1 “كردي عراقي” أفضل من كردي ضائع
فاروق يوسف العرب بريطانيا
على الأكراد أن يحافظوا على كرديتهم من خلال التمسك بعراقيتهم، فما من بلد وهبهم حرية المواطنة مثل العراق، وما من شعب تعامل معهم بأريحية مثل عرب العراق.
بالرغم من التحول الكبير الذي مثلته نتائج الانتخابات النيابية في العراق فإن الزعامة الكردية لا تزال تنظر إلى مستقبل علاقتها بالأطراف السياسية العربية في العراق من ثقب المصالح الضيقة التي لا تمت بصلة إلى التفكير بطريقة إيجابية في مستقبل العراق ومصير العـراقيين مجتمعين.
هذا ما كشفت عنه المطالب الاثنا عشر التي قيل إن الحزبين الكرديين تقدما بها من أجل القبول بالانضمام إلى تحالف نوري المالكي – هادي العامري المقرب من إيران.
وكما يبدو فإن سياسيي الأكراد لم يستفيدوا من تجاربهم السابقة في استثمار تقلبات الأحوال في بغداد. تلك التجارب التي انتهت بهم إلى أن يكونوا مجرد لاعبين ثانويين لا يهمهم سوى الحصول على مغانم بموجب نظام محاصصة متخلف على المستوى السياسي، وليست هناك من ضمانة لاستمراره قاعدة، يمكن أن تبنى عليها المعادلات السياسية السليمة.
ما من شيء في تلك المطالب يُذكّر بالعراق، بلدا ودولة وشعبا ومصيرا. خلاصة تلك المطالب تكشف عن رغبة الزعماء الأكراد في العودة إلى مرحلة ما قبل الاستفتاء (عام 2017)، لا لشيء إلا من أجل توجيه امتيازات تلك المرحلة المالية والسياسية في الطريق التي تؤدي إلى تكريس نتائج الاستفتاء بما يخدم فكرة قيام الدولة الكردية المستقلة.
فإذا ما انضم الحزبان الكرديان إلى تحالف العامري – المالكي، وهو ما لا نتمنى وقوعه، فإنهما سيوجهان طعنة مسمومة إلى حلم العراقيين في الانتقال إلى مرحلة الدولة المدنية التي يستعيد العراقيون فيها مبادئ الوطنية الخالصة. حينها يكشف الحزبيون الأكراد عن أن موقفهم السلبي من التغيير لا يقوم على أساس المنفعة الضيقة وحدها، بل وأيضا على أساس ما يضمرونه من كراهية للعراق وللعراقيين.
وكما أخطأ السياسيون الأكراد سابقا في حساباتهم فإنهم إن قرروا استعادة دورهم في العملية السياسية من خلال الانخراط في التبعية الإيرانية سيضيفون إلى ماضيهم المشبع بالأخطاء خطأً قد يؤدي بهم إلى هاوية لا قاع لها. فمَن يتحالف مع العامري والمالكي في هذه المرحلة العصيبة هو كمَن يضع رقبته تحت شفرة المقصلة.
فإيران إن استقر لها الحال في العراق في المرحلة المقبلة لن ترحم أحدا، ولن يكون الأكراد رعاياها المدللين. أما لو خسرت إيران صراعها الحتمي مع الولايات المتحدة فإن الأكراد سيخسرون آخر ما يجمعهم بالفرقاء العراقيين، سيكون عليهم أن يقفوا خارج كل معادلة سياسية.
في حقيقتهم فإن الأكراد ليسوا متحمسين للتحالف مع أي طرف عربي من أطراف العملية السياسية، بقدر اهتمامهم في إفشال محاولة تغيير القواعد التي قامت عليها تلك العملية وأدت إلى فشلها.
يٌحسب لحيدر العبادي وهو واحد من الرابحين في الانتخابات الأخيرة أنه استطاع أثناء فترة حكمه المضطربة أن يحدث تغييرا طفيفا في قواعد تلك العملية، حين استعادت بغداد السيطرة على المناطق التي تدخل ضمن مفهوم “المتنازع عليها” الخبيث، وحين أعاد حصة الأكراد من ثروة العراق إلى نسبتها الحقيقية التي تم التلاعب بها وزيادتها في مرحلة حكم سلفه نوري المالكي.
وكما أرى فإن حزبيي الأكراد يمنون أنفسهم باستعادة تلك المكاسب غير المشروعة من خلال الحيلولة دون نشوء أغلبية برلمانية تدعو إلى التغيير وتسعى إليه برنامجا من أجل بناء عراق قوي تقوم قوته على مبدأ المواطنة وتنبعث سياسته من مبدأ السيادة الوطنية.
إن واصل الزعماء الأكراد مسعاهم في ذلك الاتجاه فإنهم يكذبون على أنفسهم، ذلك لأن شعارهم “علي وعلى أعدائي” سيرتد عليهم وحدهم.
أما إذا اختاروا الانضمام إلى التيار العراقي الحر الذي يمثله تحالف “سائرون – النصر” المتوقع فإنهم سيطلقون إشارات سعيدة تعيدهم أكرادا إلى حضن العراق، وهو ما سيعزز مكانتهم في العملية السياسية.
ليس من باب النصح ولكن من باب قول الحقيقة يمكنني التشديد على أن على الأكراد أن يحافظوا على كرديتهم من خلال التمسك بعراقيتهم. فما من بلد وهبهم حرية المواطنة مثل العراق، وما من شعب تعامل معهم بأريحية مثل عرب العراق.
2 العراق وعطّار كرمان مصطفى فحص الشرق الاوسط السعودية
ليس سهلاً على طهران إظهار عجزها عن تشكيل حكومة عراقية جديدة، تضمن معظم مصالحها وتحافظ على نفوذها السياسي والأمني والاقتصادي، في مرحلة تصاعد الحساسيات الاجتماعية والثقافية والعقائدية داخل البيئات الشيعية، خصوصاً بين سكان الحواضر التاريخية التي شكَّلت على مدى قرون عقدة القطع والوصل بينها وبين شيعة العراق. فقلق طهران الجدي على نظام مصالحها دفعها منذ اللحظة الأولى إلى إعلان نتائج الانتخابات العراقية إلى إرسال شيخ العطارين لديها والمعروف بخلطاته العراقية إلى بغداد، لعله يستطيع أن يصلح ما أسهم في إفساده خلال الـ15 سنة الماضية، ولكن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني لم يفلح في إقناع الطبقة السياسية الشيعية العراقية بإعادة تموضعها وفقاً لحسابات طهران ومصالحها، فحتى الآن فشلت مهمته في توحيد صفوف حلفائه أو في استبعاد أو عزل خصومه، إضافة إلى عجزه عن الترويج لخلطته الجديدة التي لم تختلف عن سابقتها لا في التركيبة ولا في المضمون، ما فضح إصراره على التمسك بخياراته السابقة تجاه العراق، رغم أنها كانت سبباً مباشراً للنفور الشيعي الشعبي والسياسي من الوجود الإيراني في مفاصل الحياة العراقية، وأصبحت دليلاً قاطعاً على رغبة إيرانية دائمة في الهيمنة على العراق واستتباعه واحتواء شيعته، من دون الأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات في مناطق الوسط والجنوب التي كشفت عن تبلور حالة تمرد شعبي شيعي عليها، تمرد سينعكس حتماً على شكل وتشكيل الحكومة الجديدة، والمطالبة بحماية المصالح الوطنية العراقية، ورفض الوصاية الإقليمية والدولية على قراراتها، حيث من المرجح أن تطالب الحكومة العراقية المقبلة جيرانها بالتعامل معها بندّية كاملة، الأمر الذي تناوله الزعيم العراقي السيد مقتدى الصدر يوم الاثنين الفائت عندما قال: «أما إيران فهي دولة جارة تخاف على مصالحها، ونأمل منها عدم التدخل في الشأن العراقي كما نرفض أن يتدخل أحد بشؤونها».
موقف الصدر الواضح والصريح من تدخلات طهران أشبه بجرس إنذار لها، حتى تختار بين القيام بدور إيجابي وبين الاستمرار في ممارسة نفوذها السلبي. موقف الصدر لا يختلف عن موقف العبادي، الحكيم، في مطالبتها بالتعامل بمرونة مع التحولات العراقية، التي تتطلب منها قراءة هادئة لمسار طويل من الأخطاء التي ارتكبها عطّار كرمان وفريقه، الذين يدفعون الآن ثمن تحويل العراق إلى حديقة خلفية لإيران، دون أدنى اعتبار للحساسيات الداخلية أو للحسابات الدولية المعنية في المرحلة المقبلة بإعادة رسم المشهد العراقي وفقاً لأجندتها. فملامح أزمة طهران مع العراق أشار إليها صديقها السياسي العراقي الراحل الدكتور أحمد الجلبي في حديث لصحيفة «المدى» العراقية أجراه الكاتب سرمد الطائي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2013، حيث قال: «من الممكن جداً تصحيح العلاقة مع إيران، المشكلة أن العراقيين ينقسمون بين من يريد التماهي مع إيران بالكامل، ومن يريد القطيعة معها بالكامل، نحن نحتاج إلى سياسة مستقلة، وحين ننجح، فإن الأمر يجب أن يسعد إيران التي ينبغي أن تتذكر أن «الحكم الفاشل في العراق سيكون عبئاً عليها».
من الواضح أن مأزق عطار كرمان في التعامل مع العراق يتّسع، حيث باتت طهران بحاجة إلى خطوات شجاعة في مقاربتها للحالة العراقية الناشئة خصوصاً على المستوى الشيعي، مقاربة تختلف جذرياً عن التصرفات السابقة التي ترفض الاستماع إلى الأصوات المطالبة بإعادة تصحيح مسار العلاقات بين البلدين، ضمن ضوابط جديدة تتشكل بالتزامن مع استعادة العراق لمكانته ومكانه، بعيداً عن المحاور الإقليمية والصراعات الدولية، وتجنب لعبة لي الأذرع الإيرانية الأميركية على أراضيه.
في سنة 2011 تمت ترقية عطار كرمان نسبةً إلى مسقط رأسه في محافظة كرمان جنوب غربي إيران من رتبة عقيد إلى لواء، وأصبح حينها الجنرال قاسم سليماني القائد الفعلي لثلاث جبهات تقودها طهران في سوريا والعراق واليمن، فابن كرمان الشهيرة بصناعة النحاس والسجاد وزراعة الفستق الممتاز والكمون، أشبه بالعطار المتجول بين 4 عواصم عربية يُروج لخلطاته، إلى أن حط به الرحال مجدداً في أسواق بغداد التي على ما يبدو أن تُجارها رفضوا شراء خلطاته إما لكونها قديمة، وإما لأنهم استغنوا عنها، نتيجة بحث أغلبهم عن خلطة بمكونات محلية، من المؤكد لا توجد مواصفاتها في جرّة عطّار كرمان. وعليه، فإن قرار نخب بغداد وتجارها وبرجوازييها الاستغناء ولو جزئياً عن خلطة ابن كرمان أقرب إلى إعلان الاستغناء عن خدماته، وعودته سريعاً إلى بلاده بعدما فقدت رتبته هيبتها، فداخل أسوار بغداد ليس للجنرال أو للكولونيل من يكاتبه.
3 انتخابات مشكوك في صدقيتها مشرق عباس الحياة السعودية
سواء نجح البرلمان العراقي في إلغاء جزء من نتائج الانتخابات، أم لم ينجح، وسواء تمكنت لجنة التحقيق الحكومية من إجبار المفوضية المستقلة للانتخابات على إعادة جزء من العد والفرز اليدوي أم لم تفعل، فإن الانتخابات العراقية التي أجريت في 12 من الشهر الجاري قد تعرضت لطعون وشكوك كبرى لا يمكن علاجها سترافق الوضع السياسي الهش في العراق وتؤثر فيه وتغذي العداء نحوه.
وابتداء، فإن البرلمان العراقي الذي انتهت ولايته تقريباً ويحاول قبل أن يغلق أبوابه تحقيق تغيير في نتائج الانتخابات، هو البرلمان نفسه الذي اختار بالإجماع مفوضية الانتخابات الحالية بعد أن ضرب عرض الحائط مصطلح «المستقلة» ووزع مناصبها بين أحزابه، كما أن البرلمان نفسه الذي أقر قانون انتخابات غير عادل يفتح الباب أمام الطعن والتزوير والشكوك لكنه يضمن أوزان القوى الكبرى ويضعف فرص التغيير، وهو البرلمان الذي فرض استخدام آليات العد والفرز والتحقق عبر أجهزة إلكترونية من السهل الطعن بها ومن السهل اختراقها وتزوير نتائجها.
واقع الحال أن البرلمان المغادر هو أكثر من ارتكب الأخطاء، وأكثر من أضاع فرص الإصلاح، وأكثر من طعن بالوحدة الوطنية، وأكثر من حول منبره إلى ساحة تصفية حسابات سياسية على أكوام جثث العراقيين، وعلى ركام مدنهم.
ومنذ البداية لم يُخضع النواب الذين يحللون اليوم بحماسة نتائج الانتخابات بعد أن فقدوا مقاعدهم، قانون الانتخابات إلى الفحص الموضوعي، لم يفكروا لماذا كانت النخب العراقية تصر على ضرورة تغييره؟ ولماذا تظاهر العراقيون من أجل قانون جديد؟ ولم يعيروا اهتماماً في تلك المرحلة التي سمحوا بها بتمرير قانون انتخابات مليء بالثغرات، بذلك الفخ الذي دفعوا إليه بلادهم من جديد، بعد أن كانت الفرصة مواتية لإنقاذها في مرحلة ما بعد «داعش».
الأكثر أن هؤلاء النواب الذين يتشدقون بالدستور وبمعرفتهم بنصوصه، والتزامهم به، سمحوا عبر استخدام آليات التصويت الإلكتروني المراوغة التي لا يفهمون بها، ولم يستعينوا بخبراء ليساعدوهم في الفهم، بنسف مادتين أساسيتين من الدستور هما المادة 5 والمادة 49 اللتان شددتا على أن يكون «الاقتراع سرياً» الأمر الذي اثبت خبراء التكنولوجيا عدم تحققه في الانتخابات العراقية، بسبب ثغرات في أجهزة التحقق وأجهزة العد الإلكتروني قد تسمح في ظروف مقاطعة قاعدة البيانات للأجهزة بكشف اسم وعنوان وطريقة تصويت كل ناخب.
كان من الواضح عندما بدأت أحزاب في وقت مبكر شراء بطاقات الانتخاب من الأهالي، أنها تمتلك معلومات كافية عن آليات التصويت القابلة للاختراق، وأن دراسات تمت على أسلوب التعامل مع أجهزة التحقق وأجهزة العد والفرز، وأن التجربة التي أريد لها أن تقلل من التزوير كانت في الحقيقة معبراً سهلاً للتزوير.
في لحظة تشكيلها لم تكن مفوضية الانتخابات التي تقاسمت مواقعها الأحزاب شفافة وصادقة في التعاطي مع الشكوك حول أجهزة العد والفرز والتحقق، كما أنها لم تكن شفافة في مرحلة إعلان نسب التصويت المشكوك فيها، ولا في طريقة عرض نتائج الانتخابات، والطعون التي سيقت بعد ظهور النتائج، ما جعلها طرفاً في الفوضى التي تنتشر اليوم في العراق وتفرض نفسها على المشهد مهددة بخيارات كارثية.
لن يكون مفيداً إحداث تغيير جذري في نتائج الانتخابات بناء على الطعون، فلو طبقت بالفعل قرارات البرلمان غير الملزمة للمفوضية، ستفتح الباب لمتوالية جديدة من الطعون التي لا يمكن إيقافها، كما أن التعامل مع الانتخابات باعتبارها أمراً واقعاً سينسف آخر مقومات الوضع السياسي المضطرب ويعمق قطيعته مع الشارع العراقي.
إن الحلول المطروحة لمعالجة الأخطار التي تفرضها اليوم عملية انتخابية مطعون في نزاهتها تكاد تكون مقفلة النهايات، وربما يحتاج الأمر أكثر من أي وقت سابق إلى مراجعة شاملة لقانون الانتخابات وآلياتها والجهات التي تشرف عليها، وأن تسمح هذه المراجعة السياسية التي قد تمنح فترة عامين فقط، بإجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي، وبرؤية جديدة هدفها ضمان السلم الاجتماعي لا العمل على نسفه.