1 ما الذي أجبر الصدر على هذه الخطوة؟! صالح القلاب جريدة الجريدة الكويتية
حتى لو جرى ألف نفي لهذا فإن الواضح والمؤكد وما لا نقاش فيه أن السيد مقتدى الصدر ما كان من الممكن أن يقوم بهذه “الانعطافة” السياسية غير المتوقعة، لا بل المفاجئة، لو لم يتعرض لضغوطات فعلية متعددة الأشكال، وتهديدات فعلية، وينقل البندقية من كتف إلى كتف آخر، خلافاً لكل توجهاته السابقة، وتأكيداته المتلاحقة بأن بينه وبين تنظيم “الحشد” لصاحبه قاسم سليماني ألف جدار وجدار وألف حاجز وحاجز، وأيضاً “ما صنع الحداد”!
والواضح، لا بل المؤكد، أنه ما كان ممكناً أن يقوم السيد الصدر بهذه الخطوة “الانعطافة” المفاجئة لو لم يتعرض لما لا يستطيع تحمله من قبل إيران وأزلامها و”وكيلها” في هذه المنطقة، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي يحمل صفة مستشار للحكومة العراقية… وكأن هذا البلد العربي ليس فيه من الكفاءات والقدرات، وفي المجالات كلها التي غير متوفرة لا لهذا الجنرال “الطرزاني” ولا لغيره من كبار العسكريين والمسؤولين في إيران.
إن المشكلة، مشكلة الإيرانيين وأتباعهم وجنرالهم هذا، الذي بات يسرح ويمرح في مجال حيوي يمتد إن ليس من قصر بعبدا في لبنان فمن ضاحية بيروت الجنوبية إلى البصرة، والذي كان أعلن أن حزب الله على أساس الانتخابات “البرلمانية” قد تحول من تنظيم مقاومة إلى “حكومة مقاومة”! إنهم، أي الإيرانيين، لا “يطاردون” في هذا الميدان العراقي وحدهم، وان هناك الأميركيين الذين يقوم سفيرهم في بغداد دوغلاس سيليمان بأكثر كثيراً مما يقوم به قاسم سليماني.
وحقيقة إنه ما كان متوقعاً أن يبادر السيد مقتدى الصدر إلى هذه الانعطافة المفاجئة لو لم يتعرض لما ستكشفه الأيام المقبلة، سواء على المدى القريب أو البعيد، وهنا فإن ما يعتبر تحدياً للوجدان العربي والشيم العربية هو أن تتحول ثلاث دول عربية أساسية ورئيسية إلى مجرد “عِزَب” تابعة لطهران، التي كان أطلق بعض كبار المسؤولين فيها تصريحات قالوا بها إنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية.
وعليه فإن أغلب الظن أن هذا التحول الخطير فعلاً لن يتم، وأن هناك خلافات فعلية لا تزال تعصف بما يسمى “البيت الشيعي”، والمقصود هنا هو أن الشيعة العرب في هذا البلد العربي يرفضون التبعية السياسية وأيضاً المذهبية لإيران، ويعتبرون أن ما يقوم به الجنرال قاسم سليماني بالعراق هو تدخل سافر في بلادهم الداخلية، هذا بالإضافة إلى أن السيد مقتدى الصدر لا يمكن أن يمضي بعيداً في هذه الخطوة، التي سيترتب عليها، إن هي تمت بالفعل، مستجدات كثيرة أخطرها أن هذا البلد سيكون مصيره التفتت والتقسيم… والواضح أن الإيرانيين يريدون هذا ويسعون إليه!
2 بلاد فارس من قورش العظيم حتى خامنئي… هل تتغلب العنجهية على رجاحة العقل؟ يوسف أمين السياسة الكويتية
دخلت بلاد فارس تاريخ الشرق الأوسط من الباب الواسع مع قورش العظيم مؤسس الدولة الأخمينية (الفارسية) والذي استغل ضعف دولة مابين النهرين ليفرض نفسه سيدا على كامل بلاد المشرق ، وينتشر خلفاؤه غربا حتى البحر المتوسط وجنوبا حتى مصر. وقد عرف الفرس فن السيطرة وفرض السلطة بالقوة من جهة ، ولكن ايضا بنقل الشعوب واسكان الموالين لهم في مفاصل مهمة من البلاد ، وقد ساهم ملوكهم باعادة الشتات اليهودي من ما بين النهرين إلى فلسطين. ورغم أن الشعب اليهودي قد دون هذه العملية كبادرة حسن نية تجاه استير مع الشكر للفرس باعادته، يرى بعض الباحثين بأنها كانت عملية استيطان لشعب لا بد أن يكون مواليا لهم أكثر من السكان المحليين، وهو على ما يبدو شكل جزءا من الفكر الستراتيجي الفارسي الذي سنراه لاحقا. وهم من دون شك، مع ارتشتحتا الذي دفع أهالي مدينة صيدا اللبنانية على احراق انفسهم ومدينتهم، اسكنوا شعوبا جديدة بعد اعادة اعمار هذه المدينة التي صارت فيما بعد مركز اسطولهم البحري وقاعدة الانطلاق للتوسع صوب بلاد اليونان، وكان قائد الأسطول البحري – وهو من صيدا – يعتبر الثاني بعد الملك مباشرة ايام حكم داريوس العظيم. ولم يلتفت المؤرخون كثيرا إلى تفاصيل هذه العمليات الاستيطانية. إلا أنه ومع الأسرة الساسانية، وبالذات مع كسرى الثاني، الذي كان استغل ضعف الحكم المركزي في القسطنطينية واحتل انطاكية والقدس ودمشق، ذكر المؤرخون بأنه استقدم قبائل جبلية من بلاد فارس واسكنها في ممرات جبال لبنان لتحمي تقدم جيشه قبل أن يدخل إلى هذا البلد، وذلك لأن هرقل، وبعد أن كسر الفرس، فرض عليهم معاهدة صلح قاسية كان من ضمن شروطها إعادة كل الذين اسكنوهم في جبال لبنان إلى بلادهم. ولكن الفرس ومع الفتح العربي فقدوا دولتهم المتميزة وهويتهم الدينية واضطروا أن يصبحوا جزءا من قوات الدولة العربية (أو الاسلامية) في توسعها نحو الشرق. ومع أنهم حاولوا الابقاء على لون خاص بهم ضمن الدولة الجديدة ما جعلهم فيما بعد يسهمون في الانقلاب على حكم الأمويين ليظهر نفوذهم في بدايات الدولة العباسية. وقد شكل البرامكة رمزا لدور الفرس في بدايات الدولة العباسية، إلا أنهم وبعد ما سمي “نكبة البرامكة” لم يعد لهم كبير التأثير على شؤون الدولة حيث حل لاحقا تأثير شرق آسيا وخصوصا العنصر التركي.
أيام حكم الشاه كانت لإيران الجديدة اطماع توسعية ، وقد كانت تملك أكثر الجيوش تسلحا في المنطقة . والكل يذكر موقف الرئيس الفرنسي بومبيدو واعتراضه على احتفالات برسيبوليس التي أراد فيها الشاه التذكير بعظمة المملكة الفارسية والظهور بمظهر الأمبراطور، بينما يئن شعبه تحت ثقل الفقر رغم ثروة النفط التي امتلكتها دولته يومها.
ومع الثورة الخمينية ظن الناس بأن العدالة ستسود مع حكم رجال الدين ، ولكن الخميني نفسه أطلقها ثورة عابرة للحدود متبنيا أحلام الشاه في التوسع نحو الجيران ، ولكن تحت غطاء عمامات الأئمة ووصاية “المرشد الأعلى”. وقد صنع الفرس هذه المرة ولاءً جديدا تمحور حول المذهب الشيعي ودفعوا بالغريزة الدينية إلى الواجهة ، حيث تحول شيعة لبنان المنفتحون على الأفكار العالمية حتى الالحاد ، تحولوا إلى أحد أهم الفيالق المقاتلة في سبيل انتشار ثورة الأئمة في دول الشرق الأوسط ، وقد شكلوا العنصر الأهم في عملية التوسع الفارسي الجديدة. وقد كان العراق بقيادته التقدمية (البعثية – السنية) وقف ومنذ بداية تصدير الثورة بوجه التمدد الإيراني وأجبر الخميني على القبول بشروط الهدنة إلا أن عنجهية صدام باحتلال الكويت من ثم خوفه من تحريك أيران لثورة شيعية – كردية دفعه إلى اتخاذ خطوات أثارت العالم ضده بعد أن تخلى عنه جيرانه العرب.
وبعد أحداث التاسع من سبتمبر والهجوم الأميركي الذي طوق إيران من الشرق والغرب ، ضبط الثعلب الفارسي أنفاسه وخطط لعودة الانتشار بعد الانتهاء من الهجمة الغربية حاضنا جماعات القاعدة بشكل سري. وبالفعل وفور انسحاب الجيش الأميركي من العراق عاد الفرس إلى عاصمة كسرى “المدائن” ومن ثم انتشروا غربا مع تأجيج الحرب الدينية (بين دولة الخلافة التي ساهموا في بعثها وبقية اجزاء العالم) وهم أرادوا بواسطتها فرز الشعب السوري حيث لقوا مساعدة الرئيس الأسد على ذلك. واليوم، وبعد أن استعملوا “حزب الله ” اللبناني والفصائل الشيعية الأفغانية وعصائب أهل الحق العراقية في طرد السوريين من بلادهم، وبعد أن أشعلوا النار في اليمن والبحرين وغيرها لتحويل أنظار العرب عن الخطة الرئيسة، ها هم يكملون افراغ المناطق السورية من أهلها كما جرى في القلمون وحول دمشق أو في حمص والقصير قبلها ، ويحاولون اسكان جماعات موالية في هذه المناطق لتأمين ولاء السكان عندما يحين وقت السيطرة الكاملة بواسطة قواتهم المركزية. وقد استغل هؤلاء بساطة الشعوب العربية بتحدي الدولة اليهودية ومعاداة اسرائيل وهي وسيلة لا تزال تدغدغ النفوس الضعيفة.
المراقب للأحداث اليوم يجد بأنه خلال العشر سنوات الماضية تحول الشرق الأوسط بشكل جذري ، ولم يعد للعرب أي دور فعال لرسم السياسة فيه ، وقد برز الفرس كلاعب أساس في التحولات الكبرى ، بينما يحاول أردوغان أن يدخل البازار ليؤمن لتركيا بعضا من التركة الشرق أوسطية تحت ستار ديني (سني) بغياب دول الغرب عن لعب دور الرادع والحامي لحقوق الشعوب بحسب الشرعة الدولية.
فهل يحالف النجاح الفرس هذه المرة أيضا في الوصول إلى البحر المتوسط وفرض دور مهم ضمن لعبة السلطة والقرار، أم أنهم وبسبب العنجهية الفارسية التي يمثلها المرشد الأعلى سوف يصطدمون مجددا مع أحد اللاعبين الأقوياء (في الموضوع النووي مثلا الذي يعتبرونه ضمانتهم لأستمرار السيطرة لاحقا) فيخسروا بمعركة واحدة كل المكاسب التي أخذوها بدهاء واصرار ويعودوا أدراجهم إلى حدود إيران الدولية ليشكلوا أحد اللاعبين الأقليميين في دولة طبيعية يقودها رئيس منتخب ربما؟ وماذا سيحل بدولة الأسد التي تقبل اليوم بالتغيير الديمغرافي الذي يقوم به الفرس وتسن له القوانين، وهل سيتمكن الدب الروسي من حماية أشلائها وفرض نوع من التفاهم بين مكوناتها؟ وهل سيتضمن فرض اي حل إعادة الحقوق للسكان الأساسيين وعودة المستوطنين الجدد إلى بلادهم (كما جرى مع هرقل في شروط الصلح) أم أن ما يجري في سورية اليوم سيكون الصورة الواقعية الأبشع لما جرى قبله ويكون توطين ثلاثمئة ألف من الفلسطينيين في لبنان عاشوا في مخيمات محصورة مدة سبعين عاما مثلا، أهين بكثير من توطين مليوني سوري يتوزعون اليوم في كل قرية وحي من أحياء لبنان ومثلهم في كافة أصقاع العالم؟ وهل أن الثروة الموعودة (النفط والغاز) ستحل الأزمة السكانية وتنسي الناس هموم الأوطان، أم أنه يجب أن تبقى الهيمنة الإيرانية أو التركية لتفرض هذه الحلول وتنسي سكان هذه البلاد ما كان يسمى حقوق المواطنة؟