3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الثلاثاء

1 ميليشيات إيران تمهد لحرق العراق
فاروق يوسف العرب بريطانيا

ما حرق المركز الانتخابي بصناديقه إلا ضربة للتمهيد للخيار الأسوأ. وهو خيار يؤكد اللجوء إليه أن الحلول لم تعد متاحة على طاولة قادة الميليشيات، ولأن الوقت يضيق فإنهم يعتقدون أن الغلبة ستكون لمَن يبادر.
الخشية من نشوب حرب أهلية جديدة
فيما يعزي رجل الدين العراقي مقتدى الصدر أتباعه بمصابهم الأليم الذي نتج عن انفجار مخازن الأسلحة من خلال دعوته إلى نزع سلاح الميليشيات، فإن الجماعات الشيعية الموالية لإيران تستعد للإطباق عليه وحرمانه من التمتع بفوزه الصادم في انتخابات، لم يكن له دور في تزويرها.
قدّم الصدر عرضه السخي بدءا من نزع السلاح في المناطق التي يبسط عليها أتباعه سيطرتهم. وهو عرض لا بد أن يجلب عليه سخرية الآخرين ممن يملكون ميليشيات ومخازن أسلحة وصلات عميقة بالجارة إيران. فالسلاح من وجهة نظرهم -وهم مجرد قطاع طرق- هو عدة العراقيين الوحيدة المؤكدة، بعد أن انقضت أيامهم في العلم والثقافة والرياضة. لم يعد لدى العراقيين شيء سوى السلاح. وهو سلاح كان ولا يزال موجها إلى صدورهم.
منذ عام 2003 نشبت حروب كثيرة في العراق. بل لم يخلُ يوم من أيام العراقيين من حرب لم يكن ضروريا فيها أن يكون طرفاها مسلحين.
غالبا ما كانت تلك الحروب تقوم بين طرف مسلح وآخر أعزل. وهو ما يؤكد أن العراقيين فقدوا مع الوقت الكثير من قيم الشهامة والمروءة والشجاعة.
فعلى سبيل المثال فإن العشائر التي سنَّ لها نوري المالكي يوم كان رئيسا للوزراء قانونا من أجل ترسيخ شرعية أعرافها المتخلفة والرثة والبدائية، كانت ولا تزال تتقاتل في ما بينها لأتفه الأسباب في محاولة ممن يملك السلاح للحصول على الغنائم من الطرف الأضعف.
وهو سلوك أدى إلى انتشار ظاهرة الإماء والفدى العينية والمالية وسواهما من مستحقات عمليات الغزو التي لا تكترث الدولة بوقوعها، ذلك لأنها لا تؤثر على وجودها المحصور في المنطقة الخضراء.
العراقي اليوم هو سلاحه. ذلك هو شعار الأحزاب التي تتمترس وراء ميليشياتها المستعدة لاستئناف حروبها في أي لحظة.
يكذب بعض العراقيين على أنفسهم حين يتوهمون أن هناك إمكانية لأن تستعيد الثقافة مكانها في حياتهم. فهم يعرفون أن لا أحد من الطبقة السياسية الحاكمة ينظر إلى وجودهم بطريقة جادة. تكفي قنبلة واحدة لتعيدهم إلى بيوتهم مذعورين وهم يحمدون الله على سلامتهم.
الثقافة في بلد لا تعليم حقيقي فيه هي أشبه بالسيرك المؤقت.
حين يلجأ مقتدى الصدر إلى الدعوة إلى تنظيف العراق من السلاح غير الشرعي، فإنه يعبّر عن خشيته في أن يستعمل ذلك السلاح في تصفية الحسابات في المرحلة المقبلة التي يُخطَط لها أن تكون مرحلة لإزاحته من المكان الذي يقرر من خلاله مصير العراق، إلى المكان الذي يكون فيه مجرد شاهد زور.
نضج مقتدى الصدر وطنيا بحيث صار يخشى نشوب حرب أهلية جديدة. ربما سيضحي باستحقاقه الانتخابي من أجل أن لا تقوم تلك الحرب.
يعرف الصدر أن فوز الائتلاف الذي يتزعمه في انتخابات، خسرتها الكتل الموالية لإيران بالرغم من كل عمليات التزوير التي قامت بها لن يجعل الطرق أمامه سالكة للوصول إلى السلطة، ومن ثم تنفيذ مشروع ائتلافه في التغيير السياسي، وصولا إلى الدولة المدنية التي تعلي من شأن القانون والمواطنة وقيم العدالة الاجتماعية.
الفوز في الانتخابات في عراق الميليشيات المسلحة التابعة لإيران قلبا وقالبا لا يكفي للفوز بالسلطة. هناك عقبات كثيرة ستضعها كل الأطراف الأخرى في الطريق، الهدف منها إما سرقة السلطة عن طريق الاحتيال على الدستور وإما العمل على إلغاء الانتخابات والدعوة إلى انتخابات جديدة.
وإذا لم يتحقق واحد من الهدفين، فإن الميليشيات ستكون جاهزة لشن حرب سيكون الصدر خاسرا فيها في ظل عزوفه عن اللجوء إلى السلاح. وما حرق المركز الانتخابي بصناديقه إلا ضربة للتمهيد للخيار الأسوأ. وهو خيار يؤكد اللجوء إليه أن الحلول لم تعد متاحة على طاولة قادة الميليشيات، ولأن الوقت يضيق فإنهم يعتقدون أن الغلبة ستكون لمَن يبادر.
ولا يبدو أن الصدر في عجلة من أمره. لذلك فإنه سيترك المبادرة للآخرين من أجل أن يكونوا سببا في حريق العراق.
غير أن ما هو مؤكد أن رجل الدين الذي يعتبره دعاة المشروع الإسلامي من أتباع إيران عدوهم رقم واحد سيدعو إلى مقاطعة الانتخابات إذا ما نجح خصومه في إلغاء نتائج الانتخابات الحالية.
2 العراق: العبادي بين خيارين عباس الكتبي راي اليوم بريطانيا

يذكر المؤرخون حادثة تاريخية، يقولون: أن هاشماً “الجد الثاني لنبي الإسلام” وعبد شمس كانا توأمين، وأن هاشماً ولد واصبعُ واحدة من أصابع قدمه ملصقة بجبهة “عبد شمس” وقد نزعت بسيلان دم، فتشائم الناس لذلك، من وقوع الحسد والعداوة والبغضاء بينهما. وفعلا قد وقعت العداوة بين ذرية هاشم “وهم العلويون”، وذرية عبد شمس” وهم الأمويون”، وما زالت_العداوة_مستمرة بينهم.
نتائج الإنتخابات العراقية، أنجبت لنا توأمين “سائرون والفتح” فلا توافق ولا إنسجام بينهما، وذلك بسبب الإلصاق الحاصل في قائمتيهما “الشيوعية والعصائب” وهما موضع العداوة بين القائمتين، وربما لا تبشر الأمور بخير في المستقبل بسببهما، وما زاد في الطين بلة أن هناك إلصاق خارجي دخل بينهما “القانون”، والمعروف أن بين المالكي والعامري زواج يحترم العلاقات الزوجية ويقدرها.
بعد زيارة الحكيم للصدر في النجف، حصل أتفاق مبدئي بينهما على أساسيات لبرنامج حكومي بعد السعي لتشكيل الكتلة الأكبر التي تحضى برئاسة الوزراء، ثم لحق بهما علاوي، وقد وثق هذا الأمر بالأمس، عندما سربت بعض وسائل الإعلام وثيقة تم التوقيع عليها من قبل ممثلين عن قائمة سائرون والحكمة والوطنية، تم الأتفاق فيها على المبادئ الأساسية للحكومة القادمة.
هل سيلتحق العبادي بهذا الركب؟ الرجل واقع بين خيارين:( أما الولاية الثانية أو الحفاظ على وحدة الدعوة وكسب رضا إيران) وكأن لسان حاله يقول:( أَ ترك ملك الري والري منيتي أم أقتل وأمزق الدعوة) بالتأكيد لا مناص له من خيار الملك، لأنه إذا قرر التحالف مع العامري والمالكي، ستفكك قائمته فالكتل السنية المنضوية معه ستنسحب لأنها لا تقبل بإيران، أو سيأتيها أيعاز خارجي لها بالإنسحاب.
العبادي تزداد حظوظه وهو قريب جدا من ولاية ثانية، إذا أنضم الى تحالف يجمع( النصر وسائرون والحكمة والوطنية وبعض القوائم السنية والكردية) أما أنضم العامري إليهم فأن العبادي ستتلاشى حظوظه، والأقرب لرئاسة ستكون شخصية مستقلة، لكن في حال أنضمام العامري ستنسحب العصائب منه، وتنفك عقدة النكاح بين الزواج الكاثوليكي، وتربح الشيوعية، عندئذ ستتأجج العداوة بين هذه الأطراف.
3 كبار البرلمان العراقي ينقلبون عليه عدنان حسين الشرق الاوسط السعودية

بخلاف المألوف، من الكبار وليس من الصغار، جاءت هذه المرة الاعتراضات والاحتجاجات والطعون على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية. والكبار هم القوى المتنفّذة في البرلمان والعملية السياسية برمّتها. هم مجموعة أحزاب وجماعات سياسية شيعية وسنية وكردية اختارتها الولايات المتحدة وبريطانيا، قبل أن تُسقِطا نظام صدام حسين في 2003، لتحكم العراق بزعم أن هذه المجموعة تمثّل المكوّنات الرئيسية للمجتمع العراقي: الشيعة والسنّة والكرد. أما الصغار، فأحزاب وجماعات سياسية كانت قائمة في الأساس أو انبثقت بعد سقوط نظام صدام، وظلّت خارج حساب المكوّنات، وتحدّد دورها بأن تكون مكمّلاً ديكورياً لعملية سياسية وُصِفت بأنها ديمقراطية، ولم تكن كذلك في الواقع.
منذ أول عملية انتخابية في العهد الجديد (مطلع 2006) حدثت خروقات لقانون الانتخابات وقانون المفوضية العليا للانتخابات ولأحكام الدستور، وجرت عمليات تزوير، بشهادة حتى البعض من مسؤولي المفوضية. الكبار كانوا وراء ذلك كلّه، فهم وحدهم مَنْ امتلك السلطة التي مكّنتهم من حيازة النفوذ والمال، فقد توزّعوا فيما بينهم مناصب الدولة العليا ووظائفها المتوسطة والصغيرة وفق نظام المحاصصة الطائفية والقومية، الذي رعى قيام أكبر نظام للفساد الإداري والمالي في المنطقة، وواحد من أكبرها في العالم كله. الاعتراف بهذا لم يقتصر على المنظمات الدولية، كمنظمة الشفافية الدولية، إنّما كبار العملية السياسية أنفسهم أقرّوا المرّة تلو الأخرى باستشراء هذا الفساد في الدولة والمجتمع، وكرّر رؤساء الحكومات العراقية الذين عيّنهم الكبار التعهّد بجعل مكافحة الفساد أولوية في برامج حكوماتهم، وهو ما لم يحصل البتّة.
دستورياً وُصفت المفوضية بأنها «مستقلة» مع أكثر من عشر هيئات أخرى لم تتمتّع بالاستقلال أبداً، لأن الكبار كانوا شديدي التمسّك بتقاسم مناصب هذه الهيئات (مجالسها العليا) وسائر وظائفها بالصورة التي جرى تقاسم مناصب الحكومة ووظائفها. ومعظم هذه الهيئات أمسكت بتلابيبها منذ البداية أحزاب بعينها. وفي الغالب كانت عملية تقاسم المناصب والوظائف تجري عبر مجلس النواب الذي هيمن عليه الكبار ووُضِعت الهيئات تحت إشرافه ورقابته، مجردةً من أي شكل من أشكال الاستقلال.
صغار العملية السياسية، الذين نجحوا في إيصال ممثلين عنهم إلى البرلمان أو الذين فشلوا، كان واحداً من مطالبهم الرئيسية احترام استقلالية الهيئات «المستقلة»، خصوصاً مفوضية الانتخابات، بوصفها الهيئة الأهم، لضمان عدم التلاعب بالعملية الانتخابية… هذا المطلب تصدّر أيضاً مطالب الحركات الاحتجاجية المتتابعة التي شهدها العراق منذ فبراير (شباط) 2011، بيد أن الكبار لم يُعيروا ذلك اهتماماً، فرفضوا على الدوام تعديل قانون الانتخابات وقانون المفوضية بما يضمن انتخابات نزيهة وشفافة تديرها مفوضية مستقلة، بل إن ممثلاً لأحد الكبار (حزب شيعي متنفّذ) أعلن ذات مرة أمام وسائل الإعلام أن نظام المحاصصة «وُجِد ليبقى، وأصبح أمراً واقعاً».
قبل انتخابات الشهر الماضي تجدّدت المطالبة بتشكيل مفوضية مستقلة وتعديل قانون الانتخابات، لكنّ الكبار رفضوا هذا مرة أخرى، وشكّلوا المفوضية الحالية بأنفسهم وبنظام المحاصصة ذاته، بل إنهم رفضوا تمثيلاً جزئياً للقضاء في عملية الإشراف على الانتخابات. كما رفض الكبار فكرة تأجيل الانتخابات بعض الوقت ما دامت البلاد قد خرجت للتوّ من حربها ضد «داعش»، التي كانت من عواقبها تدمير كثير من المدن والبلدات ونزوح سكانها إلى مدن ومناطق أخرى داخل العراق وخارجه، ليبقى مئات الآلاف منهم في مخيمات، ولم يتمكّن كثير منهم من تجديد بياناتهم لزوم ممارسة حقهم الانتخابي.
وإذْ جاءت الانتخابات بنتيجة غير مأمولة من جانب الكبار وصادمة لهم، لكنّها متوقعة من خارج أوساطهم، فإنهم استداروا بزاوية 180 درجة ليعملوا على إلغاء نتائج الانتخابات وإطاحة المفوضية. الأربعاء الماضي، اجتمع 170 من أعضاء البرلمان، ومعظمهم من الفاشلين في الانتخابات الأخيرة، ليعدّلوا على عجل قانون الانتخابات بما يقضي بإلغاء النتائج المُعلنة عن طريق النظام الإلكتروني الذي تحمّس له هؤلاء الأعضاء بالذات، وبإعادة العدّ والفرز يدوياً، مع إلغاء النتائج في الخارج وبعض مخيمات النازحين والتصويت الخاص في إقليم كردستان.
وراء هذه العملية الجارية بينما البرلمان في فترة عطلة تشريعية، وهو على وشك انقضاء ولايته، أن القوى المتنفّذة جميعاً تراجع تمثيلها في مجلس النواب الجديد، وبعض رؤوسها الكبيرة لم يجد له مقعداً فيه، وهذا راجع في الأساس إلى فقدان ثقة الناخبين العراقيين بهذه القوى ورؤوسها. هو أمر متوقع، فما كان ممكناً لهذه القوى أن تحافظ على وضعها بينما هي مسؤولة عن كارثة حقيقية شهدها العراق منذ أربع سنوات، وهي احتلال تنظيم داعش الإرهابي ثلث مساحة العراق. وتقريباً لم تبقَ عائلة عراقية لم تتأثر على نحو مأساوي بذلك الحدث سواء خلال عملية الاجتياح أو في الحرب التي دامت نحو ثلاث سنوات للقضاء على التنظيم الإرهابي وطرد عناصره من العراق. وما كان لهذه القوى أن تحظى باحترام العراقيين أيضاً فيما حافظ الفساد الإداري والمالي على مستوياته العالية، وكذا الفقر والبطالة وانهيار نظام الخدمات العامة، وهو ما فجّر من جديد في الأيام الأخيرة موجة احتجاجات في عدة محافظات.
ما حصل في البرلمان العراقي انقلاب دبّره الكبار الذين أطاحتهم الانتخابات الأخيرة. هو انقلاب لم يكتمل فصولاً بعد، فثمة مَنْ رفض واعترض وتقدّم بالشكوى إلى الهيئة القانونية الانتخابية وإلى المحكمة الاتحادية، طاعناً في قانونية ودستورية ما فعله البرلمان.
أيّاً كان مصير الاعتراضات والطعون، ستكون الحصيلة النهائية مزيداً من انهيار ثقة العراقيين بالعملية السياسية. الانتخابات الأخيرة نفسها عكست هذا الانهيار بامتناع نسبة كبيرة من الناخبين (55 في المائة) عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع، وبسقوط كثير من الرؤوس الكبيرة في الانتخابات.