4 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 العراق بين طعنات الاحتلالين وطعون الانتخابات
حامد الكيلاني العرب بريطانيا

ما معنى احترام السلطة مع وجود قادة أحزاب وقادة دولة يؤدون دور المشعوذين لبث التفرقة والمهانة والتجويع وحتى هتك الأعراض، فالتغيير في العراق لن يكون واقعا إلا بالاصطدام بين الجلاد وضحيته.
قادة أحزاب وقادة دولة يؤدون دور المشعوذين لبث التفرقة والمهانة
ماذا ينتظر العراقيون من شجرة الاحتلال؟ أن تطرح أصناف الفواكه مثلاً، كالديمقراطية والحريات والإعمار والتنمية والنهوض العلمي والثقافي ومفاهيم السعادة والرفاهية.
أميركا دولة أقدمت على احتلال العراق بعد حصار مروع بالعقوبات دام 13 سنة ومراوغات في التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، بما في تلك الفترة من تغلغل لأنشطة ميليشيات إيران الطائفية بازدياد ملحوظ في نشاطها بعد مؤتمرات ما يسمّى بالمعارضة المدعومة من الولايات المتحدة، وبداية غزو الأرض الأفغانية إثر الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001.
ميزانيات ضخمة أنفقتها إدارة جورج بوش الابن، لا علاقة لها حتماً بإنقاذ شعب العراق من نظامه الحاكم، أو إنقاذ المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. كان يقف خلف تلك الحرب قرار استراتيجي قديم لإنجاز مهمة تخفيض ارتفاع موجة المد المعنوي لشعب العراق وما يمكن أن تستلهمه الشعوب العربية بقادتها من معانٍ شبه غائبة عن مناخهم السياسي العام حينذاك بعدما تحقق من انتصار في إنهاء الحرب مع إيران وتحجيم طموحاتها في احتلال العراق بصادرات فتنتها المذهبية.
الولايات المتحدة الأميركية بعد حرب الثماني سنوات منحت إيران دون تأخير قبلة إنعاش، عندما فرضت حظراً على تصدير شحنات القمح إلى العراق ثم المداخلات المعروفة إلى يوم الاحتلال في أبريل 2003. رسائل بين أميركا والنظام الإيراني لم تنقطع، والتبادل السري عبر وسطاء ولوبيات وشخصيات أعطى ثماره في تحقيق غايات مشتركة بدت صريحة في عدم ردع تمادي الميليشيات الإيرانية على المصالح الأميركية التي وصلت حد الاختطاف وتبادل ردود الفعل بمساومات ومفاوضات استخبارية كانت حلقات وصل لتفاهمات على الساحة العراقية، أو في العلاقة بين البلدين في قضايا تجاوزت الحدود البرية أو البحرية في سلسلة أحداث انتهت بحلول ودية.
انتهى الأمر إلى تسليم شجرة الاحتلال الأميركي إلى عملاء النظام الإيراني من ميليشيات وأحزاب طائفية، لذلك فإن مساعي حكومة نوري المالكي لتوقيع ما عرف باتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق كانت تهدف إلى تخفيف التواجد العسكري تحت حجة تحرير العراق من تبعات الاحتلال الأميركي.
بينما كان الهدف أن تنتقل إيران بكامل عدتها العقائدية والسياسية إلى الاستفراد بالواقع العراقي دون أي مزاحمة من الدولة العظمى في العالم، التي تتعثر الآن في خطواتها لإيجاد موطئ قدم مؤثر بالعملية السياسية يجتهد في أن يقترب ويعادل كفة الضغوط المقابلة للحضور الإيراني في انتخابات العراق النيابية، حيث تتصدر نشاطات قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري ولقاءات السفير الإيراني في بغداد، أيرج مسجدي، مشهد تقريب وجهات النظر بين فرقاء الكتلة الإيرانية وكذلك بلورة واقع انتخابي أكثر استجابة لمتطلبات مشروع ولاية الفقيه من النتائج الانتخابية.
رغم الـ12 فقرة من عمود الاستراتيجية الأميركية ضد النظام الإيراني في إعلان وزير الخارجية مارك بومبيو، إلا أن الساحة السياسية في العراق تظل هي الفيصل في تقرير ما إذا كانت أميركا جادة في تقطيع أوصال الأذرع الإيرانية. فالعراق أو بغداد تحديداً هي قلب المشروع التوسعي وعاصمة الحلم الإمبراطوري القومي المذهبي للنظام الإيراني.
الانتخابات ومخلفاتها الخطيرة بالتزوير والوعيد والتهديد والتحذيرات المبكرة بالحرب الأهلية، هي صورة هلوسة متقدمة ستجري وقائعها على الأرض الإيرانية بعد سريان العقوبات الاقتصادية
الميليشيات بعويلها الوطني على العراق وشعبه بما فيها أطروحاتها حول الكتلة العابرة للمحاصصة والطائفية، لن تكون إلا بعض ثمار الشوك في عملية التواطؤ بين الاحتلالين الأميركي والإيراني؛ لذلك فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب بتبنيها الانسحاب من الاتفاق النووي الأوبامي عليها أن تعيد النظر في الاحتلال الأميركي للعراق، ومعالجة تداعياته السياسية وجدواه بما فيها الخسائر الاقتصادية التي ينبغي أن تجد لها تفسيراً آخر يتلخص بتسليم إيران دولة غنية مثل العراق بثرواتها، وما يمكن أن تهبه من مصادر اقتصادية للإفلات من العقوبات وذلك حاصل بتسخير البنوك لتمويل الإرهاب وترويج الخدمات المصرفية خارج فضاء النظام العالمي.
العراق لن يفلت من النظام الطائفي والمحاصصة والفساد المالي والانتخابي، فالسطوة الإيرانية تتفوق بحكم أدواتها وتجاربها في العراق على اللمسات الأميركية ومدى تأثيرها على مشاورات تشكيل الحكومة القادمة، فالتجاذبات داخل القوائم الكردية تميل إلى إيران بواقع العلاقة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومنتجات أحداث كركوك بعد الاستفتاء، وكذلك العلاقة المترددة والقلقة للحزب الديمقراطي الكردستاني مع أميركا بعد تخلي الأخيرة عنهم أثناء الأزمة لعدم انصياعهم إلى نصائح القيادة الأميركية في تأجيل الاستفتاء.
ما ورد في توجيهات رئيس تحالف “سائرون” إلى أتباعه بعدم القيام بأي رد فعل أو نشاط أو تظاهرة دعم أو الاستنفار لأنصاره تأييداً أو شجباً لبعض المواقف، ليس إلا دلالة صريحة لضغوط إيرانية بعدم التفريط في التحالف الطائفي للكتلة الأكبر، وهذا التفريط لن تسمح به إيران في العملية السياسية، مهما بدت معالم التغيير في الوجوه والتحالفات والبرامج، لتنافيه مع خط سير المشروع الإيراني، وبالذات في مرحلة تبدو حاسمة من تاريخ النظام الذي سيدخل سنته الأربعين من عمره الحافل بالإرهاب والعمل الباطني على امتداد العالم.
الانتخابات ومخلفاتها الخطيرة بالتزوير والوعيد والتهديد والتحذيرات المبكرة بالحرب الأهلية، هي صورة هلوسة متقدمة ستجري وقائعها على الأرض الإيرانية بعد سريان العقوبات الاقتصادية واستمرار هذيان النظام وحرسه الثوري وقادته وملاليه وأذنابه على أمل إبقاء الاتفاق النووي مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين بنظام المقايضة في السلع والمشاريع بصادرات النفط.
لكن ماذا عن الثورات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة في المدن الإيرانية؟ ثمة باب مفتوح لقيادة تلك الاحتجاجات وتنظيم تحركاتها لاستيعاب مراحل الصراع المقبلة ونتائجه في إيران وعلى نطاق تمدد الميليشيات.
من وقائع 15 سنة من احتلال العراق أن أي طائفي لا يمكن الاعتماد عليه حتى في وظيفة متواضعة، فكيف بهؤلاء الطائفيين الذين تسلموا مقادير السلطة في العراق وتحكموا في رقاب المدن والناس وكان ما كان؟ إذ كيف يتم تسليم وحدات قتالية إلى ميليشيات؟ وكيف يتم تسليم مقاتلة إلى طيار طائفي كالذي كان يتحدث بفخر عن تفريغ حمولته من العتاد فوق بيوت المدنيين في مدينة يعتبرها من نسيج مذهبي يستحق أحكام الإعدام؟ وهو ما حصل على نطاق واسع تحت مختلف الصنوف والذرائع.
الانتخابات البرلمانية ونتائجها ستجر الويلات على العراق لأنها متوالية طعن في المستقبل، وليست مجرد طعون في النزاهة والمفوضية، والقيادات الطائفية بتحولاتها وتشوه تاريخ شخصياتها لعبت أدوارا ملتوية في جلد ظهور الناس بالمعتقدات والطقوس واللطم متناسية أن انعدام الكهرباء وقلة المياه وانعدام الأمن الغذائي خطايا كبرى تحاسب عليها القوانين الوضعية والشرائع السماوية.
هل اكتفى شعب العراق من البكاء؟ هل قاتل بما فيه الكفاية لسبب أو لآخر؟ هل حان له أن يعمل ويثق فقط بالحقائق، فما معنى احترام السلطة مع وجود قادة أحزاب وقادة دولة يؤدون دور المشعوذين لبث التفرقة والمهانة والتجويع وحتى هتك الأعراض، فالتغيير في العراق لن يكون واقعا إلا بالاصطدام بين الجلاد وضحيته.
2 التراخيص النفطية تعيد الماضي العراقي إلى الذاكرة د. باهرة الشيخلي العرب بريطانيا

ألا تستدعي التراخيص النفطية المقارنة بين عراقي حافظ على مصلحة بلاده وآخر فرط فيها، وإن كان ذلك يهوديا وهذا مسلما، فالمواطنة والشعور بالانتماء إلى الوطن يجعلان الفرد يفضل مصلحة بلده على ما سواها من المصالح.
من يحافظ على ثروة العراق
استذكر العراقيون، وهم يقرأون الطلب الذي قدمه خبراء نفطيون عراقيون إلى الرئاسات الثلاث العراقية يعارضون فيه نتائج جولة التراخيص النفطية وعقودها الأخيرة ويرفضونها، أول وزير للمالية في العراق واستمر كذلك لحكومات عدة، وهو الوزير اليهودي العراقي حسقيل ساسون. الطلب المذكور استدعى إلى أذهان العراقيين مقارنة موضوعية بين عراقي يهودي جلب الخير لاقتصاد بلده، ووزير آخر مسلم هو حسين الشهرستاني الذي ارتبطت باسمه جولات التراخيص هذه، والذي جلب الأذى لاقتصاد العراق بها.
يروى عن حسقيل ساسون أنه أصر على شركة النفط البريطانية المسجلة، يومها، باسم “شركة النفط العراقية التركية” بدفع حصة العراق بالذهب (الشلن الذهبي) بدلاً من الباوند الإنكليزي الورقي، فاستخفوا طلبه، إذ كان الباوند الإنكليزي (السترلنغ) أقوى عملة في العالم، وسخروا منه واتهموه بأنه رجل قديم. لكن حسقيل هز رأسه، وقال لهم “نعم هكذا أنا.. سامحوني، رجل مُتحجر الفكر ومن بقايا العهد العثماني، رجاء ادفعوا لنا بالذهب”. فضحكوا عليه ولكنهم طيبوا خاطره ووقّعوا على الدفع بالذهب، وسرعان ما ثبت أن حسقيل ساسون كان أعلم منهم جميعا، فبعد سنوات قليلة تدهور الباوند الإسترليني بالنسبة للذهب، ولم تجد شركة النفط مفرا من الدفع للعراق. كانت النتيجة أن ظل العراق يكسب ملايين إضافية بسبب تفوق الذهب على العملة الورقية الإنكليزية.
وبالمقابل يبين طلب الخبراء النفطيين الذي وقعته أسماء كبيرة مهمة في القطاع النفطي، أنهم بعد اطلاعهم على نتائج جولة التراخيص النفطية الأخيرة (الخامسة) وتحليل العقود الخاصة بها، يعلنون رفضهم لنتائجها ويطالبون بعدم المصادقة على أي من عقود هذه الجولة وعلى العقد الخاص بحقل شرق بغداد، لأنهم قيموا، مهنيا وموضوعيا، العقود المذكورة والتصريحات المنشورة لمسؤولي وزارة النفط فكانت نتيجة التقييم سلبية للغاية، إذ وجدوا أن تلك العقود تمنح امتيازات مالية سخية للشركات النفطية الأجنبية ضد مصلحة العراق مما يكلفه المليارات من الدولارات كتنازل من عوائده الصافية للشركات.
ورأى الخبراء أن وزارة النفط ارتكبت أكثر من خطأ ستترتب عليه نتائج مالية كبيرة لصالح الشركات الأجنبية ونتائج كارثية على العراق، ومن أكبر أخطاء الوزارة وأكثرها خدمة للشركات الأجنبية وإضراراً بمصلحة العراق، هي معادلة تحديد العائد الصافي وحصة الشركة الأجنبية منه، إذ اعتمدت الوزارة سعر 50 دولاراً للبرميل كأساس لسعر النفط، وذلك باعتماد معدل برنت خلال السنة الماضية وكان بحدود 57 إلى 58 دولاراً مطروح منه 7 دولارات. شدد الخبراء على أن هذه الطريقة تمثل أخطاء فادحة لا تغتفر للأسباب الآتية:
إن مدة هذه العقود تتراوح بين 20 و25 عاماً بالنسبة لعقود التطوير والإنتاج و34 عاماً بالنسبة لعقود الاستكشاف والتطوير والإنتاج. فهل من المنطقي اعتماد معدل سعر النفط لسنة واحدة فقط أساساً لهذه العقود طويلة الأمد؟ بالتأكيد ليس منطقياً ولم نقرأ أو نسمع مطلقاً مثل هذه الطريقة لعقود نفطية تبلغ عوائدها مئات المليارات. وتشير المعلومات الرسمية للوزارة ذاتها أن معدل سعر تصدير النفط العراقي، منذ يوليو 2008 ولغاية أبريل 2018، كان 74 دولاراً للبرميل، أي 48 بالمئة أعلى من السعر الذي اعتمدته الوزارة، فلماذا أهملت هذه الإحصائيات الرسمية ولم يُسترشد بها؟
من أوليات علم الإحصاء والتحليل الاقتصادي وممارسات التقييس أن يتم اختيار سعر أو سنة الأساس بعناية فائقة وبعد إجراء اختبارات عديدة ولا بد من تجنّب الفترات غير الاعتيادية. وكان عام 2017 غير اعتيادي بدليل اتفاق الأوبك الذي وضع حدا لانهيار أسعار النفط التي بدأت بالتحسن منذ منتصف العام. فلماذا تم تجاهل هذه الأساسيات العلمية المعروفة؟
معظم التوقعات الخاصة بأسعار النفط التي تجريها المؤسسات الدولية المرموقة تشير إلى ارتفاع أسعار النفط من الآن فصاعداً وبالتأكيد فوق مستوى 50 دولاراً للبرميل سواء في المدى القصير أم المتوسط أم البعيد. فمعدل سعر النفط العراقي خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من هذا العام كان 61.85 دولا، أي 23.7 بالمئة فوق سعر الأساس المستخدم في عقد جولة التراخيص.
ألا يستدعي ذلك كله إلى أذهان العراقيين المقارنة بين عراقي حافظ على مصلحة بلاده، وآخر فرط فيها، وإن كان ذلك يهوديا وهذا مسلما، فالمواطنة والشعور بالانتماء إلى الوطن يجعلان الفرد يفضّل مصلحة شعبه وبلده على ما سواها من المصالح.
3 العراق اليوم والمسئولية العربية السيـــــــد زهـــــــره اخبار الخليج البحرين

قرأت قبل يومين تحليلا مهمًّا كتبه محلل أمريكي عن نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة وما تعنيه بالضبط بالنسبة إلى مستقبل العراق والمنطقة. التحليل يبرز عددا من النقاط التي تستحق أن نتأملها في الدول العربية.
يعتبر التحليل أن الخاسر الأكبر من نتيجة الانتخابات العراقية هو، إيران وأمريكا. البلدان هيمنا على مقدرات العراق بشكل شبه كامل منذ عام 2003، وأتت الانتخابات لتؤكد أن الشعب العراقي يتحرق شوقا إلى تأكيد هويته والاستقلال بعيدا عن السيطرة والنفوذ الأجنبي سواء كان إيرانيا أو أمريكيا.
ويذكر التحليل أنه يجب التوقف مطولا أمام فوز كتلة مقتدى الصدر بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات على ضوء مواقف الصدر المعروفة برفض النفوذ الإيراني، وتأكيد ضرورة عودة العراق إلى محيطه العربي.
ويعتبر أنه سيكون من الصعب جدا تشكيل حكومة عراقية من دون كتلة الصدر الفائزة. ومعنى هذا أن هناك احتمالا بتشكيل حكومة عراقية مستقلة عن طهران ونفوذها ، وتسعى إلى إعادة العراق إلى حضن العالم العربي.
ويقول كاتب التحليل إن إيران تواجه أزمة كبرى في العراق اليوم بعد الانتخابات، فهي مهددة بفقدان نفوذها على الساحة العراقية. ويفاقم هذه الأزمة التطورات الأخيرة المتعلقة بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي والعقوبات الجديدة التي يتم فرضها والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها إيران بالفعل، والتي من المتوقع أن تتفاقم في الفترة القادمة.
ولهذا تعتبر إيران أن نفوذها في العراق مسألة حياة أو موت، وسوف تقاتل في الفترة القليلة القادمة من أجل الحفاظ على نفوذها، ولن تكون التطورات السياسية في العراق سهلة أبدا.
يعتبر كاتب التحليل أن فقدان إيران لنفوذها في العراق سيكون ضربة كبرى قاصمة لها ولكل مشروعها في المنطقة، وسيكون بداية النهاية لهذا المشروع.
ولهذا، يعتبر الكاتب أن التطورات السياسية في العراق في الفترة القادمة بعد الانتخابات وما سوف تنتهي إليه سيكون مؤشرا مهما على مستقبل الوضع في المنطقة برمتها وإلى أين يتجه.
إذن، هذا التحليل ينبه إلى أن الانتخابات العراقية ونتائجها تمثل نقطة تحول في تاريخ العراق من زاوية ما أظهرته من إرادة للشعب بإنهاء هيمنة إيران والعودة بقوة إلى أمته العربية.
غير أنه ينبه أيضا إلى أن الأمر ليس سهلا وأن الساحة العراقية ستشهد في الفترة القادمة صراعا عنيفا على تشكيل الحكومة القادمة وبالتالي صياغة المستقبل السياسي للعراق، ولا يمكن الجزم الآن بما سينتهي إليه هذا الصراع.
الأمر المؤكد هنا أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي وستستخدم كل أسلحتها من أجل مقاومة إرادة الشعب العراقي، ومن أجل إبقاء هيمنتها هي والقوى العميلة لها.
في هذه اللحظة التاريخية التي يمر بها العراق تتحمل الدول العربية مسئولية كبرى.
الدول العربية يجب أن تكون على وعي بما نبه إليه هذا التحليل من أن الأمر لا يتعلق فقط بالعراق كبلد عربي ومستقبله، وإنما يتعلق بتطور يمكن أن يغير موازين القوى في المنطقة كلها، ويكون بداية النهاية لإيران وإرهابها وسطوتها.
لهذا، الدول العربية مطالبة اليوم بأن تقف بكل قوتها بجانب الشعب العراقي وبجانب خياره العروبي الذي أظهره في الانتخابات.. خيار الاستقلال وإنهاء سطوة إيران والعودة إلى حضن الأمة العربية.
لا نقول إن الدول العربية يجب أن تتدخل في المفاوضات التي ستجري لتشكيل الحكومة العراقية، مع أن هذا ليس أمرا مستهجنا على ضوء الضغوط الشرسة والجهود المستميتة التي تبذلها إيران بالفعل.
الدول العربية يجب أن تعلن بوضح وقوفها بجانب خيار الشعب العراقي، واستعدادها لأن تدعمه بكل قوة وبكل السبل.
الدول العربية يجب ألا تتردد في إعلان أنها ستكون داعمة بكل قوتها لحكومة عراقية مستقلة تسعى إلى إنهاء نفوذ إيران وإجرامها، وإلى العودة إلى الأمة العربية.
في كل الأحوال، يجب ألا تقف الدول العربية صامتة في لحظة التحول هذه، وتترك الساحة لإيران كي تسرق إرادة الشعب وتعود لفرض كلمتها على مقدرات العراق.
4 الانتخابات العراقية… من جبة الطائفية إلى حضن الوطن لؤي عبد الإله الشرق الاوسط السعودية

يشبه الائتلاف الذي احتل المرتبة الأولى في نتائج الانتخابات الأخيرة الماء، فهو يتكون من عنصرين مختلفين تماماً؛ الأول يضم أحزاباً علمانية أبرزها الحزب الشيوعي، والثاني يضم أحزاباً ذات منطلقات دينية كحزب «الاستقامة الوطني» الذي يعد رجل الدين مقتدى الصدر زعيماً روحياً له. كأننا نحن هنا أمام غازّي الأكسجين والهيدروجين اللذين لن ينتقلا أبداً من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة إلا بفضل اتحادهما بنسبة ذرتي هيدروجين لكل ذرة أكسجين.
كذلك هو الحال، مع هذين التيارين المختلفين، فلو دخل الحزب الشيوعي الانتخابات وحده لحصل على مقعد واحد في أحسن الأحوال. كذلك هو الحال مع التنظيم ذي التوجه الديني المنشأ حديثاً: «الاستقامة الوطني»، فإنه الآخَر لن يحصل إلا على عدد محدود ومتواضع من المقاعد.
هنا وبعد مرور خمس عشرة سنة عجفاء، ارتدّ مستوى المعيشة لقطاعات واسعة من العراقيين نحو الدرك الأسفل، بينما اتسعت دائرة الفساد ونهب موارد الدولة بشكل لم يسبق له مثيل، في الوقت الذي بلغت موارد النفط من عام 2003 إلى عام 2014 (حتى وصول الدكتور حيدر العبادي لرئاسة الحكومة) أكثر مما دخل على العراق من بيع البترول منذ بدء إنتاجه تجارياً في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، وحتى إسقاط نظام صدام حسين على يد الولايات المتحدة وحلفائها عام 2003.
لذلك، وبغض النظر عن عدد المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب العلمانية في ائتلاف «سائرون»، فإن ضمه لقطبين يختلفان جذرياً في الكثير من القناعات الأولية، حدثٌ يعكس تحولاً ملموساً لثقافة ظلت تعد الهوية المذهبية والدينية أساساً يسبق المواطنة والانتماء إلى الوطن الواحد. وبتعقب الائتلافات الأخرى نكتشف وجود قائمتين عابرتين للطوائف والإثنيات والأديان، وهاتان هما قائمتا «النصر» التي حصلت على 42 مقعداً (حسب النتائج الأولية) و«الوطنية» التي حصلت على 21 (من دون تغيير عن نتائج الانتخابات السابقة). أما الخاسر الأكبر فهو ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يمثل بالدرجة الأولى حزب الدعوة الإسلامية الشيعي، فقد حصل على 25 مقعداً (أي بخسارة مقاعد بلغت 67 مقعداً عن الانتخابات السابقة). في المقابل حصل ائتلاف «سائرون» على 54 مقعداً (بزيادة 30 مقعداً عن انتخابات عام 2014 السابقة).
مع ذلك فإن التحول لم يكن كلياً، فالنتيجة التي حققها ائتلاف «الفتح» الذي يمثل الحشد الشعبي، تعكس وجود قطاع مهم من الناخبين ما زالوا يشعرون بالعرفان بالجميل لهذه القطعات شبه العسكرية التي واجهت «داعش» وأسهمت في دحره وقدمت الكثير من التضحيات لتحقيق هذا الهدف، ولذلك كان احتلالها الموقع الثاني في عدد المقاعد البرلمانية (47 مقعداً) يعكس هذه الحالة الملتبسة.
يمكنني القول إن نتائج الانتخابات تشكل تحولاً نوعياً في مسار الحالة العراقية بعد انهيار الدولة وحل جيشها ومؤسساتها الأمنية على يد «المحافظين الجدد» في إدارة الرئيس بوش الابن، من خلال الأوامر التي نفّذها بول بريمر حال تسلمه رئاسة ما عُرفت آنذاك بـ«سلطة التحالف المؤقتة» للعراق. كذلك فقد أدى إصدار قانون اقتلاع «البعث» إلى طرد الكثير من الموظفين الأكْفاء وإحلال أشخاص عاشوا عقوداً من حياتهم في مهن حرة خارج العراق أو على مساعدات الدول المضيفة لهم، محلهم. ومع مرور الوقت تحولت الوزارات إلى قلاع منفصلة بعضها عن بعض، وتديرها فئات لا صلة لها بخدمة المواطنين، وغريبة عن إيقاع العمل البيروقراطي النظامي الذي تَشكَّل عبر عشرات السنوات من تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921.
أمام انعدام المقومات الأولية لتحقُّق الأمن الشخصي للمدنيين العراقيين واضطرار أعداد كبيرة من العسكريين إلى الانضمام إلى الميليشيات الشيعية والسنية سعياً لكسب شروط العيش الأولية لهم ولأسرهم، أصبحت الطائفة أولاً هي المظلة الحامية لهم، وعلى ضوء ملء الفراغ الأمني من قبل الميليشيات الطائفية أصبح العراق محكوماً بعدد كبير من الطغاة بدلاً من طاغية واحد، وأصبحت الأرضية جاهزة للخطوة اللاحقة: الفتنة الطائفية وتغيّر المناطق ديموغرافياً وفق الخلفية المذهبية، مع بقاء جزر صغيرة في بغداد محافظة على نسيجها التعددي.
أما الكيانات الدينية الصغيرة الأخرى فقد غادر معظم أبنائها العراق، وهذا يشمل المسيحيين بشتى مذاهبهم والصابئة، وغيرهم، بعد أن فقدوا حماية الدولة المنهارة لهم.
كانت الفترة التي عاشها أهالي بغداد بالدرجة الأولى بين عامي 2006 و2007 الأكثر قتامة ومأساوية، وخلالها جرت حملات التطهير الطائفي بشكل واسع، وقُتلت أعداد كبيرة من المدنيين بشكل عشوائي على يد رجال الميليشيات من سنة وشيعة، وبينهم الكثير من الكوادر المهنية المتقدمة في المجتمع.
كان مصير العراق كدولة خلال تلك الفترة على كف عفريت، وكانت الرهانات تدور كلها على قرب تفكك البلد بالكامل على أسس طائفية وإثنية.
كأن الاحتلال الأميركي – البريطاني حقق بقوانين قليلة من تفكيك للبلد وتفتيت للّحمة التي تجمع أبناءه ما فشلت فيه كل الحروب وفترات الحصار والتجويع التي مروا بها، فبدلاً من الخوف من طائرة قد تقصف بيوتهم أصبح الخوف من الجيران، وأصبح الميل إلى معرفة هوية الآخر الطائفية جزءاً من ثقافة طغت خلال سنوات الجمر تلك. انتقل الخوف من أن يكون خارجياً إلى داخلي.
وفي خضم هذا الخوف من الآخر، رُمِي لأهالي بغداد ذات التنوع المذهبي والديني والإثني، طوق نجاة كان موشكاً على الاختفاء: إنه العشيرة والانتماء العشائري، فما دام العراقيون العرب، سنةً أو شيعةً، ينتمون إلى نفس القبائل والعشائر أصبح بالإمكان تجديد هذه الجسم المتحجر وإعادته إلى الحياة. وهكذا ظهرت كيانات يرأسها شيوخ تقليديون أو أبناؤهم لفض الخلافات الواقعة في الحياة اليومية لرعاياهم وتوفير حدٍّ ما من الحماية لهم. أما بالنسبة إلى أولئك الذين بلا عشيرة فإنهم يستطيعون طلب الحماية من هذا الكيان أو ذاك، وبالطبع هناك اشتراك يقدمه الفرد لتمارس هذه المؤسسات دورها الفعال.
كأن هذه المرحلة التي امتدت من عام 2003 حتى يومنا هذا تنقسم إلى جزأين؛ الأول كان محكوماً بالهوية الطائفية، والثاني بالهوية العشائرية.
من الدولة إلى الطائفة، ثم من الطائفة إلى العشيرة. والآن تأتي الانتخابات لتضرب عرض الحائط بالكثير من الأعراف التي رسختها ثقافة المحاصصة وانفراط مؤسسات الدولة بعضها عن بعض.
الآن تميل الكفة لتَشَكُّل تحالُف واسع عابر للطوائف والإثنيات والأديان، يتكلف بالحكم من خلال حكومة تكنوقراط (أي حكومة خبراء ليسوا بالضرورة أن يكونوا أعضاء برلمانيين)، فهل سنشهد مرحلة جديدة: التحرك من العشيرة إلى الدولة، ومن الانتماء العشائري والمذهبي والديني إلى الانتماء إلى الوطن. أن تصبح المواطنة هي الهوية الأساس تليها الهويات الأخرى؟
من السابق لأوانه تقديم الإجابة، فالعراق والعراقيون ظلوا يفاجئون العالم بقدرتهم على تجاوز أصعب الظروف والخروج من الأنفاق الكثيرة التي مروا بها من دون أن يتشتتوا شذر مذر إلى كيانات وكانتونات صغيرة على حساب وطن كان العالم يحسب له حساباً كبيراً.