكن أن يمر هكذا، فوحده الخليج الذي يعيش في أمان نسبي رخو في المنطقة العربية التي تنخر فيها مساوئ الإدارة العامة وحلب الخزينة العامة، ويعتقد عامة الناس أننا مقبلون على كوارث لا تحمد عقباها، إحساسهم بالأمن بات يتآكل ويضعف، وعنوان هذا الضعف كلمة “الله يستر علينا” أو “نحن الضحايا القادمون”.
حل الخلافات والنأي بالمنطقة عن مسببات الحروب التي اكتوت بها المنطقة الخليجية ٣ مرات مُدمرة يُعد على رأس أولويات المستقبل لشعوب لا تريد سوى السلامة، فبعد الغزو العراقي لدولة الكويت، وهو حدث خرافي في وقتها، لم يعد لدينا أي مُتسع من الوقت لعدم تصديق أحداث أكثر خُرافية قادمة وربما تكون قريبة وثمنها باهض.
والله يستر علينا.
5 لماذا لا تريد أميركا الاستقرار للشرق الأوسط؟ ميثاق مناحي العيساوي الشرق الاوسط السعودية

تعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق الكرة الأرضية تقلباً من حيث عدم الاستقرار السياسي والأمني عبر التاريخ، وبقدر هذا التقلب الذي أنهك شعوبها تزداد أهميتها الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية، لذلك كانت ولا تزال تمثل محور الصراع والتنافس العالمي بين الإمبراطوريات السابقة وأقطاب النظام العالمي الحالي.
فبعد انسحاب بريطانيا وفرنسا من المنطقة وتراجع دورهما في منتصف القرن الماضي، استوطنت القوة الأميركية المنطقة تدريجياً وأصبحت الإمبراطورية الوحيدة التي تحكم قبضتها العسكرية وتفرض إرادتها السياسية على المنطقة، مستفيدة بذلك من بعض الأنظمة السياسية التي أفرزتها اتفاقية سايكس – بيكو عام 1917.
هذا التنافس الأزلي في المنطقة أخذ أشكالاً متعددة، مرة بحجة الاستعمار، ومرة أخرى عن طريق الدفاع عن الحلفاء، ومرة ثالثة عن طريق الدفاع عن القيم الإنسانية ومحاربة الشر وحماية الديموقراطية وحقوق الإنسان، والشكل الأخير مثّل محور التنافس والصراع الدولي في العقود الماضية ابتداءً من نهايات القرن الماضي وحتى الآن.
ولعل المتتبع للمشهد السياسي وطبيعة الدور الأميركي في المنطقة، يكتشف أن الفكر السياسي الأميركي، بعد نهاية الحرب الباردة، مثّل قمة التطور البراغماتي الأميركي على الصعيد الخارجي، وذلك من خلال سياسته في خلق الأعداء ومن ثم مقاومتها والتصدي لها، وهذان التنافس الدولي وعدم الاستقرار اللذان تعانيهما المنطقة لم يكونا موجودين، لو لم يكن هناك عدو مفترض دائم التنافس يهدد الوجود الأميركي، بغض النظر عن طبيعة هذا العدو، سواء كان نظاماً سياسياً أو جماعات متطرفة أو تهديداً ايديولوجياً.
فالولايات المتحدة عمدت، طوال وجودها السياسي والعسكري وتنافسها الاستعماري على مقدرات الشرق الأوسط، إلى اتباع سياسة خلق الأعداء بشكل أو بآخر، حتى ولو كان صديقاً أو حليفاً سابقاً، أي بمعنى آخر إن الأميركيين يرون ديمومتهم السياسية في المنطقة من خلال هذه السياسة (سياسة خلق الأعداء). وهذه السياسة أخذت أشكالاً وحججاً مختلفة، فتارة بحجة الحرب على الإرهاب وتارة أخرى بحجة التصدي للتهديد الذي تمثله الأنظمة المارقة والديكتاتورية في المنطقة على مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان (وفق الوصف الأميركي)، وقد تمكنت الآلة الإعلامية الأميركية من تسويق تلك العبارات للرأي العام العربي العالمي بنجاح كبير.
إن القصد من هذه المقدمة هو توضيح فكرة المقال وإيصالها إلى القارئ، وكذلك من أجل التأكد من فرضية المقال وطرح التساؤلات الآتية: هل إن الولايات المتحدة تضع عملية الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الشرق الأوسط من ضمن أولوياتها الاستراتيجية بما يضمن مصلحتها الدائمة، أم أنها تتعمد خلق الأزمات السياسية والأمنية التي تضرب المنطقة بين فترة وأخرى؟
وللتأكد من هذه الفرضية تمكن الإشارة إلى بعض تجارب الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
– التجربة العراقية: بعد إطاحة نظام صدام حسين في عام 2003 كان بإمكان الولايات المتحدة أن تحافظ على بنية الدولة العراقية ومؤسساتها الأساسية، لا سيما الأمنية منها، ومن ثم العمل على خلق نظام سياسي جديد من دون المرور بمرحلة الفوضى السياسية والاقتتال الداخلي بين مكونات الشعب العراقي. هذه التجربة لو تمت بالفعل لكان العراق اليوم أحد أهم أركان النظام الإقليمي في المنطقة، وربما يكون العامل الأساس والداعم الرئيس لعملية الاستقرار في المنطقة، إلا أن الإرادة الأميركية كان لها رأي آخر في أن يكون العراق بيئة مناسبة لخلق التطرف والإرهاب وأن يكون مرتعاً لشتات التطرف الإرهابي في العالم، وأن يكون الحلقة الأضعف في النظام الإقليمي، لأن إضعافه هو إضعاف لركن أساس من أركان الأمن الإقليمي واختلال كبير للتوازنات الإقليمية.
– التجربة السورية: على رغم أن النفوذ الأميركي ضعيف نوعاً ما على الأرض السورية مقارنة ببعض الأنظمة، فإن الثورة السورية التي انطلقت في العام 2011 تركت انطباعاً عاماً بأن الولايات المتحدة لا تريد أن تضع حلاً سريعاً للأزمة وكانت تريد أن يتفاقم الوضع السوري من أجل إرباك الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في سورية والمنطقة بشكل عام، حتى أصبحت الأزمة السورية خطراً يهدد أمن المنطقة بالكامل، والدليل على ذلك ما حدث للعراق في العام 2014 عندما اجتاح تنظيم «داعش» الإرهابي ثلث المساحة الجغرافية للعراق.
– تجربة الاتفاق النووي وشيطنة إيران عالمياً: على رغم الخلاف السياسي بين طهران وواشنطن بعد العام 1979، إلا أن التوصل إلى عقد الاتفاق النووي بين الدول (5+1) وطهران في العام 2015 كانت نقطة تفاؤل كبيرة، أجمع أغلب المتخصصين على أنها تساهم في خفض حدة التوترات السياسية بين الطرفين، وذهب تفاؤل بعضهم إلى إمكان إعادة الانفتاح الديبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة، لا سيما أن طهران كانت جادة في إعادة مد خطوط الانفتاح السياسي مع واشنطن من خلال رفعها ليافطات «الموت لأميركا» من الساحات العامة في طهران وبقية المحافظات الإيرانية، إلا أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي شكّل ضربة قوية للاتفاق وللجهود الدولية الباحثة عن استقرار منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن هذا الانسحاب لم يبن على قراءة واقعية أميركية بقدر ما كان إرضاءً لأطراف أخرى لم تكن طرفاً في الاتفاق.
هذا الاتفاق كان من الممكن أن يؤدي إلى فتح قنوات الاتصال السياسي والديبلوماسي بين طهران وواشنطن وأن يساهم بشكل كبير في إعادة استقرار المنطقة، إلا أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق والهجوم الشرس الذي تشنه الإدارة الأميركية على إيران كانا بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير»، وهذا ما يعطي رؤية واضحة عن عدم جدية الولايات المتحدة في تثبيت عملية الاستقرار في المنطقة، لا سيما إذا ما قارنّا الجهود الأميركية الحالية وطريقة تعاملها مع الأزمة الكورية من أجل تفكيك الترسانة النووية لكوريا الشمالية وعقد سلام دائم بين الكوريتين، وبين طريقة تعاطيها مع إيران وأزمتها النووية وترسانتها الصاروخية وقضايا الشرق الأوسط بشكل عام.
إن الأدلة كافية لتأكيد النوايا الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، القائمة على تأجيج مناطق الصراع بين فترة وأخرى والاعتماد على سياسة خلق الأزمات الداخلية والخارجية وترجيحها لسياسة الصراع والمواجهة مع إيران وتأجيج الصراع العربي – الفارسي، على سياسة التفاهمات والحياد والتواصل السياسي والديبلوماسي بين واشنطن وطهران وبين طهران والدول الخليجية. ولذا فإن عملية الاستقرار في المنطقة صعبة جداً في ظل العداء الأميركي الإيراني، وعلى الدول الباحثة عن الاستقرار الداخلي أن تعتمد على جهود فردية داخلية بعيدة من التدخلات الأميركية والإيرانية ومن الصراع الإقليمي.
6 حرب ما بعد الحرب عبد حامد الحياة السعودية

كل بلد يشهد حرباً طاحنة لا يخرج منها سليماً، فما بالك إذا تواصلت هذه الحرب لنصف عقد أو أكثر، كما حصل في لبنان والعراق وسورية؟ ويبدو أن حروباً مستعرة الآن في عالمنا العربي ستستمر أيضاً لتقترب من العقد وتفضي إلى ما أفضت إليه سابقاتها.
كان لبنان، قبل اندلاع الحرب فيه في منتصف السبعينات من القرن الماضي واستمرارها حتى مطلع التسعينات، يشـــهد حركة ثقافية وأدبية وفكرية وسياســية شاملة. كان شارع الحمراء يضج بدور السينما والمـــسارح، وكان عدد المكتبات يرتفع باستمرار، وكانت الأمـــاكن الـــعامة فيه كثيرة حيث يجتمع فيها الناس، ليس من مختلف شـــرائح المجتمع اللبناني بل من العرب والأجانب أيضــاً، يتبادلون الكلام بكل حرية في الأدب والسياسة والفن وفي كل شؤون الحياة والدنيا. كنت تجد في لبنان مختلف التيارات والاتجاهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من دون أن يخل ذلك بأمنه واستقراره. وكانت أسواق العملات الأشهر في المنطقة للتبادل التجاري والمصرفي. كان في وسط بيروت أكثر من 52 كاراجاً تنطلق منها السيارات والحافلات إلى مختلف مناطقه. وكانت صناعة الحرب فيه مزدهرة، وأحدثت ثورة اجتماعية إذ بدأت المرأة اللبنانية الخروج من منزلها إلى العمل.
بعد الحرب أغلقت غالبية المكتبات أبوابها، فيما تكافح الباقية لتحافظ على دورها. أما دور السينما والمسرح فأصبحت تعد على أصابع اليد الواحدة مع تدهور مستواها. ولا يوجد مكان عام في لبنان يلتقي فيه جميع اللبنانيين بمختلف مكوناتهم، إذ باتت كل منطقة فيه تضم مكوناً واحداً، أو طائفة واحدة.
كانت أجواء لبنان بحد ذاتها مستشفى لكل عليل ومريض، لذا كان يتوافد إليه الألوف من العرب ومن غيرهم طلباً للاستشفاء والراحة والاستجمام. لكن اليوم ارتفعت درجة التلوث فيه إلى مستوى خطير بسبب تكدس أكوام القمامة، ويشهد تراجعاً في تقديم الخدمات الضرورية لحياة الإنسان. هذا لبنان بعد الحرب. أما العراق فحاله ليست أفضل بعد الحرب، بينما حال سورية أفظع منهما معاً.
7 الانتخابات تنهِك العراق بمزيد من الأزمات
كامران قره داغي الحياة السعودية

بدايةً لا يسعى هذا المقال إلى تبرئة المفوضية العليا «المستقلة» للانتخابات في العراق. فهي ليست هيئة مستقلة ولا نزيهة كما ينص قانونها، وبالتالي فإن اتهامها بالتلاعب بنتائج الاقتراع له ما يبرره تماماً. نقطة على رأس السطر.
لكن ما سلف لا يعني تبرئة البرلمان العراقي المنتهية ولايته من مسؤوليته عن أزمة ما بعد الانتخابات التي يواجهها العراق وتهدد بخطر فراغ دستوري، فيما لا يبدو في الأفق ما يشير إلى قدرته على الخروج منها سالماً. فهذا البرلمان نفسه هو الذي أقر تشكيل المفوضية وصادق على تسمية أعضائها الذين لم يتم اختيارهم على أساس الخبرة القانونية والاستقلال، بل على أساس انتمائهم إلى الجماعات التي رشحتهم وولائهم لها. وهذا البرلمان نفسه أقر فرز الأصوات بالعد الإلكتروني وعاد ليصر على ضرورة إعادة الفرز بالعد اليدوي بعدما خسر غالبية أعضائه مقاعدهم البرلمانية. إلى ذلك رفض البرلمان وقتها بشدة إشراف القضاة على العملية الانتخابية، فإذ به الآن بعد هزيمته يقرر اعتماد مشروع قانون لحل المفوضية وتعيين قضاة بدلاً من أعضائها لإجراء عملية إعادة الفرز.
كيف يمكن لبرلمان منحل أن يواصل أعماله على رغم انتخاب برلمان جديد؟ من غرائب قوانين العراق التي تتسبب عادة في خلق الأزمات بدلاً من حلها أن دستور البلاد يسمح ببقاء برلمانه وممارسته مهماته لفترة قد تصل إلى أشهر بعد انتخاب برلمان جديد، إذ تنص المادة 56 من الدستور على أن «تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة». هذا يعني أن البرلمان الحالي باق حتى نهاية الشهر، ومن السخرية أن يستمر برئاسة سليم الجبوري على رغم أنه ونائبه الأول همام حمودي وغالبية نوابه خسروا مقاعدهم البرلمانية في الانتخابات.
في الديموقراطيات البرلمانية يصبح البرلمان منحلاً ويفقد شرعيته حالما يُعلن إجراء انتخابات جديدة وفقاً للقانون. في بريطانيا مثلاً يعتبر البرلمان منحلا قبل إجراء انتخابات جديدة بخمسة وعشرين يوماً. ويوضح القانون البريطاني أنه بحل البرلمان فإن جميع مقاعده تصبح شاغرة، وبالتالي لن يكون هناك أعضاء فيه فيفقدون حصانتهم وامتيازاتهم مما يتمتع به النائب ويعودون مواطنين عاديين. ويمنح القانون أعضاء البرلمان المنحل فرصة لا تتجاوز بضعة أيام للدخول إلى مكاتبهم داخل البرلمان لغرض إخراج أوراقهم الخاصة، لكن من دون الحق في استخدام خدمات البرلمان اعتباراً من الساعة الخامسة مساء يوم حله.
في الأثناء يسعى الجبوري مدعوماً من بقية الخاسرين إلى استخدام كل وسيلة، قانونية وغير قانونية وحتى تآمرية، لإلغاء نتائج الانتخابات، كلياً أو جزئياً، بأمل الاحتفاظ بكراسيهم أطول مدة ممكنة، مع ما تتيحه هذه الكراسي من امتيازات سخية، والأهم التأثير في القرار السياسي وفقا لمبدأ المحاصصة الطائفية. وفي تطورات ما بعد الانتخابات، وبعضها يبدو كأنه جزء من مسلسل فيلم خيالي، نشوب حريق غامض في مخازن تحوي صناديق الاقتراع انتظاراً لتدقيقها في جانب الرصافة من بغداد، ويبلغ تعداد الناخبين فيها نحو ثلاثة أرباع إجمالي الناخبين في محافظة بغداد. ويعتقد أن الحريق التهم أيضاً معدات لعد الأصوات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.
المهزلة في ما سلف أن البرلمانيين الخاسرين الفاقدين للشرعية يحالفهم النجاح بعدما تبنى القضاء مشروع قانون أقره البرلمان المنتهية ولايته بإلغاء النتائج وإعادة الفرز بالعد اليدوي في مناطق عدة، فيما يبدو موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي مهزوزاً بعدما جاءت قائمته الانتخابية «النصر» في المركز الثالث، وهي نتيجة خيبت أمله بالحصول على المركز الأول معتقداً أن ارتباط هزيمة «داعش» بشخصه من شأنه أن يضمن له النتيجة المرجوة.
فوق ذلك سارع القضاء إلى تنفيذ مشروع القانون من دون أن يصدر به مرسوم جمهوري يصادق عليه كي يصبح قانوناً، إذ هو لا يكتسب الشرعية إلا بعد نشره في جريدة «الوقائع» الرسمية كما ينص عليه الدستور. في غضون ذلك ينشط بازار الصفقات بين القوائم الانتخابية في مساع لتقاسم المكاسب والكراسي على أساس المحاصصة التي تبرأت منها الجماعات السياسية زوراً خلال الحملة الانتخابية. حتى كتابة هذه السطور أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، راعي قائمة «سائرون» التي حصلت على أعلى الأصوات، تحالفه مع قائمة «النصر» التي جاءت في المركز الثاني ويتزعمها قائد الحشد الشعبي القريب جداً من إيران هادي العامري. الصدر هو نفسه الذي هاجم حيدر العبادي عشية الانتخابات لتحالفه، الذي لم يعمر طويلاً، مع قائمة «الفتح» ملمحاً إلى طائفيتها!
تفاقم أزمة ما بعد الانتخابات بات يهدد بلجوء تشكيلات «الحشد»، التي تخضع لمراجعها السياسية وتحتفظ بأسلحتها الخفيفة والثقيلة، إلى استخدامها لتحقيق أهداف سياسية. وكان العبادي اعترف في أحدث تصريحاته قبل أيام بوجود «نحو 100 فصيل» مسلح في بغداد «تدعي أنها حشد شعبي وهي ليست حشداً شعبياً». جاء تصريحه في أعقاب انفجار أكداس للعتاد قبل أيام، تعود لمجموعة مسلحة في مدينة الصدر شرقي العاصمة، وهي معقل الصدر الذي كان بين أوائل الجماعات الشيعية التي شكلت فصائل مسلحة بعد إطاحة النظام البعثي في 2003، ابتداء بـ «جيش المهدي» الذي لم يرفع السلاح ضد الاحتلال الأميركي فحسب بل استخدمه في الوقت نفسه لترسيخ معاقله ضد خصوم التيار، وانتهاء بـ «سرايا السلام» في إطار «الحشد الشعبي». خطورة السلاح خارج سيطرة الدولة أنه، على ما لاحظ الزميل مشرق عباس في مقال له في «الحياة» تعليقاً على انفجار مدينة الصدر، أنه يتم خزنه في أماكن سكنية مكتظة ومساجد وحسينيات ووسط المدن لا خارجها»، وهنا تحديدا يجب التنبّه إلى «مدى خطورة ظاهرة التسلح وتعاظمها، إلى درجة أن مدن العراق بمثابة قنابل موقوتة بإمكانها أن تنفجر بطريقة حسينية مدينة الصدر لتهدم عشرات المنازل وتودي بالضحايا».
في ضوء ما سلف ينشأ في العراق وضع سياسي– أمني غير مسبوق من شأنه أن يقضي على آمال اعتقد العراقيون أنها قد تتحقق أخيرا بعد الهزيمة العسكرية لتنظيم «داعش» وتسويات محتملة بين بغداد وأربيل التي عمقتها تداعيات الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان. وهي آمال بنيت على أن هذه الانتخابات ستؤدي إلى فتح «صفحة جديدة» في تطور العراق وتبشر ببداية جدية لبناء دولة مؤسسات مدنية. لكن ما حدث أن الانتخابات ونتائجها المختلف على نزاهتها أدت إلى إنهاك العراق والعراقيين بمزيد من الأزمات.
8 «تقبيطة الكيا»! مشرق عباس الحياة السعودية

الحوار الذي فجره أخيراً إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تحالفه مع قائمة «الفتح» فريد من نوعه في العراق، فالنخب المدنية والعلمانية التي تم باستمرار تعريفها باعتبارها أقلية غير مؤثرة لا يتجاوز عددها ركاب «ميني باص» أو «تقبيطة كيا»، كما أطلق عليها أحد قادة الإسلام السياسي، وضعت للمرة الأولى بصمة على نمط المواقف والحوارات السياسية. الصدر كزعيم ديني في نهاية المطاف، كان قد خاض مغامرة كبرى، ونقل تياره الشعبي الواسع نقلة مهمة عندما قرر الوقوف مع الجموع المدنية في ساحة احتجاج واحدة، ومن ثم دعوتها إلى التحالف الانتخابي.
والحزب الشيوعي العراقي الذي استجاب لدعوة الصدر، خاض بدوره مغامرة مشابهة، خصوصاً أن الاوساط المدنية التي كان الحزب قد اصطف معها لسنوات في خندق واحد، انقسمت بشدة أمام مشهد الشراكة المقترحة مع الصدر في ساحات الاحتجاج والانتخابات.
لا يمكن القول إن التحالف الذي جمع بين الطرفين هو اقتراح لاي منهما، بل اقتراح الظرف العراقي نفسه الذي كان وما زال في حاجة إلى إصلاح جذري لإنقاذ الدولة، ومعالجة الخلل في العملية السياسية كاد يودي بالأرض ومن عليها.
على تلك القاعدة الواضحة تفجر الجدل اخيراً، فـ»الاقلية الهائلة» المقتبسة من الشاعر أوكتافيو باث، وقفت لمحاسبة المدنيين داخل تحالف «سائرون» وستحاسب من دخل منهم في كتل اخرى، على اساس المطالبة بالايفاء بالتعهدات، واهمها على الاطلاق منع تشكيل حكومة بطريقة تقاسم الدولة، وتقسيم القرار على الأحزاب، وهي الطريقة التي أنتجت الدولة الفاشلة، كوصم دولي، لا يليق بالعراق ولا بالعراقيين.
تفترض تلك الأقلية أنها تمتلك أدوات التأثير في الشارع وأنها تمتلك عبر إخلاصها وتصديها الطويل والدامي لسلطة الفساد، النزاهة الكافية التي تؤهلها لرفع سقف المطالب بألّا يتم توريط المدنيين العراقيين بحكومة تكون امتداداً لسفر الفساد والعجز والاخفاق.
ليس في النية افتراض أن تحالف الصدر مع «الفتح» يدخل في نطاق الحدود الحمر التي سبق للصدر نفسه ان اعلن عنها مراراً، بل ربما يكون هذا التحالف تراجعاً منطقياً عن تلك الخطوط التي لا يمكن أن تستقيم إدارة أي مفاوضات سياسية بوجودها. لكن حسابات الشارع ليست حسابات طاولة المفاوضات، وما يفهمه الشارع المدني وربما الشارع الصدري بالضرورة، ان الدعم الذي منحه لقائمة «سائرون» كان مشروطاً بالتزام القائمة بثوابت تظاهرات ساحة التحرير.
ارتبك «الحزب الشيوعي» في التعامل مع احباط الجمهور المدني واستيائه، كما ازداد ارتباكه مع حركة الاعتراض من قيادات الحزب نفسه، فأصدر بياناً حاول من خلاله تبرير التحالف الجديد بتجنيب البلد «حرباً اهلية». وقد كان ذلك مبرراً واهياً في الحقيقة، سارع إلى معالجته في نطاق الحوار العلني الذي اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي طاولته في بيان آخر أكثر حصافة، أكد فيه الثوابت التي تحكم تحالفه واستعداده للمضي إلى المعارضة وعدم الاشتراك في حكومة تحمل بصمة سنوات الفشل والزيف والتردي، تصنع كما جرت العادة كاقتراح يقدمه قاسم سليماني، ويدعمه بريت ماكورغ.
رفاق الساحات يمكن أن يختلفوا، ويمكن أن يختار كل منهم مساراً يتلاءم مع أولوياته، وهذا ما يفهمه الصدر، مثلما تفهمه «تقبيطة الكيا» ويفهمه «الشيوعي» والنواب المدنيون، وهذا ما يشكل جوهر الحوار الجديد الذي يبدو صحياً للمرة الأولى، ومختلفاً، وضرورياً لخلق رؤية أقل ضبابية عن الثوابت الحزبية والوطنية المشوشة في العراق.
أمامنا وقت طويل، وسجال واسع، قبل ان يتوصل الوسط السياسي الهرم في العراق إلى صوغ نظرية حكم جديدة لا تتضمن أفكار الاستئثار والتحاصص والمؤامرات والتبعية للاجنبي، والأقرب أننا سننتظر إزاحة جيلية كبيرة، تدفع باجيال جديدة إلى الواجهة لتحفر الثوابت الوطنية باعتبارها ليست مادة صالحة للمساومة السياسية.
لكن قبل كل ذلك يجب معاينة قضية محورية تخص مشهداً عراقياً أكثر اتساعاً، فالصدر والشيوعي والنواب المدنيون في البرلمان، مطالبون سواء اختاروا الموالاة أو المعارضة، بإدامة زخم الحوار ليس في ما بينهم فقط، بل على المستوى الوطني أيضاً، وفي نطاق الاستفادة من الأخطاء السابقة التي أنتجها العزوف عن الحوار الصحي بين الجميع ومع الجميع.