7 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 ما لم يحدث في العراق هيفاء زنكنة القدس العربي

انها المحاكمة الأولى التي تتم في البلاد العربية في مسار تحقيق العدالة الانتقالية. تونس هو البلد السباق في هذا المجال، نادر الحدوث، بعد ان قامت «هيئة الحقيقة والكرامة» التي تأسست في حزيران/يونيو 2014، بالتحقيق في القضية واحالة الملف الى القضاء. الملف المعني واحد من 62 ألف و713 ملف مودع لدى الهيئة، تم تبنيها بعد اجراء 49 ألف و637 جلسة سرية مع ضحايا انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة في الفترة بين تموز/ يوليو 1955 وكانون الأول/ ديسمبر 2013. وهي حقبة زمنية طويلة شملت حكومات مرحلة ما بعد التحرر الوطني، الذي يتزامن ويتشابه في الكثير من تفاصيله وانجازاته واخفاقاته وما أدى اليه من صعود أنظمة دكتاتورية، مع العديد من الدول العربية، من بينها مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن وليبيا والسودان وتونس نفسها. مما يجعل متابعة مسار تحقيق العدالة الانتقالية، بتونس، ضروريا للتعلم من النجاحات وتدارك الإخفاقات.
«إنها لحظة تاريخية، تبدأ من خلالها تونس مرحلة جديدة في مكافحة الإفلات من العقاب»، وصف زيد رعد الحسين، المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، اجراء المحاكمة الاولى. وهو حدث تاريخي يتجاوز حدود تونس ليصل بلدانا قلما تذوق مواطنوها معنى المواطنة، وتحقيق العدالة، وفق القوانين، بعيدا عن هيمنة الحكام القمعية، وسيطرة أجهزة الامن، المتمتعة بحصانة ممارسة القمع، بأشكاله، من الاعتقالات والتعذيب الى الاخفاء القسري والقتل. يتضمن ملف قضية كمال المطماطي، مساعد مهندس بفرع شركة الكهرباء والغاز في قابس، التي ينظر فيها القضاء التونسي، حاليا، كل هذه الانتهاكات مجتمعة. اذ تم القاء القبض عليه بتهمة النشاط النقابي والسياسي بحركة الاتجاه الاسلامي، عام 1991. تعرض للضرب منذ اللحظات الأولى لاعتقاله، وواصل رجال الامن ضربه في المركز حتى فارق الحياة. أوهموا الموقوفين معه بانه نقل الى وزارة الداخلية، بتونس، لاستكمال التحقيق معه، في حين انه كان جثة هامدة، وضعت في صندوق سيارة وتم تسليمها الى عنصرين أمنيين آخرين. تم طمس جثة كمال في اساس اسمنتي لقنطرة كانت قيد البناء في ذلك الوقت، طبقا لمعلومات من قيادات امنية. ولأن الجهات الأمنية أنكرت معرفتها بمصير كمال، واصلت والدته على مدى ثلاث سنوات، زيارة السجن بانتظام «أحمل القفّة (السلة) لابني، حريصة على أن يكون طبخ يديّ، هو طعامه. ثمّ اكتشفت الحقيقة! لم يكن يتناول شيئا من طعامي، لأنّه ببساطة، كان متوفّيا». اكتنف عمل الهيئة الكثير من الصعوبات كما صاحبتها منذ تأسيسها النقاشات والمناكفات السياسية والمجتمعية، الا انها حققت بعض النجاحات التي تستحق ان يحتذى بها. فقد تمكنت من كسر حاجز الصمت المحيط بانتهاكات وجرائم السلطة وأجهزتها الأمنية خلال عهدي الحبيب بورقيبة وبن علي. انتهاكات طالت أبناء الشعب على اختلاف انتماءاتهم العقائدية والسياسية. كما أوصلت اصوات الضحايا المهمشين الى الشعب التونسي، كله، والعالم أجمع، عبر جلسات الاستماع العلنية، المؤثرة بإنسانيتها، لتضع حدا لذريعة «لم اعلم». بات الكل يعلم. سمع وشاهد ورأى تفاصيل الاعتداءات، بضمنها الجنسية، على النساء والرجال. وقفت المرأة كضحية وشاهدة، باعتداد، رغم حزنها، لتساهم في ترسيخ نمط المقاومة في ظل الثورة: المطالبة بكشف الحقيقة وعدم السكوت على الظلم، ضد أيا كان. فربع القضايا الموثقة لدى الهيئة تقدمت بها نساء.
في شهادتها، في سردها لتفاصيل، كتمتها لسنوات تمتد عقودا، تخلصت المرأة من محرمات الخوف والرهبة والخجل، ممن يجبرها على ان تكون بلا دور، وضعت اصبعها بعيون المعتدين لتقول بانها ليست المسؤولة عما أصابها، انها ليست المارقة، كما يحاولون ايهامها.
هذا لم يحدث بالعراق. كانت هناك منذ التسعينيات، أي بداية الاعداد لغزو العراق، اوراقا ودراسات اكاديمية، لامست موضوع العدالة الانتقالية، فيما أطلق عليه اسم «عراق ما بعد صدام». ساهم في التقديم عراقيون، عاشوا في الغرب عقودا، وتعاون العديد منهم في مؤتمرات عقدتها ومولتها مؤسسات الإدارة الامريكية والبريطانية، تابعة لوزارتي الخارجية والدفاع، ومؤسسات «السلام» و»بناء الديمقراطية» المتفرعة عنها. بعد الغزو، تمت مكافأة المتعاونين بمناصب وزارية واستشارية وبرلمانية، تمكنوا خلالها من تأسيس «الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة» التي انجبت «الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث» وفقا لقرار رقم واحد، الذي اصدره حاكم الاحتلال العسكري بول بريمر، بعنوان «تطهير المجتمع العراقي من حزب البعث». اذ «اعتمد المسؤولون الامريكيون، في العراق، سياسة طموحة وواسعة النطاق لاجتثاث البعث، دون فهم تفصيلي لحزب البعث او الجيش العراقي او المؤسسات العامة او الخدمة المدنية او الأوضاع الفعلية العراقية او لما يفضله العراقيون، ولم يستعرضوا على ما يبدو السياسات البديلة المتاحة امامهم»، حسب تقرير «إرث مر»، الصادر عن المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
شرعن قرار بريمر والهيئات المنبثقة عنه، عمليات اغتيال واعتقال وفصل كل من انتسب أو يشك بانتسابه الى حزب البعث. هكذا تم تحويل مفهومي «العدالة الانتقالية» و»المصالحة الوطنية» ومسارهما الى عملية انتقام واسعة النطاق، لاتزال مستمرة، على الرغم من مرور 15 عاما، على تنصيب النظام الحالي. ان تحويل مفهوم العدالة الانتقالية الى «طريقة هزيلة ترمي الى احياء مؤسسات الدولة» حسب المركز الدولي للعدالة، سببه الرئيسي هو ان العراق لا يزال بلدا محتلا، وليس من مصلحة أية دولة احتلال، تقوية مجتمع الدولة المحتلة. اذ ان قوتها في ضعفه. كما انها والحكومات العراقية المتعاقبة، لم تتوقف، منذ عام 2003، عن ممارسة أبشع انتهاكات حقوق الانسان (أبو غريب وعشرات المعتقلات السرية مثالا) وجرائم الحرب ضد الشعب (تدمير الفلوجة واستخدام اليورانيوم المنضب مثالا)، مما يوجب اخضاعهما الى المساءلة وعدم الإفلات من العقاب. ان تطبيق مسار العدالة الانتقالية، كما في تونس، يتطلب استقلال العراق، واستقراره، واستلام السلطة من قبل عراقيين مؤمنين، فعلا، بتحقيق العدالة وليس الانتقام، وان تبنى العملية على مشاورة ومساهمة أبناء البلد، أنفسهم، في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان حق الضحايا في معرفة الحقيقة، والعدالة، وجبر الضرر، وعدم التكرار، لضمان مصالحة ماضي العراق مع حاضره من أجل حماية مستقبله.
2 العراق: النفط مقابل دجلة والفرات
حامد الكيلاني
العرب بريطانيا

الأزمة أو الصدمة تحل بيننا ومفاتيح شفرتها في التصريحات التركية المتطرفة، وفي خط سير الشاحنات النفطية من كركوك إلى إيران تحت وقع خطى العقوبات الأميركية ونتائجها وارتداداتها على الميليشيات السياسية المسلحة.
مصائب الحروب
الأزمات في العراق مطلوب منها أن تهبط من دون مظلة مساعدة أو ثانوية للاحتياط في حالة عدم فتح المظلة الأساسية التي تعاني أصلا من التهرّؤ والتقادم وكثرة السقطات.
الأزمات أيضا تصطدم بالوقائع دون كوابح، لذلك تأتي النتائج مماثلة لنظرية الصدفة على أمل استقرار العناصر المنفلتة بعد نفاد طاقتها؛ أي أن الرهان ينصب على هدر الزمن.
النظام بلا ناظم لتصريف شؤون السياسة حتى في العلاقة بين الحدود الإدارية للمحافظات، بل إن الخلاف على الصلاحيات البلـدية والأمنية يمتد إلى أصغر الوحدات داخل المدن بما فيها العاصمة بغداد لينعكس على فوارق تقديم الخدمات، لأن المقيـاس العام يفتقد إلى تطبيق المبادئ الأساسية للتعليمات الإدارية لضياع هيبة توجهات الدولة الضامنة لمصداقية علاقة الدولة بالمواطن تحت سقف المثل العليا المقررة في أي دستور أو أعراف أو أخلاق.
إذا كانت منابع العملية السياسية الراهنة تبدأ من الاحتلال الأميركي، ومصبات فروعها وسواقيها في الاحتلال الإيراني، فكيف سيتسنى للعراقيين بناء إنسان يتجاور مع أخيه في الوطن بمحبة وتفاهم وتعاون، ورغبة مشتركة في التقدم والنهوض؟
لهذا فإن التفاهمات معقدة والاتفاقيات فيها لبس مع تركيا لضمان الاحتفاظ بمناسيب مياه نهري دجلة والفرات بمعدلاتها، لأنها ترتبط بالفارق والتفاوت الكبير بين نظام الدولتين، وتتصل أيضا بحجم التنمية وقوة الاقتصاد واستقلالية القرار واستناده على إدارة كفؤة مهنيا، ومن خلفها جيش يقرر موازين القـوى لصالحه في فرض عقلانية الحلول السلمية كظهير، غائب حاضر، في كل المشاورات أو المفاوضات.
أزمة المياه وصدمة جفاف نهر دجلة في نفوس العراقيين والعرب والإنسانية هي خط شروع متكرر في العديد من دول المنطقة لانطلاق حروب أهلية ونزاعات عسكرية ومجاعات وإرهاب وهجرات تنذر بمخاطر غياب المعالجات الجوهرية لمشاكل تغير المناخ واختصار الحلول على تفاهمات معظمها غير ملزمة وبلا مضامين، تظل معها الصراعات الاقتصادية والسياسية من أسباب اندثار واختفاء أجزاء مهمة من التنوع البيئي والسكاني.
أخطر ما ورد من تصريحات مع بداية تدفق مياه دجلة لملء خزان سد أليسو ما قالته تركيا من أنها لا تتقاسم مع العراق ثرواته النفطية داخل أراضيه. في إشارة متطرفة إلى حق تصرفها بثرواته المائية رغم أن الاتفاقيات الدولية اجتهدت في وضع نظريات وفقه وتشريعات وقوانين قابلة للتطبيق تفرق بين ما هو ظاهر على الأرض من ثروات، وبين باطنها مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الحاجات الملحة بحسب تسلسل الأولويات في قائمة ثلاثية الحياة من هواء وماء وغذاء.
الطبيعة لا تعترف بالحدود السياسية الفاصلة بين الدول، إنها تتبع خصائص الجيولوجيا، ومشاكـل سرقـة المخزون النفطي في الآبـار القـريبة من الحـدود الـدولية يصب في صالح الـدولة ذات الأراضي المنخفضة، مع أنها سرقات غير مرئية لكنها تخضع لتفاهمات ومحـددات صنعت أطرا من التعاون في آبار مشتركة، تلافيا لأكبر مسببات النزاعات بين الدول المتجاورة التي تطفو غالبا على هيئة خصومات سياسية أو حدودية تتجنب الاتهامات المباشرة.
دكتاتورية تركيا في سلطتها على مياه نهري دجلة والفرات باعتبارها دولة المنبع لها مضامين استخفاف بكيان دولة مجاورة تناوشتها مصائب الحروب والاحتلال والتمزق العقائدي والقومي، وتناوبت عليها حكومات وأحـزاب وقادة كل همّهم ينحسر في التمييز الطائفي والانتقام التاريخي والإثراء غير المشروع ومحاباة النظام الإيراني.
حكام العراق في كل مرة يضعون الشعب العراقي أمام أزمة أو مصيبة جديدة، كما لو كانت مفاجأة غير محسوبة تتهيأ معها الدولة لوضع الحلـول والميزانيات لاستيعابها بإجراءات وتهويل وخطط عشوائية على طريقة إخراج الموصل وتنظيم داعش من العراق.
نهر دجلة وقع ضحية مخططات تعاون إقليمي بين تركيا وإيران، كما العراقيين الذين جربوا جفاف الفرات تحديدا في سنة 1976 لأسباب بعضها له صلة بطبيعة العلاقة بين الأنظمة السياسية إضافة إلى بناء السدود.
الأعراض الجانبية للأزمة مع تركيا وتأثيرها لا تخلو من أبعاد سياسية كالتي مع إيران في انخفاض مناسيب روافد نهر دجلة، أو انقطاعها في نهر الزاب الصغير التي أدت إلى تدمير مزارع الأسماك وتهديد للثروة الحيوانية، مع صلتها بضغوط مشتركة غير معلنة تجاه إقليم كردستان بعد أحداث أكتوبر الماضي في كركوك أو بما يجري الآن من توغل تركي في الأراضي العراقية.
رغم كل التحليلات فإن أزمة المياه الراهنة في العراق لن تتسرّب بعيدا عن حوض أسبابها المنطقية في شح الأمطار وقلة تساقط الثلوج على المرتفعات وارتفاع نسبة التبخر في مياه خزن السدود داخل العراق وانعدام المشاريع الحديثة وسوء إدارة الموارد المائية، إضافة إلى حرص تركيا وإيران على مصالحهما الخاصة، من دون أي اعتبار لما تتعرض له مصالح العراق وشعبه، المدمر أصلا بنظامه السياسي الفاسد والفاشل.
الأزمة مركبة ولن تقف عند قرار تركيا ملء خزان سد أليسو غير المفاجئ والمعلن، إنما تتعداها إلى كارثة عدم توفير الطاقة الكهربائية المستعصية منذ الاحتلال نتيجة للفساد وتخلف العقود والقفز بعمليات تجريب فنية لتغطية هدر الأموال وإخفاقات التنسيق الحكومي.
جفاف العراق أيضا يعود إلى قتل العلماء من أصحاب الخبرة والكفاءة واستبعاد ذوي الاختصاص من العراقيين لأسباب سياسية وأيديولوجية وطائفية، مع غياب النقد والمتابعة والاستقصاء في الصحافة والإعلام، وتراجع الأداء الدبلوماسي لوزارة الخارجية في استشعار السفارات لمهماتها بالمتابعة المبكرة لما يدور في أروقة الدول المختلفة من علاقات ذات صلة.
النفط مقابل الماء لم يعد شعارا لتسويق أهمية الماء، أو تنبيها لترشيد الاستهلاك أو لوضع الخطط. فالأزمة أو الصدمة تحل بيننا ومفاتيح شفرتها في التصريحات التركية المتطرفة وفي خط سير الشاحنات النفطية من كركوك إلى إيران تحت وقع خطى العقوبات الأميركية ونتائجها وارتداداتها على الميليشيات السياسية المسلحة، التي تستعد للعب على تناقض الأزمات للهبوط الإجباري بالكتلة الأكبر دون مظلة في برلمان العراق المقبل.
3 كما لو أن داعش طائر الفينيق فاروق يوسف العرب بريطانيا
كلما اختفى داعش وتنفست المدن المنكوبة به الصعداء، ظهر ثانية قويا كما لو أن الحروب المتتالية التي ضربته لم تنل منه.
داعش أشبه بلعبة إلكترونية
حسب الأسطورة اليونانية فإن طائر الفينيق (العنقاء لدى العرب) يقوم من رماده كل ألف سنة. كذلك هو تنظيم داعش الإرهابي الذي ينبعث من رماده بين حين وآخر.
كلما اختفى ذلك التنظيم وتنفست المدن المنكوبة به الصعداء، ظهر ثانية قويا وماهرا في اصطياد ضحاياه كما لو أن الحروب المتتالية التي ضربته لم تنل منه ولم تقصم ظهره.
لا وقت محددا لظهوره، فهو يقف خارج الزمن. الزمن الكوني والزمن البشري. الحاجة إليه هي التي تتحكم بالمسافة الفاصلة بين سباته ويقظته. ولا أحد بات مطمئنا إلى أن مقتل الآلاف من أفراده سيضعفه ويقرّب وفاته. هناك آلاف جديدة من مجاهديه لا تزال تنتظر أن يكون لها دور في عملياته المقبلة، التي لا يعرف أحد من بين تلك الآلاف متى وأين تبدأ.
ولم يعد السؤال عن القضية التي يقاتل من أجلها أولئك المجاهدون ذا فائدة. فحكاية التنظيم صارت مرتبطة بالمعادلات السياسية في المنطقة التي يتم وضعها من الخارج من قبل جهات يُشك في أنها هي المسؤولة عن إدارة التنظيم الإرهابي وحركته.
داعش مثله مثل حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وعصائب أهل الحق العراقية يتم وضعه في الخدمة حين تكون الحاجة إليه ماسة.
الفرق أن داعش هو تنظيم افتراضي. وهو ما ينقض فكرة دولة الخلافة الإسلامية التي ألقى خطبة قيامها الممثل الشهير أبوبكر البغدادي من على منبر الجامع النوري بالموصل.
سيكون علينا أن نعتبر ذلك البغدادي مجرد ممثل ثانوي. فالحاجة إلى داعش أكبر من التنظيم نفسه. هناك دول تنفذ أجنداتها من خلال التنظيم الإرهابي، باعتباره ماركة تجارية مسجلة يمكن استعمالها من قبل جهات عديدة حول العالم، من غير الحاجة إلى الحصول على إذن خاص.
من ذلك أن أطرافا سياسية عراقية عديدة صارت تلجأ إلى تفجير السيارات أو مهاجمة البلدات النائية كلما شعرت بالحاجة إلى الضغط على الشعب العراقي وإرهابه بعمليات القتل التي يُقال دائما إنها تحمل بصمات داعش. وهي حيلة إعلامية سخيفة ساهمت في تضليل الرأي العام. بهذا المعنى فإن داعش لن يموت ما دامت الحاجة إليه باقية.
لا معنى إذن للحرب على الإرهاب ما دامت غير قادرة على القضاء على داعش. هذا استنتاج خطأ. فداعش كما أسلفت مجرد اسم. لافتة تتغير دائما الجهات التي ترفعها أو تقف وراءها.
في ظل كل تلك المعطيات سيكون من السذاجة القبول بالمعادلة التي تجعل من الإرهاب والحرب عليه طرفيها. فالإرهاب والحرب عليه يقفان على كفة واحدة، فيما تقف الشعوب المتضررة منهما على الكفة الأخرى. وهكذا تكون الحرب على الإرهاب في حاجة إليه لكي تستمر.
لن يكون اكتشافا عظيما إذا ما قلت إن هناك جهات كثيرة مستفيدة من داعش. لا أقصد هنا الجهات التي اخترعت التنظيم الإرهابي وموّلته وزودته بالخرائط التي تتحكم بحركته وفرضته على عالم الإنترنت والفضائيات فحسب، بل وأيضا جهات كثيرة صارت تسلي الشعوب بألعاب داعش القاتلة.
داعش هو أشبه بلعبة إلكترونية فضاؤها ومجالها الواقع.
مخترعو تلك اللعبة والمستفيدون منها يعرفون جيدا أنها لم تُستهلك، وأن زمن نفادها لا يزال مفتوحا. وهم لذلك لا يشعرون بالحرج وهم يرتكبون جرائمهم ضد الإنسانية بذريعة يقظة خلايا داعش النائمة.
هناك شيء أسطوري يغلف الحكاية كلها بظلاله المعتّمة. بالتأكيد هناك الكثير من الأسرار التي تتعلق بالإرهاب وإن كانت جهات كثيرة قد افتُضح أمر تورطها في المسألة التي باتت تؤرق وتقلق الملايين. غير أن الاستمرار في تلك الحكاية قد يعني فناء أمم وإبادة شعوب وتسليم دول إلى مصير عبثي أسود تفقد بسببه القدرة على النهوض ثانية.
لن يكون من العدل أن تندثر شعوب مقابل أن يُبعث داعش كما لو أنه طائر الفينيق الخرافي.
4 بمناسبة دعوته لعودة يهود العراق: السيد مقتدى الصدر: الاشارات والتوظيفات! عارف معروف راي اليوم بريطانيا
في أحيان كثيرة لا تحتاج السياسة الى الكلام الكثير بل الى مجرد إشارات وتلميحات ، قد تنفتح الأبواب بعدها ، على فضاءات مهيئة او مسارات مطلوبة .وفي هذا المجال ، وكلما عَظُم حجم او تأثير الجهة او الشخصية مصدر الإشارة او التلميح ، عظمت التوقعات وتوسعت القراءات ….
وهذا لا يعني وجوب ان تفيد كل كلمة او إشارة بمقاصد خفية او غياب العفوية والتعبير الاني في تصرفات الشخصيات العامة ، لكن الناس تعودوا ان يروا الى القائل لا القول ، ويحددوا أهمية وخطورة ومغازي القول ، استنادا الى القائل والظرف والموقف والتوقيت والحاجة ، وتعودوا ، كذلك ، ان لا يضعوا إشارات وتلميحات وكلمات الشخصيات المؤثرة والقوى المهمة في خانة العفوية وانعدام القصد ….
لقد نشر مكتب السيد مقتدى الصدر بالأمس ، وتم تداول ذلك عبر وكالات الانباء والمواقع الإخبارية والفضائيات ، ما بدى على انه إجابة منه على سؤال احد الاتباع فيما اذا كان يحق لليهود عراقيي الأصل العودة الى العراق وقد صيغ السؤال على النحو التالي :” هل يحق لليهود عراقيي الأصل العودة الى العراق بعد ما هجرتهم السياسات السابقة في منتصف القرن الماضي ؟ علما ان لهم أملاك وكانوا سابقا جزء من المجتمع العراقي ” وقد أجاب السيد الصدر : ” بسمه تعالى ، اذا كان ولائهم للعراق فأهلا بهم ” .
نحن ، هنا ، امام افتراضين :الأول ، ان يكون السؤال مرتّب ، لغرض اصدار تصريح ، وهذا امر مألوف جدا في عالم السياسة . والترتيب قد يعني معرفة السيد الصدر به وحاجته لأطلاق مثل هذا التصريح في هذا الوقت بالذات لغرض سياسي يعنيه ، او ترتيب بعض المحيطين به دون معرفته بالغاية أصلا ، لكي يوظفوا الإجابة فيما يهدفون ، او ان جهة خارجية ، لا ترتبط بالتيار الصدري اوعزت لشخص ما بالسؤال لكي توظف الإجابة ….
اما الافتراض الثاني ، فهو ان يكون السؤال عفويا ، وقد صدر عن احد الاتباع حقا ، لكن صيغة السؤال وتوقيته ومهارته الواضحة في الصياغة والمرامي، و( حتى اسم الشخص السائل الذي يبدو مفتعلا ومتسرعا وناتجا عن التداعي : سعد رعد !) ، تبعد هذا الافتراض ، تماما .
ان مضمون السؤال الذي لا يخفى هو حق الإسرائيليين من اصل عراقي في العودة الى العراق والمطالبة باملاكهم المصادرة وحقهم في استعادة الجنسية العراقية ، وهذا ما ينطوي عليه القول بان سبب هجرتهم هو السياسات الظالمة السابقة ،وانهم جزء من المجتمع العراقي يتعين رفع الظلم عنهم واستعادة حقوقهم وبالأساس منها حق المواطنه ، التي ستكون مزدوجة ، ربما ! فاذا اضفنا الى ذلك ما سينطوي عليه أي تطبيق في ظل الوضع العراقي الحالي وفساده ، فسيكون كارثيا حتما ولا يتعلق بواقع الأملاك ومن هاجراو هُجّرمن اليهود حصرا ، ودليلنا هوما حصل بالنسبة لقرار الرعاية الاجتماعية وكيف شُمل عشرات الألوف من غير المستحقين واصبح الامر ميدانا للمتاجرة (الفضائية ،حسب التعبير العراقي ) في حين لم يشمل بها الكثير من المستحقين . وكذلك الامر بالنسبة لقانون الفصل السياسي وقانون السجناء السياسيين …الخ ناهيك عن النوايا والاغراض الأخطر والابعد مراما بكثير ، وكثير جدا !
لقد كانت إجابة السيد مقتدى هي الإجابة التي يمكن توقعها من أي شخصية عامة او مسؤول ، عراقي او عربي ، وهي لا تحمل الكثير ، فمن الطبيعي لأي مسؤول عربي ان يجيب بما يشبهها وان يعلق حق عودتهم بولائهم للوطن ، ولكن ما هو معيار قياس هذا الولاء الواقعي والعملي ، خارج نطاق التعابير الجميلة والدبلوماسية ؟!
المسألة الأخطر ، كذلك ، هي طرح ” حق العودة ” للاسرائيلين الحاليين الى ” بلدانهم ” السابقة التي هجروا ظلما منها ، كما تركز الصحافة الإسرائيلية ، وخصوصا على لسان داعيتهم ” العربي ” ايدي كوهين ،وليس هاجروا برغبتهم او تعصبهم ازاء ” حق العودة ” الذي يطالب به الفلسطينيون ؟!
في مطلع الستينات ، وفي مواجهة حكم عبد الكريم قاسم وللتهيئة لاطاحته وذبح الشيوعيين ، الذين ارجح ان كل جمهورهم ، ماكان معنيا بالشيوعية فعلا ، وانما بالوطنية العراقية التي كانت، يومذاك ، في فتوتها المرتبكة ، بعث البعض بسؤال الى آية الله محسن الحكيم ، وكان في حينه رأس المرجعية ، بسؤال صيغ بطريقة ذكية ، ومرتّبة ، عن الشيوعيين ، فأجاب بتكفير الشيوعية وقال انها كفرٌ وإلحاد …
في ظاهر الحال كانت فتوى الحكيم ، منطقية ومنسجمة مع طبيعة السؤال وما قدمه، وكأنها بريئة وخلو من أي سياق اذ انها اجابت بان الشيوعية كفر والحاد اذا كان الامر على النحو الذي قدمه السائل . انها لم تعن الشيوعيين او تكفرهم كأشخاص او كحزب ، كما انها علقت التكفير على شرط ورد في مضمون السؤال ، لكنها في الواقع ، وظفت توظيفا رهيبا ، واسست ، شرعيا ، لمذبحة راح ضحيتها الألوف …..
هل كان الحكيم يجهل ما اريد بذلك السؤال وتلك الفتوى ؟ هل ” رُتب ” السؤال والاجابة من قبله شخصيا ام من المحيطين به واتباعه ، ام انه كان من اعداد وتوظيف قوة مستفيدة أخرى مثل الجبهة القومية او حزب البعث ، يومذاك ، ام ان من وراءه كان ابعد بكثير أساسا وغاية ؟!
علم ذلك عند عّلام الغيوب ، لكن التاريخ متخمٌ بالاقوال التي تبدو بسيطة ظاهرا ولكنها إشارات لتحولات وانقلابات خطيرة في الواقع ، وهو مفعم كذلك بكلمات الحق التي اريد بها باطل، كما ان فيه الكثير من الإشارات الخلو من المضمون الحقيقي والتي تبغي تحقيق نفع سياسي ، وكل ما اتمناه في هذا السياق ، ان يكون السيد الصدر وما يريده ويسلكه خارج نطاق أي توظيف مريب وسوء قصد، من قبل القوى السوداء المتربصة ، داخلية وخارجية ….
5 تعاون إقليمي لمواجهة الكارثة مشرق عباس الحياة السعودية

كل التطمينات التي حصل عليها العراق حول امنه المائي المهدد من تركيا وإيران غير دقيقة، وهي محاولات ذات طابع سياسي فقط تحاول تهدئة الأوضاع، وعدم استثارة الرأي العام العراقي، الذي شعر للمرة الأولى بالكارثة المحدقة التي كان تشغيل سد «أليسو» مجرد تمرين لها.
ففي الوقت الذي تعمل تركيا على بناء سد على كل قطرة ماء تنبع من أراضيها خلال السنوات العشر المقبلة، يقول سفيرها في بغداد إن بلاده لا تسعى إلى إيذاء الشعب العراقي، وفيما تقطع إيران بشكل ثابت ومتواتر كل مجرى مائي ينتهي إلى الأراضي العراقية ضمن استراتيجية واضحة المعالم، يؤكد المسؤولون فيها أنهم داعمون للأمن المائي للعراقيين.
واقع الحال أن الكارثة التي تحيط بنهري دجلة والفرات حاضرة ومهيمنة ومؤكدة، وأن تلك الكارثة يشجع عليها غياب أي التزام من دول المنبع باتفاقات الأنهار الدولية، وتقاعس وتهاون الحكومات العراقية المتعاقبة، ما يفتح الباب لصراعات قادمة يتم التحذير منها بشكل ثابت من قبل مراكز القرار الدولية.
وكمبدأ أول، فإن محاولة إقناع العراقيين بأن السدود وعمليات تغيير مجاري الروافد التي تدخل ضمن أسس الاستراتيجيات التركية والإيرانية للسنوات المقبلة هي «مشاريع صديقة» أو أنها يمكن أن تكون صديقة، غرضها تحميل تبعات الأزمة وحلولها على عاتق الأجيال القادمة.
لو قدر للعراق وكذلك سورية أن تكون لهما استراتيجيات مستقبلية فعالة، بعد الحروب الطاحنة التي خيضت على أراضيهما، فيجب أن تكون قائمة على أساس اعتبار مشاريع دولتي منابع النهرين «عدائية» و«جديرة بالتصدي لها على المستوى الوطني والشعبي»، وان لا تنتهي تلك الاستراتيجيات قبل توقيع اتفاقات تقاسم ملزمة وطويلة الأمد وضامنة لحقوق جميع الأطراف بمياه النهرين.
إن العراق كبلد يقع في قلب تصادم حاد للقوى الإقليمية على أرضه وحدوده، سيكون عليه إنتاج رؤية جديدة لإدارة الأزمة، لا تقف عند حد الاستمرار في الضغط والتصعيد الشعبي والرسمي ضد دولتي المنبع، بل تجاوز ذلك للحديث عن تسخير إمكانات الدولة العراقية لترشيد الاستهلاك والهدر في مياه النهرين، وإعادة صوغ البرامج الزراعية والإروائية وتغيير نمط الزراعة للتعامل مع واقع جفاف تفرضه اعتبارات مناخية متغيرة، وصراع طويل الأمد على الحقوق مع الجيران.
في هذا الصدد ثمة ثلاثة اتجاهات وتجارب إقليمية قد تكون إطار المرحلة المقبلة، يمثل الأول فتح آفاق تعاون استراتيجي مع المملكة العربية السعودية في مجال تجربة الزراعة التكاملية وتقانات الري، حيث يمكن تشجيع اهتمام رجال الأعمال السعوديين بالاستثمار في المجال الزراعي خصوصاً في حدود الصحراء العراقية التي تهدد بالتوسع السريع خلال السنوات المقبلة، والثاني تمثله التجربة الأردنية في مجال الاستثمار والتقنين المائي السليم، والثالث يمثل الأفكار الكويتية للاستثمار في مجال تحلية مياه دجلة والفرات قبل تبددهما في الخليج.
ان المساعي لمواجهة الجفاف العراقي لا يمكن أن تكون مهمة وزارة عراقية او حكومة، بل يجب أن تتشكل لجنة عليا لهذا الغرض، تمنح الصلاحيات اللازمة، لإدخال الاستثمار الخارجي في المجالات المتعلقة بالزراعة ومشاريع الري والتحلية والزراعة الصناعية وتوليد الطاقة الكهربائية وغيرها على وفق تسهيلات مختلفة عن تلك التي يحددها قانون الاستثمار العراقي.
الحديث عن مواجهة الأزمات العراقية بالطريقة التي جربت وفشلت مراراً خلال السنوات الماضية، غير مجد، وغير فعال للمستقبل، وعلى المسؤولين العراقيين الخروج سريعاً من معتزلاتهم «الواتسابية» و«الفيسبوكية» و«التويترية» لمواجهة الحقائق على الأرض، ومناقشة مستقبل البلاد، واستثمار طاقتهم التي يتم إهدارها هذه الأيام في تصريحات هدفها التخفيف من مخاوف العراقيين ومنع استثمار أزمة «اليسو» في صراع تشكيل الحكومة.
وحتى موعد اتخاذ خطوات فاعلة، فمن الجدير تذكير الشعب العراقي ومصارحته، بأن الخطر قادم لا محالة، لن تبدده كلمات أردوغان المعسولة، ولا تعهدات روحاني الباسمة، وأن العمل يجب أن يبدأ تحت ضغط القلق الشعبي ليكون عملاً منتجاً، وقابلاً للتطبيق.
6 الانتخابات العراقية تفتح ملف الصراع مع نظام طهران خالد غزال الحياة السعودية

فاجأت الانتخابات العراقية بنتائجها قوى السلطة في طهران. أسفرت الانتخابات عن فوز مجموعات نيابية، لا سيما تنظيم «سائرون» التابع لمقتدى الصدر، وهو الذي خاض معركته برفع شعار الخروج الإيراني من العراق. كما أظهرت الانتخابات أن القوى المنضوية تحت سلطة الحرس الثوري وميليشياته لم تتمكن من تحقيق الغالبية التي تسمح لها بالهيمنة المطلقة على السلطة، مع الإشارة إلى أن نفوذها يبقى أساسياً في لعبة الحكم.
لم تنظر طهران بارتياح إلى هذه النتائج، ما جعل قاسم سليماني قائد فيلق القدس ينتقل سريعا إلى بغداد، وفي ذهنه كيفية إعادة خلط الأوراق بين القوى، بما يضمن مجيء حكومة موالية بالكامل لطهران. من هنا بدأ الحديث عن إعادة الفرز لعدد كبير من الدوائر تحت حجة التزوير أو الأخطاء، لكن الهدف الفعلي هو السعي لتعديل النتائج بما يعيد لطهران الغلبة في المجلس النيابي.
لا شك أن القلق الإيراني له ما يبرره. فالعراق كانت المحطة الأولى في تدخلها في المنطقة العربية، وهو تدخل أتى على حاملة الدبابات الأميركية وبمساعدتها عام 2003، تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق. ومن العراق نفسه، بلور نظام طهران نظرية الهوية الدينية مقابل الهوية القومية والوطنية. تعاطى الملالي مع العراق بوصفه مجموعة مذاهب وطوائف متصارعة، تحمل إرثاً طويلاً من العداء الذي بقي مكتوماً، إلى أن أشعلت طهران ناره من الأرض العراقية، فجرى إرجاع العراق خمسة عشر قرناً إلى الوراء. كانت الهوية الدينية البديلة للهوية القومية في العراق أحد عناصر الانفجار الأهلي المسلح الذي دفع العراقيون مئات الآلاف من الضحايا ثمناً له. كانت طهران تعتبر أن انتصارها وديمومته مرهونان بالتعبئة الأيديولوجية الدينية على حساب الوطنية العراقية. فطهران تدرك أن إيران تحمل قومية أساسية هي الفارسية، كانت لسنوات طويلة على نقيض مع القومية العربية التي ينتمي إليها العراق، وأن هزائم تكبدتها القومية الفارسية على يد العرب في التاريخ العربي السابق. لذا تدرك طهران أن تناقضاً موضوعياً بين الشعبين له جذوره في التاريخ والجغرافيا والسياسة. ما يجعل من الدفع بالهوية الدينية الوسيلة الوحيدة لطمس هذا العداء القومي وتحويل الصراع إلى طائفي ومذهبي. بالتأكيد، حققت طهران إنجازات ضخمة في هذا المجال، جعلها تدفع بأيدولوجيتها هذه إلى الأبعد، فانتقلت هذه النظرية إلى سورية واليمن، ناهيك بلبنان.
لا تنبع الهواجس الإيرانية من فراغ. فمنذ سنوات يشهد العراق اعتراضات على الوجود الإيراني وتدخله في إدارة البلاد، وصلت مرات كثيرة إلى تنظيم تظاهرات تدعو إلى خروج إيران، كما رفعت أكثر من مرة شعارات من نوع «إيران برّا»، والعراق عربي، إضافة إلى التنديد بالوجود الفارسي، بما يشي باستعادة التناقض القومي الفارسي العربي. يضاف إلى ذلك ارتفاع الأصوات ضد النهب الذي يمارسه القادة الإيرانيون للثروات العراقية وانغماسهم في ملفات فساد لا حدود لها، وتكوين جماعات تابعة للحرس الثوري تمارس سرقة الثروات. هكذا بدأت طهران تشعر بتشابك الاعتراضات العراقية ضدها، من ملفات اقتصادية واجتماعية، إلى اعتراضات على التدخلات السياسية الفاقعة، إلى استنفار التناقض القومي بين البلدين. يزيد من مخاوف طهران ما تشهده من حملة إقليمية ودولية لتقليص دورها الإقليمي وعودة نفوذها إلى داخل طهران.
ما الذي يمكن توقعه من طهران جواباً عن هذا التحول الذي يهب في وجهها؟ يخطئ من يعتقد أن طهران ستنكفئ عن العراق أو تقلص وجودها السياسي والعسكري فيه. فالعراق مصدر القوة الإقليمية الأساس لطهران، ومصدر استثمار مالي واقتصادي، ومصدر تصدير الأيديولوجية الدينية ذات الطابع المذهبي، ولا ننسى أن قادة طهران اعتبروا بغداد عاصمة الإمبراطورية الفارسية. أمام ما يشبه الحصار، سيكون في يد طهران وسائل متعددة للرد. أولها استحضار القوى السياسية في الداخل الإيراني، من ميليشيات ونواب ووزراء، وتكتيلهم في شكل يضمن لها نفوذها في الحكم. في هذا المجال، فإن شبكة المصالح الإيرانية- العراقية متينة ومتجذرة إلى أبعد الحدود. كما في جعبة إيران إعادة وضع العراق أمام حرب أهلية مذهبية بين المجموعات السنية والشيعية، واستحضار تنظيم «داعش» مجدداً، وهي التي كانت في طليعة إطلاقه في ما سبق. هذا السيناريو سيعيد إغراق العراق في الفوضى الأهلية، بما يجعل من طهران حاجة دولية وأميركية لضبط الوضع ومنع تمدده.
إن معركة طهران في العراق هي معركة إيرانية داخلية، وأي هزيمة لها ستنعكس على الداخل الإيراني الذي يشهد تصدعات اجتماعية وقومية وطائفية. وستصبح المعركة أشرس كلما أحست طهران أن الوضع العراقي ينحو نحو استحضار الشعور القومي العربي في مواجهة المد الفارسي.
7 بازار المناصب إذ يُفتتح رسمياً في العراق حميد الكفائي الحياة السعودية

ليس عيباً أن يتنافس المتنافسون على الزعامة، فـهـذا حق مشروع لأي شخص طموح شريطة أن يمتلك الأهلية ومقومات الزعامة ومنها توفــر الســـند السياسي والمقبولية الوطنية. لكن ما يجـــري حالياً من ترويج لزعماء وقادة محتملين قد تجاوز الواقعية ودخل في باب الفكاهة. وقد وقع في فــــخ هذه الطموحات الجامحة لبعض المؤمنين بصـــــدفة «اليانصيب» حتى الصحف الأجنبية الرصينــــة مثـــل «فورين بوليسي» التي أدرجت أسمـــاء حــالميــن بالمناصب العليا لم يفكر بهم أحد.
من المرجح أن يكون المطروحة أسماؤهم لتولي مناصب عليا، خصوصاً رئاسة الوزراء، هم شخصياً وراء هذه الترشيحات «الفضائية». وقد بلغت درجة الفكاهة بأن أحد الذين طُرحت أسماؤهم في وسائل التواصل الاجتماعي أصدر بياناً «يرفض» فيه تولي رئاسة الوزراء وكأنها فعلاً قد عرضت عليه، مبيناً أسباب «رفضه» المنصب! أحد الذين وصلوا إلى الوزارة بطرق ملتوية في عهد نوري المالكي هو الآخر يدس اسمه في الترشيح لأي منصب، سواء كان عراقياً أم دولياً متوهماً بأنه سيصل إلى منصب جديد بـ «ضربة حظ» جديدة. والمستهجن أن اسم المرجعية الدينية يُقحم أحياناً في هذه الترشيحات، وترى أن بعضهم أدعى أنه مرشح المرجعية لرئاسة الوزراء وكان قبيل الانتخابات قد جمع عدداً من الشباب ودفعهم للتنديد بالحكومة التي هو عضو فيها، متهمين الجميع بأنهم «حرامية» باستثنائه طبعاً، في مسرحية هزيلة تنم عن انحدار أخلاقي خطير!
المرجعية الدينية تحتاج لأن ترد على مدعي التحدث باسمها، كما ردت سابقاً وكذبت ما ادعاه مسؤول عراقي أثناء زيارته الولايات المتحدة بأنه «يحمل رسالة من المرجع السيستاني إلى الرئيس بوش!» ما اضطره إلى نفي حمله أي رسالة قائلاً إنه لم يكن يقصد ما قاله لكنه يعرف رأي المرجع السيستاني وأراد أن يوصله إلى الأميركيين! نوري المالكي أعلن بأنه يرشح قصي السهيل، الذي شغل منصب نائب رئيس البرلمان عن التيار الصدري في الفترة ٢٠١٠- ٢٠١٤، رئيساً للوزراء. لا شك أن السهيل شخصية رصينة وقد امتلك من الشجاعة أنه اعترض بقدر من اللياقة على قرارات قيادته، ولكن ترشيح المالكي له يحمل دلالة صارخة وهي أنه يعارض ترشح حيدر العبادي لولاية ثانية، علماً أن الأخير هو رئيس المكتب السياسي لحزب الدعوة الذي يشغل المالكي منصب أمينه العام. لقد وضع المالكي حزب الدعوة في مأزق جديد بعد رفضه الدخول مع العبادي في قائمة واحدة في الانتخابات الماضية ما أدى إلى انقسام الحزب وتشتيت أصواته وخسارته الفعلية في الانتخابات. فإن كان حزب الدعوة قد وجد «عذراً» لدخول الحزب بقائمتين متنافستين في الانتخابات الماضية، فكيف يفسر ترشيح المالكي شخصاً منافساً لرئيس مكتبه السياسي؟ لم يعد ممكنا التستر على «كسر العظم» داخل حزب الدعوة بل أصبح من الضروري إنقاذ سمعته بإجراء حاسم وجريء يعيد ثقة أعضائه وأتباعه به. لا يمتلك الحزب قيادياً بارزاً ومؤهلاً لرئاسة الوزراء حالياً غير العبادي، لذلك فإن ترشيح المالكي شخصاً من خارج الحزب يشكل طعنة في الصميم في مستقبله السياسي.
في الدورات السابقة، أنيطت رئاسة الجمهورية بالأكراد، واتفق الحزبان الكرديان الرئيسيان، يكتي وبارتي، على تولي زعيم «يكتي» رئاسة الجمهورية وزعيم «بارتي» رئاسة الإقليم. إن بقي المنصب للأكراد فليس هناك مرشح بارز له من «يكتي» المنقسم على نفسه منذ غياب مؤسسه جلال طالباني سياسياً عام ٢٠١٢. أما «بارتي» فزعاماته تؤمن بالانفصال عن العراق ما يجعل تولي أحدها منصب الرئيس مستحيلا لأن المنصب يفرض على شاغله الحرص على وحدة العراق وصيانة الدستور، وهذا ما لا يؤمن به قاد «بارتي». أما حزب «كوران» فليس لديه قيادة واضحة بعد غياب مؤسسه نوشروان مصطفى، ناهيك أن يكون لديه مرشح للرئاسة. من المحتمل أن يرشح الرئيس فؤاد معصوم لولاية ثانية لكن تقدمه في السن قد يشكل عائقاً، ولا أحد يريد تكرار أزمة «غياب الرئيس لأسباب صحية».
رئاسة البرلمان شغلها باستمرار مرشح سني، وإن تواصَلَ هذا التقليد غير المحبذ بين العراقيين، لأنه يرسخ مبدأ طائفية المناصب، فإن وزير الدفاع السابق خالد العبيدي الذي جاء في المرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات، يعتبر خياراً مناسباً. لقد برهن العبيدي على شجاعة سياسية نادرة عندما فضح الصفقات الفاسدة لبعض السياسيين أثناء استجواب البرلمان له عام ٢٠١٦. كما برهن على أنه عراقي فحسب، فلم يكترث للتوازنات الطائفية التي يحسب لها آخرون ألف حساب، فرشح في قائمة «النصر» بقيادة حيدر العبادي، فكافأه الناخبون في الموصل بالتصويت له بكثافة. سيحصل العبيدي على منصب رفيع في الحكومة المقبلة، إن كان هناك وعي سياسي ونظرة بعيدة الأمد عند الكتل السياسية حول التماسك الوطني والحاجة إلى النزاهة والكفاءة عند شاغلي المناصب العامة. إلا أن بقاء المحاصصة الطائفية سوف تبعده عن المناصب العليا كرئاسة الجمهورية أو البرلمان، لأن الرجل فوق الطائفية.
أما المنصب الأهم في الدولة، رئاسة الوزراء، فإن التنافس عليه يحتدم بين الكتل السياسية (الشيعية تحديداً). المرشح الأوفر حظاً حتى الآن هو حيدر العبادي بسبب المقبولية التي يتمتع بها وسجله الناجح «نسبياً» في المنصب، على رغم وجود مآخذ عليه كالتردد في اتخاذ القرارات وعدم استعانته بالخبراء واعتماده على أشخاص قلائل مقربين منه بينما تحتاج رئاسة الوزراء إلى طاقم أكبر وتوزيع أوسع للمهام كي تكون فاعلة. كما طرحت وسائل الإعلام العربية والأجنبية مرشحين مستقلين أبرزهم، البروفيسور علي علاوي، وهو رجل ذو خبرة واسعة وثقافة عالية ولديه أفكار إصلاحية مهمة، ولكن من المستبعد أن تتفق الكتل السياسية على شخص من خارجها على رغم وجود تأييد سياسي ظاهري لتشكيل حكومة تكنوقراط التي لن تنجح إن لم يتوفر لها سند سياسي قوي.
لا يبدو التوصل إلى اتفاق بين الكتل السياسية وشيكاً، إذ اعتاد السياسيون على استنزاف كل فرص تحقيق الطموحات الجامحة قبل أن يعودوا إلى الواقع، بعد محاولات «إقناع» تضطلع بها دول أخرى. هذه مشكلة ثقافية لا حل لها في الوقت الحاضر ولا نملك إلا أن نتجرعها. ولكن الغموض الذي ولدته الانتخابات الأخيرة، التي ما زال كثيرون يعترضون على نتائجها، بدأ يترك آثاراً سيئة على مزاج العراقيين خصوصاً مع اشتداد حرارة الجو وتفاقم أزمتي الكهرباء والجفاف، ومن هنا تأتي الحاجة إلى حسم الموقف سريعاً. فهل يتصرف السياسيون بحكمة هذه المرة ويتوصلون إلى حلول تهدئ الشعب الغاضب؟