1 حكومة محاربة الفساد تسلم نفط العراق الى الشركات الأجنبية ؟ ولاء سعيد السامرائي راي اليوم بريطانيا
التصويت على قانون شركة النفط العراقية من قبل برلمان حكومة “ محارب الفساد “ حيدر العبادي هو أخطر هدية قدمت الى الشركات الأجنبية للهيمنة على ثروات العراق النفطية والغازية بعد حرب تدميره للمدن العراقية وتهجير اهلها بحجة داعش.لقد تم تمرير القانون في ضجة التحضير للأنتخابات بدبلجة ناعمة من قبل الأنتقال بالعراق من الأقتصاد الريعي الى الأقتصاد الأنتاجي ، او ما صرح به وزير النفط من “ان أعادة تشكيل شركة النفط الوطنية هي خطوة الى الأمام لفتح افاق جديدة لتطوير صناعة النفط والغاز، وقوله ان ثمار ونتائج ذلك سيحصدها العراق بعد سنوات وستكون عظيمة في تنمية الأقتصاد الوطني. وما كتبه عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية السابق على صفحته في الفيسبوك ان هذا القانون -بهذه المضامين- ما كان ليرى النور لولا “قوة مجتمعية” من ثلة من الشباب المخلص، الواعي، المثقف، المنتشر في القطاع النفطي، وخارجه.. والذي آلى على نفسه انجاز هذه المهمة”.
لكن هذه الفذلكات الكلاسيكية لطرق النهب والهيمنة لا تصمد أمام تفنيد الخبراء والمختصيين العراقيين الذين أصدروا بيانا حول هذا القانون يصفونه بالعار والكارثة على العراق وشعبه مناشدين رئيس الجمهورية والبرلمان بعدم التصديق عليه والطعن فيه ، مطالبين الشعب العراقي بالنهوض والوقوف ضده لتعارضه مع الدستور ومع وحدة وسيادة العراق. وقد تصدى الخبراء لمواد هذا القانون وعقوده التي أبرمتها حكومة المنطقة الخضراء مع شركات النفط بالتفصيل مؤكدين انها تصب بالكامل في مصلحة الشركات الأجنبية وبأنها نهب لثروات العراق واهانة له امام المحاكم الدولية.
فقد وصفوا العقود الموقعة على مدى 25 عاما لجولة التراخيص الأخيرة بالمهازل وبأنها أستخفاف بعقول العراقيين ،فهي تمنح أمتيازات مالية سخية للشركات الأجنبية تصل الى المليارات بشكل تنازل عن عوائد العراق الصافية ، كما تعتمد أسعارا منخفضة تتراوح مدتها بين 20-34 عاما، فضلا عن أعتماد أسعار مرتفعة للغاز الجاف وألغاء آلية ربط ربحية الشركات مع نفقاتها الرأسمالية المسترجعة.كما يشير هوؤولاء الخبراء الى ان العقود لم تحدد العديد من المتغيرات المهمة لكل حقل وتركتها للشركات بدلا من الدولة العراقية .وينبه هوؤلاء الخبراء الى أستخدام الوزارة “تعابير لغويه” في العقود المعتمدة تفتقر الى ابسط الأسس المهنية والأقتصادية والأحصائية مثل معادلة تحديد “العائد الصافي” بما يخدم حصة الشركات الأجنبية ويضر بمصلحة العراق ويهينه ويكلفه غاليا امام التحكيم الدولي في حال حصول أبسط المشاكل.
.ومما يشير اليه الخبراء ايضا هو عدم وجود شريك حكومي في العقود مما يعني خسارة في حصة العراق تتراوح بين 5%-25% من العوائد الصافية، أي خسائر مالية ضخمة جدا للعراق وعوائدا أضافيه للشركات.ومن ثم ينبه هوؤلاء على النتائج الكارثية لتحديد سعر الغاز الجاف بما يعادل 50%من سعر نفط التصدير التمهيدي معتبرين ذلك عملا سيترتب عليه نتائج مالية وفوائد ضخمة لصالح الشركات الأجنبية ، تسلب فيه حصة العراق من عائداته.ويتسائل هوؤلاء هل من المعقول لمن قام بصياغة هذه العقود ان يعتمد على تحديد سعر 50 دولار للبرميل ويحسبه بطريقة تخدم الشركات الأجنبية ومليئة بالأساءة للمصالح العراقية ويثبته على عقود لمدى زمني يتراوح بين 20-34 عاما غير عابئ بالتغيرات التي تحصل على أسعار النفط ولا بمصلحة العراق ؟ وفق قانون النفط الجديد وعقوده ، يقول الخبراء العراقيين ، انه سيتم تسليم كل الثروة النفطية والغازية الى الشركات الأجنبية لتهيمن وتتصرف بشكل كامل بثرواته.من الأستخراج والأنتاج وملكية ما تحت الأرض من احتياطي يقدر ب 143 مليار برميل. ولن تكون حصة العراق من هذه الثروات الا فتاتا لا قيمة لها مقارنة بالأرباح التي ستحصل عليها الشركات خلال عقود قادمة.وقد حصنت هذه العقود بترسانة قانونية لا يمكن للعراق الفكاك منها بل ان اي حكومة ستتحمل مصاريفا أضافية للأضرار الناتجة سواء ما يخص حقوق العاملين او ما له علاقه بحماية البيئة من آثار انتاج النفط وتبعاته.
بهذا القانون ستكون شركة النفط هي المالكة لنفط العراق وليس الدولة العراقية التي لن يحق لها أتخاذ اي اجراء سيادي او قرار يتعلق بتنفيذ العقود . وستتعرض الحكومة لجملة من الأحكام القضائية في بلدان الشركات لحجز ومصادرة واردات العراق لتعويض الشركة الأجنبية بحسب الأقتصادي العراقي الدكتور وثاب السعدي. ولن يتبقى للعراق من كل ثروته سوى حق جباية الضريبة على ارباح الشركة المتحققة من عملياتها وحتى هذه الأرباح تتقرر وفق حسابات الشركات . ومن نتائج “سرقة القرن” هذه فأن شركة النفط تتعاقد مع الشركات الأجنبية بعقود تمنح الهيمنة الفعلية للشركات على أحتياطي العراق النفطي . أضافة الى ذلك لن يكون للعراق اي سيطرة في اي مرحلة من مراحل الأخراج والأنتاج وغيرها فقد أسست الشركة بنظام يجعلها فوق الحكومة والدولة العراقية. كما أن قانون الشركة يجيز لها صلاحيات حكومية صرفة كإنشاء صناديق “المواطن” و”الأجيال” و”الإعمار”، وهي “مؤسسات” براقة الشكل فارغة المحتوى تمت تجربتها في بعض الدول النفطية هدفها ذر الرماد في العيون وغض النظر عن حجم النهب في تلك البلدان من قبل الشركات الأجنبية .كما يسمح هذا القانون للإقليم بالإحتفاظ بعوائد النفط والغاز المنتج بداخله، وذلك بخلاف ما يتم العمل به حالياً.
ليس ذلك فحسب بل ان قانون شركة النفط هذا قد فصل تشكيل هيئات تخضع تعيناتها لنظام المحاصصة المعمول به في العملية السياسية من شأنه ان ينظم عملية نهب المال العام من قبل احزابها. وهي طريقة تضمن للأحزاب والكتل مداخيل دائمة تقدمها الشركات الأجنبية على شكل عمولات لكي تستمر العملية السياسية الفاسدة وغير القابلة للأصلاح برعاية الشركات الأجنبية وربطها أكثر واكثر بأرادة دول الشركات وليس بالسيادة العراقية.
التصويت على هذا القانون هو جريمة أخرى من جرائم حكومة المنطقة الخضراء بحق العراق والعراقيين وتسليم مجاني لثروة بلدنا النفطية من شأنه ان يقضي على أمال هذا الشعب في التقدم والتطور وبناء اقتصاد قوي ومستقبل واعد لأبنائه .انه تدمير للأقتصاد العراقي وتقزيمه نهائيا وتحويله الى اقتصاد تابع تقرر مصيرة شركات النهب العالمية . ان التخلص من العملية السياسية وبرلمانها الذي صوت على هذا القانون هو اليوم أكثر الحاحا من اي وقت مضى وعلى شعبنا التصدي والنهوض للدفاع عن نفسه ومستقبل اجياله وحقه في حياة كريمة وبكل الوسائل قبل فوات الأوان.
2 جمهورية الحرائق فراس الزوبعي الوطن البحرينية
سمعنا مما قالت العرب أن: آخر العلاج الكي، لكن في جهورية الحرائق هناك مفهوم مختلف للكي، فقد تطور الكي ليصبح حريقاً وبدل أن يكون آخراً صار أولاً، ولذا فأول العلاج حريق، لا يراد بالعلاج هنا حصول العافية وإنما التستر على مصيبة.
منذ أن احتلت أمريكا العراق وأصبح لإدارة الدولة مفهوم آخر فثقافة الحكام الذين جاءت بهم مختلفة، ومع بداية توليهم الحكم بدأت تنتشر ظاهرة غريبة على البلد وهي الحرائق في الوزارات والدوائر الرسمية، الغريب أن هذه الحرائق كانت تلتهم أقساماً محددة في تلك المؤسسات وهي أقسام العقود فقط، وكأن العقود مغرية للنار فتذهب لالتهامها، وعلى ما أتذكر -إن لم تخني الذاكرة- أن أول حريق كان في وزارة النفط التهم طابقاً كاملاً من مبنى الوزارة وكان طابق العقود ثم توالت حرائق الوزارات ومؤسسات الدولة بما فيها وزارة الداخلية المسؤولة عن إطفاء الحرائق! كل الحرائق بينها عوامل مشتركة منها أن البنايات كلها محصنة وفي أماكن تخضع لحراسات مشددة كما أن الحرائق تأتي مباشرة بعد إثارة قضية فساد فتحترق القضايا باحتراق الأوراق، وكل الحرائق ينتهي التحقيق فيها بأن السبب تماس كهربائي! في بلد يراقب فيه الناس الكهرباء مراقبتهم لهلال العيد، كما أن جميع الحرائق إما التهمت أوراق عقود رسمية أو أجهرة كمبيوتر تخرن فيها معلومات أمنية أو قضايا تمس ما يسمى بسيادة الدولة.
إلا أن آخر حريق يعد الأكثر إثارة للجدل وهو الحريق الذي التهم مخازن مفوضية الانتخابات وأتلف أوراق اقتراع الناخبين، وهم ناخبو جانب الرصافة من بغداد، حصل هذا الحريق قبل أيام قليلة بعد قرار مجلس القضاء الأعلى في العراق بإعادة فرز الأصوات يدوياً على إثر فضيحة تزوير كبيرة في الانتخابات العراقية التي جرت قبل أسابيع، فهل سيمر هذا الحريق مرور الكرام كما مرت الحرائق السابقة؟
واقع الأمر هنا مختلف بشكل كبير فهذه المرة لم يحصل الحريق ليتستر على جريمة فساد وعبث بأموال الدولة والكل شركاء بالنهب والسرقة فيتستر بعضهم على البعض الأخر ويقدم أحدهم خدمة للآخر، الحريق هذه المرة حصل ليتستر على جريمة تزوير الانتخابات وهذا يعني أن الشركاء بدأ بعضهم بسرقة البعض الآخر، وأي سرقة؟! إنها سرقة الوجود من عدمه فسرقة الأصوات هذه تحدد وجود كل جهة في قيادة الدولة، كما أنها ليست جهات سياسية عادية إنما هي جهات مسلحة دخلت عالم السياسة، وبدأ بالفعل يهدد بعضها البعض الآخر ويلوح بحرب أهلية، خصوصاً وأن الموضوع خرج من يد مفوضية الانتخابات المتهمة بالتلاعب أو التستر، ولا أحد لغاية الآن يمكنه توقع القادم.. فهل ستتدخل الأمم المتحدة وهل ستلغى نتائج الانتخابات هذه وما هو رد فعل الجهات السياسية المسلحة التي ستفقد مقاعدها؟
3 الحُسَينية.. مقر لمليشيا ومشجب للسلاح! رشيد الخيّون الاتحاد الاماراتية
لم نسمع في تاريخ العراق، الذي عشناه على الأقل، أن تحوَّل المسجد أو الحُسينية إلى مشجب للسلاح، ومقرات للجماعات المسلحة، إلا بعد 2003. فكلّ جماعة أَممت مكانَ أداء طقوس لها، محروساً بسلاحها ومغطى بشعاراتها. إنها ظاهرة خطيرة، مخاطرها من توابع خلط الدِّين بالسياسة، وبصورة متوحشة، أي أن السلاح المدخر في دور العبادة يصبح جزءاً من الطقوس، والمقتول به يُعد مارقاً، أما القاتل فمجاهد، وكل أعضاء الأحزاب الدينية، من القاتلين والفاسدين، حملوا لقب «مجاهد»!كان انفجار السلاح المكدس في حسينية بمدينة «الثورة» سابقاً، «الصدر» لاحقاً، مشهداً مؤلماً، أن يتردد الناس على المكان باعتقاد أنهم في أمن وطمأنينة، يمارسون فيه ما سماه البعض بـ«الحزن النَّبيل»، وإذا الموت ينتظرهم، وينتظر من هُدمت بيوتهم المجاورة لعظمة الانفجار. كان ذلك الحدث واحداً مِن «نواحس الأربعاء» (6/6/2018)، ويا «تاريخ سجل»، وقد عددتُ نواحس هذا اليوم في أكثر من مقال. حتى القرن الثالث الهجري لم نقرأ عن مسجد شيعي وآخر سُني، بل لا وجود لمقبرة شيعية وأُخرى سُنية، ولا آذان سُني وآخر شيعي، هذا كله استُحدث بعد تشكيل المذاهب على أساس تباين العقائد. أما ما عُرف بالحُسينيات فلا وجود له حتى خلال العهد الصفوي (1501-1723)، بل تأخر إلى بعد منتصف القرن التاسع عشر (الحيدري، تراجيديا كربلاء). أما الحديث عن أن الأئمة الاثني عشر هم مَن أسسوا الحسينيات فهذا كلام لا قرار له. كان الأئمة يصلون في المساجد الموجودة، لم يميزوا أنفسهم بأماكن عبادة على أساس مذهبي. غير أن الإسلام السياسي الشيعي أخذ يستغل الحسينيات كأماكن لإحياء عاشوراء، فصارت أمكنة للكسب، حتى اختلط الحزبي بالحسيني، بالداخل والخارج، فأينما يكونون يؤسسون حُسينياتهم كمقرات لأحزابهم. عاد رعاتها واستلموا المناصب الرفيعة. جمع أحدهم، بعاصمة أوروبية، تبرعات من أغنياء عراقيين، على أن يؤسس حسينية للجميع، وإذا به يُسجلها باسم حزبه، ثم حدث العراك على إدارتها، والمعلومة من المتبرعين أنفسهم. قولوا ما شأن الحُسين بمثل هذا البناء؟ بهذه الروحية أخذوا ينظرون للدولة كحُسينية كبيرة. مثلما استغل الإسلام السياسي السُّني الجوامع، فكانت خطب حسن البنا (اغتيل 1949) التي يصطاد بها الأتباع، تُلقى في مساجد القاهرة، كمسجد «محمد فاضل باشا»، حيث بايعه محمد الصَّواف (ت 1992) ليعود ويؤسس «الإخوان» العراقيين (الصواف، من سجل ذكرياتي)، وبعدها صُنفت مساجد ببغداد وغيرها، على أساس حزبي أيضاً. مما يخص مكان انفجار الأربعاء الماضي، ذُكر أن الشيخ البديري بدأ نشاطه في (1991-1992)، فكان يؤم جماعته في مسجد «شباب أهل الجنة»، وأخذ أنصاره يدعونه باليماني، الرجل الذي يسبق الظهور حسب الروايات الخاصة بالمهدي (المياحي، السفير الخامس 2001). كان مدبر الحركة شخصاً يكنى بأبي المهيمن، وأخذ ينظم الجيش على منوال الجيوش الإسلامية. وزع «المناصب في جيش الإمام المزعوم، فهذا حامل الراية، وذاك السَّاقي» (المصدر نفسه). وبعد نشر «مئة عام مِن الإسلام السياسي بالعراق»، وصلتني رسالة يقول صاحبها: «إن البديري لم يدع المهدوية، وخضوع الناس لقائد الجيش أبي المهيمن، ويرى أنه صاحب رسالة وفكر». غير أن رسالته وفكره كانا سياسيين، لا شأن للمسجد والحسينية بهما، فأغلب الأحزاب الدينية قدمت نفسها بأنها ممهدة للمهدي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر «جٌند الإمام» الجماعة المنشقة عن «حزب الدعوة الإسلامية»، بل إن قادة الثورة الإيرانية اعتبروها ممهدةً لظهور المهدي! كلّ ذلك لا يخص العبادة ولا يتعلق بعاشوراء، فيمكن تشبيه «الحُسينية» بالخانقاه أو الزّاوية الصّوفية، ومثلما تعددت الزوايا على اختلاف مشارب الطرق الصوفية، تعددت الحُسينيات على تباين الجماعات، والمرجعيات، والمحلات، وحتى على أساس المهن، وكل جماعة ترتاد حُسينيتها ومسجدها، فللشِّيرازيين الآن مثلاً حُسينياتهم الخاصة، لكن أن تتحول إلى مشجب لتكديس السلاح، فهذا نذير شُؤم، وما علاقة أسماء الأئمة بها، فالغالب منها عنْوِنَ بأسمائهم. فمَن له مصلحة بفوضى السلاح وتكديسه في الحُسينيات، وعدم حصره بيد الدولة، غير الذين يريدونها دولاً وحكوماتٍ، لا دولة وحكومة واحدة؟! لأن قوتهم بسلاحهم. إنهم باختصار يعبرون عن سلوك «أمراء الحروب»، وزعماء العصابات. أما الذين تزلزلت بيوتهم بانفجار السلاح المكدس، فحالهم كالأسرى لدى سادة الحُسينيات ودعاة العنف منها. مع العلم بأن الحُسينية المتفجرة ليست الوحيدة التي كُدس فيها السِّلاح. يا أهل العراق، مَن وطَّنَ نفسه على تقاليد وأخلاق المليشيات، ليس له حظ في سلام وإعمار، مهما قدمت المليشيات نفسها مدافعةً عن مذهب أو جماعة، حتى حُسبت انتصارات الجيش العراقي لها، فخطر البقاء على سلاحها المُكدس خطر الأفعى الثابتة، وللشيخ الحويزي (ت 1957): «معقربةُ الأصداغِ ترسلُ وفرةً/ فتنساب كالأفعى (فتقتلهم) نهشاً» (الموسوي، حركة الشعر في النجف). لقد راح المعدمون نهشاً بالقنابل والبارود الذي هدَّ البيوت عليهم، ومن مخازنه في الحُسينية!
4 الدخان الآتي من العراق مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
كان من المفترض أن يتصاعد الدخان الأبيض من فوق قبة البرلمان العراقي إيذاناً بتشكيل الكتلة الأكبر التي ستكلف رئيس الوزراء الجديد تشكيل الحكومة العراقية العتيدة، إلا أن دخاناً أسودَ تصاعد من ناحية الرصافة في بغداد زاد المشهد العراقي قتامة وحرجاً، حيث تتجمع الغيوم الملبدة بأزمة تشريعية فوق سماء العراق، هي الأخطر على كيانه منذ العام 2003.
فالدخان الصاعد من الرصافة يمثل تهديداً هو الأول من نوعه للعملية السياسية برمتها، بعد مجموعة من الانقلابات السياسية والتشريعية جرت ضد الانتخابات الأخيرة ونتائجها، كان أخطرها انعقاد البرلمان الذي تنتهي ولايته في 30 يونيو (حزيران)، وقيامه بتعديلات على قانون الانتخابات الحالي تعتبر بعض الأطراف أنها قد تمس نتائج الانتخابات. فالمجلس الحالي الذي تصل نسبة الخاسرين من أعضائه في الانتخابات إلى 70 في المائة، من ضمنهم هيئته الرئاسية، تحوَّل إلى أداة تستخدمها بعض الجهات السياسية المتضررة من النتائج من أجل الضغط على الأطراف الفائزة بهدف انتزاع تنازلات منها، والأبرز في قرارات التعديل على قانون الانتخابات هو إقصاء أعضاء المفوضية المستقلة للانتخابات وتعيين قضاة في مكانهم، إضافة إلى إلغاء نتائج الخارج وإعادة العد والفرز يدوياً الذي يحتاج عدة شهور.
تنتهي مهلة البرلمان نهاية الشهر الحالي، وتدخل السلطات التشريعية والتنفيذية ومؤسسات الدولة في مرحلة فراغ دستورية لا مثيل لها في تاريخ العراق الحديث، وعلى الأرجح فإن المتضررين من نتائج الانتخابات يعملون على محاصرة القوى السياسية العراقية الشريكة في صناعة القرار والمصرة حتى الآن على تشكيل تحالفات وطنية تتجاوز فكرة الكيانات المذهبية أو القومية عبر كتلة وطنية كبرى عابرة للطوائف والكيانات، ولي ذراعها في حال تمسكت برفض العودة إلى صيغة المحاصصة الطائفية في السلطة.
وبناء عليه فإن المتضررين المحليين والإقليميين من نتائج الانتخابات على رأس قائمة المشتبه بهم في الضلوع بافتعال الحريق الذي طال أجهزة تخزين بيانات الناخبين في المخازن بمنطقة الرصافة، رغم رسائل الليونة التي بعث بها الزعيم العراقي السيد مقتدى الصدر من أجل تطمين هذه الجهات بأن مشروعه وطني وإصلاحي.
تركيز الصدر على إعادة الاعتبار للهوية الوطنية كأولوية من أجل إنقاذ الدولة ومؤسساتها من الانهيار الشامل، تضع حداً لأي طرف داخلي أو خارجي يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بهدف إعادة ضبط الزمن العراقي على التوقيت الإيراني فقط، حتى لو اضطر أن يذهب إلى مغامرة يستخدم خلالها القوة لتعويض ما خسره في صناديق الاقتراع، فكل المؤشرات تشير إلى أن الأزمة مستمرة ومرشحة للتصعيد الذي سيأخذ أشكالاً متعددة لن تكون بعيدة عن العنف المدروس والموجه؛ عنف ظهر أول ملامحه في الرسالة التي تلقاها الزعيم العراقي مقتدى الصدر عبر الانفجار الغامض في أحد مستودعات الأسلحة التابع لـ«سرايا السلام» التي تشكل الذراع العسكرية للصدريين، أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في مدينة الصدر، فيما علامات الاستفهام تزداد حول المستفيد من حريق الرصافة الذي أتى على 80 في المائة من بيانات الناخبين في مدينة الصدر، بعد أقل من يومين على قرار الحكومة إعادة الفرز اليدوي الذي اعتبر لصالح بعض القوى الخاسرة التي تحاول إعادة تدوير النتائج، وفقاً لمصالحها ومصالح داعميها الإقليميين.
في الحادثتين هناك علامات واضحة لاستهداف الحالة التي يحاول الصدر ترسيخها في العراق، وخاسر غير مقتنع بأن حدود ضغطه وبأن اللجوء إلى العنف لن يغير مجرى الأحداث، وهذا ما دفع الصدر إلى الحديث بوضوح عن احتمال الحرب الأهلية.
الدخان الأسود الآتي من الرصافة يمثل جزءاً من تلبد الغيوم الإيرانية التي بدأت تتجمع فوق العراق وسوريا ولبنان، وعلى الأرجح فإن تشكيل الحكومة اللبنانية بات تحت تأثير هذا الدخان، بعد أن تفاخر قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني بأن «حزب الله» بات يملك 74 مقعداً في البرلمان الجديد، وبأن الاتجاه الآن لتشكيل حكومة مقاومة، أما الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله فقد أكد بدوره أن المنطقة مقبلة على حرب كبرى، وبأن المنتمين إلى محوره سيصلّون قريباً في القدس.
لم يتأخر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرد على سليماني حيث قال: «إذا خسر البعض في العراق لا يعني أن يعوض خسارته في مكان آخر»، ففي بيروت وبغداد يدرك الجميع أن كلفة مواجهة إيران سياسياً مرتفعة جداً، ولكن على ما يبدو أن لبنان، كما العراق، غير قادر على التعايش مع هذا التضخم في النفوذ الإيراني.
5 المناخ إلى جفاف وسنوات عجاف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا افتتاحية «إيكونوميست» البريطانية
قبل ست سنوات، عاد نبيل موسى، وهو خبير بيئي كردي، إلى العراق بعد أكثر من عقد في الخارج. وألفى بلده على حال جديدة. فالأنهار التي سبح فيها على مدار العام صارت تندثر في الصيف. وصارت السماء العراق صارت قفراً بعد أن كانت طيور اللقلاق والمالك الحزين تكاد لا تبارحها. والجفاف حمل المزارعين على ترك الزراعة، والعواصف الرملية- وهي كانت نادرة- جعلت الهواء خانقاً. فالتحق موسى بمجموعة بيئية محلية، «طبيعة العراق»، للترويج لسبل «خضراء» تقلص هدر المياه وموارد الطبيعة. ولكن المسؤولين الأكراد لم يعيروه بالاً. فالتغير المناخي هو آخر الهموم. واللامبالاة بالتغير المناخي هي الموقف الغالب في الشرق الأوسط وأفريقيا، على رغم تفاقم المشكلات المرتبطة به. فتفاقم قحل الجفاف، وصار أطول وأمضى، وموجات الحر أكثر قيظاً، والعواصف الرملية أكثر تواتراً من الرباط إلى طهران، بحسب معهد ماكس بلانك الألماني. ومواسم الجفاف صارت أطول، ويبست المحاصيل. وارتفاع درجات الحرارة تعاظم وبلغ مبلغاً مميتاً في الصيف. وتبدو توقعات ارتفاع الحرارة في الأعوام المقبلة مخيفة، وارتفاعها في العقود المقبلة كارثياً. فالحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سترتفع مرتين أسرع من المتوسط العالمي. فعلى خلاف مطلع القرن العشرين، كانت أيام القيظ (حرارة تفوق 48 درجة) تقتصر على 16 يوماً في العام، ولكن عدد الأيام هذه تكاثر، وسيتضاعف أكثر من 5 مرات في 2050 عما كان عليه مطلع القرن الماضي. وفي العام المنصرم، أوشكت إيران على تجاوز أعلى معدل حرارة موثق تسجيلها، 54 درجة مئوية، وهي عتبة سجلت في الكويت في 2016. ويتوقع أن تنخفض معدلات السواقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جراء التغير المناخي. وفي بعض مناطق المغرب، قد تنخفض المعدلات هذه 40 في المئة. وقد يرفع التغير المناخي معدلات الأمطار في البلدان الساحلية مثل اليمن، ولكن التبخر سيبدد أثر هذه الزيادة. والمزارعون يكافحون لري المزروعات العطشى، فيحفرون الآبار، ويستنفدون المياه الجوفية التي تعود إلى قرون مضت. وخلصت دراسة تستند إلى صور التقطتها أقمار الناسا الاصطناعية إلى أن حوضي دجلة والفرات خسرا 144 كيلومتراً مكعباً (ما يوازي تقريباً البحر الميت) من المياه العذبة بين 2003 و2010. ويعود شطر راجح من التقلص هذا إلى استخراج المياه الجوفية للتعويض عن تقلص منسوب مياه الأمطار. والتغير المناخي يساهم في مفاقمة الاضطرابات السياسية في المنطقة. فحين ألمَّ الجفاف بشرق سورية بين 2007 و2010، نزح 1.5 مليون شخص إلى المدن. وفي إيران، أدت سلسلة من موجات الجفاف القاسية منذ التسعينات إلى هجرة المزارعين المحبطين أرضهم إلى المدن. ومدى حصة الجفاف في تأجيج الحرب التي اندلعت في سورية في 2011 والاضطرابات الأخيرة في إيران، هو مدار نقاش لا يستخف به. والثابت أنه فاقم مشاعر الضيم في البلدين. وشح المياه قد يؤدي إلى نزاعات مع سباق الدول إلى تأمين موارد المياه من دون احتساب حصة دول المصب. فعلى سبيل المثل، لوَّحت مصر بالحرب حين بدأت إثيوبيا تشيّيد سد ضخم، والسدود التركية والإيرانية على دجلة والفرات وغيرهما من الأنهار أثارت الغضب في العراق- وسيف الجفاف مسلط عليه.
وصاغ العلماء خطوات يسع البلدان العربية اللجوء إليها للتكيف مع التغير المناخي، منها الانتقال إلى زراعة بذور مقاومة للحرارة. وإسرائيل تستخدم الري بالتنقيط لتوفير المياه. وهذه خطوة من خطوات كثيرة قد يحتذى عليها. ولكن الحكومات العربية غالباً ما تشغلها مشكلات أخرى. فالعراق انصرف إلى جبه داعش والاستفتاء الكردي. وغالباً ما تحول السياسة في هذه المنطقة من العالم دون حل المشكلات. فالدول فيها نادراً ما تُجمع على سبل تشاطر الأنهار وآبار المياه الجوفية. ففي غزة حيث يفاقم تسلل المياه المالحة والآسنة إلى الآبار المتقادمة أخطار الأوبئة، يعوق الحصار الإسرائيلي عليها، تشييد منشآت تكرير وتحليتها. ولا أمل في لبنان في أن تستبق الحكومة المتشظية آثار تدني مستوى موارد المياه.
والحق يقال أن بعض دول المنطقة يسعى إلى تقليص الانبعاثات الحرارية. فالمغرب على سبيل المثل، يشيد محطة طاقة شمسية ضخمة في الصحراء، وتفعل دبي المثل. وعلى رغم أن السعودية لن تتوقف عن تصدير النفط، تعد لتشييد محطة طاقة شمسية حجمها يفوق أضخم مثل هذه المنشآت اليوم بـ200 مرة. ولا شك في أن يد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قصيرة في تخفيف آثار التغير المناخي. ولكنها مضطرة لا محالة إلى التكيف.
6 مياه العراق بين سدود تركيا وإيران ديلمان عبدالقادر ذي ديفانس بوست» الأميركي
دمرت عقود من الحروب الإتنية والمذهبية العراق، وكان يئن من شح المياه أنيناً صامتاً في العقد الأخير. ويوفر دجلة والفرات 98 في المئة من موارد مياه الشفة والري في العراق. وشطر راجح من البلاد يمتد على ضفاف النهرين التاريخيين، وهما ينبعان في تركيا. لكن الأخيرة شيّدت 22 سداً و19 محطة مائية على النهرين في مشروع جنوب شرقي الأناضول في منطقة يغلب عليها الأكراد.
وتفتقر تركيا إلى موارد نفطية، لكنها أدركت في عهد رجب طيب أردوغان أن المياه هي السلاح الأمضى. وبدأ مشروع دمج شرق الأناضول بتركيا كلها مع مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك. واليوم، العالم شاهد على أثر هذا المشروع المدمر في العراق. فأنقرة تسعى إلى زيادة عدد المشاريع في جنوب شرقها لرفع مستوى حياة سكانها، بعد أن كابدوا في هذا الشطر منها الفقر وخسائر الحرب على حزب العمال الكردستاني. لكن «سعي الحكومة إلى السيطرة على القضية الكردية غذى ريبة السكان، وحملهم على التساؤل ما إذا كانت تسعى وراء أهداف سياسية كبيرة خاصة بها – مثل تأمين تغذية بالتيار الكهربائي، ورفع حجم الصادرات الزراعية، ودمج الأكراد، إلخ – عوض النزول على حاجات مواطنيها، على نحو ما تزعم»، كتبت إيلكترا تسكاليدو، محللة في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، في 2013.
ولا شك في أن سوء إدارة الحكومة العراقية وحكومة كردستان العراق، يساهم في المشكلة، ولكن جذور أزمة المياه ضاربة في تركيا. فمستوى المياه في العراق انخفض 40 في المئة في السنوات الأخيرة نتيجة الخزانات التركية. وأخفق مشروع الأناضول في إرساء الاستقرار في مناطق أكراد تركيا. والحلقة الأخيرة من حلقات المشروع هو سد إيليسو، تيمناً بقرية تحمل الاسم ذاته. وبدأ المشروع في 2006، وهو يهدد مدينة حسن كيف التاريخية بالغرق، بعد أن تربعت نحو 12 ألف عام على ضفاف دجلة. وهي واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، ويقيم فيها 78 ألف نسمة، وهي على وشك أن تغرق وتكون كنزاً منسياً تحت الماء نتيجة سد إيليسو. وحين إنجاز السد كله، سيرتفع مستوى دجلة في حسن كيف 60 متراً، فيُغرق 80 في المئة من المدينة والبلدات المجاورة.
وقلص السد دفق المياه إلى الأهوار جنوب العراق، وهي مصنفة على لوائح اليونيسكو للتراث العالمي. وفي عهد صدام حسين، قطعت الحكومة المياه عن الأهوار لحمل الثوار الشيعة المختبئين وسط السكان على الانسحاب. والسد التركي اليوم لا يجفف الأهوار فحسب، بل يصيب بالجفاف العراق كله. والأهوار تنتج محاصيل زراعية وتوفر مياه الري لحيوانات المزارعين. ويقلص سد إيليسو دفق المياه في العراق 56 في المئة، ويرجح أن يتمدد أثره إلى إيران.
ولا شك في أن العراق لا يملك رد «(عدوان) السد» التركي. فشأن طهران، قوضت أنقرة سيادة العراق، وشيّدت نحو 20 قاعدة عسكرية في شماله. وهي تتعاون مع الحزب «الديموقراطي الكردستاني»، على رأسه مسعود بارزاني، لاقتلاع «حزب العمال الكردستاني» – ومعقله في جبال قنديل. وكلما كانت بغداد متشظية ويقوضها النفوذ الإيراني، استغلت تركيا ضعف الدولة العراقية وشفطت موارد المياه. والإمساك بمقاليد المياه هو جسر أنقرة إلى رد التمدد الإيراني وقتال خصمها اللدود، «حزب العمال الكردستاني»، على حد سواء. والعراق الضعيف هو تربة غنية تسعى القوى الإقليمية إلى مد جذورها فيها والتمدد ما وراء حدودها. و «من يدفع ثمن التنافس الإقليمي هو مصب النهر، أي العراق»، يقول فاضل الزعبي، ممثل منظمة الفاو في العراق.
7 لا تتورط بإحراق العراق مجدداً مشرق عباس الحياة السعودية
ليس جوهر القضية أن مستودعاً كبيراً يضم أجهزة وصناديق الاقتراع العراقي قد تم إحراقه بفعل فاعل، وأن الفاعل لديه أسباب كافية لخوض مثل هذه المجازفة، كأن يكون متورطاً في التزوير، أو راغباً بالمزيد من خلط الأوراق، بل إن جوهرها أن القوى الإقليمية ما زالت ترى أن بإمكانها استخدام ورقة التهديد بإحراق ما تبقى من العراق. عام 2009 وقف الفاعل الإقليمي على تلة الحرب الأهلية وقال :»إنها حرب مذهبية غير مكتملة» وعام 2017 وقف مرة أخرى على تلة الاستفتاء الكردي وهتف: «إنها حرب قومية غير مكتملة»، ونكاد نلمحه اليوم وهو يقف على تلة حريق مخازن الأصوات عازماً على القول «إنها حرب شيعية– شيعية غير مكتملة».
وفيما أننا لا نعرف حقاً متى تكتمل دائرة حروبنا المغلقة بعد أن استنزفت دماء العراقيين ونفطهم ومياههم ومستقبل أجيال متتابعة منهم، فإننا نعرف عن يقين أن القوى السياسية العراقية، ما زالت عاجزة ومتقزمة أمام الخارج، وأنها لا تقوى بل لا تريد تحمل مسؤولية إنتاج قرار عراقي خالص يحمي البلاد من التلاعب والمغامرات والحرائق الجديدة.
ولنضع الأمور في نصابها، فإن طريقة تشكيل الحكومة التي ستنتج من انتخابات عام 2018 هي مبرر حريق الرصافة لا التزوير، وأن رسالة الحريق، قد تكون أقل الرسائل دموية، لكنها تضع في السياق مسار الصراع الإقليمي خلال الأعوام المقبلة، وتهدد بحرائق أكبر.
لم يقل أحد أن التمسك بحكومة مستقلة تقودها الكفاءات، تنتج قراراً عراقياً، وتدير لعبة التوازنات الإقليمية والدولية بحرفية ووعي للمصالح الوطنية، لن يكون بلا تضحيات، وبلا تحديات، ولم يفترض أحد أن المضي إلى تجاوز المحاصصة الحزبية، وقسمة أمراء الطوائف، ستكون مهمة بلا عوائق وتهديدات، لكن «داعش» كان حريقاً بفاعل إقليمي ودولي أيضاً، ومع هذا خرج العراقيون من حفرتهم يطالبون بالمدنية والحريات والقرار الوطني والانفتاح على الخارج، متجاوزين بذلك أكثر كوابيسهم رعباً.
الفاعل، يخطئ في حساباته دائماً، فليس ثمة جريمة كاملة على صعيد مصير الشعوب، وربما أغرته المكاسب التي حصل عليها خلال سنوات التيه التي سقط فيها العراق، متناسياً الخسائر الاستراتيجية التي ألمت به، ولأنه أخطأ مراراً، فهو يخطئ هذه المرة أيضاً، عندما يعتقد أن حكومة بمقاييسه يمكن أن ترى النور، أو أن تعيش لفترة طويلة أمام الإرادة الشعبية.
لا يريد الفاعل أن يتعب نفسه ليكتشف أجيالاً عراقية تنمو وتزدهر محملة بروح وطنية متجددة، وكراهية لكل ما تورطت به الأجيال التي سبقت، فهو ما زال مؤمناً أن إدارة العراق ستتم بطريقة واحدة، وأن مزاج الشعب يمكن التلاعب عليه بتبديل الوجوه أو تحوير الشعارات أو حتى التهديد بالحرائق.
لا يفهم الفاعل أن نادي السياسيين الفاسدين المرتجفين أمام نياشينه، لم يعد بإمكانه المقاومة طويلاً، وأن جيلاً صاعداً قد أدرك جيداً وسط تجارب مريرة وخداع طويل وتشويش مستمر على كل صوت وطني، أن المستقبل الوحيد المتاح هو التمسك بالدولة والدفاع عن وجودها وتقوية أسسها، ومنع انحلالها في أحضان الآخرين.
الحكومة التي ستنتج مستسلمة للتهديد بإحراق العراق من جديد، لن تكون سوى رقم تكميلي لما سبقها، ضعيفة ومهزوزة ومرتبكة، أمام مسار شعبي واضح ومتصاعد يفرض نفسه باضطراد ويكتسب المصداقية والحضور، مطالباً بإيقاف مهرجان الفشل والعجز والتردي.
ليس الغضب الشعبي بلا أخطاء وأخطار، بل إن المشكلة هي أخطار هذا الغضب، لو تغاضى الفاعل عنه، واستهتر بجديته، أو حاول الاستثمار فيه. تلك لعبة أكثر خطورة من سواها، وحريق أشد رعباً من غيره، ومساحته لن تكتفي بحدود أرض الرافدين بل تتعداها.
أن تكون مهمة العراقيين أن يقنعوا الآخرين بخطورة العبث بحرائقهم، تلك مهمة شديدة الصعوبة، خصوصاً عندما يدفع الغرور ووهم كلية القدرة الآخر إلى بناء نظريات بدائية عن تعريف القوة والضعف، فيقرر أن يتحدى إرادة شعب.
8 هل ينزَلِق العراق إلى… «حربٍ أهلِيّة»؟ محمد خروب الراي الاردنية
كثيرة هي المؤشرات التي تشي بأن العراق يدخل مرحلة اخرى من الفوضى والإستقطاب الحاد, خصوصاً بعد «الحريق» الذي استهدف احد مخازن صناديق الاقتراع, ضمّ نصف عدد صناديق العاصمة بغداد, وصَفَه وزير الداخلية على الفور بانه «مُتعمَّد», بينما ذهب رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العِبادي نحو إدراج الحريق في خانة «مؤامرة تستهدف النيل من العملية الديمقراطية في البلاد».
ردود الفعل والتصريحات المتبايِنة التي أعقبت حريق «مخزن الرصافة»، تعكس حجم الإحتقان والخلافات بين الاحزاب والكتل والمكوِّنات السياسية. سواء تلك التي تُصنّف كفائزة في انتخابات 12 آيار الماضي، أم اولئك الذين حقَّقوا نتائج متواضِعة وغير متوقَّعة من وجهة نظرهم, فذهبوا كالعادة لاستدعاء نظرية المؤامرة, والإتّهام بالتزوير والتلاعب بصناديق الاقتراع. بدليل دعاوى الطعن التي رُفعَت الى مفوضية الانتخابات. هذه المفوضية التي باتت موضع اتّهام معظم الاطراف, المؤثِّر منها وغير المؤثِّر, وبخاصة انها (المفوضية) ليست موضِع ثقة, كونها ليست مُستقِّلة, لا تتمتّع بحصانة او قدرة على مواجهة عمليات التشكيك بنزاهتها. بل هي مجرّد تجمّع لممثلي احزاب وكيانات سياسية, تم توزيع مقاعدها وفق القِسمة العراقية البائسة, القائمة على المحاصصة الطائفية والمذهبية, وخضوعها لموازين القوى التي تكرّست بعد الاجتياح الاميركي للعراق, وتوافَقَ عليها «الديمقراطيون الجدد» الذين اقتسموا «كعكة العراق» مع المحتلّ الاميركي, وراحوا يروجون لشكل عَبثِيّ من الديمقراطية, التي لم تأت لغالبية العراقيين بأي فائدة او انعكاس ايجابيّ, على بؤس احوالهم المعيشية والخدمية, والغياب العميق لآليات العدالة الاجتماعية ودولة القانون وحاربة الفساد, وغيرها مما كانت نُخب المعارِضين للنظام السابق, تتحدّث عن افتقاد العراقيين الطويل لها.
وفي موازاة «الاقتراحات» التي تبرَّع بها بعض قادة القوائم والاحزاب التي انخرطت في الانتخابات الاخيرة, والتي توزّعَت بين دعوات لتشكيل حكومة «تصريف أعمال» تعمل على إعادة الانتخابات (سليم الجبوري واياد علاوي) وأُخرى «ترفض تشكيل حكومة نتائِج مُزوَّرة (نوري المالكي) ومسارَعة حيدر العِبادي للرد على «غريمه» في حزب الدعوة, المرشّح للإنقسام «بخروج احدهما من عباءته» للقول: ان المحكمة الإتحادية العليا هي «الكيان الوحيد» الذي له الحق في اتخاذ قرار بشأن الحاجة لإعادة الانتخاب، يمكن القول: ان العراق قد دخل بالفعل نفقاً مُظلماً لا أحد يعرِف مداه أو الوقت الذي ستستغرقه عملية البحث عن «ضوء» في نهايته، وخصوصا في ظل شائعات وتسريبات تقول: إن الاميركيين (وهم اصحاب نفوذ وتأثير قوِيَّين) أبلَغوا «قيادات» سُنيّة وشيعية وكردية ومنهم حيدر العبادي (على ما قالت التسريبات), بانهم «يرفُضون» إلغاء الانتخابات, وانهم «يُحذِّرون» من مغبَّة خطوة كهذه تُلغي انتخابات 12 أيّار بشكل كلّي, وهم أيضاً مع «ضرورة استمرار معالجة الطعون وتُهَم التزوير والتلاعُب, للوصول الى حل مُرضٍ من… النزاهة بـ»العملية الديمقراطية».
هذا يُطيح دور مؤسسات العدالة المفترَضة والمرجِعيات ذات الصلاحية في إلغاء او الإبقاء على النتائج التي تم إعلانها رسميّاً, وخصوصا المحكمة الاتحادية العليا التي تغنى بها السيد العِبادي, فضلا عن ملابسات وردود الفعل.. المرَحِّبة او الغاضبة, بقرار مجلس النواب إعادة فرز الاصوات «يدوياً». ذلك القرار الذي خضَع هو الآخر لجدل وسجالات لم تتوقّف أوتتراجّع حِدّتها, الاّ بعد حريق مخزن الرصافة, الذي وضع الجميع امام استحقاق جديد, لم يُخفِّف منه او يدفَع لـ»طمأنَةِ» إصحاب «المصلحة» في الابقاء على النتائج المُعلَنة, ما قيل عن توفّر «نُسخٍ احتياطية» للعملية الانتخابية, محفوظة لدى مفوضية الانتخابات. وهو امر لم يتم التأكد منه او معرِفة ما إذا كانت تلك النسخ ألكترونية أم ورقية؟ وبالتالي غموض إمكانية تنفيذ «قرار» مجلس النواب بالعدِّ اليدوي, وبخاصة انعكاس ذلك القرار على «دور» مفوضية الانتخابات, بعد تشكيل هيئة قضائية تتولّى الإشراف على عملية العد اليدوي. ما يضع هذه المفوضية في قفص الإتّهام بالتزوير وعدم النزاهة, وهو ما أسهم حريق مخزن الصناديق, في رفع منسوب هذا الاتّهام, فضلاً عن تناقض ردود الفعل التي عبرّت عنها تصريحات قادة الاحزاب والكتل والتيارات, وبخاصة «التحذير» المثير الذي أطلقه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من احتمال نشوب «حرب اهلية»، كان هو ذاته وبعض أركان «تحالف سائرون», الذي احتلّ المرتبة الاولى في قوائم الفائزين بالانتخابات الاخيرة, حذرّ ايضا من «حرب أهلِية» اذا ما استجابت الجهات المعنية لدعوات إلغاء نتائج الانتخابات (كان هذا قبل الحريق), ما يستدعي التوقّف عنده, لأن مجرّد التلويح به مرة قبل الانتخابات واخرى بعدها, تعني ان ثمة مُتضرِّرون من الإلغاء او إعادة الفرز (بافتراض تمّ ذلك), وأنهم لن يقبلوا به, وستكون لهم خطوتهم التالية, التي تعني اللجوء الى طرق وأساليب ومقاربات غير ديمقراطية(…) لعل أسهلها استدعاء السلاح والتمتّرس في الخنادق المتقابِلة, وجرّ العراق الى النموذج الليبي وربما الصومالي. في وقت يعيش شماله «الكردي» تحت وطأة اجتياحٍ وعربدة تُركية موصوفة, لا تأخذ في اعتِبار سيادة العراق (دع عنك سوريا), وهجمات ارهابية اخذت تشّتد في شمال العراق وغربه, وصراعات محمومة برزت بقوة بعد الانتخابات الاخيرة, وفشل الكتل الفائزة في إشهار «الكتلة الاكبر», التي كانت ستوكَل اليها مهمة تشكيل الحكومة الجديدة (وهذا كلّه.. قبل الحريق).
في السطر الاخير… احتمالات انزلاق العراق الى حرب أهلِيّة, واردة هذه المرّة اكثر من اي وقت مضى. وبخاصة اذا ما شعر المتضررون مما جرى بان دورَهم آخذ بالتراجع, وان «الدفاع» عن هذا الدور يحتاج الى إشعال حرب كهذه. إلاّ إذا تغلّبَت الحِكمة او تم استدراكها بِطرُق «إبداعِيَّة» نحسب انها لن تَروق لهؤلاء.