مقالان عن العراق في الصحف العربية يوم الاثنين

1 السلاح بيد من يمتلك السلطة
مشرق عباس الحياة السعودية

لم تكن حادثة انفجار كدس للعتاد يعود لمجموعة مسلحة في مدينة الصدر شرق بغداد قبل أيام منعزلة عن السياق، بل هي في قلب السياق العراقي، وفي صميم مفهوم السلطة، فمن يمتلك السلطة يمتلك السلاح بشكل علني أو سري، ويستخدمه في تدعيم سلطته.
ابتداء يجب القول إن تداعيات حادثة مدينة الصدر، خلفت نمطاً من ردود الفعل غير المتوازنة في النظر إلى قضية التسلح، فمن جهة هاجم أعداء التيار الصدري، الذي يشك بأن الجهة التي خزنت الأسلحة مقربة منه، بقوة ذلك التيار على أساس سياسي، واتهمته بأنه خارج القانون، من دون التطرق إلى القوى المسلحة الأخرى، ولم تشفع له حتى مطالبة زعيمه مقتدى الصدر بنزع سلاح شامل من كل الفصائل المسلحة، ومن جهة أخرى دافع أنصار التيار بقوة لتبرير الحادث الدامي والمرعب أو نزعه من سياقه، أو التقليل من دلالاته.
أن يمتلك التيار الصدري في العراق السلاح الخفيف والثقيل ليس سراً، بل إن «سرايا السلام» التابعة للتيار سبق أن نشرت فيديوات عن معامل لتصنيع الصواريخ والأسلحة الثقيلة، لكن التيار ليس وحده من يمتلك هذه الإمكانات خارج نظام الدولة، بل إن نحو 50 فصيلاً مسلحاً مختلفاً تحوز الأسلحة ومعامل التصنيع نفسها، بالإضافة إلى عشرات من العشائر العراقية أو من يتحدث باسمها.
أن يكون السلاح الثقيل والمتفجرات منتشرة خارج أجهزة الدولة بهذه الكثافة، ليس خبراً بدوره، ولا ينتمي إلى مرحلة تنظيم «داعش» بل يعود إلى مرحلة الاحتلال الأميركي في العراق، وتوزع سلاح الدولة بين الأطراف المختلفة وربما قبل ذلك.
الخبر أن السلاح يتم خزنه في أماكن سكنية مكتظة ومساجد وحسينيات ووسط المدن لا خارجها، وهنا تحديداً يجب أن يتم إدراك مدى خطورة ظاهرة التسلح وتعاظمها، إلى درجة أن مدن العراق بمثابة قنابل موقوتة بإمكانها أن تنفجر بطريقة حسينية مدينة الصدر لتهدم عشرات المنازل وتودي بالضحايا.
لا تجدي في الواقع متابعة قضية مدينة الصدر جنائياً عبر عزلها عن الظاهرة بحد ذاتها، كما لا تجدي الإعلانات السياسية عن نزع السلاح أو الرغبة بنزع السلاح من طرف أو آخر، بل الظاهرة في حاجة إلى معالجة عميقة وشاملة، تبدأ بالتحديد من إعادة تعريف ووصف المجموعات المسلحة المختلفة، خصوصاً أن قانون «الحشد الشعبي» الذي لم يتم تطبيقه سوى شكلاً، لا يضع حدوداً دقيقة لتلك المجموعات، ما سمح لها جميعاً بالحصول على استقلالية في قضايا تداول السلاح واستخدامه.
إذا كان للحكومة من دور تقوم به فيجب أن يبدأ باجتماع شامل لزعماء الفصائل المسلحة وزعماء العشائر المتهمين بالتسلح، يبنى على أساس قاعدة بيانات بما تمتلكه تلك المجموعات من أسلحة، واستعدادها للتخلي عن سلاحها، والطريقة التي سيتم من خلالها نزع ذلك السلاح، ولا تستثنى الضمانات التي يجب أن تقدم في مقابل تطبيق خطة النزع الشامل للأسلحة، كما يجب أن يسن قانون يوقع عقوبات شديدة، بالجهات التي تمتلك أو تتداول السلاح المتوسط والثقيل، ليس عبر محاسبة الأفراد والأتباع وإنما الزعماء بالدرجة الأساس.
قد يكون التوصل إلى مثل هذا الاتفاق أمراً صعباً في العراق، فالسلاح جزء من الهيبة السياسية والقبلية، كما أنه ترجمة لانتزاع المجموعات للسلطة من الدولة.
لكن الأمر ليس مستحيلاً، إذا عرفنا أن الأطراف التي تمتلك السلاح، هي في الحقيقة مشاركة في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، ومقراتها وسجونها ومعسكراتها وحتى مخازن أسلحتها تكاد تكون علنية.
إعادة السلطة إلى الدولة يتطلب يداً قانونية شديدة الوضوح ومقتدرة في فرض احتكارها للسلطة المنتزعة منها، لكنها يد عادلة وغير انتقائية، فإما أن تستعيد الدولة كل ما انتزع منها من سلطاتها الحصرية، أو أن تعترف بالعجز والفشل، وما عدا ذلك، فإن الانتقائية في نزع السلاح سيشبه إلى حد بعيد الطريقة الانتقائية في التعامل مع تبعات الحرب الأهلية 2006-2008 والنتائج الكارثية التي قادت إليها ومازلنا ندفع أثمانها حتى اليوم.
2 الجميع ينتظرون معركة بغداد الكبرى وليد الزبيدي الوطن العمانية

في يوم الخامس من أبريل- نيسان 2003 ، وضعت الوكالات والشبكات الإعلامية ما يقوله العراقيون على جنب، وبدأت تبث وصفاً لمدينة بغداد، ونهر دجلة الذي يقسمّها إلى الكرخ والرصافة، وطول المسافة من المطار إلى القصر الجمهوري.
في ذات اليوم، ظهر الرئيس صدام حسين على الفضائية العراقية، وألقى خطابه الثالث منذ بداية الحرب بنفسه، ودعا فيه العراقيين إلى المقاومة وضرب كل من يتجاسر على الاقتراب من بغداد.
بينما كانت القوات الأميركية تحكم سيطرتها على جنوب وغرب بغداد، وتتجه إلى السيطرة على المدخل الشرقي في منطقة المدائن، وتزيد من أعدادها في المطار، وتحلق الطائرات الأميركية بكثافة عالية في سماء بغداد، ظهر الرئيس صدام في حي المنصور ببغداد، والتقى الكثير من المواطنين الذين تجمهروا وهتفوا بشخصه.
لكن تسارع الأحداث وانتشار معلومات عن احتمال سيطرة القوات الأميركية على القصر الجمهوري وسط بغداد، أحدثا خلخلة كبيرة بين صفوف الجميع، من مواطنين وجنود وضباط وحتى كبار المسؤولين في الحزب والدولة.
لم تنفع محاولات الرئيس العراقي من تكثيف نشاطاته وظهوره بين الناس في منطقة المنصور، في تماسك إرادة العراقيين، خاصة أن جميع ما تناقله العراقيون عن معركة المطار، لم يحسم قضية وجود الجنود الأميركيين، وإنما جاء بيان الناطق العسكري غامضاً، ولم يكشف عن طبيعة المرحلة اللاحقة، في وقت تتسارع فيه الأحداث حول مدينة بغداد وفي داخل بعض ضواحيها وأحيائها.
إن الغموض الذي رافق نتائج معركة المطار، قد ساهم كثيراً في التمهيد لخلخلة المعنويات لدى الكثير من القيادات والأجهزة العسكرية والأمنية والحزبية، لأن الكثيرين، اعتقدوا أن معركة المطار، هي البوابة الأولى، التي تقود إلى معركة بغداد الكبرى، التي ينتظرها الكثيرون، ويؤمنون بأنها ستفضي إلى هزيمة القوات الأميركية، بعد أن يتم قطع الإمدادات من جميع الاتجاهات، وتبدأ فاعلية الحرس الجمهوري في قصف القطعات الأميركية، التي تنتشر في مناطق لا تعرف تفاصيلها الجغرافية، في حين تمتلك قيادات الحرس جميع التفاصيل الدقيقة، الأمر الذي يجعلها قادرة على ضرب تلك القوات أينما حلت أو رحلت، وأن تغيير أماكنها، لابد أن يكون مكشوفاً. هذه القناعة استندت إلى أن ما سمعوه من بيانات رسمية تؤكد تماسك الحرس الجمهوري وامتلاكه لزمام المبادرة، وهذا يعني أن القوات الكثيرة والمدربة، لابد أنها تنتظر حصول المواجهة الحاسمة، بعد وصول القوات الأميركية، وكان يرى الكثيرون أنها مناطق القتل الحاسمة للقوات الأميركية، وهنا لابد من التأكيد، على أن القيادة العسكرية العراقية، لم تعلن أي شيء عن حقيقة الخسائر التي منيت بها قوات الحرس الجمهوري وكان الكثير من العراقيين، ينتظرون حصول معركة بغداد الحاسمة، التي لابد أن تكون، بوابة الدخول الأولى إليها، واستناداً إلى تلك القناعات، تداول العراقيون على نطاق واسع، القصص التي تحدثت عن أسر المئات من الأميركيين في معركة المطار، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، وتحدثوا عن قتلى أميركيين بالمئات، ولم يتردد البعض من سكنة بغداد عن ذكر تلك الروايات، وقالوا أنهم شاهدوا الأسرى داخل حافلات كثيرة، تسير في طريق المطار باتجاه مفرق حي العامرية، وقال البعض، إنهم شاهدوا من يحمل رؤوس الجنود الأميركيين، بعد أن تم قطع رؤوسهم، في معركة المطار. لكن الوقت كان يمر بسرعة، رغم إن الكثيرين كانوا يشعرون بثقل الدقائق التي يقعون تحت تأثيرها، وينتظرون الأخبار الجديدة لحظة بلحظة.