1 العراق.. هل يتجه نحو المجهول؟ د. محمد عاكف جمال البيان الاماراتية
في مقال بعنوان «بوادر أزمة سياسية في العراق» نشرته في الأول من يونيو الجاري ذكرت فيه بأن ما يثار حول نتائج الانتخابات النيابية العراقية قد يوصل العراق إلى أزمة سياسية حادة بسبب مجيء هذه الانتخابات بما لا تشتهي بعض الدول الإقليمية ولا يشتهي رموزها. فالقبول بالأمر الواقع الذي فرضته لا يقتصر على تقبل خسارة منصب معين أو ضياع فرص التمتع بالميزات بل قد يترتب عليه مواجهة القضاء على المستوى الشخصي من جهة وقبول الاستسلام لتوازنات إقليمية جديدة من جهة أخرى.
فمنذ ظهور نتائج الانتخابات النيابية وخسارة بعض الوجوه التقليدية الممسكة بتلابيب العملية السياسية مقاعدها أو تقلص بشكل كبير حجم الأصوات التي حصلت عليها وأطل التخوف من زوال نفوذها ومن يقف وراءها بدأت المحاولات على مختلف المستويات تصعيدا للهجوم على نتائجها ومطالبة بإلغائها مستغلة أخطاء هنا وهفوات هناك لم تخل منها أية انتخابات تجرى في بلد لا يزال يحبو لتعلم هذه التجربة والاستفادة منها.
وها نحن نشهد، في سياق ذلك واستكمالا لمساره، تطورا خطيرا حيث شب حريق كبير في المخازن التي تضم الصناديق الانتخابية وأجهزة التصويت الإلكترونية في جانب الرصافة من العاصمة بغداد تفاوتت التقديرات حول حجم الأضرار حيث عمد مسؤولون في وزارة الداخلية وفي مفوضية الانتخابات إلى التقليل من شأنها. يأتي الحريق بعد أن قرر مجلس النواب، عدم الأخذ بما أفرزته أجهزة العد الإلكترونية من نتائج وإجراء فرز وعد يدوي لجميع الصناديق الانتخابية.
المستندات الورقية الخاصة بأصوات الناخبين لا يتم التخلص منها عادة إلا بعد زوال مبررات خزنها وذلك بعد أن تصادق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات وبعد أن يعقد مجلس النواب الجديد جلسته الأولى. وما يتبقى في الأرشيف هي السجلات الإلكترونية التي لا تشغل عادة حجما كبيرا منه.
على المستوى الإجرائي وُضعت المفوضية العليا للانتخابات في قفص الاتهام فمنذ اتخذ مجلس النواب قرار التعديل الثالث لقانون الانتخاب سارع مجلس القضاء الأعلى باتخاذ قرار بتسمية هيئة قضائية للقيام بمهام مجلسها ووضع قيود على سفر منتسبيها وتجميد أعمال اللجان التابعة لها لحين استكمال عمليات الفرز والعد اليدوي.
الحريق أكسب الأصوات الخافتة والمستحية نبرة أقوى في مطالبتها بإعادة إجراء الانتخابات فهو قد قطع الطريق على العد والفرز اليدوي وكشف في الوقت نفسه مدى هشاشة الوضع الأمني في العراق حين تتعرض ممتلكات سيادية على مستوى كبير من الأهمية لعبث إجرامي لم تتمكن الأجهزة الأمنية وربما لم تتخذ ما يكفي للتحوط لمنع حدوثه.
اعتدنا على إلقاء اللوم في إشعال الحرائق على الأخطاء البشرية أو على الكوارث الطبيعية ولكن هناك في حالات كثيرة ما يدعو لتصنيفها ضمن الأفعال الجنائية التي تهدف لإزالة أدلة إدانة أو عرقلة حسم قضية لا تزال تحيط إشكاليات بشأنها أو إشعال فتنة، فالحرائق منذ أقدم العصور كانت إحدى وسائل الصراع السياسي الحاد.
الشبهة الجنائية هي الأكثر قبولا في تفسير حدوث الحريق وقد سارعت بعض الكيانات السياسية إلى القول بأن من قام بذلك هو من أسهم بعملية التزوير أو كان طرفا هاما فيها أو من له هدف آخر ذو طابع سياسي يتجاوز نتائج الانتخابات بهدف خلق الفوضى والعقبات أمام استقرار العراق. إلا أن من السابق للأوان تسمية من يقف وراء الحريق فهناك أكثر من جهة تستفيد من ذلك وأكثر من جهة قادرة على إحداثه. كما أن من الصعب التكهن بالقرار الذي ستتخذه المحكمة الاتحادية العليا في هذا الظرف الحساس حيث تنتهي دورة مجلس النواب في الثلاثين من يونيو الجاري ويدخل العراق في مرحلة فراغ دستوري.
سبق أن شهد العراق أحداثا جساما خلال الخمس عشرة سنة المنصرمة عرضت استقراره وسلمه المجتمعي لمخاطر جمة، إلا أن نتائج التحري التي خلصت إليها اللجان التحقيقية التي شُكلت لمقاربة تلك الأحداث لم تُعرض أمام الرأي العام في معظم الحالات ولم تتخذ إجراءات قضائية بشأنها.
الحريق الذي التهم السندات الانتخابية الورقية أخيرا يقع ضمن أبرز الأحداث الخطيرة التي تعرض لها الأمن القومي العراقي منذ تفجير مرقد العسكريين في سامراء عام 2006، فعلى الجهات الأمنية المختصة أن تعمد إلى إجراء تحقيق سريع وشفاف وبمهنية عالية بعيدا عن المجاملات والضغوطات السياسية لكشف النتائج أمام الرأي العام.
2 الفشل الإيراني ليس في العراق فقط! خيرالله خيرالله الراي الكويتية
حصلت انتخابات في العراق في الثاني عشر من مايو الماضي. بعد شهر على الانتخابات لا يزال الخلاف كبيرا في شأن نتائجها. ليس معروفا من فاز، على الرغم من ان قائمة «سائرون» لمقتدى الصدر حلت في الطليعة. هناك مبررات مختلفة تساق لمنع الصدر من قطف ثمار النتائج التي حققتها «سائرون». كلّ ما في الامر انّ مقتدى الصدر، على الرغم من كل الاخذ والردّ في شأن تصرفاته منذ الاحتلال الاميركي للعراق في 2003 ولعبه أدوارا مختلفة لمصلحة ايران في الماضي، اظهر اخيرا نوعا من الوطنية العراقية. كشف الرجل عن رغبة واضحة في التخلص من اليد الايرانية الثقيلة التي تسعى الى تحويل العراق مجرّد مستعمرة تدار من طهران.
ربّما انّها المرّة الاولى في العالم، التي يشكك مجلس للنواب منتهية ولايته، في المجلس الجديد وبشرعيته بعد حصول انتخابات وفق القوانين المرعية. استغل المجلس القديم الوضع القائم، نظرا الى انّ ولايته تنتهي في الثلاثين من يونيو الجاري، لالغاء النتائج المعلنة للانتخابات الأخيرة. يريد إعادة فرز لكل الصناديق في كل البلاد وعدّا يدويا للاصوات. هناك ضرب لفكرة الانتخابات من أساسها. بالنسبة الى ايران، لا تعني الانتخابات العراقية شيئا ما دام المجلس الجديد خارج سيطرتها. هذه فضيحة مدوية تعبر عمليا عن الإفلاس الايراني وعن عجز عن إدارة العراق، بما في ذلك عملية الانتخابات فيه. هناك بكل بساطة عجز عن متابعة سياسة تقوم على التحكّم بالبلد وبكلّ مفاصل الحياة السياسية فيه. هناك فشل إيراني ليس بعده فشل لا يظهر في العراق فقط. يظهر هذا الفشل في كلّ مكان تدخّلت فيه ايران مباشرة او عبر ميليشياتها المذهبية. بل يظهر في ايران نفسها حيث يعاني شعب بكامله من نظام ليس لديه ما يقدّمه له باستثناء الهرب المستمر الى خارج حدود البلد… والوعد بالجنّة.
عمليا، ألغت ايران الانتخابات العراقية. تريد انتخابات على مقاسها او لا انتخابات. في غياب القدرة الايرانية على التحكم بالناخب العراقي وتوجهاته، وعلى الرغم من كلّ النفوذ الذي تمتلكه ميليشيات الأحزاب المذهبية المنضوية تحت تسمية «الحشد الشعبي»، لم تستطع ايران تحقيق النتائج التي كانت ترغب فيها. هناك عوامل عدّة لعبت ضدّها بما في ذلك الانقسامات داخل «الحشد الشعبي» نفسه حيث بدأ طعم السلطة يروق لقياديين فيه.
اذا كان صعود نجم مقتدى الصدر في العراق يعبّر عن بداية وعي لدى العراقيين بأن بلدهم يجب ان يقاوم الهيمنة الايرانية والابتعاد عن فخّ لعبة اثارة الغرائز المذهبية، فانّ الهجمة الايرانية على الانتخابات العراقية تعكس ضعفا. في أساس هذا الضعف الايراني ان ليس لدى النظام في طهران ما يقدّمه للعراق والعراقيين. اذا كان هناك من امل ما في استعادة العراق وحدته يوما، او لنقل نوعا من الوحدة في ظلّ دستور وقوانين على علاقة بما هو حضاري في هذا العالم، فان هذا الامل محصور في الرغبة في الابتعاد عن ايران الحالية بكلّ ما تمثّله على كلّ صعيد.
لا يظهر الضعف الايراني في العراق فقط حيث طهران مضطرة الى ابطال نتائج الانتخابات من منطلق انّها لم تناسب مرشّحيها لتولي موقع رئيس الوزراء، على رأسهم نوري المالكي. هناك سورية حيث لم تعد ايران تدري ما الذي عليها عمله. عاجلا ام آجلا، سيترتب على ايران الخروج من سورية. الأكيد انّها لا تستطيع ذلك على الرغم من تأكدها من ان لروسيا حسابات خاصة بها. ترتبط الحسابات الروسية في سورية بما تريده إسرائيل من جهة والحاجة الى إيجاد تفاهم مع إدارة دونالد ترامب من جهة أخرى.
ما أدت اليه السياسة الايرانية في سورية افلاس ليس بعده افلاس. لم يعد امام ايران من خيار آخر غير الكلام الكبير للتغطية عن حال من العجز. في الواقع، لم يعد امام ايران سوى الانسحاب في سورية او الذهاب الى تفجير المنطقة كلّها. تسعى ايران الى فتح ثلاث جبهات هي جنوب لبنان وغزّة والجولان، فضلا عن ممارسة ضغوط على الأردن. وهذا ما تنبّه اليه الخليج لحسن الحظ.
تريد ايران، بكل وقاحة، التسبب بكارثة أخرى في غزّة التي ما زالت فيها بيوت مدمّرة منذ حرب أواخر 2008 وبداية 2009. من الواضح ان هناك في غزّة من لا يريد ان يتعلّم من تجارب الماضي القريب والا يقتنع بأن كلّ ما تفعله ايران هو متاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين. من يريد مثلا حيّا على ذلك في إمكانه استعادة الخطاب الأخير للامين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله في مناسبة «يوم القدس»، وهو اليوم الذي تبلغ فيه المتاجرة الايرانية بالقضية الفلسطينية ذروتها. حرص نصرالله، الذي بات قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني قاسم سليماني يطلق عليه لقب «آية الله» على التوجه الى الاسرائيليين بقوله: «الى الصهاينة الغزاة المحتلين، اركبوا سفنكم وطائراتكم وعودوا من حيث جئتم… يوم الحرب الكبرى قادم وهو اليوم الذي سنصلي فيه جميعا في القدس».
يكمن الخوف، كلّ الخوف، في ان وراء اسباغ سليماني لقب «آية الله» على نصرالله، على الرغم من اعترافه بانّ ذلك لا يحق له، يستهدف زجه في الحرب التي تنوي ايران شنّها تفاديا للخروج من سورية. سيكون ضحايا هذه الحرب، في معظمهم، من اللبنانيين والسوريين والعراقيين. كيف يمكن لحزب، هو في نهاية المطاف مجرد ميليشيا مذهبية تشكل لواء في «الحرس الثوري» الايراني تحرير القدس التي لا يوجد من يقاوم المحتل الإسرائيلي فيها غير أهلها والعرب الشرفاء من اهل الخليج والاردن الذين يرسلون اليهم المساعدات كي يتمكّنوا من البقاء في ارضهم؟ كيف يمكن لحزب يشارك في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي ويلعب كل الأدوار المطلوبة منه في مجال تدمير المدن السورية، من حلب الى حمص وحماة، لعب دور في تحرير القدس؟
من يدعو الى تحرير القدس عبر حلب وحمص وحماة ودمشق والقصير، انّما يضحك على الفلسطينيين والعرب. انّه بيع للاوهام من اجل تغطية الإفلاس الايراني الذي تظل الانتخابات العراقية افضل تعبير عنه. في النهاية لم تمتد يد ايران او ادواتها الى مكان الّا وساد فيه الخراب. المؤسف في الامر انّ الهرب من الواقع الى الشعارات صار سمة من سمات السياسة الايرانية. الأخطر انّه لا يزال هناك بين العرب من يصدّق. صحيح ان عدد المصدّقين قل كثيرا، لكنّ الصحيح أيضا أيضا انّ عصر الميليشيات الايرانية لم ينته بعد بدليل ما يعاني منه العراق وسورية ولبنان واليمن. متى ينتهي هذا العصر الذي لا مفرّ من نهاية له؟ من الأفضل طرح السؤال بطريقة مختلفة: ما الثمن الذي سيدفعه العراق وسورية ولبنان واليمن قبل الوصول الى ذلك؟
3 نواب الأمة مَن يمثلون؟ مصطفى زين الحياة السعودية
لم تكن نتائج الانتخابات العراقية مفاجئة. تقدم هذا التيار أو ذاك الحزب لا يعني تغييراً جوهرياً في المسيرة السياسية منذ الاحتلال الأميركي حتى اليوم. فنقص حصة أحد الزعماء في عدد النواب أو زيادتها لا يعني سوى المزيد من التعثر في التوصل إلى صيغة أو صيغ ترضي الجميع، شرط الابتعاد عن تفجير الوضع، فالانفجار ليس من مصلحة صاحبتي النفوذ، أعني الولايات المتحدة وإيران اللتين تخوضان حرباً باردة لتثبيت نفوذهما انطلاقاً من بغداد وصولاً إلى دمشق وبيروت.
لنفصل أكثر. منذ إزاحة نوري المالكي من رئاسة الحكومة عام 2014 بدأ «التحالف الوطني» الشيعي يعاني من ظاهرة مقتدى الصدر الذي يطرح نفسه زعيماً سياسياً ودينياً أوحد للشيعة في العراق، خصوصاً أن نوري المالكي (زعيم التحالف) شن على أنصاره حملة سماها «صولة الفرسان» استطاع خلالها السيطرة على الوضع في الجنوب إلى حين، وانعكس الخلاف على التحالف، إلى أن حسمت واشنطن وطهران الأمر وأوتي بحيدر العبادي خلفاً له.
منذ «الصولة» والصدر يتحين الفرصة ليقدم نفسه بديلاً، فابتعد عن التحالف ووجه انتقادات عنيفة إلى إيران، لكنه لم يتقرب من أميركا، وهو يتباهى دائماً بأنه حارب الاحتلال وانتصر عليه. كما أنه يطرح نفسه زعيماً وطنياً، فيتقرب من الأكراد حيناً ومن الأحزاب السنية حيناً آخر ويغازل الشيوعيين ويدعو إلى علاقات قوية مع الدول العربية الخليجية. أما علاقته بـ «الحشد الشعبي»، خصوصاً مع زعيم «منظمة بدر» هادي العامري فلم تكن جيدة في أي مرحلة من مراحل الصراع على السلطة في بغداد.
خاض التحالف الشيعي الانتخابات التشريعية، قبل أسابيع، مشتت القوى: العبادي كان منافساً قوياً للمالكي، وعمار الحكيم الذي أسس «تيار الحكمة» كان غير متوافق مع الطرفين، وخاضها العامري مراهناً على «انتصارات الحشد الشعبي» في الموصل والأنبار. أما الصدر فخاضها من موقعه العائلي والديني و «انحيازه الوطني» ضد الجميع، واستطاع تسجيل نتائج جيدة جداً، دفعت الجميع إلى محاولة التحالف معه لتشكيل أكثرية تتحكم بتشكيل الحكومة، لكن مطالبته بأكبر حصة فيها حالت دون تفاهمه مع العبادي، فضلاً عن أن إيران لا تريد لهاتين القوتين أن تشكلا ركيزة الحكم في بغداد، فهي تعرف أن العبادي يقف على مسافة واحد بينها وبين أميركا، بل تتهمه بالانحياز إلى واشنطن، وتفضل تزعم المالكي الذي تعتبر خروجه من السلطة كان بسبب انحيازه إلى تدخلها في سورية، ولم تكن إطاحته بسبب الفساد على ما زُعم يومها، فالفساد ما زال مستشرياً في كل مفاصل السلطة حتى الآن.
لكن يبدو أن طهران، ببرغماتيتها، قبلت بواقع ما بعد الانتخابات الأخيرة وبأن لا حظ للمالكي في العودة إلى السلطة في هذه المرحلة، فبدأت محاولة لتشكيل تحالف جديد يقوده العامري بالتفاهم مع الصدر، من هنا كانت المفاوضات بين الطرفين الطامحين إلى إبعاد العبادي أو ضمه إلى هذا التحالف بشروط تقيد حركته. وقد اعترف الناطق باسم العامري أحمد الأسدي بأن «ما يحدث في العراق مهم بالنسبة إلى الدول المجاورة والقوى الكبرى، خصوصاً إيران والولايات المتحدة». وهو يعني أن الزعماء العراقيين سيأخذون بـ «نصائح» واشنطن وطهران. وقد يتوصلون إلى توافق على رئيس للوزراء لا يشكل استفزازاً لأي من هذين الطرفين.
نواب الأمة يتحالفون لتمثيل القوى الخارجية المتناحرة. مصالحها قبل مصالح الشعب الذي انتخبهم.
4 البرلمان العراقي الجديد إلى أين؟
نغم التميمي
عكاظ السعودية
الانتخابات البرلمانية العراقية التي شهدها العراق الشهر الماضي والتي سجلت نسبة إقبال ضئيلة جدا قياسا إلى الأعوام التي سبقتها، كانت بمثابة نقطة تحول كبيرة عند مفهوم الناخب العراقي والذي تمكن من أن يوصل رسالته، وأن يترك بصمة قوية وواضحة قلبت الموازين عند القوى السياسية خصوصا تلك التي حكمت البلاد بعد عام ٢٠٠٣ وإلى يومنا هذا.
هذه الانتخابات وللمرة الأولى قال فيها الناخب العراقي صوته وبوضوح إما عن طريق مقاطعة الانتخابات أو من خلال التصويت على أسماء وكتل لا تشوبها تهم الفساد أو الارتباطات الإقليمية.
نتائج الانتخابات لم ترض غرور وطموح الكتل الخاسرة خصوصا بعد هيمنة كتلة سائرون والتي يتزعمها رجل الدين مقتدى والمعروف عنه تصريحاته المستمرة الرافضة للتدخل الإيراني في العراق، وعروبته ووطنيته.
وهنا بدأت الأصوات النشاز تعلو بعدم نزاهة الانتخابات، والحديث عن خروقات شابت عمليات العد والفرز وازداد الضغط على مفوضية الانتخابات عندما بدأ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يلمح إلى تشكيل حكومة تغيب عنها الأحزاب والكتل الموالية لإيران وأبرزها ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي والفتح برئاسة هادي العامري، علت الأصوات مجددا من قبل رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري التابع للحزب الإسلامي والمعروف بارتباطاته مع قطر.
وهنا بدأ البرلمان بعقد جلساته الاستثنائية والتي لم تلتئم منذ أول مرة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، لكنه تمكن أخيراً من عقد جلسته والتي صوت فيها الحضور على إلغاء نتائج الانتخابات والاعتماد على العد والفرز اليدوي، جلسة غاب عنها التيار الصدري والحزبان الكرديان لكنها خرجت بنتائج ستلقي بظلال سلبية على الساحة العراقية وستقود البلاد إلى فراغ دستوري.
لكن الأيدي الخفية لإيران كانت واضحة خصوصا وأنها الخاسر الأكبر من نتائج الانتخابات وتخشى هيمنة التيار الصدري ووصوله إلى سدة الحكم في العراق وهو الأمر الذي يعني قطع الأيادي الإيرانية الموغلة ومنذ سنوات في سياسة رسم الحكم في العراق بعد عام ٢٠٠٣.
وفِي ظل المعطيات وكحقيقة لا تخفى على أحد لن يقبل التيار الصدري باللعب في أصواته، ولن يرضى التشكيك بنتائجه، إضافة إلى أن خطوة البرلمان باكملها هي خرق للدستور.
وعلى ما يبدو فإن المشهد العراقي في قابل الأيام سيكون كالصفيح الساخن على الناس ويكون فيه المواطن العراقي البسيط هو الضحية التي ستتراقص من حرارة الصفيح، وكما هو شأنها دوما ستلعب إيران اللعبة التي اعتادتها ألا وهي العزف على وتر الطائفية وستضغط بكامل قواها لسحب البساط من تحت أقدام التيار الصدري الذي وافق من حيث المبدأ على وضع يده بيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي شرط خروج الأخير من عباءة حزب الدعوة،
ولكن فرحة الملايين من العراقيين الذين اختاروا طريق الإصلاح والبناء والإعمار قد جوبهت بحقد وكره الخاسرين من اتباع الجارة والذين كعادتهم سيتلاعبون على القوانين ويجدون لهم قانونا بمقاييسهم ومعيارهم الذكي.